مسارات جزائرية: محاولة قراءة…
بيير لوي ريمون
«أقلمة المطالب مع الظرف»، عبارة أثارت انتباهي تلقفتها من إحدى حلقتَي برنامج «حديث الساعة» من قناة «بي بي سي» المخصصتين لأحداث الجزائر في الأيام الأخيرة. في هذا الملف، توالت الأحداث وتتابعت فعلا، وأسعدني أن ركز برنامج «حديث الساعة» مع ضيوفه على محاور تحليلية، حاولت تجاوز ثنائية الحكم والحراك الشعبي للتركيز على قطيعة أخرى، قطيعة «ما قبل الانتخابات وما بعدها.
قد أفاجئ البعض بقولي، ليس الأساسي أن يفوز بالانتخابات أحد ممثلي «الجهاز القديم»، أو بعبارة أخرى أحد ممثلي «الدولة العميقة» مدعوما بالمؤسسة العسكرية، بقدر ما الأساسي، أن ننظر في كيفية كتابة الفائز أيا كان، صفحات المستقبل. فالسياق السياسي الجزائري ليس هو السياق التونسي نفسه، وقد يتقاطع مع المصري من زاوية هيمنة المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة، لكن يختلف عنه كثيرا في كون الحراك غيّب طبقة سياسية، أو حركات تنتمي إلى المجتمع المدني، ما لم يترك للمحلل مجالا لمعاينة تيارات وتوجهات محددة.
لكن هناك خصائص تنفرد بها الجزائر، تجعلها، وقد ذكرنا مصطلح القطيعة، على مفترق جملة من «القطيعات»، التي ينبغي أن تخوض فيها قبل أن يصبح لها استقلال سياسي، يمكن تسميته بالـ»مدنية السياسية». أولاها، هو ما يشترك فيه هذا الجيل الجديد من الشباب الجزائري والفرنسي، الذي يريد القطيعة مع كل ما يمكن أن يمت بصلة في المتخيل الجماعي الجزائري لعقلية «حزب فرنسا» ومرجعيته. وأظن أن المقبل من الأيام ينذر بالإشارات الملموسة في هذا الاتجاه. لنتوقف قليلا عند عبارة «ما نجاوبوش» التي استعملها الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، ردا على تصريحات الرئيس الفرنسي، الواقعة بين مطرقة عدم استفزاز أكبر جالية مقيمة في فرنسا وسندان مراعاة الأصول الدبلوماسية، مع إبقاء وتيرة الاتصالات على حالها، وهنا نعلم أن الرجلين تخاطبا فعلا ومطولا. تصب عبارة «ما نجاوبوش» على الأقل في اتجاه تكريس برنامج «هوياتي»، ننتظر طبعا تجسيدا له على أرض الواقع. هل ستكون أرض الواقع الجزائري، أرض التجديد؟
نعلم أن أطرافا عديدة من الحراك تجيب بلا، لكن هناك سيناريو آخر يمكن توقعه أيضا، وهو أن يؤدي الحراك في هذه المعادلة دور الرقيب الأخلاقي، المنوط بكل «سلطة مضادة» عندما يطبَّق مبدأ توازن السلطات بطريقة سليمة.
السياق السياسي الجزائري ليس هو السياق التونسي نفسه، وقد يتقاطع مع المصري من زاوية هيمنة المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة
هل سيجري توازن السلطات في الجزائر بطريقة سليمة؟ هنا، مرة أخرى، المسألة على المحك والتحدي على الأبواب، وثمة في هذا الملف سؤال تال ومباشر يطرح نفسه بعد رحيل قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، وهو هل سيعين الرئيس تبون، الذي يحتل حاليا منصب وزير الدفاع بالوكالة بحكم الظروف، وزيرا مدنيا للدفاع؟ نعم، تجتاز الجزائر حالة من اللايقين، لكن من الأساسي أيضا أن نتحدث عن «الجانب الممتلئ من الكوب» ومؤشرات إيجابية مثل، إطلاق سراح المعتقلين، وفتح المجال الإعلامي، ثم التركيز على مكافحة الفساد، وهي نقطة اشتهر الرئيس الجديد بجعلها شعارا لولايته، كرئيس للوزراء . محاور أعرف أن كثيرين لا يؤمنون بإمكانية تحقيقها في الظرفية الحالية، لكن أمورا في أهمية مراجعة الدستور والتوجه نحو قانون انتخابي جديد، تترك موضوعيا، معطيات مؤسساتية سليمة، فإذا نظرنا نظرة بحتة إلى المسار القانوني، الذي يفترض أن يخوضه الرئيس الجديد، ثمة انتخابات جديدة مقبلة على الأبواب، أي ثمة تفعيل لسلامة سيرورة المخطط الديمقراطي.
أما الموضوع المركزي الشائك، الذي تناولناه عرضا – وهو في الواقع جوهري – أي مدنية النظام وإرجاع المؤسسة العسكرية إلى ثكناتها، ليس موضوعا جديدا، فالتاريخ الذي من المفيد استدعاؤه في لحظات نتمنى أن تكون حاسمة، يذكرنا كيف باتت مدنية الدولة من ركائز أدبيات حزب التحرير الوطني عام 1956. لكن التاريخ صنع العكس. وبالإمكان أن نختتم من هنا، من فكرة روج لها أحد أبناء الجزائر بالتبنّي، فكتاباته الأولى كانت عنها، عالم الاجتماع الفرنسي الشهير بيير بورديو الذي ذكّر أن ما صنعه التاريخ، يمكن إعادة صنعه دوما.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
وفاة قايد صالح تخلط الأوراق في الجزائر
تحت عنوان “وفاة قايد صالح تُعيد خلط الأوراق في الجزائر” قالت صحيفة لوموند الفرنسية إنه علاوة على الجدل، القوي أحياناً، حول شخصية قائد الجيش الجزائري الراحل الجنرال أحمد قايد صالح ودوره في المشهد السياسي، فإن الجزائريين يتساءلون خاصة بشأن تداعيات هذه الوفاة المفاجئة للرجل القوي التي وصفتها وزارة الدفاع الجزائرية بـ”المحنة المؤلمة والتراجيدية للجزائر”.
وأضافت لوموند أنه على الرغم من أن الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون يتمتع رسمياً وبموجب الدستور الحالي بسلطة شبه ملكية تسمح له باتخاذ تدابير لتهدئة الوضع الاجتماعي ووضع البلاد على سكة التغيير، لكن الجزائريين يعلمون أنه سيتعين عليه في الواقع التعامل مع قيادة الجيش التي لا تزال في قلب النظام السياسي الجزائري.
وهنا تساءلت الصحيفة الفرنسية: “هل ستغير وفاة قايد صالح المعطيات؟ وهل سيواصل الجيش الجزائري اتباع الخط المتشدد الذي وضعه قائده الراحل في مواجهة الحراك أم أنه سيختار السير في طريق الانفتاح؟”.
الصحيفة، اعتبرت أن وفاة أحمد قايد صالح -قائد الجيش منذ عام 2004 ونائب وزير الدفاع منذ عام 2013- لن تمحي مشواره المهني ولا قربه من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي دعم ترشحه لـ”عهدة خامسة” ورد بقوة على المظاهرات الشعبية الأولى ضد الرئيس السابق، قبل أن يتخلى عن بوتفليقة بعد ذلك بشهر ويجبره على الاستقالة، تحت ضغط الشارع.
كما أوضحت الصحيفة أنه بالنسبة للعديد من الجزائريين، فإن أحمد قايد صالح كان يجسد الحكم القديم الذي قاد البلاد نحو طريق مسدود وبات اليوم موضع رفض شعبي واسع.
ومضت لوموند إلى القول إن الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، الذي أضحى “الصوت الفعلي للنظام” الجزائري، لم يرسل لحد الآن أية إشارات واضحة بشأن السياسة التي سيتبعها في الأسابيع المقبلة ومازالت دعوته إلى الحوار غامضة.
في غضون ذلك، يجعل المعارضون السياسيون ونشطاء الحراك من إطلاق سراح سجناء الرأي ونهاية السيطرة على وسائل الإعلام السمعية والبصرية، شرطاً مسبقاً لأي انفراج سياسي محتمل.
إندبندنت: وفاة الرجل القوي تعزز الشكوك في الجزائر
نشرت صحيفة الإندبندنت الإلكترونية البريطانية تقريرا لمراسل الشؤون الدولية بورز دراغي بعنوان “وفاة الرجل القوي تعزز الشكوك في الجزائر”، أكد فيه أن وفاة رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح تعزز الشكوك في البلاد، التي تسيطر فيها المؤسسة العسكرية على الحكم لعقود.
وشدد الكاتب إعلى أن قايد صالح كان هو المحرك الحقيقي للأوضاع في البلاد منذ الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة عقب انتفاضة 22 فبراير/ شباط الماضي، وأكد أن رئيس أركان الجيش، الذي ظل وفيا لبوتفليقة لسنوات، “سرعان ما انقلب على رئيسه مدعما جهود الإطاحة به”.
وأشار دراغي إلى مسار قايد صالح، الذي كان قائدا للقوات البرية خلال حقبة العشرية السوداء، كما وصفت، خلال تسعينيات القرن الماضي المريرة في البلاد، واستمر في مراتب عسكرية عليا لأكثر من عقدين، قبل أن يتصدر المشهد خلال الأشهر العشرة الأخيرة من الاحتجاجات الشعبية، التي استمرت برغم استقالة بوتفليقة.
واعتبر الكاتب أن “صالح تمكن بكفاءة من موازنة الأمور في مواجهة المحتجين المعارضين لدور الجيش المتزايد في المجال السياسي، وقام باستخدام سلطاته طوال العام الماضي لمحاكمة وسجن ضباط كبار باتهامات الفساد، في محاولة منه لتخفيف الضغوط الشعبية على القوات المسلحة”.
وشدد على “أن وفاة الجنرال صالح جاءت بعد أقل من أسبوعين فقط من وضعه رئيسا جديدا للبلاد في السلطة ممثلا في رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون، رغم الاعتراضات التي تشهدها أنحاء متفرقة من الدولة الغنية بالنفط، حيث عانى من أزمة قلبية مفاجئة ليرحل عن عمر يناهز 79 عاما”.
وتناول دراغي خليفة قايد صالح بالإنابة، قائد القوات البرية، اللواء سعيد شنقريحة، الذي ارتبط اسمه بمحاربة الإرهاب، ونوه إلى أن شنقريحة الأقل سنا، حيث يبلغ 74 من العمر، يختلف عن قايد صالح بكونه ولصغر سنه لم يشارك في الحرب التحريرية، وأشار إلى أن مقاربة شنقريحة قد تكون مختلفة عن قايد صالح مع استمرار الاحتجاجات الشعبية، التي دخلت شهرها الحادي عشر.
جنازة حاشدة.. هل صنع قايد صالح شعبيته في 10 أشهر؟
الجزائر- متابعات: في مشهد يعيد إلى الذاكرة توديع الشعوب لرؤسائها الذين يحظون بتقدير جماهيري، حمل جثمان قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح على مركبة عسكرية محاطا بحراسة مشددة، لينقل إلى مثواه في مقبرة العالية بعاصمة البلاد.
وصل أوفياء قايد صالح إلى قصر الشعب قبل أن يصل جثمانه، وحملوا الأعلام وصوره منتظرين مروره لإلقاء النظرة الأخيرة، واصطف المئات منذ الساعات الأولى من صباح أمس الأربعاء كي لا يفوتوا فرصة الوداع كما حبذوا أن يسموها، حسب تقرير”الجزيرة نت”.
من مختلف ربوع البلاد ومختلف التوجهات السياسية حضر الآلاف واقفين أمام قصر الشعب في قلب العاصمة، حيث وقف الرئيس الجديد عبد المجيد تبون وأعضاء حكومة تصريف الأعمال وعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة بالبلاد والوفود الدولية.
لم تأبه الأعداد الكبيرة من القادمين إلى قصر الشعب ببعد المسافة ولا الطرق المغلقة، فقد ساروا من مختلف الأعمار والفئات مرددين “جيش، شعب، خاوة، خاوة”، و”القايد صالح مع الشهداء”، و”يا القايد ارتاح، سنواصل الكفاح” وغيرها.
محبو الرجل
لم تستطع الحاجة حفيظة (76 سنة) حبس دموعها وهي تقف على مدخل قصر الشعب، تضرب صدرها كمن يحاول إخماد نار، وتقول للجزيرة نت إن “الجزائر اليوم آمنة بفضل هذا الرجل لأنه وفى بعهده حين قال: لن تراق قطرة دم جزائرية واحدة”.
تتذكر هذه السيدة للراحل قايد صالح مواقفه طوال فترة الحراك الشعبي الذي دخلت فيه البلاد منذ 22 فبراير/شباط الماضي، فتقول إنه “كان حكيما في التعامل مع الغضب الشعبي، تعامل مع المتظاهرين بحنكة المجاهد”.
ويقول أحد الشباب -الذين جاؤوا لإلقاء النظرة الأخيرة على الفريق الراحل- إن “دموعه خالصة لرجل جنب البلاد التدخل الأجنبي”، ويردد هذا الشاب باكيا وسط الحشود “لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله”.
وسار المشيعون خلف موكب قائد أركان الجيش الذي فارق الحياة في خبر مفاجئ بعد أيام قليلة من ظهوره في مراسم اليمين الدستورية التي أداها الرئيس الجزائري الجديد.
ومشى الآلاف من عامة الشعب مسافة تزيد على 15 كلم على الأقدام محيطين بموكب الراحل يحاولون مد أياديهم نحو الموكب الجنائزي، مؤشرين بالوداع للرجل الأكثر ظهورا في البلاد بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة من الرئاسة.
مخالفو الفريق
وسار في جنازة قايد صالح أيضا بعض من خالفه في موقفه السياسي وكان يطالب حتى الأسبوع الماضي برحيله، إذ يقول عبد اللطيف (27 سنة) “صرخت الجمعة الماضية: الشعب يريد إسقاط القايد صالح”.
ويضيف أن “رئيس أركان الجيش رحل اليوم، هو كان خصما سياسيا ولم يكن عدوا، لأننا أبناء الوطن الواحد”.
وقال “أتيت رفقة عدد من أصدقائي ممن يحبون الرجل فعلا وممن يخالفونه، أخطأ في الفترة الماضية أم أصاب، نحن لا نعرف، ولكن الأكيد أنه من الإنسانية الترحم على الميت”.
ويعتقد بعض من ناهض خطة قيادة الأركان في الفترة الأخيرة لحل الأزمة في البلاد أن “الحراك الشعبي ظل واقفا بسلميته والأخلاق العالية التي تحلى بها المتظاهرون طوال الأشهر العشرة الماضية”، إلى جانب “حرص قيادة الأركان على عدم إراقة قطرة دم واحدة” كما قالت سميرة بوعروة (37 سنة).
ويتفق الجزائريون -الذين خرجوا لتوديع من سموه “مهندس مرحلة ما بعد بوتفليقة”- على أن قائد أركان الجيش قابل الحراك الشعبي على حلبة نظيفة، فكان الأخذ والرد بينهما، ويتساءل البعض عما إذا كانت الأشهر العشرة الماضية أكسبت الفريق الراحل هذه الشعبية؟