اللصوص يبحثون عن رجل أمين لإدارة مصالحهم
شرّ البلية ما يضحك .. وفي عصور عديدة لجأ الناس لإنتقاد الحاكم من خلال النوادر والملح والضحكات والحكايا الخيالية . لعل في ذلك إنتقاما من الحاكم وحاشيته ، ويشفي قلوب الناس .
ودأب القوم على ذلك عصورا وراء عصور . بدأت بفكاهات العرب ، ووصلت الى نوادر حجا في العصر الاموي " كما يقال " . وصولا الى نوادر الفرس في كليلة ودمنة ، وحتى برنارد شو في الادب الساخر في أوروبا .
وجمالية المشهد ، أن النودار لا تضر ولا تريق الدماء ، لا تؤذي ولا تحرّض على القتل .ولكنها تعمل على تسفيه الظالم ، وتحقير قيمة المتذاكي على الناس ، وهز ثقته بنفسه .
وبينما تخرج التظاهرات في العواصم العربية ضد الفساد ، وضد نهب مئات المليارات من خزائن العرب والهروب بها الى جزر الكاريبي .. لم أسمع قصة واحدة عن نجاح لص في الحصول على السعادة ، او الخلود . وإنما تبدو سيرتهم الذاتية متشابهة . حياة هروب وقلق ونذالة ، وشهوات مريضة لا ترتقي لمستوى حب الوطن وبناء الحضارات .
اللصوص الذين يسرقون أموال بلادهم ، يعيشون القلق ويهربون خائفين ويتزوجون على نسائهم ويستبدلوهن بعاهرات ، يتركون أولادهم يغرقون في الملذات والمخدرات حتى الضياع . ويبيعون أرواحهم الى الشيطان .
امّا الذين امتلكوا الملايين بعمل شركاتهم وإختراعاتهم للبشرية ، فتراهم متقشفون ويكتبون مذكراتهم بكل فخر ، ويتبرعون لبلاد نهبها الاحتلال واللصوص . يتبرعون لبناء المدراس والمشافي وتعبيد الطرقات .
في الحارة التي عشت فيها طفولتي . ذات يوم إتفق عدد من اللصوص على فتح محل تجاري . ولكنهم لم يثقوا ببعضهم البعض وظن كل لص فيهم ان اللصوص الاخرين سيسرقونه . ولم يتفقوا على الثقة بينهم وفشلوا في اختيار واحد من بنهم لإدارة المحل .
وجاءوا الى شباب الحركة الوطنية يسألون عن شاب فيه المواصفات التالية ( خلوق ومؤدب ويخاف الله ولا ياكل مال الحرام ) وشددوا على صفة " يخاف الله ولا يأكل مالا حراما ". سؤالهم كان غريبا فعلا . سألناهم عن السبب فقالوا : نبحث عن رجل يخاف الله ولا يسرق ولا يأكل مال الحرام حتى نأتمنه على المحل ويدير مصالحنا .
وبالفعل نصحناهم بأحد الشبان الذين يحملون هذه الصفات ، ونجح المحل حينها وسار بشكل مقبول لهم .