الوحدة الإسرائيلية 8200 ودورها في التكنولوجيا التجسسية الإسرائيلية
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
أدى التطور التكنولوجي وخصوصاً تكنولوجيا الاتصالات إلى فوائد اجتماعية واقتصادية كثيرة، لكنها في الوقت نفسه فرضت العديد من التحديات الجديدة؛ فالاعتماد على تقنيات الإنترنت، واستقبال كميات كبيرة من المعلومات الشخصية للعملاء وتخزينها، واتساع المنافسة في الاقتصاد العالمي، ورقعة الخلافات والأزمات الدولية، كل ذلك وغيره سمح بتعزيز التجسس الإلكتروني، وأصبح الكشف عن معلومات الآخر الإلكترونية؛ جزءاً من مهمات أجهزة مخابرات وشركات وجِهَات لتحقيق أهداف وأجندات مختلفة.
ويعد التجسس الإلكتروني، الذي طغى بإمكانياته وخطورته على أساليب التجسس السابقة، نوعاً جديداً من حروب السيطرة على الأشخاص والمؤسسات والدول، وهو أحد أخطر أنواع التجسس، من ناحية القرصنة الإلكترونية، وعمليات الاختراق، وسرقة البيانات، وانتهاك الخصوصية... . وأصبح من غير الممكن التأمين الكامل للبيانات على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف، في ظلّ ثورة التكنولوجيا التي نشهدها، إلا إذا كان الجهاز غير متصل بالإنترنت نهائياً، وهو أمر يصعب تطبيقه في الوقت الراهن.
واقتحمت بعض الدول خصوصيات مواطنيها من خلال مراقبة مكالماتهم الخاصة أو صفحاتهم الاجتماعية أو بريدهم الإلكتروني...، وبررت تصرفاتها هذه لتحقيق أمنهم ومكافحة «الإرهاب»، وسنَّت قوانين تمنحها العديد من الصلاحيات على حساب الحريات العامة.
ويتميز التجسس الإلكتروني، الذي يعد أحد أنواع الحروب المُستخدمة في العالم، بأنه لا يترك دليلاً مادياً له، مما يصعب معه عملية التعقب والإدانة، ويحدث في بيئة هادئة من خلال جهاز كمبيوتر وبعض البرامج وشبكة الإنترنت، ولا يحتاج إلى القوة والعنف واستعمال الأسلحة. وللتجسس الإلكتروني العديد من الأهداف كزعزعة الأمن، وتعطيل البنى التحتية لدول كشبكات الطاقة النووية، والكهرباء، والمياه وغيرها، وابتزاز الأشخاص والدول، وسرقة الأموال،... .
ولا يُستبعد أن تمارس أي من الدول الكبرى التجسس على مواطنيها، بالرغم من تغنيها بالحريات الشخصية، فمثلاً وثائق ويكيليكس Wikileaks سنة 2006؛ التي سُرِّبت من داخل الإدارة الأمريكية، حيث أفضل الشبكات الإلكترونية أمناً وأماناً في العالم، وتسريبات الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية National Security Agency (NSA) إدوارد سنودن Edward Snowden سنة 2013، التي كشفت عن عمليات تجسس واسعة تقوم بها الوكالة وتمس ملايين المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية دون أيّ مراعاة للحرية الشخصية، إلى غيرها من عمليات اختراق وبيع معلومات شخصية من خلال مواقع اجتماعية معروفة، خيرُ دليل على ذلك.
وتعدّ "إسرائيل" أحد أبرز محاضن تكنولوجيا الاتصالات، فعدد كبير من هذه الشركات التي تحتل مراكز متقدمة عالمياً إما أنها اشترت شركات ناشئة إسرائيلية، أو أنها أنشأت مراكز للبحث والتطوير لها في "إسرائيل".
تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على الخلفية التاريخية للنشاط الاستخباراتي الصهيوني، وخصوصاً نشأة وحدة المخابرات العسكرية الإسرائيلية 8200، المتخصصة في مجال تقنيات التجسس التكنولوجي، والتي يرى البعض أنها توازي وكالة الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، مروراً بتطورها وأنشطتها في البيئات؛ الفلسطينية، والعربية، والدولية. واعتمدت هذه الدراسة في أغلبية مراجعها على المصادر الإسرائيلية والأجنبية، إذ قلما نجد دراسة باللغة العربية تتناول موضوع تخصص الوحدة الإسرائيلية 8200 وتأثيرها من خلال شركاتها الناشئة المنتشرة في العالم. كما سعت هذه الدراسة إلى كشف المدى الذي وصلت إليه "إسرائيل" في أحد أبرز المجالات التكنولوجية، ومكانتها بالنسبة للدول الأخرى، من حيث اختراق خصوصيات الدول والشعوب، لنرى حتمية فقدان الأمن والأمان من ناحية الخصوصية الشخصية؛ إن على الهاتف أو الكمبيوتر الخاص.
وتندرج هذه الدراسة في إطار ضرورة المعرفة الصحيحة والموضوعية للعدو. ولا ينبغي أن يُفهم منها ترهيب بإمكاناته، ولا إحباط للقوى التي تواجه هذا المشروع. إذ إن معرفة الحقائق والتعامل المنهجي معها هو من أبرز العناصر لتعبئة طاقات الأمة وتوجيهها وتحديد أولوياتها؛ وهي بالتالي عنصر أساسي في نجاح المواجهة مع المشروع الصهيوني.
أولاً: الخلفية التاريخية للنشاط الاستخباراتي الصهيوني:
تعود فكرة تأسيس منظمات وحركات استخباراتية إسرائيلية إلى ما قبل الإعلان عن "دولة إسرائيل" سنة 1948. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 1915، أسس المهندس الزراعي آهارون آرونسون Aharon Aaronsohn أول وحدة استخبارات سريّة في فلسطين؛ تخدم وكالة تجسس بريطانية أطلق عليها اسم نيلي Netzah Yisrael Lo Yeshaker (NILI)، وتعني "إسرائيل الخالدة لن تكذب".
وخلال الحرب العالمية الأولى، جمعت وحدة نيلي المعلومات الاستخباراتية للبريطانيين تحت ستار الأعمال الزراعية لشركة آرونسون، فقدم الجواسيس معلومات قيمة للضباط البريطانيين حول الأوضاع الداخلية، وتحركات القوات العثمانية، والسكك الحديدية والطرق المحتملة التي قد يستخدمها البريطانيون في هجومهم لاحتلال فلسطين. ولكن تمّ القبض على معظم أعضاء وحدة التجسس وحكم عليهم بالإعدام. وفي سنة 1920، تمّ تشكيل الهاجاناه Haganah، وهي ميليشيا سرية، لحماية اليهود في ظلّ الحكم العثماني. وبعد هزيمة العثمانيين، سيطر البريطانيون على فلسطين، وقامت الهاجاناه في سنة 1929، بتشكيل "شين ميم 2 أو Shin Mem 2"، وكانت مهامها مراقبة الخطوط الهاتفية للعرب في القدس لجمع المعلومات عن ما تُسمّيه "أعمال الشغب" المحتملة، وكانت هذه الحالة الأولى التي تُستخدم فيها الإشارات الاستخباراتية.
وبعد ثورة البراق سنة 1929، والتي أدت إلى مقتل 133 يهودياً وجرح أكثر من 300 آخرين، واستشهاد 116 فلسطينياً وجرح أكثر من 200 آخرين، أدرك اليهود أنهم لم يعودوا قادرين على الاعتماد على القوات البريطانية لحمايتهم، وبدأت الهاجاناه بتطوير نفسها وتوسيع مهامها وجندت الشباب اليهود، وأقامت دورات عسكرية لهم، وسلحتهم بالأسلحة الخفيفة التي تدفقت من أوروبا.
وخلال ثورة فلسطين الكبرى 1936-1939، حوَّلت الهاجاناه نفسها من ميليشيا إلى قوة عسكرية، وتعاونت مع قوات الأمن البريطانية في حماية المستوطنين اليهود. واستخدم البريطانيون المعلومات الاستخباراتية التي كانت تجمعها الهاجاناه لتنظيم غارات ليلية استباقية على الثوار الفلسطينيين. وفي تلك الفترة، شكلت الهاجاناه "ليه عاليه بيث (الموساد) Le’ Aliyah Beth (Mossad)" الذي ساعد في تنظيم الهجرة اليهودية غير الشرعية من جميع أنحاء أوروبا إلى فلسطين.
وفي أيلول/ سبتمبر 1940، تمّ تأسيس شيروت يديعوت Sheruth Yedioth، المعروف باسم شاي Shai (دائرة المعلومات) رسمياً، بعد اقتراح من شاؤول أفيجور Shaul Avigur، القائد في "ليه عاليه بيث (الموساد)" على قادة الهاجاناه بتأسيس وحدة معلومات تعمل على مستوى فلسطين المحتلة. وقامت المخابرات العسكرية البريطانية "أم آي 4 أو MI4" بتسليحهم وتمويلهم وتدريبهم.
وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، تألفت حركة المقاومة اليهودية الموحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 1945، من الهاجاناه ومن منظمتين شبه عسكريتين هما الإرجون Irgun وليحي Lehi، والتي تحولت فيما بعد إلى الجيش الإسرائيلي Israeli Defense Force (IDF).
في 14/5/1948، انتهى الانتداب البريطاني وأعلن ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion إقامة "دولة إسرائيل"، وتدخلت الجيوش العربية لدعم الفلسطينيين ضدّ القوات الصهيونية، وكان لشبكة المخابرات الواسعة التي طورتها الهاجاناه، دور مهم في هزيمة القوات العربية.
ثانياً: نشأة الوحدة 8200 وتطور هيكليتها ودورها:
1. نشأة الوحدة 8200:
بدأت الوحدة 8200 قبل سنة 1948 كمجموعة من الأشخاص الذين حاولوا تطوير مهاراتهم التكنولوجية بجمع وفك رموز الخصوم البريطانيين والعرب. وفي سنة 1948، أنشأ الجيش الإسرائيلي وحدة حرب إلكترونية في مدينة يافا، أُطلق عليها اسم شيفرة "الأرنب Rabbit"، وكانت مهمتها التنصت على المكالمات بين الفلسطينيين وفكّ رموزها، في وقت كانت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي من الدول القليلة التي باستطاعتها فك رموز وشيفرة الاتصالات.
وتشير بعض المصادر إلى أنه تمت الاستفادة من الخبرات والقدرات التكنولوجية الغربية الموجودة لديهم، وتمّ تطويرها من قِبل مهندسي الكمبيوتر الإسرائيليين الذين هاجر بعضهم من الاتحاد السوفييتي. وواجهت هذه الوحدة بعض المشاكل؛ كنقص الخبرة التقنية، والقوى العاملة، وغيرها، فلجأت إلى تقنيات بدائية للتنصت، ثم طورتها سنة 1949.
وفي سنة 1950، حصلت الوحدة 8200 على ميزانية قدرها 15 ألف دولار (ما يعادل 478 ألف دولار بأسعار بداية سنة 2019)، و110 آلاف دولار إضافية للمشتريات الإلكترونية من الخارج (ما يعادل 3.5 مليون دولار بأسعار بداية سنة 2019)؛ وهو مبلغ ضئيل عند محاولة شراء أنظمة الكمبيوتر الأكثر تقدماً. غير أن الوحدة حفاظاً على سرية قدراتها الاستخباراتية، طورت معظم تكنولوجياتها داخلياً. ونشرت قواعد التنصت في كافة أنحاء "إسرائيل" في أوائل خمسينيات القرن العشرين، ولكن بمعدات غير متطورة، وجنود عديمي الخبرة. وبحلول سنة 1959، حصلت الوحدة على إمكانية الوصول إلى تقنية حوسبة أكثر تقدماً، وذلك بعد أن أنشأت وحدة رفائيل RAFAEL في الجيش الإسرائيلي، المسؤولة عن تطوير الأسلحة، جهاز كومبيوتر أطلقت عليه ايتسيك Itzik، والذي سمح بإجراء عمليات محاكاة على نطاق واسع، أي محاولة تنفيذ عملية ما في ظروف اصطناعية مشابهة إلى حدّ ما للظروف الطبيعية، وذلك بهدف دراسة النتائج المتوقعة.
وفي سنة 1960، اشترى الجيش الإسرائيلي جهاز كمبيوتر فيلكو Philco من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنشأ "مركز أجهزة الكمبيوتر وإدارة السجلات The Center for Computers and Mechanized Records" المعروفة باسم مامرامMAMRAM ، ما جعل وحدة 8200 تكون من أفضل وحدات القرصنة الإلكترونية (الهاكرز Hackers) وفك الشفرات المعقدة. واستخدم الجيش الإسرائيلي هذه القوة الحاسوبية خلال حرب سنة 1967، عندما تمكنت من اعتراض وفكّ رموز الاتصالات الجوية المصرية والسورية، مما ساعد القوات الجوية الإسرائيلية على التفوق في المجال الجوي والسيطرة عليه.
وكانت سنة 1973 خطاً مفصلياً في تاريخ الوحدة، إذ ألحق أسر الضابط الإسرائيلي عاموس ليفينبرغ Amos Levenberg، "الضابط المغني Singing Officer" كما كان يسمى في "إسرائيل"، المطلع على أسرار حساسة جداً، في قبضة السوريين، وفشله في الوقوف أمام الحرب النفسية التي أدارها المحققون السوريون، ضرراً كبيراً بالاستخبارات الإسرائيلية، لاعترافه لهم بكل شيء يعرفه، كتنصت "إسرائيل" على كافة وسائل البث العسكرية السورية، بما فيها الاتصالات التي تحصل بين الرئيس السوري وقادة الفرق، واختراق الأراضي السورية، وتثبيت أجهزة تنصت كانت موصولة بكافة كابلات Cables الاتصالات السورية، والتي كانت بدورها تنقل كل المعلومات إلى قواعد الوحدة 8200. كما فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في أثناء حرب سنة 1973 (ما يُسمى إسرائيلياً حرب يوم الغفران)، بتوفير الإنذار للجيش في الوقت المناسب، مما اضطر رئيس هيئة الأركان ديفيد (دادو) إيلْعَزار David "Dado" Elazar ورئيس هيئة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي حينها إلى الاستقالة، وبدأت الوحدة 8200 في تغيير هيكلها التنظيمي وتطويره، وأصبحت أكبر وحدة فنية متخصصة في الجيش الإسرائيلي.
2. دور الوحدة 8200 وهيكليتها:
الوحدة 8200 هي وحدة نخبة تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) Aman، وهي ركن أساسي للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، تسعى لإنتاج أفضل المواهب التكنولوجية على مستوى العالم. وهي المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية المشفرة SIGINT، أي من الإشارات الإلكترونية وأنظمة الاتصالات الأخرى التي تستخدمها الأهداف الأجنبية والمحلية، من خلال الرصد، والتنصت، والتصوير، والتشويش، ثم يتم تحليل هذه البيانات لتقييم التهديدات المحتملة للأمن القومي الإسرائيلي.
وتعد هذه الوحدة منظمة سرية وغامضة، وذات بيانات محدودة متاحة للجمهور، لذلك يصعب الحصول على البيانات الدقيقة التي يحتاجها أي بحث أكاديمي حولها. وقدَّر موقع فوربس Forbes، سنة 2016، عدد أفراد الوحدة بـ 5 آلاف شخص، وكلهم يعملون لإيجاد أحدث التقنيات التكنولوجية مع القليل من التوجيه. ويُفترض أن يتفوق خريجو الوحدة بثلاث صفات ريادية هي أخذ المخاطر، والاستقلالية، والابتكار.
ووفق بعض الباحثين، تعد هذه الوحدة من أفضل وكالات الاستخبارات العسكرية في العالم، ويرى البعض أنها توازي وكالة الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية.
في سنة 2010، ذكرت صحيفة لو موند ديبلوماتيك Le Monde diplomatique الفرنسية أن الوحدة 8200 تدير قاعدة تجسس كبيرة في النقب، أُطلق عليها اسم أوريم Urim، وهي واحدة من أكبر قواعد الإشارات الاستخباراتية في العالم، قادرة على مراقبة المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني، ووسائل الاتصالات الأخرى، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأوروبا، وآسيا، وإفريقيا، وكذلك تتبع السفن. كما ذكرت أن الوحدة 8200 تحتفظ بمواقع استماع سرية في السفارات الإسرائيلية في الخارج، وتتنصت على الكابلات الموجودة تحت البحر، لا سيّما كابلات البحر المتوسط التي تربط "إسرائيل" بأوروبا عبر صقلية، وتحتفظ بوحدات استماع سرية في الأراضي الفلسطينية، كما تستخدم طائرات غلف ستريم Gulfstream مزودة بمعدات مراقبة إلكترونية.
وباستثناء الأقمار الصناعية المختصة بالبث التلفزيوني، فإن معظم الأقمار الصناعية الأخرى، امتداداً من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي، هي أهداف محتملة، سواء كانت أوروبية، أم عربية، أم روسية، أم آسيوية، وكذلك الأقمار الصناعية إنتلسات Intelsat، التي تتابع المكالمات الهاتفية بين البلدان، وإنمارسات Inmarsat، التي تغطي الاتصالات البحرية.
تعمل وحدة 8200 كشركة ناشئة عالية التقنية في تدريب عناصرها الجدد، وهي تركّز على العناصر الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عاماً، إذ تضعهم في بيئة تدريب تشبه بيئة الشركات الناشئة لتحقيق مزيد من التحفيز والتدريب. ويتم اختيار المجندين فيها بحسب القدرة على التكيف والتعلم السريع والابتكار، فهي تستهدف الطلاب الذين يتمتعون بقدرات تحليلية فائقة، ويمكنهم اتخاذ قرارات سريعة والعمل بشكل جيد ضمن فريق، ويتحملون المخاطر باستمرار في المواقف الصعبة، حتى عند مواجهة الخصوم، ولديهم الرغبة المستمرة في التحسن والتعلم من الفشل. ويتعرض جنود الوحدة 8200 لعملية فحص صارمة ودقيقة قبل قبولهم في الوحدة، كما يتم فحص جميع المجندين المحتملين من قِبل الجيش الإسرائيلي عند اقترابهم من التخرج من المدرسة الثانوية، وفي بعض الأحيان تبدأ متابعتهم عندما يكونون أصغر سناً، وذلك باستخدام برامج ما بعد المدرسة للفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 16-18 سنة، بتعليمهم الكمبيوتر ومهارات القرصنة.
وتشير إنبال أريلي Inbal Arieli، وهي خريجة من هذه الوحدة، أن عملية الفرز تختلف عن وكالة الأمن القومي الأمريكية، لأنها لا تعتمد على الخبرة السابقة.
وبعد قبول المرشحين في الوحدة، يبدأ برنامج تدريبي شاق ومكثف لمدة ستة أشهر، ما بين 16 إلى 18 ساعة في اليوم، وهو يعد "معسكراً للأذهان"، يهدف إلى إعداد الأفراد وتمكينهم بالمهارات التقنية الضرورية للقيام بعملهم بشكل جيد، فيتم وضع المجند في فريق صغير "حيث يدرس ويجري عصفاً ذهنياً ويتدرب ويحلل ويحل المشاكل، من الصباح الباكر إلى وقت متأخر من الليل". ويقول نداف زافرير، قائد "سابق" لوحدة 8200: "يتدفق كل سنة على الوحدة 8200 الكثير من الشباب والشابات المتحمسين لحل مشاكل الوحدة من منظور جديد تماماً، نحن لا نخبرهم بأن أشخاصاً آخرين حاولوا حلّ المشكلة نفسها عدة مرات وفشلت".
وكثيراً ما يكون الضباط المسؤولون عن التدريب أكبر بسنتين فقط من المجندين الجدد. ويستخدم هؤلاء الضباط منهجاً تعليمياً طوره مركز أجهزة الكمبيوتر وإدارة السجلات (مامرام) خلال سنة 1980 باسم "التخطيط حسب الحالات Planning By Situations (PBS) ". وهذا البرنامج هو نهج شمولي عملي، يركّز على أهم الصفات والمهارات الضرورية التي يجب على الطالب اكتسابها للقيام بعمله، وتعرف هذه الصفات والمهارات باسم "المكونات المهنية".
بعد هذا التدريب، يتم وضع الجنود في وحدات فرعية مختلفة في الوحدة 8200؛ في حين قد تختلف مسؤولياتهم الفردية، فإن أساسيات عملهم تبقى هي نفسها. ويتم تحفيز جنود الوحدة 8200 لتعلم المهارات الفنية اللازمة لإنشاء شركة إلكترونية خلال فترة وجودهم في الوحدة وبيعها. وبعد انتهائهم من الخدمة في الوحدة يصبحون قادرين على تأسيس واحتلال المراكز العليا في العديد من شركات تكنولوجيا المعلومات الدولية.
ومن أشهر الشركات الرائدة في العالم والتي أسستها الوحدة 8200، شركة شيك بوينت Check Point Software Technologies Ltd. سنة 1993، وهي تقوم بتطوير وتسويق ودعم مجموعة من المنتجات والخدمات لأمن تكنولوجيا المعلومات، وشركة سايبر آرك CyberArk Software Ltd. سنة 1999، وهي شركة أمن معلومات تحمي المؤسسات من الهجمات الإلكترونية، تقدر قيمتها بحوالي 2 مليار دولار، وشركة إمبيرفا Imperva, Inc. سنة 2002، لحماية البيانات، وشركة بالو آلتو Palo Alto Networks, Inc. سنة 2005، وهي منصة أمان، تقدر قيمتها بأكثر من 14 مليار دولار، وشركة ويكس Wix.com, Ltd. سنة 2006، وهي واحدة من منصات تطوير الويب على مستوى العالم، قام بتأسيسها أفيخاي أبراهامي Avishai Abrahami بعد أن ترك الوحدة 8200، بالإضافة إلى العديد من الشركات الأخرى التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، والتي تمّ تأسيسها من قبل أعضاء "سابقين" في الوحدة 8200، وهو حال العديد من مجندي الوحدة بعد انتهاء خدمتهم.
وفي سنة 1999، فازت مجموعة مير Mer Group الإسرائيلية، التي يتولى رئاستها التنفيذية نير ليمبرت Nir Lempert، وهو من العناصر "السابقة" في وحدة 8200، بعقد للشرطة الإسرائيلية لإنشاء مابات 2000 أو Mabat 2000، وهو نظام أمني يتألف من شبكة معقدة من كاميرات مراقبة، وقامت بزرع مئات الكاميرات في مدينة القدس القديمة. وفي مقابلة مع مجلة "إسرائيل غيتواي Israel Gateway"، أوضح حاييم مير Haim Mer، رئيس مجلس إدارة الشركة، وجندي "سابق" في وحدة 8200، أن "الشرطة كانت بحاجة إلى نظام يتحكم فيه "الأخ الأكبر Big Brother" ويسمح بمتابعة الأحداث في أرجاء المدينة القديمة كافة". وقال إيال راز Eyal Raz، مدير الإنتاج في شركة مير للأمن Mer Security، أن الشركة تقوم بعمل تطوير مشترك مع الوحدة 8200، كما يتم تجنيد العناصر "السابقة" من الوحدة للعمل في الشركة. وتقدم مير خدماتها لعملائها المنتشرين حول العالم، ففي سنة 2011، وقّعت مير عقداً بقيمة 42 مليون دولار مع بوينس آيريس Buenos Aires عاصمة الأرجنتين لإنشاء نظام "المدينة الآمنة"، وذلك من خلال نشر 1,200 كاميرا مراقبة في المدينة تحتوي على تقنية التعرف على لوحات أرقام السيارات.
ومن الجدير بالذكر، أنه في آب/ أغسطس 2016، نشرت منظمة الخصوصية الدوليةPrivacy International، والتي تتخذ من لندن مقراً لها، تقريراً حول شركات تصنيع تقنيات المراقبة في العالم، ذكرت فيه وجود 27 شركة مراقبة إسرائيلية؛ وهي أعلى نسبة لكل فرد في أي بلد في العالم، إذ تدير الولايات المتحدة الأمريكية 122 شركة مراقبة. وتدير الوحدة 8200 ما لا يقل عن ثمانية من شركات المراقبة الإسرائيلية الـ 27 التي ذكرتهم منظمة الخصوصية الدولية. ولكن هذا الرقم ليس حقيقياً، إذ أن هناك شركات مراقبة إسرائيلية مصنفة كشركات من دول أخرى لأن مقرها الرئيسي لا يقع في "إسرائيل"، كشركة ناروس Narus، التي أسسها عناصر "سابقة" في الجيش الإسرائيلي في الوحدة 8200، ولكن اشترتها شركةBoeing الأمريكية، ومقرها الرئيسي في كاليفورنيا، لذلك صنفتها منظمة الخصوصية الدولية كشركة أمريكية. وهذا ما يتوافق مع نتيجة التقرير الذي خلصت إليه شركة بيانات في نيويورك "سي بي انسايتس CB Insights"، في نيسان/ أبريل 2018، والذي أظهر أن "إسرائيل" شكلت 7% من حصة التعامل العالمي للأمن الإلكتروني في السنوات 2013-2017، وما تزال بعد الولايات المتحدة، والتي تمثل 69% من حصة السوق العالمية، لكنها أعلى من المملكة المتحدة، والتي تمثل 6% من المجموع الكلي. واختار التقرير 29 شركة ناشئة في مجال الأمن الإلكتروني، ومن بين هذه الشركات، هناك ست شركات إسرائيلية، لتصنف ما يسمى ببلد الشركات الناشئة، كثاني أعلى تركيز للعاملين في مجال الحماية الإليكترونية، بعد الولايات المتحدة.
ثالثاً: أداء الوحدة 8200 وأنشطتها:
تعدّ "إسرائيل" أحد أبرز محاضن تكنولوجيا الاتصالات، وأكثرها ازدهاراً في العالم، حيث قُدِّر حجم الصادرات الإسرائيلية للمنتجات الإلكترونية وصناعة أمن المعلومات خلال سنة 2018 بنحو خمسة مليارات دولار، في حين بلغ حجم الاستثمار في هذا المجال نحو مليار دولار، بزيادة 22% عن سنة 2017، وبلغ عدد الشركات الإلكترونية في "إسرائيل" 450 شركة.
كما أن نصف شركات تكنولوجيا الاتصالات التي تحتل مراكز متقدمة عالمياً إما أنها اشترت شركات ناشئة إسرائيلية، أو أنها اشترت مراكز للبحث والتطوير لها في "إسرائيل"؛ فشركة سيسكو Cisco مثلاً، وهي شركة أمريكية رائدة في شبكات الإنترنت في العالم، تمتلك تسع شركات إسرائيلية وتسعى للمزيد. وفي سنة 2016، أعلنت الشركة عن عزمها الحصول على شركة أمن الإنترنت كلاودلوك CloudLock، التي أسسها سنة 2011 ثلاثة من عناصر الوحدة 8200، مقابل 293 مليون دولار. وكانت الشركة قد صرَّحت في سنة 2013، أنها ستشتري شركة إنتوسل Intucell الإسرائيلية لتصنيع البرمجيات مقابل نحو 475 مليون دولار نقداً، وذلك لتوسيع إدارة شبكات الهاتف المحمول.
وخلال سنة 2018، قامت أفضل عشر شركات تقنية في العالم وهي؛ مايكروسوفت Microsoft، وآبل Apple، وأمازون Amazon، وجوجل Google، وفيسبوك Facebook، وعلي بابا Alibaba، وإنتل Intel، وأوراكل Oracle، وسامسونغ Samsung، وبايدو Baidu، بأعمال تطويرية لها في "إسرائيل".
فشركة إنتل مثلاً قررت استثمار 11 مليار دولار في "إسرائيل" في تطوير صناعاتها التكنولوجية والإلكترونية، وأعلنت أن صادراتها من "إسرائيل" بلغت 4 مليارات دولار سنة 2018، بزيادة قدرها 300 مليون دولار مقارنة بسنة 2017.
وشركة مايكروسوفت، التي تمتلك تاريخاً من الاستثمار في القدرات الإسرائيلية منذ سنة 1989، استعانت برئيس جديد للبحث والتطوير في "إسرائيل"، يبلغ من العمر 34 عاماً، وهو عضو "سابق" في وحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
كما صرَّح رئيس شركة مايكروسوفت بيل غيتس Bill Gates في سنة 2002، لصحيفة يديعوت أحرونوت Yediot Aharonot أن شركته ستستمر في الاستثمار وتطوير إنتاجها في "إسرائيل"، وقال إنه "على الرغم من الوضع السياسي والأمني، تواصل إسرائيل تمثيل الطليعة الرائدة في الابتكار، وستظل مايكروسوفت جزءاً منها". وقال إن المخاوف الأمنية "لن تمنعنا من تعميق أنشطتنا في إسرائيل".
واستثمرت مايكروسوفت مبلغاً لم يُكشف عنه في شركة تيم 8 أو Team 8، وهي شركة إسرائيلية لتشغيل الأمن الإلكتروني أسسها عدد من كبار العناصر "السابقة" في وحدة 8200. وقد شارك في تأسيسها ويشغل منصب رئيسها التنفيذي نداف زافرير Nadav Zafrir؛ الذي انضم إلى الوحدة 8200 سنة 2005 وشغل منصب قائدها في الفترة 2009-2013، وهو مؤسس القيادة الإلكترونية للجيش الإسرائيلي. وقال ناجراج كاشياب Nagraj Kashyap، نائب رئيس قسم المشاريع في شركة مايكروسوفت: "إن النظام البيئي التكنولوجي في إسرائيل معروف على مستوى العالم، بفضل ابتكاره وإبداعه، كما أن خبرته في مجال الأمن الإلكتروني بارزة بالفعل"، مشيراً إلى أن الشركة ستعمل بشكل وثيق مع شركة تيم 8 لمعالجة تحديات الدفاع عن الشبكات من المهاجمين.
وفي سنة 2011، قررت شركة أبل افتتاح مركز تطوير لها في "إسرائيل"، وهو أول مركز تطوير لشركة أبل خارج مقرها في كاليفورنيا، وتمّ تعيين أهارون أهارون Aharon Aharon رئيساً تنفيذياً للشركة. وأهارون، الذي عُيِّن في سنة 2016 أول مدير لسلطة الابتكار الإسرائيلية المستحدثة، خدم في وحدة استخبارات الجيش الإسرائيلي 8200 وحصل على شهادتين من معهد تخنيون Technion الإسرائيلي للتكنولوجيا في هندسة الكمبيوتر والكهرباء.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الشركة الإسرائيلية الناشئة برايمسنس PrimeSense والتي اشترتها آبل في سنة 2013 مقابل 350 مليون دولار، هي المسؤولة عن التطويرات والتقنيات الجديدة للتعرف على الوجه في جهاز الآيفون X أو iPhone X. وتأسست شركة برايمسنس سنة 2005 من قِبل خمسة مستثمرين من تل أبيب، خدموا جميعهم في الوحدة 8200، وهم: ديمتري رايس Dmitry Rice، وأليكس شبونت Alex Shpunt، وأوفير شارون Ofir Sharon، وآفياد مايسيلز Aviad Meisels، وتامير برلينر Tamir Berliner. ومن أهم المستثمرين الاستراتيجيين في الشركة، شركة مايكروسوفت.
كما صرَّح الرئيس التنفيذي ورئيس شركة جوجل إريك شميدت Eric Schmidt في مقابلة معه في حزيران/ يونيو 2009، أن الولايات المتحدة هي المكان الأول في العالم لرواد الأعمال، ولكن "بعد الولايات المتحدة، إسرائيل هي الأفضل". وكانت جوجل قد اشترت مقابل أكثر من مليار دولار تطبيق ويز Waze، وهو تطبيق يعتمد على البيانات الضخمة، طورته مجموعات "سابقة" من قبل قوات الجيش الإسرائيلية، وتأمل شركات ناشئة جديدة مثل ستايلت Stylit أن تحاكي نجاح ويز.
وتأتي "إسرائيل" بعد الولايات المتحدة والصين، في عدد الشركات المدرجة في بورصة ناسداك NASDAQ، وهي سوق مالي أمريكي أنشئ سنة 1971، مقره الرئيسي في مدينة نيويورك. ووفقاً لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لسنة 2016، تنفق "إسرائيل" 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي على الأبحاث والتطوير، وهي النسبة الأعلى في العالم، مقارنة بأي بلد آخر. فكوريا الجنوبية أنفقت ما نسبته 4.2% سنة 2016، بينما أنفقت الولايات المتحدة 2.8%. كما جمعت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية رقماً قياسياً في رأس المال المخاطر (وهو أحد أشكال التمويل لمشاريع في أولى مراحل إنشائها، والتي تتميز بكونها تمتلك فرصة نجاح ونمو عالية، وفي الوقت نفسه يتسم الاستثمار فيها بمخاطرة عالية)، لتمويل الشركات الناشئة والذي بلغ 4.8 مليار دولار في سنة 2016.
كما حصلت "إسرائيل"، في قائمة بلومبرغ للبلدان المبتكرة Bloomberg’s list of innovative countries وقائمة المنتدى الاقتصادي العالمي The World Economic Forum’s الخاصة بأكثر عشرة اقتصادات ابتكاراً، على المركز الثالث في تقرير التنافسية العالمي 2017-2018 أو The Global Competitiveness Report 2017-2018 بعد سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن الجدير بالذكر أن شركة سيناريو Synereo الناشئة في "إسرائيل"، تحاول أن تُروِّج بأنها البديل المستقبلي لشبكات التواصل الاجتماعي. وهي شركة شارك في تأسيسها أندرسون ماكوتشيون Anderson McCutcheon، جندي "سابق" في الوحدة 8200. وتفخر سيناريو أنها أول شبكة تواصل اجتماعي لا مركزية وموزعة بالكامل في العالم، ويمكن للمستخدمين التفاعل مباشرة مع بعضهم البعض دون الحاجة إلى وسيط أو طرف ثالث، على عكس الحالة مع فيسبوك، وتويتر، وجوجل+ أو Google+، ولينكدإن Linkedin.
وبالتالي، لن تخصص "إسرائيل" إمكانياتها الكبيرة في هذا النطاق بالتجسس إلكترونياً على الفلسطينيين فقط، بل سيمتد ذراع التجسس الإلكتروني الإسرائيلي إلى أقصى حدٍّ ممكن أن يخدم مصلحتها.
1. أنشطة الوحدة 8200 في البيئة الفلسطينية والعربية:
لا يقتصر دور العناصر "السابقة" في الوحدة 8200 على إنتاج بعض الشركات الناشئة الطموحة في "إسرائيل"، والتي يتم استغلالها في أنشطة الحرب الإلكترونية الإسرائيلية، بل إنها تساعد أيضاً في التوظيف لصالح الموساد والشاباك.
واستطاعت الوحدة 8200 أن تعترض في أوائل أيام حرب 1967 مكالمة هاتفية جرت بين رئيس جمهورية مصر العربية جمال عبد الناصر والملك الأردني الحسين بن طلال، وأكّد فيها عبد الناصر أن نتائج الحرب تجري لصالح مصر، وذلك لإقناع الملك الأردني بخوض الحرب ضدّ الإسرائيليين، إلا أن نشر المحادثة وتّر العلاقات بين زعماء الدولتين حينها لصالح "إسرائيل". وكذلك اعترضت الوحدة مكالمة هاتفية جرت بين ياسر عرفات ومسلحين تابعين لمنظمة جبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس)، الذين اختطفوا سنة 1985 سفينة الركاب الإيطالية أكيل لورو Achille Lauro في أثناء إبحارها في مياه المتوسط. وعندما ادعى ياسر عرفات أنه لا علاقة له بخطف السفينة، والتي أسفرت عن مقتل أمريكي، قدمت الوحدة 8200 مكالمة هاتفية تمّ اعتراضها لعرفات أثبتت عكس ذلك، وهو ما شكل رأي عام منحاز لـ"إسرائيل".
ودلت وثائق كشف عنها الأرشيف الرسمي الإسرائيلي بمناسبة مرور أربعين عاماً على حرب 1973، أن الوحدة مسؤولة عن ما بات يعرف بـ"الوسائل الخاصة"، والتي تتضمن زرع أجهزة تنصت في مكاتب ومرافق حيوية في عمق البلدان العربية، خصوصاً البلدان التي تكون في حالة عداء مع "إسرائيل".
وتحاول الوحدة 8200 أن تبتز الفلسطينيين من خلال المعلومات الشخصية والخاصة التي تقوم بجمعها عنهم، لإجبارهم على التعاون معها. وفي سنة 2014، وقّع 43 من العناصر "السابقة" في وحدة 8200، رسالة احتجاج تندد بالمشاركة في عمليات ابتزاز الفلسطينيين لتعزيز الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وأشار الموقعون إلى أن أسلوب التجنيد الذي تتبعه الوحدة هو استغلال العيوب الشخصية أو نقاط الضعف بين الفلسطينيين، من أجل ابتزازهم ليصبحوا عملاء لها. ويعد اعتراض المحادثات الهاتفية الخاصة والرسائل النصية والبريد الإلكتروني أداة أساسية في هذه العملية.
وفي آب/ أغسطس 2016، نشر باحثون في الأمن الرقمي في منظمة سيتيزن لاب Citizen Lab في جامعة تورونتو University of Toronto تقريراً مفصلاً عن مصدر نوع معين من برامج التجسس المتطورة، التي لديها القدرة على تحويل جهاز الآيفون iPhone الخاص بالشخص إلى جهاز مراقبة متحرك؛ يمكنه تتبع حركته وتسجيل مكالماته الهاتفية، والتحكم بكاميرا هاتفه والميكروفون. وقد استهدفت هذه البرامج أحمد منصور، وهو ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان في الإمارات، بعد أن تلقى رسالة نصية على جهازه الآيفون الخاص به، وُعِدَ فيها بتقديم معلومات سرية حول استخدام التعذيب في البلاد، إذا نقر على رابط مرفق، وكان الرابط من برنامج التجسس بيجاسوس Pegasus، المطوَّر من قبل شركة أن أس أوNSO الإسرائيلية (وهي شركة مراقبة إسرائيلية سرية، أسسها عمري لافي Omri Lavie وشاليف هوليو Shalev Hulio، وهما عنصران "سابقان" في الوحدة 8200، ويعمل ثلاثة على الأقل من موظفي مجموعة أن أس أو في وحدة الاستخبارات، وفقاً لصفحات لينكدإن الخاصة بهم )، والذي تمّ تحديده من قبل منظمة سيتيزن لاب، وصرحوا بأنه من المحتمل أن الإمارات العربية المتحدة هي التي استهدفته. وقال منصور إنه مستهدف منذ سنة 2011، وهي السنة التي وقّع فيها عريضة تطالب بالإصلاحات الديموقراطية في الإمارات. وخلص تقرير منظمة سيتيزن لاب إلى أن السبب وراء برنامج التجسس هو مجموعة أن أس أو. ويقضي أحمد منصور حكماً بالسجن لمدة عشرة أعوام في الإمارات بتهمة نشر أخبار غير صحيحة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكشف تقرير لمنظمة سيتيزن لاب، نُشِرَ في 31/7/2014، أن التكنولوجيا التي طورتها مجموعة أن أس أو استهدفت حوالي 175 شخصاً منذ سنة 2016، بينهم ناشطون في مجال حقوق الإنسان ومعارضون، مشيراً إلى أن شركات إسرائيلية أخرى تقدم خدمات مماثلة. وبحسب التقرير، فإن "إسرائيل" تظل قادرة على ضبط بيع التكنولوجيا من خلال "القانون"، فحتى تستطيع مجموعة أن أس أو بيع التكنولوجيا للإمارات مثلاً، فإن عليها الحصول على تصريح وزارة الدفاع الإسرائيلية. ويشير التقرير إلى تقديم عامل سابق في مجموعة أن أس أو للمحاكمة في تموز/ يوليو، حيث وجهت له السلطات الإسرائيلية عدداً من الاتهامات، منها سرقة معلومات حساسة، ومحاولة بيعها بـ 50 مليون دولار من خلال الإنترنت. وتعتقد ساشا رومانوسكي Sasha Romanosky، الباحثة في مؤسسة راند Rand Corp، أن "هذه الشركات تستعمل تقنيات أكثر تعقيداً من وكالات الاستخبارات الأمريكية".
وكانت الوحدة 8200 قد قدمت لمجموعة أن أس أو مبلغ 1.6 مليون دولار في شكل أموال ابتدائية لتطوير برنامج بيجاسوس. وتُعد عملية البيع التي جرت بين مجموعة أن أس أو والإمارات العربية المتحدة مؤشراً على العلاقات المتنامية بين "إسرائيل" والدولة الخليجية.
وفي سنة 2008، وبحسب صحف ومواقع إماراتية، أبرمت حكومة أبو ظبي اتفاقية بقيمة 3 مليارات درهم (816 مليون دولار) مع الشركة الأمنية آسيا جلوبال تكنولوجي (أيه جي تي) إنترناشيونال Asia Global Technology (AGT) International، التي ترأسها ماتي كوخافيMati Kochavi . وتضمنت الصفقة تقديم كاميرات مراقبة، وأسيجة إلكترونية، وأجهزة استشعار لمراقبة البنية التحتية الاستراتيجية وحقول النفط في أبو ظبي، بما في ذلك تأمين حدود دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأفاد الصحفي روري دوناجي Rori Donaghy في تقرير له بموقع Middle East Eye في شباط/ فبراير 2015، أن الإمارات وقّعت عقداً مع شركة أيه جي تي، وهي شركة مسجلة في سويسرا يملكها إسرائيلي، ويقال إن موظفي الاستخبارات الإسرائيليين "السابقين" يعملون فيها، لإنشاء نظام مراقبة يضم الآلاف من الكاميرات. وقال دوناجي، وهو أيضاً مؤسس مركز الإمارات لحقوق الإنسان، إن الإمارات اشترت بمئات الملايين من الدولارات من المنتجات الأمنية من "إسرائيل". وقال إن الإمارات تلجأ إلى "إسرائيل" لأنها تعتقد أن الإسرائيليين هم ببساطة الأفضل في هذا السوق من حيث معدات التجسس، والأكثر سرية.
وتقوم معدات المراقبة المستخدمة، بدءاً من الكاميرات الموجودة بالشارع وحتى الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت في المنزل وما بعده، بتتبع الأشخاص "الذين يجب اتباعهم"، وتوفر كميات كبيرة من البيانات حول جميع جوانب تحركات الفرد وأنشطته. وتتواجد كاميرات سي سي تي في CCTV على جميع طرق أبو ظبي، وكذلك في كل منشأة عامة وتجارية، وكلها متصلة بنظام مركزي واحد يتم ربطه بدوره مع عملية تحليل البيانات الكبيرة، التي تقوم بدورها بإبلاغ السلطات بمستوى التهديد المتصور.
وأسست كوخافي سنة 2006 شركة لوجيك إندستريز Logic Industries، وهي شركة تنتج برامج أمنية، وتعمل من كيبوتس ياكومKibbutz Yakum في "إسرائيل"، ويرأس هذه الشركة عاموس مالكا Amos Malka، وهو ضابط متقاعد في الجيش الإسرائيلي، شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات بين سنتي 1998 و2001، ويحمل مجموعة من ضباط الجيش الإسرائيلي وضباط الاستخبارات المتقاعدين عدداً كبيراً من المناصب الرئيسية في الشركة، والسؤال هنا إلى أي مدى اخترق الإسرائيليون أمن الإمارات عن طريق هذه الأجهزة التي تمّ توفيرها؟
بن، الذي يعمل مستشاراً لشركات المراقبة في الإمارات، تحدث مع هآرتس Haaretz من مقر إقامته في الخليج العربي، وقال إن الشركات الإسرائيلية معروفة في المنطقة كمورد لمعدات التجسس، وإن الإمارات هي عميل كبير لتقنيات المراقبة، لأنها تعلم "أن أفضل التقنيات تأتي من إسرائيل".
وفي سنة 2018، أعلنت منظمة سيتيزن لاب بأن برنامج التجسس بيجاسوس قد استُخدم لتعقّب عمر عبد العزيز، وهو معارض سعودي يعيش في كندا تحت رعاية سياسية. ووفقاً لتقرير المنظمة، استخدم عملاء النظام في الرياض تكنولوجيا أن أس أو في مونتريال Montreal ضدّ عبد العزيز.
.....يتبع