منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي   كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالثلاثاء 05 مايو 2020, 11:04 pm

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي P_158678kab1

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي P_1586e0upi1

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي P_1586iwnxl1

https://ia902807.us.archive.org/27/items/hmmt03/hm0065.pdf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي   كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالثلاثاء 05 مايو 2020, 11:06 pm

معتز حسن أبو قاسم

(لابد أن نُقِرَّ أن القارئ صاحبُ محاولة في الفهم ثم في التأويل ثم إن شئت في العرض)..

مقدمة عامة حول الكتاب:

اعتاد قارئ حلاق أن ينتظر منه أن ينظر في المسكوت عنه في الساحة البحثية والذي بلغ أن يصبح بديهيا غير قابل لإعادة النظر فيه نظرةً تُدينه أو تنقضه من أصله. فحلاق يضع على مشرحة التحليل الجذري والبنيوي مفاهيمَ رائجة راسخة رسوخ بعض المفاهيم كـــ"التقدم" و"الدولة الحديثة" و"الحرية". وحلاق في كتابه هذا لا يُخلف عهده في تحسس المالوف البديهي لدينا من أجل أن يسائل الأفكار والقيم والمبادئ التي أضحت مسلمات خارج نطاق النقد ويستشكلها ويسائل الأشخاص الذي تحولوا إلى أيقونات مقدسة فوق النقد.

تصدر إدوارد سعيد قائمة الاسم الأكثر تكرارا في هذا الكتاب وذلك باتخاذه غرضا لنقد ونقض كثير من الأصول والفروع التي قامت مدرسة الاستشراق عليها عامةً و كتاب سعيد "الاستشراق" خاصةً، فكرَّ عليها حلاق وأظهر عوارها ومغالطاتها وما ترتب على تقريرات سعيد وتصريحاته من إخفاء وإهمال لجوانب هي أكثر أهمية مما صرح به وألصق بالمشكلة الاستشراقية مما ظنَّ سعيد، ثم قام حلاق يصوِّب قراءة موقعَ الاستشراق على الخريطة الحداثية اليوم ويحدد موضعه وقيمته بتتبعٍ ودقةٍ مدهشة، و أخذ يعكس على مرآة الاستشراق وهي مجليةً الواقع الحداثي وما أحدثه في الحقيقة وعلى أرض الواقع، ويظهر كذلك كم كان النص السعيدي "نصا" وبقي "نصا" بدون أي أداتية حقيقية، لقد بقي "كلاما" (بانتمائه لحضارة الكلام كما يسمي طه عبد الرحمن الحضارة الغربية) ولم يصل إلى أن يكون أداة تحليل مؤثرة، بل أصبح النص السعيدي بطريقة ما مُرسِّخا وداعما للكولونيالية التي ظنَّ سعيد أنه يدينها ويُظهر عوارها بكتابه "الاستشراق"، ولكن -مع الأسف-كلما اقترب سعيد من الجذور الأصلية التي صنعت الظروف الملائمة لهذه الكولونيالية والإبادية والإمبريالية كلما وجدناه يعود للوراء ليتستتر بنقد النص والتصوير الاستشراقي فقط.

عن مقدمات المترجم والمؤلف:

سوف أسوق هنا عددا من الملاحظات والتساؤلات:
-    يتناول الكتاب الغربَ واستشراقَه وكولونياليته ومعرفتَه.

-    ويتناول كذلك الفردَ الغربي أو الفرد الليبرالي العلماني وكيف تشكَّل أو عمليات تذويته (صناعة الذات الغربية).

-    كانت قراءة سعيد للاستشراق اختزال له في جانبه السياسي الاستعماري، وهو قصور شديد.

-    سوف نجد في الاستشراق أبعادا بنيوية عميقة أهم من الجانب السياسي.

-    الكتاب -بامتياز- دراسة في أصول المعرفة الحديثة.

-    إن فهم الأصول يعني فهم طريقتنا في النظر إلى العالم، وفهم هويتنا؛ من نحن؟.

-    يظهرُ أننا لم نُستَشر في الرؤية الجديدة المفروضة علينا، بل لقد نسينا أننا قد فُرض علينا ذلك.

-    من مواطن الأهمية في هذا الكتاب : طرح تساؤل حول ماذا جرى لنا، لم نعد نفهم هويتنا كأفراد شكلتهم الكولونيالية.

-    يُذكِّر حلاق بالمهمة الأولى التي تقع على مسؤوليتنا، وهي أننا دعاة ومُبلِّغين.

-    هناك تساؤل عن مفارقة: بينما أضحت علومنا وتكنولوجيتنا أكثر تقدما وتفوقا أمست مشاكلنا الصحية والاجتماعية والمالية والبيئية تزيد باضطراد.

-    يطالب حلاق المسلمين بضرورة طرح رؤيتهم الخاصة لعلاج مشاكل الواقع، وهو نفس المطلب الذي طالب به طه عبد الرحمن في "الحق الإسلامي" من وجوب وجود جواب إسلامي عن مآزق العصر.

-    يتخذ حلاق من مفهوم "الدولة الحديثة" موقف الناقد الصلب والجذري، ويبحث عن بديل فيرشح المسلمين ويطالبهم في أن يعيدوا النظر في الدولة الحديثة من أجل صياغة موقف فكري وعملي آخر للاجتماع البشري يتجاوز مآسي الدولة البنيوية الحديثة.

-    يلخص حلاق دعوة كتابيه (الدولة المستحيلة) و(قصور الاستشراق) بمطلبين: (1) إعادة التفكير والنقد لإيجاد حلول أفضل لحياتنا من خلال الانفتاح الواعي على الاحتمالات والمجالات المعرفية الممكنة. (2) إن بقاء النظر في "الدولة الحديثة" و"المعرفة الحديثة" باعتبارهما نموذجا مثاليا أو في أسوء الأحوال النموذج الوحيد هو بمثابة الدفاع عن الفظاعات التي ارتكبناها ضد أنفسنا وضد العالم الذي نعيش فيه.
-    نجد كذلك في (الشكر) ملاحظات وتنبيهات:

(1)    الاستشراق يُكني عن تساؤلات نظرية وموضوعية ترتبط بتكوين الذات الحديثة.

(2)    إن في نفس عملية تأسيس الاستشراق كوحدة تحليلية يخضع الاستشراق إلى عملية تقزيم وتضخيم في نفس الوقت.

(3)    يظل الاستشراق – مع النقد الشديد الموجه له- أظهر المعابر التي تمر من خلالها المعرفة عند الآخر.

(4)    يتناول الكتاب مكانة الذات الغربية في المشروع الحداثي والمخارج المحتملة.

(5)    يكمن التحدي الأهم للذات الغربية في التخلص من السيادة على كل ما هو موجود في هذا الكون.

-    مع أن الكتاب يتناول الغرب باستشراقه وكولونياليته ومعرفته والفرد العلماني الليبرالي بشكل محدد إلا إن حلاقا يراه ضروريا للعربي ولا يجيز له إهمال قراءته، فالنظر للاستشراق هنا مغاير للنظر الضيق الذي اعتاد العرب قراءته مع إدوارد سعيد حيث اكتفى في جانبه السياسي غير المرضي عند حلاق، فلقد تغاضى سعيد عن الأبعاد البنيوية العميقة والمهمة للاستشراق.

-    يُعد الكتاب ناقوس خطر مرتفع الصوت ينبهنا من غفلتنا عن مسؤولاياتنا عن العالم والبيئة والأجيال القادمة.

-    يفتتح الكتاب بتساؤل: هل الاستشراق مبحث علمي أكاديمي أم بناء أيدلوجي؟

-    يقرر حلاق أن كتاب سعيد عن الاستشراق خلق فرعا خطابيا حداثيا حجبَ بُنى أعمق مما يمكن تسميته الاستشراق غير الاستشراقي.

-    ناقش حلاق تقسيم البعض للاستشراق باعتبار أحدهما هو البحث الفكري الغربي المتواصل الموضوعي والآخر هو استشراق شركاتي متحيز، ولكنه تجاوز بسرعة هذا النقاش لأن ما شغله فعلا هو غموض مصطلح الاستشراق في الخطاب المعاصر.

-    كان يستلزم القول بتميز الإسلام رميه بالغرابة والمثالية.

-    بين لنا حلاق أن الاستشراق مفهوم أسيء فهمه، فلقد شوه تسييس مصطلح الاستشراق جوهر مضمونه وأفرغ مفهومه من معناه الحقيقي، مخفيا تواطأه في بُنى الفكر التحتية وقواها الفاعلة.

-    إن حشر سعيد للاستشراق في جانبه السياسي ضيَّق رؤيته وأدى إلى عزله عن بُنى الفكر التحتية التي أنتجته في المقام الأول.

-    إن أي نقد سياسي صحيح للاستشراق لابد أن يبدأ بالأسس التي خلقت ذلك (نجد شيئا من ذلك عند داود أوغلو في النموذج البديل).

-    إن أسلوب سعيد الأدبي أبعدنا عن أي قراءة عميقة لإشكاليات الحداثة المركزية.

-    انشغلت أشكال معارضة الحداثة المتأخرة بالصراعات الآنية وانشغلت عن العدو الرئيسي كما قرر فوكو.

-    من المعروف أن المثقف في نظر سعيد هو علماني لا غير.

-    الإنسانوية العلمانية مثبتة بإحكام في بناء فكري تحدده بالكامل أشكال من السيطرة السيادية، وهي تُبرر صناعة فرد معين يفهم العالم من خلال قوالبها الحديثة والمتميزة بصفات منها:

(1)    قوالب متحررة من مفهوم اندماج الإنسان مع الطبيعة.

(2)    وعاجزة أصلا عن فهم الظواهر غير الإنسانوية العلمانية فكريا، فضلا عن التعاطف معها.

(3)    ونزيد، المخالفة الأبدية كما هي عند (ماكنتاير) والتي تمنع أي معالجة من منظور أخلاقي جذري للإشكاليات والأزمات.

-    الذات الليبرالية بمنآى عن أي نقد مهما عظم جرمها وتورطها.

-    جرى الاحتفاء باستشراق سعيد كمثبت للحالة الليبرالية لا ناقدا لها.

-    أهمل إدوارد سعيد والخطاب الذي أنتجه الأسسَ البنيويةَ للعلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانوية ومظاهرها السياسية في المشروع الحداثي الأكبر (هذا من معاقد الكتاب).

-    وجَّهَ (كليفورد) لسعيد نقدا يتعلق بإغفاله نقد المسلمات الأنثروبولوجية.

-    لعبت التضحية البنيوية – المنهجية بــ"الاستشراق" ككبش فداء دورا أيدلوجيا في إنتاج سردية هدفت إلى كبت القوى الحقيقية التي تقف وراء الممارسات والسمات التي يُتهم بها الاستشراق.

-    لم يوضح سعيد قط كيف أسس هذا البناء الفوقي علاقات قوة محددة وملموسة مع الكولونيالية وأشكال السيطرة الأخرى.

-    فشل سعيد في فهم المدى الكامل لقدرة الاستشراق المدمرة باعتباره نسقا حداثيا من القوة.

-    الاستشراق لا يتوقف على مظهره الخطابي باعتباره إيجابيا أو سلبيا، ولكنه يتوقف على مقدار تشبثه ببنية فكر معينة.

-    تمثل الرأسمالية نطاقا مركزيا للحداثة الغربية.

-    يرى حلاق ضرورة أن نحدد فهما خاصا اــ"الأداتية" و"شروط الملائمة".

-    تهدف مراجعة شروط الملائمة اللغوية بدورها إلى إعادة وصل الخطاب الاستشراقي ببُنى الحداثة الأوسع التي تجاهلها سعيد، فلقد كان تعامل سعيد مع نصوص أدبية مغلقة لا صلة لها بالحداثة بمثابة تزييف لظاهرة الاستشراق.

-    قام سعيد بتجريد الحقل الاستشراقي من نطاقه المركزي الذي هو "الحداثة".

-    إن انطماس العلاقة الخاصة بين المعرفة والقوة في الحداثة هي نفسها محصلة للتشكلات الخطابية وليس مجرد نوع من التسطيح الفكري.

-    لا يوجد أسئلة حول كثيرٍ من المفاهيم الراسخة اليوم مثل : نشأة العلم الحديث، مدارس إدارة الأعمال، الصحافة، الهندسة، الأنثروبولوجيا، نشأة الاستشراق.

-    ما الذي يجعل هناك علاقة بين القوة والمعرفة؟

-    ليست القوة لازما معرفيا دائما، كما في الحضارة الإسلامية.

-    يؤكد حلاق خصوصية المعرفة الغربية الحديثة وابتدائها في القرن السابع عشر والثامن عشر. (ويدعم جزءا من هذا التصور إرنست كاسيرر في "فلسفة التنوير").

-    تم إنتاج أنواع معينة وجديدة من المعرفة جعلت نفسها طيِّعة بصورة موضوعية وأصلية لاستغلال القوة (تشكيل رعايا مدجنين عبر مؤسسات تهندس وتستخرج إمكاناتهم لا غير).

-    الاستعمار مظهر مميز للمعرفة الأوروبية.

-    النص الأدبي الاستشراقي متوضع أصلا فوق نص تأسيسي فهو نتيجة وليس مؤسِّس.

-    الاستشراق ليس مقتصرا على الشرق بل شامل لكل ضعيف.

-    الكولونيالية لا تحتاج إلى الحضور المباشر والمادي لكي تُفعِّل آثار قوتها السيادية.

-    قيام سعيد بتهميش "القوننة = صناعة القوانين" التي قامت بها الكولونيالية والاستشراق خطأٌ كبيرٌ.

-    إذا فشل "التذويت = صناعة الذوات المستَعمَرة" فالحل هو العنف والإبادة.

-    لا بد من ظروف ممهدة لنشأة الحداثة.

-    لا يمكن تفسير الطبيعة العدوانية غير الاعتيادية لعملية إعادة توظيف هذه التكتولوجيا على يد الأوروبيين إلا بالإشارة إلى رؤية كونية وبُنية فكر تميزت بهما أوروبا.

-    يعتقد حلاق بالرأي القائل : إن الكولونيالية ليست مجرد تفرُّع عن الحداثة، ولكنها تؤسس بُنى الحداثة نفسها وتعتمد بصورة تامة على الاختلاف الكولونيالي.

-    يعرض حلاق الكولونياليةَ بوصفها معرفة سيادية صنعها الاستشراق بدعم عام من مؤسسات التعليم الأكاديمي الأوروبية، وتقع في جدلية شاملة تقف فيها مشاريع الغزو السياسية والمعرفة الحديثة داخل تشكلات أكبر تلتحم أسسها بقوة مع نظرة معينة للطبيعة.

-    قام حلاق بتنقيح نظرية المؤلف – عند فوكو – أثناء دراسته حالة المستشرق " رينيه غينون ".

-    غفل سعيد عن الأسباب الأكاديمية الليبرالية المشاركة في مشروع السيطرة والسيادة.

-    قام سعيد بالمفاضلة والفصل بين الاستشراق والعلوم الأخرى.

-    يسعى حلاق للبرهنة على أن الوحدات الأكاديمية في النطاق المركزي كالعلم والاقتصاد والأعمال تضطلع بعملية تقسيم للنشاط المعرفي بهدف خلق معرفة وممارسة سياديتين.

-    تناول حلاق المعضلة الفلسفية الليبرالية التي تسعى إلى الكشف عن ورطة الليبرالية عندما تعمل على تكوين الذات، علاوة على استحالة نجاح أي عمليات لتكوين الذات الأخلاقية من داخل إطار الليبرالية.

-    الكتاب مقالة عن الأسس والبُنى الأخلاقية الجوهرية التي تقف من الحداثة موقف الدحض والنقد غالبا وموقف النقد الخلاق أحيانا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي   كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالثلاثاء 05 مايو 2020, 11:06 pm

محاولة تقريب "قصور الاستشراق - منهج في نقد العلم الحداثي" (2)

يفتتح حلاق الكتاب باستدراك على المبالغة الزمانية للاستشراق عند سعيد حيث قام سعيد بتوظيف تصور ضبابي للتسلسل التاريخي واللانهائي ثم المدى الجغرافي غير المحدود حيث يعود بالاستشراق إلى (إيسخيليوس) في القرن الخامس ق.م، وقد أشار (إعجاز أحمد) إلى شيء من هذا الخلط في كتابه "في النظرية"، وسعيد بذلك يجعل الجغرافيا هي المتسببة بهذا الاستشراق وليس أي ثقافة أو بنية فكرية ما.

ومشكلة سعيد الكبيرة بهذا التعميم وهذا التعليل أنها تطمس تحتها جميع البنى التحتية الأعمق التي تسببت حقيقة بهذا الاستشراق.

ثم تطرق حلاق لمناقشة "التصوير التمثيلي" عند سعيد وخاصة وجود "بصمة محددة – أي للمستشرق داخل الخطاب الفوكوي- حيث يبين لنا أن سعيد ظهر متناقضا، فبينما هو يؤيد وجود البصمة نجده في الواقع لا يحدد أي بصمة لأي مستشرق كان. بل يحشرهم جميعا في زمرة واحدة في حدود التراث الاستشراقي. فذلك الاستشراق في اعتقاد سعيد شخصية محددة متجاوزة للتاريخ.

ثم يقوم حلاق بالحديث عن "النماذج المعرفية" حيث يجب على الاستشراق أن يكون فاعلا في نطاق مركزي يُشكله ويتشكل من خلاله.

ومثل "كارل شميت" يرى حلاق أن "التقدم التقني " نموذج مركزي يمكِّن من تفسير نماذج معرفية أخرى، ذلك لأنه أضحى يمثل عقيدة.

ويمثل كذلك على "الرأسمالية" كنطاق مركزي مؤثر في الحياة الحديثة بل لديها القدرة على تشكيل المجالات الأخرى، فلقد شكلت الرأسمالية نظاما قيميا وبُنية فكرية ورؤية مادية للعالم تحدد تصورا معينا للربح والعمليات المالية وتُغذيه.

ونحن نعرف أن الراسمالية تقوم باستبعاد الآليات والتقنيات النفسية وتُبقي على القيمة المادية كما حصل مع الفنون الجميلة.

وبما أن أي نطاق مركزي لابد أن يشتمل بالضرورة على ثقافة عقلية وفكرية ومادية خاصة به فإن هذه الثقافة تبدل بدورها النطاقات الهامشية التي تجاورها.

وهذا التأثير من النطاق المركزي تسبب في عصر التنوير باستبدال قيم بقيم أخرى، فقد أبطل القيم المحلية والعرفية والتقليدية. وكل أشكال اليقين المفارق للمادة ووضع محلها معايير عالمية لتقييم كل المؤسسات والأفكار الإنسانية، متوسلة طبعا بنظام قيمي يقوم على العلمانية والإنسانوية والإلزام لكل البشر.

ومع توظيف حلاق لنظرية "شميت" في النطاقات إلا إنه يختلف عنه من جهة أن النطاقات الهامشية تساعد في دعم النطاق المركزي بعكس شميت الذي يرى أنها تُنزلها مرتبة دون.

أما (خطابية فوكو) فهي "عناصر تكتيكية" أو قوالب تعمل في حقل من علاقات القوة ويمكن خطابات مختلفة – بل متناقضة- أن توجد داخل الاستراتيجية نفسها. ومتى تحقق التجسيد الكامل لآثار القوة الخطابية نتج النطاق المركزي.

ويبقى النطاق مركزيا حتى تُحكم بعلاقات القوة المتناقضة التي في داخله فهو الذي يحدد شكل الصراع ويمكن هنا تحديد يصمة خاصة للمؤلف داخل هذا الخطاب.

ولكي يكون للبصمة المحددة فائدة تحليلية ذات قيمة لابد من النظر إليها من خلال العوامل المتعددة التي تشكل السياق الأكبر من النطاقات المركزية والهامشية التي تقع البصمة فيها، أي إن حقل الاستشراق بما يضمه من مستشرقين والنطاق المركزي بما يضمه من حقول معرفية منها الاستشراق والاقتصاد والإدارة والفن والموسيقى تتجلى من خلال بُنى تحتية أنتجتها جميعا.

وتبدأ البصمة غير محددة لتتطور بعد ذلك بصمة محددة ثم خطابا ثم نطاقا مركزيا، ويضرب مثالا من خلال ظهور فكرة "التمييز بين الحقيقة والقيمة " أو "بين ما هو كائن وما يجب أن يكون" معتبرا هذا المفهوم يشكل عمق البنية الحداثية الغربية اليوم ولكنه لم يتشيء – بالطبع- فجأة. بل تطور تدريجيا وذلك من خلال انتقاله من نطاق هامشي يصطدم مع الكنيسة والملكية –في عز حضورها- لتبدأ بصمات محددة للمؤلفين هنا وهناك بالظهور لتصبح خطابا يضم شيئا من القوة الأدائية ليتبلور بعد ذلك نطاقا هامشيا فمركزيا.

ويرى حلاق أن نظرية "موت المؤلف" مجاز غير صالح للتداول ولا التحليل العميق، فالنقد الذي يمارسه المؤلف داخل خطابٍ ما ليس هامشيا أبدا وليس مهدَّدا بسهولة بالموت.

وإذا كانت الحكومة هي ممارسة اجتماعية تُخضع الفرد بواسطة آليات القوة التي تدَّعي امتلاك الحقيقة، يصبح النقد هنا هو الحركة التي يقوم بها الفرد من خلالها بمساءلة الحقيقة في تأثيرها على القوة، والقوة في تأثيرها على الحقيقة – كما يرى فوكو-. وهذه ترتبط بقوة الأفكار وعدم موت المؤلف.

فمهما تعالت "الخطابية" عن الأشخاص فإنها غير ممكنة من دون وجود المؤلف وفكرته.

ملاحظة لابد منها لتشكل النظريات واكتمالها:

"أي نظرية لا تملك منظورا تاريخيا مناسبا – نعني بمناسب أن يعامَل الماضي باحترام معرفي ويتقبل منطقه الداخلي وأشكال عقلانيته وعدم اعتباره نمطا معيبا- تظل غير مكتملة وفاسدة، كما تظل بكل تأكيد قصيرة النظر وأسيرة تحيزات الحاضر".

وتأكيدا على دور المؤلف في الخطاب وبالطبع في النطاق المركزي – من خلال النظر إلى ماركس باعتباره قد اجترح خطابا جديدا بدون أن يكون ثمرة لمن سبقه بل انقلابا عليها- يجوز أن نقول أن التشكلات الخطابية تنتج تشكلات جديدة بدورها وهدامة للخطابية التي بداخلها.

فالمؤلف الفرد هو الشرط الوجودي لمؤسس الخطابية ومؤسس الهدمية على السواء.

ويمكن أن يحصل هذا مصادفة أو بشروط ملائمة كما هو عند جون أستن.

يعود حلاق لتحليل توصيف سعيد لحقل الاستشراق في نقاط:

(1)    إن سعيدا يعرض البعد المكاني – المسافة كوحدة معرفية صنعت حقائق وجودية معينة، مثل طبيعة الشرق الصامتة التي تدفع المستشرق ليعبر عنها.

(2)    يرى سعيد أن الشرق هو الشرق، لقد كان مختلفا، وترتب على الاختلاف توليد لازدراء وظهور الصور النمطية السلبية الراسخة.

(3)    الطبيعة المركبة للاستشراق كحقل علمي وتقليد في بُنى القوة السياسية والاقتصادية.

ويبين لنا حلاق أن انشغال سعيد بالإنتاج الثقافي والعلمي لمراكز الغرب الحضارية يجعله غير مستعدا لقبول الطرح القائل بأن كل المعرفة النموذجية الحداثية قوة، فذلك يستدعي أن الحداثية والاستعمار مُعرَّفان ببعضهما، وهذا يرفضه سعيد تماما.

وانشغال سعيد عن الجمالي والديني في الشرق إلا كموضوع مُدانٍ لأن مستشرقا –ماسينيون مثلا- قد وصف الشرق بأنه روحي – ديني يُظهر عداءً غريبا للدين ثم حكما قيميا علمانيا يرفض الدين كحامل ثقافي فاعل يستطيع أن يعالج أزمة الغرب.

ونجد سعيد لايرى أن الشرق قد عانى تحت الاستشراق والكولونيالية والإبادة البنيوية واقعيا، ذلك لأن سعيدا لا يرى في الاستشراق إلا نصا بدون واقع. ولا يبصر كذلك عوامل الفكر العميقة التي سببت أعمال الشركات والاقتصاد وظن أنها عائدة إلى مجرد عوامل مادية لا غير.

وحول غياب الشرق -كواقع عند سعيد- وبقائه صورة يلحظ حلاق بحق سببين لذلك:

(1)    إن إدانة سعيد لتصوير المستشرقين ستلزمه بالتصحيح، وقد قرر ألا يفعل ذلك.

(2)    إن اعترافه بذلك الشرق واقعا يلزمه بالتمعن في آرائه عن الشرق الحقيقي الذي هو غير علماني وتقليدي وبغيض ومستهجَن من منظور ليبرالي حداثي.

ووجه حلاق نقدا لاهتمام سعيد بالتصوير الاستشراقي وحديثه المبالَغ به في التركيز على الآثار الأدبية واللغوية لتلك الصور، وقد حشر الاستشراقَ بهذه الصور أولا ثم نفي الأداتية الحقيقية للصور على أرض الواقع وخاصة في إهماله القانوني، والتشوهات التي ساهم التصوير في جزء منها. فليس من المفيد تعريف الاستشراق باعتباره فقط مجرد إساءة تصوير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي   كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالثلاثاء 05 مايو 2020, 11:06 pm

(3) محاولة تقريب "قصور الاستشراق - منهج في نقد العلم الحداثي"

(المعرفة والقوة والسيادة الكولونيالية):

وقد اهتم هذا الفصل بالاستشراق وعلاقته بالقوة.
إن الأدوات التي ينتجها نطاق مركزي ما لا يمكنها المساهمة في إعادة تشكيل هذا النطاق، إذ تستطيع هذه الأدوات أن تقوم بأدوار إصلاحية أو تحسينية، ولكنها لا تستطيع أن تقوم بوظائف تتعارض نوعيا مع جهة النطاق نفسه وهدفه.( نجد هنا ردا ممكنا على الذين اتهموا حلاقا بمتابعته مدرسة فرانكفورت النقدية).
ويرى حلاق أن الزعم الذي يجعل من "النقد" موقفا حداثيا حتى لو واجه هذا النقد الحداثةَ نفسها بمثابة تحصين تقوم به الحداثة لنفسها، وهي بذلك تُسبغ الشرعية على وضعها القائم.
لاحظ حلاق أن سعيدا في كتابه" الاستشراق" وقراءته للاستشراق لا يتغلغل إلى البُنى المؤسِّسة، مما تسبب في إخفاء مشاكل أعمق في أشكال المعرفة الحديثة. وإنما يختزل سعيد المجموعة الكاملة من القوى الأوروبية في قوى وأنشطة سياسية لا معرفية، أي إن السياسي انحراف عن المعرفي النموذجي.
ثم نجد حلاقا يطرح سؤالا مهما: لماذا زاوجت أوروبا واستشراقها بين الاختلاف والضعف تحديدا؟ لماذا ظهر الاستشراق في الغرب فقط؟
وقابل حلاق الإمبراطوريات قبل الحداثة الغربية مثل الإسلام مع هذه الحداثة، وبيَّن أن اتجاه العلم كان إلى الداخل أي إلى الذات وتعلَّق بالحاجة إلى الالتزام بقواعد الشريعة القانونية - الأخلاقية، بينما عند الباحثين الأوروبيين -كالحملة الفرنسية - وما ضمَّت من باحثين كُثُر رؤوا نفسهم ملتزمين بفهم البلاد الخاضعة للكولونيالية وشعوبها وثقافتها بغرض الإدارة والسيطرة، وقد أبدى المؤرخ المصري (الجبرتي) دهشةً من جيش الباحثين مع نابليون، وهو شيء لم يوليه سعيد أي التفات ولا تساؤلات.
وحول ادعاء سعيد عالمية الكولونيالية - تصريحا أو لازما لمذهب سعيد - وأنها ممارسة تعم كل الحضارات، ولكن الفارق هو أن الأوروبي المستعمِر قد قدَّم مع الإمبريالية والعنصرية والتمركزية أشياءَ مفيدة أخرى، ويرد حلاق بخمسة نقاط على سعيد:
(1)    لو كان كلام سعيد صحيحا لاستنتجنا أن العنصرية ونظرياتها العلمية ظواهر عالمية.
(2)    لو كان كلامه صحيحا فلماذا أفرد الاستشراق والغرب بالنقد.
(3)    لو لم يكن الإسلام والهند والصين مجتمعات غير متقدمة للزم أن يكونوا إمبرياليين وعنصريين ومتمركزين حول إثنيتهم.
(4)    لو كان اشتغال سعيد بالاستشراق اضطرارا لقرب اهتمامه كباحث أدبي فلسطيني، فلماذا لا يُشير إلى حالات أخرى كنفوذ إسرائيل في فلسطين ونفوذ الصين في التبت.
(5)    لو كانت الظاهرة منتشرة بالقدر الذي قرره سعيد فلماذا لم يشر إلى وجود مماثل لتلك العنصرية والتمركزية الأثنية في الحقول الأكاديمية الأخرى.
لقد كان موقف سعيد نموذجيا لمفكر ليبرالي لم يستطع رؤية العالم بمعزل عن القيم الليبرالية، مهما بلغت درجة نقده لهذه القيم من ثقابة الذهن.
وأشار حلاق إلى إقامة سعيد للاستشراق ليكون موضوعا لاهتمامه النقدي على أسس خاطئة أدت إلى تشخيصه تشخيصا جزئيا وغير دقيق، وذلك بسبب غياب التمايزات الكيفية في كتابه.
ويطرح حلاق سؤالا على سعيد الذي بيَّن أن هناك علاقة بين الاستشراق كمعرفي والقوة السياسية هو: لماذا لم تنتج هذه العلاقة بين المعرفة والقوة هذا الرباط الشديد في مكان آخر، ليدلك بعد نفي وجود هذا الترابط قبل الحداثة على أن هذه العلاقة معيار حداثي، أي إن الاستشراق معيار حداثي.
ثم يأخذ حلاق عيِّنةً حضاريةً قبل غربية حداثية كالإسلام ليعرضها من خلال نظرية النماذج والأطر المركزية مجليا مغايرتها للحداثة الغربية.
فقرر في البداية أن أخلاقيات معينة - مجموعة رؤى عن العالم - حددت طبيعة الثقافات الإسلامية، ومن النطاقات المركزية في الإسلام التعليم القائم على التقاليد الجدلية، وهذه التقاليد تدخل في باب المناظرة والحوار والمحاججة، وهو "الأصل الأخلاقي كما عند محمود شاكر وطه عبد الرحمن " وعند علماء المسلمين قاطبة.
ونستطيع أن نقرر أن انصباب وتوجه العالم والمتعلم على المعرفة عن طريق التلقي والتوجيه كانت بمثابة تربية روحية وعقلية للمريد/الطالب مما يجعل أساس العملية التعليمية هو الفرد/الإنسان، فتصبح العلوم متوجهة لبناء الطالب العامل المتخلق.
بينما انكباب الحداثة الغربية على العلم بحد ذاته وإهمال التواصل والتحاجج بين الذوات جعل محور العملية التعليمية الآلة وليس الإنسان أصبح العلم صفة اعتبارية أقوى بوجودها من الإنسان مما رشح أن يكون التقدم هو الصفة الوحيدة للعلم ومبرره الوجودي وليس البُنى الأخلاقية أي قيمة.
كانت دراسة الشريعة تتم بطرق تهدف لتحقيق "تقنيات النفس = تسميها الدكتورة هبة عبد الرؤوف بـــ"التقوى"، ومهما كان الاختلاف في الأسلوب أو الموضوع فقد كانت الغاية تنشئة الفرد ليصبح ذاتا أخلاقية، فلم يحمل الشيخ العلمَ فقط بل كان نموذجا أخلاقيا للعيش في العالم. لقد كان العلم مطلبا أخلاقيا.
وتم دعم التعليم بواسطة الأوقاف فخرج التعليم من تحت سيطرة أي قوة سياسية. وقد أسس التصوفُ في الإسلام مجالا أدائيا نظَّم حياة المجتمع الروحية وأحيانا المادية. ما ميَّزَ الشريعة والتصوف عن أي منظومة خطابية حديثة هو اهتمامها الهائل بإنتاج تقنيات ذات أخلاقية، وهي تقنيات شخصية خاصة، ذات أبعاد نفسية ومعرفية داخلية لا يمكن لأي دولة أن تخلقها أو تنظمها أو تفرضها.
لم تكن الشريعة بحد ذاتها غايةً بل كانت أداة للأخلاقي لا غير فالشريعة هي النطاق المركزي، وبذلك كانت النطاقات الهامشية تعيَّر بحسبها.
أما العلوم التطبيقية كالرياضيات والفلك قد اتخذت في الإسلام طريقا مغايرا للغرب الحداثي إذ كشف العلم آيات خلق الله، فلم يهدد العلمُ الدينَ، فالواقع وافق وأكد "الواجب" كما عند طه عبد الرحمن.
وفي المعاملات قامت قواعد الشريعة الإسلامية وأخلاقها النافذة والمهيمنة بتنظيم الحياة الاقتصادية. فقد كان المجال الاقتصادي محكوما عُرفا وشريعة بالأخلاقية النموذجية كمرجعية ومعيارية.
وعلى الرغم مما كان يخترق الحضارة الإسلامية -كغيرها- من مآسي وانحرافات وخروقات إلا إن الشريعة بقيت دائما النظام المعياري وقانون البلاد واستمرت في إنتاج ذات تقيَّة داخليا قبل أن تكون مرغمة بقوة قانونية.
أي بقي النموذج الأخلاقي المركزي معيارا راسخا يمارس ضغطه على الواقع في اتجاه معين، وهو صناعة الفرد الأخلاقي في الواقع ( وهذا ما لم يدركه العروي في "مفهوم الدولة" ).
وعن "المعيارية" ضرب لنا حلاق بــ"الوقف الإسلامي" فهذه الشخصية الاعتبارية التي تمَّ تطويرها في الإسلام واعترفت بتجريد شخصية لها تطالب بحقوقها إلا إنها رفضت أن تنشيء شخصية اعتبارية محدودة المسؤولية عن طريق الشركات محدودة المسؤولية وذلك لأن مرجعية الإباحة والمنع مرتبطة بالمسؤولية الأخلاقية للفرد المؤمن. والتي سوف يُبطلها ويسيء إليها نظام المسؤولية المحدودة، فلم يكن يوجد أي مبرر مالي أو قانوني يمكن أن يضغط لتغيير المسؤولية الفردية أو حتى التخفيف منها. (يرتبط هذا بالمسؤولية أمام الله ومسؤولية كل فرد اتجاه الآخر ومراقبة الله واطلاعه الذي لا يخفى عليه خافية سبحانه). وبذلك نرى حضورا مستمرا للمسؤولية الفردية في سائر الحقول المعرفية والحياتية. ويقابل هذا التمنع الإسلامي نجد الإباحة والإقبال التي قامت به بريطانيا لنظام الشركات هذا مع علمها بمحاذيره المرعبة والمدمرة للمسؤوليات الفردية، وهذا لم يكن ليحصل لو أن هناك معيارا أخلاقيا "راسخا" كما الشريعة الإسلامية.
ولم يكن تصور الإسلام للعالم متمركزا حول الإنسان، بل إن السيادة لله فهو مالك كل شيء، ولو إن إرادة الدولة الحديثة السيادية ممثلة في القانون، فكذلك سيادة الله مجسدة في الشريعة من خلال المصالح الأهم للنظام الاجتماعي. وعلى خلاف المواطن الحديث الذي هو نتاج الدولة في المقام الأول أنتجت الذات المسلمة تشكلات اجتماعية أخلاقية ليست مرتبطة بالدولة. نظرا لأنها تعبير عن الاجتهاد الجمعي عبر الزمان والمكان، فباتت الشريعة فوق البُنى السياسية وتمنع القوة السياسية من تحديد القانون وفرضه.
لقد كان النظام التأويلي والتربوي والفقهي الذي هو الشريعة مشروعا ضخما لبناء مجتمع أخلاقي وقانوني يلخص دافعه التأسيسي والبنيوي سعي دائم لاستجلاء هدف الله الأخلاقي من خلال ما أمدنا الله به من عناصر أخلاقية.
وبينما تتحكم الدولة الحديثة في مؤسساتها الدينية وتنظمها وتخضعها لإرادتها القانونية، فقد حكمت الشريعة الإسلامية المؤسسات العلمانية ونظَّمتها وخضعت كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشريعة بما فيها السلطة التنفيذية والقضائية، وكانت الشريعة هي السلطة التشريعية. وبما أن فكرة مراجعة القضاء للقوانين لم تكن موجودة فلم يساهم القضاء مباشرة في عملية التشريع.
وكان الفرد في خطابات الشريعة والتصوف مختلف تماما عن فرد/مواطن الدولة الحديثة، فلقد فهم الفرد المسلم القوة الشرعية من منظور السلطة الأخلاقية والقيم.
وقد أظهرت دراسة الحالة الإسلامية أنه لا يمكن لنظام يكون قائما في جوهره على بُعد أخلاقي بنيوي أن يكون مُقَيَّدًا للسياسة. ولقد نأت المعرفة قبل الحديثة في الإسلام بصورة مبدئية عن الارتباط الموضوعي بالقوة السياسية، ومع أنه كان للسلطان أن يعين القضاة ويعزلهم وأن يضع حدودا لسلطتهم إلا إنه لم يستطع أن يقرر القانونَ أي الشريعةَ ولا طريقةَ تطبيقها وتنفيذها. وظل هذا مزية قانونية وأخلاقية وتعليمية للعلماء، فليس في الدولة الإسلامية هندسةً لمجتمع ومواطنيه كالتي مارستها الدولة الحديثة.
ويطرح حلاق سؤالا عن سبب تمكن الربط بين القوة والمعرفة في الحداثة ثم يجيب رادا ذلك لسببين:
(1)    نشأة الدولة الحديثة، التي طورت أنماطا من الحكم خاصة بالتنظيم.
(2)    مبدأ السيطرة على الطبيعة والممارسة الفعلية، وقد أدت إلى الفصل بين الواقع والقيمة ( فصل ما يجل وصله عند طه عبد الرحمن).

ويرى حلاق أن هناك مبررا لردِّ البذور الأولى لفكرة السيطرة على الطبيعة إلى الاعتقاد المسيحي الأوروبي الذي حوَّلته الحداثة إلى أشكال معلمنة:
(1)    بسبب وصفها بأنها منظومة اجتماعية وسياسية (سيطرة الإنسان على الإنسان) من خلال الإقطاع والكنيسة) (راجع جينولوجيا الدين لطلال أسد).
(2)    بسبب بذرة السيطرة الدينية، هي من زرع الفلاسفة الميكانيكيين والإلهيين ومفكري عصر التنوير الأوائل في سعيهم لتأسيس نظر معلمن قوي.
(3)    مثَّل تحوُّل أوروبا نفسه إلى نطاق علماني مؤشرا على الحاجة الملموسة لتحرير الذات الأوروبية من قيود المسيحية.

وبحلول القرن السابع عشر كانت المسيحية قد استنفذت قدراتها في عقلنة عمليتي الإبادة والإخضاع الجماعيتين ما فتح المجال لظهور حركة الإلهيين، وظهرت العلمانية كرؤية تريد أن تتخفف من الحمل الأخلاقي للمسيحية الذي باتت المسيحية تنوء تحته وتريد التخلص منه.
ثم يطرح حلاق سؤالين مهمين: الأول لماذا لم تؤد الذات الغازية! في الإسلام إلى الذات المبيدة؟ والثاني لماذا أفسح الطريق لهذا الطوفان المعلمن سريعا بعد القرن السادس عشر.
يرى حلاق أن " السيطرة على الطبيعة" لم يكن مجرد "حدثا" بل كانت بنية تفكير وعملية ممنهجة أو توجها جعل السيطرة أسلوب حياة وأساس النظرة إلى الكون.
وكرد على بعض من زعم أن لإبادة الطبيعة فعل مشترك في كل الحضارات قبل الحداثية يقول حلاق:
(1)    كانت الإساءة ما قبل الحديثة محدودة للغاية وتتعلق بأوضاع محلية.
(2)    ليس من الواضح تماثل نوعية المشروعات السابقة على الحداثة مع نظيراتها الحداثية، فلا يستوي مثلا إغراق بعض أحواض الأنهار أو حرق بعض الغابات مع طمر النفايات السامة في التربة والإبادة الممنهجة للغابات.
(3)    تقوم سرديتهم على توزيع عبء النزعة التدميرية التي هي جزء من عقيدة التقدم من أجل بقائها، فقد فشلوا في تحديد أي نظام فكري مماثل للمارسات الحداثية في الإبادة.

بعد ظهور المشروع الحداثي على أرض الواقع زعم هؤلاء العلمانيون حق الإخضاع -إخضاع العالم- واعتقدوا أن لهم حق تقرير الأحسن والأصلح ولكنهم فشلوا، ودليلنا هذا هو الدمار المرعب الذي لحق بالبيئة والإنسانية، (ويسمي طه عبد الرحمن هذا الزعم بوقاحة الإحاطة والإدراك).
وقد لفت حلاق انتباهنا إلى نص عزيز لـــــ(والتر وارين) حول السيطرة على الطبيعة وتداعيات هذا الفعل: " لم يفهم بيكون وأتباعه قط أن الصراع للسيطرة على الطبيعة في عالم تتقسمه الطبقات والأمم يصبح صراعا على السيطرة على البشر الآخرين... كلما زاد السعي على الطبيعة أصبح الفرد أكثر سلبية، وكلما زاد السيطرة على الطبيعة ضعف وضع الفرد في حضور المجتمع الطاغي".
ويلخص لنا وضع السيادة عند الفرد الغربي: ارتكزت الميتافريقيا الغربية على وعي بالذات وفهم للإنسان مختلفين بالكامل، أي اعتبار الإنسان كائنا ذا سيادة يعلو على الطبيعة كلها. وبعدما أصبحت نزعة السيطرة الملازمة هي العامل الأخلاقي الحاسم وظاهرة منهجية لاوقتية واتجاها قيميا مركزيا شكلت الأساس الذي قامت عليه دراسة الواقع، وأصبح الدافع من أسس النطاقات الحداثية المركزية. وكما يرى (نيتشة) امتلاك القوة ليس إرادة بل أصبح كينونة غربية تعلو على كل شيء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي   كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالثلاثاء 05 مايو 2020, 11:07 pm

تقريب قصور الاستشراق (4)

محاولة تقريب كتاب
"قصور الاستشراق - منهج في نقد العلم الحداثي"
للبروفسور وائل حلاق

مع (التمييز) بين الواقع والقيمة والفصل بينهما ظهر مفهوم جديد للحرية يعبر عنها بالاستقلال الذاتي وأصبح العقل الإنساني الحكمَ الوحيد في عملية تشيؤ العالم وإخضاعه لحاجاته وإراداته. وأصبح العقل كما السوق الحرة متحررا من أي اعتبارات مقيدة له أو مبادئ أخلاقية ثابتة، عقل بلا قيود.

وبهذا التحول انفصلت مصادر العقل والالتزام عن الذات الفردية، وارتبطت الكرامة الإنسانية بفكرة العقل صاحب السيادة، فلا وصول للكرامة إلا من خلال إدراك السيادة، وأصبح (التمييز) بين الواقع والقيمة كنتاج حداثي نوعا من الأخلاق العليا وبسبب المعاني الجديدة لمفاهيم العقل والحرية والكرامة.

وخلص بسبب هذا (التمييز) بين الواجب والواقع إلى نتيجة مؤداها استحالة تحقق التفكير الأخلاقي في أنماط تفكيرنا وسلوكنا (لقد كان هذا موضوع كتاب الدولة المستحيلة).

لقد تم دفع المعرفة الثقافية والدينية إلى الخلفية، وتعرضت التقنيات الداخلية للحياة والروح إلى نكوص شاملٍ، ويريد حلاق بالمعرفة الثقافية المجالات الفنية والجمالية التي تم إزاحتها إلى نطاقات هامشية.

وبمجرد أن يتم النظر إلى العالم بطريقة الإلهيين التي تقصر فعل الخالق على الخلق فقط نكون قد فرغنا من أمر الله كما أنه قد فرغ من أمرنا، فلا حاجة لأن ننشغل بالمؤلف مادام النص لدينا. وإذا نحَّت اللهَ المعرفةُ جانبا فقد تصدرت لكي تمتلك سلطانه غير المتناهي، ولكن الفرق أن التزام الله سبحانه بالخيرية دائم بينما يلتزم العقل المجرد بالشَّرِّية، وبينما قوة الإنسان مدمرة فإن قوة الله خلاقة.

يشير كذلك حلاق إلى التصورات الحداثية التي تصم الطبيعة بالغباء والغشامة والهمود والتي أصبحت موجودة لخدمة الإنسان والخضوع له، وكذلك سوف ينتقل هذا الوصف إلى الإنساني"البدائي!" الذي بات جزءا من الطبيعة الهامدة والغبية، وأصبح موضوعا للتحكم والتغيير وإعادة الهندسة. ومادامت الطبيعة هامدة وغاشمة فهي بلاشك فارغة من القيمة ونستطيع أن نتعامل معها كشيء يخضع دائما للفعل دون أن يكون لها أي حقوق أخلاقية علينا.

وهنا ظهر"الفكر الموضوعي المحايد" الذي يسمح لكل الحقول الأكاديمية أن تَّدعي الموضوعية ويتحول "الانفصال" إلى فضيلة، ويُمكَّن للباحث من أن يدرس الآخَرَ الذي هو جزء من الطبيعة بصورة تفتقد إلى أي عاطفة ودون أي حقوق أخلاقية أو قيمية. والفصل الذي يُعري البحث الفكري العلمي من القيمة غير مستقيم أخلاقيا، إذ إنه يفصل الباحث عن المسؤولية الاجتماعية التي يُفترض أن تصاحب تحليلاته، كما أنها تُظهر الوضع القائم وكأنه طبيعي حقيقي وليس مركبا ولا متحيزا.

ويرى حلاق أن مفهوم"السيادة" أولى وأكثر كفاءة ودقة من توصيف التحكم والتأثير الأوروبي الحديث من مفهوم "السيطرة"، ذلك لأن السيطرة - في أسوء حالاتها - لا تستبعد القيود الخارجية أو الاعتبارات الاخلاقية العليا التي تحدد مجال الفعل، بينما السيادة لاتعلو - فقط - على المبادئ بل تضع تلك المبادئ بإرادتها مع مرور الوقت.

وعن علاقة القوة والسيادة يوضح حلاق أن فلاسفة السياسة حاولوا تفصيل عباءة فلسفية للواقع المادي الجديد، فلقد أضحى علو السيادة تابعا بنيويا لنشأة الدولة الحديثة، ولا يمكن للدولة أن تُعتبر دولة إلا من خلال السيطرة الكاملة - نظريا وعمليا - على القانون. وأصبحت الدولةُ الإلهَ الجديدَ، وأصبح مصدر إلزامية القانون هو قرار الإرادة السيادية نفسها التي عليها الالتزام به.

وكان لزاما على الدولة من أجل إنشاء السلوك الصالح والقدرة على العمل والإنتاج عند السكان أن تُعيد الدولة هندسة المجتمع فعليا بكل أفراده، وتمَّ ذلك من خلال نظام المدارس الجديدة والرقابة الشديدة والسجون وجهاز الشرطة، واحتاجت القوة المادية كذلك إلى قوة تشريع واسعة تُبرر المفاهيم المادية الوافدة والجديدة كالرأسمالية والاستهلاك والليبرالية ( كان التوجيه المستمر هو أداة الدولة لحبس الفرد في نظامٍ هدفَ إلى التحويل) وكان إجبار الطلبة في الابتدائي على الدخول في نظام عقابي صارم ومحكم هي اللحظة التي وُلد فيها "المواطن" الحداثي.

وتكللت هذه الأمور بإنتاج هويات جديدة وأفراد جدد ونظام جديد للحقيقة، وقد دخلتْ إلى الجسد آلة قوة تقوم على استكشافه وتفكيكه وإعادة تركيبه، وأصبح موضوعا للكولونيالية، فلم تبدأ الكولونيالية في المستعمرات البعيدة بل في أوروبا نفسها.

وتكونت الوطنية ليست كتكوين سياسي مجرد بل كمنظومة وجودية ومعرفية في الدرجة الأولى، فلقد خلقت هوية معينة للفرد وحوَّلته إلى كيان يعرف ويفكر حسب نمط معين من العقلانية.

وكالفرد أصبحت الأكاديميا - بما فيها حقل الاستشراق والباحث إدوارد سعيد - كيانا من كيانات الدولة في أربعة أمور:

(1)    تخضع الجامعات لقانون الدولة وتمُّول الشركات.
(2)    تتبنى الجامعات وضعية الدولة بدون شرط.
(3)    تقبل الجامعات ظاهرة الدولة بدون مراجعات.
(4)    تلعب الجامعات دورا في إدارة الدولة بحيث تفرض الأكاديميا نظاما معينا يدعم مجالات الدولة، بل شرعت الجامعة إلى تحويل نفسها إلى ما يشبه النموذج الشركاتي، فأصبحت الجامعات تفتح مناهجها وتُصممها لتخدم مصالح الشركات، وتُقدم مقررات تُعزز القيم التجارية التي لا تقيدها الهموم الأخلاقية.

ولا يمكن فهم الأكاديميا - وما أنتجته من مستشرقين- إلا بوصفها بُنى تعليم مُدجنة تعمل من داخل شرطين أساسيين: (1) السيادة على الطبيعة (2) نشأة الدولة الحديثة وإدارتها.

وفي نقد حلاق للاستشراق أشار إلى انعدام النقد الجذري أو التساؤلات البنيوية المتعلقة بـــ"التمييز" أو "الدولة"، فلا يمكن أن نتوقع ممن شارك في هذه المشروعات الكولونيالية أن يدرك عمقها الوجودي والمعرفي، لكأن حلاق يريد أن يريك أن توطَّن سعيد في وسطٍ بُنيَ على قيم التنوير والفصل والتمييز منعه من إدراك خطورة الاستشراق وعمقه البنيوي، وأن سعيدا لم يبصر من الاستشراق إلا القشرة أو الصورة المشوهة التي عكسها بعض المستشرقين.

وقد غاب عن سعيد أن الاستشراق قد مارس في البلاد البعيدة دورا خطيرا في إعادة إنتاج "القانون= الإبادة القانونية" مع العلم أن القانون والتشريع هو الذي جعل الكولونيالية ممكنة.

والمشاكل المزعجة التي أشار إليها حلاق والمرتبطة - بالتقنين- هي قبول كثير من المستعمَرين بفكرة التقدم وبالتالي ضرورة الإصلاح القانوني في العالم الإسلامي (لقد عالج كتاب "تقنين الشريعة " لعزة حسين جانبا من هذه المسألة). ويصح لنا هنا في حديث حلاق عن غياب معرفة الفاعل الأصلي في مطلب الإصلاح القانوني أن نشير إلى غياب القانوني الكبير "عبد الرزاق السنهوري" عن دراسات حلاق القانونية الفقهية معتبرا السنهوري قد انزلق إلى مطالب الإصلاح بدوافع خارجية وليست داخلية "آمنة".

يستخدم حلاق عبارة "عقيدة التقدم = ثيولوجيا التقدم" وليس نظرية التقدم لسببين: يرتبط الأول بالجذور المسيحية لهذا الاعتقاد الراسخ في التقدم ويرتبط الثاني بطبيعة الفكرة نفسها؛ أي أن النقد أصبح ثيولوجيا تفسر وجودها بنفسها بدون الحاجة إلى سبب خارجي.

لقد أصبح تاريخ العالم الإسلامي الذي حدده الاستشراق وكتبه وطبَّعه الشرقيون أنفسهم قصةً رسمتْ خيوطها نظرية التحديث والفاعلية.

وقد سعى حلاق إلى البرهنة على أن مخاوف سعيد الخاصة بالدين وعلاوة على توجهاته الليبرالية والإنسانوية العلمانية قد منعته من أي اشتباك حقيقي مع أفكار السيطرة والسيادة، لقد فشل سعيد في فهم طبيعة الحداثة الحقيقية بوصفها مشروعا أو حدثا فريدا في التاريخ، ونجد أن تقرير حلاق عن ضعف النظرية النقدية في تفكيك تصورات التقدم المتمركز حول أوروبا تدفع عنه ما اتهمه به "الشنقيطي في إحدى محاضراته" من أنه متابع لمدرسة فرانكفورت.

وينقل حلاق في حديث عن موقف سعيد من الدين: إن الحماس الديني قد يكون أخطر ما يهدد التجربة الإنسانوية إذ إنها معادية بطبيعتها للديمقراطية والعلمانية. وأن الدين عند سعيد هو تعبير عن القدرات المهمشة للخيال الإنساني وهو نظام من الخداع الأيدلوجي والسلطة القاهرة.

ولقد تطورت فكرة التقدم الحتمية كفكرة دينية، وأن ما سيأتي هو دائما أوروبي أو يستمد إلهامه من أوروبا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي   كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالثلاثاء 05 مايو 2020, 11:07 pm

(5) تقريب قصور الاستشراق

محاولة تقريب كتاب
"قصور الاستشراق - منهج في نقد العلم الحداثي"
للبروفسور وائل حلاق

لقد كان القانون الأخلاقي الذي هو ظاهرة عقائدية وقانونية اجتماعية ممتدة زمانيا ومكانيا خارج سيطرة السياسة مما منع أي سلطة من التمتع بالسيادة وممارستها.

وفي الفرق بين حكم القانون وحكم الدولة نجد أن الحداثة أنتجت شكلا من حكم القانون داخل الدولة التي قامت بإدارته وإخضاعه بينما بُني مفهوم القانون في الإسلام على مبدأ حاكمية الشريعة وكان من أهم تبعات الوضع الإسلامي غياب الاستثناء الشميتي (نسبة لكارل شميت).

لقد قبل سعيد وكل مستشرق ومفكر مسلم في القرن العشرين الدولة الحديثة كأمرٍ مسلَّم به وحقيقة خالدة، بينما هي لا تعدو أن تكون شكلا معينا من أشكال التنظيم السياسي والثقافي ذي الأصل الأوروبي بصورة خاصة.

وقد ساهم هذا التمييز بصورة مباشرة في التكوين الأيدلوجي للدولة ثم في منحها نوعا من الشرعية والمكانة المعيارية اللتين تداخلتا بصورة جدلية مع عقيدة التقدم ومع تصور خاص للعقلانية.

وقد تعمدت الدولة الحديثة أن تقضي على فلسفة الأوقاف ووجودها تقنيا وواقعا، وضغطت من خلال إصلاحات القرن التاسع عشر على الدولة العثمانية وولاياتها من أجل القضاء على هذا المنجَز الفريد الذي يعزز تقنيات النفس الأخلاقية من خلال بناء المساجد والمعاهد العلمية والطرق الصوفية والمستشفيات والمطابخ وإيواء المسافرين وإنشاء المدارس والإنفاق عليها وعلى أساتذتها وطلابها وغيرها من الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، فهذه الأوقاف وقفت حجر عثرة أمام مطالب الحداثة الاجتماعية والاقتصادية، أما ما يخص الاجتماعية فقد تصدت للتشكلات والهندسة التي أريد لها أن تُعيد صناعة الفرد الحديث ضمن تصور الحرية السلبية والسيادة على الوجود، وأمـا الاقتصادية فقـد منعت الأوقافُ - وقد كانت تشكل 40-60% من أراضي الدولة العثمانية - تداول جزء كبير من العقارات والأراضي، وهناك مكاسب ضخمة تحصلها الدولة الحديثة من وراء إبطال الوقف أو تقليص مجاله.

ولقد مثَّلت "الإصلاحات" السبل الفعَّالة لتحقيق النظام والاطراد والقانون التي يُفترض افتقاد ثقافة الشريعة لها. وكان أثر الإصلاحات عميقا إذ سعى إلى خلق فرد جديد، أي المواطن الذي يرى العالم من منظور الدولة الحديثة.

ومن ضمن الإصلاحات السيطرة على القضاء وابتلاع المحاكمُ النظامية للمحاكم الشرعية، كما تم توجيه المحاكم للتوسع في استخدام التوثيق الكتابي والامتناع عن قبول الأدلة الشفاهية، وهنا اندثرت الشهادة الشفاهية وقوانين الإجراءات التقليدية، ما أنتج آثارا خطيرة على التصورات الخاصة بالنزاهة الشخصية والثقة والمكانة الأخلاقية في المجتمع وغيرها من الأمور. وهنا تعرض الفرد لإعادة تشكيل جديدة تقوم على نظرة معرفية مختلفة للحياة والتعامل مع الآخرين في المجتمع.

 وقد عنت كل هذه الأمور اقتلاع الفرد المسلم من بيئته التي تقوم على الاهتمام بتقنيات النفس وعملياتها النفسية الداخلية، ثم زراعته في بيئة أخرى يصبح فيها مواطنا تم تشكيله في صورة معينة من خلال وسائل الدولة في التدريب وفرض الالتزام والتحكم بالاستحواذ على الجسد ومنحه هوية جديدة.

وكما حدث في الدولة العثمانية والهند البريطانية وأندونيسيا كانت القوننة هي وسيلة تشكيل الشرقي وليس التصوير الذي أشار إليه سعيد ودرسه بعمق فبقي قشرةً بلا عمق.

وبتحليل رائع لفاعلية الوقف يقول حلاق ردا على ما ظنّه الفرنسيون المحتلون للجزائر تخلُّفا فلابد من إصلاح الذات المسلمة من خلال التخلص من أي"وقف"، بيد أن ما رآه الفرنسيون تخلفا ثقافيا كان هو حجر الأساس في نظام اقتصادي ربط الاقتصاد بتكوين أخلاقي معين للذات، أي تقنية استبطان داخلي تسعى الذات الفاعلة من خلالها إلى الوصول إلى حالة معينة من الوجود الروحي، ثم تُعاود الذات الارتباط- بصورة جدلية - مع العالم المادي منتجةً آثارا أخلاقية في الواقع الاجتماعي لتحقيق المنفعة المادية البحتة. كان تعبير التدهور الأخلاقي إذا هو الترجمة الفرنسية الثقافية للتفكير الأخلاقي والعمل الصالح.

وعن تفكيك القضاء والآثار التدميرية لذلك يقول: بعد أن فقد العلماء مواردهم ومن خلال المصادرة المركزية التي طالت الأوقاف فضلا عن الإصلاحات الإدارية والتعليمية الفرنسية التي غيَّرت بنية الشريعة تدهورت مكانتهم بصفتهم القائمين على التعليم واستباط الأحكام الشرعية، واندثرت الآليات الاجتماعية المعرفية التي أنتجت مهنة القانون وما يرتبط بها، وحلَّ محلها نظام قضائي أوروبي بمحاكم جديدة وأنماط مستحدثة من الفقهاء والمحامين وتشريعات أوروبية من كل شكل ونوع.

وحين فرغ الفرنسيون من الجزائر عام 1962 كانت صلاحية الشريعة قد تقلصت لتقتصر على النظر في الأحوال الشخصية فضلا عن أحكام العبادات التي لا خطر منها، وبعد أن فقدت سلطتها التأويلية على مجالات القانون الأخرى.

لقد كانت الكولونيالية الفرنسية تفرض سيادتُها الحقَّ على الحياة والموت، حتى لو كان ذلك لمجرد أمر من أمور الرفاهية التافهة، ولاتحتاج السيادة إلى الالتزام بأسباب، أو على الأقل ليس بتلك الأسباب التي ترتبط عادة بمعايير المنطق والأخلاق الاعتيادية.

وحول علاقة التكنولوجيا بالتطور بين لنا حلاق أن القائلين بأن التكنولوجيا تطور تاريخي حتمي، يتجاهلون بهذا الطرح حقيقه هامة، وهي أن التطور العسكري التكنولوجي جزء من مجموعة معينة من الظروف التي جعلت أوروبا هي ما عليه اليوم، لقد كان نتاج أسلوب معين من النظر إلى العالم من خلال التمييز بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.

وفي مقارنة حول السيطرة على الآخرين وفرض القوانين يقول: يقدم لنا النموذج الإسلامي هنا مقابلة، فعندما احتل المسلمون -فتحوا- بلادا جديدة خضع السكان المحليون لــ"القانون العام" فقط، مثل قانون الضرائب والأراضي والقانون الجنائي وما إلى ذلك، بيد أنه تم السماح لهؤلاء السكان باستخدام قوانينهم الدينية الخاصة، ولم تكن هنا أي "حملات" أو "برامج" تهدف إلى دمجهم في نظام المحتلين القانوني، كما لم يكن هنا إجبار للسكان على الدخول في نظام تعليم يهدف إلى إعادة تشكيلهم ليصبحوا ذواتا جديدة، أي مواطنين بالمعنى الحديث.

وحول مأساة الطبيعة في يد الحداثة يقول مقارنا ما قبل الحداثة مع الحداثة: لقد كانت الحضارات المستقرة نُظما بيئيةً بنت شبكة متداخلة من العلاقات بين الإنساني والبيئي وبين الاجتماعي والكوني. بينما نتج عن فرض عقيدة التقدم على هذه الثقافات الآثار التدميرية نفسها التي أحدثتها في البيئة الطبيعية وما يعيش فيها من كائنات.

وعن صفات التشريعات في الحداثة الغربية وعدائها للإنسان الفرد يقول: تتسم التشريعات بالاطراد والوضوح وتنظم بصورة عقلانية ومنطقية وسهلة الاستخدام للقضاة والمحامين وتتضمن التشريعات تأكيدا على سلطتها، وتتسم مبادئها بالعمومية والإيجاز، ولا تتناول الحالات الفردية أو الإنسان بوصفه إنسانا. فالقوانين دائما تتصف بالإيجاز والتجريد وعدم الإشارة إلى حالات معينة، وهدفها خلق التماثل والتجانس كتوجه ينسجم مع قيمة التجانس والتعميم الحداثية. أما في تاريخ الإسلام فإن الفرد المواطن لم يكن خارج اهتمام الشريعة فحسب بل إن فكرة وجوده وقفت على النقيض من نظام الشريعة وغرضها، فقد كان هدف الشريعة هو إنتاج الفرد والمجتمع الأخلاقيين، ما جعلها تتعارض مع أغلب سمات التشريعات المكتوبة فعلى المستويين النظري والعملي، لقد اعتمدت الشريعة على تكاملها مع العادات والأعراف.. ما منح الممارسات المحلية معنى قويا وتفردا ثقافيا، وقد سمحت هذه الوطأة الخفيفة لنظام حكم الشريعة بوجود الحكم الذاتي، بل بانتعاشه وازدهاره.

وكان اختلاف الآراء وتعددها هو سمة أساسية من سمات ذلك الفقه بكل تأكيد، فقد ازدهرت الشريعة بفضل طبيعتها التعددية، كما أن هذه التعددية هي التي منحتها المرونة اللازمة للتعامل مع المواقف المختلفة في مجتمعات مختلفة ومناطق متباينة ثقافيا.

لقد ناقضت طبيعة الشريعة التعددية روح الانسجام الذي لم يكن هدفا من أهدافها، وبما أن اهتمام الشريعة انصب على الفرد كمكلف شرعي مستقل لم يكن ثمة حاجة إلى لغة مجردة أو عمومية.

وعن إرادة القوة في الشريعة فلم تكن موجودة لأن نظام الشريعة اتجه من أسفل إلى أعلى، أي من الفرد والجماعة والمجتمع أولا وإلى آليات الحكم السياسي الأكبر التي حكمتها الشريعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي   كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالثلاثاء 05 مايو 2020, 11:08 pm

تقريب قصور الاستشراق (6)
 
"قصور الاستشراق – منهج في نقد العلم الحداثي"
للبروفسور وائل حلاق

(المؤلف الهدام):

يفتتح الفصل بإدانة تعميم سعيد للاستشراق، فالاستشراق مُدان عند سعيد سواء كان مادحا أو قادحا للشرق.

وسوف يظهر حلاق عَوار سعيد ومدرسته من خلال اختياره مستشرقا هو (رينيه غينون = عبد الواحد يحيى) والذي كان يمثل بنفسه خطابا مضادا لمآسي الحداثة والاستشراق المُغالط، فقد سعى حلاق إلى البرهنة على أمور:

(1)    يمكن لبعض المستشرقين امتلاك بصمة محددة.
(2)    تظهر هذه البصمة في صورة محددة تميزها عن البصمة العامة التي يصفها سعيد.
(3)    يمكن للاستشراق أن يزودنا من داخل نطاقه نفسه بخطاب ناقد بنيويا للكولونيالية والاستشراق.

سوف يظهر لنا في هذا الفصل الذي يقع في قرابة (50 صفحة) مقارنة عجيبة بين (رينيه غينون) و(إدوارد سعيد) يُظهر فيها حلاق أن سعيدا كان على النقيض من منجزات غينون العظيمة، وأن غينون هذا استطاع أن يشكل خطابا ليس ناقدا فقط للاستشراق والحداثة بل إنه خطاب هدَّام متماسك، بينما اتخذ سعيد من الحداثة الغربية معيارا وأدان الاستشراق، وهذا تناقض فاضح، بينما غينون عندما نقد الاستشراق لم يُعمم أولا نقده، ثم وجه نقده إلى جذوره المؤسِّسة فوجه نقدا إلى الحداثة ومعياريتها التنويرية.

وبدل أن نجد سعيدا يحاول أن يستفيد من إمكانيات الشرق في إصلاح أزمات الغرب نجد غينون يرى في توجه الغرب نحو الشرق ضرورة وجودية مع ما يكتنف هذا من صعوبة فإن مادية الحضارة الغربية ورأسماليتها وليبراليتها وما يصاحبها من نظام حوكمي ثقافي تمنع إمكانية فهم أو تقدير طرق الحضارات والثقافات الأخرى.

وقد التفت غينون إلى خصوصية العلم الغربي حيث بين أنها الحضارة الوحيدة التي خلقت نمطا من العلم الذي لا يهدف إلا إلى المصلحة المادية وتكديس الثروة وتطوير الأداتية وتحقيق الراحة الجسدية.

وبسبب اقتصارها على العالم الحسي فإنها تمثل "معرفة جاهلة" - بين غينون في كتابه "الشرق والغرب ص124" أن المقصود بهذا الوصف الذي أوجزه أحد الهندوس هو أن علوم الغرب تنطوي على بعض الحقائق لأنها مفيدة ونافعة في بعض المجالات النسبية ولكنها محدودة بما لا انفكاك عنه إذ هي جاهلة بالجوهري مفتقرة إلى المبدأ -، وتحدث عن العوائق البنيوية أمام استفادة الغرب من تجارب الشرق إلى جانب مانِعَي الاستعلاء والتحامل، وتحدث عن قصور العقل الغربي، وبشأن "التمييز" الذي فُرض على الفلسفة الأخلاقية باعتباره حتميا، فإن الفلسفة لا تستطيع الاعتراف بوجود ميتافيزيقيا حقيقية من دون أن تدمر نفسها.

وبسبب"حرية التفكير" التي تتمتع بالسيادة استطاع العلم الغربي والفلسفة الغربية أن يؤسسا أهم المعتقدات الخيالية في أي زمان.

وباسم الحضارة أصبح التقدم يُعرَّفُ بأنه "تقدم أخلاقي" في حين أنه ليس إلا تقدما ماديا، وبما أن "التقدم" هو سعي دائم لا ينقطع لما هو في نهاية الأمر غير معروف، فإن الفرد أصبح مطالبا بالكدِّ المستمر وعدم الرضا بالحاضر (ما يسميه سيجمونت باومان "فقدان حاسة الرضا").

وقدم حلاق حديثا دقيقا وتصحيحيا لمفهوم "الحرية الإيجابية" عند (إزايا برلين)، فالرأسمالية بينما نجدها لا تتعايش مع الحرية الإيجابية التي هي تحرير النفس من الحاجة ولاسيما المادية في العالم، نجدها لا يمكنها العيش من دون الحرية السلبية. وسعيد يندرج ضمن هذا التصور الرأسمالي الذي يرفض الحرية الإيجابية أو أي شكل من أشكال الذات الأخلاقي.

ونقد غينون كذلك "قانون المراحل الثلاثة عند أوغست كونت الذي يصعد من اللاهوتي إلى الميتافيزيقي إلى الواقعي" الذي يبدأ بالبدائي الهمجي ويضع القدماء (الماضي) في مرحلة الطفولة ويتجه خطيا تصاعديا إلى أوروبا الحديثة الواعية.

وأشار غينون إلى أن "الثبات" هو أحد الأوصاف المنبوذة في الغرب، وتطرق إلى الحديث عن التراث باعتباره عودة إلى المبادئ الراسخة، وبيَّن غينون أن الثابت ليس هو المناهض للتغيير بل هو ما يعلو على التغيير.

وقد بيّن حلاق أن لدراسة غينون عن الإسلام وشريعته في ضوؤ أفكاره عن الثبات والاستقرار والتغير قوة لا نظير لها، فبينما منعت الدراسات الاستشراقية عن الشريعة الإسلامية كل سبل الوصول إلى هذا الفهم تمكن الباحثون في القرن العشرين من تأهيل مفهوم التغيير في الشريعة كموضوع للبحث العلمي.

وبيَّن غينون أن التبشير عند الغرب هو إعادة هندسة الآخر جبرا، وهي سمة الحضارة الغربية، ويقصد بـــــ"التبشير" هو إجبار الآخرين على القبول بإرادة الآخر وتبنيها والتفكير والتصرف بناء عليها.

وقد أدان غينون تزوير المستشرقين الألمان للعقائد الآسيوية وأثبت أكذوبة فهم المستشرقين للشرق أكثر من أهله، فهم يكتبون الكثير عن القليل.

ونجد غينون يتجاوز فهمه للاستشراق فهم سعيد مُبَيِّنًا أن "دمج الغرب في الشرق" آلية جدلية لا تقتصر على مجرد إنتاج الصور الزائفة والمسيئة في مسار أُحادي الاتجاه، فالاستيعاب ليس مجرد تزييف صور بهدف تشويه العقل الغربي، بل هو مشروع دمج يتطلب إعادة خلق الذات الشرقية.

وبينما يرى سعيد الاستشراق شذوذا في الأكاديميا يراها غينون جزءا من حقل مركزي كامل يمثل الاستشراق والأكاديميا بما فيها من اقتصاد وإدارة أعمال وسياسة تصورا وخطابا، وإلى تحليلات رائعة وعميقة وسديدة.

وأما عن أنواع المؤلف فعندنا (الطيّع/ الخطابي/ المعارض/ الهدام).

فـــ(الطيِّع) هو الخاضع لنظام القوة من دون وعي بذلك.

و(الخطابي) هو الذي يقوم بوضع الحدود العامة للتشكل الخطابي لكن من دون أن يتحكم بطريقة مسيرة الخطاب.

ثم قدم حلاق نوعين هما: (المعارض) الرافض لافتراضات ونتائج الآراء الموروثة المميزة للطيِّع، وهو ناقدٌ ولكن من داخل الخطاب والنسق حيث لا يصل في نقده إلى مساءلة الأصول والبُنى التي قام عليها الخطاب أصلا، وخطورة هذا المؤلف تكمن في أن نقده يشكل عملية ترميم وتصويب للخطاب وتوجيه لإصلاح ثغراته التي فاتته مما يجعله أقوى وأحكم وأكثر على الصمود، ويُدرج حلاق سعيدا في هذا النموذج من المؤلفين، فبالتفات سعيد إلى مشكلة الإنسانيات التي تتخلل دراسات الشرق دفع إلى تأسيس حقل دراسة استشراقي يُحسِّنُ مناهجَ دراسة الشرق، ولكن مع الإبقاء على صوابية البُنى المؤسِّسة وعدم مساءلتها مثل العلمانية والليبرالية والرأسمالية والإبادية والتمييز، وكلها مفاهيم قرأها حلاق بعمق وردَّ مآسي الحداثة الغربية إليها.

وآخر المؤلفين (الهدَّام) الناقض، وهو الذي ينظر في عمق المشكلة ويبحث عن البُنى المنتِجة لها ويسائل الدعائم المعرفية التي تسندها وتشكل منها خطابا، ويبحث كذلك عن نظام القوة الذي يستند إليه، ومن هؤلاء عند حلاق (العلامة غينون) الذي كشف أن مشكلة الاستشراق ليست سوء فهم أو انحراف عن صوابية الخطاب الأصلي، بل إن الاستشراق يشترك مع غيره من الحقول المعرفية التي نبتت في الغرب في سياق مادي إبادي كولونيالي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي   كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي Emptyالخميس 14 مايو 2020, 12:46 am

تقريب قصور الاستشراق (7)

معتز حسن أبو قاسم
محاولة تقريب كتاب
"قصور الاستشراق - منهج في نقد العلم الحداثي"
للبروفسور وائل حلاق

(السيادة المعرفية والإبادة البنيوية):

بينما نجد أن "الاختلاف" هو السمة الأساسية المميزة لكتاب الاستشراق عند سعيد فإننا لا نجد لسعيد أي تساؤلات حول أسباب وجوده، وسوف نجد مستشرقا مثل "ماسينيون" يركز دراساته عن الشرق في جانب إظهار الفاعلية الدينية والتراثية والقديم مما يرشح عند حلاق معرفة سبب إهمال سعيد لهذا المستشرق مع ثراء دراساته، يظهر أن لسعيد موقفا سلبيا شديدا وعنيفا من الدين فهو معرفة - برأيه- من الأفكار التي تنشأ في طور البدائية ولابد من تجاوزها لبلوغ الحداثة الغربية العظيمة.

وفي ملاحظة عميقة جدا يبين لنا حلاق أن نطاق عالم التصوير "تصوير الشرق بعين الغرب" الذي أولع به سعيد لا يمكن أن يكون مشكلة الاستشراق الكبرى كما يريد سعيد، فهي ليست سوى مشكلة عرضية فرعية، ولا يعدو أن يكون الاستشراق مجرد مُصغِّرٍ لظاهرة نموذجية أكبر - وهنا تكمن خطورة فهم سعيد حيث يضخم سعيد الجانب الصغير ويُقزِّم الضخم - بل هو مجرد أداة، ويُعد الخلط بين الأداة والقوة المولدة والبُنى المبدِعة التي تخترع الأداة وتخلقها وتشحذها بمثابة قلب للصورة.

ويسوق لنا حلاق خلاصة على شكل معادلة كانت نتيجتها أزمات عالم الطبيعة:

(العلم الطبيعي مجرد من أي نظام أخلاقي + شرعية للعلم مستمَدة من الفلسفة المادية والإلهيين + دعم الدولة الحديث مهندسةِ المواطن + الدعم الصناعي والمالي + ثيولوجيا التقدم = أزمة مرعبة في عالم الطبيعة).

ويطرح حلاق سؤالا مهما: ما الذي يجعل وجود الأدوات المدمرة ممكنا؟

أي ما هي مهمة العلم؟

 فإن كان العلم يبرر نفسه ووجوده فهو مدان بلا شك. وفي هذا تتساوى مع العلم الحقول الأخرى كالاقتصاد وإدارة الأعمال فهي تنزع إلى صناعة الإنسان الاقتصادي وليس الأخلاقي.

وتعزز الحرية السلبية التي تقوم على الاهتمام بتراكم الثروة وعدم الاكتراث بالآخرين. فلا سبيل لمناقشة فكرة وجوب تقييد السعي إلى الربح باستثناء تمني المزيد من الربح.

وحول حقل الإدارة والاقتصاد يذكر لنا حلاق أنه لا توجد بصورة عامة مقررات جديرة بالذكر عن الفلسفة الأخلاقية، فهما حقلان كالاستشراق داخل نطاق مركزي يعملان داخل إطار مرجعي ذي وجهة أُحادية تشترط قدرا كبيرا من الحيادية الأخلاقية، وقبول الفكرة الأساسية عن استغلال المادة والبشر لهدف واحد وأهم هو تحقيق الربح.

ثم يسوق لنا حلاق أمثلة على الإبادية وعلاقتها بالسيادة المعرفية من خلال شركة (كوكا كولا) و(جنرال موتورز) و(ركسون موبيل) حيث تورطت في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وسببت معاناة مرعبة للناس، فلقد كانت هذه الشركات تمارس أحيانا دور الدولة من خلال استدعاء حالة الطوارئ أي الاستثناء لتشرع القتل، ولا يمكن فهم منطق التدمير عند هذه الشركات الكبرى إلا من خلال منظور السيادة.

ويبين لنا حلاق أن الشركات تصنع شخصية متناقضة ومضطربة ذلك لأنها تتوزعها مسؤوليات نحو الشركة نفسها التي تتوجه إلى الإنتاج والربح بدون رادع أخلاقي وبين عالم القيم العائلية والأطفال مما ينشئ أمراضا تقنية خاصة بالشركات حتى. ولكنه يتعايش مع هذا الوضع، وأظن أن سعيدا من الممكن إدراجه في هذا التناقض فهو يدين الاستشراق المشوِّه للصور ولكنه يتعايش ويدافع عن النظام المعرفي الذي أنتج هذا الحقل المعرفي المُدان بعرف سعيد.

وعن علاقة " التمييز" بالشركات يلخص لنا حلاق أثر التمييز قائلا: موضوع الشركة سواء كان طالبا أو أستاذا شكلته الثقافة الشركاتية (أي الفكرة المحدودة عن المسؤولية) هو نفسه نتاج مجتمع لا يقبل بقيم الشركات بشكل عام فحسب، بل لا يناقش أصلا شرعية هذه القيم ناهيك عن مفهوم الشركة نفسها، فلا يمثل الإجرام ولا انتهاك الحدود الأخلاقية - إذا- أي استثناء من الأفكار والممارسات المعتادة بأي شكل بنيوي، فالإجرام لا يبدأ حيث تنتهي الأخلاق بل عندما تُستنفذ إمكانات اللاأخلاقي.

وحول (الأدائية) يقول حلاق: لا تستطيع الأدائية تفسير نفسها بنفسها منطقيا وذلك لأنها تتكون من تصور أو مجموعة تصورات لأداة أو أدوات تطبق على كل قيمة في العالم. إن الأدائية بنية فكر وحركة نظرا لتركيبها وتكوينها المعرفي (أخبرني عم اخترعت وسأخبركم عمن تكون).

إن اختراع الأسلحة النووية أو التكنولوجيا العسكرية المعقدة التي محت الملايين ليس عملا محايدا من أعمال العلم، كما لا يوجد أي حياد في استخدام الأدوات البريئة في أعمال تدميرية.

فبنية الاختراعات والمنظومة المعرفية التي حكمتها هما أمران أصليان ومتجذران في بنية الفكر التي جعلت وجود هذه الأسلحة ممكنا في المقام الأول، كما أن اعتبار هذه الأمور عرضية أو استثنائية في التطور التقني الحديث هو جزء أساسي من عقيدة التقدم التي لم تكن أقل من كونها شرطا من شروط إمكانية وقوع تلك الفضائع، ويـكرُّ حلاق هنا على تلك الممارسة المتكررة التي تعتبر الإبادة والتدمير والكولونيالية عوارض استثنائية ليست في البنى المؤسسة أصلا. ويقابله التعميم الذي يخفض ويقلل أثر التدمير الحداثي الغربي.

 نحن هنا بين أسلوبين لإخفاء البنى التأسيسية المدمرة، إما "الاستثناء" أو "التعميم" وكلاهما يقومان بنفس الوظيفة، نفي الخصوصية عن الإبادية الغربية.

وأضع القلم هنا مع ما بقي في الكتاب من ثراء معرفي يفصِّل ويبين كثيرا من القضايا المذكورة سلفا أو المتقاطعة معها، والتي في حالة جدلية عميقة معها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
كتاب قصور الاستشراق .... منهج في نقد العلم الحداثي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: كتب-
انتقل الى: