ثلاثون عاما على اتفاق الطائف.. اللبنانيون يريدون إسقاط نظام المحاصصة الطائفية
“الشعب يريد إسقاط النظام” بهذه العبارة يعيد اللبنانيون إلى الأذهان مجددا الربيع العربي بشعاراته وتحركاته ودوافعه المتمثلة في تفشي الفساد وترسيخ الطبقية ما يفقد المواطن العربي الشعور بوجود العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وما ينتج عنها من نهب للمال العام وتبديده وظهور كل أشكال الفساد المالي والإداري ما يضطر الساسة اللجوء إلى جيوب المواطنين بفرض مزيد من الضرائب وارتفاع في مستوى التضخم ورفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية علاوة على ضعف تقديم الخدمات التي يتوجب على الدولة تقديمها في مجالات التعليم والصحة والنقل والبنى التحتية.
الناظر الى غالبية الدول العربية سيجد أن أحوالها وآلامها واحدة، وذلك لسبب بسيط وهو غياب الديمقراطية الحقيقية وتكريس وجود انظمة قمعية متحنطة وعاجزة تجاوزتها كل شعوب أهل الأرض ومنذ زمن، هذه الأنظمة التي تعجز عن تطوير ذاتها بما يتناسب مع متطلبات المرحلة ولا تقرأ التحولات السياسية والاجتماعية في العالم ولشعوبها إلا متأخرة على قاعدة ” الآن فهمتكم “، في حين أن حركة الشعوب وقطار الحياة لا ينتظر الكسالى ولا العجزة ولا فاقدي البصر عداك عن البصيرة.
من ينظر الى لبنان قبل عدة شهور لا يخطر بباله ولو للحظة بانه سيكون المحطة التالية لقطار الربيع العربي بنسخته المطورة او بموجته الثانية – إن صح الوصف – لأن لبنان يتمتع بقدر من الحرية والانفتاح السياسي وكذلك الاعلامي والاجتماعي أكبر بكثير من غيره في العالم العربي، ولكنه انفتاح يقوم على نظام المحاصصة الطائفية الذي اسس له اتفاق الطائف عام 1989م والذي كان في حينه هو المخرج المثالي لما عاناه لبنان من حرب أهلية كانت نتائجها ثقيلة على كل المكونات اللبنانية الطائفية والدينية والسياسية.
لكن ما يصلح للبنان عام 1989م لا يعني بالضرورة انه يصلح له اليوم بعد ثلاثين عاما،
خاصة إذا علمنا أن اتفاق الطائف ذاته نص على أن هذا الاتفاق الذي يقوم على المحاصصة الطائفية هو مرحلي يجب العمل على تطويره للوصول الى نظام سياسي حديث ومتطور يبتعد عن الطائفية وتجذيرها في الدولة اللبنانية، فقد ورد في اتفاق الطائف تحت عنوان ” الإصلاحات السياسية ” بند ( ز ) ما نصه إلغاء الطائفية السياسية:
هي هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
أ- إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة.
ب- إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية). انتهى الاقتباس.
ما جرى خلال الثلاثين عاما الماضية هو تكريس لنظام المحاصصة الطائفية بدلا من الخروج منها باسرع وقت ممكن وبشكل آمن ليحل محلها التأسيس لنظام ديمقراطي مدني يقوم على اساس المواطنة والمواطنة فقط.
طبعا كلنا يعرف ان المستفيد من استمرار نظام المحاصصة هم السياسيون انفسهم، فهو ضمان لبقائهم على كرسي السلطة مع بعض التدوير في المواقع واعادة توزيعها فقط، في حين غفلت تلك الطبقة السياسية عن متطلبات الدولة والمجتمع اللبناني في جميع المجالات الى ان وصلت الى لحظة الحقيقة التي يخرج فيها الشعب الى الشارع مدفوعا بحقوقه المطلبية التي ستعود حتما الى مطالب سياسية عبر عنها اللبنانيون باسقاط النظام ، التف حول هذا الشعار كل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والدينية والحزبية والمناطقية، ليقفوا جميعا في وجه الطبقة الحاكمة والمتحكمة بهم منذ عقود ويطالبوا برحيلها كلها وبالتعبير اللبناني: “كلن يعني كلن”.
صحيح أن في لبنان قدر كبير من حرية الرأي والتعبير لكنه لا يغني عن تحقيق الحياة الكريمة والرفاه.
وصحيح أن في لبنان حرية حزبية لكنها تقوم على أسس طائفية وتكرسها لتمثيلها- أي الطائفة – في الحكومة والبرلمان- ولا تخرج بالمواطن إلى مساحة ارحب في تداول البرامج والأفكار واجتراح حلول لمشكلات الدولة والمجتمع.
فكما انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فكذلك لا يستطيع الإنسان أن يحيا بغير الخبز.