عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: "زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة الثلاثاء 28 أبريل 2020, 9:54 pm
"زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة
13 فنانا تركيا شاركوا بأضخم عرض مسرحي يعيد للذاكرة تاريخ القدس في مختلف العصور (الجزيرة) خليل مبروك-إسطنبول شهدت مدينة إسطنبول التركية الليلة الماضية إطلاق العرض الأول للفيلم المسرحي الدرامي "زمن القدس" الذي يجسد واقع المدينة المقدسة في العصور الإسلامية المختلفة.
وحضر افتتاح الفيلم -الذي نظمه مكتب رئاسة الجمهورية ووزارة الثقافة والسياحة- هاكان جاويش أوغلو نائب رئيس الوزراء ومسؤولو عدد من المؤسسات والمنظمات والأوقاف المهتمة بشؤون القدس.
ويمزج الفيلم -الذي يؤدي الأدوار فيه 130 ممثلا من نحو مئتي مشارك- في عملية الإنتاج بين ألوان متعددة من الفنون الدرامية التي تتجلى في الحوار المسرحي والمؤثرات الصوتية وتقنيات التصوير ثلاثية الأبعاد والخرائط الإلكترونية وخرائط الفيديو.
ويصحب الفيلم -الذي كتب نصوصه الروائي التركي أوزغا ديليك- المشاهد في جولة داخل سور المسجد الأقصى المبارك التي تتداخل فيها الصور الحقيقية للقباب والمصاطب والأسوار مع الرسوم ثلاثية الأبعاد للمآذن والسبل والتكايا والأبواب الثمانية.
صورة القدس ووفقا للقائمين على الفيلم، فقد استغرقت عملية إنتاجه عاما كاملا شملت جمع المعلومات وتحقيقها، وبناء السيناريو السردي، إضافة إلى شهرين من التدريب ليتمكن الممثلون من تقديم صورة القدس في المراحل المختلفة التي عاشتها.
الفيلم يتناول القدس في مختلف العصور (الجزيرة) الفيلم يتناول القدس في مختلف العصور (الجزيرة)ويهدف الفيلم -وهو من إخراج مراد سليم كوجات ونجاة بيرجيك- إلى إظهار المكانة الروحية للقدس لدى المسلمين. فعلى وقع تلاوة مجودة لمطلع سورة الإسراء، تقدم مشاهد الفيلم الأولى إيحاءات عن إسراء النبي محمد عليه الصلاة والسلام للمدينة وإمامته للأنبياء فيها قبل معراجه إلى السماء.
كما يظهر الفيلم الارتباط التاريخي للشعب التركي بالقدس ومكانتها في الموروث العثماني، وتظهر في كثير من مشاهده الطقوس الصوفية المعروفة لدى الأتراك.
ويركز على أدوار أبطال تاريخيين ارتبطت أسماؤهم بمدينة القدس، بدءا من الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب الذي سار من المدينة المنورة إلى القدس لتسلم مفاتيحها من حاكمها الصليبي صفرونيوس، ويتوقف العرض بتأن مع "وثيقة عمر" التي تعرض صورة تجسيدية لها وتتلى كلماتها كلمة كلمة بالتركية.
ويقدم الفيلم مقاربة لافتة تشبه واقع الأمة الإسلامية اليوم بحالها في عهد الحروب الصليبية، وصولا لمرحلة ظهور القائد صلاح الدين الأيوبي.
كما ينقل فيلم "زمن القدس" المشاهد بين عصور الدويلات الإسلامية المتعاقبة على حكم القدس إلى أن دخلها السلطان العثماني ياووز سليم بعد انتصاره على المماليك في معركة مرج دابق عام 1516 ميلاديا.
وثيقة العهدة العمرية قرئت في الفيلم كلمة كلمة بالتركية (الجزيرة)
ازدهار القدس ويركز الفيلم كثيرا على ازدهار القدس في العهد العثماني وصولا إلى حوار السلطان عبد الحميد خان (الثاني) مع رئيس الوكالة اليهودية ثيودور هيرتزل الذي نزل إسطنبول عام 1896 لعقد صفقة (بيع القدس للمهاجرين اليهود مقابل سداد ديون الباب العالي) ويظهر حالة الغضب التي تملكت السلطان لهذا العرض ورفضه له.
وقالت بلقيس إبراهيم حقي أوغلو رئيسة "منصة القدس" التركية التي رعت إنتاج الفيلم إن القدس حق لكل مسلم منذ ولادته، وقصتها يجب أن تروى لكل البشر "كي يحسوا بروحها، ويلمسوا حجارتها، ويتنفسوا هواءها".
أما نائبتها زينب ترك أوغلو، فاعتبرت إنتاج الفيلم تعبيرا عن الانتماء للقدس التي عايشت الكثير من المعاناة على مر العصور.
بدورها أكدت منسقة المشاريع بالمنصة عائشة أورال أن الفيلم يحمل رسالة للأمة تحثها على التوحد اليوم لأجل القدس كما توحدت من قبل، موضحة أن الفيلم متعدد الأساليب الدرامية وظف كل ما أمكن توظيفه من التقنيات الفنية عالية التخصص ومهارات المنتجين وعقولهم وقلوبهم.
كما أشارت إلى أن المنصة حرصت على استثمار الإمكانيات الأكاديمية في إثراء الفيلم بالمعلومات الدقيقة، مؤكدة توسيع الاتجاه للاستثمار في الأكاديميا لصالح المدينة المقدسة.
عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 28 أبريل 2020, 10:01 pm عدل 1 مرات
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: "زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة الثلاثاء 28 أبريل 2020, 9:56 pm
نص العهدة العمرية
من كتاب لأبن القيم الجوزية
عن عبد الرحمن بن غنم : كتبتُ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام، وشرَط عليهم فيه
الا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا يجدِّدوا ما خُرِّب، ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم، ولا يؤووا جاسوساً، ولا يكتموا غشاً للمسلمين، ولا يعلّموا أولادهم القرآن، ولا يُظهِروا شِركاً، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوا، وأن يوقّروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، ولا يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم، ولا يتكنّوا بكناهم، ولا يركبوا سرجاً، ولا يتقلّدوا سيفاً، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم، وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا، وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم، ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين، ولا يخرجوا شعانين، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم، ولا يَظهِروا النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جَرَتْ عليه سهام المسلمين. فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمّة لهم، وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق, وأجاب المسيحيين المذلين , الذين أحتلت أراضيهم بقوة سيف المستعمر العربي المسلم الغاصب ... ----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الشروط العمرية كما جائت فى تفسير ابن كثير للقران
إسم المؤلف : إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء
هذا كتاب بعثنا به نحن مسيحيوا الشام إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما أتيتم بلدنا?
استأمنا منكم لأنفسنا ولذوينا ولأموالنا ولإخواننا في الدين? وتعهدنا بألا نبني كنائس ولا صوامع ولا بيعاً? ولن نعمر ما أشرف على الانهدام منها? ولن نصلح ما يقع منها في أحياء المسلمين. نؤوي المارة والمسافرين من المسلمين في بيوتنا? ونضيف المسلمين أجمعين ثلاثة أيام? ولن نقبل جاسوساً ولا عيناً في كنائسنا ولا في دورنا? ولن نخفي على المسلمين ما من شأنه الإضرار بمصالحهم. لن نعلّم أولادنا القرآن? ولن نحتفل بقداديسنا على مرأى الناس? ولن ننصح بذلك في عظاتنا? ولن نمنع أحداً من أهل ديننا من اعتناق الإسلام إن أراد. نعامل المسلمين بالبر والإحسان? ونقوم إذا جلسوا? ولن نتشبه بهم في الملبس? ولن نأخذ بلسانهم? ولن نكني أنفسنا ولا أولادنا? ولن نسرج ولا نحمل سلاحاً? ولن نضرب في خواتيمنا حروفاً عربية? ولن نتاجر بالمسكرات? ونحلق مقادم رؤوسنا? ولن نعرض كتبنا ولا صلباننا في أماكن المسلمين
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: "زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة الثلاثاء 28 أبريل 2020, 10:03 pm
الحروب الصليبية في العقل الصهيوني
" أوجه التشابه بين صليبيي الأمس ويهود اليوم" بحث وتحقيق: عبد اللطيف زكي أبو هاشم مدير دائرة المخطوطات والمكتبات وزارة الأوقاف – فلسطين
مقـدمـة: إن تحرير المسجد الأقصى قد يجسد النصر الذي أحرزه المسلمون على الصليبيين، بريادة عماد الدين زنكي الرائد الأول لقيادة المسلمين إلى قتال الصليبيين في العراق وغيرها من الحدود المتاخمة لهم ، ثم تبعه ولده - ولكن بصورة أكثر وأشرس - القائد الرباني " نور الدين بن زنكي"[1] ، هذا الذي صنع منبراً للمسجد الأقصى الأسير، متفائلاً وموقناً بنصر الله للمسلمين، ثم توجت هذه الانتصارات بالقائد المظفر البطل صلاح الدين الأيوبي الذي وحَّد الجبهتين (المصرية والشامية) ضد الغزو الصليبي المتمركز في تلك البلاد حتى انتصر عليهم في المعركة الفاصلة (حطين) سنة 583هـ-1187م . لقد كان المسجد الأقصى يئن تحت المغتصب الصليبي الذي "قتل في باحة المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف ، حيث لبثوا في البلدة أسبوعاً، وأخذوا من عند الصخرة نيفاً وأربعين قنديلاً من الفضة ، وزن كل قنديل 3600 درهم ، وأخذوا تنوراً من فضة وزنه أربعون رطلاً بالشامي ، وأخذوا من القناديل الصغار مائة وخمسين .. ومن الذهب نيفاً وعشرين قنديلاً ، واغتموا منه ما لا يقع عليه الإحصاء"[2] . وقد غاصت الخيل في دماء المسلمين حتى وصلت إلى الركب[3] ، وقد أمعن الفرنجة بالقتل في كل من وجدوه في بيت المقدس، حتى لطخت الدماء الكواحل[4]، وقد كان المسلمون بحالة لا يحسدون عليها، من تناقض وضعف وهزيمة، لقد أصاب المسلمين آنذاك انحطاط في كل شيء مما مكن الغزاة لأن يعيثوا فساداً في تلك البقعة المقدسة كما حدث ويحدث اليوم . هذه الحرب البشعة التي عُرفت فيما بعد بالحروب الصليبية كانت بدايتها على يد بعض القساوسة في بلاد الفرنجة، ففي يوم 27 تشرين الثاني لعام 1095م ، غصت كاتدرائية مدينة (كليرمونت) في فرنسا على رحبها بالحضور المنقطع النظير للأساقفة وعدد غفير من الأمراء والنبلاء والألوف من أتباع الكنيسة المؤمنين بتعاليمها والمتمسكين بما تبشر به، ومع أنه كان يوماً بارداً من أيام شهر تشرين الثاني إلا أن هذا الجمع الغفير انتقل بعدما احتشد إلى ساحة كبرى خارج الباب الشرقي للمدينة، فقد تجمع الناس كتلاً للوقاية من زمهرير الشتاء القارص، وبعدما اكتمل الحشد اعتلى منصة الوعظ البابا (أوربان الثاني)، وألقى خطاباً رهيباً لم يخطب مثله من قبل واحداً من بابوات الكنيسة أو ساستها. لقد فجر هذا الخطاب قيام ما يعرف باسم الحروب الصليبية، والحروب الصليبية هي ملحمة عسكرية وصراع سياسي وعقائدي واقتصادي لم يشهد له التاريخ مثيلاً أبداً، فما الذي دفع البابا أوربان الثاني إلى إلقاء خطابه هذا وتوجيه دعوته، ثم لماذا قام البابا بالذات بتوجيه هذه الدعوة الرهيبة دون سواه، ومن هو البابا وما مكانته وتاريخه، وما الذي قصده من توجيه الدعوة إلى حمل السلاح والتوجه إلى الشرق ؟ [5] ولقد تحدث الرحالة "ابن جبير" واصفاً أحوال المسلمين الذين يؤدّون الجزية (الضريبة للمحتل الغاصب) ، في مقابل أن يؤذن لهم في زراعة أرضهم المغتصبة التي احتلها عنوة وبالقوة، يصف لنا ذلك في رحلته فيقول "ورحلنا من تبنين[6]، دمَّرها الله، سحر يوم الاثنين، وطريقنا كله ضياع متصلة وعمائر منتظمة سكانها كلها مسلمون، وهم من الإفرنج على حالة ترفيه، نعوذ بالله من الفتنة ، وذلك أنهم يؤدون لهم نصف الغلة عند أوان جمعها، وجزية على كل رأس دينار وخمسة قراريط، ولا يعترضون في غير ذلك، ولهم على ثمر الشجر ضريبة خفيفة يؤدونها أيضاً، ومساكنهم بأيديهم، وجميع أموالهم متروكة لهم، وكل ما بأيدي الإفرنج من المدن بساحل الشام على هذا السبيل رساتيقهم كلها للمسلمين، وهي القرى والضياع، وقد أشربت لما ينصرون عليه من أهل رساتيق المسلمين عمالهم على ضد أحوالهم من الترفيه والترفق، وهذه من الفجائع الطارئة على المسلمين، إذ يشتكي المسلمون بعضهم بعضاً من الجور للإفرنج، ويأنسون بعدلهم في مقابل ظلمهم لبعضهم البعض، فإلى الله المشتكى من هذه الحال"[7] . يعلق الأستاذ "كمال الأسطل" على ما جاء في رحلة ابن جبير بقوله "إن ابن جبير يوضح في رحلته أنه رغم أن الصليبيين يأخذون ضرائب من الفلاحين تبلغ نصف محصولهم، فإن الفلاحين كانوا في نعم رغم قلة ما يتبقى لهم من المحصول، حيث أن الحكام المسلمين كانوا من قبل مجيء صلاح الدين يظلمون المسلمين أكثر مما يظلمهم الصليبيون، على الرغم من الضرائب المالية المحددة والملزمة لهم. في ذلك الوقت في مثل هذه الظروف من كان يتصور أن يهب المسلمون للجهاد ضد الصليبيون في وقت انفصل فيه الحاكم عن المحكوم، وفي وقت أصبح الحاكم يسلب المواطن ما يقتات به، هل هذا الوضع سيؤدي لأن يكون المواطن جندياً من جنود الحاكم أم أنه سيدفع للثورة ضد الحاكم". هكذا كانت أحوال المسلمين قبل مجيء صلاح الدين" [8].
الأمة وحالة الفشل السياسي: "وعلى الرغم من أن الفشل السياسي (في توحيد الجهود العربية إزاء الخطر الصليبي) كان يؤدي بدوره إلى مزيد من الإخفاقات العسكرية، فإن الرأي العام الإسلامي بدأ يضغط بكل قواه على الحكام... فقد أثارت أعداد اللاجئين التي تدفقت من بلاد الشام إلى سائر بلاد المنطقة العربية مشاعر الغضب والاستياء ضد الحكام، وفي البداية عبر الناس عن مشاعرهم الغاضبة في المساجد، ومن فوق المنابر في صلاة الجمعة، وبدأت الدعوة إلى الجهاد تسري في أوصال العالم الإسلامي، وسطرت الكتب والرسائل التي تتحدث عن الجهاد، وفضل المجاهدين، وعن مكانة بيت المقدس وأهميته بالنسبة للمسلمين في ظل هذه الحركة تكون رأي عام قوي وضاغط بحيث لم يعد في وسع الحكام أن يتجاهلوه، وقيض الله لهذه الحركة أن توجه مجرى الأحداث على مدى ما يزيد على قرنين من الزمان.[9]. أوجه التشابه بين الحملات الصَّليبية والمشروع الصهيوني: يقول الدكتور المسيري "يلاحظ الدارس عمق التشابه بين المشروع الفرنجي الصليبي والمشروع الصهيوني الإسرائيلي، وهذا أمر متوقع لأن لكليهما جزء من المواجهة المستمرة بين التشكيلتين الحضارتين السائدتين في الغرب والشرق العربي، كما إن حملات الفرنجة هي انطلاق أوروبا نحو التوسع والإصرار على بسط سيطرتهما على الخارج، والواقع أن حملات الفرنجة احتوت بذور كل أشكال الإمبريالية الأوروبية التي حكمت فيما بعد حياة جميع شعوب العالم، ولهذا أصبحت حملات الفرنجة صورة مجازية أساسية في الخطاب الاستعماري الغربي، … وقد رأى كثير من المدافعين عن المشروع الصهيوني من اليهود وغير اليهود أنه استمرار وإحياء للمشروع الصليبي ، ومحاولة وضعه موضع التقييد من جديد في العصر الحديث، فقد ألف (سي آر. كوندر) عام 1897م- وهو صهيوني غير يهودي ومؤسس صندوق استكشاف فلسطين - كتاباً عن تاريخ المملكة اللاتينية في القدس أشار فيه إلى أن الإمبريالية الغربية نجحت فيما أخفقت فيه الحملات الصَّليبية" ويمكننا أن نقول "إن المشروع الصهيوني هو نفسه المشروع الفرنجي بعد أن تمت علمنته، وبعد أن تم إحلال المادة البشرية اليهودية التي تم تحديثها وتطبيعها وتغريبها وعلمنتها محل المادة البشرية المسيحية " [10] . وهو يقارن بين الحملتين الصهيونية والصَّليبية فيقول "… يلاحظ أن كلاً من ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية، بسبب طبيعتها الإحلالية خلقت مشكلة اللاجئين، كما يلاحظ أن هؤلاء اللاجئين تحولوا إلى وقود جند سكان المنطقة ضد الدولة القلعة …، وتطرح الدولة الصهيونية نفسها باعتبارها قاعدة للحضارة الغربية كلها في مواجهة العالم الإسلامي، ويشير أحد الدارسين الإسرائيليين إلى أنه كان هناك جباية فرنجية موحدة تماماً مثل الجباية اليهودية الموحدة". [11] "لقد شغلت الحروب الصليببة عدداً كبيراً من العلماء والباحثين في إسرائيل، حتى أصبحت الجامعة العبرية من أهم مراكز الأبحاث الصَّليبية في العالم يستخرجون العبر من دراسة تلك التجربة التاريخية الحية لمجتمع أجنبي حل في البلاد المقدسة واستقر فيها قرابة قرنين من الزمن".[12] "والحركة الصَّليبية في جوهرها حركة استيطانية" [13] ، "وهي حلقة من حلقات الصراع بين الشرق والغرب … وهي حركة كبرى نبعت من الغرب الأوروبي المسيحي في العصور الوسطى، واتخذت شكل هجوم حربي استيطاني على بلاد المسلمين، وبخاصة في الشرق الأدنى بقصد امتلاكها، وقد نبعت هذه الحركة عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي سادت غرب أوروبا في القرن الحادي عشر" [14]. فالحركة الصَّليبية اعتمدت على المقولة الدينية لتثوير الغرب الأوروبي وإثارة الدافع الديني لديه، وذلك من خلال خطبة بطرس الناسك، وتحريض البابا أوربان، حيث طرح هذا البابا في خطابه في كليرمونت أن هذه الحملة هي (حجة) تهدف إلى تحرير البلاد المقدسة من براثن (الكفار) (ذلك الجنس الخسيس الذي يعاني من الحقارة والانحطاط وتستعبده الشياطين والعفاريت) على أيدي (جنود المسيح) الذين يطيعون (أوامر الله والكنيسة المقدسة)، وهكذا زحف الغربيون نحو البلاد المقدسة تحت شعار (إرادة الله) كما بعثت الحركة الصهيونية من ركام التاريخ تعابير تفي بالغرض مثل (أرض الميعاد)، و(شعب الله المختار) و(العهد) و(صهيون) و(يهودا) و(السامرة) و(أورشليم) ، وبذلك تم تشييد الهيكل الدعائي للحركة الصهيونية، آخر الحملات الصَّليبية وأشدها دهاءً، فهذه الحركة لا تزال في جوهرها حركة استيطانية مسلحة، قدمت من بلاد الغرب واستعمرت قطعة من بلاد الشرق، وأخضعت أهلها واستندت على قاعدتها في الغرب لتقديم الدعم بالرجال والأموال والعتاد. ولكن تغيير الأديان وما تبعه من تغيير الرموز والشعارات أدى إلى إغشاء الأبصار وتضليل العقول، فبدل من أن يستمر طرح التناقض بين الغرب المسيحي من جهة والشرق المسلم العربي من جهة أخرى، عرض على أنه صراع بين اليهود والعرب ودعي بالقضية الفلسطينية" [15]. لقد اهتم اليهود اهتماماً كبيراً يفوق التصور بالحركة الصَّليبية، وبكل ما يتصل بها من دراسات، وذلك لما سكن في العقل الصهيوني من التشابه الصارخ بين التجربتين وبين المشروعين الاستعماريين (المشروع الصليبي – المشروع الصهيوني) والقاسم المشترك بينهما هو الأب الداعم الأوروبي الذي رأى في وجود المشروع الصهيوني قضية كبرى لمصلحته الاستراتيجية في المنطقة. وللإحساس العميق لدى الدارسين الإسرائيليين بالمصير الذي لاقته الحملات الصَّليبية في هذه البلاد، وهي (التجربة الصَّليبية) هي النموذج التاريخي الحي الذي يمكن استقراؤه وتمحيصه للاستفادة من تجربته، ولتلافي أخطائه التي عجلت بإنهائه. لا يجوز بحث موضوع الدراسات الصهيونية للحركة الصَّليبية دون الإشارة إلى "يهوشع برافر" عميد الدراسات الصَّليبية، وهو المؤسس الأول لهذه الدراسات، وأصبحت هذه الدراسات تعرف فيما بعد بـ(السلفانيوت) في مقابل (crsders) الكلمة الإنجليزية، وتميز دراسات برافر في أنه أول من نظر إلى الحركة الصَّليبية كحركة استيطانية كولونيالية، فكتب أبحاثاً رائدة في مشروع الدولة الجديدة، ومهد لتلاميذه الذين أصبحوا زملاءه فيما بعد سبل البحث في كيان الدولة ومؤسساتها، وطبيعة الحكم فيها والأسس التشريعية لهذا الحكم، ونظامها العسكري، وتطور مفهومها الأمني، وتأثير العوامل الجغرافية كالصحراء على الاعتبارات الاستراتيجية، وطبيعة علاقة الصَّليبيين بالسكان المحليين المدعوين بالأقليات من مسلمين ومسيحيين شرقيين ويهود، وبدو، وإسماعيلية، وموارنة، بكثير من التفصيل… ودرسوا الحياة الفكرية والعقلية في تلك الفترة… وقد ركزوا أيضاً على الدراسات الإسلامية، إذ درسوا الوضع السياسي والاجتماعي المعاصر في المجتمع العربي – الإسلامي، والحياة العقلية والفكرية والأدب والأشعار والأمثال الدارجة في تلك الفترة، ثم بحثوا في فكرة الجهاد وفاعليتها في تحريض المسلمين على القتال [16] ، كما درسوا طبيعة الحكم والعلاقات الطبقية والتجارية والزراعية ومدى انعكاس هذه العوامل على الدولة الصَّليبية. وليس أدل على نشاط العلماء اليهود في هذا المجال أكثر من عضويتهم في (جمعية دراسة الصليبيات والشرق اللاتيني) ومركزها بريطانيا، إذ ينضم الآن لهذه الجمعية خمسة وعشرون عالماً وعالمة من اليهود في فلسطين من أصل 237 من جميع أنحاء العالم، مقابل سبعة علماء عرب!! والأبحاث الصهيونية في الصليبيات على كثرتها تكاد تنحصر في مملكة القدس اللاتينية ولا تتخطاها إلا في النادر لدراسة الإمارات الصَّليبية الأخرى في طرابلس وإنطاكية والرَّها، وقد يعكس ذلك اهتمام الإسرائيليين عموماً بالتركيز على التاريخ غير العربي – الإسلامي لفلسطين، ولكن على أي حال لا يدل على اهتمام علمي مجرد بالوجود الصليبي في الشرق عامة بل ينحصر ذلك في الكيان الذي قام في الأراضي المقدسة. ويستاء الصهيونيون من مقارنة حركتهم بالحركة الصَّليبية لما تتضمنه تلك المقارنة عن الكيان الصهيوني كعنصر دخيل على الشرق سيلفظه كما لفظ الدولة الصَّليبية من قبل، ونعتقد أن تشريحهم للكيان الصليبي يستهدف استخلاص العبر من تمكنهم من تجنب ذلك المصير، ونرى أنهم نجحوا بالفعل في تفادي أخطاء الصَّليبيين في نواحٍ أساسية عدة، كاستعمال اليهود في الزراعة، وتأسيس الجامعات، وتشجيع العلم والفكر، وتهجير السكان الأصليين، وتشجيع الهجرة اليهودية بشتى الوسائل، والتمييز بين الأقليات، وتعميق العلاقات الصهيونية الدولية، والتدخل بشكل فعال في شؤون البلاد المجاورة، ولكنهم لم ينجحوا في نواح أخرى مثل التمسك بالعنصرية، وعدم الانصهار في الشرق، والاعتماد على المساعدات الخارجية، والفشل في اجتذاب عدد أكبر من المهاجرين من البلاد الغربية. أما التشابه الأساسي بين التجربتين هو التشابه الاجتماعي الإنساني … ووجوه الشبه بين هاتين الدولتين صارخة، إذ إن كلاً منهما حركة بنيت على الدين، مسلحة عدوانية استيطانية غريبة المصدر فلسطينية المستقر، عنصرية غير انصهارية، اعتمدت على الدعم الغربي مالياً وعسكرياً ودعائياً واجتماعياً، ثم إن كلاً منهما نشأت في فترة انقسام وشرذمة الشرق. أوجه الاختلاف بين الصَّليبية والصهيونية: الحركة الصَّليبية: نشأت في فترة تكافؤ القوى بين المشرق الإسلامي والغرب المسيحي من حيث القوى السياسية، والاقتصادية والعلمية فلم يكن انتصار الصليبيين تعبيراً حقيقياً عن موازين القوى، فقد كانت الجيوش العربية، وموارد المنطقة الاقتصادية والبشرية تكفل هزيمة ساحقة إذا ما جمعتها جهة موحدة، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك، ولكن التشرذم العربي، بل ومساندة بعض المسلمين للجيوش الصليبية وميراث الحقد والشك والضغائن بين حكام المنطقة جعل انتصار الصليبيين أمراً منطقياً" [17]. الحركة الصهيونية: نشأت في فترة تفوق فاضح للغرب على الشرق في جميع المجالات وبالأخص الجانب العسكري، مما أدّى إلى استيراد الأسلحة من الغرب الأوروبي والأمريكي، ومن ثم حوصر المشرق وافتقد استقلاليته الفكرية وافتقد قراره السياسي والعسكري، حيث أن قراراته كانت تتلاءم مع ظروف توفر الأسلحة اللازمة، فيما انخرط المجتمع الصهيوني علمياً وثقافياً وعسكرياً، فأصبح أكثر مقدرة على إنتاج الأسلحة المتطورة. الموقف اليهودي من الحروب الصليبية: إن الموقف اليهودي من الحركة الصليبية نابع من إدراكهم للحقيقة الوظيفية الحضارية للتاريخ كعلم، فهم يدرسون تاريخ الحركة الصليبية مع التركيز على الوجود اللاتيني فوق أرض فلسطين ، وطبيعة علاقات الصليبيين بشعوب المنطقة وعوامل النجاح التي حققت لهم الانتصارات الأولية، ثم عوامل الفشل والإخفاق التي أدت إلى رحيل الصليبين من المنطقة العربية ونهاية دولتهم، حيث إن هناك كثيراً من أوجه التشابه بينهما (الصليبيين – الإسرائيليين) ، فكلتا الحركتين استعماريتين استيطانيتين، تسربلتا برداء الدين، وارتكزت على مفهوم الخلاص، وكل من مملكة بيت المقدس اللاتينية وإسرائيل كيان غريب، يضم مجموعات بشرية متفاوتة الثقافات والدرجات الحضارية ، زرع في أرض عربية اللسان ، إسلامية الثقافة ، مشرقية السمات، كما إن الصليبيين والصهاينة يشتركون في الاعتماد في كلتا الحالتين، فضلاً عن جوانب أخرى تشابه فيها الصليبيون والإسرائيليون، منها الطابع العسكري للمجتمع وتوظيف كافة موارد هذا المجتمع من أجل الحرب ، ومنها العنصرية التي تختفي خلف ستار الدين، هذا التشابه هو الذي يغري الكثيرين من الدارسين اليهود بدراسة تاريخ الحركة الصليبية وتسخير نتائج دراساتهم في دارسة مستقبل الكيان الصهيوني (رؤية إسرائيلية: قاسم عبده قاسم ، ص248-50) بتصرف. "والباحثون الإسرائيليون يولون الصليبيات عناية فائقة، يرون فيها الحركة الرائدة والتجربة السالفة، فالغزو الصهيوني يشبه في غزوه واحتلاله الغزو الصليبي، يهتمون بالمشكلات التي واجهت الصليبيات، الأمن، الاستيطان، العمائر والمستوطنات الحربية، نقص في الطاقات البشرية، يدرسون الموقف في الشرق العربي الإسلامي، وهناك فرق عمل كاملة في الجامعات العبرية تخصصت في دراسة الحروب الصليبية ، "يهوشع بروار" "ميرون بنفينستي" ، "بنيامين أربل" ، "آرييه جرابوس" ، " يأئيل كاتزير" ، والقائمة طويلة، يكتبون بالعبرية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية، ويتابعون ما يُنشر عن الصليبيات في العالم أجمع، ويشاركون في الجمعيات العلمية المهتمة بدراسة الصليبيات مثل جمعية دراسة الحروب الصليبية والشرق اللاتيني بإنجلترا، الصليبيات في حد ذاتها لا تهمهم، وإنما يهتمون بها باعتبارها نقلة بين الحركة الصهيونية والمستقبل، إسقاط التاريخ على الواقع المستقبلي، درسوا القلاع الصليبية ونظم التحصين الصليبي في مرتفعات الجولان، حللوا رحلات الحجاج والتغير في الرؤية للأرض المقدسة، درسوا الجغرافيا التاريخية لفلسطين إبان الحروب الصليبية ، وتاريخ اليهود والأحياء اليهودية والاستيطان الصليبي، والإقطاع وقوانين الإدارة والتجارة والحدود،... والسقوط المفاجئ لمملكة بيت المقدس وطرد آخر بقايا الصليبيين غداة سقوط عكا، هذه المسألة في الماضي، وممتدة في المستقبل. الإسرائيليون يتحسسون في الصليبيات مصير الغد... الصليبيات والصهيونيات كأنهما فلقتان أخرجتا من بذرة واحدة، كان النصف الأول من البذرة في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، والنصف الآخر من القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي، المكان واحد هو فلسطين ، الغزوة الصليبية والغزوة الصهيونية نتاج مشاكل أوروبية داخلية خالصة، اجتماعية واقتصادية ... الخ !! [18]
الحروب الصليبية في العقل الصهيوني: تستخدم الحركة الصهيونية التاريخ بمختلف مناهجه لدراسة ظاهرة الحروب الصليبية أو "تاريخ مملكة القدس اللاتينية" كما يحلو لمؤرخيهم تسميتها، حيث أن هناك مؤسسات علمية بحثية تقوم بتنظيم فرق بحث لدراسة تاريخ الحملات الصليبية لتستخلص منها العبر، ومن خلال استخلاص لتلك العبر تقوم بالكشف والتنقيب عن النموذج المماثل لها في التاريخ حيث يتم الكشف عن أوجه التشابه بين التجربتين –حيث التمزق والتشرذم الذي تعاني منه الأمة آنذاك، وتعاني منه اليوم، وبنفس الصورة بل أكبر وبشكل مكثف جداً وأبشع، على الرغم من أن انتصار الصليبيين آنذاك لم يكن تعبيراً حقيقياً عن موازين القوى، فقد كانت الجيوش العربية، وموارد المنطقة والبشرية تكفل هزيمة ساحقة إذا ما جمعتها جهة موحدة، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك، ولكن التشرذم العربي، بل ومساندة بعض المسلمين للجيوش الصليبية وميراث الحقد والشك والضغائن بين حكام المنطقة جعل انتصار الصليبيين أمراً منطقياً" [19]. وهذا من أهم عوامل انشغال الوعي الصهيوني بهذه الحروب وبتلك الحملات، حيث أخذت حيزاً مهماً من انشغال العاملين في الأبحاث الاستشراقية والصراعية ، فتتم دراسة الوقائع والتطورات والعبر ذات الصلة بالحملات الصليبية ومواجهتها ، ودراسة الظروف العربية التي سبقت وسادت القرنين الثاني عشر والثالث عشر ، والوقوف ملياً عند معركة حطين سنة 1187م، مقدماتها ومجرياتها نتائجها والدروس المستخلصة منها مع محاولة صهيونية مكشوفة لتزوير التاريخ بجانب أو بآخر مما يتصل بالفترة المدروسة. [20] لقد أعدت الحركة الصهيونية العدة الكاملة لدراسة الظاهرة الصليبية فهناك المؤسسات والجامعات والمعاهد والباحثين. ويتضح لنا ذلك حينما نعرف أن اليهود من أنشط المستشرقين والباحثين. رصد المستشرقين اليهود للمصادر العربية والإسلامية التي كتبت في عصر الحروب الصليبية: المستشرقون اليهود ليسوا بدعاً في ذلك، حيث إنهم يحاكون الاستشراق الغربي بجميع مناهجه ومؤسساته التي تأسست من أجل المعرفة ومن ثم السيطرة، معرفة هذا الشرق للسيطرة عليه وعلى خيراته، حيث أنهم أخضعوا الشرق أو بلاد المشرق العربي للدراسة وجعلوا منها حقلاً غنياً لدراساتهم، والمستشرقون الأوروبيون هم الرواد في الدراسة والبحث والتحليل واستخلاص العبر من خلال دراساتهم عن الحروب الصليبية أو ما يعرف بالصليبيات (CRUSDES) ، إلا أن الفارق بينهم وبين الاستشراق اليهودي هو أنه ليس قلقاً على مصيره كما هو الحال في إسرائيل. على أن بعض هؤلاء المستشرقين اليهود هم تلامذة للمؤسسات الاستشراقية الأوروبية لذلك يقوم الاستشراق بجميع طواقمه ومؤسساته بمختلف اهتماماتها لدراسة ورصد المصادر العربية والإسلامية التي ألفت وكتبت قبل وبعد الفتح الصلاحي وأثناء الحروب الصليبية – حروب الفرنجة. وقد قامت الجامعة العبرية في القدس والمكتبة الوطنية بتوفير جميع تلك الدراسات والمؤلفات للباحثين والدارسين، ولا بدع في ذلك فمكتبة الجامعة العبرية من المكتبات الهامة جداً والعريقة، وفيها من الكتب ما لا يوجد في غيرها حيث تجاوزت محتوياتها من الكتب العربية المليوني كتاب عدا عن الكتب باللغات الأخرى، وفيها من المخطوطات العربية الكثير، وبالذات ما تم الاستيلاء عليه من خزائنها الأصلية، ودور أصحابها التي صودرت أثناء النكبة سنة 1948م. أيضاً يوجد فيها معظم المخطوطات العربية الهامة على المصغرات الفيلمية (ميكروفيلم وميكروفيش)، وهناك أرشيف لدورٍ تحتفظ بمئات الألوف من الوثائق، فلا عجب حينما يتصدون لدراسة تلك الحقبة وتلك الفترة. وقد بين المؤرخ الكبير الدكتور " شاكر مصطفى" في محاضرة قيمة له بعنوان (الإسلام والصليبيات) وهي بمثابة عرض وتعليق لكتاب المستشرق اليهودي " عمانويل سيفان"، ونبه الدكتور شاكر مصطفى إلى أن اهتمامات المستشرقين اليهود منحصرة في نقطة وحيدة حسب قوله هي "كيف تم طرد الصليبيين من هذه البقاع نفسها التي يحتلونها"، لهذا لا يهمهم بحث ما قتله الغربيون بحثاً، ولكن تهمهم الرمال المتحركة تحت الغزاة في فلسطين وحول فلسطين، إنهم يدرسون معنى الجهاد وكيف استيقظ في المشرق العربي ومدى حيوية الشام بالذات، وتأثير فكرة الجهاد قبل الصليبيات وخلالها وبعدها، يحللون مدى قدسية القدس وعناصرها في نفوس المسلمين، وردود فعلهم ضد الاحتلال الغريب، ويبحثون عن جذور الترابط في المنطقة من مصر إلى العراق، عن أسباب توحدها في حطين وما بعدها. ويضيف " د. مصطفى" قائلاً "ولاحقت نصوص التراث التي تتداولها المجموعة الصهيونية بالدارسة، فإذا التراث الذي نتصور أنه نائم في دمائنا وفي أدراجنا هو لديهم كيان كامل على المشرحة، يستنطقونه ويحكمون علينا من خلاله، يدرسون خطب الجهاد منذ عهد الفتوح مروراً بالحمدانيين حتى العهد المملوكي ، وكل الكتب التي ألفت في الجهاد أو كتبت عنه، وبخاصة كتاب الجهاد الذي ألفه علي بن طاهر السلمي النحوي (المتوفى سنة 498هـ) ، والذي كان يدرسه في الجامع الأموي في 12 جزءاً، إثر الاحتلال الصليبي للقدس مباشرة، وقد صور اليهود هذا الكتاب من المكتبة الظاهرية بدمشق، ونشروا بعضه سنة 1966م، ويدرسون كذلك أحكام الجهاد وفضائله لعز الدين السلمي، وكتاب الجهاد الذي وضعه القاضي "بهاء الدين بن شداد" لصلاح الدين الأيوبي، ضمن كتابه (دلائل الأحكام)، فكان كتاب المخدة عنده لا يفارقه، وبين ما يدرس الصهيونيون الكتب التي تتحدث في فضائل الشام والقدس ومقارنتها بمكة والمدينة (وتصل إلى خمسة وثلاثين كتاباً). وأشار د. مصطفى أيضاً إلى اهتمامات الإسرائيليين حتى بالشعراء الذين عاصروا الحروب الصليبية حتى الصغار منهم، ممن عاشوا الفترة الصليبية، كما يدرسون كتاب الفقه والفتاوى، وبخاصة تلك التي أصدرها العلماء (كالإمام النووي) و(كتاب المغني لابن قدامة) ، ويدرسون السير الشعبية ويرونها منجم المشاعر العميقة للجموع المقاتلة، مثل سيرة الأميرة ذات الهمة، وسيرة عنترة وفتوح الشام للواقدي، وفتوح الشام الأخرى للأزدي، وقصة علي نور الدين المصري مع مريم الزنارية، ويصلون حتى تحليل النكات والنوادر، هكذا يقوم المستشرقون الإسرائيليون بتحري الأسباب التي تدفع الباحثين والمستشرقين الصهاينة إلى التوغل في أعماق غابات الكتب الصفراء قراءة، تحقيقاً واستخلاصاً، وذلك لأن في التراث العربي قرائن وأدلة ثابتة على ما كان سائداً في الفترة التي تنتمي إليها هذه المؤلفات، لذلك فالدراسات التي يقوم بها المستشرقون الإسرائيليون[21] للنتاجات الفكرية والثقافية التي ظهرت إبان الحقبة الصليبية وقبلها، تسعى إلى وضع اليد على التغيرات الكمية التي قادت إلى التغيرات النوعية في تاريخ المنطقة مع معركة حطين وغيرها، ووضع اليد كذلك على السياق العام الذي جاء فيه صلاح الدين الأيوبي، والتراث العربي إذ يعكس بأمانة هذا المعطي، فإنه يقدم في الوقت ذاته مؤشراً على ضرورة التحسب لاحتمالات تكرار ظاهرة الانتصار العربي الساحق عل الغزو الأجنبي مستقبلاً. لذلك فمعركة حطين تشكل كابوساً يجثم على الإسرائيليين.
المصادر والمراجع : هوامش: [1] - يقول عنه الكاتب الكبير الأستاذ علي الطنطاوي: "نور الدين زنكي بن الشهيد" الرجل الذي مهد الطريق لصلاح الدين، ووضع له الأساس، وشرع له المنهج، وكان إمامه وقدوته في كل خير [ انظر رجال من التاريخ : علي الطنطاوي ، جدة : دار المنار، ط 1998م. (ص181). [2] - انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير (ص282-285). [3] - يقول "فوشيه الشارتري" واصفاً فظائع الصليبيين في هذه البلاد: "الإفرنج يجوسون المدينة، شاهري السيوف، لا يشفقون على أحد، حتى على الذين يتوسلون الرحمة، سقط شعب الكفار تحت ضرباتهم مثلما تسقط جوزات البلوط المهترئة من شجر البلوط حين يهزون أغصانها". [فوشيه الشارتري: تاريخ الحملة إلى القدس، ترجمة: د. زياد العسلي، عمان: دار الشروق]. ويقول في موضع آخر "إنا لم نترك منهم أحداً على قيد الحياة". بهذه الصورة وصف فوشيه أعمال الفرنجة عشية استيلائهم على المدينة المقدسة أمام عينيه في الثاني والعشرين من شهر شعبان عام 492هـ، 15 يوليو 1099م، فقد امتزجت صلواتهم المحمومة أمام (قبر السيد المسيح) بدماء الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والمقعدين، حتى رؤوس الرضع سحقت على الحجارة. [مجلة العربي: ص115، ع498، محرم 1421هـ، مايو 2000م]. [4] - انظر مقدمة د. زياد العسلي لكتاب فوشيه الشارتري (تاريخ الحملة إلى القدس). [5] - انظر: تاريخ الحروب الصليبية الأعمال المنجزة فيما وراء البحار، صنفه باللاتينية، "وليم رئيس أساقفة صور" ، 1130-1185م، ، نقله إلى العربية: د. سهيل زكار، بيروت: دار الفكر، ط1، 1990م، ج1/ص7. [6] - تبنين: بلدة في جبال بني عامر المطلة على بلد بانياس بين دمشق وصور. [معجم البلدان: ياقوت الحموي، بيروت، دار الكتب العلمية ، ج2/ص16]. [7] - هنا يذكرنا ابن جبير باستنكاره هذا على المسلمين بقبولهم للمستعمر المحتل والتعامل معه، ولقد كان ابن جبير رحمه الله من أوائل من يرفضون ما نستطيع أن نقول عنه بلغة اليوم (التطبيع)، وهو ما حذرنا منه معظم المفكرين والسياسيين، وعلى رأسهم المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي، في كتابه (سيكولوجية الاستعمار)، حيث نبه إلى نظرية خطيرة مفادها "قابلية الشعوب للاستعمار". [8] - انظر كتاب: (مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب) تأليف "كمال محمد الأسطل" القاهرة ، دار الموقف العربي ، 1980م ،ج2/ص151-152. [9] - راجع مقدمة الدكتور"العسلي" (تاريخ الحملة إلى القدس). [10] - انظر (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)، مج6/ص131-132، د. عبد الوهاب المسيري، القاهرة: دار الشروق،1998م. [11] - نفس المرجع السابق ، ص132. [12] - انظر: مقدمة كتاب "فوشيه الشارتري" (تاريخ الحملة إلى القدس) ترجمة: د. زياد العسلي، ص5. [13] - انظر بهذا الصدد "المسيري" ، (الموسوعة) ج6/ص124، وراجع مقدمة زياد العسلي، ص9. [14] - انظر: (الحركة الصَّليبية صفحة مشرقة من تاريخ الجهاد الإسلامي في العصور الوسطى) د. سعيد عبد الفتاح عاشور، ج1/ص19-22، بتصرف، ط5، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1993م. [15] - انظر مقدمة كتاب د. زياد العسلي ( تاريخ الحملة إلى القدس ) ص13-14. [16] - بصدد التعرف على تاريخ جهاد المسلمين للحملات الصلبيبية انظر كتاب ( الجهاد الإسلامي ضد الصَّليبيين في العهد الأيوبي ) للدكتور: "فايد حماد محمد عاشور" ، القاهرة - دار الاعتصام ، ط1، 1977م. [17] - انظر( رؤية إسرائيلية للحروب الصليبية) د.قاسم عبده قاسم ، القاهرة : دار الموقف العربي، 1983، ص199-200 . [18] - انظر" مقالة محمد عيسى صالحية " (مجلة العربي) ع498، مايو 2000م، محرم 1421هــ، ص115-117 بتصرف . [19] - انظر(رؤية إسرائيلية للحروب الصليبية) "د.قاسم عبده قاسم" القاهرة - دار الموقف العربي، 1983، ص199-20 [20] - انظر (أبحاث الصراع لدى إسرائيل) ص226. [21] - التحرير: الأصح أن يطلق عيهم مصطلح اليهود أو الصهاينة ، يراجع كتاب " مصطلحات يهودية احذروها " وهو أحد إصدارات المركز.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: "زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة الثلاثاء 28 أبريل 2020, 10:06 pm
القدس في وعي المسلمين وحسهم وواجبهم نحوها
إعداد الدكتور: وليد أحمد عويضة دكتوراه في الحديث الشريف وعلومه مدير دائرة التعليم الشرعي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .... أما بعد : فإن قضية فلسطين هي قضية المسلمين الأولى, والأقصى الشريف قلب فلسطين وجوهرها, وإننا نرى أن من واجبنا أن ننبه الأمة العربية والإسلامية إلى واجباتها إزاء الأقصى وبيت المقدس وأكناف بيت المقدس, فالأقصى عقيدة وحضارة, ولا عزة للعرب والمسلمين بغير القدس والأقصى الشريف.
إن تحرير الأقصى واجب عربي إسلامي كما هو واجب فلسطيني, فقضية فلسطين قضية إسلامية، لا تخصُّ الفلسطينيين وحدهم, وإن كانوا أولى الناس بها، ولا العرب وحدهم, وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها, وإنما هي لكل مسلم أيّا كان موقعه في مشرق الأرض أو مغربها, في شمالها أو جنوبها, حاكماً كان أو محكوماً, متعلماً أو أميّاً, غنياً أو فقيراً, رجلاً أو امرأة, كل على قدر مكنته واستطاعته.
إن الخطر الصهيوني الذي بيّت أمره, وحدد هدفه, وأحكم خطته, في هدم المسجد الأقصى, وابتلاع القدس, وتهويدها, وسلخها من جلدها العربي والإسلامي, وقد أعلن قراره ولم يخفه, وتحدى وتصدى وتعدى, ولم يجد من أمة الإسلام ـ على امتدادها واتساعها ـ من يصده ويرده. فيا أيها المسلمون هبوا, يا أمة الإسلام هبوا, فقد جد الجد, ودقت ساعة الخطر, القدس, القدس, الأقصى, الأقصى, مسرى محمد صل الله عليه وسلم {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. والبحث الذي بين أيدينا نقدمه في الذكرى الأربعين لسقوط مدينة القدس تحت الاحتلال "الإسرائيلي".
المبحث الأول : القدس في وعي المسلمين وحسهم
إن للمسجد الأقصى المبارك في نفوس المسلمين أهميةً خاصةً ومكانةً عظيمةً، يُكنّون له الودّ الشديد, والحب العميق, اتفق على ذلك المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم, فهو إجماع الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها, ولا غرو أن يلتزم جميع المسلمين بوجوب الدفاع عن القدس, والغيرة عليها, والذود عن حماها, وحرماتها ومقدساتها, وبذل النفس والنفيس في سبيل حمايتها, ورد المعتدين عليها, ومقاومة المحاولات "الإسرائيلية" المستميتة لتهويدها, وتغيير معالمها, ومسخ شخصيتها التاريخية, ومحو مظاهر العروبة والإسلام والمسيحية منها, فللقدس قدسية إسلامية مقدرة, وهي تمثل في حس المسلمين ووعيهم الإسلامي :
المطلب الأول : قبلة المسلمين الأولى. المطلب الثاني : القدس أرض الإسراء والمعراج. المطلب الثالث : القدس ثالث المدن المعظمة في الإسلام. المطلب الرابع : أرض النبوات والبركات. المطلب الخامس : أرض الرباط والجهاد.
وسنبين ذلك فيما يأتي :
المطلب الأول : القدس قبلة المسلمين الأولى :
أول ما تمثله القدس في حس المسلمين ووعيهم وفكرهم الديني: أنها القبلة الأولى التي ظَلّ رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه يتوجهون إليها في صلاتهم منذ فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة المحمدية, أي قبل الهجرة بثلاث سنوات, وظلوا يصلّون إليها في مكة, وبعد هجرتهم إلى المدينة, ستة عشر شهراً, حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة, أو المسجد الحرام.
فهذا الحديث يبيّن أن بيت المقدس والمسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى لمدة سنة وأربعة أشهر تقريباً حيث تم تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة كما في قول الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}.
وفي المدينة المنورة معلم أثري بارز يؤكد هذه القضية, وهو مسجد القبلتين, الذي صلّى فيه المسلمون صلاة واحدة بعضها إلى القدس, وبعضها إلى مكة, وهو لا يزال قائماً وقد جدد وتعهد, وهو يزار إلى اليوم ويصلى فيه, فإن نسخ القبلة الأولى لم يُلغ منزلتها الشرعية السامية. وقد أثار اليهود في المدينة ضجة كبيرة حول هذا التحول, وردّ عليهم القرآن بأن الجهات كلها لله, وهو الذي يحدد أيها يكون القبلة لمن يصلي له قال الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. إلى قوله عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ }. فقد قالوا: إن صلاة المسلمين تلك السنوات قد ضاعت وأهدرت, لأنها لم تكن إلى قبلة صحيحة, فقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}. أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك, ما كان يضيع ثوابها عند الله. لأنها كانت صلاة إلى قبلة صحيحة مرضية عنده عز وجل.
خرّج الإمام الترمذي في سننه بسنده عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ صل الله عليه وسلم إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الْآيَةَ.
المطلب الثاني: القدس أرض الإسراء والمعراج :
وثاني ما تمثله القدس في الوعي الإسلامي: أن الله تعالى جعلها منتهى رحلة الإسراء الأرضية, ومبتدأ رحلة المعراج السماوية, فقد شاءت إرادة الله أن تبدأ هذه الرحلة الأرضية المحمدية الليلية المباركة من مكة ومن المسجد الحرام, حيث يقيم الرسول صلى الله عليه وسلم , وأن تنتهي عند المسجد الأقصى, وبذلك وصل ما بين المسجدين العظيمين, فكان ذلك إيذاناً بانتقال الأرض المقدسة والمسجد الأقصى إلى ظل الدين الخاتم والرسالة الأخيرة. روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صل الله عليه وسلم قَالَ: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ ـ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ ـ قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ, قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ, قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ, فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ, فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ, ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ......". ولم يكن الإسراء والمعراج اعتباطاً ولا جزافاً, بل كان ذلك بتدبير إلهي ولحكمة ربانية, وهي أن يلتقي خاتم الرسل والنبيين هناك بالرسل الكرام, ويصلي بهم إماماً. روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم : "لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ, فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا, فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ". قَالَ: "فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ, مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ, وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ, وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ, وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ". يَعْنِي نَفْسَهُ. "فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ, فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ".
وقد كانت صلاة النبي صل الله عليه وسلم بإخوته الأنبياء في تلك الليلة المباركة نحو البقعة المباركة برهاناً ساطعاً على تبعية الشرائع السابقة, وانقيادها طوعاً للإسلام كلمة الله الأخيرة إلى بني الإنسان, وفي هذا دلالة على أن لرسالته شأناً عظيماً, وفيه الإمامة لكل الرسالات, وإعلان عن انتقال القيادة الدينية للعالم من بني إسرائيل إلى أمة جديدة, ورسول جديد, وكتاب جديد: أمة عالمية, ورسول عالمي, وكتاب عالمي, كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}.
يقول الشيخ محمد الغزالي: "لماذا كانت الرحلة إلى بيت المقدس ولم تبدأ من المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى مباشرة ؟ إن هذا يرجع بنا إلى تاريخ قديم, فقد ظلت النبوءات دهوراً طويلة وهي وقف على بني إسرائيل...... فلما أهدر اليهود كرامة الوحي وأسقطوا أحكام السماء حلّت بهم لعنة الله , وتقرر تحويل النبوة عنهم إلى الأبد! ومن ثمّ كان مجيء الرسالة إلى محمد انتقالاً بالقيادة الروحية في العالم من أمة ومن بلد إلى بلد, ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل...... وورث النبي العربي تعاليم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب, وقام يكافح لنشرها وجمع الناس عليها, فكان من وصل الحاضر بالماضي وإدماج الكل في حقيقة واحدة أن يعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين في الإسلام, وأن ينتقل الرسول في إسرائه, فيكون هذا الانتقال احتراماً للإيمان الذي درج قديماً في رحابه".
فلو لم تكن القدس مقصودة في هذه الرحلة, لأمكن العروج من مكة إلى السماء مباشرة, ولكن المرور بهذه المحطة القدسية أمر مقصود, كما دل على ذلك القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. لقد نص القرآن على مبتدأ هذه الرحلة ومنتهاها بجلاء في أول آية في السورة التي حملت اسم هذه الرحلة (سورة الإسراء) فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}. والآية لم تصف المسجد الحرام بأية صفة مع ماله من بركات وأمجاد, ولكنها وصفت المسجد الأقصى بهذا الوصف: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}, وإذا كان ما حوله مباركاً, فمن باب أولى أن يكون هو مباركاً.
وقصة الإسراء والمعراج حافلة بالرموز والدلالات التي توحي بأهمية هذا المكان المبارك, الذي ربط فيه جبريل البراق, الدابة العجيبة التي كانت وسيلة الانتقال من مكة إلى القدس, وقد ربطها بالصخرة حتى يعود من الرحلة الأخرى, التي بدأت من القدس أو المسجد الأقصى إلى السماوات العلا, إلى سدرة المنتهى, وقد أورث ذلك المسلمين من ذكريات الرحلة: الصخرة, وحائط البراق. ومن ثمرات رحلة الإسراء: الربط بين مبتدأ الإسراء ومنتهاه, وبعبارة أخرى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى, وهذا الربط له إيحاؤه وتأثيره في وعي الإنسان المسلم وضميره ووجدانه, بحيث لا تنفصل قدسية أحد المسجدين عن قدسية الآخر, ومن فرّط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر.
المطلب الثالث: القدس ثالث المدن المعظّمة في الإسلام : فالمدينة المعظّمة الأولى في الإسلام هي مكة المكرمة, التي شرفها الله بالمسجد الحرام. والمدينة الثانية في الإسلام هي المدينة المنورة, التي شرفها الله بالمسجد النبوي, والتي ضمت قبر الرسول صل الله عليه وسلم . والمدينة الثالثة في الإسلام هي القدس أو بيت المقدس, والتي شرفها الله بالمسجد الأقصى, الذي بارك الله حوله.
روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صل الله عليه وسلم , وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى". فكل المساجد متساوية في مثوبة من صلّى فيها, ولكن لا يجوز للمسلم أن يعزم على السفر والارتحال بقصد الصلاة في أي مسجد كان إلا للصلاة في هذه الثلاثة المتميزة, وقد جاء الحديث بصيغة الحصر, فلا يقاس عليها غيرها.
وسبب تفضيل هذه المساجد الثلاثة والصلاة فيها على غيرها : قال الإمام النووي في هذا المعنى: "فيه بيان عظيم فضيلة هذه المساجد الثلاثة ومزيتها على غيرها؛ لكونها مساجد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم, ولفضل الصلاة فيها, ولو نَذَرَ الذهاب إلى المسجد الحرام لزمه قصده, لحج أو عمرة, ولو نذره إلى المسجدين الآخرين فقولان للشافعي: أصحهما عند أصحابه يستحب قصدها, ولا يجب, والثاني: يجب وبه قال كثيرون من العلماء, وأما باقي المساجد سوى الثلاثة فلا يجب قصدها بالنذر ولا ينعقد نذر قصدها, هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا محمد بن مسلمة المالكي".
وقال الحافظ ابن حجر: "وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء, ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجّهم, والثاني كان قبلة الأمم السابقة, والثالث أسّس على التقوى". وقد أعلن القرآن عن أهمية المسجد الأقصى وبركته, قبل بناء المسجد النبوي وقبل الهجرة بسنوات, وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد ما قرره القرآن منها الحديث السابق:" "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ ....". الحديث. ومنها أيضاً: ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن أَبَي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى". قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً, ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ". ومنها أيضاً: ما أخرجه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة, وفي مسجدي ألف صلاة, وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة".
والإسلام حين جعل المسجد الأقصى ثالث المسجدين العظيمين في الإسلام، وبالتالي أضاف القدس إلى المدينتين الإسلاميتين المعظمتين: مكة والمدينة، إنما أراد بذلك أن يقرر مبدأ هاماً من مبادئه، وهو أنه جاء ليبني لا يهدم، وليتمم لا ليحطم، فالقدس كانت أرض النبوات, والمسلمون أولى الناس بأنبياء الله ورسوله كما قال الله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}. وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ليهود المدينة: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ". روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ, فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ, ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ". وروى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم : "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ, أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى, وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ".
المطلب الرابع: القدس أرض النبوات والبركات :
والقدس جزء من أرض فلسطين، بل هي غرة جبينها، وواسطة عقدها، حباها الله من القدسية والبركات ما لم يهبه لغيرها من المدن في العالم أجمع, فقد كانت مأوى أنبياء كرام, وعاش عليها رسل عظام, وجاهد عليها المجاهدون, وبارك الله فيها وما حولها. ولقد وصف الله هذه الأرض بالبركة: وهي النماء والزيادة في الخيرات والمنح والهبات وذلك في مواضع خمسة في كتابه: أولها : في آية الإسراء حين وصف المسجد الأقصى بأنه: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}. ثانيها : حين تحدث في قصة خليله إبراهيم عليه السلام: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}. ثالثها : في قصة موسى عليه السلام حيث قال عن بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا}. رابعها : في قصة سليمان عليه السلام وما سخّر الله له من ملك لا ينبغي لأحد من بعده، ومنه تسخير الريح، وذلك في قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}. خامسها : في قصة سبأ وكيف منَّ الله عليهم بالأمن والرغد قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ}.فهذه القرى التي بارك الله فيها هي قرى الشام وفلسطين. قال ابن عباس: "هي قرى بيت المقدس". وقال الآلوسي: "المراد بالقرى التي بورك فيها: قرى الشام، لكثرة أشجارها وأثمارها، والتوسعة على أهلها".
وقد ذهب عدد من مفسري القرآن من علماء السلف والخلف في قول الله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِين، وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}. إلى أن التين والزيتون يقصد بهما الأرض أو البلدة التي تنبت التين والزيتون، وهي بيت المقدس. قال ابن كثير: قال بعض الأئمة: هذه محالّ ثلاثة بعث الله من كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم، أصحاب الشرائع الكبار. فالأول: محلة التين والزيتون، وهو بيت المقدس، الذي بعث الله فيه عيسى بن مريم عليه السلام، والثاني: طور سينين وهو طور سيناء، الذي كلّم الله عليه موسى بن عمران، والثالث: مكة وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً, وهو الذي أرسل فيه محمداً صل الله عليه وسلم . وبهذا التفسير أو التأويل، تتناغم وتنسجم هذه الأقسام، فإذا كان البلد الأمين يشير إلى منبت الإسلام رسالة محمد، وطور سنين يشير إلى منبت اليهودية رسالة موسى، فإن التين والزيتون يشير إلى أن رسالة عيسى، الذي نشأ في جوار بيت المقدس.
المطلب الخامس: القدس أرض الرباط والجهاد :
والقدس عند المسلمين هي أرض الرباط والجهاد, فهي جزء من بلاد الشام التي هي عقر دار المؤمنين. روى الإمام النسائي في سننه بسنده عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذَالَ النَّاسُ الْخَيْلَ, وَوَضَعُوا السِّلَاحَ, وَقَالُوا: لَا جِهَادَ, قَدْ وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا, فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ وَقَالَ: "كَذَبُوا, الْآنَ الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ, وَلَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ, وَيُزِيغُ اللَّهُ لَهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ, وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ, وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ, وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ: أَنِّي مَقْبُوضٌ غَيْرَ مُلَبَّثٍ, وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونِي أَفْنَادًا, يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ, وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ". قال المناوي: "عقر دار الإسلام: أي أصله وموضعه بالشام".
وقال عز الدين بن عبد السلام: "أخبر النبي صل الله عليه وسلم في هذا الحديث بالردّة التي تقع ممن أراد الله تعالى أن يزيغ قلبه عن الإسلام, وأشار بقتل المرتدين, ثم بسكنى الشام إشارة منه إلى أن المقام بها رباط في سبيل الله تعالى, وإخباراً بأنها ثغر إلى القيامة, وقد شاهدنا ذلك, فإن أطراف الشام ثغور على الدوام".
فالشام أرض رباط وجهاد إلى يوم القيامة, والجهاد ماض والرباط مستمر. ذكر القاضي مجيز الدين الحنبلي في كتابه الأنس الجليل عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : "يا معاذ إن الله عز وجل سيفتح عليكم الشام من بعدي من العريش إلى الفرات, رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة, فمن اختار منكم ساحلاً من سواحل الشام أو بيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة".
وقد أعلم الله نبيه محمداً صل الله عليه وسلم بأن هذه الأرض المقدسة سيحتلها الأعداء, أو يهددونها بالغزو والاحتلال، ولهذا حرض أمته على الرباط فيها، والجهاد للدفاع عنها حتى لا تسقط في أيدي الأعداء, ولتحريرها إذا قدر لها أن تسقط في أيديهم. كما أخبر عليه الصلاة والسلام بالمعركة المرتقبة بين المسلمين واليهود، وأن النصر في النهاية سيكون للمسلمين عليهم، وأن كل شيء يكون في صف المسلمين حتى الحجر والشجر، وأن كلاً منهما سينطق دالاً على أعدائهم، سواء كان نطقاً بلسان الحال أم بلسان المقال. روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صل الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ, فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ, حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ, فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ, إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ".
وروى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم : "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ, لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ, لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ , حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس".
هذا الحديث يبيّن أن هذه البلاد المقدسة ستبقى فيها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة حيث لا يضّر هذه الطائفة ولا يثنيها عن واجبها في الدعوة إلى الله تعالى وتبيلغ دينه والجهاد والرباط في سبيل الله تعالى شدة أو ضيق معيشة أو أية عقبة يضعها أعداؤها أمام أتباعها, وهذه تعتبر بشرى طيبة من الرسول الكريم للمرابطين على ثرى الأقصى وبيت المقدس وأكناف بيت المقدس إلى يوم القيامة. إن قضاء الله لهذه الأمة أنها لا تموت, وأنها أُمة ولود لا تزال تنجب الأبطال, الذين لا يدعون الراية تسقط أبداً, فيقودون الجهاد في فلسطين, ويعلمون أنه السبيل الوحيد للشعب الفلسطيني.
المبحث الثاني: واجب المسلمين نحو القدس
إن الأقصى المبارك يمرّ في أخطر اللحظات خلال هذه الحقبة الأخيرة من تاريخه, فالاستكبار اليهودي قد بلغ أوجه، فالقتل، والتشريد, وهدم المنازل, والحصار الاقتصادي الرهيب، وقد بيّت الخطر الصهيوني أمره, وحدد هدفه, وأحكم خطته لهدم الأقصى المبارك, وبناء الهيكل على أنقاضه, ولم يجد من أمة الإسلام على امتدادها واتساعها من يصده ويرده. لقد حثّ النبي صل الله عليه وسلم المسلمين على التواصل المستمر بينهم وبين بيت المقدس, وذلك بإتيانه ومسجده الأقصى, وإكرامه بالصلاة فيه, أو بإرسال الزيت للإسراج في قناديله وإضاءتها, وهذا من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام وستكون للمسلمين, وقد كان؛ ففتحت القدس في العام الخامس عشر للهجرة. روى الإمام أبو داود في سننه بسنده عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ فَقَالَ: "ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ". وَكَانَتْ الْبِلَادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا, "فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ, فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ". وإن الواجب على المسلمين اليوم أن يهبوا لإنقاذ مسرى رسول الله صل الله عليه وسلم , والذود عن المسجد الأقصى, والدفاع عنه بكافة الوسائل, بعد أن دنسه المحتلون؛ وهذا واجب عقدي وديني, لأن الأقصى جزء من ديننا, جزء من عقيدتنا, جزء من آي القرآن الكريم. فالمطلوب من المسلمين شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه, فإن عجزوا عن ذلك قدموا له المساعدة بكل وسيلة, ولو زيتاً يسرج فيه. ولقد أسرج الشعب الفلسطيني المسجد الأقصى المبارك بدمه, وبدم قادته ومؤسسيه, وهم مستعدون أن يجعلوا أشلاءهم ممراً نحو النصر والتمكين لأمتهم لتحرير الأقصى من دنس المحتلين بإذن الله سبحانه وتعالى.
إن أي انتقاص من الأقصى والقدس هو انتقاص من آي القرآن الكريم, ومس بالعقيدة والثوابت الشرعية, من هنا يجب أن يسعى المسلمون جاهدين في البحث عن كافة الوسائل المتاحة, ليحمل كل مسلم وثيقة العهد النبوي, ووثيقة العهد القرآني, ووثيقة العهد العقدي, للدفاع عن المسجد الأقصى, وأن يعلّم أبناءه وكل من حوله بأن يحمل هذه الوثيقة, وأن يوقع على هذه الوثيقة وإن استطاع بالدم, لتبقى قضية الأقصى قضية حية في قلوب الشيوخ, والعجائز، والرجال، والنساء، والشباب، والفتيات، وأن نغرس هذا الحب في قلوب أبنائنا وأطفالنا بإذن الله سبحانه وتعالى. أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.. هبوا لنجدة إخوانكم المستضعفين في فلسطين، إن من أراد الأقصى فليدفع بكافة الوسائل والتي أسماها أن يسرجه بدمه, ويعبد الطريق بأشلائه وبكافة الوسائل, حتى يبقى الأقصى مشعلاً للنور والإيمان والحرية والتمكين والنصرة والعزة والكرامة بإذن الله سبحانه وتعالى.
وواجب المسلمين تجاه القدس متمثل في جوانب متعددة مبيّنة في المطالب الآتية :
المطلب الأول : بناء الجبهة الداخلية القوية, والتصدي لمحاولات تفتيتها.
المطلب الثاني : الجهاد حتى التحرير. وفيه :
أولاً : الجهاد من الداخل. ثانياً : تربية الأمة على الجهاد الشامل. ثالثاً : تقديم الدعم المادي والمعنوي لشعب فلسطين. وفيه: 1- الدعم البشري إن أمكن. 2- الدعم المادي. 3- الدعم الإعلامي. 4- الدعم الإيماني: والمقصود به الدعاء.
المطلب الثالث : المقاطعة الاقتصادية من المسلمين لكل من يدعم الكيان الغاصب.
المطلب الأول : بناء الجبهة الداخلية القوية, والتصدي لمحاولات تفتيتها
إن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى بناء الجبهة الداخلية والتي تحتاج إلى نفوس قوية تستشرف للعزة والتمكين, كما أنه يحتاج إلى جهود مضنية وعمل متواصل, لتستحيل الجبهة الداخلية كالطود الشامخ, الذي لا تزعزعه الأعاصير. ولنا قدوة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عمل على التصدي لكل المعوقات التي تفتّ من عضد المسلمين, وتفرق كلمتهم, وعلى رأسها الفتن التي يثيرها أعداء الإسلام, إلى غير ذلك من مظاهر التخذيل, وتثبيط الهمم والعزائم, لأن هذه تفضي إلى تفتيت الجبهة الداخلية. فعمل النبي صل الله عليه وسلم على رص صفوف المسلمين, وتوحيد جبهتهم, وإيجاد رابطة قوية بينهم, عن طريق المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. وإن الشعب الفلسطيني في الداخل بحاجة إلى رابطة قوية بين أبنائه, ترص فيها صفوفهم, وتوحد كلمتهم كما دعانا الإسلام إلى ذلك قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}.
وإننا لن نجد ديناً دعا إلى الوحدة والتضامن والتساند والتآلف والتعاون والتكاتف, وحذر من التفرق والاختلاف والتعادي مثل الإسلام في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}. ثم جاءت التوجيهات النبوية بعد ذلك تحثّ على التمسك بأسباب القوة, والتماسك, ونبذ الأثرة, والأنانية, والبغضاء من بين صفوف المسلمين للحفاظ على سلامة الجبهة الداخلية, والقضاء على كل المحاولات التي تهدف إلى تفتيتها. روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صل الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَبَاغَضُوا, وَلَا تَحَاسَدُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا, وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ".
كذلك إصلاح ذات البين والتصدي للفتن يعتبر من أهم الواجبات التي تسهم في تماسك الجبهة الداخلية. قال الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}. روى الإمام أبو داود في سننه بسنده عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم : "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ" ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: "إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ, وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ". فإصلاح ذات البين يمثل الدرع الواقي والحصن الحصين من هذه الحالة الشاذة في المجتمع الإسلامي التي تضرب الجبهة الداخلية في الصميم. لذا فمن الواجب على المسلمين هذه الأيام أن يقفوا قليلاً مع أنفسهم، وأن يراجعوا حساباتهم يوم زادت بينهم الشقّة، وكَثُر الخلاف فيهم، وذهبت ريحُهم؛ حتى لم يَعُدْ لهم بين أعدائهم هيبة، ولا قوة!، فمن هنا يجب علينا جميعاً أن تجتمع كلمتنا، وأن تتوحد صفوفنا, وأن يدعم المسلمون في الخارج إخوانهم الفلسطينيين في الداخل ليسيروا في هذا الاتجاه كلما حاول شياطين الإنس والجن أن يزرعوا بذور الفتنة بينهم.
المطلب الثاني: الجهاد حتى التحرير :
فالجهاد في سبيل الله هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وتخليص بيت المقدس, وهو أهم واجب تقدمه الأمة الإسلامية لأهل فلسطين، وأبعده أثراً في الوصول إلى تخليص فلسطين من المحتل، هذه هي الحقيقة على مرّ التاريخ، فما خرج الجبارون ودخل المؤمنون إلى الأرض المقدسة إلا بالجهاد، وما فتح المسلمون بيت المقدس إلا بالجهاد، وما أخرج الصليبيون من فلسطين إلا بالجهاد، ولن يخلص بيت المقدس من اليهود إلا بالجهاد في سبيل الله، وما سوى ذلك فهو طريق مسدود.
والجهاد يتحقق بطرق من أهمها :
أولاً : الجهاد من الداخل : وذلك بإعداد المجاهدين من أهل فلسطين وتربيتهم التربية الإسلامية الصافية، ودعمهم بالمال والعدة والعتاد، ونواة هذا الأمر موجودة الآن عبر ما يقوم به إخواننا المجاهدون من داخل فلسطين. قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}.
ثانياً : تربية الأمة على الجهاد الشامل : وذلك للإعداد العلمي والتربوي والمادي, فليس هناك شكّ في أن مستوى الوعي عند الأفراد ينعكس على حالتهم النفسية, التي تستهدف شخصيتهم بالدرجة الأولى, وكيانهم ووجودهم في الدرجة الثانية والأخيرة, لأن الفرد إذا فقد شخصيته, فإنه يصبح بلا انتماء, ويستحيل فريسة سهلة يسهل اقتناصها.
لكنه عندما يرقي إلى المستوى المطلوب من الوعي, فإنه يكتسب قدرة فائقة على فهم كل ما يجري من حوله على الساحة المحلية والعالمية, ويصبح بالتالي أكثر قدرة على تحليل كل المواقف المستجدة, والأهم من ذلك كله أنه يكتسب مناعة شديدة تستعصي على الهجمات النفسية التي تتخذ من شخصيته الإسلامية غرضاً لها.
لذلك يجب إبعاد شباب الأمة عن سفاسف الأمور ومهلكات الأمم، وتغذيتهم بالثقافة الجهادية, لتبقى جذوة الجهاد حيّة في نفوسهم، ولتتوارثها الأجيال، جيلاً بعد جيل حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده, كما يجب تهيئتهم لانتظار اللحظة الحاسمة، واستثمار الفرص. روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ ؟ قَالَ عُقْبَةُ: لَوْلَا كَلَامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صل الله عليه وسلم لَمْ أُعَانِيهِ قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لِابْنِ شَمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ, فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى". قال النووي في شرح هذا الحديث: "هذا تشديد عظيم في نسيان الرمي بعد علمه, وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بلا عذر".
وقال الشوكاني: "وفي ذلك إشعار بأن من أدرك نوعاً من أنواع القتال التي ينتفع بها في الجهاد في سبيل الله ثم تساهل في ذلك حتى تركه كان آثماً إثماً شديداً, لأن ترك العناية بذلك يدل على ترك العناية بأمر الجهاد, وترك العناية بأمر الجهاد يدل على ترك العناية بالدين لكونه سنامه, وبه قام". والمراد بهذا كله التمرن على القتال, واستمرارية التدريب والتحذق فيه, لرفع مستوى الجنود المسلمين في الرمي, وحتى لا تصاب نفوسهم بالفتور, وكي يظلوا محافظين على جاهزيتهم القتالية. ..... يتبع
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: "زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة الثلاثاء 28 أبريل 2020, 10:07 pm
.... تابع القدس في وعي المسلمين وحسهم وواجبهم نحوها
ثالثاً : : تقديم الدعم المادي والمعنوي لشعب فلسطين :
إن دعم المجاهدين في داخل فلسطين مادياً ومعنوياً بكل وسيلة ممكنة له أهمية كبرى, وهو من أهم الخيارات الإستراتيجية المتاحة، والتي من أهمها : 1- الدعم البشري إن أمكن: يجب الاستفادة من طاقات أبناء المسلمين وحماسهم، وتوظيف ما عندهم من قدرات في نصرة القضايا الإسلامية؛ وبخاصة من يستطيع منهم دخول أرض فلسطين، بعد تهيئة الأسباب لذلك، وعلى إخواننا الفلسطينيين الذين يقيمون خارج فلسطين مسؤولية عظمى، أكبر من غيرهم تجاه هذه القضية، وليحذروا من الركون إلى الدنيا ونسيان قضيتهم الأولى. إن الله تعالى طلب من كلِّ مسلم أن يقاتل الكفار المحاربين بكلِّ ما يملك من قوة وعتاد. قال الله تعالى : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}. وقال تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين}. وقال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}. فالجهاد إذاً لا يسقُط عن المسلم القادر بما يستطيع.
- الدعم المادي: وهو أهم الوسائل المتاحة, وذلك بدعم المجاهدين في أنفسهم وأسرهم. روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صل الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا, وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا". وقوله: "فَقَدْ غَزَا". أي حصل له مثل ثواب الغازي في سبيل الله. إن سياسة التجويع وهدم المنازل وتفريق الأسر التي يستخدمها المحتل في الأراضي الفلسطينية, قد توهن من عزائم المجاهدين, وتهدّ من قوتهم، والدعم المادي له صوره التي لا تخفى، وهو من أهم ركائز الانطلاق لإعداد القوة ومواجهة العدو. إن المساهمة في الجهاد في سبيل الله ضد اليهود ومن عاونهم، يكسب أجر الجهاد روى الإمام الترمذي في سننه بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صل الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ, وَالرَّامِيَ بِهِ, وَالْمُمِدَّ بِهِ .....".
وروى الإمام أبو داود في سننه بسنده عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم قَالَ: "جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ". وليعلم الأخوة المسلمون أن دعمهم لإخوانهم في داخل الأراضي المحتلة في فلسطين, ليس هبة, أو تبرعاً, فضلاً عن أن يكون منّة يمنّون بها عليهم، بل هو واجب عليهم, وجزء من الجهاد الذي أمر الله به في مواضع عدة في القرآن الكريم, وعلى لسان رسوله صل الله عليه وسلم . قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. 3- الدعم الإعلامي: فالإعلام غدا قوة لها شأنها في الصراعات الفكرية والسياسية والاقتصادية, وسلاحاً فعّالاً في الحروب النفسية, وبخاصة إذا كان وراءه وعلى نحو ما هو قائم اليوم خبراء وأخصائيون في التوجيه الإعلامي والدعائي وأشخاص بارعون في استخدام الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية.
فهو سلاح العصر الفتّاك، ومع كل أسف فإن المسلمين متأخرون في ذلك كثيراً، علماً أن الإعلام اليوم هو الذي يقود الشعوب، ويوجهها حيث شاء. ويكفي للدلالة على هذا الأمر أن نشير إلى قضيّة محمد الدرّة الشهيد الفلسطيني الذي قتله الاحتلال "الإسرائيلي"، حيث هزت قضيته العالم أجمع، وخدمت قضية فلسطين بما لم يخدمه الإعلام منذ عشرات السنين، وهي لقطة من مصور استثمرها أيما استثمار، فكانت آثارها الباهرة التي شاهدناها. فلو استطعنا أن نستثمر الإعلام بوسائله المتعددة, ونقدم للعالم صورة عمّا يفعله اليهود في بالشعب الفلسطيني عامة, بالقدس ومسجدها خاصة, لكان الوضع مختلفاً بالنسبة لنا.
4- الدعم الإيماني: والمقصود به الدعاء: وهو سلاح قوي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى به قبل المعركة وأثناءها، فقد ثبت عنه في الصحيح أنه كان يدعو قبل دخوله المعركة. روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ, ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ, وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ, فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا, وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ". ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ, وَمُجْرِيَ السَّحَابِ, وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ, اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا, فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صل الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ, ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي, اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي, اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ, فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ, فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ, وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ, فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}. فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ"
وقد أدرك المسلمون هذا الأمر من لدن الصحابة ومن بعدهم، وأولوه عناية خاصة، حتى ذكر بعض الفقهاء أنه يستحب أن يبدأ القتال بعد صلاة الجمعة بعد أن يكون المسلمون قد دعوا لهم فيها. فجهود المسلمين تتضافر, وكلمتهم تجتمع، ودعوتهم تتوحّد على رفع أكفِّ الضراعة إلى الله تعالى؛ بحيث يلهج بالدعاء قرابة ( مليار ) مسلم سواءٌ في مساجدهم جماعةً، أو في صلواتهم فُرادى, أن يخلّص المسلمين من الظالمين والمحتلين والمغتصبين.
إن الوقوف مع الشعب الفلسطيني في الداخل ودعمهم بوسائل الدعم المتعددة له ثمرات عظيمة. من أهمها : 1- القيام بالواجب الشرعي تجاه هؤلاء المجاهدين: فالمسلمون أمة واحدة كالجسد الواحد قال الله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}. وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم : "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ, إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ, تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". 2- إحياء فريضة الجهاد : وحسبك بهذه الفريضة شرفاً وعزة ورفعة ومنعة. روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم قَالَ: "لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ, خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". 3- إضعاف "إسرائيل" وتعميق مشكلاتها : مما يوهن من عزيمتها, ويسهل القضاء عليها، ويوقف الهجرة إليها, بل يفر منها من هاجر من اليهود إليها. 4- ترسيخ مفهوم أن القضية إسلامية : ولن تحلّ بغير الإسلام، والجهاد ذروة سنامه. 5- استمرار جذوة القضية حيّة : فخمودها مما تقرّ به أعين الظالمين والمنافقين. 6- بيان أن هذه الأمة أمة معطاء : لا ينضب معينها، ولا يتوقف سلسبيلها, وأن الضربات المتلاحقة لا توهن من عزيمتها، ولا تفتّ في عضدها, وإن سكنت حيناً، فما هي إلاّ استراحة المحارب، سرعان ما تنفض الغبار عنها، وتعيد الكرة تلو الأخرى.
وحبذا لتحقيق هذا الدعم وإخراجه إلى حيز الواقع مفصَّلاً: أن تتعاون الجهات ذات العلاقة في الأرض المحتلة وخارجها, على وضع برامج تنفيذية تفصيلية يجري تعميمها ونشرها بين فئات المجتمع الإسلامي كله، وتُهيأ لها الطاقات البشرية المتخصصة والمتفرغة قدر الإمكان، يبيّن فيها واجب المجاهدين في الداخل، وما يجب على إخوانهم في الخارج، من الدعم المادي، وكفالة المجاهدين، وإعالة الأسر، وإقامة المشاريع التي تضمن استمرار الجهاد وقوته, بالإضافة إلى المشاريع الدعوية والتعليميّة، مع العناية بإقامة المؤسسات الإعلامية المستقلة التي تعطي الصورة الحقيقية عمّا يجري في داخل أرض فلسطين، والقدس ومسجدها الأقصى, وتربط المسلمين بقضيتهم الكبرى في مشارق الأرض ومغاربها.
المطلب الثالث : المقاطعة الاقتصادية لكل من يدعم الكيان الغاصب :
وهذا الواجب من أهم الحلول المهمة بعد الجهاد ضد أعداء الله, هذا إذا علمنا أن أعداءنا عبَّاد للدينار والدولار, وأن الاقتصاد هو شريان الحياة لديهم، فهم قد يقبلون التنازل في كل شيء سواء في دينهم، أو عرضهم، أو أرواحهم، أو عقولهم ... أمَّا المال فلا يقبلون فيه تنازلاً بأيّ حال كان. فمقاطعة المسلمين لمنتجاتهم سيكون له الأثر الكبير في كشف عورتهم، وسقوط هيمنتهم, فكل مسلم مطالب بنصرة إخوانه المسلمين، وبمجاهدة أعداء الدين ومن عاونهم بقدر ما يملك من استطاعة.
ولقد جُربت المقاطعة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنفعت وأثرت في أعداء المسلمين. روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ, فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ, فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ....... فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ. فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ, ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ, فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, يَا مُحَمَّدُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ, فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ, وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ, فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ, وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ, فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ, وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ, فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ, فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ. قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صل الله عليه وسلم ". قال ابن حجر: "زاد ابن هشام" ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا, فكتبوا إلى النبي صل الله عليه وسلم : إنك تأمر بصلة الرحم, فكتب إلى ثمامة أن يخلّي بينهم وبين الحمل إليهم".
ونحن نطالب كلَّ مسلمٍ أن يجاهد اليهود ومن عاونهم بقدر استطاعته ولو بمقاطعة منتجاتهم, من أجل تحرير فلسطين، وعودة بيت المقدس, والمسجد الأقصى ليصلّى فيه بحريّة, والله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}. وأخيراً أقول: ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وما ضاع في عشرات السنين لا يسترد بأيام أو شهور، ولذلك لابد من تضافر الجهود فنحن في هذه الأيام نحتاج إلى ترتيب الجهود والأفكار وتنظيمها؛ لنكون بعدئذ قوة رهيبة نستطيع أن نقابل بها أعداءنا الذين ما بلغوا منَّا هذا الشر والعداء إلا يوم آمَنُوا بأهمية تنظيم الجهود، كما أننا بحاجة إلى الأخذ بأسباب النصر، والتوكل على الله.
وصل الله على محمد وآله وأصحابه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
التوصيات :
1- إن الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في رحلة الإسراء والمعراج يجب أن يكون له إيحاؤه وتأثيره في وعي الإنسان المسلم وضميره ووجدانه, بحيث لا تنفصل قدسية أحد المسجدين عن قدسية الآخر, ومن فرّط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر. 2- يجب ألا يغفل المسلمون ما ورثوه من ذكريات رحلة الإسراء والمعراج: وهو: الصخرة, وحائط البراق. 3- الاتحاد والاعتصام فيه القوة والهيبة, والتفرق والخلاف فيه وهن العزيمة وذهاب القوة. امتثالاً لقول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
4- إيجاد خطة إستراتيجية شاملة لمواجهة اليهود، وعدم التعامل مع الأحداث بردود أفعال، أو استجابة لظروف معينة، أو استثمار لفرص محدودة، تنتهي بانتهاء أسبابها ودواعيها. 5- التأكيد على أهمية المعركة الإعلامية حول القدس في الإعلام المحلي والدولي. 6- عدم الاستجابة للهزائم النفسية التي يبثها الإعلام المعادي من أن دولة "إسرائيل" دولة لا تقهر، فلو صدقت العزائم لعرفنا وأدركنا خرافة الدولة التي لا تقهر، لأن مفاتيح النصر بأيدينا لو أردنا ذلك وأخذنا بأسبابه.{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. 7- لابد من التفاؤل والبعد عن اليأس والتشاؤم، حيث لا مكان لذلك في حياة المسلم، ولا ينبغي أن تكون الظروف المحيطة, ومرارة الواقع, وبطش الأعداء, وخذلان الأصدقاء, مبرراً لليأس والقنوط, وأن نحسن الظن بالله تعالى, وأن وعده قريب. 8- الصبر والمصابرة وعدم الاستعجال هو منهج الأنبياء والرسل والمصلحين على مدار التاريخ، وقضية فلسطين من أصعب القضايا التي واجهتها الأمة منذ قرون طويلة، وهي متشابكة الأطراف، متعددة الجوانب كثيرة العقد، تحتاج إلى صبر وأناة، بعيداً عن الاستـعجال واستـباق النتائج. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
المراجع :
القرآن الكريم. 1- أبناؤنا بين وسائل الإعلام وأخلاق الإسلام: منى حداد يكن, مؤسسة الرسالة, بيروت, الطبعة الأولى, 1402هـ- 1982م. 2- أحاديث فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى: د. أحمد أبو حلبية, الطبعة الأولى, 1418هـ- 1997م. 3- الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي, راجعه: د. محمد الحناوي, خرج أحاديثه: د. محمود عثمان, دار الحديث, القاهرة, الطبعة الأولى 1414هـ- 1994م. 4- الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: للقاضي مجيز الدين الحنبلي, مكتبة المحتسب, عمان الأردن, طبعة سنة 1973م. 5- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: المؤلف: محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا, دار الكتب العلمية, بيروت. 6- تذكير النفس بحديث القدس وأقدساه: تأليف الدكتور سيد حسين العفاني, مكتبة معاذ بن جبل, توزيع دار العفاني, الطبعة الأولى 1421هـ- 2001م. 7- ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام: للعز بن عبد السلام, مكتبة المنار, الأردن. 8- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف: الإمام عبد العظيم بن عبد القوي المنذري, المتوفى 656هـ, تعليق مصطفى عمارة, دار إحياء التراث العربي, بيروت, الطبعة الثالثة 1388هـ- 1968م. 9- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج: الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي, دار الفكر المعاصر, بيروت, الطبعة الأولى 1411هـ- 1991م. 10- تهذيب التهذيب: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني, ضبط ومراجعة صدقي جميل العطار, دار الفكر, الطبعة الأولى, 1414هـ- 1995م. 11- تهذيب الكمال: للحافظ أبي الحجاج يوسف المزي, المتوفى سنة 742هـ , تحقيق الدكتور: بشار معروف, مؤسسة الرسالة, بيروت, الطبعة الثالثة 1409هـ- 1988م. 12- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, العلامة محمود الألوسي أبو الفضل, دار إحياء التراث العربي, بيروت. 13- سبل السلام شرح بلوغ المرام: الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني, المتوفى 1182هـ, مراجعة محمد الخولي, مطبعة مصطفى البابي الحلبي, الطبعة الرابعة 1379هـ- 1960م. 14- السلسة الصحيحة: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني, المكتب الإسلامي. 15- سنن ابن ماجه: الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني, المتوفى 275هـ, صححه محمد عبد الباقي, دار إحياء الكتب العربية. 16- سنن أبي داود: الإمام الحافظ أبي داود سليمان بت الأشعث السجستاني, المتوفى 275هـ, راجعه: محمد عبد الحميد, دار إحياء التراث العربي, بيروت. 17- سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة, تحقيق أحمد شاكر, دار الحديث, القاهرة. 18- سنن النسائي: للإمام الحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي, دار ابن حزم, بيروت, الطبعة الأولى 1420هـ- 1999م. 19- شعب الإيمان: الحافظ أبو بكر بن الحسين البيهقي المتوفى 458هـ, تحقيق أبي هاجر محمد زغلول, دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى 1410هـ- 1990م. 20- صحيح البخاري: تأليف الإمام الحافظ أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري, مراجعة الشيخ: محمد قطب, والشيخ هشام البخاري, المكتبة العصرية, بيروت, الطبعة الثانية 1418هـ- 1997م. 21- صحيح مسلم: بشرح الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي, دار الفكر, بيروت, الطبعة الأولى 1417هـ- 1996م. 22- صحيح مسلم: تصنيف الإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري, اعتنى به أبو صهيب الكرمي, بيت الأفكار الدولية, 1419هـ- 1998م. 23- فتح الباري بشرح صحيح البخاري: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني, المتوفى سنة 852هـ , دار المعرفة, بيروت. 24- فقه السيرة: الشيخ محمد الغزالي, دار القلم دمشق, بيروت, الطبعة الثالثة, 1407هـ- 1987م. 25- فيض القدير شرح الجامع الصغير: تأليف عبد الرؤوف المناوي, تحقيق: حمدي الدمرداش محمد, مكتبة نزار مصطفى الباز, الطبعة الأولى 1418هـ- 1998م. 26- القدس قضية كل مسلم: د. يوسف القرضاوي, المكتب الإسلامي, الطبعة الثانية, 1419هـ- 1998م. 27- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة: الحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي, المتوفى سنة 807هـ, مؤسسة الرسالة, بيروت, الطبعة الأولى 1404هـ- 1984. 28- المعجم الكبير: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى 360هـ, تحقيق حمدي السلفي, الدار العربية للطباعة, بغداد, الطبعة الأولى 1397هـ. 29- المسند: لأحمد بن محمد بن حنبل, دار الفكر العربي. 30- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري المتوفى سنة 840هـ , تحقيق وتعليق: موسى محمد علي ودكتور عزت علي عطية, دار الكتب الحديثة, مطبعة حسان. 31- مقومات النصر في ضوء القرآن والسنة: د. أحمد أبو الشباب, المكتبة العصرية, بيروت, الطبعة الأولى, 1420هـ- 1999م. 32- النهاية في غريب الحديث والأثر: للإمام مجد الدين المبارك بن محمد الجزري, المتوفى 606هـ, تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي, دار الفكر, بيروت. 33- يا مسلمي العالم أفيقوا المسجد الأقصى في خطر: د. صالح حسين الرقب, مطبعة الرنتيسي, غزة – فلسطين, الطبعة الثالثة 1427هـ- 2006م.
* شكرٌ خاص للقائمين على المؤتمر الدوليّ لنصرة القدس الأول الذي انعقد في كلّ من القدس المحتلة وغزة وبيروت في الفترة 6-7 حزيران 2007م حيث قًدّم هذا البحث في الجلسة الرابعة من المؤتمر والذي تناول المحور الديني لقضيّة القدس.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: "زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة الثلاثاء 28 أبريل 2020, 10:12 pm
باب العامود الأصلي بالقدس ليس ما تراه اليوم!
قوس النصر الروماني ممدخل باب العامود القديم الروماني أسفل الباب العثماني الحالي (الجزيرة نت)
في الجهة الشمالية لسور القدس، يقع باب العامود كأبرز أبواب السور وأكثرها استخداما، والذي تصدّر المشهد الحالي للمدينة بشقيه السياسي والتاريخي، لكن الباب بشكله وموقعه الحالي، حديثٌ تاريخيا مقارنة بالباب الأصليّ الذي ينخفض أسفله بأمتار عدة، متواريا عن الأنظار ومختزلا إرثا قديما منذ القرن الثاني الميلادي.
الباب الحالي المستخدم ذو الثمانية أمتار بناء عثماني، شُيّد بأمر السلطان سليمان القانوني حين رمم سور القدس، لكن جذوره تعود إلى عهد الإمبراطور الروماني هدريان، الذي أعاد بناء القدس بعد تهدمها إثر حروب إخماد ثورات داخلية.
بنى الإمبراطور الروماني هدريان عام 135م شمال سور القدس ثلاثة أبواب متجاورة كان أوسطها فتحة مركزية كبيرة وهي نواة الباب العلوي الحالي، فيما جانَبتها فتحتان مقنطرتان صغيرتان، وقد فصلت بين الفتحات أعمدة عظيمة وصلت إلى 12 مترا.
مدخل باب العامود الحالي العثماني (يمين) وأسفله يقع الباب القديم الروماني الأصلي الذي يشغل المتحف الروماني اليوم (الجزيرة نت)
أغلقت الفتحة الشرقية -عن يسار الباب الحالي- منذ الفترة الصليبيبة حتى اليوم، فيما تشغل الأخرى متحفا صغيرا يدعى "المتحف الروماني" الذي يستعرض تاريخ باب العامود، وتشرف عليه بلدية الاحتلال.
يعلل المرشد التاريخي بشار أبو شمسية وجود ثلاثة أبواب في المكان نفسه، بأن الدولة الرومانية كانت منظمة جدا، فجعلت بابا للدخول وآخر للخروج، وثالثا لدخول البضائع والقوافل التجارية، كما شيّدت برجين للحراسة على الجانبين.
نصب هدريان أمام الباب الرئيسي في الساحة عمودا رخاميا بطول 14 مترا ليقيس المسافات بين القدس –التي أسماها إيليا كابوتولينا- والمدن الأخرى، كما أمر بنحت رأسه فوق العمود، لإظهار قوته وسيطرته. تهدم لاحقا العمود والرأس المنحوت، وبقيت في المتحف اليوم تصورات تمثيلية لما كانا عليه.
إحدى الحجرات التي يؤدي إليها باب العامود الأصلي الروماني، ويظهر فيها الدرج المؤدي نحو السور (الجزيرة نت)
مراحل التغيير يقع المتحف على يمين الباب الحالي بعمق نحو خمسة أمتار، ويُدخل إليه عبر باب قوس نصر رومانيّ، يؤكد بشار أبو شمسية للجزيرة نت أنه كان يفضي إلى شارع "الكاردو" الروماني الذي يصل بين شمال المدينة وجنوبها.
وفي القرن السابع حتى العاشر الميلادي سُد قسم من مداخل الباب وتحول البرجان إلى معصرتي زيت، كما تحولت غرف السلالم إلى صهاريج ماء، وفي الفترة الصليبية سُد الباب بأكمله وشيّد باب جديد على مستوى أعلى وشيّدت منازل على الساحة الداخلية واستعمل قسم منها فقط شارعا، ورممت هذه المنازل في العهد المملوكي.
إعادة تجسيد لرأس الإمبراطور الروماني هدريان الذي أمر بنحته ووضعه فوق عمود (الجزيرة نت)
وفي عهد السلطان العثماني سليمان القانوني شيّد الباب الحالي حيث كان الجزء الأعلى من المدخل المركزي، واستعمل البرجان الرومانيان أساسات للبرجين الجديدين وشيدت جدران سميكة داخل الغرف الصليبية المملوكية وأصبحت أساسا للباب العثماني الذي صمّد بحلته حتى اليوم.
وفي القرن العشرين أجريت حفريات في منطقة الباب، وفي ستينيات القرن الماضي أقيم جسر فوق البقايا القديمة، وفي السنوات الأخيرة قامت بلدية الاحتلال بإنشاء مدخل جديد في واجهة الباب على شكل مدرج، ويحوي المدخل مجموعة سلالم للدخول إلى البلدة القديمة والخروج منها.
صورة عامة لباب العامود الأوسط الحالي ذو البناء العثماني (الجزيرة نت)
موجودات رومانية وإسلامية وفي العودة إلى الباب السفليّ الأيمن والمتحف الروماني داخله، يقول أبو شمسية إنه وأثناء سد مداخل الباب استعمل أهل القدس المساحة داخله كمخازن، ومعاصر حجرية للزيت يراها الزائر حتى اليوم، بالإضافة إلى قنوات فخارية مائية من الفترتين الرومانية والعثمانية لرفد المدينة بالماء.
يضم المتحف قاعة متصلة بالباب الشرقي الآخر استعملت كغرفة حراسة للجنود الرومانيين، بالإضافة إلى درج يصعد إلى أعلى السور، حيث نقاط وأبراج المراقبة قديما، والتي تستخدم اليوم كمسار سياحي للتجوال حول السور، الذي تسيطر عليه بلدية الاحتلال أيضا وتفرض شراء التذاكر على مرتادي المتحف والسور.
بئر رومانية داخل المتحف الروماني (الجزيرة نت)
يزخر المكان بآثار رومانية وبيزنطية ومملوكية، كلعبة رومانية محفورة في الأرض على شكل مربعات صغيرة وحجارة كتب عليها باللغة اللاتينية المستخدمة آنذاك، بالإضافة إلى بئر رومانية وبقايا "كوّة" (فتحة في الجدار للإضاءة) من العهد البيزنطي، ونسخة فسيفسائية من خريطة "مادبا" التي تعد أقدم خريطة للقدس.
تتناثر في المتحف أيضا بقايا قواعد أعمدة الحوانيت القديمة، وتظهر جليّا القناطر المملوكية التي أقيمت لإسناد المحلات الحديثة فوق الطبقة الرومانية القديمة.
يُرجعك الحيّز هذا إلى آلاف السنين حيث كان باب العامود ممرا رئيسا لجميع القوافل التجارية والأفواج السياحية التي قصدت القدس، بسبب اتساع مساحته وقربه من الأسواق الحيوية والأماكن الدينية وطريقه الممهد اليسير، تنهي سفرك عبر الزمن هذا، وتخرج من قوس النصر لتصعد نحو المستوى الحالي من باب العامود، لتشهد على الماضي والحاضر في آن واحد.
المصدر : الجزيرة
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: "زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة الثلاثاء 28 أبريل 2020, 10:15 pm
باب العامود.. أكبر أبواب القدس وساحة للمقاومة هو أهم أبواب القدس الرئيسة، وأكثرها شهرة. وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى عامود كان بارزاً في الفترة الرومانية، ولم يعد موجودا، لكن يشار إلى موقعه بعلامة، ويعتبر أجمل الأبواب في البلدة القديمةبالقدس الشرقية. أصبح هذا الباب رمزاً للسياسات الإسرائيلية بالمدينة، بدءاً من القمع والاغتيال، مروراً بمحاولات تهويده، والتضييق على ساكنيه. وخلافاً لسائر أبواب البلدة القديمة، فإن لباب العامود مدرجاً كبيراً يؤدي إلى الباب الذي أقامه السلطان سليمان القانوني سنة 1538. سُمي باب العامود بـ "باب دمشق" نسبة إلى وجهة المسافرين من خلاله باتجاه دمشق، كما سُمي "باب نابلس" لأنه يتجه نحو نابلس. وكان الباب قبل الحصار على القدس أوائل التسعينيات المكان الذي تنطلق منه وتصل إليه الحافلات من جميع أنحاء الضفة والقطاع. شكلت ساحة باب العامود متنفسا لسكان مدينة القدس، حيث كانوا يلجؤون إلى مدرجاته للترويح عن أنفسهم، وتناول المشروبات في مقاهيه. ويرتاده الرسامون والسياح ليلتقطوا الصور التذكارية. يتميز الباب بالانحناء وفقاً لنمط العمارة العثمانية للمحافظة على المدينة والدفاع عنها، وهذا ما كان يحقق الأمن لحراس المدينة وصعوبة اختراقه. ومنذ الأعوام الثلاثة الماضية حولت شرطة الاحتلال الباب وساحته إلى ثكنة عسكرية، وأقامت ثلاث نقاط تفتيش في الطريق المؤدية إليه. كما اقتلعت الأشجار من محيطه، ونصبت عشرات كاميرات المراقبة. ويطلق الفلسطينيون على باب العامود لقب "ساحة الشهداء" بعد أن استشهد عشرون فلسطينياً برصاص الاحتلال في ساحة الباب، آخر ثلاثة أعوام فقط. ونظراً لاعتبار باب العامود شريان الحركة إلى البلدة القديمة، فقد أثرت الإجراءات الإسرائيلية سلباً على الحركة التجارية مما أدى إلى إغلاق أكثر من 270 محلاً تجارياً. ويهدف الاحتلال من إجراءاته على الباب إلى السيطرة الكاملة على البلدة القديمة باعتباره المدخل الرئيس لها.
باب العامود.. أكثر أبواب القدس زخرفة باب العامود هو الباب الأكثر فخامة بين أبواب القدس، ويصل ارتفاعه إلى نحو ثمانية أمتار، ويعود بناؤه لعهد الإمبراطور الروماني هدريان في القرن الثاني الميلادي. أما البناء الحالي لباب العامود يعود للفترة العثمانية بين عامي 1537 و1539، وتعلوه فتحة صغيرة للحراسة وتاج دمر في زلزال ضرب القدس عام 1927. لباب العامود تسميات أخرى منها باب دمشق وباب نابلس، وسمي باسمه الحالي لوجود عامود من الرخام الأسود ارتفاعه 14 مترا، وضع في الساحة الداخلية للباب في الحقبة الرومانية، وعن طريقه كان يقاس بعد المسافات عن القدس. تبلغ مساحة ساحة باب العامود ومدرجاته والدكاكين المملوكية الموجودة في مدخله حوالي ثمانية دونمات ونصف، وظل على مدار قرون طويلة الممر الرئيسي لجميع القوافل التجارية والأفواج السياحية التي كانت تؤم القدس. أما بعد الانتفاضة الثانية عام 2000 فبدأت تضييقات الاحتلال على الباب، وازدادت التشديدات عام 2015 حيث ارتقى فيه 15 شهيدا من بين شهداء الهبة. ووفق معطيات إسرائيلية، فقد وقعت 32 عملية فيه خلال العامين الماضيين، وهناك خطة إسرائيلية لزرع المزيد من كاميرات المراقبة الدقيقة داخل الباب وزيادة العناصر الأمنية، ولإعلان باب العامود "منطقة أمنية". أغلقت قوات الاحتلال باب العامود بشكل كامل يوم 14 يوليو/تموز وحولته إلى منطقة عسكرية مغلقة واستمرت الإجراءات أسبوعين، قبل إعادة فتحه في 28 يوليو/تموز الماضي. ومنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة لإسرائيل في السادس من ديسمبر/كانون أول الجاري، أصبح الباب نقطة تجمع لرافضي القرار من المقدسيين فتعرضوا للقمع والملاحقة من قبل قوات الاحتلال.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: "زمان القدس" فيلم تركي يروي تاريخ المدينة المحتلة الثلاثاء 28 أبريل 2020, 10:24 pm
في أسوار القدس عدة أبواب سميت بأسماء الجهات أو المدن التي تطل عليها، ومنها باب الشام أو باب العامود أحد أهم أبواب القدس، وقد شهد تغييرا ملحوظا في عهد الدولة العثمانية، وهو اليوم قريب من شكله العثماني الأصلي. [rtl]أما باب النبي داود فتعرض خلال الحروب العربية الإسرائيلية للتشويه بسبب الرصاص والقذائف، لكنه ما زال محافظا على ملامحه العثمانية كالضخامة والارتفاع، وفق المرشد السياحي روبين أبو شمسية.[/rtl] [rtl]وهناك باب الرحمة والتوبة الذي أغلقه السلطان سليمان القانوني بسبب الأساطير حوله.[/rtl] [rtl]ويشير رئيس الحركة الإسلامية المحظورة بالداخل الفلسطيني إلى أن مداخل القدس تلج منها كل الوفود الإسلامية التي تأتي من كل الجهات، ويتحدث الشيخ رائد صلاح عن جهود السلطان سليمان في جعل القدس ملتقى الحضارات على المستوى الديني والعلمي والتجاري[/rtl]
توجد لسور القدس الذي يمتد لنحو أربعة آلاف متر، سبعة أبواب مفتوحة (العمود والساهرة والأسباط والمغاربة والنبي داود والخليل والحديد)، وأربعة أخرى مغلقة هي الرحمة والواحد والمزدوج والمثلث، نتعرف عليها في هذا الفيديو. وللمزيد عن القدس وهويتها وتاريخها ومقاومتها، يمكنكم متابعة الجزء الثاني من برنامج الشاهد "القدس وحدها تقاوم/ جولة وتذكرة".
يعدّ باب الخليل ثاني أكبر الأبواب في سور القدس بعد باب العمود، وجدد بناءه السلطان سليمان القانوني خلال حكم العثمانيين لمدينة القدس، وتقول الحكايات الشعبية إن كل غاز للقدس كان يدخلها من باب الخليل. ويطلق عليه أيضا باب عمر، لأنه الباب الذي دخل منه الخليفة عمر بن الخطاب حين فتح القدس، وللمفارقة فقد دخل منه أيضا الجنرال إدموند اللنبي إلى المدينة القديمة عام 1917، معلنا سقوط القدس تحت الاحتلال البريطاني. للمزيد عن القدس وهويتها وتاريخها ومقاومتها، يمكنكم متابعة الجزء الثاني من برنامج الشاهد "القدس وحدها تقاوم/ جولة وتذكرة".
قرية القسطل كانت من أهم القرى الفلسطينية المحيطة بمدينة القدس المحتلة، وتكمن أهميتها في أنها شكلت البوابة الغربية للمدينة المقدسة، وعلى ثراها وقعت واحدة من أهم المعارك التي خاضها الثوار الفلسطينيون ضد المحتل الإسرائيلي. وكما يقول اللواء الركن المتقاعد واصف عريقات فإن "الصهاينة اعتبروا معركة القسطل نقطة تحول من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم"، وهم يحاولون ترميز مكانها وإشعار أجيالهم المتأخرة بأن هذا المكان جلب لهم الكثير من النجاحات. ويتابع عريقات في حديثه أن القسطل كانت بمثابة مفتاح القدس من الناحية الغربية، وموقعها إستراتيجي مهم، ومن يسيطر عليه يستطيع السيطرة على كافة السهل الغربي لمدينة القدس، "ولذلك كانت أول قرية عربية تستهدفها القوات الصهيونية وتسقط بيدها".