«الحشد الشعبي» وملفاته الساخنة في العراق
منذ مطلع شهر يوليو المنصرم، ومع إعلان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي نيته هيكلة قوات الحشد الشعبي، وربطها رسميا بالجيش العراقي، وحصر السلاح بيد الدولة، ومحاربة السلاح المنفلت خارج الشرعية، والملفات الساخنة تتفجر في العراق الواحد تلو الآخر بتصاعد لافت للنظر. مواقف متفجرة ابتدأت منذ مطلع شهر أغسطس الجاري، وملفات ساخنة فتحت ولعبت فيها هيئة الحشد الشعبي دورا محوريا. فماذا يعني إسقاط شخصيات نافذة ارتبطت بالحشد وحسبت عليه لمدة طويلة؟ ولماذا تكلف قوات خاصة من أمن الحشد بتنفيذ أوامر قبض وتحقيق بحق شخصيات كبيرة متهمة بالفساد؟ ولماذا لم يتم إيكال الأمر لقوات الشرطة، أو حتى قوات الجيش أو قوات النخبة؟ وهل تتعرض معسكرات الحشد الشعبي المنتشرة في مختلف محافظات العراق إلى عمليات تخريب داخلية؟ أم إنها حوادث متفرقة تؤدي الى تفجر الاعتدة المكدسة في مخازن معسكرات الحشد؟ أم إنها ضربات اسرائيلية نفذت بطائرات درون المسيرة أو طائرات مقاتلة؟ ولماذا علت بعض الأصوات مطالبة بحل الجيش العراقي الرسمي، واتخاذ قوات الحشد الشعبي بديلا عقائديا للجيش العراقي الذي اتهم بانه قوات مرتزقة؟
في الخامس من اغسطس نفذت قوات أمنية تابعة لهيئة الحشد الشعبي عملية مداهمة في قلب بغداد التجاري في شارع السعدون، وصفها البيان الرسمي شديد اللهجة الصادر عن مديرية الإعلام في هيئة الحشد الشعبي؛ «بتوجيه من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، نفذ أبطال مديرية أمن الحشد الشعبي الحملة الاكبر في تاريخ العراق، لملاحقة مافيات الروليت والقمار والدعارة وتجارة النساء، إذ تم اعتقال المدعو الحاج حمزة الشمري، زعيم هذه المافيات مع خمسة وعشرين متهما من أتباعه يدعون انتماءهم للحشد»، وقد أثار هذا البيان الكثير من السخرية وعلامات الاستفهام والتعجب في الشارع العراقي ومنصات التواصل الاجتماعي، بدءا من اسم المتهم الاول «حجي حمزة الشمري»، مرورا بالقوة التي نفذت المداهمة، وصولا إلى نتائج عمليات المداهمة التي أعقبها بيوم واحد فقط فرار متهمين بتجارة المخدرات من سجن شرق بغداد، إذ ربط البعض بين الحادثين.
الحاج حمزة الشمري يعد أحد مراكز القوى في بغداد، وهو رجل أعمال شاب معروف بقربه من بعض قيادات الحشد، ومن شخصيات سياسية شيعية كبيرة ونافذة في المشهد السياسي. فإذا كان كما وصفه بيان هيئة الحشد بأنه الرأس المدبر لمافيات القمار والمخدرات والدعارة في بغداد، فلماذا قربه الساسة النافذون في الحكومة والحشد؟ وهل كانوا يعلمون بما يديره من أعمال؟ وهذا أمر مخز، أم لم يكونوا يعلمون؟ وبذلك تكون الهيئات الأمنية فاشلة لانها لا تملك معلومات عن حقيقية يعرفها الداني والقاصي في عالم بغداد الليلي؟ أم أن الشمري كان كبش فداء فقط؟ وما الذي حصل لتتم التضحية به وإطاحته في هذه اللحظة؟ البعض سرّب ان حمزة الشمري لم يكن «رأسا كبيرا» وإنما كان ستارة يلعب من خلفها ساسة نافذون، كل ادوارهم القذرة التي كانت تدر أرباحا من النشاطات المشبوهة تصل الى مليون دولار يوميا بحسب تغريدة أطلقها النائب فائق الشيخ علي. وإن إطاحة حجي حمزة وتقديمه كبش فداء، ما هو إلا نوع من غسيل مواقف بعض القيادات، لتظهر هيئة الحشد الشعبي بمظهر المؤسسة التي تطهر نفسها بيدها، لذلك جاء تنفيذ أمر رئيس الوزراء من مديرية أمن الحشد، وليس من الجيش أو الشرطة، أو حتى قوات مكافحة الارهاب المعروفة بقوات النخبة.
أما مسلسل قصف معسكرات الحشد الشعبي، فقد أعتبره البعض امتدادا لضربات سابقة نفذت أيام قتال «داعش»، إذ تعرضت بعض مقرات الحشد الى ما عرف حينها بـ «نيران صديقة»، واتهم بعض صقور السياسيين القريبين من إيران، الولايات المتحدة، باعتبارها هي من يقف وراء هذه الضربات. فقد تعرض معسكر تابع لاحد ألوية الحشد الشعبي في منطقة آمرلي في محافظة صلاح الدين لقصف يوم 19 يوليو الماضي، ولم يتم التأكد من طبيعة ما حدث، إلا ان الاحتمال الاكبر كان تنفيذ الضربة بطائرة درون بدائية ذات حمولة صغيرة من المتفجرات، وقد ردت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون)، في اليوم نفسه، على الاتهامات حول مشاركة قواتها في الهجوم الذي طال معسكر آمرلي ، بالقول؛» أخذنا علماً بالهجوم المحتمل على الحشد الشعبي في العراق، ونؤكد أن القوات الأمريكية لم تشارك في ذلك». بينما رجح محللون عسكريون أن تكون اسرائيل هي من يقف وراء هذه الضربة، ولم تسفر التحقيقات الرسمية عن نتائج معلنة في هذا الامر حتى الان.
مواقف متفجرة ابتدأت وملفات ساخنة فتحت ولعبت فيها هيئة الحشد الشعبي دورا محوريا
تكررت عملية تفجير الاعتدة والصواريخ المكدسة في 13 أغسطس الجاري، ولكن في معسكر الصقر جنوب بغداد هذه المرة، وبحسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فقد نشرت شركة «أميغ سات إنترناشونال»وهي شركة إسرائيلية متخصصة بالتصوير بالأقمار الصناعية صورا لمستودع الأسلحة جنوب بغداد، تظهر تعرضه لغارة جوية، وقالت الشركة الإسرائيلية في تقريرها إنه «من المحتمل أن يكون الانفجار الذي وقع في المعسكر قد نجم عن غارة جوية، أعقبتها انفجارات ثانوية للمتفجرات المخزنة في المستودع». كما ألمح إيدي كوهين الأكاديمي الإسرائيلي، إلى تعرّض معسكر عراقي للقصف من قبل إسرائيل، في إشارة إلى حادثة معسكر الصقر، بينما جاء الإعلان الحكومي العراقي الرسمي على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية، اللواء سعد معن، الذي صرح بأن «انفجارا وقع داخل كدس للعتاد تابع للشرطة الاتحادية والحشد الشعبي داخل معسكر الصقر جنوب بغداد» بدون أن يضيف أي توضيح عن ملابسات الحادث.
اتهامات وجهت لاسرائيل، واخرى للولايات المتحدة وحتى لبعض دول الخليج، أطلقها صقور الحشد، الذين حملوا هذه الجهات مسؤولية الهجمات بطائرات درون على معسكرات الحشد الشعبي. ومع إثارة مشكلة جديدة اتهمت بها قوات الحشد الشعبي في جرف الصخر، إذ عثر على 31 جثة مجهولة الهوية في هذه المنطقة الواقعة شمال بابل، التي تسيطر عليها قوات الحشد الشعبي، التي اتهمت بتصفيتهم، ومع تصاعد الأزمة السياسية على خلفية هذا الحدث، وبينما كانت تداعياتها ما تزال متواصلة في البرلمان وفي الشارع السياسي، تولدت أزمة تصريح رجل الدين الشيخ يوسف الناصري، الأمين العام لشورى العلماء، ونائب الامين العام لحركة النجباء، التي تمتلك ميلشيا فاعلة على الارض، وتتميز بولائها للمرشد الايراني علي خامنئي، إذ صرح في لقاء تلفزيوني قبل أيام قال فيه؛ «أطالب بحل الجيش العراقي، وإعادة هيكلة القوات الأمنية، واعتبار الحشد الشعبي هو الجيش الأول، وليس الرديف، وتحويله إلى وزارة لحماية أمن العراق ومستقبله». وأضاف «لسنا بحاجة إلى من يعطى الأموال ليكون جنديًا في الجيش، وعندما تحصل حادثة يلقي ملابسه ويهرب، فهذا جيش مرتزق وليس وطنيًا».
من جانبها، ونتيجة ما أثاره تصريح الناصري من موجة غضب على منصات التواصل الاجتماعي، أكدت هيئة الحشد الشعبي رفضها لأي إساءة للقوات الأمنية وللجيش العراقي، وقالت في بيان رسمي صدر مباشرة بعد أزمة تصريح الناصري جاء فيه «نؤكد أن ما صدر عن رجل الدين يوسف الناصري في برنامج تلفزيوني، يمثل إساءة تعبر عن وجهة نظره الشخصية، ولا تتعلق بنا لا من قريب ولا بعيد». وأضافت الهيئة «مع محاولة بعض الجهات الإعلامية توظيف هذه التصريحات بشكل غير صحيح، بالإشارة إلى أنها قريبة من منطلقات هيئة الحشد الشعبي، نهيب بجميع وسائل الإعلام عدم استضافة أي شخص بعنوان الحشد، أو التحدث باسمه بصفة قيادي أو ما شابه، وندعو إلى التنسيق مع المديرية بهذا الخصوص».
من كل هذه الأزمات نستطيع أن نستشف إن المخفي من صراعات القوة والنفوذ والسطوة بين صقور الحشد الشعبي والساسة القريبين منهم من جهة، ومن يمسك بمخطط هيكلة الحشد ومحاولات تحجيمه ما زالت فيه جولات مقبلة قد تنبئ بعنف لم يحسب حسابه أحد