سيناريوهات الأردن 2020
آن الأوان أن يتصرف الأردن بطريقة مختلفة، امام المشهد الإقليمي، وهو مشهد لا يمكن تبسيطه ابدا، ولا التهوين من تفاعلاته المقبلة.
الأردن ما يزال قويا وصلبا برغم كل الازمات التي فيه، وابرزها الازمة الاقتصادية، وبنيته الاجتماعية بكل سماتها الإيجابية والسلبية، ما تزال متماسكة، ومتفقة ضمنيا، على أن الأردن يجب ان يبقى سالما مهما كانت عناوين التذمر.
ثقل الظرف الإقليمي يزداد، والسؤال يرتبط حول قدرتنا على مواصلة تجنيب البلد كلف هذه الازمات التي تشتعل في كل الإقليم، خصوصا ان بعضها ترك أثرا مباشرا، وبعضها يترك أثرا غير مباشر، لكن الحريق الإقليمي يكبر ويمتد يوما بعد يوم.
العراق خرج لتوه من مظاهرات دموية، والدعوات للتحشيد يوم الجمعة المقبلة، عادت بشدة، من تيارات سياسية مختلفة، والنار تشتعل في سورية وان كانت اقل حدة مما سبق، والوضع في لبنان على صفيح ساخن، وهو مؤهل للانزلاق نحو الهاوية، وفلسطين تحت الاحتلال، والتهديدات في القدس والضفة الغربية لا تتوقف، والأتراك على تماس مع الاكراد والملف السوري، والايرانيون يؤججون مواجهات في كل مكان، بما فيها الخليج العربي، وتأثير ذلك على أمن المنطقة، عموما، وعلى العالم بشكل عام، والتقلبات السياسية في كينونة الاحتلال تلقي بظلالها على المنطقة، وعلى الأردن، والتهديدات التي يجابهها الاشقاء المصريون متعددة، بل وترتبط الحلقة المصرية بالسودان، وبأمن البحر الأحمر، ومع كل هذا الجماعات المتشددة، والعناوين الطائفية والمذهبية، والتراجعات الاقتصادية في كل المنطقة، وتأثير ذلك من دولة على دولة، كأننا امام عدوى أمنية وسياسية واقتصادية.
حتى الآن لم يتضرر الأردن إلا جزئيا، خصوصا على صعيد ملف اللاجئين، والملف الاقتصادي، وحالة الإغلاقات التي نعاني منها على صعيد الدولة، والقطاع الخاص، لكن السؤال يرتبط بالقراءات الاستراتيجية لهذا الوضع، واذا ما كنا في العام 2020 على قدرة للتكيف مع كل هذه الانهيارات الإقليمية بذات الطريقة التي مررنا بها، أم إننا أمام أخطار سوف تتضاعف، ولا تكفي معها الإدارة اليومية، او مشاعر الطمأنينة التي تسيطر علينا، في حالات كثيرة، ربما لكون الأردن عبر ظروفا اصعب في أوقات سابقة.
هذا يعني أن الأصل وضع سيناريوهات للفترة المقبلة، وعدم التصرف على أساس ان هذه الحرائق لن تؤثر علينا، فهي تمتد بهذه الطريقة التي نراها من بلد الى بلد، وتأثيرات ذلك الكلية على الإقليم، امنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالضرورة هنا، وضع خطة جديدة للتعامل مع الداخل الأردني، عبر انهاء اي أزمات ظاهرة او كامنة، إضافة الى ضرورة سعي الأردن لتشكيل تحالف عربي جديد، في ظل التحولات الجارية التي لم يعد مناسبا معها الاتكاء على جامعة الدول العربية، او أي مجالس اقل درجة من الجامعة، ومن هذه الزاوية وحصرا الأردن مدعو لمراجعة سياسته الخارجية أيضا، وحض الأطراف التي سلمت من كل هذه الحرائق أيضا، الى صياغة معسكر جديد، امام هذه التحولات المتسارعة، التي لا يصح التفرج عليها، مع حسابات الاعراض الجانبية لها.
سيناريوهات الأردن 2020 لا بد ان تقرأ بكل عمق، التحولات في المنطقة، وأثرها علينا، والاستعداد لها عبر الملفين الداخلي والخارجي، والحاجة الى شركاء عرب هنا، حاجة ملحة، في ظل ما نراه من مؤشرات على أن الأزمات تلد أزمات اكبر.
وصفة الحريري: هل تناسبنا..؟
هل وصلت الى اسماع المسؤولين في بلادنا «النقاط» العشرين التي قدمها الرئيس الحريري للبنانيين الذين خرجوا للاحتجاج في الشارع منذ ستة ايام ،وما زالوا فيه واقفين..؟
لا ادري ، بالطبع ، لكنني اتمنى ان تكون الرسالة وصلت فعلا ، ثم وجدت ما تستحقه من قراءة وفهم ،هنا لن اعيد ما ذكره الرجل ولن اعلق عليه ، ولن اضع وصفة الحريري على طاولة الحكومة ، ولا ردود «الشارع « عليها ، يكفي ان اقول : يخطئ يا سادة من لا يزال يعتقد باننا في منأى عن الخطر, ذلك ان هذا الجنون الذي اجتاح منطقتنا كلها يمكن –لا قدر الله- ان يطرق ابوابنا, ومن واجبنا ان نحذر وننتبه ,لا بالدعاء والابتهال والرهان على الوعود وانما بالعمل واليقظة ، وبالارادة الحرة التي تضع الجميع امام مسؤولياتهم , وتجنبهم الوقوع في الخطأ، او الاستهانة بالخطر، او التمادي في المكابرة ،او السير بعكس اتجاه التاريخ .
لا اعتقد ان لأحد في بلدنا مصلحة بوصول فيضان «الفوضى» الينا, وهذا –لوحده – يكفي ان يكون هدفا نتوافق عليه ونعمل من اجله, وانا هنا لا اتحدث عن واجبات المجتمع الذي يفترض ان يبادر الى تفعيل كل ما لديه من امكانيات «للتحصن» من «الغضب» الذي قد يولد العنف ودعوات الهدم، وان يتكافل ويتعاون ليتجنب مواطن «الفتن» والزلل , وانما اتحدث في موازاة ذلك عن «الدولة» التي يجب ان تتحرك في هذا الاتجاه , فمسؤوليتها هنا لا تتعلق فقط بالدفاع عن «الحدود «على اهمية ذلك , وانما بالدفاع عن «الوجود» ايضا, ومتطلبات هذا الوجود تقتضي اعادة بناء «الذات» الاردنية على اسس تتناسب مع حجم الخطر , واهم هذه الاسس : العدالة والتنمية والشراكة، بما تعنيه من اشاعة قيم الوطنية الحقة, والاحساس بالعدالة, والمشاركة بالعمل العام, ومواجهة الظلم والخوف والتهميش , والابتعاد عن منطق الاستفزاز ودفع الناس للجدار.
نعم لدينا خلافات، لكن يمكن ان نؤجلها , ولدينا مطالب لكن يمكن ان نجدولها ،ولدى الكثير منا ملاحظات على اخطاء وتجاوزات وفساد لم تكسر عينه بعد، وعلى «ثقة» تراجعت للاسف بين الناس والمسؤولين , وعلى اندفاعات «سياسية» غير محسوبة احيانا ومجهولة النتائج احيانا اخرى ..هذا كله صحيح ومفهوم, لكن لا بد اليوم ان نستبق كل ما يمكن ان يواجهنا من ازمات ، وان نتعامل بمنطق الحكمة لا الانفعال, لكي نتوحد امام خطر لا نعرف الى اين سيأخذنا لا سمح الله .
هذه الجولات المتصاعدة لاحتجاجات الشعوب العربية التي بدأت منذ ثمان سنوات ووصلت الى لبنان ، للمرة الاولى في تاريخه، لن تتوقف الا اذا اقتنعت الشعوب بانها استعادت حقوقها وكرامتها ، فهذه الاهتزازات التي تتنقل في منطقتنا من بلد لاخر لن تكون حربا خاطفة، ولا مجرد «عفريت « يمكن طرده بقليل من الدعوات وشيء من «البخور»، كما ان هذه الازمات الطاحنة التي دكت اركان الدولة العربية واسقطت عواصم ومدنا لن تمر هكذا بلا ارتدادات ومفاجآت وكوارث مزمنة , ومن اجل هذا وغيره مما نتوقعه وما لا يخطر على بالنا , يجب ان نتحرك دون ابطاء بالاعتماد على انفسنا لاستباق ما يمكن ان يحدث لنا , وذلك لتحصين بلدنا من كل مكروه ومواجهة اي خطر , وتجنب اي «فخ» منصوب .. او قدر غير مكتوب.
ارجو ان لا يسألني احد : كيف… ؟ فالمسؤول ليس بأعلم من السائل ..!