كارتر والحرب العالمية الثالثة وحقائق ظهور منظمات الإرهاب
توقع رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال نيك كارتر، اندلاع حرب عالمية ثالثة، جاء ذلك في مقالة كتبها في صحيفة «صنداي تليغراف» البريطانية تحت عنوان «روسيا المتهورة قد تشعل بالخطأ حربا جديدة». يرى كارتر أن دولا مثل روسيا والصين وإيران «تقحم نفسها في المشهد السياسي الدولي، بما يشكّل تحديا للأمن والمصالح الغربية، بالإضافة إلى تهديدها للاستقرار والازدهار الاقتصادي أيضا». وأضاف في مقالته «لم يقتصر التهديد على دول، بل امتد إلى تنظيمات تستخدم الإرهاب للانقضاض على أسلوب الحياة الغربي مثل تنظيم الدولة». مضيفا أن «هذا النوع من التهديد للقيم الغربية في عقر أوروبا يأتي من موجات ضخمة وغير مسبوقة من المهاجرين».
بداية، فإن الجنرال ينطلق في تقييمه من خلفية عنصرية تجاه المهاجرين إلى أوروبا، ثم إنه يجمعهم كلّهم في سلّة واحدة عنوانها «الإرهاب»، وهذا ليس صحيحاً. ثم إن منظمات الإرهاب لا تضرب فقط أوروبا، وإنما أيضا الدول العربية والإسلامية. أيضا في عام 2006 توقع قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جون أبي زيد، أن يواجه العالم حربا عالمية ثالثة إذا لم يجد وسيلة لوقف ما سماه التشدد الإسلامي المتزايد، وقارن بين ظهور أيديولوجيات المتشددين، مثل القوة التي تحرك «القاعدة» وظهور الفاشية في أوروبا في العشرينيات والثلاثينيات، التي مهدت الطريق أمام الحرب العالمية الثانية. يرى الجنرال في المواقف السياسية التي تتخذها روسيا والصين وإيران، إقحاماً في الشأن الدولي، فهل وفقا لوجهة نظره، أن على هذه الدول الثلاث أن تقبل بالسياسات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والغربية عموما، كما الإسرائيلية وتتركها تقود العالم؟ غريب أمر الجنرال، الذي تبين أنه ليس على علاقة بالسياسة فحسب، وإنما بالشأن العسكري أيضا، عندما يتصور أن دولة كبرى كروسيا، ستبدأ حربا عالمية ثالثة بالخطأ! نسأل الجنرال: هل إن بدء حرب عالمية يجري بمثل هذه البساطة؟ ثم ألا يكون في أي دولة نووية محطات كثيرة، يمرّ عليها قرار وآلية بدء الحرب قبل شنها؟ ثم إن كافة الدول تحسب حساب انطلاق صاروخ نووي بالخطأ، فتأخذ احتياطاتها الكبيرة كي لا يحدث ذلك. إن كان في ذهن الجنرال حادثة انفجار مفاعل تشيرنوبل النووي عام 1986 في الشمال الأوكراني، فهذا شيء مختلف عن شنّ حرب، ثم إنه سبب كاف لروسيا، ولكل الدول النووية الأخرى كي لا يتكرر ذلك.
في ختام مقالته، يشير كارتر إلى «أهمية التاريخ الذي يعتبر أن الكثير من الناس لا يلقون له بالا، ولا يهتمون بتأثيره على السياسات المعاصرة. مشيرا إلى أنها الأقل استقرارا منذ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية. واستدلّ بمقولة الإمبراطور البيزنطي موريكيوس: إن «الأمة التي تنسى من دافعوا عنها ستصبح نفسها يوما طي النسيان». ويخلص إلى القول بأنه «يجب أن يتعلم الغرب الدروس والعبر من التاريخ، خاصة خلال الفترة التي تعج بمتغيرات في العصر الجاري، التي يقول إنها أعمق وأسرع مما اعتادته البشرية خلال تاريخها، باستثناء فترة الحربين العالميتين». حقيقة الأمر، أن النظام العالمي الراهن يعيد إنتاج «الحرب الباردة»، الأمر، الذي سيؤدي إلى أزمات عميقة متدحرجة مثل كرة الثلج، منها أزمة اقتصادية متفاقمة ومتعددة الأوجه، فديون أمريكا الخارجية بلغت حتى الآن 22 تريليون دولار، قد تحدث أزمة مثل تلك التي عاشها العالم في عام 2008، بل ربما ستكون الأزمة المقبلة أشدّ قسوة، الأمر الذي حدا بالدول إلى بناء منظومات بديلة للتجارة الثنائية مع أمريكا، ما أدّى لتقليل أهمية الدولار أمام العملات الأخرى! وفي هذا الصدد سبق وأن صرّح مارك كارني محافظ بنك إنكلتر2019 قائلاً «في نهاية المطاف، سوف تكون لدينا عملات احتياطية أخرى غير الدولار الأمريكي».
النظام العالمي الراهن يعيد إنتاج «الحرب الباردة»، الأمر الذي سيؤدي إلى أزمات عميقة متدحرجة مثل كرة الثلج
كما كتب أستاذ التاريخ في جامعة ويسكونسن ألفريد مكوي: أن انهيار الدولار سوف يعني ازدياد الأسعار، وارتفاع متواصل في معدل البطالة مع انخفاض مستمر في الأجور الحقيقية طوال عام 2020. وسوف تؤدي الانقسامات المحلية إلى اشتباكات عنيفة حول قضايا رمزية أخرى لا قيمة لها. وقد سبق أن صرّح غوردون براون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، عند سؤاله عن تكرار أزمة 2008 قائلاً «إننا نواجه خطر الانزلاق نحو أزمة مستقبلية، يجب أن ننتبه انتباهاً شديداً للمخاطر المتصاعدة، ولكننا نعيش في عالم بلا قيادة، والتعاون الذي رأيناه في عام 2008 لن يكون ممكناً الآن». وبالعودة إلى توقعات كارتر، فإن بلاده تنتهج سياسة التبعية المطلقة لأمريكا، التي أقلّ ما يقال عن سياساتها أنها عدوانية مطلقة، هدفها الهيمنة على العالم وسط ازدراء للقانون الدولي، فمثلا كانت مؤخرا الدولة الوحيدة (إلى جانب إسرائيل) التي رفضت قرار الأمم المتحدة (صوتت لصالحه 170 دولة) بتجديد ثلاث سنوات لـ»الأونروا». أمريكا تعمل على امتصاص ثروات الشعوب ونهبها، وابتزازها تحت حجة حماية أنظمتها. ثم إنها تقف ضد مبدأ حق الشعوب في تقرير مصائرها، وتختار الأنظمة الفاسدة المتماهية مع سياساتها، حتى من خلال العمل على تحضير الانقلابات ضد الأنظمة التي تعارضها، كما حدث في بوليفيا مؤخرا، بخلع الرئيس موراليس، كما سبق أن حاولت في فنزويلا بمساعدة المعارضة الفنزويلية، ضد الرئيس الشرعي هوغو شافيز، كما في البرازيل وغيرها. الولايات المتحدة غير معنية بتطبيق الدول للديمقراطية، فهي تشجّع الحكام الديكتاتوريين والفاشيين مثل بينوشيه تشيلي، من الذين يأتمرون بأوامرها.
الولايات المتحدة تعمل على إسقاط الأنظمة المنتخبة ديمقراطيا إذا كانت تخالف سياساتها. هي لم تستفد من هزيمتها المدوّية في فيتنام، بل قامت بشن حربين على أفغانستان والعراق، وتدخلت عسكريا في دول عديدة في أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا. تدخلت عسكريا في ليبيا وسوريا، وتحاول بناء قواعد عسكرية جديدة لها، خاصة في سوريا والعراق لسرقة نفطيهما. أمريكا تنتهج سياسة إشعال الحروب المحلية في أكثر من منطقة في العالم، فهي مدارة من المجمع الصناعي العسكري البترولي المالي (بالتماهي مع الأيباك الصهيوني) وهو صاحب القرار الحقيقي الذي يفرض قواعد اللعبة والإتيان بساكن البيت الأبيض، وشن الحروب، فهو المعني بتسويق منتجاته العسكرية، من خلال العمل على افتعال بؤر توتر عديدة على الصعيد الدولي. نعم تحالفت الولايات المتحدة في عهد الرئيس كارتر مع التيارات الإسلاموية الإرهابية، وعلى رأسها «القاعدة»، وبدأت في تجنيد الشباب من الدول العربية والإسلامية للقتال هناك، للقتال ومقاومة ما سمته (الاحتلال) السوفييتي لأفغانستان الذي جاء بطلب حينها من الرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين عام 1979.
حرّي التوضيح، أن وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس، وفي مذكراته المعنونة بـ «من الظلال»، ذكر أن الوكالة بدأت بمساعدة الحركات المعارضة في أفغانستان قبل 6 أشهر من التدخل السوفييتي، وفي 3 يوليو 1979، وقّع الرئيس الأمريكي كارتر توجيها يخوّلها القيام بحملات دعائية لأجل «تحويل» موقف الناس من الحكومة الثورية. أدت هذه المعلومات حينها إلى تجدد النقاش حول كيفية بدء الحرب. فمؤيدو التدخل الأمريكي يدّعون أن نوايا الاتحاد السوفييتي بالسيطرة على أفغانستان كانت واضحة، مستشهدين بدكتاتورية بريجينيف، بينما يؤكد المعارضون أن أمريكا أعطت الاتحاد السوفييتي بشكل متعمد حجة حرب، لجرّه إلى صراع لا يمكنه ربحه (وهذا ما حصل تماما عندما جرّت السفيرة الأمريكية غلاسبي، صدّام حسين إلى غزو الكويت). للعلم أيضاً، فإن كثيرين من المحللين السياسيين والمراقبين، يجزمون بأن سبب نشوء حركتي «داعش» و»النصرة» الإرهابيتين وغيرهما، يعود في أصوله إلى التحالف الذي ذكرناه بين واشنطن، وتلك الاتجاهات الإسلاموية المتطرفة في عام 1978. من هؤلاء روبرت غيتس، كما يعتقد في مذكراته. ثم دعونا نعتمد منطق التحليل بالقول: إن «داعش» عاشت مجدها في ظلّ الفوضى التي حرص الاحتلال الأمريكي على نشرها في البلاد العربية فأعلن أبوبكر البغدادي خلافته و»دولته الإسلامية في العراق وبلاد الشام». كذلك الأمر بعدما قصفت أمريكا ليبيا، وعندما تدخلت هي وتركيا في سوريا، وعلى المراقبين والحالة هذه استنتاج ما يعنيه ذلك.
لقد شهد العالم منذ عقود أحداثا وصل الوضع فيها إلى حافة الهاوية وإمكانية قيام حرب نووية ثالثة: أحداث الحرب الصينية الكورية عام 1951 وطلب الجنرال ماك آرثر من الرئيس هاري ترومان استخدام نحو 50 قنبلة نووية لقصف الصين. أزمة الصواريخ في أحداث خليج الخنازير في كوبا عام 1961 بين كنيدي وخروتشوف. الدخول الروسي القوي والشرعي في الأزمة السورية عام 2015 وغيرها من الأحداث. إن الذي يمنع كافة الدول النووية من خوض حرب كهذه هو إدراكها جميعا، أن دولة ما منها لن تخرج منتصرة من هذه الحرب، ولذلك سيفكر قادة هذه الدول النووية طويلا قبل شنّها.. ولن يبدأوها.
الجيش البريطاني يحذّر من تهور روسي قد يُشعل حرباً عالمية ثالثة
نوفمبر 10, 2019
Facebook Twitter LinkedIn
حذّر الجنرال “نيك كارتر” رئيس أركان الجيش البريطاني، من مخاطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، وذلك في مقال له في صحيفة “صنداي تليجراف” البريطانية.
وقال كارتر في مقالة بعنوان “روسيا المتهورة قد تشعل حرباً جديدة بالخطأ”، مقتبساً مقولة الإمبراطور البيزنطي موريكيوس إن:”الأمة التي تنسى من دافعوا عنها ستصبح نفسها يوماً طي النسيان”، حيث أشار الجنرال إلى أهمية الالتفات إلى الدروس التي يقدمها التاريخ، الذي لا يلقي الكثيرون لها بالاً.
متابعاً: “خاصة وأن التاريخ له تأثيره على السياسات المعاصرة، فيما رأي كارتر الفترة الحالية بأنها الأقل استقراراً منذ الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية”.
وانتقد كارتر دور دول مثل الصين وروسيا وإيران في المشهد السياسي الدولي، بما يشكل تحدياً للأمن والمصالح الغربية.
متابعاً في هذا الصدد: “لم يقتصر التهديد على دول بل امتد إلى تنظيمات تستخدم الإرهاب للانقضاض على أسلوب الحياة الغربي مثل تنظيم داعش. وهذا النوع من التهديد للقيم الغربية في عقر أوروبا يأتي من موجات ضخمة وغير مسبوقة من المهاجرين”.
ونوه كارتر في مقاله بأنه يتعين على الغرب أن يتعلم الدروس والعبر من التاريخ، خاصة خلال الفترة التي تعج بمتغيرات في العصر الجاري، والتي يقول إنها أعمق وأسرع مما اعتادته البشرية خلال تاريخها باستثناء فترة الحربين العالميتين.
https://www.bbc.com/arabic/inthepress-50363681