|
| قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً الجمعة 01 نوفمبر 2019, 8:13 am | |
| قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً وليد نائل حجازي
الاقتصاد عصب الحياة منذ قديم الزمان، ولكنه في هذه الأيام أصبح وأضحى وأمسى كل ماء الحياة, حيث تدور كل حياة البشر حول مفهوم الاقتصاد, وبمعنى أبسط حول الدولار وملكيته وتدبير شؤونه. وعليه فقد عرف العالم نظريات اقتصادية كثيرة تتبع مبادئ اقتصادية ثلاثة معدودة, وهي:
المبدأ الاقتصادي الإسلامي, حيث طبق عالمياً على مدى ثلاثة عشر قرنا من خلال دولة الإسلام التي أسسها الرسول الكريم صل الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدون, وانتهاء بدولة الخلافة العثمانية والتي ما زالت الأمة الإسلامية تعتنق عقيدته, ولكنها يطبق عليها كل النظام الرأسمالي، وعليه نرى بلاد المسلمين تعيش كل المتناقضات حيث العقيدة الإسلامية الربانية السمحة والنظام الاقتصادي الرأسمالي الاستغلالي والجشع.
وبعد سقوط المبدأ الاقتصادي الاشتراكي ودولته الاتحاد السوفييتي أواخر القرن المنصرم, والذي لم يستطع الصمود عالمياً أكثر من سبعة عقود واندثر إلى غير رجعة حيث لم يتأسف على سقوطه من البشر أحد, واندثرت نظرياته التي كان من أبرزها "المساواة بين الناس", وكانت تلك النظرية هي مقتل المبدأ الاشتراكي اقتصاديا، لأن البشر بطبيعتهم قدرات متفاوتة, والدعوة للمساواة تقتل النهضة والإنتاج والإبداع.
وأما المبدأ الثالث عالمياً, والذي يتحكم بالبشرية حاليا فهو المبدأ الاقتصادي الرأسمالي الغربي الذي ظهر بوضوح في أوروبا وأمريكا منذ قرنين من الزمان, وكان أبرز ظهور له بعد الثورة الصناعية حتى يومنا هذا, وقد تحكم بكل مفاصل الاقتصاد العالمي وإن اسمه يدلل على مضمونه, حيث نسب المبدأ إلى رأس المال، فتكون أهميتك, وقيمتك الاجتماعية, ومقامك, ومكانتك بمقدار ما تملك, وما عندك من رأس المال, وفي هذا يكمن مقتل المبدأ الرأسمالي, بجانب أنه مبدأ من وضع البشر, وقوانينه لخدمة طبقة قليلة من البشر لا يتجاوزون الـ2 بالمئة الذين يملكون رأس المال, وبقية البشر يعيشون عيشة الكفاف, والفقر, والتشرد, والحروب لصالح أصحاب رأس المال الذي أصبح إلهاً يُعبد من دون خالق البشر, من حيث يعلم ويشعر الكثيرون أو لا.
ذاك هو عالم الاقتصاد, وكينونته, عالمياً ومحلياً, وفي كل بلاد المسلمين، وأبسط نظرة للعالم, واضطراباته تدلل وتكاد تنطق أن قطار البشرية ليس فقط على خير ما يرام, أو ليس على السكة الصحيحة، بل إن البشرية تئن من ظلم, وويلات تحكم المبدأ الرأسمالي بمفاصل الحياة, والذي ألهب وأشعل ويلاتها حتى كاد العالم كله يلتهب بثورات التحرر حتى وصلت منطقة وول ستريت بأمريكا أشهر شوارع رأس المال عالميا، وكذلك من أزلام وحكام السياسة الذين يدارون بالريموت كنترول لصالح رأس المال وأزلامه الذين لا يُرى إلا وكلاؤهم من مدراء الشركات الكبرى العالمية أمثال شركات الأسلحة, وشركات البترول, والطاقة, ونرى أن أكبر مصدري الأسلحة بالعالم هم أمريكا, وروسيا, ثم بقية الدول الأوروبية, وكذلك شركات الطاقة العالمية، فلا همَّ لهم سوى تصنيع, وتصدير السلاح للعالم أجمع, وخصوصا ما يسمى العالم الثالث - أي بلاد المسلمين - حيث يثيرون الحروب ويشعلونها لبقاء صناعتهم قائمة.
إن عالماً يغلف ظلمه, واستبداده الاقتصادي, والسياسي بمفهوم حرية الاقتصاد, والتجارة العالمية, ثم بالديمقراطية, وحرياتها غير المنضبطة بأصل مستقيم, وعادل, بل إنَّ اعوجاجها ظاهر للعيان, فعندما يريد أحد من المسلمين أن يطالب بالتحرر, والعدل, والمساواة على أساس عقيدته؛ فإنه يحاصر, ويسجن ويقتل, ومن أبرز الأدلة على ذلك ما سمي بالربيع العربي, وثورة الشام, والرئيس السابق محمد مرسي، فهذا مثال صارخ على التحكم بمصير الشعوب, ومن يمثلها في العالم أجمع، فإما أن "تكون معنا" أو "أنت ضدنا"، وهذا لسان حالهم, ومنطوق لسانهم, ومدلول أفعالهم, ويسكتون عن أتباعهم من الحكام الذين يضبطون الإيقاع على هوى الدول الرأسمالية الظالمة, والتي تتحكم في سياسة العالم أجمع.
إن تحكم الدولار بمفاصل حياة البشرية أمر مشين وجشع ما بعده جشع حيث تحكمت أمريكا بسياسة العالم بكل نواحيه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وأخذت تحاول التأثير على عقائد الشعوب لتتبنى العقيدة الرأسمالية ألا وهي فصل الدين عن الحياة من باب: "دع ما لقيصر لقيصر , وما لله لله" أي بمعنى أن لا دخل للدين في الحياة وتشريعاتها وقوانينها وهذا يتناقض وعقيدة كثير من شعوب الأرض وخصوصاً المسلمين منهم حيث يبلغ عددهم قرابة ربع سكان العالم أجمع، لا بل مما زاد الطين بلة أن الدولار استخدم كسلاح اقتصادي بوساطة مؤسسات دولية اقتصادية مثل: صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي, لتغيير ثقافة المسلمين, وحياتهم الاجتماعية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ولا أدل على ذلك من مؤتمرات المرأة وأهمها بكين, وسيداو, والقاهرة, والتي تسعى إلى تحرر المرأة من كل قيد شرعي إسلامي، وما هذا الأمر إلا مثال بارز على قوة تدخل الدولار والاقتصاد في كل مفاصل الحياة المعيشية للبشر لا, بل وفي أخص خصوصياتهم.
نعم إن الحياة بلا اقتصاد لا تسير بشكل طبيعي, ولكن لكل أمة طبيعتها, وصفاتها رغم تداخل حياتها الاقتصادية مع أمم أخرى، فلا يعقل أن تجوع شعوب, وتنهب خيراتها تحت وطأة نظام اقتصادي يخدم القوي, ويهضم حق الضعيف, بل لا بدّ من العدل والإنصاف, ثم يختار البشر ما يعتقدون, ويحبون من غير إكراه ولا إجبار، وعليه نرى العالم كله وخصوصاً أهل الاقتصاد, والتجارة, والصناعة لا يستطيعون إتمام التعاملات مع دول العالم الأخرى إلا ضمن منظومة البنوك الربوية, ويرتبط بها رغم مخالفته لعقيدة ربع سكان العالم, وهذا دليل آخر على ظلم, وجشع رأس المال المتمثل بالمبدأ الرأسمالي الجشع, وحاملته أمريكا العنجهية, وسياسة الكيل بمكيالين حسب مصالحها لا على أسس الحق, والعدل والمساواة بين البشر. ولنا وقفات أخرى قادمة مع الأوضاع الاقتصادية التي نعيش والعالم أجمع.
الأستاذ وليد نائل حجازي مدرسة البنيات الثانوية للبنين |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً الجمعة 01 نوفمبر 2019, 8:14 am | |
| قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً (2) وليد نائل حجازي
ذكرنا أن الاقتصاد هو التدبير، والسياسة رعاية الشؤون، وعليه فإن رعاية وتدبير شؤون الناس هي واجب الحاكم شاء أم أبى، وبالتالي فإن الحاكم الذي يفشل بعمله، ولا خطة واضحة المعالم ومنظورة الزمن لديه، فإن عليه تسليم الأمور لأهلها؛ ليتولى من عنده حلول وبرنامج لتحسين اقتصاد البلاد والعباد، ومن الملفت أن أي برنامج اقتصادي للحاكم ليس من بنات أفكاره، وإنما بناء على وجهة نظر عقدية يؤمن بها الحاكم، وعليه لا تتعدى البرامج الاقتصادية أحد خيارين لمبدأين اثنين لا ثالث لهما وهما: الإسلام أو الرأسمالية.
وهنا علينا أن نفرق قبل الدخول في الخطوط العريضة للاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الرأسمالي؛ بين النظام الاقتصادي وبين علم الاقتصاد، حيث يخلط بينهما كثير من الناس؛ فالنظام الاقتصادي يعني: (الأحكام والقوانين والنظريات المنبثقة من عقيدة المبدأ والمتوائمة مع وجهة نظره في الحياة)، وعليه يختلف الاقتصاد الإسلامي اختلافاً كلياً عن الاقتصاد الرأسمالي، وان تشابها في بعض الأحكام والقوانين؛ لأن العبرة بالعقيدة ووجهة النظر عن الحياة.
وأما علم الاقتصاد؛ فهو علم مثل بقية العلوم العالمية التي لا تتأثر بوجهة نظر الإنسان وعقيدته، وعلم الاقتصاد إنما يعتني بطريقة حساب الكميات، والواردات، والصادرات والإنتاج وما شاكل ذلك؛ ولذا لا يقال: علم اقتصاد إسلامي أو علم اقتصاد رأسمالي، كما لا يقال: طب بشري أو هندسة إسلامية أو رأسمالية، فالعلوم نتاج إنساني تراكمي منذ خلق البشرية.
النظام الاقتصادي الرأسمالي وعقيدته بشكل واضح وجلي يطبق عالمياً وخصوصاً في العالم الغربي. أما في العالم الإسلامي فمعلوم أن النظام الاقتصادي الرأسمالي يطبق على المسلمين جبراً عنهم رغم مخالفته لعقيدة الإسلام، وعليه نرى المسلمين منذ ما يقارب مئة عام يتخلفون عن ركب الأمم اقتصادياً وسياسياً بسبب ذلك التناقض والاختلاف بين العقيدة الإسلامية وروحانيتها، وبين النظام الاقتصادي الرأسمالي وماديته.
والناظر لكل بلاد المسلمين يرى تخلفاً اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وصناعياً يقارب العقدين من الزمن بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، وليس ذلك لأي سبب سوى التناقض بين عقيدة المسلمين، ومادية النظام الاقتصادي الرأسمالي، ولا إمكانية للحاق بركب التقدم والازدهار الاقتصادي العالمي إلا بإزالة ذاك التناقض، أي بشكل واضح وجلي أن يطبق النظام الاقتصادي الإسلامي جملة وتفصيلا مع بقية أحكام الإسلام على المسلمين ليشعروا بالطمأنينة، وإزالة كل التناقضات من حياة المسلمين والتي أكثر ما نراها متمثلة بالنظام الربوي الذي اعتبره رب العالمين حرباً على الله ورسوله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ).
وعند إمعان النظر إلى حياة البشرية، وما تعيش من شقاء، وبؤس، وحروب، رغم التقدم الهائل، والمنقطع النظير تاريخياً لن نجد سبباً أكبر وأهم من العقيدة الرأسمالية المطبقة على العالم الغربي طوعاً، وعلى العالم الإسلامي جبراً، فسواء نظرنا عالمياً إلى توزيع الثروات بين البشر أو إلى الضرائب، والرسوم الجمركية، وغيرها، وتهرب أصحاب النفوذ منها، وكذلك ظلمها وجورها، والفساد بأشكاله والربا، واستغلال حاجات الفقراء، وغيرها كثير، نجد أن سبب تأخر العالم الإسلامي هو تطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي الوضعي، والمتناقض مع عقيدة المسلمين الربانية.
والدليل على ذلك أن المسلمين في دولة الخلافة الإسلامية على مدى ثلاثة عشر قرناً عاشوا تحت ظل النظام الاقتصادي الإسلامي بأريحية لا مثيل لها، وأراحوا العالم، ولم ينهبوا خيرات العالم لصالح المسلمين كما يفعل الغرب وأمريكا، وأتباعهم من الحكام منذ الحرب العالمية الأولى، وانتهاء بالحرب العالمية الثانية، حيث قتلوا ملايين البشر نتيجة جشعهم للسيطرة على مقدرات العالم والشعوب، وهذا لم يحصل عالمياً أثناء انفراد دولة الخلافة الإسلامية عالمياً، وتسييرها اقتصاد العالم أجمع على أساس الإسلام، فكانت تأوي الجائع، وتعين وتساعد المؤلفة قلوبهم وغيرهم من المسلمين والكافرين، وتنصر المظلوم، وترعى شؤون المجتمعات عالمياً ومحلياً، وتفض الخصومات بالعدل، ولم تحصل في عهدها أي حرب عالمية.
والعالم اليوم مهدد بحرب عالمية ثالثة شاملة تأكل الأخضر واليابس، وإن كان هناك آراء سياسية ترى أنها بدأت تلك الحرب الثالثة على المسلمين ولكن بشكل مجزأ، ولذا نرى أكثر من بؤرة حرب مشتعلة عالمياً، ناهيك عما يسمى بالحروب الاقتصادية المشتعلة عالمياً سواء حرب الضرائب، وارتفاع الأسعار أو حرب العملات وأمثالها، أو ما ينتظر العالم ويهدده من انهيار اقتصادي عالمي وكساد وركود يأكل الأخضر واليابس، ويؤدي إلى ثورات جياع عالمية.
إن العالم بتعداده السكاني الذي يزيد عن السبعة مليارات بحاجة ماسة إلى نظام شامل وكامل يرعاه ويكون من وضع خالق البشر، لا من وضع بشر لبشر يتحكم القوي والغني بالضعيف والفقير ويستعبده؛ ولذلك بتنا نرى اليوم عبودية حديثة من نوع آخر، وهي أن العبد يخدم سيده، ويستدين ويطعم نفسه ويسجن ويلبس بدلة وربطة عنق، ويركب سيارة فارهة نسبياً، قياسا مع الآخرين، ولكنه إذا ما قيس نسبياً مع أسياده أصحاب رأس المال، وجد نفسه عبداً ذا شكل حديث، وذا هيبة؛ فهو عبد ينوب عن سيده الذي خلف الستار، وخير مثال على ذلك عائلة روتشيلد.
هذا هو عالم الاقتصاد الرأسمالي العالمي المستبد بالعالم، والذي سيهلك البشر إن لم يغير نفسه، ويتحول إلى اقتصاد إسلامي، وإن لم يتم الإجهاز عليه فكرياً وسياسياً واجتماعياً. قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). (الرعد 11). |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً الجمعة 01 نوفمبر 2019, 8:14 am | |
| قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً (3) وليد نائل حجازي
يقول الناس في الأمثال: "عش رجباً ترَ عجباً"، وفي الأردن كما في سائر البلاد العربية والإسلامية ترى، وتسمع عن اقتصاد هذه البلاد عجباً عجاباً، والعجب العجاب استغربه العرب الأقحاح، واستهجنوه، وأما عرب اليوم، ومسلموهم، فلم يصدقوه بأي حال من الأحوال؛ وذلك لانعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم، سواء أكان ذلك ما يسمى بالتحفيز الاقتصادي في الأردن، أو في لبنان مروراً بجماهير أهلنا في العراق، وفي كل بلاد المسلمين مثل: الجزائر، والجزيرة العربية، وتونس، ومصر، والسودان.
كل تلك البؤر الساخنة تشهد توتراً سياسياً واقتصادياً، وما ذاك إلا لأن السيد المعلم المستعمر الرأسمالي واحد، والتلميذ المستعبد التابع لسايكس وبيكو؛ نسخة واحدة من نسخ استهلك نهجها، وانكشف أمرها، وبان عوارها، وانكشفت عورتها، وذلك يؤشر وينبئ أن الباطل زاهق - وإن طال عمره في نظر البشر - فرب البشر يملي للظالم حتى يأتي بُنيانه من أساسه وقواعده؛ فيقلبه رأسا على عقب دون أدنى أسف عليه، ولسنا عما يجري في تحفيز الأردن الاقتصادي ببعيد، فقد زيدت المرتبات بمقدار مصروف شهري لأحد طلاب المدارس، أي من عشرة دنانير إلى عشرين ديناراً في الحد الأقصى للراتب الشهري للعائلة الواحدة، أو قل: بأقل من مصروف لكلب عند ذاك الوزير الفاسد، وأمثاله ممن ينهبون أموال البلاد والعباد.
وأما لبنان فتذكرت خطة مماثله لتنشيط الاقتصاد؛ ولأن أهل الشارع والميدان المنتفضين لا يصدقون الطبقة الحاكمة فقد تم رفض خطة الحريري ووزراءه، وقدم الحريري استقالة حكومته، وأما في العراق - بلاد الرافدين والبترول - فقد قدم النظام الحاكم الفاسد وأهله خطة بعشرة ملايين دولار لا تسد رمق المنتفضين، ولا مصاريف أكثر من ستين عزاء، تم قتلهم بدم بارد بأيدي خفية، ومن وراء حجاب، إذا الوصفة واحدة، لموصوف من الشعوب واحد، ومن سيد مستعمر جشع، ولا إنسانية عنده، وهو أيضا غربي وواحد.
لله دركم يا شعوب العالم الإسلامي الواحد!! قبلتم على مضض وبتجهيلكم منذ مئة عام بالمستعمر بكل أشكاله المباشرة وغير المباشرة، ولم يقبل هو بكم أن تعيشوا اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بمستوى البشر لا لشيء سوى أنكم مسلمون، وقد تفكرون يوماً وتطالبون بتحكيم دينكم الإسلام في جميع شؤون حياتكم، ولأن الغرب، وأذنابه، وتلاميذه يعتقدون الرأسمالية الجشعة، وغير الإنسانية!!
هذه هي نتائج طبيعية لتطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي، وعقيدته التي تفصل الدين وتنحيه عن الحياة، وهي عقيدة تقول: "أعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". أي أن الحكام في النظام الرأسمالي يتحكمون ويستعبدون البشر بطريقة أسوأ من عبودية القرون الوسطى، حيث كان يعمل العبد ويخدم سيده مقابل المأكل والمشرب، والمسكن، وأما عبودية القرن العشرين الحديثة والرأسمالية فتأمر بالخدمة والسخرة على أن تؤمِّن أنت العبد بنفسك المسكن والمشرب والمأكل وتستدين لذلك، وتسجن إن لم تفِ بسداد الدين المترتب عليك نتيجة ضغوط الحياة، وارتفاع الأسعار وحجم الضرائب، والفوائد الربوية وغير ذلك كثير!! وهذه كلمة حق نقولها بملء الفم، وبكل تأكيد: إن نظاماً اقتصادياً عالمياً لا يخدم البشر، ويستعبدهم لا بد وأن ينهار غير مأسوف عليه، أو أن تحدث ثورات جياع عالمية تنهي ما يسود العالم من ترقب، وضنك، وتوتر أرهق البشرية لصالح حفنة من الرأسماليين والسياسيين وأذنابهم.
إن العالم أجمع يبحث عن بديل اقتصادي وسياسي ينقذ العالم من المبدأ الرأسمالي الجشع، والذي لا يخدم سوى شخص بعينه، وهو صاحب رأس المال، والناظر عالمياً يرى أن لا بديل سوى النظام الاقتصادي الإسلامي الرباني، والذي يخدم البشر كل البشر كافرهم ومسلمهم، لأنه نظام موحى به من عند الله تعالى لرسوله الكريم محمد صل الله عليه وسلم، والذي طبقه في حياته، ومن ثم تبعه الخلفاء من بعده، رغم هنات هنا، وأخرى هناك إلا أنه أسعد البشرية، وقضى على الفقر، والجوع، والتشرد الذي يعيشه اليوم الملايين من البشر في بلاد الغرب، وفي بلاد المسلمين.
نعم، إن النظام الاقتصادي الإسلامي وحده لا غير، هو الذي يحقق السعادة للبشرية جمعاء، ولكن لا بد من دولة تطبق هذا النظام الاقتصادي ليتكامل مع بقية أحكام القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة المطهرة، قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).
ولنأخذ مثالاً واحداً على ذلك من حياة الدولة الإسلامية سابقا، ونتناول بشيء من التفصيل النظام الاقتصادي الإسلامي في سلسلة مقالات قادمة إن شاء الله تعالى، فقد سأل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص عندما ولاه مصر: "إذا جاء سارق ماذا تفعل به؟". فقال عمرو بن العاص: "أقطع يده". فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "وأنا، إن جاءني جائع من مصر قطعت يدك"!!
وهذا الموقف لا نستدل بصحته، أو بصحة روايته بوصفه حكماً شرعياً، وإنما نستدل بمعناه في الاقتصاد الإسلامي الذي يطلب من الوالي أن يهتم بأمر الفقراء والجوعى حتى لا يضطروا للسرقة، فيكون الوالي الغافل عن أمر رعيته أولى بالعقاب.
هكذا تساس الرعية بالعدل، والرعاية، وتوفير الملائم من المسكن، والمشرب، والمطعم. ورحم الله المسلمين حيث كانوا في المجاعات، وسنيِّ القحط يجوع حاكمهم قبل الرعية، ويأتي كل منهم بما عنده، ويجمع ويقسَّم على من لا طعام عنده حتى يتساوى القوم، ويتراحموا فتكون البركة والفرج، ففي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم". (متفق عليه).
وكانوا لا يكتفون بذلك، بل كانوا يأخذون بالأسباب، ومنها صلاة الاستسقاء، واستيراد البضائع، وتوزيعها مجاناً كما فعل سيدنا عثمان عام المجاعة، واليوم ومع التقدم العلمي نستعين بالاستمطار، والأساليب العلمية الحديثة للزراعة والصناعة لتوفير الحياة الكريمة للبشر مسلمهم وكافرهم. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً الثلاثاء 19 نوفمبر 2019, 6:34 am | |
| قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحليا (4)
قَال تَعَالَى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). (القصص 77) صدق الله العظيم.
وهنا اقتبس من كتاب: "إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي" للكاتب الأستاذ محمد احمد النادي
وَلَعَلَ سَائِلاً يَسأَلُ: مَا عَلاقَةُ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ الوَارِدَةِ فِي الصَّفْحَةِ الثَّالِثَةِ, بِالنَّظَامِ الاقتِصَادِيِّ؟ لِلإِجَابَةِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ: هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ هِيَ الآيَةُ السَّابِعَةُ وَالسَّبعُونَ مِنْ سُورَةِ القَصَصِ, وهِيَ خِطَابٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِوَصفِهِ نَبِيًا وَبِوَصفِهِ حَاكِمًا, وَمَعلُومٌ أَنَّ خِطَابَ اللهِ لِنَبِيِّهِ هُوَ خِطَابٌ لأُمَّتِهِ مُنذُ أنْ بَعَثَهُ اللهُ نَبِيًا إِلَى يَومِ الدِّينِ, فَهِيَ خِطَابٌ لِكُلِّ المُؤمِنينَ بِهِ عَلَى مَرِّ العُصُورِ وَالأَزمَانِ! هِيَ خِطَابٌ لِلمُؤمِنِينَ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ أَلوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَجِنسِيَّاتِهِمْ وَمُستَوَيَاتِهِمْ سَوَاءٌ أَكَانُوا حُكَّامًا أَم مَحْكُومِينَ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا التَّأصِيلِ وَهَذَا الفَهْمِ يُمكِنُنَا أَنْ نَقُولَ: لَمَّا كَانَ الاقتِصَادُ يَعنِي تَدبِيرَ شُؤُونِ المَالِ, وَلَمَّا كَانَ المَالُ هُوَ كُلُّ مَا يُتَمَوَّلُ لِلانتِفَاعِ بِهِ, وَلَمَّا كَانَ المَالُ كُلُّهُ مَالُ اللهِ, هُوَ مُعطِيهِ وَوَاهِبُهُ, وَهُوَ وَحْدَهُ الخَالِقُ الرَّازِقُ, وَهُوَ وَحْدَهُ الحَاكِمُ وَالمُشَرِّعُ, يُبَيِّنُ أَسبَابَ تَمَلُّكِ المَالِ وَسُبُلَ إِنفَاقِهِ, فَقَدْ وَرَدَتْ فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ ثَلاثُ كَلِمَاتٍ تَشمَلُ اقتِصَادَ العَالَمِ بِأَسْرِهِ مُنذُ أنْ خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ إِلَى يَومِ الدِّينِ!
فَمَا هِيَ هَذِهِ الكَلِمَاتُ الثَّلاثُ يَا تُرَى؟ إِنَّهَا قَولُ اللهِ المُنعِمِ المُتَفَضِّلِ: (فِيمَا آتَاكَ الله) فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الخَلْقِ, وَمَالِكُ المُلْكِ, وَوَاهِبُ الرِّزقِ, وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ حَيثُ قَالَ: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعمَةٍ فَمِنَ اللهِ).
(فِيمَا آتَاكَ الله) لَو حَاوَلْنَا تَفسِيرَهَا لاحتَجنَا إِلَى عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ المُجَلَّدَاتِ؛ لأَنَّ "مَا" كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ العَرَبِيَّة هِيَ اسمٌ مَوصُولٌ مِنْ أَلفَاظِ العُمُومِ, وَتَشمَلُ كُلَّ مَا سَخَّرَهُ اللهُ لِلإِنسَانِ, وَأنعَمَ بِهِ عَلَيهِ!
إنَّ خيرَ مَنْ طبَّق قولَهُ تَعَالَى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الْآخِرَةَ) بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِيقُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ, فَقَدْ وَهَبَهُ اللهُ عَقلاً مُفَكِّراً, وَأَعطَاهُ جِسمًا عَلَى البَلاءِ صَابرًا, وَأسبَغَ عَليهِ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً, فَمَنَحَهُ الصِّحةَ وَالعَافِيةَ, وَآتاهُ اللهُ مِنَ الأَبنَاءِ وَالبَنَاتِ مَا تَقرُّ بِهِ عَينُهُ, فَقَد آتَاهُ مِنَ الأبنَاءِ عَبدَ اللهِ, ومِنَ البناتِ أَسمَاءَ, وَآتاهُ مِنْ تَجَارَتِهِ الكَثِيرَ مِنَ المَالِ نَقدًا, وَآتاهُ مِنَ المَالِ أغنَامًا كَثِيرةً بَارَكَ لَهُ فِيهَا, وَكَانَ لهُ راعٍ لِلأَغنَامِ يَعمَلُ عِندَهُ اسمُهُ "عَامِرُ بنُ فُهَيرَةَ", وَدَلِيلٌ قَصَّاصٌ لِلأَثَرِ, يَستَأجِرُهُ فِي أيِّ وَقْتٍ يَشَاءُ, اسمُه "عَبدُ اللهِ بنُ أُريقِط".
إنَّ كُلَّ مَا ذَكَرناهُ مِمَّا وَهَبهُ اللهُ وأعطاهُ لأَبِي بَكرٍ, دَاخِلٌ فِي مَعنَى "مَا" وَيَندَرِجُ تَحْتَ قَولِهِ تَعَالَى: (فِيمَا آتَاكَ الله).
فَمَاذَا فَعَلَ أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ بِمَا آتَاهُ اللهُ تَعَالَى؟ لَقَدْ سَخَّرَهَا جَمِيعُهَا فِي خِدمَةِ الدَّعوَةِ الإِسلاميَّة, فِي وَقْتٍ مِنْ أَشَدِّ الأَوقَاتِ خَطَرًا عَلَيهَا, وَفِي ظَرفٍ مِنْ أَصْعَبِ الظُّرُوفِ, أَلا وَهُوَ يَومُ الهِجرَةِ مِنْ مَكَّةَ المُكَرمَّةِ إِلَى المَدِينَةِ المُنوَّرَةِ, عَاصِمَةِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ التِي أَرْسَى قَوَاعِدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم.
فَمَاذَا فَعَلَ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ؟ لَقَدْ أَتَى بِمَالِهِ كُلِّهِ, وَوَضَعهُ أمَامَ رَسُولِ اللهِ, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: «مَاذَا أبقَيتَ لأهلِكَ يَا أبَا بَكر؟» فَقَالَ أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنه: "أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَه!". ممَّا جَعَلَ أَحَدَ شُعراءِ الكفَّار يُعرِّضُ بِهِ قَائِلاً:
أطَعنَا رَسُولَ اللهِ سِتِّينَ حُجَّـةً... فَمَا لِرَسُولِ اللهِ مَا لأبي بَكْـرِ! أيورثُها بكراً إذا مَا مَــــــــاتَ بعدَهُ... تِلكَ لعَمري لَقاصِمَـةُ الظَّهرِ!".
وهنا في هذا المقال نحاول أن نرتقي ونكتب في ظلال هذه الآية الكريمة, وبعض أحكام الإسلام الاقتصادية، وترتقي لتوضيح جزء من "ما" الواردة أيضًا فيها, والتي تعني كل ما وهبه الله وأعطاه للإنسان سواء بسبب أو دون سبب، ولكن هذا لا يعني أن نحصل على المال دون السعي الذي غالبًا ما يكون فرضًا يجب القيام به سواء من قبل الأفراد أو الدولة لزيادة الإنتاج بالزراعة والصناعة والتجارة والأخذ بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة، ولكن الدولة وتصريحات علية القوم وتحفيزهم للاقتصاد يعيدنا للترهات والأوراق الصفراء من الخطط الورقية والوهمية والتي أهدرت مليارات وجعلت المديونية بعشرات المليارات والناس يتضررون جوعًا وعطشًا وغنىً وهميًا، وإن آخر ما أعلنته الدولة بتهكم ومسخرة, ولكنهم جادون حيث أعلنوا تخفيض المحروقات "تعريفة" أي خمسة فلوس, وتحفيزهم وزيادتهم للرواتب زيادة باهتة حيث أرسل لي أحد الإخوة من القراء النابهين معلقا بالآتي: "وأتلطّف بلفت نظرك للملحوظتين الآتيتين:
1. تقول متحدثا عن الزيادة الهزيلة: "فقد زيدت المرتبات بمقدار مصروف شهري لأحد طلاب المدارس، أي من عشرة دنانير إلى عشرين دينارًا في الحد الأقصى للراتب الشهري للعائلة الواحدة، أو قل: بأقل من مصروف لكلب عند ذاك الوزير الفاسد، وأمثاله ممن ينهبون أموال البلاد والعباد". انتهى الاقتباس. والحقيقة أنّ الحدّ الأدنى لمصروف الكلب في القوانين الأردنية هو مئة وخمسين دينارًا شهريًا، فقد جاء في نظام ترخيص الكلاب والإشراف عليها ضمن حدود أمانة عمان الكبرى لعام 2009م ما نصّه: المادة ١١ لصاحب الكلب الذي قبض عليه أو حجز وفقاً لأحكام المادة (١٠) من هذا النظام أن يسترده خلال المدة المعينة في تلك المادة لدى إبرازه الرخصة ودفعه نفقات إطعامه وإيوائه والعناية به البالغة خمسة دنانير عن كل يوم...".
2. تقول: "هذه هي نتائج طبيعية لتطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي.. الخ"، ومع اتفاقي معك في ذلك لكنني أتساءل وسيتساءل غيري ما بال الدول الغربية أمّ الرأسمالية تعيش شعوبها في رفاه بعكس شعوبنا؟ إذن كارثتنا ليست الرأسمالية فحسب، ولكنّها علاوة على ذلك هي أنظمة فاسدة مستبدّة تدير هذه الأوطان بطريقة عصابات المافيا...".
أقولُ معقبًا على قارئنا النابه الكريم: نعم إن النظام الاقتصادي الرأسمالي نعود ونؤكد أنه أس البلاء والفساد, وأنه سبب رئيس في إنتاج وحماية الفساد والفاسدين, ولكن الفساد في أوروبا وأمريكا مقنن, والدليل على ذلك التهرب الضريبي, وجزر التهرب الضريبي المشهورة اقتصاديا, والتي انكشف وافتضح أمرها في أزمة الرهن العقاري الأمريكية عام ٢٠٠٨م، وكذلك الكثير من قضايا الفساد الاقتصادي العالمية, والتي ذكرت في أكثر من مقال وكتاب وكان أشهرها كتاب المؤلف الألماني "انهيار الرأسمالية" "أسباب إخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود". وهو كتاب صدر في شهر يناير من سنة 2010م عن سلسلة عالم المعرفة، ومن تأليف: "أولريش شيفر"، هذا الكاتب الذي وصف الرأسمالية ورجالها أصحاب رأس المال بأوصاف قد لا نجدها بالروايات البوليسية, وروايات الجرائم المجتمعية، وقد أحصيت أكثر من عشرة أوصاف لهذا الكاتب الألماني من مثل: "الجشع، الإجرام، السرقة، الفساد...."، وحتى لا يظن القارئ أننا نتجنى على المبدأ الرأسمالي؛ لأننا نتبنى المبدأ الاقتصادي الإسلامي فكل متابع يعلم الحقيقة بتفاصيلها الدقيقة, والتي تدمي القلوب.
نَعَم, وَنِعْمَ القَولُ قَولُ ربنا: (وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، نعم, لا ننسى نصيبنا من الدنيا بأن نحيا حياة رغيدة, ونعيش عيشا هنيئًا, وندعو كل مجتهد, وكل جاد ألا ينسى نصيبه من الدنيا في هذه الحياة، ولا يعني ذلك أن نقتر على أنفسنا كما يظن بعض الناس، بل نعيش حياتنا اليومية وكأننا تعيش أبدا, ونفكر في الآخرة وكأننا نموت غدا!!
هذه حياة المسلم سعيدة لذاتها ولغيرها, وذلك بإحساننا لغيرنا، ولقد جالست أحد المحسنين, وسمعت منه يقول: عندما أعطي محتاجًا أحس أنني أدخر, وآخذ وأكسب لا ينقص من مالي ما أعطيت, وهو دكتور أعطاه الله تعالى ما يكفيه ويزيد، ولا تبغ الفساد فمن طمع في رزق غير مكتوب له, فلو أخذ الملايين فسادًا لن يصبح غنيًا جبرًا عن قدر الله تعالى، ولن يهنأ بتلك الأموال المحرمة الفاسدة, وستكون وبالا عليه وعلى أهله وكل بيته؛ لأنهم سكتوا عن فساده, ولم يأخذوا على يديه ويمنعوه عن الفساد, وصدق الله العظيم حيث يقول: (إنه لا يحب المفسدين)، ولا يعني هذا نجاة من يعلم الفساد, ولا يقاومه ويمنعه ويحاربه، ومن يفعل ذلك يكن شريك الفاسد وأمثاله سواء كان قويًا أو ضعيفًا, فكلٌ مكلفٌ حسب استطاعته وأقل الاستطاعة قول كلمة حق بوجه الفساد والفاسدين والمفسدين. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً الثلاثاء 19 نوفمبر 2019, 6:34 am | |
| قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً (5)
إن الاقتصاد ركن أساسي في بناء الأمم، والدول، والمجتمعات، والأسر، وعليه تتداخل القرارات الاقتصادية والسياسية بشكل لافت للنظر، وعليه نجد الإسلام، وهو مبدأ ينظم الحياة بكل جوانبها المختلفة، وليس دينًا كهنوتيًا محصورًا بالمسجد للتعبد فقط، فمن المسجد خرجت كل قرارات دولة الخلافة الإسلامية.
ودولة الإسلام سواء في فترة حكم الرسول الكريم صل الله عليه وسلم أو إبان الخلافة الإسلامية الراشدة، كان فيها بيت مال المسلمين، وكان يتم توزيع الغنائم، ومعالجة الفقر والمجاعة، كل ذلك كان يدار في المسجد، وقراراته كان يتم تدارسها وإعلانها في المسجد؛ لأنه كان مركز حكم وعبادة، قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا الله ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
والاقتصاد والفساد في أي دولة متلازمان، فإما أن يترعرع الفساد وأهله في حالة أن يكون الحاكم فاسدًا، ويتغاضى عن حاشيته الفاسدة، وإما أن يترعرع الاقتصاد، وتنعم به الرعية حين يكون الحاكم صالحًا يقطع دابر الفساد، فيكون قليلًا ونادرًا، ويكون صاحب الفساد ملاحقًا ومذمومًا.
وأشهر مثال على ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن الزهري أنه سمع عروة، أخبرنا أبو حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من بني أسد يقال له ابن اللتبية على صدقة، فلما قدم قال: "هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ"، فقام النبي صل الله عليه وسلم على المنبر قال سفيان أيضًا: "فصعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا، والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ألا هل بلغت؟" (ثلاثا).
قال: وهذا الحديث أساس من الأحكام الشرعية التي تحرم، وتحارب الفساد بشتى ألوانه وأنواعه كائنًا من كان مرتكبه، بحسن نية أو بسوئها، سواء أكانت رشوة لتحصيل حقوق إضافية، أو للحماية من واجبات يجب دفعها أو القيام بها، فكل أمر على غير وجهه يخص الحاكم والمحكوم حتى أدنى موظف في الدولة، ما يأخذه من الناس فوق راتبه بحكم منصبه فهو حرام، ويجب معاقبة مرتكبه، وعليه تشعر الرعية بالعدل والمساواة والإحسان بالحكم والرعاية وتدبير شؤون الناس كل الناس لا فرق بين كبيرهم وصغيرهم ولا بين المسلمين، وأهل الذمة ولا قريب السلطان والحاكم والآخرين، وعليه يجد الناس ويجتهدون للنهضة والعمل بجد وتنافسية واقتدار، ولا يخشون من ظلم ذوي القربى للحاكم ومعارفه وزبانيته، وهنا نرى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب وورعه في التعامل مع أموال المسلمين خوفا من الوقوع في الفساد والحرام: "عن عبد الرحمن بن نجيح قال: نزلت على عمر، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقينى نارًا، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس؟ فقيل: هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها".
فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة الذين يمثلون المسلمين في ذلك الأمر.
ولذلك نقول: إذا لم يكن الحاكم ابتداءً حريصًا كل الحرص على الحلال والحرام فإن الرعية لن تكون اتقى من حاكمها، وعليه فإن عمر بن الخطاب حين جاءته كنوز كسرى كاملة غير منقوصة قال: "إن قوما أدوا هذا لبيت المال لأمناءّ". وكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقف إلي جانب عمر فقال له: "يا أمير المؤمنين، لقد عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا !!".
والناس على دين حكامها، وهذا يعني أنهم ينتهجون نهجهم، ويسيرون سيرتهم، ويتبعونهم في صلاحهم وفسادهم، وها نحن نرى ونقرأ ونعيش زمانا فيه العجب العجاب محليًا وعالميًا في حياتنا الاقتصادية والسياسية، فكل ما تصل إليه يد الحاكم والمسئول، وكذلك بقية أفراد الرعية وخصوصًا من موظفي المال العام أصبح عندهم في حكم المباح، بل يعدونه فهلوة، وحذاقة، وكياسة، وقوة شكيمة، واقتدار بأن يمد يده على ما ليس له إن أمن العقوبة، أو تمتع بالحماية من سلطة الحاكم أو المدير المباشر، وكل تلك صفات مرفوضة شرعًا وعقلًا وعدلًا وقانونًا سواء في الإسلام وأحكامه، أو عند البشر وعدلهم وإحسانهم بعضهم لبعض.
وهذا كله من سوء المبدأ الاقتصادي الرأسمالي وحكمه للعالم بأسره، فالتشريعات عالميًا يضعها بشر عاجز وقاصر، يأكل ويشرب، ينسى وينام، فيشرع لبشر مثله، ويتم استغلال الثغرات في تلك القوانين والتشريعات، ويتم الفساد بشكل مقنن، وتحت سمع وبصر القانون والحاكم، ومن أمن العقوبة أساء الأدب. وهكذا ينتشر الفساد، ويستشري، ويصبح مقننًا ومحميًا، ومن لا فساد عنده يقولون عنه: أبله، ودرويش، وساذج.
وهنا يدخل العالم في مرحلة قلب المفاهيم، والقيم الأخلاقية والإنسانية، ويتراجع الاقتصاد العالمي، وتحصل الانهيارات المالية والاقتصادية، وتكون بداية انهيارات الدول، وثورات الجياع التي لا يمكن السيطرة عليها رغم إسالة الدماء، وما نحن عن أحداث العراق ولبنان، و من قبلهم ليبيا ومصر ببعيد، ولا عن أحداث أسواق اليونان وقبرص قبل سنين معدودة أيضا ببعيد.
فالمبدأ حتى يعالِج المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وغيرها، وتستقيم معالجته لا بدّ له من شروط أساسية، وإلا فإن الإنسان يحاول أن يحتال على أي قانون سواء أكان من وضع البشر، أو بوحي من رب البشر، وتلك الشروط هي: أن يكون هذا المبدأ ربانيًا من خالق البشر الذي يعلم احتياجاتهم، يردعهم ويزجرهم بأحكام حقيقية تطبق عليهم جميعًا بالمساواة، وكل هذا مؤطر بالاعتقاد بالمبدأ، وصلاحيته؛ لأنه من رب البشر فيكون الوازع الداخلي لكل شخص هو الحارس الأمين قبل الشرطي والقانون في الابتعاد عن الفساد والإفساد، وكل حرام مخالف للقانون أي الأحكام الشرعية، وهذا لا يتوافر إلا في المبدأ الإسلامي، والذي يناقضه المبدأ الرأسمالي، ولا يُصلح العطار عالميًا ومحليًا ما أفسد المبدأ الرأسمالي الجشع المفروض تطبيقه عالميًا من أمريكا، والدول الغربية، وهم أول من يسرق وينهب العالم، ويفقر الناس، ويجوعهم، ويقتلهم لصالح قلة هم أصحاب رأس المال والسياسية، فلا صلاح بترقيع النظام الفاسد، وإنما بالتغيير الجذري، والانتقال من مبدأ بشري إلى مبدأ رباني، وهو تحكيم أحكام الإسلام وتطبيق دستوره؛ لينعم الناس بخير وعدل الإسلام قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً الثلاثاء 19 نوفمبر 2019, 6:34 am | |
| قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً (6)
كلما حاولنا أن نحلق عالياً في سماء الاقتصاد، ورعايته للبشر نسمع أخباراً محلية وعالمية حول الاقتصاد، تعود بنا هذه الأخبار لترهات الاقتصاد الرأسمالي وسياسييه الذين يتخبطون، ولا حلول ولا برامح عندهم لرعاية البشر بأدنى درجات الرعاية التي تتمتع بها حيوانات قصور أصحاب النفوذ السياسي، وأصحاب رأس المال داخلياً وخارجياً، فأمريكا، والصين، وأوروبا، تدور بينها حرب تجارية تؤذي البشر، وقد تؤدي إلى حرب عملات، وانهيار اقتصادي عالمي يأكل الأخضر واليابس، وكل ذلك بسبب الدولار الكاذب، والاقتصاد الوهمي، والجشع، والرأسمالية غير الإنسانية، ونهب ثروات العالم، حتى أصبح الإنسان عبداً يخدم الدولار، ويعمل لكسب قوته ليل نهار، وينسي نفسه فكراً، ورفاهية، وسعادة، فالإنسان والآلة الميكانيكية في عالم الاقتصاد العالمي الرأسمالي سواء.
كذلك تحفيزات الرزاز رئيس الوزراء الأردني، وحزمه وتغييراته الوزارية التي وصلت إلى اثنين وخمسين وزيراً خلال سنة ونصف السنة تقريباً، أو معالجته للبطالة، وحالة الغثيان الشعبي، والغليان الهادئ من إجراءات مستفزة من كل أركان النظام واستهتارهم بالشعب. وكذلك إجراءات الحكومة اللبنانية ودعوة رئيس الجمهورية للشباب بالهجرة للخارج بسبب الفقر، فلا هو صمت، ولا هو أحسن الكلام، وبقي النداء يصدق القول على جميع منظومة سايكس وبيكو العربية والإسلامية والتي أطلقها الشعب اللبناني: "كلن يعني كلن".
وفعلا لا بدّ من تغيير جذري للمنظومة السياسية والاقتصادية عالمياً ومحلياً حتى يشعر البشر بإنسانيتهم، وحرية التفكير بواقع حالهم ومآلهم الدنيوي والأخروي، ولسنا عن آخر أخبار مظاهرات إيران، ورفع أسعار المحروقات بشكل جنوني لا يطاق، ومع كل ما تقدم لا بدَّ من تقديم نبذة اقتصادية وسياسية للناس علها تعطي بصيص أمل وتأمُّل وعمل في عالم أفضل من عام تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، والأمم المتحدة، فإلى عالم نرجو قريباً يحكم بنظام اقتصادي وسياسي وفكري إسلامي ليسعد البشرية كلها دون استثناء، ودون نظرة أنانية ودونية لبني البشر.
قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، كلمات من رب العالمين تخاطب الإنسان المؤمن ابتداء ومن يعقل الكلام من البشر أيضا، يأخذ بتلابيب الحق والحكمة، فالرزق بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء والسعي لطلب الرزق فرض شرعي وطبيعة بشرية، وهنا طلب رب العزة العليم الحكيم ممن آتاه الله الرزق أن يسعى برزقه للحصول على مقام عال في الدار الآخرة أي رضوان الله وجنته تعالى، فالزكاة، والصدقات، وبناء المستشفيات، والمدارس، وتجهيز الجيوش، وإعداد المجاهدين، ودعم صمود أهل الثغور أمثال أهل غزة، والقدس، وكل فلسطين، والشام، وكل بلد مسلم منكوب، وحالات الكوارث وما شاكل ذلك، كل ذلك ادخار ينمو للحصول على أعلى درجات الآخرة ومقامها، وحتى في الدنيا ما زالت سمعة أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما، وأمثالهما لكثرة صدقاتهما حتى كادت بعض الروايات أشبه بالخيال عن صدقات المسلمين، وقصة مؤاخاة المهاجرين والأنصار أشهر من أن تسرد هنا حيث اقتسموا المال فيما بينهم.
ولا ينسى الإنسان طبيعة البشر، حيث يحب التنعم والعيش الرغيد، والأكل من طيبات ما رزقه الله تعالى، فهل حرم الإسلام على الأغنياء بناءهم للقصور، وعيشهم الرغيد، وشراءهم للسيارات الفارهة، أو الطائرات الخاصة؟ بالطبع لا، فكانت الخيل الأصيلة، والنوق غالية الثمن، ومزارع النخيل، وقطعان الأغنام من دلائل الثراء والغنى، ولكن دون جشع، واستغلال، وتجبر على البشر والتعالي عليهم.
كبار الأغنياء في هذه الأيام وسوء وقبح فعالهم يفعلون كل ذلك إلا من رحم ربي، والله سبحانه وتعالى يقول: (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين)، وهذا ركن أساس ندندن حوله دوماً مراراً وتكرراً بلا كلل ولا ملل، ألا وهو الفساد والمفسدون وعدم حب الله تعالى لهم، فالابتداء بالنهي (ولا تبغ الفساد) والانتهاء بقرينة الذم وعدم حب الله تعالى المفسدين (إن الله لا يحب المفسدين) دليل طلب ترك جازم أي حرمة الفساد بكل أشكاله.
فسبحان الله العظيم!! حيث ربط رب العزة بين الفساد والمفسدين والمال أي الاقتصاد، وهما متلازمان وخصوصاً في هذا العصر الذي نعيش فيه، والذي أصبح متابعاً بشكل دقيق وملحوظ بسبب الشبكة العنكبوتية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والضنك الاقتصادي العالمي بسبب تطبيق مبدأ اقتصادي وسياسي رأسمالي وضعي، ناقص، وعاجز، عن معالجة، ورعاية البشرية، ولا يعمل إلا لصالح فئة قليلة من الناس هم أصحاب النفوذ السياسي وأصحاب رأس المال.
نعم، إن الله لا يحب المفسدين الذين ينهبون ويأكلون أموال الناس بالباطل، وخصوصاً الفقراء منهم، ومن المعلوم بداهة أنه غالباً من ينهب ويفسد في الأرض ويسرق يكون محتاجاً؛ فيسرق ليسد حاجته ونهمه، وقلة حيلته وجهده ونقصان تفكيره وعقله، فتلك وأمثالها ما يعرف بالسرقة والفساد، أما من يكون غنياً أو مليونيراً أو مليارديراً، ويسرق من مال الشعب الفقير أو الغني، فتلك طامة كبرى، وكارثة وعار ما بعده عار، فمال الناس وخصوصاً المال العام أي مال الدولة ذاك حق للفقير والغني، فكيف لعاقل ذي مروءة أن يسرق المال العام سواء كان بشكل ضريبة أو عطاء أو رشوة أو أي شكل كان، فذاك في عرف الجاهليين قبل الإسلام لا يقبل، فكيف في عرف الإسلام والاقتصاد الإسلامي؟ فلله الحمد والمنة على نعمة الإسلام، وأحكام الإسلام التي ترعى كل البشر، لا، بل حتى الحيوان والشجر والحجر. قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً الأربعاء 27 نوفمبر 2019, 9:04 am | |
| قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً (7) أمريكا والأردن مثالان، ونموذجان عالميان للاقتصاد الرأسمالي في حلاوته ومرارته، وأعلى الهرم في الاقتصاد الرأسمالي متصدع، وقاعدة الهرم فيه متصدعة أيضا؛ مع العلم أن المبدأ الاقتصادي الرأسمالي مبدأ عالمي، أي هو عقيدة ينبثق عنه نظام، ينظم حياة البشر على ما يسمى بالديمقراطية أي بالتشريع البشري للبشر، أي أن مجلس النواب التشريعي هو من يضع القوانين للبشر، ومهما سمت وارتفعت عبقرية الإنسان يبقى عاجزاً وناقصاً ومحتاجاً، ويأكل ويشرب ويموت، وعليه فإن التشريع يأخذ صفة مشرعه.
والعقيدة عند الرأسماليين هي فصل الدين عن الحياة، أي لا علاقة للدين بالقوانين، والأنظمة والتشريعات، وهذا بعكس المبدأ الاقتصادي الإسلامي الذي ينبثق من عقيدة الإسلام، التي تؤمن بالله خالقاً ومدبراً، ومشرعاً وحيداً للبشر، و لما فيه صلاح الكون والحياة، فلا شاردة، ولا واردة، ولا صغيرة ولا كبيرة في حياة البشر، إلا لها تشريع من الله تعالى الخالق العظيم الكامل، المنزه عن كل نقص وعيب، وعليه فتشريع رب العالمين كامل ويعالج كل مناحي الحياة البشرية.
ونعود لمثال أمريكا راعية المبدأ الاقتصادي الرأسمالي ومعها أوروبا، فالمبدأ يطبق من قبل أمريكا منذ قرابة الثلاثة قرون تقريبا، ولكنه ظهر عالمياً، وتحكم بحياة البشر بعد الحرب العالمية الأولى، وكان أكثر ظهوراً بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد عقد اتفاقية برتون ودز التي جعلت من الدولار بديلا عن الذهب، وتم التحايل على البشر ليكونوا خدماً للدولار وأصحابه الرأسماليين، وأتباعهم السياسيين.
وكانت تلك بداية الفساد والمفسدين، والجشع، والنهب، والاحتيال، ولكن بشكل مقنن، وأصول تشريعية من تشريعات المجالس التشريعية الديمقراطية، التي انتشرت في غالبية دول العالم ليكون فساد المبدأ الرأسمالي مقنناً، ومشرعاً حسب الأصول، وعليه بتنا نرى أشكالا من المعاملات التجارية والاستثمارية والمالية لم تخطر على بال بشر، فما دامت ممكنة، ويمكن أن تعمل وتنتج، فكانت القاعدة الاقتصادية: "دعه يعمل، دعه يمر"… حيث كان هذا شعاراً أطلقه الفيلسوف والباحث الاقتصادي الأسكتلندي "آدم سميث".
هذا الشعار فحواه بشكل عام: تقليص تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلى أضيق ما يمكن، بهدف الدفع بعجلة التنمية نحو الإيجابية، ومنه تحرير التعاملات والعلاقات الاقتصادية على أوسع نطاق ممكن؛ فتصبح بذلك الأسواق حرة تلقائياً، تحكم نفسها بنفسها، وتعرض القوانين على المجلس النيابي التشريعي ويقرها، فهي جائزة وصحيحة وتصبح عاملة ولو كان أصل وضعها مخالفاً للدين، وأحيانا يكون مخالفا للعقل والمنطق فلا ضير في ذلك.
ولنأخذ مثالا على ذلك، وهو ما يسمى بالشركات المساهمة التي انتشرت في كل بلدان العالم؛ لخدمة طبقة معينة عالمة بالقانون، فيقوم المؤسسون بالإعلان عما اتفقوا عليه من تأسيس الشركة المساهمة، ثم يضعوا كل ما يناسبهم ويخدم مجلس الإدارة وأتباعهم، ويعطون الفتات للمساهمين، فأركان الشركة المساهمة والشركات الرأسمالية مخالفة وتتناقض من أركان الشركة في الإسلام، ولكنها انتشرت في بلاد المسلمين؛ لأنها تحقق مصالح الفاسدين، وتعمل على تنمية وتضخيم ثرواتهم بشكل جنوني، أشبه بتضخم السرطان.
وهذا فقط بخصوص مجالس الإدارات وزبانيتهم لتلك الشركات، وأما عقلاً فلا يعقل أن يقبل شخص بمشاركة عدوه أو قاتل أبيه أو أخيه، ولأن الشراكة مفتوحة بالشركات المساهمة فإنك قد تشارك عدوك، وتنمي ماله دون علم مع وجود الاحتمال، وهذا معروف عند أكثر الشركات والمشاركين أن يهود يستغلون الشركات المساهمة الناجحة ويشاركون فيها، ويستولون عليها ضمن القوانين والتشريعات الخاصة بالبلد، والشركات الرأسمالية، فكيف يقبل مسلم مشاركة يهودي محارب له، ومحتل لأرض فلسطين الإسلامية فذاك حرام بين الحرمة.
وقبل النهاية ننوه إلى الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، والتي قد تؤدي إلى انهيار اقتصادي عالمي وكساد، وركود يأكل الأخضر واليابس، ويؤدي إلى حرب عالمية طاحنة وشاملة. أما محليا أي على مستوى الأردن وأمثالها من دول العالم الإسلامي خلال عام 2019م، فالتخبط بالقرارات الاقتصادية، وتغييرات وزير المالية، وتصريحاته المتناقضة، فهي من المضحك والمبكي في أن واحد، ففي بداية العام تم زيادة الأسعار، ورفع الضرائب لجميع الواردات علها تسد عجز الموازنة، فحصل عكس ذلك بالتمام والكمال.
وعليه ومع إعداد موازنة عام٢٠٢٠م أي للسنة القادمة بشر وزير المالية الجديد، ورئيس مجلس النواب أن لا ضرائب جديدة، ومع إعداد الموازنة ظهرت بعض التصريحات حول ضرورة زيادة أسعار الماء والكهرباء لزيادة الإيرادات للسنة القادمة، والتي وصفت مبكرا بموازنة "السنوات العجاف" رغم مؤشرات التقارب السياسي بين السعودية وأمريكا والأردن ولكن ذلك لا يطمئن كثيراً. والظلم ظلمات، ونهب أموال البشر، والتجبر والتكبر عليهم ينذر بسوء العاقبة للظالمين والفاسدين حيث يقول الله تعالى (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). صدق الله العظيم. |
| | | | قراءة سياسية وفكرية للاقتصاد عالمياً ومحلياً | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |