الثورة العربية
الثورة التي وقعت عام 1916
الثورة العربية الكبرى هي الثورة التي انطلقت من الحجاز والشام للتحرُّر من الحكم العثماني التركي. قُرنت هذه الثورة بالشريف حسين (1853-1931)، إذ قادها في 10 يونيو سنة 1916 ضدَّ دولة الاتحاد والترقي (القوميين الأتراك) الذين سيطروا على الدولة العثمانية منذ يوليو 1908، بعد انقلابهم العسكري على السلطان عبد الحميد الثاني
كان الحسين عاش منفياً مع أبيه في إسطنبول وهو طفل، ثم عاد منفياً مرة أخرى إليها بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني، بسبب خلافه مع عمِّه شريف مكة سنة 1893. عاش الحسين مُستقيماً مُتديِّناً مُطيعاً لدولة الخلافة الإسلامية، وكان يستقبل بعض العاملين العرب للقضية العربية. وعند وفاة شريف مكة، طلب من السلطان تعيينه في الشرافة، لكن الاتحاديين اعترضوا خوفاً من طموحه، ومع ذلك، أصدر السلطان عبد الحميد الثاني فرماناً بتعيينه في نوفمبر 1908م.[2]
حكم الحسين مملكة الحجاز بقوَّة، ورفض دستور الاتحاديين لمخالفته الشريعة الإسلامية، وتخاصم مع والي المدينة، وتهرَّب من المشاركة في حرب قناة السويس، ومكَّن لنفسه فكان حكمه شبه مستقل عن سلطة الأتراك، واستطاع تحويل منصب الشرافة إلى دولة.
ومن خبرته بالسياسة والمناورات والانقلابات في اصطنبول، كان مستعداً للتغيير في العلاقات مع الدولة التركية، بانتظار الظرف الملائم المتعلق بثلاث قوى، إضافة إلى طموحاته: 1- دولة الاتحاد والترقي، 2- القوميين العرب، 3- بريطانية ومصالحها.
أساء حكم الاتحاد والترقي للشعوب الخاضعة للدولة العثمانية، وخاصةً للعرب لأنه اعتمد القومية التركية وتخلى عن الإسلام الجامع بينهما، وتمادى القادة الأتراك فعزلوا السلطان عبد الحميد سنة 1909 نهائياً، وهو صديق العرب ومقرِّبهم إليه والمعتمد عليهم في مواجهة أطماع القادة التُّرك المتعصبين، مما جعل العرب ينقمون عليهم عامة، وخاصة بعد تبنيهم سياسة تتريك الشعوب غير التركية في دولتهم. ولاحظ الحسين ذلك في اصطنبول، واقترح على السلطان، وهو يودعه، السفر معه إلى الحجاز ليساعده على استعادة خلافته الشرعية وملكه، فلم يرَ السلطان الوقت مواتياً.
وكان القادة الأتراك بسياستهم المتعصبة أسوأ طبيب يداوي الرجل المريض (الدولة العثمانية)، وعندما وصل جمال باشا أحد رجالهم الأقوياء حاكماً على سورية، اتَّهم رجالات العرب بالخيانة والتآمر مع الفرنسيين والإنكليز لفصل سورية عن الدولة العثمانية، وأعدم زعماءهم وضباطهم سنة 1915 وفي 6 أيار 1916 في دمشق وبيروت، ممَّا دفع الحسين إلى العمل بسرعة.
وكان القوميون العرب في دمشق، أسَّسوا جمعياتهم القومية، وخاصة العربية الفتاة سنة 1909 (حين عُزل السلطان)، مقابل «تركية الفتاة»، وكان لهم جمعيات أخرى كـ«القحطانية» تجمّع فيها الضباط العرب في دمشق، وبادر القوميون العرب وأرسلوا إلى الحسين عن استعدادهم للتحرك في دمشق إذا قبل قيادة ثورة على الدولة التركية. وعندها أرسل الحسين ابنه فيصل إلى دمشق، فالتقى بأولئك الرجال واتفق معهم على قيام الثورة بقيادة والده، وكان الهدف ممَّا سُمَّي بميثاق دمشق، تأسيس دولة عربية واحدة من جبال طوروس إلى البحر العربي ومن البحر الأحمر حتى الخليج العربي يكون الشريف حسين رئيسها، وحدث ذلك بينما كان جمال باشا يعدم الوطنيين ومنهم الضباط العرب.
اكتشف الحسين خطة والي المدينة المنورة لاعتقاله، فزاده الأمر تصميماً على الثورة، وأرسل ابنه الأكبر عبد الله إلى الإنكليز في مصر، ومن ثم بدأت مفاوضات ومراسلات الحسين ـ مكماهون سنة 1916، التي تمَّ الاتفاق فيها على قيام ثورة على تركية تدعمها بريطانية وتعترف باستقلالها وتحميها، وتمدُّها بالمال والسلاح وكان ذلك في سبيل هدف مشترك تمثَّل في الوقوف ضد الأتراك حلفاء الألمان في الحرب العالمية الأولى التي كانت قد اشتعلت سنة 1914 بين ألمانية وفرنسة وبريطانية ودول أخرى.
اعتبرت الحركة خروج عن الدولة العثمانية و يراها البعض تحريراً للعرب من الأتراك العثمانيين و يراها أخرون تمرداً على خلافة إسلامية شرعية. أعلنت الثورة من قبل الحكومة البريطانية بعد أن وعدته بأن تعترف باستقلال آسيا العربية كاملة و يكون هو ملكاً على العرب في مراسلات حسين مكماهون.
تمكن أفراد القبائل الذين انضموا إلى الحركة من تفجير خط سكة قطارات الحجاز بمساعدة ضابط المخابرات البريطاني لورنس، ومنعوا وصول الدعم التركي إلى الحجاز، و طردواالجيش التركي من مكة والمدينة والعقبة ومعان و دمشق وأخيرا حلب في عام 1919.
الثورة العربية الكبرى والدولة العربية الموحدة
United Arab Flag.jpg
أعلن الشريف حسين بن علي الثورة ضد الأتراك باسم العرب جميعا. وكانت مبادئ الثورة العربية قد وضعت بالاتفاق ما بين الحسين بن علي وقادة الجمعيات العربية في سوريا والعراق في ميثاق قومي عربي غايته استقلال العرب وإنشاء دولة عربية متحدة قوية، وقد وعدت الحكومة البريطانية العرب من خلال مراسلات حسين مكماهون (1915) بالاعتراف باستقلال العرب مقابل إشراكهم في الحرب إلى جانب الحلفاء ضد الأتراك. ونشرت جريدة "القبلة" بيانا رسميا برفع العلم العربي ذي الألوان الأربعة ابتداءا من (9 شعبان 1335\10 يونيو 1917) وهو يوم الذكرى السنوية الأولى للثورة. وقال البيان أن العلم الجديد يتألف من مثلث أحمر اللون تلتصق به ثلاثة ألوان أفقية متوازية هي الأسود في الأعلى متبوعا بالأخضر في الوسط والأبيض في الأسفل. وتشير الألوان الأفقية المرفوعة إلى شعارات رفعها العرب قديما (الأسود: الدولة العباسية) (الأخضر: الدولة الفاطمية) (الأبيض: الدولة الأموية)؛ أما المثلث الأحمر فيشير إلى الثورة. وقد جمع العلم في ألوانه الأربعة رموز الاستقلال والتاريخ العربي في كل الأزمنة، واستمر العلم حتى عام 1964.
أهداف الثورة
أهداف المملكة المتحدة
المملكة المتحدة بدورها واجهت مشكلة كبيرة في الحرب العالمية الأولى، حيث كان عليها محاربة ألمانيا والدولة العثمانية (المسلمة) المتحالفة معها، ما عنى أن انخراطها في حرب ضد الدولة الإسلامية سيعرّض وجودها الاستعماري في الهند، درة التاج الاستعماري البريطاني، لأخطار حقيقية، وخصوصًا مع وجود أعداد كبيرة من الهنود المسلمين في قواتها، وخشيتها من مشاركتهم في أي ثورة حقيقية هذه المرة. لذا نجد بريطانيا تحاول العثور على مخرج من أزمتها المستعصية هذه بمحاولة التحالف مع الجناح المؤيد لبريطانيا داخل الدولة العثمانية وتقويته كي تنهي تحالفها مع برلين، وثمة تفاصيل كثيرة عن الموضوع يمكن للبحاثة العثور عليها في المراجع ذات الصلة.
محاولات بريطانيا هذه أخفقت، وخصوصًا بعدما أمر ونستن تشرتشل بغزو قواتها البحرية مضيق البوسفور في أبريل عام 1915، انتهت بكارثة عسكرية لها، والعملية هذه معروفة باسم معركة گاليپولي التي انتهت بمقتل نحو ستين ألفاً من قوات الحلفاء البريطانيين والفرنسيين والأستراليين والنيوزيلانديين، ونحو نصف مليون مصاب. كما ان مكالبة بريطانيا حلفاءها في الدولة العثمانية بقبول التنازل عن اسطنبول لمصلحة روسيا، وفق اتفاقية سايكس-بيكو، حسمت رفض ذلك الجناح السير مع لنجن وقوى الجناح العثماني الذي فضل التحالف مع برلين.
بريطانيا كانت تعمل دومًا على أكثر من اتجاه؛ على سبيل المثال، لندن كانت تتخذ من سياسات الباب العالي القمعية تجاه الأرمن والمسيحيين على نحو عام ذريعة للتدخل أكثر فأكثر في شؤون إسطنبول الداخلية، لكن عندما اندلع انقلاب جمعية الاتحاد والترقي التي فرضت نظامًا عَلمانيًا، وأحلّت المواطنة بدلاً من الانتماء الديني والمذهبي، أصيبت لندن بالحيرة لأن ذلك كان يحقق بعض مطالب الغرب تجاه الباب العالي، لكنه أفقدها في الوقت ذاته أي ذريعة للاستمرار في تدخلاتها تلك. بالعودة إلى المراجع ذات الصلة، نجد أن معضلة بريطانيا تجاه خوض حرب على دولة إسلامية، أنتج فكرة إثارة تمرد عربي، حيثما أمكن، على الباب العالي، يمنحها غطاءً لخططها الاستعمارية في شرق المتوسط. ولندن كانت تحتفظ بعلاقات وطيدة مع حركة آل سعود والوهابيين التكفيريين، الذين لجأوا إلى الكويت إبان حملات محمد علي وابنيه ابراهيم باشا وطوسون، مع أنه يقال إن الأول كان ابن زوجه. لكننا لن نلتفت هنا إلى علاقات لندن بآل سعود ذلك أن أكثر من مرجع تحدث فيها، وفي مقدم الذين تناولوها الجاسوس البريطاني كم فلبي، بل سنركز على جذور التحالف الأعرابي البريطاني.
ما يهمنا الآن علاقات لندن بالباب العالي في تلك المرحلة التي أُرِّخ لبعض جوانبها في مراسلات كبير مترجمي القنصلية البريطانية في اسطنبول، واسمه جرلد فتسمُريس، وهو إيرلندي كاثوليكي خدم التاج البريطاني عن طيب خاطر، حتى إبان ثورة شعبه على حكم لندن الاستعماري. أما علاقات الود بين لندن باسطنبول، فلم تكن من الأمور الجديدة، وتعود بجذورها إلى القرون الأوروبية الوسطى عندما استعانت ملكة بريطانيا إليزابيث الأولى بالسلطان العثماني مراد الثالث في مواجهة الحصار الاقتصادي الذي فرضه باب الفاتيكان عليها. التحالف استمر قرونًا، لكنه خفت بعض الشيء بعد غزو بريطانيا مصر واحتلالها عام 1882.
أهداف فرنسا
فرنسا من جانب آخر احتفظت هي الأخرى بعلاقات جيدة مع الباب العالي، أيضًا منذ تلك العصور، عندما طلب الملك الفرنسي فرنسيس الأول مساعدة القوات العثمانية إبان حكم السلطان سليمان القانوني في مواجهة خصومه الأوروبيين عام 1536. علاقات الدولة السنية بمختلف القوى الأوروبية البرُطسطنطية قديمة وعريقة، ذلك أن الهولنديين الذين ثاروا على الحكم الإسباني عام 1570 رفعوا شعار « Liver Turcx dan Paus / الأفضل تركي من أن تكون بابويا [أي تابعًا لبابا الفاتيكان]».
في الواقع قامت تحالفات عدّة بين السلطنة العثمانية المسلمة [السنية] من جهة وقوى أوروبية برُطسطنطية، ضد قوى أوروبية كاثوليكية؛ أما الكاثوليك فقد تحالفوا مع الدولة الشيعية ضد البرُطسطنط!
أهداف العرب
تكمن بذور هذه الحركة في التطلعات القومية العربية والرغبة في بناء دولة عربية ناهضة ,تنقل العرب من عصر الانحطاط والتخلف الى الارتقاء الحضاري,ومن جهة اخرى موقفهم من سياسة قادة الاتراك ومعاداتهم العرب وخصوصا بعد انقلاب جمعيات عربية على الامبراطورية العثمانية. وقد وجدت هذه الجمعيات في الشريف حسين واولاده حليفا لها في اهدافها.
وكانت اتصالات الشريف حسين بالانكليز قد بدات قبل قيام الثوره عندما اجتمع الامير عبد الله بن الحسين باللورد كيتشنر, المفوض السامي في القاهرة, خلال شهر شباط 1914، حيث اتفق على استمرار الاتصالات بين الطرفين, تتابعت المفاوضات على شكل مراسلات بين الشريف حسين وبين المعتمد البريطاني في القاهرة السير هنري مكماهون.
الرسالة الاولى: تضمنت الرسالى الاولى التي بعثها الشريف حسين نصوص بروتوكول دمشق,كاساس للتحالف بين بريطانيا والعرب ضد الاتراك, بالاضافة الى مطالبة بريطانيا بالاعتراف بخليفة عربي للمسلمين.
ومن خلال المراسلات المتبادلة (1916-1915) تعهدت بريطانيا بالاعتراف بالاستقلال العربي وتأييده، كما ابدت بعض التحفظات التي تساعدها على التملص والتهرب من التزاماتها مع العرب، وذلك بغية تحقيق مصالحها ومطامعها في المنطقة العربية. ففي الحقيقة كل هذه التعهدات كانت تغطية للخداع البريطاني على العرب، فقد كانت لبريطانيا مخططات مع حليفتها فرنسا لاقتسام الاراضي العربية ولضمها الى الممتلكات الاستعمارية (سايسكس-بيكو) وايضا اقامة وطن قومي يهودي في ارض فلسطين تحت الحماية البريطانية، وذلك في نفس الوقت الذي التزمت فيه بالاعتراف بدولة الاستقلال العربي التي تضم فلسطين. ومعروف ان الاتراك حاولوا جذب الشريف حسين بعد افتضاح الاتفاقيات السرية بين بريطانيا وفرنسا، واستمر في التعاون مع بريطانيا والحلفاء اللذين كانوا يمولون جيشه من الخزينة المصرية، ويزودونه بالسلاح والخبراء مثل لورانس العرب.
كانت بريطانيا ترى في الحسين خير حليف عربي في إجهاض نداء تركية إلى الجهاد الإسلامي لمركزه الديني والعربي بصفته شريف مكَّة. بيد أنَّ العرب والحسين كانوا يجهلون ما حاكته بريطانية في الخفاء ناقضةً اتِّفاقها مع الحسين، إذ أَبرمت اتفاقية (سايكس ـ بيكو) في 16 أيّار 1916 مع فرنسة وروسية، وأعطت وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 الذي وعدت فيه بتأسيس دولة يهودية في فلسطين. وأخذت بريطانية ترسل المال والسلاح على قدرٍ لا يجعل للعرب قوةً فعلية، لكن بما يكفي لدحر الأتراك بدعم من الجيش البريطاني الذي سيدخل من مصر إلى فلسطين ثم إلى الشام سنة 1917 و1918، ونقلت الأسرى العرب والضباط إلى الحجاز، إذ كان الجنود العرب يَفرُّون من جيوش الأتراك ويلتحقون بقوات الحسين.
1916: ت. إ. لورنس
لورنس في الربع الخالي، شمال جدة، 1917
حين تمَّت التحضيرات أعلن الحسين ثورته في 10 يونيو 1916، وكان من أهمِّ أسبابها المباشرة اعتداء القادة الأتراك على حقوق السلطان وخليفة المسلمين الشرعية، واعتداءهم على القادة العرب واتهامهم بالخيانة وإعدام بعضهم. وهكذا تحرّك الحسين لتحقيق دولة مستقلة للعرب، فأصدر الاتحاديون بياناً يصفونه بخيانة دولة الإسلام، وعزلوه من الشرافة ووضعوا علي حيدر بدلاً منه.
ألَّف الحسين قوَّةً مسلحة من مال الإنكليز وسلاحهم، لكنَّ المساعدة التي قدَّمها الإنكليز لم تتجاوز الحدود الدنيا لعدم استعدادهم دفع مال كثير، ولخشيتهم أن تصير قوته قوة كبيرة تُهدِّد مصالحهم ومصالح الفرنسيين معاً، وظهر الضعف فيما بعد إذ بقيت القوة ضعيفة. وكان جيش الشمال أو الجيش العربي الذي قاده فيصل بن الحسين باتجاه سورية، والجيش الذي قاده أخوه عبد الله لترسيخ سلطة الشريف حسين في الحجاز الركيزة الأساسيَّة لتلك القوة العربية المسلَّحة.
1917
https://www.marefa.org/images/thumb/9/9c/Map_of_Al_Hijaz_Train_Lines.png/300px-Map_of_Al_Hijaz_Train_Lines.pngخريطة مسار خط سكك حديد الحجاز (طريق الحج: دمشق-مكة)؛ بناه العثمانيون في أوائل القرن العشرين، وسرعان ما توقف في أعقاب الثورة العربية 1917
وصل فيصل وجيشه إلى الأردن حين كان الجيش البريطاني في فلسطين سنة 1917، فاحتل القدس في ديسمبر 1917، والتقى الجيشان على مداخل دمشق في أواخر سبتمبر وبداية أكتوبر 1918، ولقي الأمير فيصل وجيشه استقبالاً منقطع النظير في دمشق.
1918: زيادة مساعدة الحلفاء وانتهاء القتال
في أول لقاء بين الجنرال اللمبي قائد الجيش البريطاني وفيصل في دمشق، بعد يومين من دخولهم إليها، عَيَّن اللمبي فيصلاً حاكماً على سورية، حسب اتفاقية (سايكس-بيكو)، تساعده قوة بريطانية وضابط ارتباط فرنسي لإبقاء سورية تحت قيادة الحلفاء. وحكم الإنكليز العراق مباشرة من دون اللجوء إلى الحسين أو أحد أولاده، وحكموا فلسطين أيضاً وبدؤوا يعدونها لتأسيس الكيان اليهودي فيها، وكان كلا البلدين تحت الانتداب البريطاني.
أمَّا فرنسا فقد احتلت الساحل السوري ولبنان، وفَصلت لبنان عن سورية، وشكَّلت فيه دولة تحت انتدابها، ثم احتلَّت سورية منهية الحكم العربي بقيادة فيصل في سورية، بعد حكم دام 22 شهراً من 1918 إلى 1920، فكانت معركة ميسلون المشهورة بين الجيش السوري بقيادة الشهيد يوسف العظمة وقوات الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال غورو في 24 تموز عام 1920، ودخل الجنرال غورو سورية وحكمها أيضاً باسم الانتداب الفرنسي، مقابل تخلي فرنسة عن حصتها في بترول الموصل إلى بريطانية، على أن لا تتدخل هذه باحتلال الفرنسيين لسورية.
اتَّهم الحسين الإنكليز بالخيانة بتخليهم عن سورية للفرنسيين، ضاربين عرض الحائط بكل تعهداتهم بإقامة دولة عربية واحدة مستقلة. ثم أخذ الإنكليز يضغطون على الحسين للاعتراف بوعد بلفور، ولكنه كان يرفض دائماً بقوله: «شبر في مكة يساوي شبراً في القدس»، وكان النزاع بين الحسين والدولة السعودية قائماً، فدعم الإنكليز السعوديين، فهاجموا الحجاز واحتلُّوه، جزاء عناده ورفضه مطالب الإنكليز، وغادر الحسين الحجاز سنة 1924منفياً إلى قبرص، وبقي ابنه علي ملكاً في جدة، ثم ما لبث ابن سعود أن هاجم جدة واحتلها سنة 1926، وبذا انتهت دولة الحجاز الهاشمية، وظل الحسين محجوزاً في قبرص حتى مرض، ونُقل إلى عمان حيث توفي سنة 1931، ودُفن في القدس، بينما كان ابنه عبد الله يحكم الأردن وفيصل يحكم العراق.
وفي تلك السنوات، ضمت بريطانية الأردن تحت انتدابها بعد احتلال فرنسة لسورية سنة 1920، ثم عَيَّنت الأمير عبد الله حاكماً عليه سنة 1921، أما فيصل فقد عوضته بدل سورية العراق سنة 1921 وصار ملكاً عليه، وزال حكم الهاشميين عن العراق بعد ثورة تموز عام 1958، وبقي الأردن تحت حكمهم حتى الآن باسم المملكة الأردنية الهاشمية.
نتائج الثورة
تمكنت الثورة من طرد القوات التركية من الحجاز، ومن مناطق في شرق الاردن، وساعدت المجهود الحربي البريطاني عسكريا وسياسيا في المشرق العربي. اقترب العرب من اقامة الدولة العربية الموحدة في الجزيرة والمشرقن إلا ان بريطانيا بدات تنفذ مخططتاتها في التجزئة والاحتلال والالحاق، فقسمت البلاد الى 3 مناطق عسكرية: جنوبية وتشمل فلسطين تحت الادارة البريطانية، وشرقية تمتد من العقبة جنوبا حتى حلب شمالا تحت ادارة فيصل، وغربية تضم المنطقة الساحلية من سوريا ولبنان من صور جنوبا الى كليكيا شمالا تحت الادارة الفرنسية. واتبع ذلك بالغزو العسكري الفرنسي وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين (وشرق الاردن) والعراق، كما فرض الاحتلال الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان.
كانت للسياسة التتريك الدور الاساسي في اشتعال الثورة. حبث استطاع القوميون الاتراك (الطورانييون) الوصول الى السلطة بقيادة مصطفى كمال اتاتورك الذي قام بمحاربة اللغة العربية و فرض اللغة التركية على العرب، (وهذا الكلام فيه نظر)، فأن كمال اتاتورك، لم يكن سوى قائد عسكري في الجيش العثماني، وهو من تفاوض على الأنسحاب من الأرضي العربية وأخصها أرض الشام (لبنان وسوريا وفلسطين)، ولم تأتي سياسة التتريك إلا بعد سقوط الدولة العثمانية وتقلص نفوذها، والشاهد على ذلك أن العثمانيون كانوا أمناء في الحفاظ على فلسطين، رغم محاولات اليهود (بواسطة الإنجليز) وأغرائتهم المالية، فحقيقة الثورة إن كنا منصفين؛ هي نتاج ضعف الدولة العثمانية قبل سقوطها بيد (الطورانييون)، من جهة، ومن دعم بريطاني من جهة أخرى، وسبب الدعم البريطاني كان معروفا لعدة أسباب: أن العثمانيون كانوا حلفاء الألمان، والأمر الثاني هو إستكشاف النفط في شبه الجزيرة العربية والعراق، والثالثة هي زرع دولة أسرائيل، بعد أن بائت كل محاولات الأنكليز السابقة بأقناع العثمانيون بذلك , فيرجى عدم الخلط بين العثمانيون، وتركيا الحديثة.
انتقل العرب من حكم العثمانيين إلى سيطرة الاستعمار البريطاني و الفرنسي حيث تم تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو دون النظر إلى مصالح العرب، بل أن العرب كانوا أول الخاسريين وأخرهم، فلقد تقسمت أرضيهم الى دويلات، وتم تأسيس دولة أسرائيل في فلسطين، وهذا الذي لم يحدث في زمن العثمانيون.
نقد
أما مسألة انطلاق التمرد الأعرابي على الباب العالي، فلم تكن في الأصل فكرة الحسين بن علي، ولا أبنائه، ولا قيادات سورية، بل نتاج توافق أنغلو-فرنسي جرى عبر مراسلات مطولة وكثيرة توجت في نهاية المطاف بمؤتمر عقده الطرفان في فرنسا يومي 30 و31 ديسمبر 1915 وحضرته مجموعة من أهل الاختصاص الفرنسيين قادهم م. گو (M. Gout) رئيس قسم الأمور الإسلامية في وزارة الخارجية، والبريطاني هنري مكمَهون، وقرروا قيام بريطانيا بحثّ عملائها في الحجاز على الاستعداد للتمرد العسكري. كما اتصل ممثلوها بخديوي مصر المخلوع، حلمي باشا المقيم في منفاه السويسري، فبارك هذا التحالف الذيلي، ربما طمعًا في استعادة منصبه الشكلي في مصر الخاضعة للاحتلال البريطاني. أما فرنسا، فقد تكفلت بحثّ عملائها في سوريا على التحالف مع أذناب لندن والمشاركة في التمرد المزعوم، وتفاصيل هذه التحركات متوافرة في الوثائق الرسمية ذات الصلة.
وثائق الاستخبارات البريطانية تؤكد أن قوات الأعراب التي دخلت الحجاز، كانت بقيادة بريطانيا واعتمادًا على المعلومات الاستخبارية التي كانت تجمعها منذ ما قبل الحرب انطلاقًا من مصر والكويت، ومن خلال علماء الآثار والرحالة، رجالاً ونساءً، وغيرهم من الجواسيس الذين كانت ترسلهم إلى شرق المتوسط.
إضافة إلى ذلك، فإن القوات البريطانية، ومن ضمنها قوات من أستراليا ونيوزيلاندا وغيرهما، هي التي أنجزت احتلال بلاد الشام بقيادة الجنرال أللنبي صاحب المقولة المنسوبة إليه، واضعًا بسطاره المغبرّ على قبر الناصر صلاح الدين في الجامع الأموي في حاضرة الأمويين: «ها قد عدنا يا صلاح الدين - الآن انتهت الحروب الصليبية»، وصولاً إلى الحدود السورية التركية الحالية، تنفيذًا لاتفاقية سايكس بيكو، وثمة مؤلفات حديثة وقديمة تؤرخ لذلك الاحتلال وتفاصيل المعارك على نحو شبه يومي.
بالعودة إلى كبيرهم، الحسين بن علي الذي جلبه السلطان العثماني إلى إسطنبول، فالمراجع ذات العلاقة تذكر أن ترجمان القنصلية البريطانية في حاضرة العثمانيين، الآنف الذكر، هو من اقترحه واليًا على الحجاز. الترجمان كان هو الممثل الحقيقي للندن في العديد من عواصم العالم، منذ العصور الأوروبية الوسطى، وثمة مؤلفات مخصصة لهذا الموضوع. أي إن مسألة اختيار الحسين بن علي والتمرد الأعرابي، المسمى «ثورة» كانت مشروعًا بريطانيًا خالصًا، شاركت فيه فرنسا وروسيا القيصرية، إتمامًا لاتفاقية سايكس - بيكو لاقتسام تركيا وشرق المتوسط، أو ما يعرف بجزيرة العرب.
نهاية الحسين بن علي معروفة، إذ حاول التمرد على لندن التي صنعته، فألقت به في السجن بعدما تمرد على أوامرها وأعلن نفسه ملك العرب.
أما أبناؤه، علي وعبد الله وفيصل فقد تولى أولهم ولاية الحجاز، بعدما أرغم والده السجين على التنحي، وجرى تقسيم سوراقية إلى سوريا والعراق، ومن ثم تقسيم فلسطين، وفق المفهوم التوراتي السائد. فيصل عُيّن ملكًا على العراق الذي جرى استحداثه اصطناعيًا. أما المليك المؤسس، عبد الله بن الحسين، وكان محتقرًا في العائلة التي كانت تطلق عليه نعت عنصري هو جوز العبدة›، إشارة إلى زواجه بابنة إحدى جواريه السوداء البشرة واسمها ناهدة، فعُيّن أميرًا «تحت التجربة لمدة ستة أشهر على شرق فلسطين [الذي أطلق عليه الاسم التوراتي «عبر الأردن»]. وأنيطت به مهمة منع أي حركة معادية للصهيونية في فلسطين، والقضاء على أي حركة سورية في «عبر الأردن» معادية للاحتلال الفرنسي هناك». وعندما قُتل، ربما بمعرفة الاستخبارات البريطانية، بعدما نفذ واجباته في تسهيل اغتصاب الحركة الصهيونية قسماً من فلسطين وتشريد أهلها، نعاه الاستعماري القبيح ونستن ترتشل بالقول: «… فقد اليهود صديقاً وشخصاً كان مؤهلاً لتذليل المصاعب»، أي احتلال الصهاينة فلسطين وطرد أهلها منها والعمل على محاولة محو الاسم فلسطين من الذاكرة الجمعية.
ثمة مسألة أخرى وردت في النسخة الأصلية لمذكرات أحد الشهود الفلسطينيين على صراعات العائلة الشريفية، وتهمة الجنون التي أُلصقت بالملك طلال. فقد ذكرت المذكرات، قبل تنقيحها ونشرها بما يرضي نظام عمّان، أن طلال كان يتهم زوجه زين التي أجبر على الاقتران بها، بخيانته مدّعياً أن أحد أبنائه ليس منه. كما ذكرت تلك المذكرات، أن مجرد ذكر زين أمامه كان كافيًا لاستثارته ولانفعاله، وهو ما حرص بعض أعضاء العائلة على فعله لتسهيل تمرير إلحاق تهمة الجنون بطلال العروبي عدو الإنگليز.
العلاقة الذيلية لهذه العائلة ببريطانيا، وولاؤها المطلق للندن وسياساتها ومشاريعها الاستعمارية، كانا يتسيدان كل الأمور. فعندما قررت لندن عزل الملك طلال عن عرش «عبر الأردن»، الذي عرفته لندن باتجاهاته العروبية المعادية للإنكليز، كما يظهر في المؤلف الفذ «الملك عبد الله وشرق الأردن» لماري ولسن [وهو مؤلف معتمد رسميًا فقط بنسخته الإنكليزية لدى حكام عمّان، ومسجل مرجعًا على موقع المغفور لذنوبه الحسين بن طلال. لكن ترجمته العربية ممنوعة، إذ صادرت السلطات الأردنيّة مئات النسخ التي أرسلها الناشر إلى الأردن]. وقامت بإبعاد شقيقه نايف إلى لندن، لمنع توليه الحكم والإفساح في المجال أمام ابنه الحسين «ابن زين، سليل الخيانة والتآمر» وفق حُكم خالد الذكر جمال عبد الناصر، والبقية معروفة. ومع أن جلالة مليك البلاد الحسين تزوج أولاً [الشريفة] دينا عبد الحميد، إلا أن والدته زين أجبرته على طلاقها فتزوج من بعدها الإنگليزية أنطوانيت گاردنر، والدة عبد الله الثاني ملك الأردن الحالي، لكن فقط بعدما أخذ إذنًا من الرئيس جمال عبد الناصر.
نصل الآن إلى مسألة المراجع والمعارف الضرورية واللازمة لإعادة كتابة تاريخ المشرق العربي، ومعرفة تفاصيل الأحداث والترتيبات التي سبقت ما تسمى «الثورة العربية الكبرى». فالمراجع المتخصصة بتلك المرحلة قليلة، وكثير منها مكتوب بأفكار مسبقة، وبعضها يفتقر إلى شمولية المعرفة اللازمة لمعالجة المواد ذات الصلة، لكن من المؤكد أنّ على الباحث الجدي والاستقصائي، في هذا الموضوع، الاطلاع على مجموعة كبيرة من المراجع الإنكليزية والفرنسية والعثمانية والتركية والألمانية والروسية، ثم العربية، إن توافرت. وعلى الباحث الاعتماد أولاً، وقبل كل شيء، على الوثائق الأصلية، ومنها وثائق مختلف الحكومات الغربية وتقارير القناصل لحكوماتهم، وتقارير الاستخبارات، والرسائل الخاصة المتبادلة بين القناصل وزملائهم وأصدقائهم. إضافة إلى ذلك، من الضروري للباحث أن يكون على معرفة بالأوضاع في أوروبا عشية الحرب العالمية الأولى، والعلاقات التي كانت تربط بين التحالف الثلاثي، أي بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية. كما وجب معرفة موازين القوى داخل حكومات الدول الأوروبية المؤثرة، ومشاكلها وعلاقاتها؛ على سبيل المثال مشاكل بريطانيا في إيرلندا، ونمو الحركة الاستقلالية التي قادت إلى الحرب الإنگليزية - الإيرلندية وانتهت بتقسيم البلاد واستقلال الجزء الجنوبي من الجزيرة عن لندن.
ومن الأمور الأخرى الواجب تتبعها الحركة الماسونية ودور الماسونيين الإنكليز والفرنسيين، والعثمانيين الأتراك والعرب واليهود… ذلك أن بعض قيادات «جمعية الاتحاد والترقي» كانوا ماسونيين مثل طلعت بي، ومنهم من كان أيضًا من دونمة سالونيكي، علمًا بأن علاقات العثمانيين في جمعية الاتحاد والترقي بالمنظمة الصهيونية العالمية وصلت إلى تنسيق غير مسبوق.