أيام مشرقة في التاريخ العربي المعاصر
شبكة البصرة
غالب فهد المولى
في هذه الايام المشرقة حيث ينتفض شباب الامة في العراق وقبل ذلك في السودان والجزائر حاملين دمهم على أكفهم لتحرير الأرض والإنسان مدافعين عن حرية الامة واستقلالها، ومن اجل ابقاء راية العروبة حية خفاقة نستذكر اليوم اياماً مشرقة في تاريخنا العربي المعاصر تحققت فيها انتصارات مجيدة تتزود من عبقها الاجيال الصاعدة العزيمة والثقة لمواصلة كفاحها الضروس دفاعاً عن عروبة الامة وحقها في الحياة الحرة الكريمة.
فعلى الرغم من أن هناك أحداثاً وملاحم جرت في بقعة معينة من الوطن العربي، لكن امتد اشعاؤها ليضيء لنا على امتداد الوطن الكبير، إما لأنها كانت دفاعاً عن وجود ومصالح ومستقبل الأمة وبجهد مشترك، أو انها أدت في نتائجها وانعكاساتها إلى حماية المصلحة القومية وتعميق التلاحم العربي فصارت معالم وأياماً مشرقة في تاريخنا العربي نستلهم منها القيم والدروس ونتزود من تفصيلات مجرياتها بشحنات من العزم لتجدد فينا روح الوفاء والإقدام والتضحيات في معاركنا الراهنة في مواجهتنا لأعداء الأمة من قوى الشر والعدوان حماية لمصالح الأمة وخياراتها ودورها الرسالي الانساني.
برنامج أيام مشرقة في التاريخ العربي المعاصر يسلط الضوء على هذه الأحداث ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في التلاحم النضالي بين أبناء العروبة. من هذه الأيام الخالدة في تاريخنا العربي المعاصر:
معركة الاستيلاء على مركز القيادة الصهيوني جنوبي سيناء بقيادة
ألاسطورة اللواء السيد الشافعي
قائد اللواء الخامس مشاة من الفرقة 19 الجيش الثالث الميداني المصري
فبعد هزيمة 5/حزيران/1967 وإستيلاء العدو الصهيوني على شبة جزيرة سيناء وقطاع غزة، كان الواجب الرئيسى للقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية هو إعادة التنظيم والتسليح والتدريب للقوات المسلحة المصرية التى أصيبت بالاحباط التام. وبدأت هيئة العمليات الحربية فى وضع الخطة العسكرية لتحرير الأرض المحتلة، وتوصلت القيادة الى تبنى(الخطة جرانيت2 المعدلة) او الخطة (بدر).
حرب الاستنزاف وتوجيهات الرئيس جمال عبد الناصر
بناءاً على توجيهات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أصبحت إستراتيجية العمل العسكرى للقوات المسلحة المصرية هى تحرير الأرض المحتلة فى سيناء بالقوة، والوصول بالقوات المصرية إلى خط الحدود المصرية الفلسطينية وتأمينها،ثم استغلال النجاح سياسياً لاسترداد حقوق الشعب الفلسطينى. وكانت الفترة الزمنية التى حددها عبد الناصر لتحقيق ذلك الغرض هى ثلاث سنوات. وقد وضعت اللجان العسكرية التى شكلت برئاسة الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة خطة هجومية شاملة هى الخطة 200 للوصول الى الحدود الدولية، يجرى تنفيذها على مرحلتين:
المرحلة الأولى، وأطلق عليها اسم جرانيت، وكانت عبارة عن عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف والوصول الى منطقة المضايق الجبلية الاستراتيجية.
المرحلة الثانية: وتشمل التقدم من منطقة المضايق فى عملية هجومية للوصول الى الحدود الدولية.
وأوضح الفريق فوزى بعد ذلك أنه عقب مرور ثلاثة أعوام على بدئ الاستعدادات وصلت القوات المسلحة المصرية الى مقدرة وامكانات عسكرية ومعنويات عالية، وتم اختيار التشكيلات الميدانية وجميع أفرع القيادة العامة على واجبات عملياتها،بحيث أصبح بامكان هذه القوات البدء فى معركة التحرير بمجرد صدور الأمر إليها بذلك.
تحديد الاهداف
تم تحديد أهداف الخطة على الجبهة المصرية، وهو وصول القوات المصرية إلى خط المضايق الإستراتيجية شرق قناة السويس. وقد قام قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون وقائد الجيش الثالث اللواء عبد المنعم بتخصيص المهام لقادة فرق المشاة الخمس التى تقرر قيامها بعبور قناة السويس كنسق أول للجيشين، وهما الفرقتان 19 و 7 التابعتان للجيش الثالث، والفرق 16 و 2 و 18 التابعة للجيش الثانى. كذلك خصص القائدان المهام لقائدى الفرقتين 4 و 21 المدرعتين و المشاة الميكانيكية المعاونة للفرقتين التى تقرر أن تكون فى النسق الثانى للجيشين، على أن يدفع بها من خلال روءس الكبارى للاندفاع شرقاً إلى المضايق. وقد قام قادة فرق المشاة بالنسق الأول وقادة الفرق المدرعة وفرق المشاة الميكانيكية بالنسق الثانى بأعمال الاستطلاع الخاصة بعملية العبور لقناة السويس وتنفيذ المرحلة الأولى، وكذا الخاصة بعملية تطوير الهجوم شرقاً والوصول إلى المضايق وإتمام المرحلة الثانية، ووضعوا خططهم وتم إجراء عملية تنظيم التعاون داخل كل جيش.
هجوم الجيش العربي المصري المباغت
في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السبت الموافق 6– اكتوبر عام 1973م، شن الجيش العربي المصري هجوماً مباغتاً بمنتهى الكفاءة لتحطيم اسطورة الصهاينة التي سميت بجدار (بارليف}، الذي اعتبروه سداً منيعاً.
حيث يقع هذا الجدار بالضفة الاخرى لقناة السويس، وكانت القناة تعتبر من الناحية العسكرية من اصعب الموانع المائية لشدة التحصينات حولها لكن الجيش العربي المصري تمكن من عبور هذه القناة وتحطيم خط بارليف في 18 ساعة وهو رقم قياسي في تاريخ الحروب الحديثة حيث تم ذلك باقل الخسائر، فقد بلغت خسائر الجيش العربي المصري، 280 شهيدا و20 دبابة و5 طائرات فقط، بينما بلغت خسائر العدو الصهيوني الاف القتلى وتحطم 300 دبابة و30 طائرة.
معركة الاستيلاء على مركز قيادة العدو بالهجوم الليلي
في اليوم العاشر من اكتوبرعام 1973 قام اللواء السيد الشافعي قائد اللواء الخامس مشاة من الفرقة 19 - الجيش الثالث الميداني، بهجوم ليلي للاستيلاء على مركز القيادة الصهيوني الجنوبي في ممر متلا، واستخدم في هذا الهجوم المشاة ولم يطلب مساندة من الدرع او المدفعية حتى يحقق مبدأ المباغتة. وفعلا كان الهجوم مباغتاً محققا بذلك نصراً مبيناً، حيث تم قتل 44 جندي صهيوني وتدمير 26 دبابة معادية فسقط مركز القيادة الصهيوني وتم اسر قائد المركز ديفيد جروس قائد كتيبة الدبابات الإسرائيلية في حرب أكتوبر.
يقول اللواء شافعي رحمه الله في مذكراته: (لقد قررت الهجوم الليلي الصامت وبالمشاة فقط بدون استخدام كتيبة الدبابات في الهجوم فالعدو يملك دبابات ذات مدى أكبر من الدبابات التي معي، فإذا دفعت كتيبة الدبابات فإنها ستُدَمَّر بالكامل وسأخسر أطقمها، لقد كونت مجموعة إقتناص دبابات وسأدفعها في الهجوم. أنطلق الأبطال المصريين وانقضوا في جوف الليل على الأعداء وهم نيام فقتلوهم جميعا وكان عددهم 44 فرداً من العدو وكان بعضهم قد استيقظ ولكنه لم يستطع أن يضع قدمه في حذائه، وفي الصباح هجم الأبطال المصريين على الدبابات فكان الجندي المصري يدفع نفسه تحت الدبابة ثم يصعد عليها من الخلف ويلقي قنبلته عليها ويفجرها).
ويقول ايضا: (وبعد أسرنا قائد العدو سألت الاسير قائد الكتيبة "الإسرائيلة" ديفيد جروس:مارأيك في المعركة التي دارت؟
فرد: (إن مارأيناه شيئاً لا يوصف. لقد حارب رجالك بطريقة إنتحارية). ثم سألني: هل تعطون جنودكم حبوب الشجاعة؟!
فأجبته: (لا... إن هذا هو الجندي المصري)
لقد تم في تلك المعركة الاستيلاء على الموقع الصهيوني وكان من بين القتلى ضابطان برتبة عميد واثنان برتبة عقيد وثلاثة ضباط برتبة مقدم وضابط برتبة ملازم. وقد حاول العدو أن يسترد مركز قيادته فقام بهجوم مضاد بعدد 54 دبابة، وقاتل الأبطال المصريون ودمروا الكثير من الدبابات. وأطلق العدو مدفعيته الثقيلة فأصيب رئيس أركان اللواء العقيد أسعد زكي بشظية في وجهه فطلب منه القائد أن ينتقل إلى السرية الطبية الا انه ابدى شجاعة فائقة رافضاً الاخلاء ومصراً على القتال حتى رزق بالشهادة بعد ثلاثة أيام ضارباً اروع امثلة الفداء للوطن.
لقد كان قائد المعركة اللواء السيد الشافعي الذي سمي بالاسطورة قائداً فذاً ومن المقاتلين الذين سيبقى ذكرهم وانجازاتهم تلهم الاجيال بعد الاجيال. فسيرته وبطولاته الرائعة ستبقى الرد العملي على محاولات تكريس ثقافة الاستسلام البائسة لدى شبابنا، و ترسيخ مفهوم تفوق العدو الابدي واستحالة هزيمته، وقبول الامر الواقع و التعايش معه وان كان على حساب الشرف والكرامة والسيادة.
واليوم ونحن نعيش ذكرى تلك الصفحة المشرقة من تاريخنا المعاصر فان الشباب العربي مدعو للاقتداء بها لاستنهاض كل معاني الاقدام والفداء.
وتحية واكبار للثائرين الشباب في العراق والسودان والجزائر ممن يرفعون اليوم راية العروبة عالية خفاقة دفاعاً عن كرامة الامة وسيادتها مسطرين اياماً مشرقة جديدة يتم خطها باحرف من نور في حاضرنا العربي.