صراع الحضارات وحوار التواصل.. أهم النظريات
إن الحديث عن الحوار بين الحضارات والثقافات. والتواصل فيما بينها، أمر في غاية الأهمية للشعوب كافة، نظرا لما يحققه من امن واستقرار، كان سيكون أكثر فعالية لو تجنب العالم مجموعة من الحروب المدمرة، لكن في نظري كي لا يبقى ماضينا مسيطرا علينا ومتحكما فينا، لا بد من إيجاد حل لمشكلة التواصل والحوار، والوقوف على معيقات التواصل ومحاولة معالجتها.
سأتطرق في مقالي هذا لأهم النظريات التي عالجت فكرة الصراع او الصدام وذلك في المبحث الأول، من خلال الوقوف على بعض مؤلفات الباحث وعالم المستقبليات المغربي الدكتور المهدي المنجرة، والباحث الأمريكي صمويل هنتنغتون.
أما في المبحث الثاني: سأعالج مبادرة الحوار والتواصل، للمفكر الفرنسي، روجي غارودي.
المبحث الأول: مدخل لصراع الحضارات.
المهدي المنجرة والغرب:
لقد عرف الغرب، خلال العشرين سنة الأخيرة سنة 2000، ثلاثة مخاوف أو أسباب للقلق هي: الديموغرافيا، والإسلام، واليابان.
أسباب هذه المخاوف بينة حتى ولو كانت غير مبررة، فمسالة الديموغرافية تؤثر على توزيع الموارد عبر العالم حيث يمثل مجموع ساكنة بلدان الشمال أقل من 18 في المئة من العدد الكلي لسكان المعمورة، والخوف من الديموغرافيا والإسلام مترابطان، لأن الزيادة الكبرى في تعداد السكان خلال العقود الأخيرة حدثت في البلدان الإسلامية.
وهذا يتضح جليا من خلال التقرير الأخير الذي يقر بتزايد عدد المسلمين في بريطانيا إلى ثلاثة ملاين….
المهدي المنجرة وصراع الشمال والجنوب
كان الأستاذ المنجرة قد نشر في سبتنبر 1990 مقالا عن أزمة الخليج تحت عنوان بداية المواجهة بين الشمال والجنوب، وقد بين في هذا المقال المنشور في كتابه الحرب الحضارية الأولى، أن الأمر كان يتعلق حتى قبل بداية الحرب ببداية مسلسل عالمي بقطع النظر عن العلاقات الخاصة بين العراق والكويت، لقد كانت هناك علاقة مباشرة بتغير النظام الدولي خاصة على صعيد علاقات البلدان الاشتراكية الأوروبية مع البلدان الرأسمالية الغربية.
وإذ تميزت هذه المرحلة بظهور هيمنة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية، اذ النزاع العالمي تغير من نزاع ايديولوجي بين الماركسية والرأسمالية الى نزاع ومواجهة حضارية على مستوى القيم ما بين المسيحية واليهودية من جهة وبقية القيم الانسانية كالبوذية والهندوسية من جهة ثانية.
غير أن الإسلام والمسلمين أصبحوا في هذا الإطار الهدف الاساسي للدول الغربية، وقد كانت البداية مع العراق. وبعد حرب الابادة عليه، والتي خلفت أكثر من 250 ألف شهيد، تواصل الحرب الحضارية تصعيدها في فلسطين والصومال، وكذلك حرب الإبادة في البوسنة بكل وضوح.
كما اعتبر المنجرة أنها خطة جديدة لمحاربة الاسلام والمسلمين.
لكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، وبروز النظام الرأسمالي والقطب الواحد. كان الكل متسائلا حول الصراعات المستقبلية، ومن هو البديل الذي يمكنه الوقوف في وجه أمريكا وحلفاءها. أو من هو العد والمستقبلي إن صح التعبير للو.م.أ.
سرعان ما اعتبر البعض أن الإسلام هو العدو المستقبلي نظرا لعدة أمور. يمكن تلخيصها في:
حرب الخليج 1990.
أحداث الحادي عشر من سبتنبر 2001.
الحرب على أفغانستان 7 أكتوبر 2001.
الحرب على العراق 2003.
بالنظر إلى آخر الأحداث والمجريات على الساحة الدولية كأحداث شارلي ايبدو في فرنسا وتشابل هيل في الولايات المتحدة ومتحف باردو في تونس وما تشهده الهند حاليا، نجد الصراع في أعلى درجات نشاطه.
خاصة مع ارتفاع نبرة الدعوة بالحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
صامويل هنتغنغتون وصدام الحضارات The Clash of Civilisations
يؤمن هنتنغتون في كتاباته بأن الصراع لن يكون أيديولوجيا أو اقتصاديا بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، بل سيكون حضاريا، وعلى وجه التحديد بين الحضارة الغربية والإسلامية والصينية.
تحدّث صامويل هنتينغتون في مناقشته لفكرته المتعلـقة بصراع الحضارات عن مجموعة من الحضارات، كانت ثلاثة منها على وجه الخصوص مهمة بالنسبة إليه. كانت إحداها، وهي ما دعاها، المجموعة الحضارية الآسيوية والتي ضمّن فيها الصين، اليابان وشرق آسيا. كانت الثانية هي المجموعة الغربية والتي قصد بها أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية. أما المجموعة الثالثة والتي يشير إليها فهي العالم الإسلامي.
استخدم هنتينغتون فكرة صراع أو صدام الحضارات ليعكس ويظهر الصراع الكامن على مستوى عالمي والذي نشأ ربما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والذي، في نظره، سيحدد وجهات نظر السياسة الأجنبية التي يجب أن توجه ليس فقط المحللين لكن أيضاً الحكومات.
كانت البداية لإخراج هذه الفكرة صدام الحضارات إلى الوجود سنة 1993 عندما نشر الدكتور هنتنغتون مقالة في مجلة الخارجية الأمريكية أسماها صدام الحضارات وبعد أن أثارت هذه المقالة العديد من ردود الأفعال المؤيدة والمعارضة للأفكار الواردة فيها، والصيت الذي حظيت به هذه المقالة، قرر مؤلفها أن يوسعها إلى كتاب. وفي هذا الكتاب يقول المؤلف بأنه يقدم العديد من البراهين والأدلة التي تم التطرق إليها بشكل يسير في المقالة المذكورة.
على الرغم من الانتشار الواسع لنظرية صراع الحضارات إلا أنها لم تسلم من الانتقادات
حيث قيل عنها أن:
لم يهتمّ هنتنجتون في أطروحته بتوضيح علاقة العولمة بصراع الحضارات وتأثير كل منهما في الآخر بشكل كاف.
عدم وجود منهجيّة علمية في كيفية تصنيف الحضارات إذ أن هنتنغتون لم يلتزم بمعيار أو واحد في تصنيفه للحضارات فنراه يصنف بعض الحضارات على أساس ديني كالحضارة الإسلامية والبعض الآخر على أساس جغرافي كالحضارة الغربية.
كما أنه تجاهل الجانب الاقتصادي في الصراع.
المبحث الثاني: مدخل لحوار الحضارات
يعد القرن العشرين، قرن الحروب والصراعات سواء الطائفية أو الثقافية الحضارية، حيث خلف وراءه العديد الخسائر البشرية، ناهيك عن المنشآت الثقافية والحضارية، وكذا الأزمات الاقتصادية والسياسية… وعليه نشأت فكرة صدام الحضارات التي تبنها المفكر الأمريكي صاموين هنتنغتون والمفكر المغربي المهدي المنجرة.
لكن سرعان ما ستظهر مواقف وأطروحات تؤسس لمبدأ الحوار بعيدا عن الصراع والتطاحن إن صح التعبير،
كان من أبرز هذه الاطاريح :
أطروحة المفكر والفيلسوف الفرنسي روجي غارودي.
حوار الحضارات عند روجيه غارودى:
قبل ما يقارب عقود مرت من الزمان والعالم ما زال في ذلك الوقت يتعامل بواقع ثنائي القطب إلى حد ما خرج المفكر الفرنسي روجيه غارودي على العالم أجمع بنظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض وسماه بـحوار الحضارات وكان مشروعه يتسم بنقد الهيمنة الغربية.
يعمل هذا المشروع على:
التطور والنماء في التنمية على المستوى الاقتصادي.
وأما على الصعيد السياسي فإن حوار الحضارات يعمل على الانتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى ديمقراطية المشاركة، ويمنح السياسة بعدا جديدا كما أن هذا المشروع يعمل على العلاقة بالآخر، والعلاقة بالكل ويبعد عزلة الأنا.
وعلى الصعيد الثقافي يعمل مشروع حوار الحضارات على الانفتاح على الثقافات في جميع المجالات. كما يدعو روجيه غارودي للحوار بين الحضارات، وخاصة يدعو الحضارة الغربية إلى العمل على هذا المشروع والمساهمة فيه.
روجي غارودي وصدام الحضارات
يرى غارودي أن صدام الحضارات، هو في الحقيقة، صيحة خوف وتحذير من الغرب، من حجم الرفض لمشروعه، ومن المقاومات التي تظهر منددة بسياساته، ومن ثم، فإن الصراع القائم في العالم، ليس كما ادعى هنتنغتون، ورافع لأجله في أطروحته، بل هو، في واقع الأمر، صراع بين القيم، بمعنى آخر، صراع بين الإلحاد والإيمان، وحرب بين وحدانية السوق.
إن الحديث عن حوار الحضارات أمر في غاية الأهمية، قد صرفت عليه في السنين الأخيرة العديد من الجهود والأموال، والفت حوله العديد من الأطاريح، خصوصا بعد الخسائر البشرية الهائلة التي خلفتها الحروب،
وتبقى معيقات الحوار السبب الرئيس او الحاجز الذي يحول دون تحقيق هذا الأخير مثل:
الأصولية الدينية.
العولمة. وغير ذلك من العوائق….
اعتقد أن البحث في المشترك الإنساني وتجنب التعصب طريقا من طرق التواصل والحوار.
بعيدا عن الخطاب الإقصائي والتعصب الطائفي وإلغاء الأخر..
لائحة المصادر والمراجع:
المهدي المنجرة، حوار التواصل، ط 7، 2001.
المهدي المنجرة، الحرب الحضارية الأولى.
صامويل هنتغتون، صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي، الطبعة الثانية، ط2 1999.
أسامة الطنطاوي، مقال حرية الحوار وحق الاختلاف.
مقال سمية غريب، روجيه غارودي ونظرية حوار الحضارات، المجلة الثقافية الجزائرية.
سعدون يخلف، مقال روجيه غارودي وصدام الحضارات: حرب بين وحدانية السوق والمعنى.