أرض سيناء المصرية لم تزل منذ العهود القديمة حلمًا يهوديًا لم تبرح نطاق تفكيرهم- الدولة العثمانية احتضنت اليهود الذين نفاهم الإسبان في أواخر القرن الخامس عشر للميلاد، إلا أنها عارضت توطينهم في سيناء- السلاطين العثمانيين بذلوا جهودًا متكررة بهذا الشأن، كان أولها في عهد السلطان سليم الأول- السلطان سليم الأول بعد أن دخل مصر، أصدر فرمانا بمنع اليهود من الهجرة إلى سيناء وكذلك فعل أبناؤه من بعده- حتى في فترة من فترات ضعف الدولة العثمانية استطاع عدد من المهاجرين اليهود التسلل إلى سيناء إلا أنه تم طردهم منها بعد أن تعرضوا لبعض رهبان دير سانت كاترين بالأذى- في نهايات القرن الـ19 الميلادي ونتيجة للضعف الذي دب في الدولة العثمانية، كانت مصر خاضعة للنفوذ البريطاني، فعادت أطماع اليهود تتجه من جديد إلى أرض سيناء- السلطان عبد الحميد عارض بشدة توطين اليهود في سيناء، رغم تساهل الحكومة المصرية آنذاك في السماح للبعثات الصهيونية في التنقيب بأرض سيناء نظرًا لأنها تأتمر بأوامر بريطانيا- الدولة العثمانية كانت تعمل على إيجاد وحدة طبيعية بين الدول العربية الواقعة تحت نفوذها، وتقف ضد أي مؤامرات تحاك ضدها
"فلسطين المصرية"، هو الاسم الذي أطلقه تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية على أرض سيناء المصرية، والتي لم تزل منذ العهود القديمة حلمًا يهوديًا، لم تبرح نطاق تفكيرهم.
ولأنها رابضة في الوجدان اليهودي باعتبار أنها تحتوي على الوادي المقدس، فقد اتجهت أنظارهم لاستيطانها منذ وقت مبكر، إلا أن الدولة العثمانية وقفت بالمرصاد أمام هذا الاستيطان، وظلت سياستها تجاه هذا الأمر ثابتة عبر كل العصور.
وعلى الرغم من أن الدولة العثمانية احتضنت اليهود الذين نفاهم الإسبان في أواخر القرن الخامس عشر للميلاد، إلا أنها عارضت توطينهم في سيناء، وبذلت جهودًا متكررة بهذا الشأن، كان أولها في عهد السلطان سليم الأول.
يذكر المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي في الجزء الثاني من كتابه الشهير "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، أن السلطان سليم الأول بعد أن دخل مصر، أصدر فرمانا بمنع اليهود من الهجرة إلى سيناء، ولما تولى من بعده ابنه السلطان سليمان، أصدر فرمانًا آخر يؤكد فيه ما قرره والده في الفرمان الأول، الأمر الذي يعني أن الدولة العثمانية كانت فطنة لمحاولات الاستيطان المبكرة.
وفي عهد سليم الثاني بن سليمان، والذي مثّل فترة من فترات ضعف الدولة العثمانية، تمكن اليهود بزعامة رجل تُطلق عليه وثائق ذلك العصر اسم "إبراهام اليهودي"، من الهجرة المتقطعة إلى أرض سيناء، واختاروا في هذا الوقت مدينة الطور، لأن بها ميناء يصلح لأن ترسو به السفن التجارية، وترتبط بريا بخطوط قوافل مع القاهرة والفرما(شمال شرق مصر)، بمعنى عام تحتل موقعًا يُجنّبهم العزلة الدولية ويستطيعون من خلاله استقدام المزيد من المهاجرين.
لكن اليهود تعرضوا لرهبان دير سانت كاترين بالأذى، ما جعلهم يرفعون شكواهم إلى السلطات العثمانية في القاهرة عن طريق المراسلات المكتوبة والمقابلات الشخصية، وكان ذلك في عهد السلطان مراد الثالث بن سليم الثاني.
ولأن الدولة العثمانية كانت تمثل السلطة الإسلامية العليا في العالم الإسلامي، ومسؤولة بناء على ذلك عن أمن أصحاب الملل والطوائف الذين يعيشون تحت لوائها، فقد سارعت السلطات العثمانية في القاهرة ممثلة في الوالي النائب عن السلطان، بإصدار ثلاثة فرمانات ديوانية، تم بموجبها ترحيل المستوطنين من سيناء ومنعهم من الإقامة أو السكنى بها.
ولم تكن تلك الفرمانات تتضمن رائحة طائفية ضد اليهود، بل جاء ذلك بناء على التزام العثمانيين بحماية أصحاب الملل من جهة، حيث تعرض الرهبان في المنطقة للأذى كما أسلفنا، ومن جهة أخرى جاءت كإجراء حتمي لمواجهة تكوين جيوب في الإمبراطورية معلوم أهدافها، لا سيما وأن اليهودية ديانة لا قومية، وكان اليهود يعيشون كأصحاب ديانة في شتى المجتمعات العربية والغربية، وانخرطوا وتنفذوا فيها دون الحاجة إلى فكرة وطن جامع.
وقد صدرت هذه الفرمانات على نحو متفرق خلال خمس سنوات، حيث أصدر الوالي العثماني في القاهرة حسن باشا فرمانا برقم 149 بتاريخ أول يونيو/ حزيران عام 1581م، وفرمانا آخر برقم 151 بتاريخ 23 فبراير/شباط عام 1583م، وأما الفرمان الثالث فقد أصدره سنان باشا الثاني الوالي العثماني في القاهرة برقم 160 بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول عام 1585م.
وفي نهايات القرن الـ19 الميلادي ونتيجة للضعف الذي دب في الدولة العثمانية، كانت مصر خاضعة للنفوذ البريطاني، فعادت أطماع اليهود تتجه من جديد إلى أرض سيناء، وذلك بعد أن رفض السلطان العثماني عبد الحميد الثاني السماح لهم بالاستيطان في فلسطين.
ويجدر بنا في هذا المقام الاستشهاد بما كتبه أحد أقطاب الصهيونية، وهو إيلي ليفي أبو عسل، في كتابه "يقظة العالم اليهودي" حول سعي الصهيونية إلى الاستيطان في سيناء، حيث قال: "وجرت أحاديث سياسية مستفيضة بين تيودور هرتزل وبين الحكومة المصرية واللورد كرومر ممثل بريطانيا العظمى في وادي النيل، توالت المناقشات خلالها حول إنشاء مستعمرة يهودية في منطقة العريش".
فمؤسس الصهيونية العالمية هرتزل أراد توطين أتباعه في سيناء، لكن هذه المرة في العريش بدلا من الطور، ليتخذ من سيناء نقطة وُثُوب إلى فلسطين.
وكما كانت للسلطان عبد الحميد جهود قوية في عدم السماح بتكوين وطن قومي لليهود في فلسطين، عارض كذلك وبشدة توطينهم في سيناء المصرية، رغم تساهل الحكومة المصرية آنذاك في السماح للبعثات الصهيونية في التنقيب بأرض سيناء نظرًا لأنها تأتمر بأوامر بريطانيا.
وصدرت في الباب العالي فتاوى فقهية تقول إن الفرمانات الصادرة من السلطان العثماني إلى ولاة مصر من أسرة محمد علي، لا تخول لهم الحق في الموافقة على توطين جماعات من السكان أغراب عن البلاد ومنحهم الحكم الذاتي.
وقد وافقت هذه المواقف العثمانية الصارمة اتجاها بريطانيا بتجنب تنفيذ هذا المشروع الصهيوني الذي يزيد من متاعب بريطانيا في مصر، خاصة وأن الرأي العام المصري كان مناهضا لهذا المشروع بقوة، فمن ثم تم إجهاضه.
ومن هنا نعلم أن الدولة العثمانية كانت تعمل على إيجاد وحدة طبيعية بين الدول العربية الواقعة تحت نفوذها، وتقف ضد أي مؤامرات تحاك ضدها