عن بيع الأراضي الفلسطينيةالفلسطينيون لم يبيعوا أرضهم كما يدعي البعض مؤخراً، إن مجموع ما بيع لليهود من أراضي فلسطين حتى عام 1948 وفق الباحث غرانوت كان 1.850.000 دونم، ووفق الحاج أمين الحسيني وإميل الغوري: 2.075.000 دونم، أما عارف العارف فيرى أن المجمل: 1.501.644 دونم.
وفق كل المعطيات والاحصائيات العربية والأجنبية لم يتجاوز مجموع ما بيع لليهود في أقصى حالاته ٦%.
أما عمن باعها، فمن الضروري الانتباه أن معظم الأراضي بيعت من قبل الاقطاعيين والمرابين والسماسرة العرب، ولم يكونوا أصلاً فلسطينيين. إن نسبة الفلاحين الفلسطينيين الذين باعوا أراضيهم لا تتجاوز 6.9% من مجموع مجمل الأراضي التي بيعت والباقي موزع بين الأطراف الكبرى التي ذكرت أعلاه.وقف على رأس العائلات العربية التي باعت، آل تيان من سوريا، وسرسق من لبنان، وغيرها من العائلات المالكة وكبار التجار والسماسرة، وأما من من باع من الفلاحين – وهذا ليس تبريراً – فيكفي دراسة قوانين الأراضي لمعرفة أعباء الضرائب وثقل المعاناة التي كان يحملها الفلاحون.
الفلاحون رغم فقرهم وجوعهم رفضوا عروضاً بملايين الجنيهات وماتوا جوعاً، حملوا ثورة البراق، والثورة الفلسطينية الكبرى والثورات المختلفة على ظهورهم وناضلوا حتى أخر رمق متشبثين بأراضيهم وكان أول من ترك البلاد أشهراً قبل سقوط فلسطين، هم التجار العرب من الجنسيات المختلفة والمرابين والسماسرة.
المراجع:
1. Granott, The land system in Palestine. P278
2. فلسطين عبر ستين عاماً، اميل الغوري ص 79-80.
3. ناجي علوش الحركة الوطنية الفلسطينية ص 17-18
4. أوراق عارف العارف، المجموعة الثامنة، مآساة البدو في النقب وقضاء بئر السبع، مركز الأبحاث. منظمة التحرير الفلسطينية 1973. ص 64.
5. محمد الحزماوي، ملكية الأراضي في فلسطين 1918-1948(من مقالة لفادي عاصلة: نشرت سابقا على صفحته)عن العلاقات اليهودية -العربية في أواخر الفترة العثمانيّةيوفال بن بسات[1]ترجمة: سوار قربيفي أواخر 1890 توجّه سكّان خربة دوران البدوّ للصدر الأعظم في إسطنبول من أجل التّصدّي لإنشاء مستوطنة رحوفوت: “تضمّ قبيلتنا 32 عائلة، 200 نفر، جميعهم من الموالين للإمبراطوريّة، يقيمون في خيام في خربة دوران….هذه القبيلة، من أيّام آبائنا وأجدادنا، لا تعرف أرضًا عدا أرض خربة الدوران… تعتاش منها، ولا مسكن آخر لها غيرها”.
لم يكن هذا الطلب استثنائيًّا إطلاقا، إذ يحفظ الأرشيف العثماني آلاف العرائض المشابهة الّتي قُدّمت من سكّان فلسطين الانتدابيّة إلى إسطنبول في أواخر القرن التّاسع عشر وفي أوائل القرن العشرين. كان ذلك امتدادًا لتقليد قديم يعود أصله لفترة ما قبل الإسلام حتّى؛ وهو التوجّه مُباشر للحاكم للمطالبة بتحقيق العدالة والرّحمة. وعلى الرّغم من وجود وسائل متعدّدة جديدة في القرن التاسع عشر، أمام الرعايا العثمانيّين لتحقيق العدالة من الدّولة ومؤسّساتها، إلا أن المعظم فضّل التوجّه للسلطان مباشرة.
معظم العرائض المقدمة تتعلق بشؤون ضرائب، شكاوي على مسؤولين محليّين، مطالب لإكراميّات واحتجاجات ضدّ اجراءات رسمية جديدة منبثقة عن سياسات سابقة وأمور أخرى. كُتبت غالبيّة هذه العرائض باللّغة العربيّة، والقليل منها كُتب باللّغة العثمانيّة وتم إرسالها عبر أفراد أو مجموعات ذات مصلحة مشتركة، وفي بعض الأحيان يترأسها أعيان وأصحاب مناصب (لا نملك اليوم العرائض الأصليّة إنما ما نُقل منها إلى العثمانيّة في إسطنبول)
من المثير حقًا مراجعة العرائض التي أرسلها القرويون لإسطنبول ؛ سواء المقيمين منهم أو البدوّ، والّتي تتعلّق بالاستيطان اليهوديّ. تعتبر هذه العرائض مصدرًا مهمًّا ونادرًا ومتاحًا لنا كمؤرّخين، على الرّغم من أنّها لم تكتب بأيدي المتوجّهين أنفسهم وإنّما بأيدي مختصّين مهنيّين تم الاستعانة بهم في حينه. الصّورة المتشكّلة نتيجة لهذه العرائض، فيما يخصّ الاستيطان اليهوديّ، هي صورة مركّبة. من ناحية، نجد بأنّ عدد العرائض المتعلّقة بعمليّة الاستيطان والهجرة ليست بالعدد الكبير، الأمر الّذي يدحض الادّعاء القائل بأنّ الاستيطان والهجرة اليهوديّة كانت المسألة المركزيّة الّتي شغلت سكّان فلسطين في أوائل الاستيطان اليهوديّ الجديد 1882.
ومن ناحية أخرى، يظهر لنا الأرشيف أنّه لم تكن هناك حالة واحدة تقريبًا لاستيطان يهوديّ لم تقدّم على إثرها عريضة لإسطنبول، احتجاج إما على الآلية تم بها شراء الأرض وإما على السمسرة التي استخدمت، أو على علاقة السلطة وموقفها من شكاوي السكّان المحليّين وعلى علاقات السّكان ببعضهم. أكثر من مرة صاحبت عمليّة الاستيطان اليهوديّ خلافات حول السّيادة على الأرض، أو حول حدود التّقسيم، وحول حقوق مختلفة متعلّقة في الأرض؛ مسائل تعود جذورها لفترات ما قبل مجيئ المستوطنين. أنظروا مثلا أقوال البدوّ، سكّان خربة دوران، ضدّ الاستيطان في رحوفوت:
“باعت الدّولة العَلية مؤخّرًا أرض الخربة هذه لأناس أغنياء من أبناء الوطن. لم يبدوا خدّامكم الأوفياء أيّ اعتراض على ذلك، لأنّ أصحاب الأرض الجدد عرفوا حقّ المعرفة بأنّنا نفلح المزرعة ونعتني بها منذ زمن سحيق. لم يحاولوا اعتراضنا ولا طردنا من مكان سكنانا ولا حتّى من مزرعتنا. لكن، بينما نحن في هذا الحال، بيعت المزرعة لغرباء، الّذين وصلوا ومعهم ميزانيات كبيرة وموارد اقتصاديّة ضخمة. نجحوا بشراء المزرعة بمساعدة علي هيكل أفندي، عضو في المجلس الإداريّ في يافا، ذائع الصيت في مثل هذه الأعمال. لاحقًا، المشترين اليهود الأغنياء…. لم يكتفوا بذلك. بل بدأوا بطردنا من مكان سكنانا ومنعنا من حرث الأرض والشغل بها.. المتّهم بإلحاق هذا الضرر والذلّ بنا لا يمكن أن يكون إلّا الأفندي المذكور أعلاه صاحب الأعمال غير المقبولة.
نستنتج من أقوال البدوّ بأنّ، بالنّسبة لهم، الأرض المذكورة هي ملكهم من مجرّد وجودهم عليها منذ عهود، ذلك بخلاف قوانين الدّولة الجديدة والّتي أعلت من شأن حقّ الشّاري. يلقي البدوّ اللّوم في هذه الحالة على ذاك الأفندي، الّذي كان الوسيط في بيعة الأرض للمستوطنين. كما ونفهم من أقوالهم بأنّهم عندما كانوا قادرين على العمل في الأرض الّتي عاشوا فيها، لم تكن لديهم أيّة صعوبة ولم يتبادر لهم أيّ سؤال فيما يتعلّق بالملكيّة. فقط عندما جاء المستوطنون اليهود وامتلكوا الأرض وأرادوا تحقيق ملكيّتهم وفقًا لقوانين الأراضي العثمانيّة الّتي أقرّتها الدّولة بدءًا من قانون الأراضي عام 1858.
بعد ثورة 1908، ومع رفع القيود المفروضة على حريّة الصّحافة والتنظيم السياسي، الّتي كانت متّبعة في فترة السلطان عبد الحميد الثّاني (1876-1908)، طرأ تدهور بشكل تدريجيّ في العلاقات اليهوديّة العربيّة في البلاد. ولأوّل مرّة تشكّل تنظيم سياسيّ للتّصدّي للهجرة والاستيطان اليهوديّ، كما وانعكس ذلك في العرائض في إسطنبول، الّتي باتت أكثر حدّة. الأمر الّذي عبّر على الأرجح عن تغير الحالة المزاجيّة لسكّان المدن فيما يتعلّق في النّشاط اليهوديّ وعن انخراطهم المتزايد في المواجهات بين اليهود والعرب في المناطق القرويّة في فلسطين.
مثالًا على ذلك، حادثة قرية زرنوقة الّتي وقعت بين منظمة “هشومير”[2] في مستوطنة رحوفوت وبين العرب سكان المنطقة، والّتي انتهت بعدد من المصابين والقتلى، إذ تعتبر هذه الحادثة نقطة تحوّل في تاريخ العلاقات بين اليهود والعرب في البلاد. فقد بعث عشرات المخاتير عرائض مشتركة لإسطنبول في أواخر تمّوز 1913، بمبادرة أحد النشطاء السياسيّين؛ سليمان التّاجي من يافا. بحسب أقوالهم، فقد هاجم اليهود المذكورون أعلاه؛ رجال”هاشومير”، أبناء قريتنا، سرقوا ونهبوا أملاكنا، قتلوا ودنّسوا أعراض العائلة… وكدليل على عدوانهم، فقد أرسلوا حراساً (رجال هاشومر) من اليهود والشركس يحملون أسلحة مختلفة ومنها أسلحة محظورة… مع خيولهم في الطرق العامّة. حيث يصطادون كلّ قرويّ سائر في الطريق العامّ، يضربونه ويجرّدوه من ملابسه وماله. كما ويقتلون كلّ من يتصدّى لهم ويطلقون النيران على المارّة في الطرق العامّة ويقتلونهم.
“في بداية الأمر، هاجم رجال هشومير في قرية عين قارة (ريشون لتسيون) قائِدَي قافلة جمال تنقل الحديد. أرادوا في حينه تجريدهم من ملبسهم ومالهم وجمالهم، لكنّهم رفضوا تسليمهم الجمال وفرّوا من عين قارة… على أمل أن يجدوا مأوى لهم. لكن، وللأسف، اضطروا السير مدّة ثلاث ساعات بأراضي المستعمرات اليهوديّة في المنطقة، ومدّة ساعة في قرية القبيبة (لواء غزّة)، حتّى وصلوا لقرية الزرنوقة. وفي ذلك الوقت كان لدى رجال “هشومير عين قارة” متّسعًا من الوقت ليطلبوا العون من رجال “هشومير دوران” (رحوفوت)، اللّذين بدورهم أطلقوا وابلًا من النّيران باتّجاه قافلة الجمال وأصابوا خمسة خدّام وحصانًا واحدًا… في كلّ مرّة نتوجّه بها إلى الحكومة المحليّة ونطالبهم باستجوابهم، أي استجواب المستوطنين اليهود، وإحضارهم للمحكمة بموجب القانون، كان جواب اليهود… بأنّ الناس المطلوبين غير متواجدين، بل سافروا إلى روسيا أو أوروبا. هم يفعلون ما يحلو لهم بمساعدة المال، وكأنّهم يتمتعون بدولة صغيرة داخل الدّولة.” عريضة رؤساء القرى للصدر الأعظم عقب أحداث زرنوقة. 29 تموز 1913المصدر: أرشيف رئيس الحكومة، تركيا. نشرت في مجلة “كاتدرا” وننشرها هنا بموافقتهم. مقارنة مع العريضة السّابقة، الّتي تعود لسنة 1890، نرى بأنّ هذه العريضة تعكس قلقاً أكبر من الاستيطان اليهوديّ، الّذي يمارس أصحابه كلّ ما يحلو لهم متهرّبين من العقوبة بسبب الموارد الاقتصاديّة الّتي يتمتّعون بها. كما ويتّضح من هذه العريضة، والتي تحوي إتهامات أكثر حدّة ضدّ الاستيطان اليهوديّ، بأنّ هناك تنظيمًا لعشرات رؤساء القرى ضدّ المستعمرات. من المهم الاشارة هنا بأنّ منظّم هذا الاتّحاد والقائم على كتابة هذه العريضة هو ابن مدينة يافا، والّذي يدلّنا على وجود تعاون قرويّ- مدنيّ ضدّ الاستيطان اليهوديّ في حينه.
للخلاصة، تعدّ العرائض الّتي تعود لأواخر القرن التّاسع عشر عرائض مثيرة للاهتمام، وذلك لكونها تمثّل فترة الاستيطان اليهوديّ الحديث في فلسطين، وفيها تقبع جذور الصراع العربيّ اليهوديّ. والذي يؤثّر كثيرًا على الشّكل الّذي كُتب به تاريخ المنطقة، والّذي لا يزال رهين المنظور القومي في كتابة التاريخ. وبالتّالي نادرًا ما يتمّ النّظر إلى الأحداث مع الأخذ بالحسبان وجهة النظر العثمانيّة، أو ضمن السياق الإمبراطوريّ الأوسع، ونادراً ما يتم الاستعانة بالمصادر العثمانيّة المتاحة والّتي لم تستخدم حتى اللحظة على نطاق واسع. توفّر هذه المصادر نظرة عميقة لقراءة الأحداث من الأسفل، وخاصّة فيما يتعلّق بالمجتمع القرويّ والّذي ترك وراءه القليل من الوثائق المكتوبة.
المقال نشر في جريدة هآرتس، ضمن “ورشة التاريخ الاجتماعي” وهي مجموعة أكادميين إسرائيليين وعرب يحاولون طرح خطاب تاريخي جديد يعيد قراءة الرواية التاريخية من خلال جوانب اجتماعية غفلتها القراءة الكلاسيكية.
رابط المقال: http://blogs.haaretz.co.il/sadna/35/ [1] يوفال بن بساط، محاضر في دائرة التاريخ والشرق الأوسط – جامعة حيفا. كُتب المقال في إطار [2] هاشومير، كلمة عبريّة تعني الحارس، وهي من أوائل المنظّمات الصهيونيّة في أرض فلسطين، أُنشئت عام 1909 على يد مجموعة من المهاجرين اليهود بهدف حماية المستعمرات اليهوديّة وحراستها وإدخال أسس الدفاع عن النّفس فيها (المترجمة)