منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:29 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (35)
 
قد يظن البعض أن الوجود الإسلامي قد انْدَرَس من شبه الجزيرة الإيطالية بالكُلِّيَّة بعد إخراجهم من مَعاقِلهم الحَصِينة في جنوبها، وشمالها الغربي، ثم استيلاء النُّورمان على صِقِلِّيَّة، وليس ذلك بصواب، بل بَقِيَت لهم بَقِيَّة في قَلْب شِبْه الجزيرة الإيطالية، وكانت بالقُرْب من روما.
 
وإنما يعود ذلك لعِدَّة ظُرُوف تاريْخِيِّة قَدَّرَها اللهُ تعالى:
الأول: وقوع طائفة من غُزاة المسلمين الذين أَغاروا على رُوما في الأَسْر، والثاني: نَقْل الإمبراطور فريديك الثاني أُلوفًا من مُسْلِمي جَزيرة صِقِلِّيَّة إلى مدينة لوشيرة بإقليم بوليا، والثالث: اعتماد الملك المذكور - وكان ملكًا على صِقِلِّيَّة وإيطاليا وألمانيا - على المسلمين في جيشه.
 
أما الظَّرْف التاريخي الأول: فقد قال أميرُ البَيان شكيب أرسلان[1] تعليقًا على خَبَر نقله عن المسيو رينو حول غزو المسلمين لموضع قرب روما[2] بقوله: الذي عَرَفْتُه في رومة من روايات بعض أُدَباء الطّليان، والمُطَّلِعِيْن منهم على التواريخ، أنه يوجد على مسافة أربعين كيلو متر من رومة قرية يُقال لها: سراسينشكو، أصل أهلها من المسلمين، كان سَلَفُهم غُزاة، وَقَعوا إلى تلك الأرض، وأحاط بهم الأهالي، فقتلوا جانبًا، واسْتَسْلَم لهم الباقون، وتَنَصَّروا[3]، وعَمَروا تلك القرية.
 
ويُقال: إن سَحَنَهم[4] لا تزال تدل على أصلهم العربي، وإن مَآكلهم، ومَشاربهم، وصَنْعَة الغِناء عندهم تدل على عُروبتهم، وحتى هذا اليوم تَراني أَتَرَقَّب الفُرصة؛ لمُشاهدة تلك القرية، والتَنْقيب عن صِحَّة ما سمعته، انتهى.
 
ولكنه ذكر في مكان آخر أن هؤلاء الذين تَوَطَّنوا قُرْب روما لم يَتَنَصَّروا، وإنما سكنوا تلك الأرض بعد وقوع صُلْح بينهم وبين الأهالي، عَقْب غَزْوهم لضَواحي، واجتماع الأهالي عليهم، مما أدى إلى انْحِصارهم في أحد المَواضع منها، رافضين الاستسلام.
 
قال في مجلة المنار[5] بعد أن وصف دخول المسلمين لروما بالاجتياح: ورد في التواريخ: أن العرب صَعَدوا إلى رومة من مَصَبِّ نهر التيبر، واجْتاحوا البَلْدة، وأخذوا من كنيسة مارِ بُطرس تابوتًا من فِضَّة، ولكنهم لم يستقروا برومة.
 
ثم إن العرب كانوا يختلفون إلى ضَواحي رومة، ويَشُنُّون الغارات فيها، وفي إحدى المِرار اجتمع عليهم الأهالي، فهزموهم، فخَلُص منهم فئةٌ إلى البحر، وفِئَةٌ اسْتؤصِلَت بالسيف، وفِئَةٌ من بقايا السُّيوف لاذت بمكان مَنيع هناك، وناضَلَت عن نفسها، وبَقِيَت تَحْمِي نفسها، إلى أن وَقَع الصُّلْح بينها وبين أهل البلاد.
 
ولأسباب مجهولة عندنا تفاصيلُها، تركوا تَوَطُّن تلك الأرض، فالآن على مسافة 40 كيلو متر من رومة، قرية اسمها (سارازينسكو) Sarrasinesco، من اسمها يُعْرَف أن أهلها أصلًا مسلمون؛ لأن (سارازينو) معناه مسلم كما لا يخفى[6]، وليس الدليل على كون أهل هذه القرية عربًا هو الاسم فقط، بل حَدَّثَني الكونت كولالتو، صاحب جريدة رومة الإيطالية التي تصدر بالقاهرة - وهو من جِلَّة أُدباء الطليان وفُحول الكتاب - أن أهالي قرية سارازينسكو هم إلى يومنا هذا حافظون عاداتهم العربية، ومَآكلهم العربية، ولا يزالون يَعْزِفون بآلات الطَّرَب العربية، مما لا يوجد عند قوم سواهم في إيطالية، وإن سَحْناتهم إلى هذا اليوم سَحْنات العرب، لا يَتَمارى في ذلك من رآهم،انتهى.
 
وأما الظَّرْف التاريخي الثاني: فإنه يَتَمَثَّل في اعتماد الإمبراطور فريدريك الثاني على أولئك الجُنود المسلمين، وقد قال الأمير شكيب أرسلان في مجلة المنار[7] بعد أن تحدث عن غَزْو المسلمين لروما، وآثارهم الباقية هناك: يوجد آثارٌ للعرب فيما عدا رُومة من بَرِّ العُدْوَة الإيطالية، مثلًا بلدة لوشيرة بين نابلي وكالابرة، كان فيها الملك فريدريك هوشتافن الألماني في نحو السنة الألف والمائتين والخمسين للميلاد، وكان عنده عَسْكر من العرب نحو 20 ألفًا، وآثار مَساكنهم لا تزال إلى هذه الساعة،انتهى.
 
وقال في تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط[8]: يوجد آثارٌ عربية في لوشيرة بقرب نابلي، ولا يخفى أن الإمبراطور فريدريك الثاني إمبراطور ألمانيا، وملك صِقِلِّيَّة - الذي عاش في أوائل القرن الثالث عشر المسيحي - كان عنده جيش من العرب، هم عُمْدَة قُوَّته، وكان مُتْقِنًا للُّغة العربية.
 
وسيأتي من كلام الحِمْيَرِي ما يُوَضِّح مَكانة أولئك الجُنود المسلمين عند الإمبراطور فريدرك الثاني، واعتماده الكبير عليهم، مع تَخَوُّفه في الوقت ذاته من قوتهم، وكثرة عددهم؛ فقد أراد بذَكائه السِّياسي أن يُوَظِّف إمكانات عَدوه التي تُخِيْفُه في خِدْمة مَصالحه.
 
ومن تَأمَّل في تَعْلِيل الحِمْيَرِي لإخراج فريدريك الثاني للمسلمين من صِقِلِّيَّة إلى لوشيرة، عَلِم مدى دَهاء ذلك الرجل السياسي، وهو أَمْرٌ عَرَفه به الدَّارِسون لشخصيته، الذين لم يَغْتَرُّوا بمَعْسُول قوله، ولا سِحْر فِعْله، كما اغْتَرَّ به الملك الكامل الأيوبي يوم أن سَلَّمه القُدْس بلا قتال، وكأنما سَحَرَه فريدريك بغير تَعاويذ، ولا تَمائم[9].




[1] تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط هامش (ص141).
[2] كان المسيو رينو يتكلم عن اجتياح المسلمين لسواحل نيس، والبروفانس، وسيفتية فكشيا بقرب روما، انتقامًا من أَسْر كونت أمبورياس خمسمائة أسير مسلم، بعد عودة الجيش الذي كانوا فيه من غَزو جزيرة كورسيكا، وحيازتهم للغنائم والأسرى منها.
[3] لا يشك عاقل أن ذلك التَنَصُّر - لو صح وقوعه بهذه الصورة - كان تحت وقع الإكراه أخذًا بالرُّخْصة، ولا يُعْقَل أن مجاهدًا مسلمًا يقع في أسر أعدائه، يكون مستعدًا للتخلي عن دينه بمجرد الوقوع في الأسر، إلا على سبيل التقية، والمداراة، ولا ننسى ما كان يفعله النصارى في مُسْلِمي الأندلس؛ لإجبارهم الدخول في النصرانية الكاثوليكية، ولا شك أيضًا أن بقاء الأجيال تلو الأجيال تحت حكم الكفار - مع العجز عن الهجرة إلى ديار الإسلام - يؤول إلى نُشوء أجيال تتأقلم مع الأوضاع القائمة في البلاد التي نشأت فيها، ويتلاشى مع مرور الوقت استحضار حالة الإكراه، واستصحاب نية الهجرة إلى دار الإسلام، فيصير النسل نصرانيًا قُحًّا مع تعاقب الأزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[4] السَّحْنَةُ، والسَّحْناءُ، بسُكُون الحاء، وتَحْرِيكها في كليهما: لينُ البَشَرَةِ، والنَّعْمَةُ، والهَيْئَةُ، واللَّوْنُ. انظر: تاج العروس (35/173).
[5] عدد شهر المحرم من عام 1342هـ.
[6] كان النصارى الأوروبيون في العصور الوسطى يطلقون هذه التسمية على المسلمين، وقد اختلف في سبب تسميتهم المسلمين بذلك، ولكن الكلمة على كل حال لا تعني هذا المعنى أصالة. قال شكيب أرسلان عن لفظة سارازين في هامش (ص15) من كتاب تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط: قيل: إنها أطلقت على العرب؛ لكونهم غالبًا سمر الألوان أشبه بالحِنْطة التي يُقال لها: سارازين، وقيل: بل هي مُحَرَّفة عن سراكنو، التي هي المسلمون بلغة الروم، وهذه مُحَرَّفة عن scharaka أي شرقي، أو شراقة، أي شرقيين بالجمع، وقد ذكر ابن بطوطة في رحلته أن ملك القسطنطينية سأل عنه: هل هو سراكنو؟ أي مسلم.
[7] عدد المحرم 1342هـ.
[8] هامش (ص141).
[9] انظر القصة في: الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل للعليمي (1/405-407).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:30 am

من مَعالم الوجود الإسلامي في شِبْه الجَزيرة الإيطالية

بعد أُفُول نَجْم الإسلام عنها (2)

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (36)

 
أما الظَّرْف التاريخي الثالث: فقد ذكر أبو الفضائل الحَمَوي في التاريخ المنصوري[1]، والحِمْيَرِي في الرَّوْض المِعْطار[2] المُلابَسات التي كانت سببًا في إخراج الإمبراطور فريدريك الثاني لطائفة عظيمة من المسلمين من صِقِلِّيَّة إلى إيطاليا؛ وهي ظهور قائد مسلم، يُدْعى ابن عَبَّاد في جزيرة صِقِلِّيَّة، وتَمَلُّكه لبعض مُدنها، وحُصونها[3]، وتَعَذُّر انتزاع ذلك منه، ثم استمرار بعض أقاربه[4] بعد وفاته[5] في السَّيْر على نَهْجه الرَّافض للوجود النصراني في الجزيرة، مما أَدَّى بالإمبراطور إلى نَقْل طائفة كبيرة من المسلمين - والظاهر أن أغلبهم من الجند - إلى مدينة لوشيرة بإقليم بوليا؛ خَوفًا منهم.

ومع وجود اختلاف كبير في سياق القصة عند كل مصدر من المصدرين المذكورين، غير أن تأريخهما لتلك الأحداث متقارب[6]، وهو على كل حال بعيد جدًا عن تأريخ المصادر الأوروبية التي نقل عنها المستشرق الصِّقِلِّي أماري[7]؛ فإنها تؤرخ ثورة ابن عباد بما يتقدم عن تأريخ المصدرين العربيين الإسلاميين بنحو قرن، وربع القرن، أو ما يزيد، مع الاتفاق على اسم الثَّائر المسلم في صِقِلِّيَّة، وهو إشكال ليس بالهَيِّن، لاسيما مع عدم وجود أي إشارة إلى قيام أحد أبناء ابن عَبَّاد المذكور، أو أحفاده بقتال النورمان، وخَلَفِهم على حُكْم الجزيرة من الأَلْمان [8]، بل ما ذكروا إلا ابن عَبَّاد واحد، ولا يُسْتَخْلَص من كلامهم أي إشارة إلى وجود أُسْرة كاملة، قائمة بأمر الدفاع عن الإسلام في صِقِلِّيَّة، تُحْمِل اسم ابن عَبَّاد.

والذي يبدو -والله أعلم- أن تأريخ المَصْدَرَيْن الإسلاميين لثَوْرة ابن عَبَّاد هو الصواب، وأن الثَّائر الذي حَمَل على عاتقه جهاد النُّوْرمان بعد دخولهم صِقِلِّيَّة هو رجل آخر، خَلَط المؤرخون الأوروبيون بينه وبين ابن عَبَّاد، الذي جاهد الوجود النَّصْراني الأُوروبي في صِقِلِّيَّة بعد ذلك بما يزيد على القَرْن.[9]

وعلى كل حال؛ فقد كانت تلك الأحداث سببًا في نَقْل طائفة كبيرة من مُسْلِمي صِقِلِّيَّة إلى قَلْب شِبْه الجزيرة الإيطالية؛ حيث قام الإمبراطور فريدريك الثاني بتلك الخُطوة[10]؛ خَوفًا من ثَوْرتهم عليه، واحتياجًا لإمكاناتهم العسكرية.

قال ابن سعيد المغربي في كتاب الجغرافيا: وفي جَنوبي هذا البحر - أي البحر الأدرياتي الذي يُسَمِّيه ببحر البُنْدقية - مدينة روما، قاعدة البابا، وتقع في هذا الجزء مدينة لوشيرة، التي أَسْكَن الإنبرور فيها المسلمين الذين أخرجهم من صِقِلِّيَّة، انتهى.

وقال الحِمْيَرِيُّ في الرَّوْض المِعْطار[11] عن مدينة لوجارة[12]: مدينة من بلاد الروم في البَرِّ الكبير[13]، كان طاغية صِقِلِّيَّة[14] نقل إليها من بَقِي بصِقِلِّيَّة من المسلمين؛ إذ كانوا له جُنْدًا، وعُدَّة لأعدائه، يجد نَفْعَهم، فنَقَلَهم إلى هذه المدينة؛ تَحَوُّطًا عليهم؛ لحاجته إليهم، وتَخَوُّفًا منهم؛ إذ كانوا أعدادًا جَمَّة، فعَمَروها، ومَدَّنُوها، وصارت لهم بها أحوال عظيمة، وكانوا أَنْجادًا، وطال مقامهم بها أَعْصارًا، إلى أن اختلفوا، وتَحَزَّبوا، وافترقت كلمتهم، وآل أَمْرُهم في هذا العهد القريب إلى أن أَجْلاهم عنها صاحب صِقِلِّيَّة الآن، فتَحَكَّمَتْ فيهم النَّوائب، وتَشَتَّت أَمْرُهم، فأُخْرِجوا، وأُسِروا، وتَفَرَّقوا في البلاد، فمنهم من ذهب إلى المَشْرق، ومنهم من صار إلى إفريقية، وافترقوا في بلادها، وصارت مدينة لوجارة رُوْمِيَّة، ولم يَبْق فيها منهم أحد[15].

وقد ذكر المستشرق رتزيتانو في تعليقه على ذلك الخبر[16] أن إخراج المسلمين من مدينة لوشيرة قد وقع على يد الملك شارل الثاني سنة 700 هـ[17].

خاتمة:
هذه خاتمة سلسلة صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالية، حَرَصنا فيها على تعريف المسلمين بما قد يَخْفَى من مَظاهر العِزَّة في تاريخنا الإسلامي، لعلَّها تَسْتَنْهِض ما سَفُلَ من الهِمَم، وتُقَوِّي ما ضَعُفَ من العَزائم، والحمد لله رب العالمين.




[1] التاريخ المنصوري (ص99-101).
[2] الروض المعطار في خبر الأقطار (ص41،40).
[3] قال في التاريخ المنصوري: وهو الحاكم عليها، وسلطانها على جبالها، وغيرها، وبعض وطاها،انتهى. وهو تعبير قد لا يخلو من المبالغة؛ إذ الظاهر أنه كان متحصنا في بعض القلاع والحصون هو ومن معه فحسب.
[4] عند الحميري أنها ابنته، وأنها كانت معه بنفس الحصن الذي يسمى أنطالة، وأنها واصلت التحصن فيه بعد غدر النصارى بأبيها، وإغراقه، حتى يئس منها الإمبراطور، وعرض عليها الزواج، لما رآه منه شجاعتها، ولكنه أبت أشد الإباء، وواصلت ما كنات فيه، ثم سَمَّت نفسها عندما قارب النصارى على إسقاط الحصن، وهو فعل قد يجيزه بعض أهل العلم لمن خشيت على عرضها من الانتهاك، وعند صاحب التاريخ المنصوري أنه كان خَتَنه، أي زوج ابنته،أو زوج أخته، وهو يطلق على الأول أكثر، وسياق القصة عند الحميري يُشْعر أن ابنته المذكورة لم يكن لها زوج، فإما أن يكون قد مات، وإما أن تكون غيرها، والجمع بين القصتين متعذر على كل حال.
[5] قال في التاريخ المنصوري عن وفاته: دخل إلى ابن عباد ولد القاضي، قاضي صقلية، وقال له: المصلحة أن تخرج إلى طاعة الملك، وكان ابن عباد متمرضًا في نفسه من القتال والسهر، فقال: والله لا فعلت ذلك؛ خوفًا من العار، فلما كان صبيحة تلك الليلة، خرج القاضي، وابن عباد معه إلى الإنبرور - أي الإمبراطور - وحضر بين يديه، فانتهره، وضربه برجله، وفيها المهماز، شَقَّ جنبه، وتركه في خيمة ناحية، ثم بعد سابع يوم قتله، وشق بطنه، وأخذ ماله، وربط أولاده في أذناب الخيل، وتملك الإنبرور الجزيرة،انتهى.
[6] قال أبو الفضائل الحموي في التاريخ المنصوري (ص99) في حوادث سنة عشرين وستمائة: وفيها دخل الملك الأنبرور إلى جزيرة صقلية وكان بها قائد من المسلمين وهو الحاكم عليها وسلطانها على جبالها وغيرها وبعض وطاها،انتهى. وقال الحميري في الروض المعطار (ص40) عن أنطالة: حصن عظيم ومعقل منيع من حصون جزيرة صقلية فيه تحصن محمد بن عباد القائم بأمر المسلمين في جزيرة صقلية، فلما كانت سنة ست عشرة وستمائة عقد الصلح مع الأنبرور طاغية جزيرة صقلية وغيرها على أن يدخل تحت طاعته ويأخذ جميع أمواله وذخائره ويجهزه في قطائع إلى ساحل إفريقية ولا يقتله.
وأما الحميري، فقال: لما كانت سنة ست عشرة وستمائة، عقد الصلح مع الإنبرور، طاغية جزيرة صقلية، وغيرها، على أن يدخل تحت طاعته، ويأخذ جميع أمواله، وذخائره، ويجهزه في قطائع إلى ساحل إفريقية، ولا يقتله، وأبت ابنته أن تدخل في هذا الصلح، وامتنعت في هذه القلعة، وقالت لأبيها: أنا فداك، فإن لقيت خيرًا اتبعتك، وإن كان غير ذلك، فلا بد أن أنكي أعداءك، وآخذ بثأرك على قدر الاستطاعة، ولما جذفت به القطائع، وغابوا عن العيون، قال له الموكلون به: إن السلطان قد وفى لك، ولم يحنث في يمينه، وها نحن قد توجهنا إلى إفريقية، وهو لم يقتلك، ونحن نغرقك، ونريح دين المسيح منك، فالذي صنعت في هذه الجزيرة مثله لا ينسى، ثم غرقوه، وعادوا بجميع أمواله إلى الإنبرور، وحمدت ابنته رأيها، وزادت بصيرة في الامتناع بذلك المعقل المعانق للسحاب، وجعلت تُغادي شن الغارات، وتراوحها بمن خاف غدر الإنبرور من فرسان المسلمين، ورجالهم،انتهى.
ومن الجدير بالذكر: أن القصة التي أوردتها المصادر الأوروبية لابن عباد تذكر أنه مات غرقًا، ولكن حينما كان يقاتل الجيوش البحرية لروجر الأول النورماني.
[7] انظر: العرب في صقلية للدكتور إحسان عباس (ص132،131). وملخص القصة عنده: أنه لما تتابع سُقوط مُدن صِقِلِّيَّة في أيدي النُّورمان واحدة بعد أخرى، ظهر في مدينة سرقوسة - وكانت من أكبر مدن صقلية وأكثرها حصانة ومنعة - رجلٌ يُسَمَّى ابنُ عَبَّاد، قاد مَسيرة الجهاد ضدهم، وألحق الهزيمة بابن روجر النورماني في إحدى المعارك، واستطاع في سنة 1081م أن يشتري بالمِنَح والوعود حاكم مدينة قطانية من قِبَل روجر، فسَلَّمه المدينة، فاتسع سُلْطانُه، حتى أثنى عليه مؤرخ نورماني واصفًا إياه بالدَّهاء، والجُرْأة، والمهارة في القيادة، وإتقان الخِدعة في الحرب، مما اضطر روجر أن يوجه إليه اهتمامه، غير أنه انصرف عنه فترة، وانشغل بغيره.
ولم يكتفِ ابن عَبَّاد بدفع صَوْلَة النُّورمان عن الجزيرة، بل توجه سنة 1084م إلى قِلَّوْرِيَة، ونَهَب مدينة ريو، ونقطرة، وعاد ظافرًا، فرأى روجر أنه لابد من جَولة حاسمة مع ابن عباد، فقابله عند سرقوسة أسطولٌ قوي سنة 1085م، وأخذت سُفُن ابن عَبَّاد تغرق واحدة بعد أخرى، وكلما غَرَقت به واحدة، وَثَب منها إلى واحدة لم تغرق، ولكنه زَلَّت به القَدَمُ، فتَلَقَّاه البحر، ويقال: إن روجر أرسل جُثَّتَه إلى الأمير تميم بإفريقية.
ولم يُشِر الدكتور إحسان رحمه الله تعالى إلى مخالفة ما نقله أماري إلى ما ورد في التاريخ المنصوري، والروض المعطار، مع كونه قد حقق الثاني، وذكر في هامشه وجود القصة في الأول، فلعله ألف كتاب العرب في صقلية قبل الاطلاع على ما في الكتابين عن هذه القصة، أو أنه رجح كفة المصادر الأوروبية في ضبط وقائع القصة، وملابساتها.
[8] لأن فريدريك الثاني كان ألمانيًا وكان أبوه قد تزوج من أميرة صقلية، هي وريثة العرش هناك، وكان إمبراطوريًا رومانيًا مقدسًا كما يقولون، خَلَفًا لأبيه، وقد تقدمت الترجمة له مفصلة في الحلقة الرابعة من هذه السلسلة المسماة (الاسْتِعْراب النُّورْمانِي تَسامُح أم نَفْعِيَّة؟).
[9] نقل الدكتور إحسان عباس في كتابه العرب في صقلية (ص149) عن بعض المصادر الأوروبية أن اللُّمْبارْدِيِّون النصارى في الجزيرة كادوا يُبِيْدون المسلمين في بَلِرْم، مستغلين قيام ثورة على مايون وزير وليام الأول، منتصف عام 1160م، وأعملوا فيهم القتل، إلا قليلًا منهم نَجَوا بأنفسهم، ولَجَؤوا إلى الغابات، والجبال؛ لتُخْفِيَهم عن أنظار النصارى، في حين لجأ آخرون إلى قلعة في جنوبي صِقِلِّيَّة، يسكُنها بعض إخوانهم في الدين.
وذكر (ص154،153) أن المسلمين ثاروا مرة أخرى بعد وفاة وليام الثاني سنة 1189م؛ لشِدِّة ما لَحِقَهم من أَذى، وما أرهقهم من إساءة، وراحوا يحتلون القلاع في الجبال، وعلى السواحل، حيث ارتكب النصارى مذابح كبيرة، راح ضحيتها العديد منهم، فثارت المعارك بينهم وبين المسلمين في الشوارع، وفاضت الدماء في المدينة، واعتصم من نجا من المسلمين بين الجبال، واستمرت ثورة المسلمين من نهاية 1189 إلى أكتوبر من سنة 1190، ثم عاد بعضهم إلى بيوتهم، وهاجر آخرون إلى إفريقية، وأما أهل الأرياف، فبقوا مُعْتَصمين في الجبال، وأعطيت أراضيهم للإقطاعيين المدنيين والدينيين،انتهى بتصرف.
وهذا يبين قيام عدة ثورات لاحقة في فترات زمنية تالية، وتاريخ الثورة الأخيرة متأخر عن ثورة ابن عباد حسب المصادر النصرانية بمائة عام، أو أزيد قليلًا، فربما يكون ظهور ابن عباد حسب روايات المصادر الإسلامية في تلك الفترة الأخيرة، لاسيما وقد ذكروا في الثورتين اللتين وقعتا في 1160م، و1189م أن المسلمين لجؤوا القلاع في الجبال، والسواحل، واحتلوها، بل ذكروا في الثورة الأولى كما مر أنهم لجأ بعضهم إلى قلعة في جنوبي صِقِلِّيَّة، يسكُنها بعض إخوانهم في الدين.
وقد يقوي هذا الاحتمال: أن الرجل الذي ثار عقب احتلال النورمان للجزيرة قد أسماه المؤرخ الأوروبي ملاترا باسم Benaver، وأن المستشرق الصقلي أماري كان يظنه رجلا مسلما آخر جاهد النورمان اسمه ابن بريدة، جاء ذكره في أشعار الشاعر ابن حمديس، الذي مدح جهاد أهل سرقوسة للنورمان، ثم عدل أماري عن ذلك، والظاهر أن الدكتور إحسان عباس تبعه في رأيه، مع العلم أن الدكتور إحسان عباس لما أنزل كلام مؤرخي النصارى على ابن عباد، قال: ولا تذكره المصادر العربية، وقال: ومن العجيب أن ابن حمديس لا يذكره، على شدة العلاقة بين قصائده وأعمال البطولة الأخيرة في سرقوسة. انظر: العرب في صقلية (ص131). فهذا كله مما يقوي الظن في خطأ من أنزل كلام المؤرخين الأوروبيين في المجاهد الذي قام بأمر الجهاد في صقلية زمان دخول النورمان على ابن عباد المتأخر عن ذلك بأزيد من قرن وربع، والله أعلم.
[10] وقع في بعض المصادر أن النورمان هم من قام بنقل نحو عشرين ألفًا من مُسْلِمي صِقِلِّيَّة إلى جنوبي إيطاليا، وهو خطأ. انظر: الأقليات الإسلامية في أوروبا لسيد عبد المجيد بكر (ص114،113).
[11] الروض المعطار في خبر الأقطار (ص514).
[12] هي مدينة لوشيرة Lucera الواقعة في إقليم بوليا بجنوبي إيطاليا. وانظر: تعليق إحسان عباس على الروض المعطار، وقد أحال على تعليقات المستشرق رتزيتانو على هذه المادة، وهو الذي نشر منتخبات من كتاب الروض المعطار خاصة بالجزر والبقاع الإيطالية، وطبعت بمجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة.
[13] هذا التعبير يطلق على إيطاليا، ويقال عنها أيضًا: الأرض الكبيرة، ويرد استخدامه أيضًا في حوادث الأندلس وما يتعلق بها من تواريخ في حق فرنسا، وربما استخدم في حق الجزء المتصل ببعضه اتصالًا كبيرًا من القارة الأوروبية، فلا تدخل فيه إسبانيا والبرتغال، ولا يدخل فيه البلاد الإسكندنافية، والله أعلم.
[14] قال إحسان عباس في الحاشية: يعني فردريك الثاني (الانبرور)، ثم أحال على مادة أنطالة Entella، قال: فإن ثورة ابن عَبَّاد كانت هي السبب في نقل هؤلاء المسلمين إلى لوجارة،انتهى. وقد استخرج المستشرق بروفنسال النص المذكور في مادة أنطالة عن ابن عباد، وابنته، وقيامها يالجهاد في وجه فريدريك، ونشره مترجمًا بمجلة Orienete Moderno 1954. وهو نَصٌ جدير بالتأمل والدراسة؛ رفعًا للهِمَم الخَسِيْسة.
[15] لا شك أن خروج المسلم من دار الكفر إلى دار الإسلام هو الخير والصلاح، وإن فقد شيئًا من مَتاع الدنيا، بل لو فقدها جميعًا، فرَعْيُ الإبل عند أهل الإيمان خَيْرٌ من رَعْيِ الخنازير.
[16] في نشرته لمنتخبات من كتاب الروض المعطار خاصة بالجزر والبقاع الإيطالية الذي طبعته مجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة، وعنه إحسان عباس في تعليقه على الموضع المذكور آنفًا من الروض المعطار، وكذا ذكر ذلك في مقدمة الكتاب (ص7).
[17] هو ملك صقلية شارل دي أنجو الثاني الذي انتزع الجزيرة من مانفريد ابن فردريك الثاني عام 1266 م بعد هزيمته عند بينيفنتو، وقتله، وكان شارل هذا قد أجبر المسلمين على التَّنَصُّر أو الرحيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:31 am


النَّشاط البَحْري الإسلامي في مياه البَحْر التيراني



صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في المِياه البَحْرِيَّة الإيطالية (3)



[صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (34)]



 

سبق أن ذكرنا عند الحديث عن مدينة نابولي[1] أن الأغالبة هاجموها سنة 837م، وعاودوا مُهاجمتها مرة أخرى فيما بين سنتي 856، 860م[2]، وأن الأغالبة قد دخلوا في حِلْف مع عدد من مدن ساحل إقليم كامبانياـ والتي لم تكن مُخْلَصة في الولاء للبيزنطيينـ ولاسيما نابولي؛ لاعتبارت سياسية، وتجارية سَبَق ذِكْرُها، مما أَدَّى إلى إضْعاف القوة البحرية البيزنطية في مياه البحر التيراني في تلك الفترة، بل وصل الأمر أن تُساعد سفنُ نابولي الأغالبةَ في السيطرة على مدينة ميسينا بصِقِلِّيَّة[3]، والتي كانت واقعة تحت السيطرة البيزنطية في عام 843م، وقد كان تحالف المسلمين مع نابولي سببًا في تَمْكِينهم من القيام بغارات على وسط إيطاليا، وجنوبها.[4]

 

ولكن نابولي تَخَلَّت عن تَحالُفها مع المسلمين، بعد اتِّخاذ المسلمين قواعد لأساطيلهم في سواحلها، هَدَّدَت أَمْنها، وتَعَرَّضَتْ لتجارتها[5]، فعَقَد دوق نابولي حِلْفًا مع المدن البحرية المجاورة، وهي: أمالفي، وجايتا، وسورينتو، واشتركت هذه المدن الأربعة في تكوين أسطول، هزم المسلمين في البحر التيراني، وأَجْبَرَهم على التَّخَلِّي عن مراكزهم في جزيرة بونزا، قرب نابولي، وفي ليكوزيا، إحدى رؤوس خليج ساليرنو.

 

ولكن بعدما وضعت نابولي، والمدن المجاورة لها حَدًّا لتَوَغُّل المسلمين في السواحل الإيطالية، عادت فاستأنفت تَوْثِيق علاقاتها بالمسلمين كما كانت، واستمرت كذلك لنحو عشرين سنة تالية، أو تزيد.[6]

 

وقد كان من أسباب نجاح المسلمين في مياه البحر التيراني: انشغال القسطنطينية بالمشاكل في أماكن أخرى؛ فقد حدثت إذ ذاك هجمات إسلامية على المراكز البيزنطية في كل من البَحْرَين: الأيوني، والأدرياتي[7]، فضلًا عما كان البيزنطيون يُعانون منه في الشَّرْق من مشاكل، وعلى الأَخَصِّ في مياه بحر إيجة المجاور لجزيرة كريت[8].

 

وقد تَحَرَّكَت في البحر التيراني قوة صغيرة، قوامها عشر سفن بحرية، بقيادة جورج حاكم قِلَّوْرِيَة، ولم تفعل شيئًا يستحق الذكر، بل ازداد ضغط المسلمين على هذا الشاطئ الإيطالي، وحدثت خلال عامي 868، 872م غارات إسلامية على مدينتي: جايتا، وسالرنو، والأملاك البابوية.[9]

 

وفي عام 880م: خَفَّ ضَغْط المسلمين مؤقتًا على البحر التيراني، وشواطئ إيطاليا الغربية، حينما ظهر أُسطول بيزنطي كبير في مياه صِقِلِّيَّة، قُدِّرَ له أن يَظْفَر ببعض النجاح، وهَدَّد هذا الأسطول طريق التجارة بين المسلمين وبين مدن جنوب إيطاليا، وفي حين استأنف الأسطول البيزنطي نشاطه الحربي في البحر التيراني في تلك الفترة، أَخْلَد مُسْلِمو صِقِلِّيَّة إلى السَّكِيْنة، والرُّكون. [10]

 

ولكن تلك الفترة القصيرة من اسْترخاء المسلمين لم تَدُم طويلًا؛ إذ أنزلوا بالأسطول البيزنطي هزيمة ساحقة، اضطرَّته أن يَعْقِد صُلْحًا مَهينًا في عام 895 م، أَفْقَدَه السَّيادة القصيرة الأَجَل، التي تَمَتَّع بها على مياه جزيرة صِقِلِّيَّة، وغرب إيطاليا.[11]

 

ولما سقطت دولة الأَغالِبة في شمال إفريقية، وقامت دولة العُبَيْدِيِّين، استطاع الإيطاليون الحصول على بعض الراحة والهدوء، بالرغم من ضعف بيزنطة الحربي برًا وبحرًا في ذلك الوقت، مستفيدين من نتائج فترة الاضطرابات المذكورة.[12]

 

لكن سرعان ما عادت الأمور إلى حالتها الأولى بعد استقرار الأمر للعُبَيْدِيِّين بشمال إفريقية؛ حيث هوجمت نابولي، وجَنَوَة، وغيرهما من المدن الإيطالية على البحر التيراني[13]، كما اتخذ العُبَيْدِيُّون لهم قواعد مُحَصَّنة في جَزِيْرَتي سَرْدانِيَة، وكورسيكا، فضلًا عن سيطرتهم على جزيرة صِقِلِّيَّة، مما أَكْسَبَهم يدًا طولى في البحر التيراني.[14]

 

ثم شهد ذلك البحر عصرًا ذهبيًا للسيطرة البحرية، بعد سيطرة الأمير المجاهد الصالح مُجاهِد العامِرِيِّ على جُزُر البليار، ومحاولته السيطرة على جزيرة سَرْدانِيَة، وتَتابُع غَزواته على سواحل جنوب فرنسا، وغَرْب إيطاليا، وشمالها الغربي، مما مَنَحه هَيْبَة كبيرة في عموم الحَوْض الغربي للبحر المتوسط.[15]

 

وكان عصر هذا الأمير المجاهد رحمه الله تعالى آخر عصور القوة في تلك المياه؛ حيث تراجع المسلمون بعد ذلك أمام ما قام من أَحْلاف نصرانية لمدن سواحل غرب إيطاليا، وفقدوا سيطرتهم على البحر التيراني، الذي كاد أن يكون في وقت من الأوقات بحيرة إسلامية.

 

وكان للدوافع الصليبية دورًا كبيرًا في تَأجيج تلك الأَحْلاف الصليبية لمدن غرب إيطاليا على المسلمين في القرن الحادي عشر الميلادي، علي العكس من البَنادِقة الذين تَغَلَّبَت عليهم رُوح الكَسْب، ولم يقوموا بما قام به أهل بيزة، وجَنَوَة من مُعاداة، ومواجهة حربية بينهم وبين الإسلام في البحر التيراني.




ولقد اندلعت في هذا البحر حَرْب مُتأججة بين الدِّيانتين وجهًا لوَجْه، وكانت كِفَّة الصِّراع في البداية لصالح المسلمين؛ حيث هاجموا بيزا سنة 935 م، وكذا سنة 1004 م، بقَصْد مَنْع مجهوداتها المحدودة الأولى في التَّوَسُّع الحربي هناك، لكن البيزيين أَصَرُّوا على التَّوَسُّع في الحرب، وهزموا في العام التالي الأُسطول الإسلامي في مَضِيق مسينا، فقام المسلمون بالانتقام منهم، عن طريق غَزْو وتدمير مِينائهم الحَصِين، لكن البيزنطيين عَزَموا على مُواصلة تلك الحرب الدينية، وكان ذلك بتحريض من الباباوات، وغرورًا وطمعًا في ثروة المسلمين، فقاموا مع الجَنَوِيِّين بمهاجمة سَرْدانية، ونجحوا في تَثْبيت أقدامهم هناك سنة 1015 م، وفي سنة 1034 م.

 

وقد شَجَّعهم نجاحهم هناك على التَّجَرُّؤ على مُهاجمة الساحل الإفريقي، وتَسَيَّدوا لبعض الوقت على مدينة بونة (عنابة)، وبدأ تُجَّارهم بعد ذلك بقليل يَرْتادُون صِقِلِّيَّة، فقام الأسطول البيزي في سنة 1052 م باقتحام مَدخل ميناء باليرمو، وتَحْطيم تَرْسانته؛ حِمايةً لهؤلاء التُّجَّار.

 

وتَحَوَّلَت منذ ذلك الوقت الدَّفَّة لصالح النصارى، ووُجِّهَت حَمْلة سنة 1087 م إلى المَهْدِيَّة بتونس، بقيادة أُسْقُف مودينا، وبمساعدة وعَون كبير من الكنيسة، فأَكْثَرَت من أعمال القتل، والتَّخْريب، والسَّلْب، وعادت مُفْتَخِرة بما نَهَبَتْه من ديار المسلمين، وزَيَّنَت بما سَلَبَتْه من رُخام، وحَرير، وغيره شوارعها، بل بَنَت كاتدرائية كبيرة في بيزا، زَيَّنَتْها بأشياء كثيرة من تلك الأَسْلاب.[16]





[1] الحلقة رقم (15).
[2] أَرَّخ ابن الأثير في الكامل (6/75) استئمان أهل نابلي الفَضْلَ بن جعفر الهمداني حينما بث سراياه سنة 228 هـ، وذكر ابن عذاري في البيان المغرب (1/194) أن صابر الفتى أمير القيروان للمهدي العُبَيْدِي قد غزا نابلي سنة 316 هـ، مُنطلقًا من صقلية. وتاريخ هجوم الفضل بن جعفر مقارب للتاريخ الميلادي المذكور أعلاه.
[size]
[3] تطل هذه المدينة على المضيق المسمى باسمها بين صقلية وإيطاليا.
[4] انظر: القوى البحرية والتجارية (ص218،217).
[/size]
[5] هذه الصياغة والتحليل لمؤلف نصراني ـ وهو أرشيبالد لويس ـ فلا غرو أن يلقي باللوم على المسلمين، ويعتبرهم من بدأ بنقض الحلف.
[size]
[6] انظر: المرجع السابق (ص216).
[7] انظر: المرجع السابق (ص214).
[8] انظر: المرجع السابق (ص223،222).
[9] انظر: المرجع السابق (ص219).
[10] انظر: المرجع السابق (ص220،219).
[11] انظر: المرجع السابق (ص221،220).
[12] انظر: المرجع السابق (221).
[13] سبق الحديث عن ذلك تفصيليا في الحلقات التي تناولت مدن أقاليم كمبانيا، وشمال غرب إيطاليا.
[14] انظر: أطلس تاريخ الإسلام (ص291).
[15] انظر فصلًا بعنوان المسلمون في البحر المتوسط من كتاب أطلس تاريخ الإسلام (ص285) وما بعدها.
[/size]
[16] انظر: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهنري بيرين (ص34،33).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:31 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (32)

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في المياه البَحْرِيَّة الإيطالية

مُقَدِّمة عن السَّيْطرة على حَوض البحر المتوسط

 
السيطرة الإسلامية على حَوْض البحر المتوسط بصفة عامة:
قال ابن خلدون[1]: كان المسلمون لعهدة الدولة الإسلامية قد غَلَبوا على هذا البحر من جميع جوانبه، وعَظُمَت صَوْلَتهم، وسلطانهم فيه، فلم يكن للأمم النصرانية قِبَلٌ بأساطيلهم بشيء من جوانبه، وامْتَطَوا ظَهْرَه للفتح سائر أيامهم، فكانت لهم المَقامات المَعْلومة من الفتح والغَنائم، ومَلَكوا سائر الجزائر المُنْقَطِعة عن السواحل فيه، مثل مَيُوْرْقة، ومَنُوْرَقة[2]، ويابسة، وسَرْدانِيَة، وصِقِلِّيَّة، وقَوْصرة، ومالِطة، وأَقْرِيْطِش[3] - وهي كريت - وقبرس، وسائر ممالك الروم، والإفرنج.

وكان أبو القاسم الشيعي وأبناؤه يُغْزُون أساطيلهم من المَهْدِيَّة جزيرة جَنَوَة، فتنقَلِب بالظَّفَر، والغَنيمة، وافتتح مُجاهِد العامِري صاحب دانِيَة من ملوك الطوائف جزيرة سَرْدانِيَة في أساطيله سنة خمس وأربعمائة، وارْتَجَعها النصارى لوقتها.

والمسلمون خلال ذلك كله قد تَغَلَّبوا على كثير من لُجَّة هذا البحر، وصارت أساطيلهم فيه جائِيَة، وذاهِبة، والعساكر الإسلامية تُجِيز البحر في الأساطيل من صِقِلِّيَّة إلى البَرِّ الكبير، المُقابِل لها من العُدْوَة الشَّمالية، فتُوْقِع بملوك الإفرنج، وتُثْخِن في مَمالكهم، كما وقع في أيام بني الحسين ملوك صِقِلِّيَّة، القائمين فيها بدعوة العُبَيْدِيِّين، وانحازت أُمم النَّصْرانية بأساطيلهم إلى الجانب الشمالي الشرقي منه، من سواحل الإفْرَنْجة، والصَّقالِبة[4]، وجَزائر الرُّومانية، لايَعْدونها، وأساطيل المسلمين قد ضربت عليهم ضراء الأسد على فَرِيْسَته، وقد ملأت الأكثر من بَسيط هذا البحر عُدَّة، وعَدَدًا، واخْتَلَفَت في طُرُقه سِلْمًا، وحَرْبًا، فلم تَظْهر للنصرانية فيه ألواح، حتى إذا أدرك الدولةَ العُبَيْدِيَّة، والأموية الفَشَل، والوَهَن، وطَرَقَها الاعْتِلال، مَدَّ النصارى أيديهم إلى جَزائر البحر الشرقية، مثل صِقِلِّيَّة، وأَقْرِيْطِش، ومالِطة، فمَلَكوها، ثم أَلَحُّوا على سواحل الشام في تلك الفترة، ومَلَكوا طرابلس، وعَسْقلان، وصور، وعكا، واستولوا على جميع الثُّغور بسواحل الشام، وغَلبَوا على بيت المقدس، وبَنَوا عليه كنيسة لمَظْهَر دينهم، وعبادتهم،انتهى.

وقد عَبَّر عن ظهور ذلك النفوذ الإسلامي البحري الكبير في البحر المتوسط هنري بيرين بقوله[5]: بُوْغِت هذا البحر - يعني المتوسط - بالدخول المُفاجئ للإسلام على مَسْرَحه خلال القَرْن السابع الميلادي، وبفُتوحاته على الجوانب الشرقية له، والجوانب الجنوبية والغربية لهذه البُحَيْرة الأوروبية الكُبرى، ووَضَعَت هذه الفُتوح ذلك البحر في وَضْع جديد تمامًا، وأَثَّرت نتائجها على مَجْري كل التاريخ اللَّاحِق، ومن الآن فصاعِدًا صار المُتَوَسِط عالقًا، بعد أن كان رابِطًا بين الشرق والغرب طوال القُرون العشرة الماضِيَّة[6].
 
وقال[7]: نستطيع القول: إن المِلاحة الغربية في البحر المتوسط انعدمت تمامًا بعد الامتداد الإسلامي على جوانبه.
 
وتحدث عن آثار ذلك الامتداد على الاقتصاد الأوروبي، فقال[8]: وكان إغلاق هذا البحر بسبب التوسع الإسلامي سببًا في توقف نشاطه بأسرع ما يكون خلال القرن السابع الميلادي، لقد أَدَّى تَوَقُّف التجارة في القرن الثامن إلى اختفاء التجار[9].

اعتناء المسلمين بصناعة السفن وشؤون البحر:
كان الأمويون في الأندلس قد أنشأوا خُطَّة أَشْغال البحر؛ للعناية بالشؤون البحرية، وأقاموا عيها قائدًا كبيرًا، يُسَمَّى صاحب أَشْغال البحر[10]، وقد حاكاهم العُبَيْدِيُّون بإنشاء ديوان الجهاد والعمائر في أيام المُعِزِّ العُبَيْدِي.
 
وكانت السُّفن التي يستخدمها المسلمون كثيرة، متنوعة الأشكال والأحجام[11]، وتدل كثرة أنواعها على اتساع صناعة السفن البحرية في البلاد الإسلامية في البحر المتوسط، وقد مهر المسلمون في بنائها، وقيادتها، واستخدامها في الحرب، وقد امتازت دار صناعة الرَّوْضة قرب الفسطاط بإنشاء أكبر السفن وأَمْتَنها، وأنشأ العُبَيْدِيُّون عقب سيطرتهم على مصر دارًا أخرى في المَقْس[12] - وهو ميناء على النيل في القاهرة - أصبحت فيما بعد دار الصناعة الرئيسية للأُسطول العُبَيْدِي.
 
ولقد عَرَف العُبَيْديون كيف يستفيدون من الإمكانات البحرية الكبيرة التي تتيحها بلاد المغرب لصاحب السلطان فيها، من السواحل الممتدة، ذات المواقع الكثيرة الصالحة لإنشاء الموانئ، وتَوَفُّر أخشاب السفن، والحديد اللازم لعملها، ثم وجود جماعات من أهل المهارة البحرية، والقدرة على ركوب البحار على سواحل المغرب كلها من بَرْقة إلى طَنْجَة، وكان هذا أكبر مُعين لهم على هذا النشاط البحري؛ لأن سكان سواحل المغرب كانوا من المُشْتَغِلين بالبحر من قديم الزمان، وكان لهم دُرْبة على ركوب البحر، وجُرْأة عليه.
 
وقد تَنَبَّه العُبَيْدِيُّون لأهمية السيطرة البحرية كوسيلة لحِماية أراضي الإسلام، التي كانوا يريدون أن يظهروا في صورة حُماتها دون العباسيين؛ ليكونوا أَجْدر منهم بالأَحَقِيَّة بالخلافة كما كانوا يَدَّعُون، وهو المُنْطَلَق الذي جعلهم يهتمون بمواجهة البيزنطيين، ورَدِّهم عن سواحل الإسلام، وجُزُره،  كما كانت السيطرة البحرية أساسًا للتجارة، ومًوردًا للمال، الذي كانت غاراتهم على موانئ أوروبا من أكبر مَوارده.[13]
 
ولقد كان ضياع السيطرة الإسلامية على البحر المتوسط، وتَسَلُّط أساطيل الروم، والبُنْدقِيَّة، وغيرهم من النصارى، من أكبر ما شَجَّع الصَّليبيين على القيام بعُدوانهم الصَّليبي على الشام، في أواخر القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي.[14]
 
اعتناء العُبَيْدِيِّين بإنشاء الموانئ وتَحْصين الجُزُر واتخاذ القواعد البحرية:
أنشأ العُبَيْدِيُّون العديد من الموانئ البحرية، وجَدَّدوا الكثير منها، وأنشؤوا فيها دُوْرًا لصناعة السُّفن، وقاموا بتَحْصين كل الجُزُر الصغيرة القريبة من سواحل إفريقية، والتي تكون سِتارًا يحمي هذه السواحل، واهْتَمُّوا بموانئ صِقِلِّيَّة، ومالِطة، واتخذوا لهم قواعد بحرية على سواحل سَرْدانِيَة، وكورسيكا، وحرصوا على تَقْوية القواعد البحرية على سواحل جنوب إيطاليا خاصة ميناء ريو في قِلَّوْرِيَة، ومينائي طارنت وبرانديزي في أبوليا.[15]




[1] تاريخ ابن خلدون (1/254).
[2] هكذا ضبطها ياقوت في معجم البلدان (5/216).
[3] من الممكن أن تُكْسَر الألف. انظر: المرجع السابق (1/236).
[4] الصقالبة هم جنس السلاف.
[5] تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية ترجمة الدكتور عطية القوصي (ص10). والنَّفَس الصليبي في الكتاب عالٍ، وترجمة الكتاب رديئة ركيكة، وهناك بعض مواضع خلط فيها المؤلف نفسه خلطًا لا يتلاءم مع منزلة الكتاب.
[6] مقصود هنري بيرين من ذلك: أن الغلبة في البحر المتوسط لما كانت للإمبراطورية الرومانية قبل الانقسام، ثم للبيزنطيين في الشرق والرومان في الغرب، ثم للبيزنطيين وحلفائهم في أغلب البحر، حتى ظهور القوة الإسلامية كان البحر حلقة وصل بين الشرق والغرب، ولم تكن ثمة صراعات تدور فيه، تعطل التجارة البحرية، وليس هذا صحيحًا؛ فقد كانت الصراعات بين النصارى أنفسهم في البحر كبيرة، ويكفي أن نتذكر الصراع الدائر بين الإمبراطورية الرومانية الغربية، وحلفائها القدامى من الواندال، حكام شمال إفريقية، الذين لم يكتفوا بالاستقلال عنها، حتى هاجموها في عقر دارها.
[7] المرجع السابق (ص12).
[8] المرجع السابق (ص13).
[9] وهذا الكلام أيضًا لا يخلو من مبالغة، فلو أراد توقف التجارة أوروبية كانت أو غيرها، فهو كذب محض، ولو قصد توقف التجارة الأوروبية؛ لما خلا كلامه من إفراط، فإن المسلمين لم يكونوا يمنعون التجار من العبور إذا التزموا بدفع ما عليهم، إلا إن قصد أن التجارة الأوروبية تتسم بالوقوف والركود إذا لم تكن تحت سيطرة بحرية نصرانية. وقد تحدث بيرين (ص14،13) عقب كلامه المذكور عن التدهور الاقتصادي زمن الكارولنجيين، حتى في أيام شارلمان نفسه؛ كنتيجة حتمية لتوقف النشاط البحري، أو ضعفه الشديد.
وكان قد قال (ص11) قبل ذلك: وبالرغم من أن الكارولنجيين قد أوقفوا المد الإسلامي شمال جبال البرانس، إلا أنهم لم يستطيعوا إدراك عجزهم، ولم يجربوا استرجاع البحر من المسلمين.
[10] تحدث رينو عن إنشاء الأساطيل الإسلامية، والعناية بها في الأندلس.انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص139) نقلًا عنه.
[11] ذكر المؤرخون الأوروبيون أنه كان للمسلمين لذلك العهد بارجة متناهية في الكبر، يظنها الرائي من بعيد سورًا عاليًا سائرًا في البحر، غزت مرة جزيرة أوي في بريطانيا عند مصب نهر اللوار، لكن لم نعلم من آثارها شيئًا غير هذا. انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص149)، ودولة الإسلام في الأندلس لمحمد عبد الله عنان (ص466).
[12] هكذا ضبطه ياقوت في معجم البلدان (5/175).
[13] انظر: أطلس تاريخ الإسلام لحسين مؤنس (ص291).
[14] انظر: المرجع السابق (ص292).
[15] انظر: المرجع السابق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:32 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (33)

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في المِياه البَحْرِيَّة الإيطالية (2)

النَّشاط البَحْري الإسلامي في مياه البَحْر الأدرياتي



 
يقول هنري بيرين: لقد كانت البُنْدقِيَّة آنذاك قوة بحرية عَظْمى، ونجحت قبل عام 1100 م، واستطاعت أن تُطَهِّر الجزء الدِّلماشي - البَلْقانِي - من الأدرياتيك من قَراصِنة البحر، الذين كانوا منتشرين هناك، وأن تُحْكِم قَبْضَتها على كل ساحل البحر الشرقي، ذلك الجزء الذي اعتبرته ضِمْن نِطاقها، وظَلَّ كذلك لعِدَّة قُرون، ولكي تُحافظ على السيطرة على مَداخلها إلى البحر المتوسط، ساعدت سنة 1002 م الأُسطول البيزنطي في طَرْد المسلمين من جزيرة باري،انتهى.[1]

والظاهر أنه يقصد إخراج الكَلْبِيِّين من باري؛ لأن المعروف عن إخراج البيزنطيين وحُلفائهم من البَنادقة، وغيرهم للمسلمين من باري أنه كان مُتقدمًا على ذلك التاريخ بمُدَّة كبيرة؛ حيث كان في تاريخ 876 م[2]، لكن القول بتَحالًف البنَادِقة مع البيزنطيين، لإخراج المسلمين من باري للمرة الثانية يحتاج إلى إثبات تاريخي، ولعله قَصَد إخراجهم من قاعدة بحرية بإزاء مدينة باري؛ حيث عَبَّر عنها بالجزيرة، وهو تعبير لا يستخدمه المؤرخون الأوربيون - وكذلك غيرهم - المعاصرون سوى في حَقِّ الأرض التي تُحيط بها المياه من جميع جوانبها.

ومن وجهة نَظَر أرشيبالد لويس؛ فإن المسلمين قد أَحْرَزوا في البَحْرَيْن: الأدرياتي، والأيوني من النجاح ما لم يُحْرِوزا مَثيله في البحر التيراني[3]، وهذا بخلاف رؤية هنري بيرين[4]، الذي بَلَغ من رَغْبَته في إظهار مدى تَحَكُّم المسلمين في مياه البحر التيراني في فترة من الفترات إلى أن وَصَفه ببُحَيْرَة إسلامية، وكَرَّر هذا الوَصْف في موضع آخر[5]، ورأى - على النقيض من رَأْي أرشبيالد - أن الأساطيل البحرية البيزنطية قد استطاعت بمُعاونة حُلَفائها صَدِّ الهجوم الإسلامي على مياه البحر الأدرياتي.[6]
 
والظاهر أن كلام أرشيبالد هو الصحيح، وقد بَرَّهَن على ذلك بقوله[7]: كان من نتائج انهزام البُنْدقِيَّة[8]، وتأسيس حكومة إسلامية جديدة في باري - وهي مُطِلَّة على البحر الأدرياتي - واستيلاء مُسٍلمي كريت على طارنت حوالي ذلك الوقت - أي ما بين عامي 838 -841 م - أن تَعَرَّض البحر الأدرياتي لغارات الأساطيل العربية؛ ففي سنة 841 م ذاتها بدأت هذه الأساطيل غَزواتها بالاستيلاء على مدينتي أنكونا، وأوزيرو بجزيرة كرسو، وإحراقها، كما استولت في طريق عودتها إلى بلادها على عدد من سفن البُنْدِقِيَّة التجارية العائدة من صِقِلِّيَّة، ثم عاودوا الكَرَّة في العام التالي على شمال البحر الأدرياتي، وهزموا أسطولًا بحريًا للبُنْدقية في مياه خليج كوارنيرو.
 
وقد أقام المسلمون في مدينة باري، وغيرها من مدن شاطئ البحر الأدرياتي قواعد بحريةقوية، مَكَّنَتْهم من القيام بغارات على وسط إيطاليا، وجنوبها، حيث كانوا يُوْغِلون بعيدًا في غاراتهم الداخلية، مُنْطَلِقين من تلك المَواقِع الحَصينة على الشواطئ[9].

ولم تستطع البُنْدقية والقسطنطينية أن تَعْملا في البحار الإيطالية بعد ذلك إلا في عام 867 م؛ حيث انتصرت البُنْدقِيَّة على المسلمين في البحر تجاه مدينة طارنت، المُطِلَّة على البحر الأيوني، والذي يُمَثِّل حَلَقة وَصْل بين البَحْرَيْن[10].
 
ولا شك أن استيلاء البيزنطيين وحلفائهم من البَنادِقة، وغيرهم على أوترانتو عام 873، وباري عام 876 م قد مَنَحَهم السيطرة على مياه البحر الأدرياتي، إلا أنه لم يُوْقِف التَّحَرُّك البحري الإسلامي فيه بصورة كاملة؛ فقد حدثت غارة إسلامية كبيرة على شمال البحر الأدرياتي، تُعَدُّ الأخيرة من نوعها، وذلك حين أَغار أُسْطول إسلامي على البُنْدقية في عام 875 م، وأَحْرَق ميناء كوماتشو، الواقع على مَصَبِّ نهر البو.
 
وكان انطلاق هذا الأُسْطول على الأرجح من القاعدة البحرية الإسلامية المُحَصَّنة بمدينة طارنت، وهو ما يُمَثِّل صورة من صور السيطرة الإسلامية على مياه البحر الأيوني، ويُظْهِر تأثير تلك السيطرة على مَسار الأمور في البحر الأدرياتي[11].
 
وأما في العصر العثماني؛ فقد كان لاستيلاء العثمانيين على أكثر بلاد البَلْقان، الواقعة شرق البحر الأدرياتي دورًا بارزًا في تَمْكين أَساطيلهم من مُزاحمة أساطيل جمهورية البندقية البحرية الكبرى بمياهه، وتَبادُل الصَّوْلة عليه.
 
فُتُور بين نَشاطَيْن:
شهدت حركة المسلمين في البحرين: التيراني، والأدرياتي فترة فُتُور، لم يتحرك فيها المسلمون ضد جيرانهم النصارى إلا حركات طفيفة جدًا، عَقِب الحَمْلة التي أرسلها البيزنطيون في صِقِلِّيَّة قرب بَلِرم عام 848 م، ولعل هذا يرجع إلى ما وقع من صراع بحري بين مُسْلِمي جزيرة كريت من الرَّبَضِيِّين، ومُسْلِمي جزيرة صِقِلِّيَّة من الأغالبة، ثم انتهت فترة الهدوء النِّسْبي المذكورة عندما حاقَت الهزيمة بأسطول بيزنطي، مُكَوَّن من أربعين سفينة تجاه ساحل إقليم أبوليا، وسقطت مدينة شلفودة بصِقِلِّيَّة في يد بَلِرم بعد مهاجمتها بَرَّا، وبحرًا[12].




[1] تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهنري بيرين، ترجمة الدكتور عطية القوصي (ص26).
[2] انظر: القوى البحرية والتجارية لأرشيبالد لويس (ص219،218).
[3] انظر: المرجع السابق (ص215).
[4] انظر: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى (ص23).
[5] انظر: المرجع السابق (ص34).
[6] غالى هنري بيرين في (ص10) في دور البيزنطيين في التصدي البحري للمسلمين، فقال: وإذا كانت الإمبراطورية البيزنطية بسبب أسطولها الحربي قد نجحت في دفع اللطمة الإسلامية عن بحر إيجه، والأدرياتيك، وعن سواحل إيطاليا الجنوبية، وعن البحر التيراني؛ ثأرًا من المسلمين، وكل ما استطاع أن يستخلصه منهم، إلا أنها بالنسبة لإفريقية وإسبانيا؛ فإنها اكتفت بتطويقها من الجنوب والغرب، وفي نفس الوقت وضعت يدها على جزر البليار، وكورسيكا، وسردينيا، وصقلية، وجعلتهم قواعد لأسطولها في هذا البحر، الأمر الذي أعاد إليها سيادتها عليه، ومع مطلع القرن الثامن الميلادي، عادت التجارة الأوروبية إلى هذا المربع البحري الكبير، وبقيت الحركة الاقتصادية باتجاه بغداد حركة شرقية، ولقد قال ابن خلدون عن ذلك متأثرًا: لم يعد في استطاعة لوح خشب واحد للمسلمين أن يطفو على مياه هذا البحر،انتهى.
وزعمه أن بيزنطة وضعت يدها على كل هذه الجزر التي ذكرها غير صحيح، بل سيطر الحلف البيزي الجنوي على سردينيا، وكورسيكا، وسيطرت ملكة أراجون على جزر البليار، وسيطر النورمان على صقلية.
[7] القوى البحرية والتجارية (ص216،215).
[8] كانت البندقية قد انهزمت أمام أسطول إسلامي في فترة مبكرة في حوالي عام 840 م، ولم تستطع أن تنتقم من هزيمتها إلا بعد ما يزيد على ربع القرن بمعاونة البيزنطيين في الهجوم على باري.
[9] انظر المرجع السابق (ص218).
[10]الموضع السابق.
[11] انظر: المرجع السابق (ص219،218).
[12] انظر: المرجع السابق (ص216 ،217).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:33 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (22)



جَنَوَة:
تقع مدينة جَنَوَة[1] بشمال غرب إيطاليا، وهي عاصمة إقليم ليغوريا الإيطالي، وتُطِلُّ على الخَليج المُسَمَّى باسمها، والمَفْتُوح بدَوْرِه على البَحْر التِّيْراني[2].
 
تاريخ غزوات المسلمين وفتوحاتهم لمدينة جَنَوَة:
لقد كان اصطدام المسلمين بأهل جَنَوَة في البحر مبكرًا جدًا؛ فقد ذكر المسيو رينو[3] أن المسلمين لما اكتسحوا جزيرة كورسيكة في سنة 806 م، كان بيبين بن شارلمان مَلِكًا على إيطاليا حينئذ، فأرسل أُسطولًا لمُطارَدَتهم[4]، فلما شَعَر المسلمون بدُنُوِّ أُسْطُول النَّصارى، انسحبوا إلى الوراء، فطَمِع فيهم آدمر، كونت جَنَوَة، وتَعَقَّبَهم بأُسْطول، فرجعوا إليه، وقتلوه، وهزموا أُسْطُوله، وأَسَروا ستين راهبًا، وباعوهم في الأندلس، وبلغ ذلك شارلمان، ففَكَّهُم من الأَسْر بفِدْيَة أدَّاها عنهم.
 
وواضح من هذه الرواية أن الغُزاة المسلمين في تلك الأحداث كانوا من أهل الأندلس، الذين كانت علاقتهم بمملكة الفِرَنْجَة في ذلك الوقت علاقة عَسْكَرِيَّة مَحْضَة، يتبادل الطرفان فيها الهجوم والدفاع، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يُشْتَرَط أن يكون المُهاجِمون المذكورون جيشًا نِظاميًا.
 
ونقل رينو عن تاريخ كورسيكا لمؤلفه جاكوبي: أن المسلمين غَزَوا كورسيكا سنة 813 م مرة أخرى، فأَسَروا، وغَنموا، وبينما هم راجعون، أَكْمَن لهم كونت أمبورياس، بقرب مدينة برينيان قوة بحرية، غَنِمَت منهم ثمانية مراكب، كان فيها أكثر من خمسمائة أسير، فانتقم المسلمون عن ذلك باجتياح سواحل نيس، وبروفنس، وسيفيتة فكشيا بقرب رومة[5].
 
وبالرغم من كون مدينة نيس تقع اليوم في أقصى جنوب شرق فرنسا، بالقرب من حدود إيطاليا، بين مارسيليا وجنوة، ويقع إقليم البروفنس - وبه مدينة مارسيليا - في جنوب فرنسا، إلا أن هاتان المنطقتان المتلاصقتان: الشمالية الغربية من إيطاليا، والجنوبية الشرقية من فرنسا، كانتا متشابكتان جدًا، جُغرافيًا، وسياسيًا، وسكانيًا لفترات تاريخية طويلة، وكانتا جميعًا في ذلك الوقت تابعتين لمملكة شارلمان الفِرَنْجِي، وأبنائه من ملوك الكارولنجيين[6].
 
وقد كان للقَراصِنة - إن سَلَّمْنا بوصفهم بذلك الوَصْف - نَصِيب في الهجوم على تلك المدن السَّاحلية في الربع الأول من القرن التاسع؛ فقد ذكر رينو[7] أن قَراصِنة إفريقية، والأندلس كانوا يَغْدُون، ويَرُوْحون في سواحل فرنسا، وإيطاليا، في الوقت الذي كان قَراصِنة النُّورمان - وهم الفايكنجز - يَعِيثون في سواحل فرنسا، وألمانيا، وإنكلترا، وإسبانية.
 
بل زعم مُؤرِّخوا النصارى أن قَراصِنة المسلمين - كما يُسَمُّونهم - قد تحالفوا مع قَراصِنة النورمان؛ لغَزْو سواحل جنوب أوروبا.
 
وقد أرسل بونيفاس أمير جزيرة كورسيكة - وهي مُقابِلَة لجَنَوَة - مراكب إلى إفريقية، فاجْتاحت ساحل قرطاجنة؛ للأَخْذ بالثأر من الهجوم المُتَكرر على بلاده[8].
 
ومن الجدير بالذكر: أن الوصف بالقرصنة لا يلزم منه كونهم مجموعة من قُطَّاع الطرق كما هو متبادر إلى الذهن؛ فإن المصادر الأوروبية قد دَأَبَت على إطلاق ذلك الوصف على من يقوم بعمليات الهجوم على السواحل، والمدن الأوروبية، وحيازة المغانم منها، إن لم يكن مرسلًا للغزو من قبل حاكم على قطر إسلامي، بل كان يصفون الأخير بالقرصنة أيضًا أحيانًا.
 
وليس ذلك على إطلاقه؛ لكون بعض المسلمين كانوا يقومون بما يعتقدونه غزوًا في سبيل الله بصورة فَرْدِيَّة، طالما لم يكن البلد المَغْزو له عهد وأمان مع المسلمين، لا أنهم قد احترفوا قَطْع الطريق، والسَّلْب والنَّهْب، حتى يوصفوا بما اصْطُلِح على تسميته بالقَرْصَنة. وقد اعتبر أرشيبالد لويس[9] أن الدافع الرئيس لاحتراف مدينتي بيزا وجنوة المغامرة البحرية، كان مغانم القرصنة، لا التجارة، فلذلك الغرض احترفتا - أي بيزا وجنوة - القرصنة، ونهب التجارة الإسلامية، ومدن المسلمين الساحلية على حد تعبيره.




[1] هكذا ضبطها الزبيدي في تاج العروس (37/381)، ولكنه أخطأ في تحديد موضعها، فذكر أنها مدينة بالأندلس. وقال القلقشندي في صبح الأعشى (5/383،382): مَمْلَكة الجَنَوِيِّين، وهم طائفة من الفرنج مشهورة أيضًا، وقاعدة مَمْلَكَتِهم مدينة جَنَوَة، قال في تقويم البلدان: بفتح الجيم، والنون، والواو، ثم هاء في الآخر، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، ثم نقل عن ابن سعيد وصفه لها، ومنه قوله: وهي على غربي جون عظيم من البحر الرومي، والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشمال، وهي غربي بلاد البيازنة - الظاهر أنه يقصد بيزا - ثم نقل قول الإدريسي: وبها جنات وأودية، وبها مَرْسَى جيد مأمون، ومَدْخله من الغرب، ثم نقل عن تقويم البلدان قوله: وعن بعض أهلها: أنها في ذيل جبل عظيم، وهي على حافَّة البحر، وميناها عليها سور، وأنها مدينة كبيرة إلى الغاية، وفيها أنواع الفواكه، ودُوْر أهلها عظيمة، كل دار بمنزلة قلعة؛ ولذلك اغْتَنَوا عن عمل سور عليها، ولها عيون ماء، منها شُرْبُهم، وشُرْبُبساتينهم، ثم نقل قول المؤيد صاحب حماة في تاريخه: ولها بلاد كثيرة،انتهى. وما نقله عن الإدريسي، وابن سعيد في هذا لا يوجد في المتوفر من نسخ الكتابين.
[2] قال الإدريسي في نزهة المشتاق: مدينة جَنَوَة: قديمة، أَزَلِيَّة البناء، حَسَنة الجهات والأفناء، بنيانها شاهق السُّمو، وهي وافرة الثمر، كثيرة المزارع والقرى والعمارات، وهي على قرب نهر صغير، وأهلها تجار أملئاء مياسير، يسافرون برًا وبحرًا، ويقتحمون سهلًا ووعرًا، ولهم أسطول مخيف، ولهم معرفة بالحيل الحربية، والآلات السلطانية، ولهم بين الروم عِزَّة أنفس. وعنه الحميري في الروض المعطار (ص173).
وقال ابن الوردي في خريدة العجائب (ص62): أرض الجَنَوِيَّة: وهي أرض واسعة، وبها مدن، وبلادهم غربي قسطنطينية، على بحر الروم - أي البحر المتوسط - ومن مدنهم المشهورة: جَنَوَة، وهي مدينة حَصينة، ذات أسوار، وأبواب حديد، وبها أمم عظيمة لا تُحْصَى. وانظر كذلك: تاريخ ابن الوردي (1/80).
[3] نقله عنه شكيب أرسلان في تاريخ غزوات العرب (ص140).
[4] كان الشَّمال الإيطالي بأسره تابعًا لمملكة شارلمان، وكانت جزر الحوض الغربي للبحر المتوسط: سردانية، وكورسيكا، وجزر البليار قد وضعت نفسها تحت حماية شارلمان؛ لكثرة تعرضها للغزو الإسلامي. انظر: تاريخ غزوات العرب (ص139).
[5] انظر: الموضع السابق من المرجع السابق.
[6] لقد تكونت في بروفانس provence فيما بعد مملكة مستقلة، لها ملوك، ثم أكناد- جمع كوند أو كونت وهو لقب لبعض حكام مقاطعات أوروبا في العصور الوسطى وكانوا دون الملوك في مجال سيطرتهم - ثم استلحقها الفرنسيون في زمان شارل الثامن، وهي الآن تشتمل على بلد الألب السفلى، ومصاب نهر الرون، ومقاطعة الفار، وفوكلوز.
[7] نفس المصدر (ص149)، ولم يحدد أعوامًا بعينها، وإنما كان قد ذكر حوادث وقعت في سنة 826 م، ثم ذكر أكثر من حادث بدون تحديد تاريخ، وإنما كان يحيل على نفس الوقت، أو الفترة الزمنية فحسب.
[8] انظر: الموضع السابق.
[9] انظر: (ص323) من كتابه القوى البحرية والتجارية؛ فإنها تنبئ عن كون هذا الوصف لا يلزم منه عند المؤرخين الأوروبيين ذَّم، وقَدْح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:34 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (23)

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في جَنَوَة وشمال غرب إيطالية في القرن الثالث الهجري (2)


كان الإمبراطور شارلمان الفرنجي يشعر بخطر شديد من غزوات المسلمين على سواحله البحرية، ويحاول أن يبذل جهده لوقفها، أو الحَدِّ منها.


يقول المسيو رينو: رأى الإمبراطور شارلمان أن الخطر قد ازداد على بلاده، وأن لا بد له من تدابير بالغة في الشدة؛ لرَدِّ غارات المسلمين البحرية، وقد كانت إمارة الأغالبة في إفريقية تابعة للخلافة العباسية في بغداد، فكان أمير القيروان مدة خلافة هارون الرشيد يتحامى سواحل مملكة شارلمان؛ حُرمةً للعهد الذي كان بين هارون والإمبراطور[1].

ولكن عندما مات الرشيد سنة 809، ووقعت الحرب بين ولديه الأمين والمأمون، تَفَصَّى الأمير الأغلبي من ذلك العهد، وصارت مراسي تونس، وسوسة بؤرة قُرصان، تنبث منها الغارات البحرية.


وقيل: إن أمير صِقِلِّيَّة كان يشكو إلى رسول قادم من عند الأغالبة عَيْث القرصان في سواحله، فأجابه الرسول: نعم، منذ مات أمير المؤمنين، صار الذين كانوا عبيدًا يريدون أن يكونوا أحرارًا، والذين كانوا أحرارًا ولكنهم فقراء، يريدون أن يكونوا أحرارًا أغنياء.


وكان القرصان أكثر ما يتعرضون للسفن التي تتردد بالبضائع بين فرنسة وإيطالية من جهة، ومصر والشام وآسيا الصغرى من أخرى، وكان قد انضم إلى قرصان المسلمين قرصان النورمانديين، وأخذوا جميعًا يَعِيثون في السواحل الجنوبية، فأمر شارلمان ببناء الأبراج والحصون في السواحل، وعند مَصابِّ الأنهار، وأنشأ الأساطيل لدفع عَوادي القرصان، وجميع هذه الروايات جاءت في مجموعة الدون بوكه.


ولما طالت هذه المُساجَلات البحرية، وتعب منها الفريقان، داخل بعضهم بعضًا في عقد معاهدة سلم، تأمن بها السفن البحرية غَوائل مُتَلَصِّصة البحر؛ ففي سنة 810 انعقدت أول مُتارَكة - أي معاهدة مسالمة - ثم تجددت بعد سنتين، وجاء رسول من الأندلس - يرجح أنه يحيى بن حكم أمير الماء في الأندلس - قاصدًا اكسلاشابل، وعقد معاهدة مع شارلمان لثلاث سنوات، ولكن المسلمين نقضوها هذه المرة - وهذا تعبير رينو اعتمادًا على المصادر الأوروبية - لأنهم سنة 813 نزلوا في جزيرة كورسيكة، وتقدم عبد الرحمن بن أمير قرطبة إلى حدود فرنسا بجيشه.


ثم ذكر رينو وفاة شارلمان سنة 814، قال: وخَلَفَه ابنه لويس الحليم، وسار على أَثَره في السياسة، ولكن في أيامه اسْتَفْحَلَت غزوات المسلمين البحرية، انتهى.


غَزْو الأَغالِبة لجَنَوَة:
قال عبد العزيز الثَّعالبي رحمه الله تعالى: قَلَّد أبو الغَرانيق، محمد الثاني ابن أحمد بن محمد بن الأغلب خفاجةَ[2] الولاية على إيطاليا، وأخرجه في سنة إحدى وخمسين ومائتين لفتح جَنَوَة، ففتحها، وتَقَّدم إلى جبال الألب، واستمر فاتحًا إلى نهاية السنة التالية لها.


ثم سَيَّرت بيزنطة في سنة ثلاث وخمسين ومائتين أُسطولًا ضخمًا؛ لمحاربة المسلمين في شُطوط أوروبا الجنوبية، ومَنْع جَحافلهم من التَّقَدُّم في فرنسا، فواقَعَه خفاجة على شواطئ جَنَوَة، وسركوسة، وألحق بهم خسارة عظيمة.[b][3][/b]

وقال الثَّعالبي رحمه الله تعالى: وفي عهد إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب، قَلَّد الحسنَ بن رباح ولاية جنوبي أوروبا، ونَهَدَه إلى الغزو فيما يليها، فتقدم إلى مرسيلية، وفتح البروفانس، فاستنجدت فرنسا بالدولة البيزنطية، فسَيَّرَت لها أسطولاً مؤلَفًا من 140 مركبًا، فتَلَقَّاه الأُسطول الإفريقي في عَرْض البحر الرُّومي، فدارت بينهما معركة مَهولة، كان الفوز فيها للبيزنطيين، بعد أن تَحَطَّمت شَوانيهم، والتجأت بقايا الأسطول الإفريقي إلى بليرم، لكن الجيوش الإسلامية كانت تتوَغَّل في فرنسا، واستمرت على ذلك من سنة 266إلى سنة 272، فمَلَكَت بعض شواطئ الرون، واحتلت كولونيا، غير أن عَيْن البيزنطيين لم تَنَم عن هذه الفواجع، فأعادوا كَرَّة حَمْلَتهم البحرية، وحاولوا في هذه المرة قطع خطوط الاتصال بين جنوبي أوروبا وشمالي إفريقية، فاحْتَلَّ أسطولهم مدينة سبرية، فقاومهم المسلمون مقاومة عنيفة، مَنَعَتْهُم من التَّقَدُّم.


وفي سنة 275جهزت إفريقيا أسطولًا عظيمًا؛ لتَعَقُّب أسطول البيزنطيين، وشَلِّ حركتهم عن التقدم في الشُّطُوط، ولم يلبث أن اشتبك بالعدو، وضربه الضربة الحاسمة، ومَكَّن سيادة المسلمين في إيطاليا، وجانب من فرنسا.[b][4][/b]


وقد ذكر المسيو رينو - نقلًا عن المصادر التاريخية الأوروبية في العصور الوسطى- وقوع غَزْوٍ إسلاميٍ لجَنَوَة، يبدو من تأريخه له بالتاريخ الميلادي، أنه سابق على ما ذكره الثعالبي رحمه الله تعالى من غَزْوها على يد خفاجة بن سفيان؛ فقد نقل[5] عن مجموعة البولنديين، وتاريخ مدينة نيس للمسيو لويس دورنت، ومخطوط لمؤلف اسمه أغيو فريدو، محفوظ في مكتبة تورينو: أن المسلمين لما غَزَوا روما في سنة 846 م[b][6]، قاموا أيضًا بغزو جَنَوَة ـ والظاهر من كلامه أنه يقصد أن غزوها كان في نفس العام - وعَطَّلُوا سُدود نَهْرِها[7]، فنَفَر الأهالي، وقاتلوهم، وحَمَل الرُّهْبان، والقِسِّيْسُون السِّلاح.[/b]


ولا شك في أن تعويل المستشرقين على المصادر الأوروربية القديمة، ذات الطابع الكنسي، له دور كبير في محاولة إضْفاء صفة اللُّصُوصِيَّة على الغُزاة المسلمين، والبطولة المزعومة على قساوسة النصارى ورهبانهم، وقد سبق أن ذكرنا ذلك فيما مضى، وأعدناه هنا للأهمية البالغة.


ثم نقل رينو عن مجموعة الدون بوكة[b][8]: أن المسلمين عادوا في سنة 848 م، فغَزَوا مرسيلية، وجميع الساحل إلى جَنَوَة، وكان الملك بيبين شابًا في ذلك الوقت[9]، وكان في حَرْب مع عَمِّه شارل الثاني المُلَقَّب بالأَصْلع، فطلب الملك بيبين مساعدة المسلمين له.[/b]
 



[1] ما ذكره رينو من علاقات ودية بين هارون وشارلمان محل نظر؛ فقد تعقب هو نفسه الأخبار التي نقلها عن مجموعة الدون بوكة بخصوص تلك العلاقات المزعومة بقوله: إن مؤرخي العرب لم يذكروا شيئًا من أخبار هذه العلاقات بين هارون الرشيد وشارلمان، وإنما ذكروا تبادل رسائل بين بيبين القصير - وهو والد شارلمان - والمنصور العباسي، وبين الملك لويس الحليم وبين المأمون،انتهى. قال شكيب أرسلان تعليقًا: وأما المسيو بوكفيل؛ فقد ذهب إلى كون هذه الأخبار كلها غير صحيحة. انظر: تاريخ غزوات العرب هامش (ص133).
ومن ثم؛ فإن ما نقله شكيب أرسلان في المصدر نفسه من قول رينو (ص116) عند حديثه عن غارات العرب على فرنسا: وكان الخلفاء العباسيون يعاملون الدولة الإفرنسية أحسن معاملة، ويتبادلون وإياها التحف والألطاف، وإن كان قد وجد من عمالهم في إفريقية من يشن الغارات على سواحلنا في الأحايين، فما ذاك إلا لتباعد المسافات بين أولئك العمال وبين مركز الخلافة العباسية،انتهى. لا يستقيم إطلاقه، والله أعلم.
[2] هو خفاجة بن سفيان، ولاه أبو الغَرانيق الأغلبي إمرة صقلية سنة ثمان وأربعين ومائتين، وكانت له غزوات كثيرة، ذكرها ابن الأثير في الكامل (6/143ـ145)، وابن خلدون (4/203،202) إلى أن قُتِل في سنة خمس وخمسين ومائتين، اغتاله رجل من عَسْكَره، وحُمِل خفاجة إلى بلرم، فدُفِن بها، ووَلَّى الناس عليهم بعده ابنه محمدًا، وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد بن أحمد الأغلبي أمير إفريقية، فأَقَرَّه على الولاية، وسَيَّر له العهد والخِلَع. وانظر كذلك: تاريخ ابن الوردي (1/220)
ومن الجدير بالذكر أن المصادر المذكورة ليس فيها ذكر لغزو خفاجة لجَنَوَة، وإنما ذكروا غزواته في جزيرة صقلية، وقد أوردنا الكلام المذكور نقلًا عن الثعالبي، والعُهْدة عليه، والله أعلم بصحة مصادره في ذلك، ولم يتعقبه شكيب أرسلان في شيء مما نقله عنه، بل أثنى (ص296) على بحثه عن مغازي العرب في أوروبا وجزر البحر المتوسط في الجملة، ولعل ما ذكره المسيو رينو مما نقلناه بعده  يُعَضِّد كلامه، وإن كان ثم فارق في التاريخ ستأتي الإشارة إليه إن شاء لله تعالى.
[3] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص298).
[4] انظر: المرجع السابق (ص299،298).
[5] انظر: المرجع السابق (ص152ـ ص155).
[6] وقد مر ذكر هذا عند الحديث عن غزو المسلمين لروما والأملاك البابوية.
[7] عَبَّر عن ذلك هنري بيرين بالإغارة على نهر جنوة في كتابه تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية (ص11).
[8] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص156).
[9] الظاهر أنه يقصد به بيبين الثالث؛ فإن بيبين الثاني كان حاكمًا على إيطاليا في أيام أبيه شارلمان، وقد تقدم نقلًا عن رينو نفسه أنه كان حاكمًا عليها سنة 806 م، أي قبل التاريخ الذي المذكور أعلاه باثنين وأربعين عامًا، فلا يمكن أن يكون شابًا بعد مضي أكثر من اثنين وأربعين عامًا من حكمه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:34 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (20)

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في روما والأَمْلاك البابَوِيَّة (1)



ما أكثر صفحات العِزِّ المَجْهولة في تاريخ الأمة الإسلامية، وما أَحْوَج الأمة الإسلامية إلى إزالة الغُبار عن تلك الصفحات، وإبرازها من خُدورها؛ رَفْعًا للهِمَم، واسْتِلْهامًا لمعاني العِزَّة والشُّمُوخ.
 
وقد ثبت عن النبي - صل الله عليه وسلم - أن فَتْح القُسْطنطينية سيسبق فَتْح روما[1]، وتَلَقَّف كثيرٌ من الخُلفاء، والأمراء، والمُلوك خَبَر التَّبْشِير بفَتْح المدينتين بنَفْسٍ تَتُوق إلى الفوز بشَرَف وقوع البُشْرى على أيديهم.
 
وقد تَوالَت مُحاولات فَتْح القسطنطينية في عصر بني أمية، وبني العباس، ثم أَلَحَّ العُثمانيون - لقُرب ديارهم منها - على فَتْحها، وراحوا وغَدَوا في غَزْوها، وحِصارها، وفَتْح ما يُحِيط بها من مدن، وحُصون، إلى أن حاز السُّلْطان محمد الثاني، ابن مُراد الثاني رحمه الله تعالى ذلك الشَّرَف، حتى صار يُعْرَف به دون غيره، وأَضْحَى لَقَبُ الفاتح له قرينًا، وأَمْسَتْ صِفَة الفَتْح به لَصِيقة[2].
 
ولكن محاولات فتح روما لا يَحْظى بمعرفتها الكثيرُ من مُطالِعي التاريخ الإسلامي، وتَخْفى أخبارُها عن بعض حُذَّاق الباحثين، فَضْلًا عمَّن دونهم في العلم من عُموم المسلمين.
 
وسوف نُدْلِي في هذه الحلقة من سلسلة صفحات مَنْسِيَّة في تاريخ الإسلام في إيطالية بدَلْونا في تعريف المسلمين بتلك الصفحة من صفحات العِزِّ، رَجاءَ أن تكون سببًا في إيقاظ هِمَمٍ، وشَدِّ عَزائِم، ومُداواة ما حَلَّ بالنُّفُوس من هَزائِم.
 
روما والأملاك البابوية:
لقد قام الأغالبة بحَمْلَة على روما، ودخلوها في صفر سنة 232 هـ-، الموافق لأغسطس 846 م، وكان ذلك في أيام الأمير أبي العباس محمد بن أبي عقال الأَغْلَب السَّعْدِي، رابع أُمراء الأَغالِبة، والذي حكم من سنة 226 إلى سنة 242 هـ-[3].
 
وأسرع البابا بطلب عون بحري من مدن كمبانيا المتحالفة، وكانت هذه فيما يظهر على استعداد للاستجابة لدعوته، فأرسلت أسطولا لحماية الشواطئ البابوية، غير أن عاصفة حطمت السفن الإسلامية قرب أوسيتا، فلم تعد لتلك المساعدة أية ضرورة.

وذكر المسيو رينو[4] أن المسلمين لما غزوا روما في تلك السنة - أي 846 م -  صعدوا في نهر الطيبر[5]، ونَهَبوا[6] كنائس القِدِّيسَيْن: بُطْرُس، وبُولُس[7]، وغزوا أيضًا جنوة في تلك السنة، وعَطَّلُوا سُدود نَهْرِها، فنَفَر الأهالي، وقاتلوهم، وحَمَل الرُّهْبان، والقِسِّيْسُون السِّلاح.[8]
 
وذكر هنري بيرين[9] أن المسلمين قد حاصروا قلعة القديس آنج في غزاتهم المذكورة على روما.
 
وأضاف ديفز[10] أن المسلمين - الذين أَسْماهم بالقَراصِنة العرب - قد أنزلوا التَّخْريب في نفس العام بميناء أوستيا، وظاهر كلامه أن قريب من المدينة البابوية بروما؛ لأنه قَرَن غزوهما معًا.
 
وكان المسلمون قد غَزَوا سواحل سيفيتة فكشيا بقرب روما قبل ذلك التاريخ بمدة؛ فقد ذكر المسيو رينو[11] أن المسلمين لما غزوا كورسيكة في سنة 813 م، وأسروا، وغنموا، أَكْمَن لهم كونت أمبورياس قوة بحرية بقرب مدينة برينيان في طريق عودتهم، فغَنِمَت منهم ثمانية مراكب، كان فيها أكثر من خمسمائة أسير مسلم، فانتقم المسلمون عن ذلك باجتياح سواحل نيس، وبروفنس، وسيفيتة فكشيا بقرب روما.
 
والظاهر من كلام رينو أن غَزْو المسلمين لسواحل المدن المذكورة كان بعد التاريخ الذي ذكره - وهو 813 م - بفترة قليلة؛ لأنه رَتَّب الأحداث على بعضها، وفقًا لرُدود الفِعْل المُتَتابِعة من قبل المسلمين والنصارى.
 
ولكن أرشيبالد لويس قد ذكر مسارًا آخر للأحداث، ربط فيه بين الهجوم على المدن الساحلية المذكورة وبين الهجوم على روما في عام 846 م، فقال: لما حِيْل بين المسلمين وبين ما يَبْتَغون في تلك المنطقة[12]، تَحَوَّلوا إلى أراضي البابوية؛ ففي عام 846 م، أنزل المسلمون على السواحل قوات هزمت الحامِيات الموجودة في شيفيتا فكيا، ونوفا أوستيا، وأغارت قواتهم هذه على ضواحي روما ذاتها.[13]




[1] سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي المدينتين تُفتح أولًا: قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: "مدينة هرقل تُفْتَح أولًا" يعني قسطنطينية. أخرجه أحمد في مسنده (2/176)، وصَحَّحَه الحاكم، والذهبي، والألباني. انظر: السلسلة الصحيحة (ح4).
[2] سنذكر في هذه الحلقة من السلسلة إن شاء الله تعالى ما كان من عزمه - رحمه الله تعالى - على فتح روما بعد فتح القسطنطينية، وما اتخذه لذلك من تدابير.
[3] انظر: أطلس تاريخ الإسلام لحسين مؤنس (ص180).
[4] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص152ص155). وقد ذكر أمير البيان في حاشية (ص155) أن مسيو رينو قد نقل ذلك عن مجموعة البولنديين، وتاريخ مدينة نيس للمسيو لويس دورنت، وفي مخطوط لمؤلف اسمه أغيو فريدو محفوظ في مكتبة تورينو.
[5] وقع في الأصل (الطير)، ونهر التيبر، أو التيفر: هو ثاني أطول نهر في إيطاليا، ويبدأ من سلسلة جبال توسكان ويتدفق جنوبًا لمسافة 405 كم، وفي نهايته يعبر بمدينة روما، قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط في منطقة أوستيا، وكان يعد وسيلة تجارة مهمة في العهود الرومانية.
[6] الأولى عند ترجمة العبارات المنقولة عن المستشرقين أن يراعى اختيار الألفاظ الغير قادحة، فالوصف الصحيح لأخذ الأموال، والتحف، وغيرها في مثل تلك الغزوات هو وصف الغنيمة، وهو وصف شرعي لما يغنمه المسلمون في غزوهم لديار الكفار، أما وصف النَّهْب، فيتَعَمَّد المستشرقون استخدامه لغَمْز المسلمين الغُزاة، وتصويرهم على كونهم مجموعة من اللصوص، وقُطَّاع الطرق، مع كونهم يُعَبِّرون عن نهبهم لثروات المسلمين بلفظ الاستعمار - وهو طلب عُمْران الأرض وإصلاحها - وهو في حقيقته استخراب، ولا زالوا يدلسون على الناس بوصف نهبهم البغيض لديار الإسلام بألفاظ معسولة، مثل: إعادة الإعمار، ونحوها.  
[7] وقد ذكر ديفز في كتابه أوروبا في العصور الوسطى ذلك أيضًا (ص71).
[8] لا شك في أن تعويل المستشرقين على المصادر الأوروربية القديمة، ذات الطابع الكنسي، له دور كبير في محاولة إضْفاء صفة اللُّصُوصِيَّة على الغزاة المسلمين، والبطولة المزعومة على قساوسة النصارى ورهبانهم.
[9] تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية (ص12).
[10] أوروبا في العصور الوسطى (ص71).
[11] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص141،140).
[12] يقصد بذلك الإشارة إلى هزيمة المسلمين البحرية أمام تحالف مدن: نابولي، وأمالفي، وجايتا، وسرنتو في  البحر الأدرياتيكي، والذي أفقدهم السيادة البحرية فيه لفترة من الزمن.
[13] انظر: تاريخ القوى البحرية والتجارية (ص216).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:35 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في روما والأَمْلاك البابَوِيَّة (2)

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (21)



قال أميرُ البَيان شكيب أرسلان تعليقًا على خَبَر غزو المسلمين لسواحل نيس، وبروفنس، وسيفيتة فكشيا بقرب روما الذي نقله عن المسيو رينو بقوله[1]: الذي عَرَفْتُه في رومة من روايات بعض أُدَباء الطّليان، والمُطَّلِعِيْن منهم على التواريخ، أنه يوجد على مسافة أربعين كيلو متر من رومة قرية، يُقال لها: سراسينشكو، أصل أهلها من المسلمين، كان سَلَفُهم غُزاة، وَقَعوا إلى تلك الأرض، وأحاط بهم الأهالي، فقتلوا جانبًا، واسْتَسْلَم لهم الباقون، وتَنَصَّروا[2]، وعَمَروا تلك القرية، ويُقال: إن سَحَنَهم[3] لا تزال تدل على أصلهم العربي، وأن مآكلهم، ومشاربهم، وصَنْعَة الغِناء عندهم تدل على عُروبتهم، وحتى هذا اليوم تَراني أَتَرَقَّب الفُرصة؛ لمُشاهدة تلك القرية، والتَنْقيب عن صِحَّة ما سمعته، انتهى[4].
 
وقد عانَت الأَمْلاك البابَوِيَّة الأَمَرَّيْن حين ازداد ضَغْط المسلمين على الشاطئ الغَرْبِي لإيطاليا - المُطِلِّ على البَحْر التيراني - بفِعْل غارات إسلامية حدثت خلال عامي 868، 872 م على مدينتي جايتا، وسالرنو، فأرسل البابا حنا الثامن إلى مَلِك الفِرَنْجة شارل الثاني، وإلى الإمبراطورية البيزنطية، وإلى مدن: أمالفي، وجايتا، ونابولي، يَلْتَمِس لنفسه، ولأَمْلاكه الحِماية، ولكنه لم يَظْفَر إلا بنجاح ضَئيل؛ لأن القسطنطينية لم تطمئن إلى تَقَرُّب البابا من الفرنجة الكارولنجيين، ولأنها كانت مَشْغولة بأَمْر صِقِلِّيَّة، وبشؤون مُمْتلكاتها في بلاد الشَّرْق، وأما الملك شارل الفرنجي؛ فلم يكن لديه أُسْطول يبعث به[5]، وأما حِلْف مُدن كمبانيا؛ فلم يرغب في مُعاداة المسلمين أصدقائه حينئذ.
 
وقد ترتب على تَخَلِّي هؤلاء جميعًا عن بابا روما أن مُمْتَلَكات الكَنِيسة في وسط إيطاليا لم تَحْظَ بشيء من السَّكِيْنة، إلا بعد أن قام البابا بدَفْع جِزْيَة للمُسْلِمين، قَدْرُها خمس وعشرون ألف (25000) قطعة فِضِّيَّة[6].
 
محاولة العثمانيين فتح روما:
بعد أن فتح الجيش العثماني في عهد السلطان محمد الفاتح رحمه الله تعالى مدينة أوترانت الإيطالية عَنْوَة في شهر أغسطس من سنة 1480 م - وقد مَرَّ ذكر هذا عند الحديث عن تاريخ الإسلام في ولاية بوليا - كان السلطان محمد رحمه الله تعالى ينوى إكمال فتح جميع إيطاليا، ويُقال: إنه أقسم بأن يَرْبِط حِصانه في كنيسة القِدِّيْس بُطرس بمدينة روما، ولكن السلطان محمد رحمه الله تعالى توفي في شهر مايو من العام الذي يليه[7].




[1] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان حاشية (ص141).
[2] لا يشك عاقل أن ذلك التَنَصُّر - لو صح وقوعه بهذه الصورة - كان تحت وقع الإكراه أخذًا بالرُّخْصة، ولا يُعْقَل أن مجاهدًا مسلمًا يقع في أسر أعدائه، يكون مستعدًا للتخلي عن دينه بمجرد الوقوع في الأسر، إلا على سبيل التقية، والمداراة، ولا ننسى ما كان يفعله النصارى في مُسْلِمي الأندلس؛ لإجبارهم الدخول في النصرانية الكاثوليكية، ولا شك أيضًا أن بقاء الأجيال تلو الأجيال تحت حكم الكفار - مع العجز عن الهجرة إلى ديار الإسلام - يؤول إلى نُشوء أجيال تتأقلم مع الأوضاع القائمة في البلاد التي نشأت فيها، ويتلاشى مع مرور الوقت استحضار حالة الإكراه، واستصحاب نية الهجرة إلى دار الإسلام، فيصير النسل نصرانيًا قُحًّا مع تعاقب الأزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[3] السَّحْنَةُ، والسَّحْناءُ، بسُكُون الحاء، وتَحْرِيكها في كليهما: لينُ البَشَرَةِ، والنَّعْمَةُ، والهَيْئَةُ، واللَّوْنُ. انظر: تاج العروس (35/173).
[4] وقال في مجلة المنار، عدد شهر المحرم، من عام 1342هـ بعد أن وصف دخول المسلمين لروما بالاجتياح: ورد في التواريخ: أن العرب صعدوا إلى رومة من مصب نهر التيبر، واجتاحوا البلدة، وأخذوا من كنيسة مار بطرس تابوتًا من فضة، ولكنهم لم يستقروا برومة، ثم إن العرب كانوا يختلفون إلى ضواحي رومة، ويَشُنُّون الغارات فيها، وفي إحدى المرار اجتمع عليهم الأهالي، فهزموهم، فخَلُص منهم فئة إلى البحر، وفئة استؤصلت بالسيف، وفئة من بقايا السيوف لاذت بمكان منيع هناك، وناضلت عن نفسها، وبقيت تحمي نفسها، إلى أن وقع الصلح بينها وبين أهل البلاد، ولأسباب مجهولة عندنا تفاصيلها، تركوا تَوَطُّن تلك الأرض، فالآن على مسافة 40 كيلو متر من رومة، قرية اسمها (سارازينسكو) Sarrasinesco، من اسمها يعرف أن أهلها أصلًا مسلمون؛ لأن (سارازينو) معناه مسلم كما لا يخفى، وليس الدليل على كون أهل هذه القرية عربًا هو الاسم فقط، بل حدثني الكونت كولالتو صاحب جريدة رومة الإيطالية التي تصدر بالقاهرة - وهو من جِلَّة أُدباء الطليان وفُحول الكتاب - أن أهالي قرية سارازينسكو هم إلى يومنا هذا حافظون عاداتهم العربية، ومآكلهم العربية، ولا يزالون يعزفون بآلات الطرب العربية، مما لا يوجد عند قوم سواهم في إيطالية، وإن سحناتهم إلى هذا اليوم سحنات العرب، لا يتمارى في ذلك من رآهم، انتهى.
[5] تَقَدَّم معنا عند الحديث عن جهود ملوك أوروبا لمواجهة الزحف الإسلامي في إيطاليا ما ذكره المسيو رينو من أن الملك شارل الثاني الفرنجي قد نوى أن يذهب بجيش إلى إيطاليا بعد استيلاء الأغالبة على جنوبها، وتَعَرُّض الباباوية في روما للخطر من جَرَّاء ذلك، ولكنه توفي في سنة 876 م، ولم يُعَلِّل رينو عدم ذهابه هناك بعدم وجود أسطول لديه.
[6] انظر: تاريخ القوى البحرية والتجارية (ص219). وقد تم التصرف في بعض العبارات التي لا تخلو من النزعة الصليبية في عبارات المؤلف المذكور.
[7] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص176،175).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:35 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالية (17)

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الغزوات الإسلامية للعديد من مدن جنوب إيطالية



غَيْضٌ من فَيْض:
حَرَصْنا فيما مَضى على ذِكْر أشهر المدن التي غزاها المسلمون في إيطاليا، ولم نَقُم بحَصْر جميع المدن التي تَعَرَّضَتْ للغزو الإسلامي.
 
وليس من ضَرْب المُبالَغَة أن يُقال: إنه يَتَعَذَّر حَصْرُ المدن، والحُصون التي غزاها المسلمون في أقاليم جنوب إيطاليا، أو فتوحها وتَمَلَّكوها، أو أَذْعَنَت لهم بالجِزْية؛ لصعوبة الرَّبْط بين أسماء المدن المذكورة في كتب التاريخ العربية القديمة، وبين الأسماء الحديثة، المشهورة وفقًا للنُّطْق الإيطالي، كما أن احتمال دخول التصحيفات والتحريفات على أسماء تلك الأمكنة كبير جدًا.
 
فمن المواضع التي كانت عُرْضَة لغزوات المسلمين وفتوحاتهم في الجنوب الإيطالي:
ما ذكره ابن الأثير[1] في حوادث سنة ثمان وعشرين ومائتين - وذكر فيها غزوات وقعت بعدها أيضًا - تحت عنوان (ذكر غزوات المسلمين في جزيرة صِقِلِّيَّة) وورد فيه فَتْح عِدَّة مُدن، وهي: نابلي، ومسكان، وشرة، ولنتيني، ورغوس، وكلها فتحها المسلمون في السنة المذكورة، والتي تليها.
 
فأما نابولي، فهي من إقليم كامبانيا، وقد مَرَّت، وأما لنتيني، ورغوس فهما من جزيرة صقلية، وقد تكلم عليهما الإدريسي في نزهة المشتاق[2].
 
ولكن مسكان، وشرة لم يظهر تحديد موضعهما، إن كان اسمهما قد سَلِم من التصحيف، ولربما تكون شرة[3] هي مدينة تشيرينيولا، الواقعة ضمن إقليم بوليا بجنوب إيطاليا.
 
ومنها أيضًا: ما ذكره ابن الأثير[4] في أحداث سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، قال: في هذه السنة سار جيش صِقلّية مع أميرهم سالم بن راشد، وأرسل إليهم المهديُّ جيشًا من إفريقية، فسار إلى أرض أنكبردة، ففتحوا غيران، وأبرجة، وغنموا غنائم كثيرة.
 
ثم ذكر ابن الأثير مدينة أذرنت[5] عند الحديث عن غزو سالم بن راشد أمير صِقِلِّيَّة لقِلَّوْرِيَة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، قال: فقصدوها بعد فتح طارنت، فحَصَروها، وخَرَّبوا منازلها، فأصاب المسلمين مرض شديد كبير، فعادوا.
 
ثم أعاد ذكرها[6] بعد الحديث عن فتح أبي القاسم الكلبي لطارنت - تارانتو - سنة خمس وستين وثلاثمائة، فقال: وأرسل - أي أبو القاسم -  السرايا، فبلغوا أذرنت، وغيرها، ونزل هو على مدينة عردلية، فقاتلها، فبذل أهلها له مالًا صالحهم عليه، وعاد إلى المدينة، انتهى.
 
وأذرنت، وعردلية المذكورتان لم يظهر تحديد موضعهما، إن سَلَّمْنا سلامة الكلمتين من التصحيف، ولعل أذرنت هي مدينة أندريا الواقعة في إقليم بوليا، وقد تكون سانت أندريا الواقعة بمقاطعة كاتنزارو بكالابريا.
 
وربما تكون أذرنت - وهو الأرجح - هي أطرانط - أي أوترانتو - وهي قريبة بالفعل من تارانتو، وقد اقْتَرَن فتح تارانتو في الخبرين المذكورين آنفًا عن ابن الأثير بغزو أذرنت بعدها، ومن نظر إلى موضعهما على الخارطة، علم أن طارنت - تارانتو - أقرب إلى كالابريا - وسيطرة المسلمين عليه أكبر من غيره من أقاليم إيطاليا - من أوترانتو، فمن الطبيعي أن يَمُرَّ خَطُّ الغزو في تلك الجهة بتارانتو قبل أوترانتو مباشرة، ولكل منهما موقع بحري متميز، يجعل منهما مراكز لقواعد بحرية هامة، كما مَرَّ بيانُه عند الحديث عن تارانتو، أوترانتو، وسيأتي مَزيد تفصيل إن شاء الله عند الحديث عن السيطرة البحرية الإسلامية على المياه الإيطالية.
 
ومنها: مدينة بربولة، وقلعتي جلوا، وإغاثة، وهي مواضع ذكرها ابن الأثير[7] بعد ذكره لحصار أبي القاسم الكلبي لكُشنتة الآنف الذِّكْر، قال: ورحل عنها - أي عن كُشنتة - إلى قلعة جلوا، ففعل كذلك بها، وبغيرها - يعني أنه حاصرها أيضًا وأن أهلها سألوا الأمان فأجابهم إليه وأخذ منهم مالًا كما فعل بكشنتة قبلها - وأمر أخاه القاسم أن يذهب بالأسطول إلى ناحية بربولة، ويَبُثُّ السَّرايا في جميع قِلَّوْرِيَة، ففعل ذلك، فغنم غنائم كثيرة، وقتل وسبى، وعاد هو وأخوه إلى المدينة.
 
ومنها: المدينة التي سَمَّاها المسعودي في مروج الذهب[8] - إن سلم المطبوع من التصحيف - بمدينة سيرين، وذلك عند حديثه عن المدن التي حازها المسلمون من النوكبرد - ويعني بهم اللومبارديين - لفترة من الزمن.
 
ومنها: مدينة لوني التي أغار مجاهد العامري عليها، وعلى ما حولها من سواحل إيطاليا في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي[9].
 
ومنها: مونتي كسينو[10] ؛ فقد ذكر الكتاني رحمه الله تعالى[11] أن الأغالبة أحرقوها سنة 883 م.
 
ومنها: مدينة مونت جاريليانو؛ فقد ذكر أرشيبالد لويس أن الأسطول البيزنطي القوي الذي نجح في تحقيق عدة انتصارات، منها: استعادة مدينة باري من المسلمين، وإعادة نابولي إلى ولائها القديم لبيزنطة، والسيطرة على طريق التجارة بين المسلمين وبين مدن جنوب إيطاليا، لم يُمْكِنه الحَيْلولة دون إقامة المسلمين - الذين وَصَفهم أرشيبالد بالمُغامِرين - لقاعدة قوية لهم - سَمَّاها المذكور وَكْرًا - في مدينة مونت جاريليانو، الواقعة بالريف الإيطالي، في الجنوب من شبه الجزيرة، وذلك في عام 882، أو 883 م[12].
 
وقد ذكر ديفز[13] أن من أسماهم بالقراصنة العرب قد نجحوا في تأسيس مستعمرة على نهر جاريليانو.
 
وظَلَّت تلك القاعدة بمثابة الشَّوْكَة المَغْروسة في خاصِرة البيزنطيين، والكارولنجيين الفِرَنْجَة في تلك المنطقة، وفشل تحالف مُكَوَّن من مدن: نابلي، وكابوا، وأمالفي في الاستيلاء على مونت جاريليانو عام 908 م[14].
 
ثم تَكَوَّنت في عام 915 م قوة بَرِّيَّة بحرية مُشْتَرَكة من بيزنطة، وإيطاليا، والأَمْلاك البابَوِيَّة، ونابولي، وجايتا، وتَزَعَّمَها نيقولا بنشنلي، وقامت بغارة على مَعاقل المسلمين، مُستفيدة من انشغال مُسْلِمِي صِقِلِّيَّة بالاضطرابات التي شهدتها الجزيرة، عقب سقوط حُكم الأغالبة في شمال إفريقية، وسَعْي العُبَيْدِيِّين لضَمِّها، وحالفها النجاح في هزيمة مُسْلِمي مونت جاريليانو، وزالَت صَوْلَة المسلمين وجَوْلَتهم من البلاد الإيطالية حتى جنوب تسكانيا[15] لأول مرة منذ عام 842 م[16].
 
ولكن ذلك الزوال كان إلى حين؛ فقد عادت الكَرَّة لهم عقب اسْتِتباب الأمور في صِقِلِّيَّة للولاة الكَلْبِيِّين، وقد مَرَّ ذِكْرُ العديد من غزواتهم في جنوب إيطاليا، وسيأتي ذِكْرُ بعضها إن شاء الله تعالى في غَرْبِها.
 
ولعل مونت جاريليانو التي ذكرها أرشيبالد هي مدينة كوريليانو كالابرو، التي تقع في مقاطعة كوزنسا، ضمن إقليم كالابريا، في جنوب شبه الجزيرة الإيطالية.
 




[1] الكامل (6/76،75).
[2] وانظر: العرب في صقلية (ص37). وقد ذكر الدكتور محمد عبد الله عنان في كتابه دولة الإسلام في الأندلس (1/476) أن من ثغور البحر الأدرياتيكي الشرقية مدينة راجوزا، وأن المسلمين استقروا بها مدة من الزمن، لكن هذا الثغر البحري ليس على الساحل الإيطالي للأدرياتيكي، بل على الساحل البلقاني منه، فهي غير رغوس التي في صقلية مع تشابه الاسمين، وقد سبقت الإشارة إلى راجوزا عند الحديث عن نجاح البيزنطيين في فك الحصار الإسلامي عنه قبل مهاجمة مراكز المسلمين في باري، وأوترانتو.
[3] قال ابن الأثير عن فتحها: وفي سنة تسع وعشرين ومائتين: خرج أبو الأغلب، العباس بن الفضل في سرية، فبلغ شرة، فقاتله أهلها قتالًا شديدًا، فانهزمت الروم، وقتل منها ما يزيد على عشرة آلاف رجل، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر، ولم يكن بصقلية قبلها مثلها،انتهى. كذا قال، وقد مر بيان الخلط عند المؤرخين والجغرافيين بين مدن صقلية ومدن شبه الجزيرة الإيطالية؛ فلا يُعَوَّل على هذه اللفظة في تحديد موضع المدينة.
[4] انظر: الكامل لابن الأثير (7/25).
[5] ووقعت فيه بالدال المهملة. وانظر كذلك: تاريخ ابن خلدون (4/207)، ووقعت فيه (أدونت) بالواو بدلًا من الذال، والظاهر أنه تصحيف.
[6] الكامل في التاريخ (7/362).
[7] الموضع السابق.
[8] مروج الذهب (2/39). وقد نقل الشهاب النويري في نهاية الأرب (15/221) كلام المسعودي، ووقعت عنده باسم (سيرنية).
[9] انظر: القوى البحرية والتجارية (ص308)، (ص314،313) ولم يحدد أرشيبالد تاريخ مهاجمة المسلمين لمدينة لوني، ولكنه واقع تقريبًا بين عام 1009 م الذي ذكر فيه أنهم أغاروا على قلورية، واستولوا على كوسنزا، وعام 1017 م الذي ذكر فيه مهاجمة المسلمين لمدينة سلرنو. وكان قد ذكر الإغارة على مدينة بيزا بعد الاستيلاء على كوسنزا عام 1009 م، ورَجَّح أن يكون المغيرون عليها من مسلمي الأندلس، ثم عَقَّب بملاقاة لوني نفس مصير بيزا.
فإن صَحَّ كونهم من مسلمي الأندلس، فلعلهم من جيوش مجاهد العامري التي أكثرت من الإغارة على شواطئ فرنسا وإيطاليا في مطلع القرن الخامس الهجري، مُنْطَلِقة من مَعاقلها في جُزر البليار، وسردانية التي حازها مجاهد لفترة قصيرة من الزمن، كما مَرَّ عند الحديث عن جزيرة سردانية بحمد الله تعالى.
[10] مونتي كاسّينو: هو دَيْر للرُّهبان يقع جنوب العاصمة روما، بينها وبين نابولي، حيث أنشأ القدِّيس - حسب وصفهم - بنيدكت الرَّهبنة البنيدكتيّة الكاثوليكيّة الرومانية، وكان المذكور قد التمس اللّجوء داخل حطام مدينة كاسينو في حوالي سنة 529م؛ هربًا من الاضطهاد، ومن الحروب القوطية التي اجتاحت عموم إيطاليا في ذلك الوقت، ثم بنى وأتباعه بعدها دَيْرًا في مرتفع فوق المدينة.
وفي عام 1071م، خصصت كنيسة رهبان جديدة وسُمّيت كاتَدرائيَّة عام 1321م،وعندما حَلَّت إيطاليا كثيرًا من أَدْيرتها عام 1866م، أصبحت مونت كاسينو مَعْلَمًا قوميًا؛ حيث اتسعت مبانيها لدَيْر، ومدرسة لعامة الناس، ومعهدين للتعليم العالي، كما تحتوي مكتبة الكنيسة على مجموعة ممتازة من المخطوطات.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م)، تم إيقاف تَقَدُّم الحُلفاء في كاسينو، وقُصِفَت الكنيسة بالقنابل، وكانت "مونت كاسينو" أقوى نقطة حصينة في الدفاع الألماني جنوب العاصمة الإيطالية "روما"، وكان على الألمان أن يقاتلوا قوات الحلفاء، ومن معهم من الإيطاليين حلفاء الأمس، وأُقِيمت الدفاعات الألمانية على القلعة الدفاعية الجبلية في "مونت كاسينو"، ثم سقطت القلعة المنيعة في يد الحلفاء بعد إصابة تلك القوات بخسائر جسيمة، وبذلك فُتِح الطريق إلى روما.
وقد تم إنقاذ معظم كنوز كنيسة مونت كاسينو، ثم أعادت الحكومة الإيطالية بناء المباني المهدمة على طول خطوطها الأصلية خلال عام 1952م.
[11] انظر: المسلمون في أوروبا وأمريكا (ص156).
[12] انظر: القوى البحرية والتجارية (ص220،219).
[13] أوروبا في العصور الوسطى (ص71).
[14] المرجع السابق (ص221).
[15] تسكانيا أو تُسكانا: هو أحد الأقاليم المكونة لإيطاليا، ويقع في شمال وسط البلاد، ويطل على البحر التيراني غربًا، وعاصمته مدينة فلورنسا، وهو يحوي مدينة بيزا، ذات التاريخ الطويل في التجارة البحرية، وكذا الصراع العسكري البحري مع المسلمين في تلك المنطقة.
[16] انظر: القوى البحرية والتجارية (ص222). والمقصود من زوال صولة المسلمين - والتي عبر عنها مؤلف الكتاب المذكور بالتحرر من مضايقات المسلمين - عن البلاد الإيطالية حتى جنوب تسكانيا هو اختفاء مراكز القوى الإسلامية من كل الجنوب الإيطالي، ومن ثم اختفاء الغارات على جنوب إيطاليا، ووسطها - وربما شمالها الشرقي أو الغربي - المنطلقة من تلك القواعد، والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:36 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (18)

جُهود المَمالك الأوروبِيَّة للتَّصَدِّي للزَّحْف الإسلامي في شِبْه الجَزِيرة الإيطالية



كان من البَدَهِي ألا يقف ملوك أوروبا وأمراؤها مَكْتوفي الأيدي أمام الغزو الإسلامي المُتَنامِي لعُقْر ديار النصرانية، ومَهْد الحضارة الرُّومانية، وأن يحاولوا إيقاف هذا الزَّحْف الذي يُنْذِر - إن تَوانَوا في مُواجَهته - بتغيير الخارطة السياسية والدينية لقلب القارة الأوروبية، لاسيما وأَرْضُهم تُنْقَصُ من أطراف أخرى، وثَوْبُ قارَّتِهم يُنْسَل من وَسَطه، بعد أن نُسِل من أطرافه.

فالفُتوح الإسلامية تُقَوِّض صَرْح الإمبراطورية البيزنطية من شَرْقِها، وتُهَدِّد كيان مَمْلكة الفِرَنْجَة بالزَّوال بعد أن أزالت كيان مَمْلَكة القُوط من الغَرْب الأوروبي، وها هي تَسْحَب البِساط الإيطالي من تحت أقدام البيزنطيين، والفِرَنْجَة، والجِرْمان، وغيرهم من الأمم الأوروبية النصرانية المُتنازِعة على حِيازته.

جهود ملوك الفِرَنْجَة الكارولنجيين:
جهود لويس الثاني حاكم إيطاليا: لما كثرت غزوات المسلمين لجنوب شبه الجزيرة الإيطالية، وسَواحِلها المُطِلَّة على البحار الثلاثة: الأدرياتكي شرقًا، والتيراني غربًا، والأيوني جنوبًا، وأَسْفَرت تلك الغزوات المُتكاثِرة عن تكوين قواعد حَصينة في أقاليم الجنوب، تنطلق منها الغارات البَرِّيَّة، والبحرية إلى شَتَّى أرجاء شبه الجزيرة، وتَنْبَعِث منها الأساطيل البحرية التي تَجُوب البحار المحيطة بها من جهاتها الثلاث، بدا الأمر - لاسيما في منتصف القرن التاسع الميلادي وكأن مَصِير الإقليم الجنوبي كله على وشك الانتقال إلى أيدي المسلمين، مما أفزع لويس الثاني الكارولنجي، حاكم إيطاليا، فقَرَّر وقد بارَكَ البابا خُطْوَته أن يقوم بعمل حاسِم ضد المسلمين في تلك المنطقة.

لكن لويس الثاني لم يُصِب نجاحًا يُعْتَدُّ به؛ لعجزه عن امْتِلاك أسطول يُمَكِّنُه من الضَّغْط البحري على المسلمين؛ لإخراجهم من مَواقعهم الحَصينة على الشواطئ، وهي المواقع التي كانوا يُوْغِلُون منها بعيدًا في غاراتهم الداخلية، فيَجُوسُون خِلال الدِّيار، ويَجُوْلُون بقَلْب إيطاليا، وأَحْشائِها.

وبدون تَوَفُّر القوة البحرية لذلك الحاكم، فسوف تَصِير كل جهوده العَسْكَرية البَرِّيَّة هَباءَ منثورًا، وهذا ما كان بالفعل، فلم يُثْمِر طُولُ حِصاره لمدينة باري شيئًا يُذْكَر؛ لعِظَم سيطرة المسلمين البحرية آنذاك، ووَهَن إمكاناته في هذا الشأن، ولم يُنْجِدْه بعد طُول مَشَقَّة إلا مُعاوَنَة القوة البحرية البيزنطية، المُدْعومة من قِبَل حُلفائها من البنادقة، وغيرهم، فسقطت مدينتي باري في أيدي ذلك الحِلْف، ولكن بيزنطة آثَرَت قَطْفَ ثِمار النُّصْر وَحْدها، ولم تُشْرِك لويس الثاني فيه، ولا قَبِلَت بسيطرته على الجنوب الإيطالي، فحَبِط عَمَلُه، وخرج خاسئًا حَسيرًا.[b][1][/b]

ملك الفرنجة شارل الثاني المُلَقَّب بالأَصْلَع: لما استولى الأغالبة على جنوب إيطاليا، وأصبح بابا روما في خطر، نوى ملك الفرنجة شارل المُلَقَّب بالأصلع ابن لويس المُلَقَّب بالتَّقِي أن يذهب بجيش إلى إيطاليا، لكنه توفي سنة 876 م، وكان الشِّقاق بين أمراء الفرنجة شديدًا، مُنْهِكًا لقُوى بلادهم، رُغم ما كانت تتعرَّض له مُمْتَلكاتُهم - ومنها ممتلكاتهم في إيطاليا - لغزوات المسلمين، والنورمانديين في ذلك الوقت.[2]
 
جهود ملوك ألمانيا:
أوتو الأول المُلَقَّب بأوتو الكبير: سبق أن أشرنا عند الحديث عن تَمَكُّن طائفة من بحارة المسلمين من مَعابر جبال الألب، واتخاذهم من فراكسينتوم مَعْقلًا حَصِينًا لمُنْطَلقاتهم إلى ما ذكره المؤرخون من السفارات المتبادلة بين الإمبراطور الألماني أوتو الكبير، الذي حكم في الفترة ما بين (352-363هـ)، (963-973م) والخليفة الأموي بالأندلس عبد الرحمن الناصر، الذي حكم في الفترة ما بين (300-350هـ)، (912-961م)؛ لوضع حَدٍّ لمحاولات مُجاهِدي فراكسينت فتح جنوب فرنسا، وغرب إيطاليا، وأن تلك السفارات قد فشلت في تحقيق غايتها؛ لما صَرَّح به عبد الرحمن النَّاصر لسُفَراء أوتو من كون البحارة المذكورين لا علاقة لهم بالخلافة الأموية في الأندلس، وغير داخلين تحت سلطانها، ولا فعلوا ما فعلوه بإذن منها، أو تنسيق معها، وهو الأمر الذي لم يَطْمَأن إليه بعض مؤرخي النصارى في تلك الفترة؛ إذ كانوا يشعرون بوجود علاقة خَفِيَّة بين الناصر وبين أولئك البَحَّارة المُغامِرين.

أوتو الثاني: سار الإمبراطور الألماني أوتو الثاني[b][3] جنوبًا على رأس حَمْلَة كبيرة؛ لإخراج المسلمين من قِلَّوْرِيَة، وضَمِّ مُقاطَعاتها التابعة للدولة البيزنطية إلى مُمْتَلكاته، ولقد كان أوتو يعدُّ العُدَّة لغَزْو صِقِلِّيَّة أيضًا، وليس قِلَّوْرِيَة فحسب، وكان هناك ما يُبَرِّر له أمام نصارى أوروبا القيام بمشروعه التوسعي هناك، باعتباره في مصلحة كل أوروبا النصرانية؛ فلقد كان جنوب شبه الجزيرة الإيطالية مُقَسَّمًا بين البيزنطيين من جهة، وحاكم كابوه الدكتاتور باندولف إيرنهد من جهة أخرى، والذي كان عاجزًا عن مواجهة الكَلْبِيِّين الصِقِلِّيِّين في ميدان مفتوح، وقام صراع بين أبنائه عقب وفاته سنة 981 م، مما جعل الأوضاع أكثر قابلية لبَسْط السَّيْطرة الإسلامية على إيطاليا جنوب نهر جاريليانو، وقد جعلت تلك العوامل من تَدَخُّل أوتو أمرًا حاسِمًا؛ لإنقاذ الإقليم من وجهة نظره.[4][/b]

وكان أوتو قد ضَمِن قبل الإقدام على هذه الخطوة مُساعدة حُلَفائه من أهل البُندقية ذوي القوة البحرية الضَّارِبة، ولكن الذين حَسِبهم حُلفائه قد تَخَلَّوا عنه في أَحْرَج اللحظات؛ طَلَبًا لوُدِّ حُلفائهم القُدامى من البيزنطيين، فأَحْجَموا عن مَدِّ يد العَوْن البحري له، وتركوه يواجه جيوش مُسْلِمي صِقِلِّيَّة بمُفْرَده.

وزاد من وَرْطَته مُشاركة نُوَّاب بيزنطة على جنوب إيطاليا لأهل البُندقية في التَّخَلِّي عنه، إن لم يكن مُؤازرة عَدُوِّه وعَدُوِّهم من مُسْلِمي صِقِلِّيَّة؛ خَوفًا من مَطامِعه التَّوَسُعِيَّة على حِسابهم.

فكان من نتيجة ذلك - بقدر الله تعالى - أن تَمَزَّق جيشُ أوتو إربًا على يد الجيش الكَلْبِي في عام 982م، وكان ذلك عند رأس ستيلو[5]، بل كاد الإمبراطور نفسه أن يقع في الأَسْر، وتُوفي في العام الذي يليه، وتُوفيت معه أحلامه ومشروعاته في الجنوب الإيطالي.

لقد كانت خبرات أوتوه العسكرية ضعيفة وفقيرة، وبالرغم من نجاحه في الاستيلاء على مدينتي باري وتارانتو بلا صعوبة تُذْكَر، إلا أنه ما أن دخل كالابريا، حتى وقع في كَمين، أَعَدَّه له أمير صِقِلِّيَّة الكَلْبِي، ففَقَد أوتو زَهْرة جيشه في تلك المعركة.

وبهروبه من المعركة، ووفاته في العام الذي يليه، ترك المهمة للبيزنطيين؛ لصد المسلمين عن شبه الجزيرة الإيطالية[b][6].[/b]

وربما حَمَل ولدُه أوتو الثالث نفس أحلام أبيه، لكن الفرصة لم تُواتِه لإظهار ذلك، وترك الممتلكات البيزنطية في جنوب إيطاليا تَرعى نفسها بنفسها[7].
 
جهود البيزنطيين:
لا تحتاج جهود البيزنطيين في مواجهة التَّمَدُّد الإسلامي في شبه الجزيرة الإيطالية لكبير إيضاح، وهي أظهر من أن تُفْرَد بالذِّكْر؛ إذ مَثَّل البيزنطيون لاعبًا أساسيًا في المواجهات الإسلامية النَّصْرانية في تلك المنطقة على طول خَطِّ الصراع، كيف لا وهم يَعُدُّون أنفسهم الوريثَ الشرعي للإمبراطورية الرومانية الكبرى، ويعتبرون عُقْر دار الرُّومان مِلْكًا خالِصَا، لا يَحِقُّ لأحد مُشاركتهم فيه؟

كما وأنهم يرون أنفسهم من جهة أخرى حُماة النصرانية، وسَدَنَتَها، والذَّابِّيْن عن حِياضها،

فلا تكاد تُخْطِئ عَيْنُ النَّاظر في أحداث تلك الفترة وجود البيزنطيين شِبْه الدائم في مواجهة المسلمين، سواء شَكَّلوا القوة الأساسية في المواجهة، أو مَثَّلوا الدَّعْم الخارجي للمُواجِهين.

ولا يُسْتَثْنى من ذلك الوجود البيزنطي الدائم سوى ما كان في المدة بين عامي 965، 1025 م؛ فإن بيزنطة لم تُخَصِّص في هذه الفترة شيئًا من قواتها البحرية؛ لحماية أملاكها، أو الدفاع عن مصالحها في إيطاليا، وتركت الإيطاليين يدافعون عن أنفسهم لمدة ستين عامًا تقريبًا[b][8].[/b]

ولم يكن البيزنطيون فيما عدا الفترة المذكورة يَكلُّون أو يَملُّون من مُجابهة غزوات المسلمين، فكلما اعْتراهم الضَّعْف أو الوَهَن، عاودوا بناء قوتهم، وكلما سُحِق لهم جيش بَرِّي، أو تَحَطَّمت لهم عِمارة بحرية أمام المسلمين، نهضوا بعد كبوتهم، وأعادوا الكَرَّة بعد الكَرَّة[b][9].[/b]

وقد قرر المؤرخ الأوروبي ديفز أن أساطيل الإمبراطورية البيزنطية كانت هي القوة البحرية الوحيدة التي تستطيع نزال المسلمين في المياه الإيطالية، وأن الأسطول البيزنطي هو الذي حَمَى الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة الإيطالية[b][10].[/b]










[1] انظر: القوى البحرية والتجارية (ص218).
[2] انظر: ما نقله شكيب أرسلان في تاريخ غزوات العرب (ص159) عن المسيو رينو. وقد ذكر أرشيبالد لويس في كتابه القوى البحرية والتجارية (ص219) أن البابا حنا الثامن أرسل إلى مَلِك الفِرَنْجة شارل الثاني - وإلى غيره أيضًا - يَلْتَمِس لنفسه، ولأَمْلاكه الحِماية حينما تعرضت الأملاك البابوية للخطر عقب الغارات الإسلامية عليها خلال عامي 868، 872 م، وعَلَّل عدم نجدة الملك شارل للبابا بأنه لم يكن لديه أُسْطول يبعث به إليه.
[3] لما تُوِّج الملك الألماني أوتو الأول المُلَقَّب بالكبير إمبراطورًا رومانيًا مُقَدَّسًا وهو أول من لُقِّب بالإمبراطور الروماني المقدس من ملوك الألمان - وكان قد ضم إلى ملك ألمانيا ملك إيطاليا أيضًا، وذلك بعد زواجه من أدليد أرملة لوثير ملك إيطاليا، أخذ يحَذوا حَذْوَ شارلمان الفرنجي، ثم سار خَلَفُه على سيرة خَلَف شارلمان، وعَدَّ أوتو الثاني نفسه إمبراطورًا رومانيًا مقدسًا كما كان لويس الحليم ابن شارلمان، وابنه شارل الأصلع يصنعون، ومن هذا المنطلق كان الإمبراطور الألماني أوتو الثاني يَدَّعِى لنفسه الحق في السيطرة على إيطاليا، كما كان أبوه يعتقد، وكما كان شارلمان وورثته يفعلون، لا سيما بعد زواجه من أميرة بيزنطية، مما جعله يعتبر نفسه وصيًا لشارلمان، وبيزنطة جميعًا، ومن ثم فقد رأى أوتو الثاني أن من واجبه حماية إيطاليا من غزو المسلمين، ولكن افتقاره للقوة البحرية جعله يسعى لإخضاع البندقية ذات القوة البحرية المتميزة، وظهر بالبندقية حزب كبير مُوالٍ للألمان، استطاع السيطرة على مقاليد الأمور فيها، مما جعل البندقية تبدو كحليفة مخلصة لأوتو الثاني، ولكنها تخلت عنه عند الحاجة؛ تقديرًا لصلاتها ببيزنطة. انظر: تاريخ القوى البحرية والتجارية لأرشيبالد لويس (ص307،306)، وأوروبا في العصور الوسطى لديفز (ص75-81)، وتاريخ أوروبا في العصور الوسطى للدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور (ص255-263).
[4] أوروبا في العصور الوسطى لديفز (ص84).
[5] كذا في القوى البحرية والتجارية لأرشيبالد لويس (ص307). وفي أوروبا في العصور الوسطى (ص85) أن المعركة كانت في ساحة كولون، وربما تكون الساحة المذكورة في الموضع المذكور.
[6] انظر: أوروبا في العصور الوسطى (ص85).
[7] انظر تفاصيل حملة أوتو في: القوى البحرية والتجارية (ص305-307).
[8] انظر: المرجع السابق (ص306،305).
[9] من الأمثلة على ذلك: أن البيزنطيين كانوا قد فقدوا السيطرة البحرية على المياه المحيطة بشبة الجزيرة الإيطالية لعقود، قبل أن ينجحوا في أيام الإمبراطور باسيل الأول في تكوين قوة بحرية كبيرة، استعادوا بها قدرًا كبيرًا من السيطرة البحرية، ثم ما لبثت تلك السيطرة أن انهارت بعد موت باسيل الأول، عقب هزيمة البيزنطيين هزيمة بحرية ساحقة، عندما التقوا بعمارة بحرية كبيرة للمسلمين تجاه الشاطئ الشمالي لجزيرة صقلية في عام 888 م، ودارت رحى معركة بحرية كبرى، تَحَطُّمت فيها سفن البيزنطيين، وعادت إلى أذهانهم ذكرى هزيمة بحرية أخرى مُنْكَرة، مُنِي بها الأسطول البيزنطي أمام البحرية الإسلامية عام 859 م، وقد تَمَخَّضَت تلك المعركة عن فُقدان سيطرتهم البحرية القصيرة الأجل على مياه تلك المنطقة، وتأكد ذلك الفقدان بعَقْد صُلْح يُرَسِّخ لآثار تلك الهزيمة النكراء بينهم وبين المنتصرين من المسلمين الأغالبة، وكان توقيع ذلك الصلح في عام 895 م. انظر: القوى البحرية والتجارية (ص221).
[10] أوروبا في العصور الوسطى لديفز (ص75).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية   صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية Emptyالسبت 09 نوفمبر 2019, 10:37 am

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالية (19)

سُقوط الهَيْمَنة الإسلامية على الجنوب الإيطالي

أُفُول تَتْبَعُه إضاءات

 
تَقَدَّم ذِكْرُ جُهود ملوك أوروبا في صَدِّ الزَّحف الإسلامي على إيطاليا، وتَبَيَّن لنا منها دور الاضْطرابات القائمة في إفريقية وصِقِلِّيَّة - إبَّان انتقال السلطة من الأغالبة إلى العُبَيْدِيِّين - في تَمْكِيْن الأوروبيين من بُلُوغ مَأْرَبهم في إخراج المسلمين من قواعدهم الأمامية في جنوب إيطاليا.[1]
 
كما ظهر بجلاء دور الانهيار الداخلي لحكومة الكَلْبِيِّين في صِقِلِّيَّة في الربع الأول من القرن الخامس الهجري في تحوُّل مُسْلِمي صِقِلِّيَّة من الهجوم إلى الدفاع، ومن جهاد الفَتْح إلى جهاد دَفْع الصَّائِل.

ولا شك أن تهديد المسلمين لإيطاليا ذاتها قد شغل انتباه أعدائهم، وكان هذا التهديد من أسباب نجاح المسلمين في امتلاك صقلية.[b][2][/b]

قال الأستاذ الشيخ محمد الخانجي البُوْسْنَوِيُّ - وكان من مُدَرِسِّي المعهد العلمي الخسروي في مدينة سراي بوسنة - في مقدمة كتابه "الجَوْهَر الأَسْنى في تراجم علماء بوسنة"[b][3]: وكان الإسلام جاوز البحر من صِقِلِّيَّة إلى أرض قِلَّوْرِيَة من بلد إيتاليا - أي إيطاليا - واستولى المسلمون على عِدَّة بلاد منها، كريو، وبارة، وطارنت، وكانوا قَرَعوا أبواب رُوْمِيَّة، مَقَرِّ البابا، رئيس النَّصْرانِيَّة، وبَنَى بمدينة "ريو" أبو الغنائم الحسن بن علي بن الحسين الكلبي مسجدًا كبيرًا في وسطها، وذلك سنة 340 هـ-، وكل هذه البلاد التي ذكرناها خَلَتْ بمرور الزمان من الإسلام والمسلمين، وعَفَتْ فيها آثارُهم، وانْدَرَسَتْ فيها مَعالِمُهم ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران:140]، انتهى.[/b]

ولا يَشُكُّ عاقِلٌ دَرَس التاريخ، وأَبْصَر الواقع، وعَرَف السُّنَن الرَّبانِيَّة التي لا تتغير، في تأثير انفتاح الدنيا - وما يصاحبه من انتشار المعصية - على تَبَدُّل أحوال الأمم من العِزَّة إلى الذِّلَّة، وتَغَيُّرها من السِّيادة إلى التَّبَعِيَّة.

إرْهاصات الأُفُول:
خرج الروم في سنة ست عشرة وأربعمائة في جَمْع كثير إلى جزيرة صِقِلِّيَّة ، ومَلَكوا ما كان للمسلمين في قِلَّوْرِيَة، وشَرَعوا في بناء المساكن، ينتظرون وصول مراكبهم وجموعهم مع ابن أخت ملكهم، فبلغ ذلك المُعِزَّ ابن باديس، فجَهَّز أسطولًا كبيرًا من أربعمائة قطعة، وحَشَد فيها، وجَمَع خلقًا كثيرًا، وتَطَوَّع جَمْع كثيرٌ بالجهاد، رَغبةً في الأجر، فلما اقترب الأسطول من جزيرة قَوْصرة[b][4] - وهي قريب من بَرِّ أفريقية - خرج عليهم رِيْحٌ شديدة، ونَوْءٌ[5] عظيم، فغرق أكثرهم، ولم يَنْجُ إلا اليسير.[6][/b]

وتتابع السُّقوط والخَوَر، إلى أن آلَ إلى تَمَلُّك النُّورمان النصارى لجزيرة صِقِلِّيَّة، عقب سيطرتهم الكاملة على الجنوب الإيطالي، وقد تَقَدَّم شَرْحُ ذلك مُفَصَّلًا عند الحديث عن سقوط الجزيرة في أيديهم.

إضاءاتٌ بعد الأُفُول:
بُطولة في زَمَن السُّقوط: لما تتابع سُقوط مُدن صِقِلِّيَّة في أيدي النُّورمان واحدة بعد أخرى، ظهر في مدينة سرقوسة[b][7] رجلٌ يُسَمَّى ابنُ عَبَّاد، قاد مَسيرة الجهاد ضدهم، وألحق الهزيمة بابن روجر النورماني في إحدى المعارك، واستطاع في سنة 1081م أن يشتري بالمِنَح والوعود حاكم مدينة قطانية من قِبَل روجر، فسَلَّمه المدينة، فاتسع سُلْطانُه، حتى أثنى عليه مؤرخ نورماني واصفًا إياه بالدَّهاء، والجُرْأة، والمهارة في القيادة، وإتقان الخِدعة في الحرب، مما اضطر روجر أن يوجه إليه اهتمامه، غير أنه انصرف عنه فترة، وانشغل بغيره.[/b]

ولم يكتفِ ابن عَبَّاد بدفع صَوْلَة النُّورمان عن الجزيرة، بل توجه سنة 1084م إلى قِلَّوْرِيَة، ونَهَب مدينة ريو، ونقطرة، وعاد ظافرًا، فرأى روجر أنه لابد من جَولة حاسمة مع ابن عباد، فقابله عند سرقوسة أسطولٌ قوي سنة 1085م، وأخذت سُفُن ابن عَبَّاد تغرق واحدة بعد أخرى، وكلما غَرَقت به واحدة، وَثَب منها إلى واحدة لم تغرق، ولكنه زَلَّت به القَدَمُ، فتَلَقَّاه البحر، ويقال: إن روجر أرسل جُثَّتَه إلى الأمير تميم بإفريقية.[8]
 
جهود الصِّنْهاجِيِّين والمُرابِطين:
لما استوحش الأمير علي بن يحيى بن تميم بن المُعِزّ، صاحب إفريقية، من روجر الثاني صاحب صِقِلِّيَّة[b][9]، جَدَّد الأسطول الذي له، وكَثَّر عَدَدَه وعُدَده، وكاتب أمير المُرابِطِين، علي بن يوسف ابن تاشفين - المُلَقَّب كأبيه بأمير المسلمين - بمراكش بالاجتماع معه على قَصْد جزيرة صِقِلَّيَّة، فلما علم روجر ذلك، كَفَّ عن بعض ما كان يفعله.[/b]

ولما مات علي بن يحيى سنة خمس عشرة وخمسمائة، ووَلِيَ ابْنُه الحسن، سَيَّر أميرُ المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين أُسطولًا بقيادة أبي عبد الله ابن ميمون، ففتحوا نقوطرة بساحل بلاد قِلَّوْرِيَة[b][10] سنة ست عشرة وخمسمائة، فأَثْخَن، وسَبَى النساء، والأطفال، وسَلَب جميع ما وجد فيها.[/b]

فلم يَشُك روجر أن عليًا كان سبب ذلك[b][11]، فجَدَّ في تَعْمير الشَّوانِي[12] والمَراكب، وحَشَد فأكثر، فعلم بذلك الحسن بن علي، فأمر بتشييد الأسوار، واتخاذ الأسلحة، وحَشْد القبائل، واستقدام العرب، فجاءت الحُشُود من كل مكان، وتَأَهَّب الناس لما يَطْرُقُهم من العدو، ثم كانت لروجر وَقْعَة كبيرة بشمال إفريقية لما هَجَم على المَهْدِيَّة في العام الذي يليه، فهُزِمت جُموعه.[13][/b]

جهود العثمانيين:
قام خير الدين باشا - المعروف عند الأوروبيين بخير الدين بربروسة - رحمه الله تعالى بالعديد من الغزوات البحرية المُوَفَّقَة على شواطئ الممالك الأوروبية المختلفة، وكان للشواطئ الإيطالية نصيب من جهوده المذكورة.[b][14][/b]

ففي أوائل صيف سنة 1534م: خرج خير الدين بمراكبه من الدردنيل قاصدًا تونس - وكان حاكمها الحَفْصِي حينئذ حَليفًا لملك النمسا شارلكان - ولكنه لم يَتَوَجَّه إليها مباشرة، حتى لا يُعْلَم قَصْدُه الأصلي، بل عَرَّج في طريقه على جزيرة مالطة، وبعض مَوانئ جنوب إيطاليا، فغزا مراكبها، وأوقع بأهلها، دون أن يقوم بفتحها؛ تَمْويهًا على أعدائه.

وفي سنة 1543م: غزا سواحل جزيرة صِقِلِّيَّة حينما كان في طريقه إلى ميناء مرسيليا بجنوب فرنسا، وذلك بعد توقيع الاتفاقية مع ملك فرنسا - والتي مَرَّت الإشارة إليها غير مرة - لقتال ملك النمسا شارلكان.[b][15][/b]

ولما توفي خير الدين باشا رحمه الله تعالى سنة 953 هـ-، الموافق سنة 1546م[16] خَلَفَه القبودان طرغول في غزو مراكب الإفرنج، وشواطئ بلادهم، حتى حاز شهرة عظيمة في الحروب البحرية، وخافت بأسه جميع دول الإفرنج المُعادِيَة للدولة العثمانية، وحَفِظ اسم البَحْرِيَّة العُثمانية من السقوط بموت رئيسها، ومؤسسها الأكبر، خير الدين باشا[b][17].[/b]

فلما أُبْرِمَ الاتفاق بالقسطنطينية في أول فبراير سنة 1553م بين الدولة العثمانية وفرنسا مرة أخرى، أيام الملك الفرنسي هنري الثاني ابن فرانسوا، سارت مراكب الدولتين، وفُتِحَت جزيرة كورسيكا، بعد شَنِّ الغارة على بلاد كلابريا، وجزيرة صِقِلِّيَّة، لكن العمارتان البحريتان: العثمانية، والفرنسية قد افترقتا بعد وقت قصير، ولم يستمر احتلالها؛ لوقوع النُّفْرَة بين القائدين كما سبق بيانه من قبل[b][18]، ورجع القبودان العثماني إلى الآستانة، وكانت الدولة العثمانية آخر قوة إسلامية هاجمت إيطاليا[19].[/b]







[1] قال أرشيبالد لويس في كتابه القوى البحرية والتجارية (ص221): أتاحت الاضطرابات التي لازمت سقوط الأغالبة وقيام الفاطميين بالقيروان فرصة للإيطاليين ليأخذوا بعض الراحة، رغم ضعف بيزنطة الحربي برًا وبحرًا. وقال (ص222،221): وقد أتاحت الاضطرابات القائمة في إفريقية وصقلية كما مَرَّ الفرصة لإخراج المسلمين من قواعدهم الأمامية في جنوب إيطاليا.
[2] انظر: القوى البحرية والتجارية (ص217).
[3] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان هامش (ص154).
[4] هي جزيرة في البحر المتوسط بين تونس، وصقلية، وقد فتحت في زمان معاوية رضي الله عنه، وبقيت إلى أيام عبد الملك بن مروان في حَوْزة المسلمين، ثم خَرِبَت، وتداول السيطرة عليها المسلمون والروم، قال الحميري: وهي مَكْمَن للغُزاة من المسلمين والروم، وكانت فيها للمسلمين على الروم أيام صمصام الدولة - وهو آخر أمراء الكلبيين بصقلية - وقيعة مُجْحِفة، ومَقتلة عظيمة، انتهى. انظر: معجم البلدان (4/413)، والروض المعطار (ص485)، وموسوعة التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر السوري (22/442)، وقوصرة تابعة في الوقت الحالي لمقاطعة تراباني، إحدى مقاطعات صقلية التابعة بدورها لإيطاليا.
[5] النَّوْء: المطر الشديد. انظر: المعجم الوسيط (2/961).
[6] انظر: الكامل في التاريخ (8/153،152).
[7] كانت من أكبر المدن بجزيرة صقلية، بل وصفها ياقوت بأنها أكبرها، وكانت معقلًا حصينًا لنصارى صقلية فترة من الزمن بعد فتح الجزيرة، وهي تقع على الشاطئ الشرقي من الجزيرة عند مضيق مسينا، والبحر يحيط بها من ثلاثة جوانب، مما هَيَّأها لتلقي الإمدادت من قِبَل الروم للصمود في وجه الفتح الإسلامي، وقد توفي أسد بن الفرات رحمه الله فاتح صقلية أثناء غزوه لها، ولم تفتح إلا سنة 264 هـ-، أي بعد نحو إحدى وخمسين سنة من فتح الجزيرة. انظر: معجم البلدان (3/214)، والروض المعطار (ص318،317)، والعرب في صقلية (38،37). ومن الواضح أن موقعها وحَصانتها ساعدتا ابن عباد على مقاومة النورمان، كما سَهَّلتا لها العبور إلى قلورية.
[8] انظر: العرب في صقلية (ص132،131).
[9] كان سبب الوحشة أن روجر أرسل إلى علي بن يحيى سنة512 هـ- يلتمس تجديد العقود والعهود، ويطلب أموالا كانت موقفة له بالمهدية بعنف، وغلظة، فجاءه الرد بالمثل، ووقعت الوحشة بينهما. انظر: البيان المغرب (1/307).
[10] كان الجنوب الإيطالي بأكمله تابعًا لملوك النورمان بصِقِلِّيَّة، كما مّرَّ بيانه عند الحديث على استيلائهم على صقلية؛ فمن جنوب إيطاليا انطلقوا لغزو الجزيرة.
[11] وقع في البيان المغرب (1/308): فلم يشك صاحب صقلية أن المُحَرِّك والمُسَبِّب له هو أمير إفريقية الحسن بن علي؛ لما تقدم بينه وبين أبيه من الوَحْشة العظيمة.
[12] الشَّوانِي: جمع الشُّوْنَةُ، وهي المَرْكَبُ المُعَدُّ للجهاد في البَحْر. انظر: تاج العروس (35/298).
[13] انظر تفصيل الهجوم النورماني على المهدية في: الكامل لابن الأثير (9/223،222)، والبيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري (1/309،308). ولم يتوقف الصقليون النصارى عن الهجوم على شمال إفريقية؛ فقد أغاروا سنة 536 هـ- على شاطئ المهـدية، ونهبوا جميع مراكبه، ثم أغاروا على أطرابلس سنة 537هـ-، ثم استولوا على سفاقس سنة 538هـ-، ثم تغلبوا على المهدية نفسها سنة 543 هـ-، ومكثوا فيها إلى سنة 555 هـ-، حتى أخرجهم منها عبد المؤمن بن علي الموحدي، واستولوا على زويلة سنة 552 هـ-، ثم عاودوا الهجوم على المهدية سنة 558 هـ-، واستولوا على سوسة، ثم خرجوا، ثم عاودوا الهجوم على المهدية ثالثة سنة 573 هـ-. انظر: المرجع السابق (ص194-199). وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ﴾ [النساء:104].
[14] كان رحمه الله تعالى يغزو شواطئ إيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، وكان يأخذ كل ما تصل إليه يده من أموال، وأهالي، وفتح الحصن الذي أقامه الإسبان في جزيرة صغيرة أمام مدينة الجزائر، فلما تحالف السلطان سليمان القانوني مع فرنسا لقتال ملك النمسا، أرسل إلى خير الدين أن يكف عن مراكب الفرنسيين، وشواطئهم، فحول كل قادته إلى شواطئ إسبانيا، وانتقم من أهلها على ما ارتكبوه من الفظائع والمنكرات مع المسلمين بعد سقوط غرناطة في أيديهم، وساعد كثيرًا ممن بقي ببلاد الأندلس من المسلمين على الرجوع إلى بلاد المغرب، والاستيطان بها؛ فرارًا من اضطهاد الإسبان، وإجبارهم لهم على الخروج من دين الإسلام، واعتناق النصرانية.
[15] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص232،231).
[16] انظر: المرجع السابق (ص238).
[17] انظر: المرجع السابق (ص241).
[18] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص245).
[19] انظر: المسلمون في أوروبا وأمريكا للكتاني (ص156).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
صفحات منسية من تاريخ الإسلام في إيطالية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: التاريخ الاسلامي-
انتقل الى: