[rtl]
معركة الملوك: الحرم القدسي… بين «إغراءات» سعودية ومناورات أردنية
[/rtl]
[rtl]تقريران رفعهما القصر الملكي الأردني إلى قناة «يوتيوب»، وفي الأسابيع الأخيرة تبدد بقدر كبير الغموض حول أحد البنود الدراماتيكية في صفقة القرن للرئيس ترامب: فقد طلبت الولايات المتحدة منح السعودية دوراً مركزياً في إطار الوصاية على الأماكن المقدسة للإسلام في القدس، أي الحرم.
الأوصياء الحاليون، الأردن وملكها عبد الله، والذين يستندون إلى إرث تاريخي يمتد إلى نحو مئة سنة في الحرم وليس أقل من ذلك إلى سلسلة من الاتفاقات والتفاهمات مع إسرائيل، يشعرون بخيبة الأمل والإساءة. الملك الأردني غاضب. فهو غير مستعد لأن يخلي المنصة للسعوديين ولملكهم السابع ـ سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولا أن يتقاسم معهم هذه الوصاية. والآن يفعل الأردن كل شيء تقريباً كي يوضح ذلك.
في 20 آذار من هذه السنة بعد سبعة أيام فقط من لقاء الملك عبد الله في واشنطن مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومباو ومع مستشاري ترامب الكبيرين جارد كوشنير وجيسون غرينبلت، التقى الملك الأردني مع وجهاء محافظة الزرقاء، أحد مراكز القوة للأخوان المسلمين في الأردن، حيث نصف سكان المحافظة من الفلسطينيين. وصرح عبد الله في تلك المناسبة فقال: «لن أغير أبداً موقفي من القدس.. علينا واجب تاريخي تجاه القدس والأماكن المقدسة».
لأول مرة يعترف الملك بالضغوط التي تمارس عليه وشدد قائلاً: «هذا خط أحمر من ناحيتي وأنا أعرف أن الشعب إلى جانبي… كدولة هاشمية، من واجبنا حماية الأماكن المقدسة للإسلام والمسيحية. صحيح أننا نتعرض للضغط، ولكن في نهاية الأمر سيكون الجواب لا وكلا».
بعد بضعة أيام، في لقاء مع قادة جيشه ـ هذه المرة وهو يرتدي البزة العسكرية ـ كرر الملك عبد الله وأوضح بأن: «القدس ومستقبل فلسطين هما خط أحمر بالنسبة للأردن. لا أدري كيف يمكنني أن أقول ذلك بشكل أوضح… كيف يمكنني كهاشمي أن أتخلى عن القدس؟! هذا مستحيل. هذا خط أحمر. أقول لا وكلا للتنازل عن القدس… لدينا كلمة ولدينا موقف».
عرض لتغطية الديون
غابت تصريحات الملك عن عين الإعلام. وقد اقتبست بتواضع في سياق الخلاف مع إسرائيل حول نطاق باب الرحمة، رغم أنها قيلت في سياق آخر. ونشر معهد «ممري» ذلك فانتشر الأمر. أشهر طويلة من النفي الرقيق من جهة واشنطن وصمت من جانب إسرائيل التي هي على اطلاع تفصيلي على صفقة القرن، تأتي الآن إلى نهايتها.
تضغط الولايات المتحدة منذ أشهر طويلة على الأردن كي يوافق على أن ينقل إلى السعودية، أو أن يتقاسم معها صولجان الوصاية على المكان الثالث في قدسيته للإسلام ـ المسجد الأقصى (وذلك إلى جانب استمرار السيادة الإسرائيلية في الموقع) كما هو معروف هو في نطاق ومسؤولية السعودية بعد المكانين الأوليين من حيث قدسيتهما للإسلام، مكة والمدينة. ويدور الحديث عن ضغط اقتصادي غير رسمي، متداخل، وإغراءات اقتصادية في الغالب، وكذا لمطالبات إضافية.
هذه هي الأرقام التي تشرح الضغوط التي يعيشها الأردن: تبلغ ديون المملكة الهاشمية أكثر من 40 مليار دولار. في شباط الماضي، في اجتماع الدول المانحة للأردن في لندن، نجح الملك عبد الله في جمع تبرعات لنحو 3 مليار دولار من السعودية، والكويت واتحاد الإمارات، توزع على بضع سنوات. 350 مليون دولار حولتها السعودية إلى الأردن في الشهر الماضي كجزء من هذا الالتزام، هي مجرد قطرة في بحر الاحتياجات الكبرى للأردن، أما الآن فللسعودية شرط مركزي واحد لمواصلة المساعدة: الشراكة في إدارة الحرم الشريف في القدس.
يتعلق الأردن جداً أيضاً بالمساعدة الأمريكية ـ مليار ونصف دولار في السنة. الأمريكيون، الذين تحدثوا في السنة الماضية مع الحكام العرب تحدثوا معهم عن البديل السعودي في الحرم، بل وعن إمكانية أن يستوعب الأردن ويوطن في أراضيه بشكل تدريجي مليون لاجئ فلسطيني، بعضهم من الشتات وبعضهم يعيشون منذ الآن في أراضيه. هذا كما هو معروف هو مجرد جزء واحد مما تعده إدارة ترامب لموضوع «اللجوء الفلسطيني» وذلك بعد أن قلصت ميزانية الوكالة وتتطلع الآن إلى إلغائها.
تعتقد الإدارة الأمريكية الآن بأن الوكالة والأمم المتحدة تساعدان منذ سنين على تخليد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بدلاً من حلها. فيما تحرصان على نقل مكانة اللجوء الفلسطيني من الأب إلى الابن ومن جيل إلى جيل.
مقابل هذه الرزمة، تعرض الولايات المتحدة على الأردن مبلغاً خيالياً من 45 مليار دولار لتستخدمه المملكة الهاشمية لتسديد الديون، لترميم اقتصادها، ولكن أيضاً لاستعياب وتوطين لاجئين فلسطينيين في أراضيها. الإغراء هائل؛ قد يوافق الأردن عليه، رغم خوفه من مزيد من اللاجئين في أراضيه، لولا قصة الحرم.
من زاوية نظر الأسرة المالكة الأردنية، هناك ثلاثة أسباب وجيهة لرفض الأفكار الأمريكية. الأول سبب عملي. أجهزة الأمن الأردنية (وكذا الإسرائيلية) تعتقد بأن كل تغيير في مكانة الوصاية التي يحتفظ بها الملك الأردني في الحرم سيؤدي إلى ضعضعة حكمه وربما سقوطه. الوصاية التي يحوزها الأردن منذ 1924 هي من زاوية نظر أردنية بوليصة تأمين. فالحكم في الأردن يعتمد منذ سنوات عديدة على ولاء البدو وسكان القبائل الموالين للأسرة المالكة، وهؤلاء يشكلون أقل من نصف السكان في الأردن. بينما الأغلبية الفلسطينية والأخوان المسلمين في الأردن فيشكلون مصدراً لقلق مستمر. واستمرار الوصاية على الأقصى هو من ناحية الأردن ضمانة لاستمرار الحكم في المملكة.
السبب الثاني هو تاريخي: فالسلالة الهاشمية التي تحكم الأردن اليوم، خسرت بعد الحرب العالمية الأولى للسعوديين دور حارس الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. فقد حكم الهاشميون السعودية حتى 1924، وطردتهم من هناك سلالة آل سعود. الحسين بن علي، الذي كان شريف مكة وأميرها بين 1908 و 1917 كان سليل السلالة الهاشمية التي يرى آباؤها وأجدادها أنفسهم من أنسال النبي محمد. أما الأردن، الذي تأسس رسمياً في 1946 فقد احتل شرقي القدس والبلدة القديمة في 1948 ـ ومنذئذ اكتفى بوصاية ثانوية على الأقصى، المكان الثالث في قدسيته للإسلام.
أما السبب الثالث لرفض الأردن الفكرة الأمريكية في موضوع الحرم فهو عائلي: الحسين بن علي، الشريف الذي خسر الوصاية على مكة والمدينة للسعوديين، دفن في 1931 في قبر في الحرم. ابنه الثاني، عبد الله، الملك الأول للأردن بعد تأسيسه، قتل في مدخل المسجد الأقصى الذي اغتاله فلسطيني في 1951، على خلفية مفاوضات سرية للتطبيع والسلام أجراها مع إسرائيل. حفيده، الحسين، كان شاهداً على قتل جده، وبعد سنة من ذلك تسلم المملكة في الأردن. واحتفظ بها 47 سنة حتى وفاته بمرض في 1999.
الغمز نحو تركيا
واصل الأردن الاحتفاظ بالوصاية الإسلامية على الأقصى حتى بعد حرب الأيام الستة التي خسر فيها لإسرائيل شرقي القدس والحرم، وحتى بعد فك الارتباط عن الضفة الغربية الذي أعلن عنه في 1988. عندما وقع اتفاق سلام بين إسرائيل والأردن في 1994، نص الاتفاق على مكانة الأردن كوصي على الأماكن المقدسة للإسلام في القدس.
احترمت إسرائيل هذه المكانة، ولا سيما على خلفية شبكة المصالح المشتركة ـ وليست العلنية دوماً ـ في المجال الأمني والاستخباري والاقتصادي. بل واقتنعت إسرائيل بأن هذه المكانة تساعد بالفعل الأسرة المالكة الأردنية في الحفاظ على حكمها شرقي الأردن. في 2013 عزز الأردن مكانة الوصاية التي له على الأقصى حين وقع على اتفاق مع السلطة الفلسطينية. وقضى الاتفاق بأن الأردن سيواصل تمثيل شؤون الفلسطينيين في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس إلى أن يعقد اتفاق دائم في المنطقة.
الصدمة في الأردن على خلفية العرض ـ الطلب الأمريكي للتخلي أو أقتسام الوصاية على الأقصى مع السعوديين، هي بالتالي صدمة حقيقية. فالرفض العلني واضح في أن الأردن يتخذ الآن سلسلة من الخطوات السياسية التي غايتها الإيضاح سواء لإسرائيل أم للولايات المتحدة بأن له ظاهراً بدائل لمحور القدس ـ واشنطن.
الخطوة الأولى في سلسلة الخطوات الأردنية كانت الارتباط العلني بأبو مازن والسلطة الفلسطينية في معارضتهم لصفقة القرن لترامب. بعد ذلك، وافق الأردن، لأول مرة، على أن يدرج في مجلس الأوقاف ممثلين عن السلطة الفلسطينية، فتح، بل والشيخ عكرمة صبري المتماثل اليوم مع الأتراك والأخوان المسلمين، بل ومع رجال الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل.
كل هؤلاء كانوا أمس منافسين شديدين للأردن على الهيمنة الإسلامية في الحرم.
أما الخطوة الثانية فتمثلت باتصالات مباشرة بين المملكة وتركيا، المنافسة الجدية للأردن سواء على الهيمنة في الحرم أم على النفوذ في منطقة غلاف الحرم. على خلفية صفقة القرن، قرر عبد الله بأن تركيا أيضاً مؤهلة كشريك في الكفاح ضد ترامب وخطته. ووقوف الأردن في المحور الذي يعد فيه الأخوان المسلمين هم العنصر السائد، حيث هذا التنظيم هدد حكم الأسرة المالكة هدده غير مرة، يدل على أن يبدي الأردنيون الاستعداد للسير بعيداً من أجل الاحتفاظ الحصري بمكانة الصدارة الإسلامية في الأقصى.
الخطوة الثالثة هي زيارة الملك عبد الله لمحمد السادس، ملك المغرب، الذي هو الآخر سليل الهاشميين. فقد حصل الملك الأردني من نظيره المغربي على التأييد للوصاية الهاشمية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. وفي ختام اللقاء بينهما، أعلن ملك المغرب بأن الأوقاف الأردنية هي الجسم القانوني الوحيد الذي يحق له إدارة المسجد الأقصى، حمايته وتنظيم الدخول إليه. وفي البيان المشترك، شدد الملكان على وجوب الدفاع عن القدس والأماكن المقدسة في وجه كل محاولة لتغيير مكانتها التاريخية، القانونية والسياسية.
لقد حاول عبد الله أن ينتزع بياناً مشابهاً أيضاً من حكام مصر والعراق في ختام قمة ثلاثية عقدها معهم في تونس، في نهاية شهر آذار الماضي، ولكن دون نجاح.
لثلاث مرات التقى الملك عبد الله بقيادة الإدارة الأمريكية في النصف سنة الأخيرة، في تشرين الثاني وكانون الثاني وآذار. وحرص الأردنيون على عدم نشر أي شيء عن هذه اللقاءات. يحتمل أنهم أرادوا الامتناع عن إعطاء الانطباع الذي قد يؤخذ في الأردن عن التعاون المزعوم مع صفقة القرن، وبخاصة في بند الحرم.
بالمقابل، يخيل أن المملكة حلت اللجام في كل ما يتعلق بموقف الملك من الصفقة. فمنذ نيسان نشر في الصحافة الأردنية عدة مقالات تدعو إلى انتفاضة جديدة في الضفة الغربية لإحباط صفقة القرن. فقد نشر الصحافي محمد علي مرزوق الزيوت مقالاً في صحيفة المؤسسة الرسمية «الرأي» دعا فيه إلى توحيد القوى مع فتح وحماس ووقف التنسيق الأمني مع «الاحتلال». ونشر حسين الرواشدة مقالاً له في صحيفة «الدستور» دعا فيه إلى انتفاضة جديدة توحد الفلسطينيين والعالم العربي. ويعتقد الزيوت بأن «الانتفاضة الثالثة أهم من المصالحة الفلسطينية الداخلية، وهي الوصفة الأفضل للرد على صفقة القرن. هي أهم من المفاوضات العقيمة ومن كل التزام لفظي لحماية المسجد الأقصى».
الأردن إذن يضع نفسه من جديد في محور الأخوان المسلمين الذين كانوا منذ زمن قصير مضى عدواً معلناً للأسرة المالكة والذين كانوا يعتبرون غير مرة تهديداً محتملاعلى استقرار الحكم هناك. بل واقترح الأردن على عكرمة صبري أن يترأس مجلس الأوقاف الجديد في الحرم. وسمح الملك الأردني في الأسابيع الأخيرة للأخوان المسلمين بتنظيم مظاهرة من الآلاف في الجانب الشرقي من البحر الميت ضد صفقة القرن.
ومع ذلك، من المهم أن نتذكر بأن الملك عبد الله هو رجل عملي وثمة أيضاً مؤشرات عن أنه يبحث عن حل وسط يتيح له أن يبدو كمن يعارض خطة ترامب، ولكن عملياً أن يسلم ببعض من عناصرها. وهكذا فإنه يأمل ربما في الحفاظ على مكانته المركزية في محور الدول المعتدلة في الشرق الأوسط، يواصل التمتع بالمساعدة الاقتصادية الأمريكية ويواصل الاحتفاظ بالوصاية على الأقصى.
لقد منحت الانتخابات المتكررة في إسرائيل مساحة تنفس للأردن في كل ما يتعلق بخطة ترامب. وذلك لأن الإدارة في واشنطن لا تعتزم نشر مبادئ الصفقة المتعلقة بالمواضيع الجورية قبل 17 أيلول. ومع ذلك تطلب الولايات المتحدة من الأردن أن يقرر إذا كان سيحضر وعلى أي مستوى المؤتمر الاقتصادي في البحرين كإعداد لصفقة القرن في 25 و26 حزيران. أوضح الأردن بأنه سيبعث إلى البحرين بتمثيل عنه وإن كان ليس واضحاً في أي مستوى. وعلى أي حال يتوقع عبد الله من الولايات المتحدة إيضاحاً تضمن له الوصاية على الأقصى. أما من أكد حضوره إلى البحرين إضافة إلى الأردن: السعودية، ومصر، الإمارات، وكذا إسرائيل. الفلسطينيون كما هو معروف يقاطعون المؤتمر. وإن كانت مشاركة خاصة لمستثمرين فلسطينيين ليست مستبعدة.
نداف شرغاي
إسرائيل اليوم 14/6/2019
[/rtl]