هيّا إلى القدس بشرط.. “وشو فيها”؟!
أنهيتُ مكالمة ثانية مع شركة سياحة ثانية، على سماع نغمة الكلمات نفسها من الردود المختصرة: “لا، لا يوجد رحلات إلى القدس فقط، لدينا رحلة إلى القدس ويافا قريبًا إذا أردتِ”، لأسأل نفسي: أهذا تضامن مع القدس أم مع الأراضي المحتلة؟ وما نوع الصلة التي تربط زيارة القدس للصلاة فيها، أو الاطمئنان علينا فيها!، بزيارة يافا لخوض البحر بمركبة “إسرائيلية”، بصفتي ممن يغرقون “بشبر مي”، ثم دفع “الأجرة/الخاوة” لرجل يتحدث العبرية وأُتبعها له بكلمة “توداه رَبَاه*” فوق الخسارة؟!.
كردٍّ احترازي على السؤال: شو فيها/ما المشكلة من دخولي إلى “أرضي المحتلة” لزيارتها؟ يجب أولا أن نعرّف، أو نذكّر، بمعنى مصطلح “الأرض المحتلة”، وهي الأرض التي يستولي عليها العدوّ بالقوة الجبرية، فينكر حق مالكها الأصلي في ملكيتها أو الانتفاع بها، ويبذل في سبيل ذلك ما أوتي من “قوى” في ملاحقة وقتل وتعذيب وتشريد ملّاكها الأصليين للاستحواذ عليها وعلى مواردها، وفي حالة فلسطين وبكلمات خاصة أخرى، هي أرض فلسطين التي اغتصبها المحتل الصهيوني على عين العالم أجمع بقضية “حق مقابل باطل”.
الشق الأول من مسألة دخولك إلى أرض محتلة/مغتصبة، يخصك أنت ويخص سؤالك الجدلي، أنّك تؤكّد “أمرًا واقعًا” يريده المحتل، من أنه يملك السلطة الحقيقية والكاملة على منحك حق زيارة الأرض المحتلة/أرضك أو سلبك إياه، تؤكد ذلك لا للمحتل وحده، وإنما لأجيال عربية حالية ولاحقة، أجيال لم تعاصر “النكبة” و”النكسة” و”الانتفاضات”، أجيال لم تُصَب برصاصة ولم تُكبَّل بالحديد، أجيال فُرض عليها “ذوق” الإعلانات التجارية والموسيقى المستوردة وأفكار المسلسلات، أجيال لا يُذكر في مناهجها الدراسية مصطلحات مثل “الكيان أو العدو الصهيوني” و”حق العودة” و”المقاومة”، أجيال لم تُتَح لها الفرصة للاختيار فصار استفهام “شو فيها” رد فعل تلقائي على كل ما لا يدركونه بحواسهم، وعلى كل ما يتصل بقضايا تتجاوز “الأمر الواقع”، قضايا الحق/قضايا الإنسان/ قضية فلسطين، أجيال أُريدَ لها أن تقترب من العدو “غير المؤذي” اقترابا “طبيعيا/مُطبَّعا”، فترى هذه الأجيال في زيارتها الأرض المحتلة كأنما تزور الأردن أو لبنان!
وبالتالي، صدّق أو لا تصدّق، أنك تعترف بعدوك ضمنيًا “وصيًا شرعيًا” على هذه الأرض، وإن كنت لم تؤمن بذلك فجرّب، أنت أو ابنك، أن تدخل بسيارتك إلى أراضي 1948 المحتلة دون تصريح من الاحتلال وهوية كُتب فيهما اسمك بالعبرية، وانظر كيف سيستقبلك بعدها ذلك المحتل “المتسامح” بوابل من الرصاص في “أرضك المحتلة”، ثم يكتب في إعلامه: حَدَث أمني.. محاولة تسلل “إرهابي” إلى أرض “إسرائيل”!
أما الشقّ الذي يخص المحتل في كونك “سائح”، مع تصريح الدخول وتكاليف الرحلة فقط تصبح سائح لا إرهابي أو لِص!، تدفع تكاليف دخولك إلى “أرضك” كأي سائح من أية جنسية أخرى، وتجري عليك الإجراءات ذاتها، فذلك يحذفك من قائمة “الخطرين على دولة إسرائيل” ويضيفك إلى قائمة داعمي “الاقتصاد الإسرائيلي” (لمحبي الإحصاءات الرقمية وحسب تقرير في موقع المعهد القومي الصهيوني إن السياحة الوافدة إلى الكيان بلغت رقمًا قياسيًا في عام 2018، حيث وصل 4.1 مليون سائح إلى “إسرائيل”، مما يمثل زيادة بنسبة 100 في المئة من عام 2007 إلى عام 2018)، وبما أن أولى أولويات نفقات الاحتلال تذهب إلى الإجراءات و”الدفاعات” الأمنية (الأسلحة، الجدار، الجيش، دعم البنية التحتية والفوقية…إلخ)، فصدق أو لا تصدق أيضًا، أن ما تدفعه في زيارتك البريئة إلى “أرضك” يذهب جلّه إلى حماية كيان المحتل من بقية العرب والفلسطينيين!.
صراع المحتل معنا ليس صراعًا دينيًا، ولا “عداوة جيران”، لأن هذا المحتل قام كيانه أساسًا على تحقيق مصلحة صهيونية عالمية، جعلت منه جيبًا استعماريًا على أرض فلسطين، وضخت إليه أموالاً طائلة لتتخلص من نفوذ اليهود المالي في الغرب وتصيّره بدلاً من ذلك “خادمًا رأسماليًا” لها في الشرق، فاستحال هذا الكيان وحشًا نهمًا منبته المال وقوامه المال وعلّة بقائه وتمدّده المال، سواء كان مصدر المال دعمًا من الغرب أو من استثمارات لرأس المال المحلي/”الإسرائيلي” في الشرق أو من ضريبة “مشاعرك البريئة” و”حنينك إلى الوطن الضائع”!.
توداه رباه: شكرا جزيلا بالعبرية. لقد وضعتها بحروف عربية لأنك لن تجد الإخراج أو النطق الصوتي للغة العبرية متاحًا على ترجمة جوجل، وبالمناسبة هي تهمة جيدة يمكن أن تُتهم بها جوجل: “معاداة السامية”، ويتم رفع قضية تعويض ضد الشركة، ومن ثم يحصّل الكيان الصهيوني منها اعتذارًا وتعديلاً و”قرشين حلوين” أيضًا!.