الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحْيه، أرسله الله تعالى بالحق بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى وأقيموا الشهادة لله، أقيموها لله وحده، لا تغيِّروها ولا تزيدوا فيها ولا تنقصوا منها، ولا تحابوا فيها قريبًا ولا صديقًا ولا تضادوا عدوًّا ولا بغيضًا، اتَّقوا الله تعالى في الشهادة واسمعوا قول الله عزَّ وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: 135]، اسمعوا إلى هذا النداء من الله - عزَّ وجل - إليكم أيها المؤمنون أن تكونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم؛ ولهذا يجب على المرء إذا كان عليه شيء لشخص أن يُقِرَّ به ويشهد به على نفسه .
أيها المسلمون، إن الشهادة أمرها عظيم وخطرها جسيم في تحمّلها وفي أدائها فلا يَحل كتمانها، قال الله عزَّ وجل: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 283]، ولا يَحل لأحد أن يشهد إلا أن يكون عالِمًا بما شهد به علمًا يقينيًّا لا إشكال فيه عنده، فلا يَحل أن يشهد بغَلَبة الظن ولا مع الشك فكيف إذا شهد بخلاف ما يعلم .
فيا أيها المسلمون، إن من الناس اليوم مَن يتهاون بالشهادة فيشهد بغير ما يعلم أو يشهد بما يعلم أن الأمر بخلاف ما شهد به محاباةً لصديق أو محاباةً لقريب أو ضدًّا لعدوٍّ أو ما أشبه ذلك ولم يعلم هذا المسكين أنه إذا شهد لشخص بما لا يستحق فإنما أضرَّه وظلمه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «انصر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا، قالوا: يا رسول الله، هذا المظلوم فكيف نصر الظالم ؟ قال: أن تَمنَعه من الظلم فإن ذلك نصرك إياه»(1) .
أيها الإخوة المسلمون، إن بعض الناس يشهد شهادة الزور يرى أنه مُصلحٌ وهو في الحقيقة مُفسدٌ، يرى أنه نافعٌ لمن شهد له وهو في الحقيقة ضارٌّ له، يرى أن ذلك مَن باب النخوة ومن باب المعونة وهو في الحقيقة من باب الظلم والضعف؛ إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - شدَّدَ في شهادة الزور فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متَّكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكرِّرها حتى قالوا: ليته سكت»(2).
أيها الإخوة المسلمون، إن هذا الحديث ثابت عن رسول الله - صل الله عليه وسلم - كان متَّكئًا فجلس ليُبيِّن عظم شهادة الزور؛ لأنها فساد للمجتمع؛ ولأنها قول للباطل؛ ولأن فيها غالبًا أكل للمال بالباطل، فاتقوا الله .
عباد الله، تصوَّروا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو المبلغ عن الله تعالى القائم بالنصح لعباد الله، تصوَّروه كان متَّكئًا فذكر الشرك بالله وعقوق الوالدين ولكنه لم يجلس حتى ذكر شهادة الزور وهذا يدل على أنها من أعظم الأمور، فاتقوا الله عباد الله.
ولقد ندم قوم شهدوا شهادة الزور فباؤوا بالإثم وباؤوا بالخسران وتندَّموا على ذلك ومن هذا: أن بعض الناس يقدم أرضًا لصندوق التنمية العقاري باسم شخص ليست له؛ لكن لأن الذي هي له قد استفاد أولاً أو لا يستحق أن يستفيد فتُكتب باسم شخص آخر ثم يقوم شاهد فيشهد أنها لهذا الشخص الآخر وهي لغيره، ولقد ضَلَّ ضلالاً مبينًا وظلم صاحبه وما أكثر الذين ندموا على ذلك ولكن لم ينفعهم الندم الآن؛ لأن الأمر قد فات والمال الذي أكل بالباطل قد تَمَّ ولكن سيلقون عقابهم يوم القيامة يوم يلقون الله عزَّ وجل، اللهم إلا إذا ذهبوا إلى لمسؤولين في صندوق التنمية العقارية وأَقَرُّوا على أنفسهم بأنهم شهدوا شهادة زور حتى ينالوا عقابهم وتعزيرهم على يد الحكومة وإلا فإنهم سيلقون الإثم يوم القيامة، فاتَّقوا الله .
عباد الله، احذروا شهادة الزور مهما كان الأمر حتى ولو كانت على الأب أو على الأم أو على الأبناء أو على البنات أو على الصديق أو على القريب مهما كانت احذروا شهادة الزور، واتَّقوا الله عباد الله، قال الله عزَّ وجل: ﴿وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71] .
أيها الإخوة - قبل أن تندموا ولا ينفع الندم، واعلموا أن صندوق التنمية العقارية سوف يكون مطالبًا لِمَن كتب العقار باسمه لا لمن هو له حقيقة؛ ولذلك عند الموت تحصل مشاكل عظيمة حيث يدّعي ورثة من كتب العقار باسمه أنه لمورثهم وذاك يدّعي أنه له فتحصل المشاكل والخصومات وهذا كله نتيجة للطمع والشح وحب الدنيا وكراهة الآخرة أو نسيان الآخرة.
أيها الأخ المسلم، إنك لم تُخلق في هذه الدنيا لتخلَّد فيها ولا ليخلَّد لك المال؛ إنك زائل عن مالك أو مالك زائل عنك، فاتَّقِ الله في نفسك .
ومِمَّا يشبه شهادة الزور من بعض الوجوه: الرشوة التي شاعت في بعض القطاعات تجد الرجل يكون موظفًا في مكان بعيد فيأتيه إنسان ويقول: أعطني عشرة آلاف أو عشرين ألفًا أو ما شاء الله من المال وأحاول أن أقَرِّبك إلى بلدك، ومن المعلوم أن مثل هذا المال الكثير لا يمكن أن يستحقه مَن أراد التوسط إلا أن يرشي المسؤولين وحينئذٍ يكون داخلاً في معاونة الرشوة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - «أنه لعن الراشي والمرتشي» وفي هذا ضرر عظيم على المجتمع وتفويت للمصالح وإلحاق لِمَن ليس أهلاً بوظيفة ليس أهلاً لها، ومن ذلك أيضًا: أنه يقول له: إذا كان لم يتوظَّف بعد أعطني كذا وكذا من المال لأوظّفك فيذهب ويرشي المسؤولين في هذا ثم يتيسّر له أن يوظف وهذا ليس - والحمد لله - كثيرًا ولكنه موجود؛ ولهذا نقول: يحرم على الإنسان أن يعطي الشخص على هذا الوجه؛ لأنه يُعينُه على الرشوة، فالذي يغلب على الظن أن هذا الواسطة لن يأخذ هذه الدراهم الكثيرة إلا ليبذلها لشخص وحينئذٍ يقدّم هذا الإنسان على غيره مِمَّن هو أحق بالوظيفة منه، إننا نقول هذا؛ لأنه بلغنا وبواسطة الهاتف أن هذا أمر واقع؛ لذلك أُحَذِّر إخواني المسلمين من هذا العمل وأقول: مَن كتب الله له الرزق فإنه لن ينال الرزق بمعصية الله إنما ينال الرزق بطاعة الله كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 2-3]، أقول ما قلته في هذا الباب؛ لأن هذا هو غالب ظني ولكنني لا أشهد على أن هذا الذي أخذ الدراهم رشى بها لكنه غلب على ظنِّي، أما الأخذ فهو مؤكد؛ ولهذا يكثر السؤال عن هذه المسألة هل يجوز أن يعطي شخصًا كذا وكذا من الدراهم ليتوسط له ؟
فاتَّقوا الله - عباد الله - احذروا أن تُفْتَتَنُوا في الدنيا؛ فإن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: «واللهِ ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها مَن قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم» .
«واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة - يعني: في الدين - ضلالة»فعليكم بالسنَّة واتباعها وعليكم بسلوك منهج السلف الصالح، ولا تبتدعوا فتَضِلوا وإن أحسنتم صنعًا في ظنكم؛ فإنكم لستم على شيء، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيّكم محمد - صل الله عليه وسلم - يعظّم الله لكم بها أجرًا «فإن مَن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» .
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصدِّيقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين .
اللهم ادفع عنّا البلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في الشيشان، اللهم ثبِّت أقدامهم، اللهم ارحم موتاهم، اللهم اجمع شمل أحيائهم على الحق يا رب العالمين .
اللهم دمِّر دولة الروس، اللهم دمِّر دولة الروس، اللهم دمِّر دولة الروس، اللهم اجعلها حربًا في أسواقهم وبيوتهم يا رب العالمين؛ إنك على كل شيء قدير ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الكريم يذْكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدْكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَاتَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .