عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: الفيلم الفلسطيني “نطفة حرة” الإثنين 11 نوفمبر 2019, 1:07 pm
الفيلم الفلسطيني “نطفة حرة” للمخرجة نجلاء زيتون: المقاومة المزروعة في الأرحام بطولات مؤجلة
في تجربتها السينمائية الأولى، تأبى المخرجة الفلسطينية الشابة نجلاء زيتون إلا أن تضع قضيتها في بؤرة اهتمامها، بادئه مشوارها بلغة خاصة تطرح آخر مستجدات الصراع، وجديد المقاومة وآليات الابتكار والإبداع، لتكشف عن بطولات من نوع آخر، تتجسد تفاصيلها داخل وخارج أسوار السجن، حيث تهتدي عناصر المقاومة من السجناء إلى فكرة تصلهم بزوجاتهم وتوطد أواصر الدم والنسب والنسل من خلال تهريب نُطف المقاومين في ثلاجات لزرعها في أرحام الزوجات لتتكون الأجنة تحت رعاية طبية دقيقة، وتصير الأجنة براعم وتصير البراعم صبية وشباباً يواصلون القتال والنضال، فتبقى شعلة الثورة متقدة.
تلك هي فكرة الفيلم الروائي القصير الذي صنعته المخرجة، ليكون وثيقة سينمائية بالصوت والصورة، تقدم في 12 دقيقة رؤية السينما الفلسطينية لميلاد الفجر من رحم الظلام، وعبقرية زراعة المقاومة في أحلك الظروف وأقساها ألماً ومعاناة. وتسير أحداث الفيلم المكثفة بمحاذاة الواقع الفعلي للقضية المجسدة في عشرات الحالات الناجحة والمنجبة، لفتية الثورة وبشائرها في مستقبل النصر والتحدي، والوعد بتحرير الأرض وصيانة العرض، ونقاء السلالة وتعميق الجذور، ليظل كل طفل نبت في أرض المقاومة بطلاً يجابه ويواجه ويُستشهد ليخلف من بعده من يحمل الراية ويكمل المشوار.
التجربة الجديدة تترجم وعيا مُطلقا بدور السينما في تبني قضايا الوطن والوقوف على آخر ما تصنعه الإرادة الفلسطينية في معركة تحديد المصير، فالبطل الذي يغني داخل الزنزانة أغنيات الحرية، غير عابئ بالخطر والسجن وشراسة السجان، هو نفسه من يُخرج من ظهره النطفة الحرة لتحمل رسالته إلى العالم بأنه لا أصل لكلمة فناء في قاموس فلسطين، الوطن والتاريخ والحضارة والاستبسال والانتصار، تخرج النطفة وسط الحراسات المشددة كأنها الضوء ينفذ من السُحب السوداء، ليصل إلى غايته، حيث الزراعة أول بدايات التكوين في سلسلة الاكتمال والمراهنة على المستحيل، لتصير أحلام الآباء حقائق تمشي على الأرض فتضيء عتمة الزنازين وتقصر أمد الانتظار البعيد.
تصبر المخرجة نجلاء زيتون على تجربتها وقتاً طويلاً لتختمر كل معانيها الإنسانية والوطنية، وحين تأتي الفرصة تسعى إلى تقديمها بشكل عفوي، يغلب عليه الطابع الوجداني، لكنها تؤسس في الوقت ذاته لفكرة البقاء والخلود للنوع المقاتل متجسداً في الجنس الفلسطيني الفريد في محنته وصموده وإقدامه وهيبته، فتلك سماته ودلالات بقائه، حيث لا مناص من الدفع بأجيال أخرى تحمل السلاح والألوية وتحمي الهوية، فهذه شارات الوضوح القوية وعناوين القضية الحية. ربما تكون المعاني المتضمنة في الفيلم القصير نُطفة حرة أكبر بكثير من عدد المشاهد الواردة في السيناريو وحرفية المقصود بالصورة والحوار حسب الخط الدرامي الذي رسمته المخرجة، وحالت ظروف الإنتاج دون مده على استقامته، لنرى المزيد من آيات الجمال والعمق في تجربتها البكر، التي تتميز بالصدق، والنازعة إلى توظيف أدوات التعبير، لتكون أسلحتها في مواجهة الصلف الصهيوني وآلة العدوان الدائرة على مدار الساعة، تقتل وتدمر وتحرق الأخضر واليابس لتطمس معالم المدن والقرى الفلسطينية الصامدة.
ولم تنس صاحبة الرؤية أن تشير إلى الجينات الوراثية المنقولة من الآباء للأبناء، التي تحمل الغايات المنشودة نفسها لتحقيق البطولات، كثمار ملموسة ومحسوسة للكفاح والنضال والمثابرة، فالطفل الصغير يرفع يديه بالقفاز مشكلاً بإصبعيه علامة النصر، في رسالة يبعث بها إلى أبيه المحبوس خلف القضبان وهو يتأمل أمه التي توصيه بأن يفخر بشقيقه المنتظر الآتي من نطفة الأب البطل، بما يوحي بقناعة راسخة لدى الزوجات اللائي يحملن نُطف أزواجهن بأن ما يصنعنه محض بطولة ومشروع بقاء للوطن ومن يعيشون فيه.
فيلم قصير في دقائق لمراحل تكون الانسان من نطفة الى جسم انسان ...