متى وكيف ستخرج الأمة من الصفر التاريخي؟
شبكة البصرة
فؤاد الحاج
اطلعت على مقالة معبرة في أحد المواقع سنة 2014، يتحدث كاتبها عن "الصفر التاريخي"، يشرح فيها عظمة استشهاد الحسين ومعناها، وكيف يتم تحويل هذه المعاني اليوم على يد المعممين الذين جعلوا من قضية الاستشهاد مناسبة للبكاء والنحيب متجاوزين "العبر العظيمة لمعركة الاستشهاد"، وهم بذلك يسلبوا معنى البطولة والاستشهاد ليحولوه إلى "مجرد مظلوم مسكين ومستحق للرثاء". وأن ذلك "تخطيط هدفه تعطيل شعب وبلد بكامله وإخراجه كاملاً من مسيرة التاريخ إلى حيث يعيش الماضي بكل تفاصيله المؤلمة، والتي أشدها إيلاما هي تلك التي تتجلى من خلال عملية خطف شعب بكامله، وإيداعه في زمان لا يمكن العودة عنه، وفي مكان لا يمكن الخروج منه، إنه مكان وزمان الصفر التاريخي، حيث لا شيء قبله ولا شيء بعده، وحيث كل زمان هو عاشوراء وكل مكان هو كربلاء. وكأن "قدر هذا الشعب أن يبقى باكياً لاطماً يمتهن الحزن ويتجرع مرارة الخذلان، جالداً ذاته، وملطخاً جبهته بوحل جريمة أقنعوه زيفاً بأنه كان ارتكبها"!. وذلك "مؤامرة" كما يقول، ساهم بها الكثير من القوى، وأن "هناك منابر البكاء واللطم التي ترتزق من دم الحسين وتتاجر به، وترى أن استمرارها مرتهن فقط بقدرتها على أن تلقي القبض على ذلك الشعب، وتبقيه هناك يبكي خذلانه للحسين متحولاً إلى شعب مسكون ومعطل بعقدة الذنب" (...) ويساهم بذلك الكثير من رجل الدين المعممين وبأشكال مختلفة في بقاء ذلك الشعب في منطقة الصفر التاريخي، "لأن خروجه منها يعني إمكانية خروج هذا الشعب على الطاعة الكهنوتية التي تؤدي شيئاً فشيئاً إلى تراجع دولة الحوزة لصالح دولة الوطن."
مما تقدم ودائماً يبقى السؤال متى بإمكان هذه الأمة أن تخرج من حالة جلد الذات؟ ومتى سيعي مثقفو هذه الأمة دورهم في التوعية للوصول إلى حالة الخروج من الصفر التاريخي؟
إن المصيبة الكبرى التي تعاني منها الأمة اليوم هي في أولئك المعممين الذين يتاجرون بالدِّين عامة وبدم الحسين والبكاء واللطم على ماض فيه الكثير من التشويهات التي طالت جوانب كثيرة من الدين.
لذلك فأن دور المثقفين الواعين الوطنيين كبير جداً، وعليهم الانطلاق من أن الطائفية والمذهبية هي آفة القومية. ودورنا أكبر كمؤمنين بقدر أمتنا التاريخي، وأن النهوض القومي والوطني يتطلب منا زرع بذرة الوطنية والقومية في تلك الصحراء القاحلة التي لا زرع فيها ولا ماء، وأن نرويها بأفكارنا وإيمانناً بمستقبل أفضل لنا ولأجيالنا، لأن ليل الظلم مهما طال فلابد أن تبزغ بعده شمس يوم جديد، حاملة بين خيوط أشعتها الحرية للتخلص من نير الظالمين والفاسدين وكهنوت المعممين والمقلنسين على حد سواء.
من هنا تكون نقطة البداية للخروج دائرة الصفر التاريخي ومن ثم الارتقاء إلى حالة الوعي الكامل لمجريات التاريخ وتنقيته من الشوائب التي علقت به منذ أكثر من 1400 سنة.
وكذلك لمعالجة هذه الحالة التي تمر بها الأمة، يتطلب الأمر بروز قيادة وطنية قومية ضمن جبهة وطنية قومية عريضة، والابتعاد عن تداول كلمتي "شيعة" و"سنة" و"مسيحي" و"مسلم" وأي كلمات طائفية ومذهبية مهما كانت الظروف، مع التركيز على أن الصراع الدائر حالياً في المنطقة العربية إنما هو صراع وجود مع ولاية الفقيه وكل قوى الشر العالمية التي تستكلب للسيطرة على منطقة مقسمة إلى دويلات ومجزأة إلى مزارع للعصابات المتحكمة برقاب البلاد والعباد، يصل عدد سكانها من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي إلى حوالي 400 مليون نسمة، وفي باطنها ثروات طبيعية لا تنضب ربما لألف سنة قادمة، لذلك فأن هذا الصراع هو صراع مصالح اقتصادية وسياسية، يستعمل فيه الدين والطائفية والمذهبية لخدمة تلك المصالح. وما إنشاء الكيان الصهيوني واحتلاله لأرض فلسطين سوى الركيزة التي انطلقت منها قوى الشر الدولية والإقليمية من أجل منع تقدم هذه الأمة وسلبها حقوقها في أرضها، والعمل على بقائها متخلفة في كافة المجالات العلمية والصناعية، وقد تم لهم ذلك من خلال زرع بذور الحقد والكراهية باستعمالهم المورث الديني الذي ساهمت فيه الأنظمة الفاسدة وعصابات المتخلفين الذين يحملون أسماء الديانات السماوية.
وأخيراً أقول ليس من سبيل للخروج من حالة الصفر هذه، إلا بوضع مناهج تعليمية في المدارس والجامعات على أسس وطنية وقومية، وتشكيل جبهة وطنية قومية، من أجل بناء جيل جديد، بعيداً عن الطائفية والمذهبية، وأن يكون الوطن لجميع أبنائه وأن يكون الرجل المناسب في المنصب المناسب مهما كانت ديانته ودرجة إيمانه لأن الدين لله والوطن للجميع، وأن يكون التركيز على الشبيبة ودورها في بناء مستقبل الوطن والأمة على المديين القريب والبعيد، وليس بغير إيقاظ الشعور بالوطنية أولاً التي تكون منطلقاً إلى تحقيق حريتها والسبيل إلى تحقيق وحدتها القومية بأي شكل من الأشكال.
15/9/2019
شبكة البصرة
الاثنين 17 محرم 1441 / 16 أيلول 2019