عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.. كيف تحولت إلى مهزلة؟
توماس فريدمان - نيويورك تايمز
الجدل القبيح المتعلق بالزيارة المجهضة إلى إسرائيل لنائبتين «ديمقراطيتين» الأسبوع الماضي كان مفيداً لسبب واحد فقط: كونه عرّى وكشف إلى أي حد أصبحت عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية عبارة عن خليط مثير للشفقة للتفكير السحري، وفن الأداء، ونكران الواقع، وجمع التبرعات المالية السياسية، والاحتيال السياسي الصريح. فقد أصبحت تتعلق بكل شيء سوى ما تحتاجه لتنجح: دبلوماسية وزعامة شجاعتان وعادلتان وخلاقتان.
على المستوى الأميركي الرسمي، أمضى «جاريد كوشنر» ثلاث سنوات لاجتراح خطة سلام لم يُرها لأحد بعد. وإنجازه الوحيد حتى الآن هو مؤتمر اقتصادي إسرائيلي- فلسطيني في البحرين لم يحضره أي من المسؤولين الإسرائيليين أو الفلسطينيين.
«كوشنر» يبدو أنه يعتقد أن المشكلة يمكن حلها من قبل الإسرائيليين وتمويل عرب الخليج لعملية شراء للتطلعات الفلسطينية إلى السيادة وقيام الدولة.
والحق أن «كوشنر» يستحق بعض الإشادة للأفكار الجديدة التي أتى بها بخصوص سبل جذب استثمارات إلى الضفة الغربية، ولكنه سقط في «التفكير السحري» عندما سمح بخضوع كل الجوانب الدبلوماسية لخطته إلى احتياجات ورغبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية.
والسبب في عدم الكشف عن خطته حتى الآن هو أن ذلك لا يخدم احتياجات نتنياهو الانتخابية. فرغم أنها تقدّم للفلسطينيين شكلا محدودا من أشكال الحكم الذاتي في الضفة الغربية والمناطق العربية من القدس على ما قيل، إلا أن منحهم أي صلاحيات جديدة هو شيء غير مقبول الآن بالنسبة لنتنياهو، الذي يحتاج إلى صوت كل مستوطن يميني يستطيع الحصول عليه من أجل الفوز بإعادة الانتخاب في 17 سبتمبر المقبل.
الرئيس دونالد ترامب يقول إنه سيفرج عن خطة «كوشنر» بعد الانتخابات الإسرائيلية، ولكنني شخصياً لا أصدق هذا الكلام ولو للحظة واحدة. فمشاركة ترامب الوحيدة في هذه العملية تمثلت في استغلالها عبر انحيازه الصارخ لنتنياهو من أجل الظفر بتبرعات «شيلدون أديلسون» السياسية وأصوات اليهود في فلوريدا. وإذا كان نتنياهو لا يريد أن يفرج عن خطة «كوشنر»، فإنه لن يفرج عنها.
ولكن دعوني لا أقسو على «كوشنر» كثيراً. فإذا كان «كوشنر» لا يتوفر على شريك فلسطيني لخطته، فإن «ديمقراطيي» التيار الرئيسي المعتدل ليس لديهم أي شريك إسرائيلي لمقترحهم القديم: «حل الدولتين». فهم يتظاهرون بأن نتنياهو شريك في حل الدولتين، رغم أن نتنياهو أخذ يدفع بإسرائيل، صراحة وتدريجياً، ولكن بثبات، نحو ضم الضفة الغربية.
ولكني دعوني لا أقسو على «الديمقراطيين» – يسار الوسط الأميركي – لأن يسار الوسط الإسرائيلي ليست لديه أي خطة على الطاولة أيضاً. فحزب «يسار الوسط» الرئيسي، الذي يُسمى «أزرق أبيض»، لا يشير في برنامجه الانتخابي حتى إلى مبادئ دولتين لشعبين: الإسرائيليين والفلسطينيين. ذلك أنه يخشى أن يبدو ساذجاً للإسرائيليين وأن يخسر أصوات يمين الوسط.
ولكن مرة أخرى، ينبغي ألا نقسو على يساري الوسط الأميركي والإسرائيلي ما دام أن الفلسطينيين أيضاً لم يضعوا أي خطة سلام مفصلة حول «حل الدولتين» على الطاولة؛ وحتى إنْ فعلوا، فإنهم لم تعد لديهم سلطة حاكمة واحدة من أجل التفاوض باسمهم وإنهاء النزاع مع إسرائيل بشكل نهائي، ذلك أن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم بين حكومة إسلامية تقودها «حماس» في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وكلاهما تترنحان وتواجهان خطر دولة فاشلة.
بيد أن الوحدات اليسارية «الديمقراطية» التقدمية في الكونجرس الأميركي، وفي الجامعات، وفي أوروبا، والتي لا يعوزها التفكير السحري أو فن الأداء أيضاً، ليست لديها أي خطة أيضاً، بل لديها موقف. موقف كثيراً ما يعبّر عنه في دعم حركة مقاطعة إسرائيل (بي. دي. إس). فإذا ذهبت إلى موقعها على الإنترنت، تقول هذه الحركة بوضوح: (إنها لا تدافع عن حل معين للنزاع إذ أنها لا تدعو إلى «حل دولة واحدة» ولا إلى «حل دولتين»).
وبالمقابل، تدعو حركة «بي. دي. إس» على نحو واضح ومحدد إلى مقاطعة إسرائيل إلى أن توقف «استعمارها واحتلالها لكل الأراضي العربية»، ولكن ليس واضحاً ما إنْ كان ذلك في الضفة الغربية والقدس الشرقية فقط أم في كل إسرائيل. كما تطالب بعودة كل اللاجئين الفلسطينيين وأبنائهم وحفدتهم منذ حرب 1948 بينما لا تأت على ذِكر حقوق اليهود في دولة في وطنهم التاريخي.
وهكذا، فإن تقدميي أنصار حركة مقاطعة إسرائيل «بي دي إس» -- الذين لا يميزون بين مقاطعة المنتجات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة ومقاطعة فكرة دولة يهودية – ليس لديهم خطة أو شريك إسرائيلي حقيقي.
وبالتالي، هذا هو الوضع الذي أمامنا: لدينا خطط سلام من دون شركاء وحركات بدون خطط سلام.
الأمل الوحيد الذي أراه هو صعود زعيم إسرائيلي مستعد للقيام بانفصال أحادي الجانب -- ولكن منسق – عن الضفة الغربية بشجاعة، على غرار الانسحاب أحادي الجانب – وغير المنسق – الذي قام به آرييل شارون من قطاع غزة في 2005. على أن يحتفظ الجيش الإسرائيلي في هذا الانفصال أحادي الجانب بكل السيطرة الأمنية على الضفة الغربية، بينما يتخلى عن السيطرة الاقتصادية والسيطرة السياسية اليومية للفلسطينيين، ويكبح المستوطنات اليهودية المتوغلة في عمق الضفة الغربية.
فهناك حاليا نحو 105 آلاف مستوطن يهودي يعيشون الآن عميقاً داخل الضفة الغربية، في قلب المكان الذي ستقوم فيه أي دولة فلسطينية في إطار حل دولتين. أي أنهم يعيشون خارج الكتل الاستيطانية التي في الضفة الغربية، حيث يعيش 300 ألف مستوطن يهودي آخرين وحيث من المتوقع أن يبقوا في أي اتفاق سلام.
وإذا لم يتم وقف عملية الاستيطان العميقة تلك داخل الضفة الغربية بشكل فوري، فإنه لن يكون ثمة أبداً أي أمل في اتفاق دولتين لشعبين. وسيكون الخيار الوحيد المتبقي هو دولة واحدة لشعبين، وهي وصفة لصراع دائم.
وعليه، فالإسرائيليون والفلسطينيون ليسوا في حاجة إلى خطة للسلام الآن فحسب، بل يحتاجون إلى خطة لإنقاذ خطة للسلام. وهذا هو الحد الذي وصل إليه سوء الأمور!
الزعيم الإسرائيلي الوحيد القوي بما يكفي لتوفير ذلك في الوقت الراهن هو نتنياهو، ولكن هذا الأخير منشغل فقط بإنقاذ نفسه من تهم الفساد الموجهة إليه. فهل يستطيع بيني غانتز، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق وزعيم حزب «أزرق أبيض»، أن يكون ذاك الشخص في حال تغلب على نتنياهو. آمل ذلك. والحق أنه يملك الإمكانيات لذلك.
حالياً، أقرأ كتاباً جديداً قيّماً مرتبطاً بكل هذا وعنوانه «كن قويا وذا شجاعة جيدة: كيف أثّر أهم زعماء إسرائيل في مصيرها"، لمؤلفيه مفاوض السلام الأميركي المخضرم دنيس روس والمحلل ديفيد ماكوفسكي. سألتُ روس عن الفرق الرئيسي بين زعماء إسرائيل بالأمس واليوم. فقال: «رغم اختلاف زعماء إسرائيل المؤسسين مع بعضهم بعضا، إلا أن الرجال مثل ديفيد بن غوريون ومناحيم بيغن كانوا دائماً يقدّمون مصلحة الدولة في الأخير ويضعونها فوق مصلحتهم»، مضيفا «لقد كانوا يدركون أنك سواء كنت تقوم باختيار أو لا تقوم بشيء، فإنك تقوم باختيار».
مقولتان بارزتان في هذا الكتاب استوقفتاني بشكل خاص. الأولى صدرت عن بيجن، رئيس الوزراء اليميني، بعد أن تعرض للانتقادات من إسرائيليين قوميين دينيين بسبب عرضه خطة للحكم الذاتي الفلسطيني في ديسمبر 1977 على أنور السادات. فقد قال لمنتقديه إن مقترحه يُظهر «الأخلاق» وإن إسرائيل لا يمكنها أخلاقياً أن تسيطر على الأرض من دون أن تمنح حقوقاً. وأضاف بيجن قائلاً إن إسرائيل لن تكون أبدا «مثل روديسيا»، التي كانت دولة تمييز عنصري وقتئذ.
أما المقولة الثانية، فهي لشارون، الذي قال لروس ذات مرة عندما سئل حول قراره الكبير بالانسحاب من غزة بشكل أحادي في 2005: «إن جيلي هو آخر جيل لا يخشى اتخاذ القرارات الكبيرة. وأخشى أن يقود الجيلَ المقبلَ سياسيون لا يستطيعون اتخاذ قرارات".
لنأمل أن يكون تنبؤ شارون خاطئاً. وإلا، فإن تخوف بيجن بشأن روديسيا سيتحقق.
• كاتب وصحافي أميركي