|
| معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي الثلاثاء 28 يوليو 2020, 8:25 am | |
| ولد معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي بتاريخ 23/6/1927 في منزل والده الشيخ سالم باشا الهنداوي الكائن في مضافة آل الهنداوي في شمال امارة شرق الأردن. وقد درس في الكلية العربية في القدس وحصل على الثانوية الإنجليزية من جامعة لندن ودرجة البكالوريوس من جامعة القاهرة في التاريخ والماجستير من جامعة ميريلاند الأمريكية في التعليم المتطور. تولى مناصب وزارية عديدة على مدار ثلاثين عام من 1965 إلى 1995 ومنها نائب لرئيس الوزراء ووزير دولة ووزير للتربية والتعليم ورئيس للديوان الملكي الهاشمي وسفير فوق العادة للأردن في الخارج ونائب منتخب من الشعب، كما عين عضو مجلس أعيان ونائب أول للرئيس ورئيس عدد من لجانها ومنها الخارجية والتربية عدة مرات إلى عام 2004. بدأ ذوقان الهنداوي حياته المهنية معلماً في مدرسة الكرك الثانوية ومدرسة أربد الثانوية، ومن ثم مفتشاً في وزارة التربية والتعليم ما بين عامي 1950 و 1955، ثم مديراً لدار المعلمين في بيت حنينا - فلسطين ما بين عامي 1955 و 1960. وفي عام 1962 شغل الهنداوي موقع مدير عام دائرة الشؤون الاجتماعية في وكالة الغوث الدولية UNRWA، إلى أن عاد مفتشاً في وزارة التربية والتعليم في عام 1964. ثم غادر الأردن إلى مصر حيث عين ملحقاً ثقافياً في السفارة الأردنية في القاهرة إلى أن تولى أول منصب وزاري في عام 1965 كوزير للإعلام. تولى الهنداوي بعد ذلك مناصب وزارية عديدة ومتتالية على مدار ثلاثين عام من 1965 إلى عام 1995، وذلك كوزير للتربية والتعليم بين 1965 و 1970 في حكومات متعددة، ومرة أخرى في ذات الموقع وكوزير للمالية بين عامي 1973 و 1976. كما عين نائباً لرئيس الوزراء بين عامي 1993 و 1995، ورئيساً للديوان الملكي الهاشمي عام 1989، وسفيراً فوق العادة في الكويت عام 1971 وحتى 1973، ثم في مصر من عام 1976 وحتى 1978. وفاز الهنداوي بالانتخابات النيابية عن الشعب في مجلس النواب الأردني في عام 1989 إلى عام 1993، كما عين عضو مجلس الأعيان من 1982 حتى 1988، ومن ثم نائباً أول لرئيس مجلس الأعيان من عام 1997 إلى عام 2004، وعضواً فعالا ورئيسا لعدد من لجان المجلس، ومنها: لجنة الشؤون الخارجية، لجنة الشؤون التربوية والتعليمية والثقافية. كما كان عضواً في مجلس أمناء الجامعة الأردنية ومجلس أمناء جامعة اليرموك، ورئيساً لمجلس أمناء جامعة العلوم التطبيقية ورئيساً لمجلس أمناء كلية المجتمع العربي، بالإضافة إلى عضويته في مجمع اللغة العربية الأردني وفي لجنة رعاية اليتيم العربي وغيرها. من أهم وابرز مؤلفاته كتاب القضية الفلسطينية والذي كان يدرس في الصف الثالث الثانوي في الأردن إلى عام 1996. وقد كتب مذكراته والتي تحتوي على الكثير من المواقف التاريخية والأسرار الحساسة، ولكن لم يتم نشرها لليوم لأسباب سياسية. [عدل]وفاته توفي ذوقان الهنداوي في 2 تموز 2005، ودفن في المقابر الملكية الهاشمية تكريماً له قرب ضريح الملك الحسين بن طلال. يحمل الهنداوي العديد من الأوسمة العالمية رفيعة المستوى من عدد كبير من الدول والمؤسسات الدولية. وقد استذكر في حفل تأبينه الكبير في 22/8/2005 رجالات الدولة الأردنية ورؤساء وزراء ومسئولون على امتداد أعوام بناء الأردن الحديث مناقب السياسي المحنك الذي مزج بين الأصالة والمعاصرة وتمسك بالمبادئ الوطنية والقومية ذوقان الهنداوي الذي مر على وفاته 40 يوما بعد عمر ناهز 78 عاما. وأكدوا في كلمات ألقوها خلال تأبين لذوقان الهنداوي على "الحضور الفاعل الذي تميز به ذوقان في كثير من مجريات الأحداث السياسية والوطنية ودوره في رفع سوية القطاع التربوي وتأسيس نظامه". وحضر التأبين رئيس الديوان الملكي ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب ومعظم رؤساء الوزراء والوزراء السابقون والحاليون ودبلوماسيون ومسؤولون ونواب وأعيان استرجعوا فيها مواقف جمعتهم بالفقيد ذوقان الهنداوي, اتفقوا فيها معه واختلفوا دون أن "يفسد ذلك للود قضية". وقال رئيس مجلس الأعيان زيد الرفاعي إن "صورة ذوقان ما تزال بيننا رغم رحيله لتمسكه رحمه الله بالقيم والعادات والشيم الوطنية الأصيلة وانفتاحه على كل ما هو حديث ما وفر له شخصية مزجت بين الأصالة والمعاصرة". وأضاف أن "ذوقان كان يمحص الأمور بتجرد وحياد وروية موازنا بين سلبياتها وإيجابياتها, منطلقا من المصلحة الوطنية العليا في القضايا السياسية الداخلية والخارجية والعامة"، لافتا إلى "جرأته في طرح آرائه وقناعاته". واستذكر الرفاعي موقفا جمعه بذوقان في أحد المؤتمرات أصيب خلالها ذوقان بوعكة صحية إلا أنه رفض تلقي العلاج ليكون جوابه: "نحن هنا من اجل الأردن وفلسطين ومستقبل قضية العرب الاولى, ولن أغادر قبل انتهاء المؤتمر". وقال رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري إننا "نفتقد في هذه الأيام للقياديين المُجرِّبين والمُجرَّبين مثل ذوقان الهنداوي, من الذين صلبت الأيام والتجارب عودهم, وسلحتهم بالمعرفة والاستعداد". وأضاف المصري إن "هؤلاء -ومنهم ذوقان الهنداوي- أصبحوا قادة في مجتمعهم, بكدهم وخبرتهم, معتمدين على خلقهم وعلمهم ووطنيتهم". وأشار إلى أن "حزبية ذوقان وعقائديته, توازت مع منهجه المتوزان في الحياة السياسية والإدارية والحزبية الأمر الذي جعله ملما ومدركا لكافة القوى الداخلية والأقليمية والدولية المسهمة في تشكيل الحياة السياسة". وأضاف إلى ذلك، رزانة ذوقان الهنداوي في ترجمة الأفكار ووضعها موضع التنفيذ, كما لم يؤمن بالثورة أو الطفرة, بل بالتطور والتدرج". وشدد المصري على أن "ذوقان كان مدافعا قويا عن الدستور ومعانيه ومفاهيمه السليمة والصحيحة؛ لما أدركه في إدارة الدولة وشؤون الناس من مسؤولية كبرى لا يمكن التهاون بها". وأضاف "كنا متفقين أن الاعتداء على الدستور ومفاهيمه بداية انهيارات متتالية، ووخيمة في الحياة العامة". رئيس الديوان الملكي الهاشمي فيصل الفايز قال إن "المملكة لم تخل يوما من رجالاتها المخلصين وقياداتها الوطنية مثل ذوقان الهنداوي مما أثر كثيرا في الحياة السياسية والعامة". كما ألقى وزير التربية والتعليم كلمة وزارة التربية والتعليم في تأبين مؤسسها وصاحب مشروعها التطويري على مر العقود الاربعة الماضية |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي الثلاثاء 28 يوليو 2020, 8:37 am | |
| "الأستاذ".. مهندس التعليم وصاحب كتاب "القضية الفلسطينية"
كان لقب "الأستاذ" الأحب إلى قلبه، وكان يفضله على باقي المسميات الأخرى.
تقلد في 40 عاما من حياته العملية العديد من المناصب الرسمية الرفيعة من عام 1965 حتى وفاته عام 2005.
وضع الأسس التي قام عليها جاهز التربية والتعليم في الأردن، بعد أن شغل منصب وزير التربية والتعليم 13 مرة مع 8 رؤساء حكومات، فأطلق عليه لقب "مهندس" وأحد "قائد الثورة التعليمية" التي شهدتها الأردن من منتصف ستينيات القرن الماضي، كما ساهم في النهضة التعليمية للوطن العربي بالكامل.
كان إيمانه بضرورة صون الأمانة في تعليم الطلاب، وتربيتهم وفق مناهج وزارة التربية والتعليم، دون تحيز أو تعصب، نهج صار عليه طيلة وجوده في الوزارة.
والده سالم الهنداوي كان زعيما وطنيا وعربيا وكانت مضافة العائلة مقاما ومقرا لشيوخ العشائر والقبائل الذين كانوا يتباحثون في الأمور العامة، وعلى رأسها أحداث فلسطين وثورتها والقضايا الوطنية والقومية.
عمل الهنداوي الأب مع مجموعةٍ من أقرانه، من أمثال: حسين الطراونة، وسليمان السودي، وراشد الخزاعي، وناجي العزام، وخلقي الشراري، وماجد العدوان، ومثقال الفايز، وعبد الرحمن ارشيدات، وغيرهم من الزعامات الوطنية على مساندة الثورة الفلسطينية، ودعمها بالسلاح والمال والرجال، فكان أن أسسوا أول حزب في الإمارة وهو "حزب الاستقلال الأردني" .
وفي بداية الثلاثينات، قامت سلطات الانتداب البريطاني باعتقال سالم الهنداوي ورفاقه من الزعامات الوطنية، وأصدروا حكم الإعدام عليه وعلى ثلاثة من رفاقه من شيوخ البلاد، وأودعوهم سجن العقبة تمهيدا لتنفيذ الحكم.
لكن الهنداوي ورفاقه هربوا من السجن بمساعدة بعض زملائهم الوطنيين، وتوجهوا مشيا على الأقدام إلى السعودية، وأقاموا هناك ثلاث سنوات، كلاجئين سياسيين، بحكم العلاقة المتوترة بين الهاشميين وآل سعود آنذاك.
واستمر ذلك حتى أصدر الأمير عبد الله بن الحسين عفوا عنهم، بالرغم من معارضة الانجليز، فعاد الزعماء إلى وطنهم ليستمروا في مسيرتهم بمكافحة ومقارعة الانتداب البريطاني، والأطماع الصهيونية في فلسطين.
في هذه الأجواء المفعمة بالروح الوطنية والقومية والمنصهرة بالقضية الفلسطينية ولد ذوقان سالم الهنداوي عام 1927 في بلدة النعيمة لواء بني عبيد في محافظة اربد.
بدت عليه مظاهر التفوق على نحو مبكر فالتحق بالكلية العربية في القدس لتفوقه العلمي عام 1943 ثم إلى لندن عام 1945، وفي عام 1947 حصل على شهادة الثانوية العامة الفلسطينية.
أثناء وجوده في القدس، كانت معرفة فلسطين على حقيقتها بمقوماتها وهمومها ومشاكلها وبشكل واقعي محسوس أسمى وأغلى ما حصل عليه، كما يقول في مذكراته المكتوبة بخط يده.
أثناء تواجده في بيت حنينا، وصل خبر إلى ذوقان من قبل مختار إحدى القرى مفاده أن الدولة تنوي اعتقاله على خلفية الأحداث التي عرفت بأحداث "الضباط الأحرار" في الخمسينيات من القرن العشرين، وعرض الأهالي على ذوقان الهروب إلى سوريا، مؤكدين تأمين الطريق له لكن ذوقان رفض العرض، فطلب الأهالي منه أن يصطحبوه إلى مخبأ آمن لا يعلم مكانه أحد، فوافق على ذلك، فأنزلوه في القبيبة ثلاثة أيام.
بعد ذلك ذهب الهنداوي إلى عمان، وقام بتسليم نفسه، فأُدخل سجن المخابرات في العبدلي وقضى فيه 93 يوما، وكانت أيام السجن عصيبة عليه وشديدة القسوة.
ووجهت له تهم أنه كان عضوا ناشطا في جماعة "الضباط الأحرار"، وأنه كان ضابط الارتباط بينهم، بحكم موقع دار المعلمين التي كان يرأسها، وطلب منه أن يذكر أسماء رفاقه في قيادة "حزب البعث العربي الاشتراكي" المشاركين في تلك الأحداث، وكان من القيادات العليا في الحزب : عبدالله الريماوي وعبدالله نعواس ومنيف الرزاز وأمين شقير وسليمان الحديدي، وكانوا معروفين لدى الجهات الأمنية، وكانوا جميعا خارج الأردن لاجئين في سوريا.
بعد الإفراج عنه تابع الهنداوي دراسته الجامعية في "جامعة فؤاد الأول" بالقاهرة وحصل على شهادة البكالوريوس تخصص التاريخ عام 1950 وبعد عدة سنوات من العمل في المجال التربوي حصل على الماجستير في التربية من جامعة "ميريلاند" في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1956.
بدأ الهنداوي حياته المهنية عام 1951 كمعلم في وزارة التربية والتعليم في مدرسة الكرك الثانوية ثم نقل إلى مدرسة إربد الثانوية.
وبعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية، عمل مديرا لـ"دار المعلمين" في بيت حنينا في القدس لخمس سنوات، يسكن في فلسطين بين أهله، وكانت دار المعلمين شمال غربى القدس، وكانت تمثل الخطوط الأمامية في مواجهة العدو الصهيوني، وخاضت العديد من المعارك وقدمت الشهداء، ولم تسقط في يد الصهاينة حتى عام 1967.
انتقل "الأستاذ" بعد ذلك للعمل في وكالة "الأونروا" حيث تسلم منصب مدير دائرة الشؤون الاجتماعية عام 1961. ثم عاد للعمل في الحكومة الأردنية كملحق ثقافي في السفارة الأردنية بالقاهرة عام 1964 لكنه لم يستمر طويلا في المنصب حيث عين وكيلا لوزارة الإعلام.
تقلد الهنداوي أول منصب وزاري له وزيرا للإعلام في حكومة الرئيس وصفي التل عام 1965. وتقلد بعدها العديد من المناصب الوزارية الهامة بشكل شبه مستمر كان من أهمها نائب رئيس الوزراء، وزير التربية والتعليم، وزير الإعلام، وزير المالية، وزير الشؤون الاجتماعية، وزير العمل، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء.
وفيما بعد اختير لمنصب رئيس الديوان الملكي الهاشمي عام 1989.
خاض الهنداوي الانتخابات النيابية عام 1989، وانتخب عضوا في المجلس النيابي الحادي عشر الذي جاء بعد انقطاع دام أكثر من عشرين عاما.
انتقد الهنداوي، في كلمته الشهيرة التي ألقاها تحت القبة، حكومة الرئيس مضر بدران على عدم إفصاحها عن أرقام المديونية الخارجية في البيان الوزاري، منتقدا توسعها في الاستدانة. ولقناعاته بعدم قدرة الحكومة على النهوض بمسؤوليتها في حل المشاكل التي يعاني منها الوطن، حجب الثقة عن الحكومة، وفيما بعد جمع أثناء تواجده في المجلس بين النيابة والوزارة، فكان نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للتربية والتعليم لاحقا.
في أواسط التسعينيات كلف الملك الحسين، الدكتور عبد السلام المجالي بتشكيل الحكومة الأردنية، وكان جليا بأن الأمور تسير باتجاه توقيع "معاهدة سلام" أردنية إسرائيلية.
عرض المجالي على الهنداوي، الدخول في الحكومة كنائب للرئيس لكن الهنداوي اعتذر بسبب معرفته إلى ما ستؤول إليه الأمور، وعدم قناعته بجدوى وصحة النهج والطريق، وفي أول تعديل على الحكومة عام 1994 أعاد المجالي العرض على الهنداوي بشيءٍ من الإلحاح، لكن الهنداوي أعاد الاعتذار والتشدد في الأمر.
ونتيجة لتدخل مباشر من الملك الحسين، شارك الهنداوي في الحكومة كنائب للرئيس، بالرغم من عدم قناعته وشعوره بالضيق الكبير من المشاركة بهذه الحكومة والتي نظر لها البعض بأنها أصبحت برأسين، أحدهما للخارج والآخر للداخل.
وبعد أربعة أشهر من دخوله الوزارة، وقعت الحكومة الأردنية وبشكلٍ مفاجئ "اتفاقية وادي عربة"، وهو ما وجده الهنداوي غير مقبول ومخالفا لقناعاته المبدئية حول الصراع العربي الإسرائيلي.
وعلى ضوء مناقشات مستفيضة وجد الهنداوي نفسه غير قادر على الاستمرار بالمشاركة في الحكومة، فقدم استقالة شديدة اللهجة بعد انتهاء الجلسة، والتي عزاها إلى "ضبابية النهج" و"عبثية الحكم" وأرسلها للرئيس عن طريق الفاكس.
استمر الهنداوي في عمله عضوا في مجلس الأعيان ونائبا لرئيسه ومقررا للجنة الشؤون الخارجية حتى عام 2001.
كان الهنداوي يؤمن بأن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة المحورية، وكان من أبرز مؤلفاته كتاب "القضية الفلسطينية" الذي درس في الصف الثالث الثانوي (التوجيهي) في الأردن من عام 1967 إلى عام 1996 كما كتب مذكراته الشخصية التي تحتوي على الكثير من المواقف الفاصلة.
توفي يوم 2 تموز/يوليو عام 2005 بنوبة قلبية حادة ودفن في مقابر الديوان الملكي الهاشمي بمقربة من ضريح الملك الحسين بن طلال.
كان الهنداوي سياسيا وتربويا رزينا وواضحا في ترجمة الأفكار ووضعها موضع التنفيذ، لم يؤمن بالثورة أو الطفرة بل بالتطور والتدرج، فكان كل ما يتعلق بالتربية والتعليم يمر بفترة دراسة وتنقيح قبل إقراره، لم تكن ثمة ارتجال في أية خطوة تمس تنشئة الأجيال.
كان مدافعا قويا عن الدستور، ورجل دولة من طراز نادر، ورجلا وطينا وقوميا، رحل بصمت وهدوء لكنه بقي بصمة شديدة الوضوح في مسار التعليم والأحداث السياسية في الأردن وفلسطين والمنطقة العربية.
لم يسعفه العمر ليرى جامعة "كامبردج" تقر بعثة للتميز التربوي تحمل اسمه تحت مسمى "بعثة ذوقان الهنداوي للتميز التربوي"، وتمنح هذه البعثة سنويا للمتفوقين والمتميزين والذين أكملوا دراستهم الجامعية الأولى ويرغبون بإكمال دراستهم العليا (الماجستير) في التربية في " كامبردج". |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي الثلاثاء 28 يوليو 2020, 8:37 am | |
| ذوقان الهنداوي .. قدم الكثير للوطن والأستاذ الأقرب لنفسه
الهنداوي .. قدم الكثير للوطن والأستاذ الأقرب لنفسه
رغم كثرة الالقاب التي حملها في حياته, بعد تبوئه لعدد من المناصب الرفيعه إلا أن لقب «الاستاذ» كان الأقرب إلى نفسه والأحب إليها. لم يكن يعرف «الاستاذ» ذوقان الهنداوي الذي عين في سلك التعليم استاذا لمادة التاريخ في نهاية خمسينيات القرن الماضي أنه سيصبح وزيرا وعمره لم يتجاوز الثامنة والثلاثين في الحكومة الثالثة للمرحوم وصفي التل في عام 1965 ليدخل عالم السياسة ويتدرج في المناصب الادارية والسياسية منذ ذلك التاريخ. في مثل هذا اليوم قبل 7 اعوام اغمض الاستاذ عيونه ليفارق الدنيا بعد 78 عاما قضاها في خدمة وطنه وامته معلما ووزيرا وسفيرا ونائبا وعينا ومن ثم رئيسا للديوان الملكي الهاشمي. في قرية النعيمة في «عروس الشمال» اربد ولد الهنداوي في العام 1927 في منزل والده الشيخ سالم باشا الهنداوي ليبدأ مشوار حياته في هذه القرية الوادعة التي درس في مدارسها مرحلته الاساسية قبل أن ينتقل إلى مدينة اربد ويكمل فيها دراسته الثانوية. تقلد الهنداوي العديد من المناصب الرفيعة والتي كان من أبرزها رئيس الديوان الملكي الهاشمي العامر ونائب رئيس مجلس الوزراء وعضو في مجلس الأعيان وسفير فوق العادة ونائب في مجلس النواب ووزيرلأكثر من عشرين مرة في حكومات متعاقبة وعلى مرّ أربعة عقود متتالية منذ أواسط الستينيات وحتى أواخر التسعينيات من القرن الماضي. لم ير الهنداوي في المنصب الوزاري تشريفا بقدر ما هو تكليف ليعمل بجهد واضح ليرتقي بقطاع التربية والتعليم ويسهم في النهوض به ليترك بصمة واضحة ظهرت على مستويات مخرجات قطاع التعليم في ذلك الوقت. أبرز الحقائب الوزارية التي تبوأها الهنداوي كانت حقيبة التربية والتعليم التي تولاها لأربعة عشرة مرة، كما ظهرت مساهمته الواضحة في الحياة البرلمانية وخاصة حين تم انتخابه نائبا في مجلس النواب الحادي عشرعام 1989. اكتسب الهنداوي من الدول التي تلقى تعليمه فيها خبرات مضاعفه حيث نوع في مصادر التعليم بعد أن حصل على دراسته الثانوية في الاردن ولتفوقه العلمي تم اختياره وإبتعاثه للكلية العربية في القدس الشريف ومن ثم حصل على شهادة الثانوية الإنجليزية من جامعة لندن وحصوله على شهادة البكالوريوس من جامعة القاهرة في عام 1951 ومن ثم شهادة الماجستير من جامعة ميريلاند الأمريكية في علوم التعليم المتطور عام 1959. إمتهن الهنداوي مهنة التعليم بكل اعتزاز و تدرج فيها بكفاءة وجدارة عالية من معلمٍ للتاريخ لسنواتٍ عديدة ومديرٍ لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ومن ثم مفتشٍ ومديرٍ لدار المعلمين في بيت حنينا ووكيلٍ لوزارة التربية والتعليم لحين أن استلم أول وزارة له في الحكومة الثالثة للمرحوم وصفي التل في عام 1965 وهو في الثامنة والثلاثين من العمر. ولم تكن اسهامات الهنداوي تقتصر على الصعيد الرسمي الذي تسلم خلال مسيرته العديد من الأوسمة الوطنية والدولية الرفيعة بل شارك بفاعلية ومثابرة في النهضة الفكرية والثقافية للأمة العربية وألف عدد من المؤلفات كان من أهمها كتاب القضية الفلسطينية الذي يعتبر مرجعا واعتمد منهجا دراسيا في مرحلة التعليم الثانوية في الأردن لسنوات طويلة حتى عام 1996، بالإضافة لعضويته في مجلس إدارة مجمع اللغة العربية والهيئة الإدارية للموسوعة الفلسطينية. واسهمت صفاته وخصاله الحميدة مثل الاستقامة ونظافة اليد والإخلاص والتفاني في العمل بالإضافة للتواضع والمودة وبشاشة الوجه وحسن التعامل مع الناس بالاضافة لنشأته في منزل والده أحد وجهاء المملكة في ذلك الوقت ليكون من أهم الشخصيات والوجوه الاجتماعية التي عملت على اصلاح ذات البين لتكون يده بيضاء في كل المحافل. وفي الثاني من تموز عام 2005 ووري الهنداوي الثرى ودفن في المقابر الملكية لتبقى سيرته العطرة وذكراة حيةً بين الاردنيين الذين ما زالوا يستذكرون رجالات قدمت للوطن الكثير في وقت لم تنتظر أن يقدم لها الوطن شيئا. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي الثلاثاء 28 يوليو 2020, 8:42 am | |
| ذوقان الهنداوي .. قصة "الأستاذ" .. رجل الدولة .. والوطن ..
بقلم: د. أحمد ذوقان الهنداوي (مستوحاة من مذكرات 'الأستاذ')
في منتصف القرن التاسع عشر للميلاد، كان الهنداوي وأقرباؤه من عشيرة الخصاونة يسكنون في قرية الحصن في شمال المملكة. اشتد التنافس والخلاف بينه و أقاربه من جهة، وبين العشائر الأُخَرِ التي كانت تسكن الحصن من جهة آخرى. ومن أجل إنهاء هذا الخلاف، أصدر الوالي العثماني في نابلس بموافقة الهنداوي فرمانا يقضي بإخراجه وأقاربه من الحصن تحت شروط معينة اشترطها الهنداوي، ومن هذه الشروط أن يختار الهنداوي الموقع الذي يريد ملكاً له ولأقاربه فاختار أراضي النعيمة العذيَّة، في محافظة إربد في الجنوب الشرقي من قصبة إربد (المدينة)، لتكون مستقرا له وعشيرته وكانت مساحتها حوالي سبعين ألف دونمٍ. عادت أسباب إختيار الهنداوي لهذا الموقع لوقوعه على الطريق السلطاني الذي يربط الجزء الشمالي من الولايات العثمانية العربية بالجزء الجنوبي منها لكونه طريقا للحجاج والقوافل التجارية, ولسعةِ الأراضي فيه و التي تؤمن غلالاً وافرة. كان أول عمل فكر فيه الهنداوي هو بناء مضافة العائلة، ليستقبل بها الضيوف الوافدين من الحجاج والتجار و البدو الرحل. فاستقدم في عام 1875 بنائين متخصصين في بناء المضافات من نابلس من آل كلبونة و الذين أنهوا بناءها في عام 1878ميلادية . وقد أشار المؤرخ رؤوف أبو جابرفي كتابه 'عشائر شرق الأردن' إلى أنَّ نهاية القرن التاسع عشر شهدت إنشاء مضافتين رئيسيتين وحيدتين في إمارة شرقي الأردن، هما مضافة الهنداوي في شمال الإمارة محاطة بآلاف الدونمات من الأرض الزراعية المملوكة للهنداوي وأولاده، والمضافة الثانية مضافة أبو جابر في وسط البلاد. بعد وفاة الهنداوي آلت مقاليد الأمور إلى أولاده وأحفاده ومن بينهم سالم باشا، حيث كانت المضافة مشرعة الأبواب تستقبل ضيوفها من مختلف المشارب ، ليلا ونهاراً ،لا يفرقون بين قريب وبعيد. كانت المضافة مقاما و مقرا لشيوخ العشائر والقبائل الذين كانوا يتباحثون في الأمور العامة, وعلى رأسها أحداث فلسطين وثورتها المتأججة آنذاك إنطلاقا من عمق إيمان سالم باشا الهنداوي بمجمل القضايا الوطنية والقومية . عمل الهنداوي مع مجموعة من أقرانه أمثال :حسين باشا الطراونة و سليمان باشا السودي وراشد باشا الخزاعي وناجي باشا العزام وخلقي باشا الشراري وماجد باشا العدوان ومثقال باشا الفايز وعبد الرحمن ارشيدات وغيرهم من الزعامات الوطنية في تلك المرحلة العصيبة على مساندة الثورة الفلسطينية ودعمها بالسلاح والمال والرجال. أسسوا الحزب الأول في الإمارة،'حزب الاستقلال الأردني' عام 1910 امتدادا لحزب الاستقلال العربي في سوريا، والذي حُلَّ من قبل سلطات الانتداب الفرنسي بعد أن أسقطوا حكم الملك فيصل بن الحسين فيها، وقتلوا صيحته الشهيرة :' لقد طاب الموت يا عرب'، وذهبت أدراج الرياح. شكل الحزب أول حكومة في عهد الإمارة عام 1921 برئاسة رشيد اطليع رغم معارضة الإنجليز، والذين تلقوا خبر تشكيل الحكومة من قبل الحزب كالصاعقة، وذلك لمعارضة الحزب ورجالاته المبدئية والعنيفة للوجود البريطاني في الإمارة والمخططات والأطماع الصهيونية في فلسطين. في بداية الثلاثينات، قامت سلطات الانتداب البريطاني باعتقال سالم باشا الهنداوي، ورفاقه من الزعامات الوطنية،و ذلك على الرغم من قربه من الأمير عبدالله بن الحسين آنذاك, وقاموا بإصدار حكم الإعدام عليه وعلى ثلاثة من رفاقه من شيوخ البلاد، وأودعوهم سجن العقبة تمهيدا لتنفيذ حكم الإعدام فيهم. كان سالم باشا الهنداوي أصغر الزعماء سنا وأقواهم عودا وبأسا، فخطط وقاد عملية هربهم من سجن العقبة والنجاة من حبل المشنقة بمساعدة بعض زملائهم الوطنيين في ذلك الوقت, فتوجهوا بعدها مشيا على الأقدام إلى السعودية... ولشدة بأسه وقوة عزيمته، كان سالم باشا يحمل الزعماء الآخرين على ظهره عندما كانوا يتعبون من السير أو ينهكهم الجوع و العطش... حتى وصلوا بر الأمان... ليقيموا فيها ثلاث سنوات , كلاجئين سياسيين بحكم العلاقة المتوترة التي كانت تربط الهاشميين بآل سعود آنذاك . واستمر ذلك النفي حتى أصدر الأمير عبد الله عفوا عنهم، رغم معارضة الإنجليز، فعاد الزعماء إلى وطنهم من منفاهم؛ ليستمروا في مسيرتهم في مكافحة ومقارعة الانتداب البريطاني والأطماع الصهيونية في فلسطين. فأصبح سالم باشا الهنداوي عضوا مؤسسا وبارزا في المؤتمر الوطني الأول والثاني والمجلس التشريعي السادس في المملكة . وفضلا عما عرف عنه من قومية شديدة ووطنية صادقة متجذرة وراسخة في مكنونات شخصيته، فقد عرف عن سالم باشا الهنداوي تواضعه الجم وكرمه، حيث كانت مضافة الهنداوي ممرا ومستقرا لكافة الضاعنين من بلاد الشام للحجاز ومن الساحل للعراق وبالعكس. فكان سالم باشا يقوم باستقبال قوافل الراحلين، وتوفير الضيافة لهم من مسكن ومأكل وملبس على نفقته، ويقوم بتزويدهم بالمؤن بما يكفيهم من متابعة مسيرهم. ومن القصائد التي كانت تردد في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في تلك المنطقة: يا طير يا مقبلا... قبلة دربك على نعيمة... تلقى مضافة على يمك... حـــــلو الفرش مددوا فيها... تلقى محمد ونس... تقول صقور يتفتلوا في مثانيها... عمدانها بالذهب مزدانه... وخدودهم يالقناديلا... أهل الكرم والخير والجود... والوطن بالسيف حامينه... وفي هذه البيئة المشبعة بحب الوطن والأمة، والمؤمنة بحب الناس وتقديم الخير لهم , ولد ذوقان الهنداوي وتحديدا في العام الف وتسعمائة وسبعة وعشرين ميلادية في منزل والده سالم باشا الهنداوي في مضافة الهنداوي في بلدة النعيمة الواقعة بين جبال عجلون وسهول حوران. ولعل أدق وصف للمنطقة وطباع أهلها كان ما خطه الهنداوي بيده عندما قال :' لقد اكتسب أهل بلدتي النعيمة من بيئة الجبل الشجاعة والجرأة والاعتداد بالنفس، واكتسبوا من السهل البساطة والانفتاح والوضوح وتقبل الرأي الآخر'. بعد إكماله عامه الخامس ألحقه والده بالكتاب, وأكمل دراسته الإبتدائية في مدرسة النعيمة الوحيدة آنذاك. بعد ذلك التحق ذوقان بمدرسة إربد الثانوية حتى الصف الثامن , وفي إربد وبسبب تلقيه العلم والمعرفة على يد كوكبة من المعلمين الذين نبضت أرواحهم طنية وقومية بالإضافة لكفاءتهم العلمية، بنيت شخصية ذوقان العلمية المتميزة الأولى بالإضافة لتأثره بمدرسيه ومواقفهم تجاه قضايا الأمة واعتماده على ذاته أكثر من السابق، حيث كان ذوقان يمشي كل يوم مسافة عشرين كيلومترا ذهابا وإيابا بين بلدته النعيمة ومدينة إربد، يحمل معه كتبه وخبزه وغموسه. كان يذاكر مواده الأدبية التي تحتاج إلى حفظ خلال مسيره، ويذاكر مواده العلمية التي تحتاج للكتابة بعد عودته مساءً للمضافة على سراج نمرة أربعة،معلق بجانبه على الجدار، يعلو بلورته سواد من شحار. استمر ذوقان في مدرسة إربد الثانوية حتى الصف الثامن، وبعد إنهائه هذه المرحلة الدراسية كان الأول على صفه، وكان ذلك عام ألف وتسعمئة وثلاثة وأربعين، وبسبب تفوقه العلمي استدعي إلى عمان لمقابلة وزير المعارف آنذاك سمير الرفاعي. كانوا ثمانية طلبة متفوقين، إثنان من الشمال وإثنان من الوسط وإثنان من الجنوب وإثنان من البادية. وكان على الحكومة أن تختار اثنين منهم فقط الأكثر تميزا وتفوقا لإبتعاثهما للكلية العربية في القدس، الصرح التعليمي الأكثر تميزا في المنطقة في تلك الفترة. نصحه أهله بعدم الذهاب للمقابلة لقناعتهم باستحالة اختياره مهما بلغ تفوقه في ضوء حكم الإعدام الصادر على والده زعيم المعارضة والذي كان مطلوبا ومنفيا خارج البلاد آنذاك. إلا أن الطالب ذوقان الهنداوي ذا الأربعة عشر ربيعا أصر على الذهاب وحيدا للمقابلة لقناعته بتميزه وتفوقه العلمي واستحقاقه للإبتعاث أولا بالإضافة لإيمانه الراسخ بأن الله يكتب لخلقه ما يشاء و لا يستطيع أحد الإعتراض على حكمه. قابل وزير المعارف الرفاعي المرشحين كل على حدة، وبعد أن انتهى من الأسئلة العلمية للطالب الهنداوي سأله: 'ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر'، فأجابه الهنداوي على الفور وبكل كبرياء: ' أريد أن أصبح تماما مثل أبي'، فنظر الوزير (والذي كان يحمل آنذاك حقيبة وزارة الداخلية بالإضافة للمعارف) له نظرة حادة وقال:' ولكن أباك محكوما بالإعدام ومطلوبا للعدالة ومنفيا...' وقبل أن ينهي جملته قاطعه الطالب المتحفز بقوله: 'ولي الفخر أن أكون مثله'... صمت الوزير لبرهة ونظر في عيني الطالب ليخبره بعدها بأنه على الرغم من كون والده سالم باشا معارضا ومنفيا، إلا أنه وبسبب تفوقه العلمي فأنه قد وقع الإختيار عليه وعلى الأول في مدرسة عمان الطالب محمد نوري شفيق، لإكمال الدراسة الثانوية في الكلية العربية في القدس كمبعوثين على نفقة الحكومة. كان لهذه البعثة قيمة علمية كبيرة لمكانة هذا الصرح العلمي الكبير في المنطقة. كانت رغبة ذوقان الأولية تتمثل بإكمال ومواصلة دراسته في مدرسة السلط الثانوية وهي المدرسة الثانوية الوحيدة في البلاد آنذاك والتي تخرج منها معظم رجالات البلد في ذلك الزمان. إلا أنه وعلى الرغم من تلك الرغبة، حزم ذوقان ذو الأربعة عشر ربيعا أمتعته وذهب إلى القدس في رحلة علمية جديدة. كانت الكلية العربية في القدس لا تقبل الا النخبة المتميزة من الأوائل، وكانت على مستوى المعاهد البريطانية الراقية . التحق ذوقان بالكلية العربية في القدس. مكث فيها أربع سنوات. أحب أهل فلسطين وأحبوه... وحصل خلالها على شهادتي متريك فلسطين والانترميديت، إضافه إلى شهادة متريك لندن رغم عدم إجبار الطلبة عليها وجميعها حصل عليها بتفوق مع مرتبة الشرف . أثناء وجوده في القدس ،وعلى الرغم من تفوقه العملي، إلاَّ إن معرفة فلسطين على حقيقتها بمقوماتها وهمومها ومشاكلها وبشكل واقعي محسوس كان اسمى وأغلى ما حصل عليه كما يقول الهنداوي في مذكراته . ويشير الهنداوي أيضا في مذكراته التي كتبت بخط يده أنه وأثناء تواجده في الكلية العربية في القدس، عرف مدينة القدس بكل أماكنها المقدسة وحاراتها ودروبها ومعالمها ومكتباتها وأماكن الوقوف فيها، كما تعرَّف على وطنه فلسطين كله من طبريا وأريحا شرقا إلى حيفا ويافا وعكا غربا . ومن صفد والجليل شمالا وحتى غزة وبئر السبع وبيت جبرين جنوبا . كما تعرف على كيفية نضال الشعب الفلسطيني وطرقه ضد الصهيونية والانتداب البريطاني مدركا مدى صلابته وتلاحمه. بعد أن أنهى الهنداوي الدراسة في الكلية العربية في القدس عام ألف وتسعمئة وسبعة وأربعين ، أوفدته وزارة التربية والتعليم في بعثة دراسية مع زميله محمد نوري شفيق , لدراسة التاريخ في جامعة القاهرة، التي كانت تعرف باسم جامعة فؤاد الأول آنذاك . وكانت الجامعة الصرح العلمي الأبرز للدراسة الجامعية في المنطقة ومن الأبرز في العالم. من خلال دراسته للتاريخ تعرف على ماهية الأمم والتجمعات البشرية و على كيفية قيام الدول في مختلف العصور، وعلى أسباب نهوضها وازدهارها وانحدارها كما عرف الكثير عن طبيعة الإنسان وعن مكوناته العقلية ومكنوناته النفسية ، الأمر الذي جعله مرشداً وهادياً ومعيناً له عندما أصبح المسؤول الأول عن رعاية الأجيال لفترة غير قصيرة كما يشير في مذكراته . وفي مصر انغمس الهنداوي في نشاطات متنوعة متعددة، فكانت مصر آنذاك تعج بالنضال ضد الاحتلال الانجليزي، وضد المعاهدة البريطانية، وضد الفساد ونظام حكم الملك فاروق آنذاك . وكان شاهداً على ما يصدر عن مفكري مصر، وعن ساستها من مقالات وخطابات، فكان حريصا على المشاركة في المظاهرات والتجمعات التي كان يخطب بها الساسة المصريون، فأعجب بالزعيم الوطني مكرم عبيد باشا وتأثر به في مهاجمته للإنجليز والصهاينة ببلاغة وفصاحة، وأكثر ما لفت انتباه الهنداوي وأثار إعجابه بالزعيم الوطني مكرم عبيد استشهادة بآيات قرآنية كان يحفظها عن ظهر قلب ويستنهض بها الهمم من أجل الجهاد والنضال في سبيل قضايا الأمة والوطن على الرغم من ديانته المسيحية. كان الهنداوي حريصاً علي حضور مجالس العمالقة الكبار في مصر أمثال الدكتور طه حسين والاستماع والإفادة من محاضراتهم. وكانت خطاه تقوده أحياناً إلى حفلات أم كلثوم وغنائها الأخاذ خصوصاً حينما يعلم عن حفلاتها التي تتغنى في الوطن. تميزت فترة دراسة الهنداوي في مصر بجيشان المد القومي، حيث أنها كانت في زمن كان يئنُّ فيه الوطن العربي من وطأة الأجنبي، ويعيش تأجج روح الوطنية والتفاني في سبيل استقلاله ومقاومتة الاستعمار. عاد الهنداوي من القاهرة إلى الوطن عام ألف وتسعمئة وخمسين حاملا شهادة البكالوريوس الجامعية، فأصبح في عداد الجامعيين القلائل آنذاك، وبعد أيام من عودته ذهب إلي مكتب وزير التربية والتعليم سماحة الأستاذ محمد أمين الشنقيطي ليستمع لتوجيهاتة، لكنه تفاجأ بمقابلة الشنقيطي وعصبيتة حينما قال له إن في الأردن منفيين هما الكرك ومعان، وبسبب مشاركتك أنت وزميلك محمد نوري شفيق في المظاهرات والتجمعات السياسية خلال دراستك الجامعية, فإن وزارة التربية والتعليم قررت 'نفيك' إلي الكرك، كما قررت 'نفي' محمد نوري شفيق إلي معان.... خرج الهنداوي من مكتب الوزير مندهشاً مستنكرا مفاهيم وزير التربية والتعليم التي تخالف القيم والمبادئ التي نشأ عليها حينما كان يرددها وهو صغيرا 'بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ' في طابور كل صباح في ساحة المدرسة .ومذهولا من اعتبار ذلك الجنوب الأردني العزيز منفىً، والذي كان القاعدة الرئيسية للفتوحات الإسلامية والمنطلق الرئيسي لمعظم نشاطات رجال الثورة وحراكهم ، والتأكيد على أن عشائر وشيوخ الجنوب كانوا طلائع المناضلين الثائرين ضد الحكم العثماني المستبد، فكيف يعتبر وزير التربية والتعليم ذلك الجزء من الوطن نفياً وعقاباً لمن يشارك في الاجتماعات السياسية العريية . في آواخر شهر آب عام إلف وتسعمئة وخمسين حزم الهنداوي ذو الثلاثة وعشرون ربيعا أمتعته متوجهاً إلى الكرك، في رحلة استمرت اثنتي عشرة ساعة لوعورة الطريق، حيث كان في استقباله أحد قضاتها المعروفين، فرافقه إلى المدرسة التي كانت إضافة لمكان عمله مكانا لسكنه ، أقام الهنداوي في الكرك، ودرّس في مدرستها. وعلى الرغم من صعوبة العيش هناك في بداية الأمر، إلاَّ أنه سرعان ما تأقلم على الحياة فيها بسبب الاحترام والكرم الجمين اللذين أبداهما له أهل الكرك وأولياء الأمور فيها . أحب الهنداوي أهل الكرك وأحبوه، فقد كانت الكرك تنبض بالروح القومية، فتلاقى هوى المدينة وسكانها مع هوى أستاذها الجديد، القيادي القومي النشط والتي كانت تشد خطبه المناهضة للاستعمار والصهيونية والداعية للوحدة العربية أهل المدينة كبيرها وصغيرها وتجمعهم حول ذلك الأستاذ الفتي... كما استطاع الهنداوي أن يبني شبكة علاقات واسعة فيها مع المعلمين، وأهالي المدينة وأولياء الأمور؛ لدرجة أنه اعتذر عن طلب وزير التربية والتعليم معالي الأستاذ أحمد طوقان, حينما جاءه قرار نقله إلى مسقط رأسه مدينة إربد ، وبعد اعتذاره عن قرار الوزير، قام الأستاذ حسني فريز مفتش المعارف بزيارة لمدرسة الكرك, وأثناء تجواله في صفوف المدرسة سر من مستوى الطلاب، ومن إجاباتهم، ومن الأستاذ ذوقان الهنداوي, فاصطحبه إلى مكتب مدير المدرسة آنذاك الأستاذ محمود سيف الدين الإيراني, فشكر الهنداوي أمام مدير المدرسة على جهوده مع الطلاب, وطلب منه أن يرافقه في تفتيش بقية المدارس في قرى المنطقة, مشيرا إلى أنه سيطلب من الوزير تعيين الهنداوي مساعد مفتش في مركز الوزارة حال عودته إلى عمان. تخرج على يدي الهنداوي في مدرسة الكرك العديد من الرجالات الذين تسلموا مواقع المسؤولية في مراحل لاحقة من أصحاب الدولة والمعالي ومنهم: السادة مضر بدران وعدنان بدران وعلي سحيمات وغيرهم. بعد عام من ذلك التاريخ، نالت أصابع الغدر من الزعيم الوطني سالم باشا الهنداوي...حيث اغتالت جسده وغيبته عن الحياة لإيقاف حراكه الوطني والقومي؛ محاولة بذلك تحقيق ما لم يحققه حكم الإعدام عليه ونفيه... وأرادت بذلك أن تغتال رسالته الوطنية والقومية ولكنها فشلت... بكاه الوطن وتوشحت الدور والمباني والمحلات في مدينة إربد بالسواد... بكاه الملك عبد الله وأقسم بأنه سيقتل من قتله... إلا أن القدر لم يمهله طويلا، فلحق برفيقه وتم اغتياله في القدس في أقل من أسبوع... استوجبت كل هذه الظروف الأستاذ الشاب ذوقان الانتقال إلى إربد ليكون قريباً من عائلته، ويستمر في الإشراف على الأمور التي كان يتولاها والده ويدبرها. كانت الحزبية في تلك الفترة وعلى مختلف مشاربها وعقائدها القومية والإسلامية والشيوعية على أشدها, وكان النشاط الحزبي أمراً مألوفا ومنتشرا بين معظم الناس.كان الهنداوي في ذلك الوقت أحد قيادات حزب البعث العربي وكان المسؤول الأول عن نشاطاته في منطقة إربد، وعلى الرغم من نشاطه على الساحة خارج أوقات الدراسة، إلا أنه لم يمارس العمل الحزبي داخل المدرسة وعلى الطلاب انطلاقا من إيمانه بضرورة صون الأمانة في تعليم الطلاب وتربيتهم وفق مناهج وزارة التربية والتعليم دون تحيز أو تعصب. نُقل الهنداوي بعدها إلى عمان، فعمل مساعدا لمفتش الوزارة، ومديرا لمكتب الوزير أحمد طوقان, الذي كلفه بمهام عديدة شملت كل أقسام الوزارة. وفي منتصف الخمسينات تم ابتعاث ذوقان الهنداوي إلى جامعة ميرلاند في الولايات المتحدة الأمريكية، فحصل على شهادة الماجستير في التربية مع مرتبة الشرف. بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية, عمل الهنداوي مديراً لدار المعلمين في بيت حنينا في القدس ولمدة خمس سنوات, يسكن في فلسطين بين أهله الذين أحبهم و أحبوه فأسكنوه قلبهم وسكنوا قلبه... كانت دار المعلمين في بيت حنينا تقع فى منطقة شمال غربى القدس , وكانت هى الخطوط الاماميه فى مواجهة العدو الصهيونى . وقد قاومت هذه المنطقه وخاضت العديد من المعارك مع العدو الصهيونى , وغنمت اسلحتها من ايادى الصهاينه , وقدمت الشهداء , ولم تسقط فى يد اليهود حتى عام 1967 . أضاء الأستاذ بعلمه ووطنيته منطقة شمال غرب القدس ودخل فى قلوب اهالي المنطقه احتراما وتقديرا لم ينسوها عبر تاريخهم . عمل الأستاذ على تدريب وتعليم طلاب الكلية ليتخرجوا معلمين متخصصين للعمل في المدارس الريفية، بالإضافة لتأهيل الطلبة لقيامهم بتوجيه المجتمعات الريفية القريبة فيما يتعلق بأمور معيشتهم، فطاف كافة قرى المنطقة من بيت حنينا وشعفاط والعال وحزما والجيب وبيت سوريك و عناتا و بيت اكسا و الرام و قلنديه و مخيم قلنديه و مخماس و الجيب و بيت دقو و بيت اعنان و القبيبه و قطنا و الطيره. اتسم الزمان والمكان بالحراك الوطنى والقومى , ونشطت فيها الاحزاب القوميه مثل حزب البعث العربى الاشتراكى , والقوميين العرب وكانت بداياتهم , والشيوعيون , والاخوان المسلمون وكان الاستاذ ذوقان قوميا بعثيا . قاد هذه المنطقه واثر فيها تأثيرا كبيرا , مما جعل حزب البعث حزبا قويا بين الفلاحين والمثقفين والطلاب. عرفه كل سكان المنطقة صغارهم وكبارهم، فبنى مدرسة نموذجية فى الاخلاق والسلوك , مما جعله مكان احترام المنطقه .. كانت المدرسة ودار المعلمين الريفيه ملتقى الزوار من القدس و القرى المحيطة , فكان يصلح ويحل المشاكل التى قد تنشأ بين الاهالى لانه كان محل احترام الناس بما تميز به من خلق رفيع ووطنية ملحوظه , فأحب ذوقان الناس وبادلوه حبا بحب . اما الهيئةالتدريسيه فكانت رموزا من الكفاءات العلميه والوطنية والقوميه , كانوا يشكلون مع الاستاذ ذوقان الهنداوى منظومة رائعه تشمل الخلق والتفانى فى انجاح المهمة التعليميه انضباطا وسلوكا , وكان لا يدخل العمل السياسى الا المجتهدين من الأساتذة و الطلاب المتفوقين والمتميزين خلقا واستعدادا للنضال والالتزام . هذه البيئه التى اوجدها ’الأستاذ' كانت تربة خصبة لنمو حزب البعث , والذى اصبح مثلا معروفا فى المنطقة كلها . كانوا رفاق الاستاذ فى المهمة العلمية والنضاليه . قادوا مرحلة لا تنسى فى النضال العربى الفلسطينى , وقفوا ضد الاحلاف الاستعماريه فى هذه المرحله مثل حلف بغداد . كانت دار المعلمين ملتقى للوفد القادمة من سوريا ومصر والعراق والأردن ، فيحيي الأساتذة والطلاب والوفود الليالى الوحدويه بترديد الاغانى القوميه . شاركوا فى التدريب العسكرى ابان العدوان الثلاثى على مصر عام 56 , ووقفوا مع مصر فى معاركها ومع قيادة عبد الناصر حيث بدا المد القومى بعد حرب 56 وتأميم قناة السويس . كانت الدار شعلة قوميه بقيادة بعثيه على رأسها قائد قومى هو الاستاذ ذوقان الهنداوى . وفى عام 1957 جاء الملك حسين والقى خطابا ثوريا فى سينما الحمراء فى القدس وكان مثار اهتمام من قبل الاهل فى الضفة الغربيه , حتى ان بعض الناس وصفوه انه بعثى فى ذلك التاريخ . وخلال تلك الفترة، وبسبب معاصرة الهنداوي لأحداث فلسطين والتشبع في قضيتها ورسوخ البعد القومي العروبي في تفكيره بدأ الهنداوي بتأليف كتابه الأبرز 'القضية الفلسطينية'وأنهاه في سنوات لاحقة، حيث يعتبر الكتاب وثيقة مرجعية رئيسية من المراجع التي يعتد فيها ويرجع إليها عند محاولة فهم القضية بكافة أبعادها فهما جليا وعميقا، وكانت مرجعا دراسيا مقررا لطلبة الصف الثالث الثانوي منذ أوسط الستينيات وحتى أواخر التسعينيات عندما تم التوقف عن تدريسه كأحد استحقاقات توقيع الأردن لمعاهدة السلام.
..... يتبع |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي الثلاثاء 28 يوليو 2020, 8:43 am | |
| ..... تابع
ذوقان الهنداوي .. قصة "الأستاذ" .. رجل الدولة .. والوطن ..
بقلم: د. أحمد ذوقان الهنداوي (مستوحاة من مذكرات 'الأستاذ')
ومن مقولاته الشهيرة التي أوردها في الكتاب وأصبحت تتناولها الأجيال، جيلا فجيلا ؛ مقولة: 'وعد من لا يملك لمن لا يستحق' في وصفه لوعد وزير الخارجية البريطاني بلفور للزعيم الصهيوني روتشيلد عام 1917 بعد تفنيده لهذا الوعد المشؤوم جملة وتفصيلا. ومن أسباب هذا البطلان والتي أوردها مؤلف الكتاب ذوقان الهنداوي هي : '1- لم تكن فلسطين من أملاك بريطانيا عند إعطاء الوعد. ولهذا فإن بريطانيا منحت اليهود حقوقا في بلاد ليس لهم فيها ملك أوسيادة، فهي قد وهبت للغير ما لم تكن تملكه. 2- لم يكن الوعد إتفاقا دوليا قائما بين دولتين، إنما كان مجرد عطف وأمنية ووعد من جانب واحد فقط. أما الشخص الذي منح له التصريح، اللورد روتشيلد، فلم تكن له أية صفة دولية بل كان شخصا عاديا من وجهاء اليهود. 3-جعل تصريح بلفور أليهود هم الأصل، فتجنب ذكر العرب ونعتهم 'بالطوائف غير اليهودية' مع أن عددهم كان حوالي (650) ألفا في فلسطين عند إعطاء التصريح، بينما لم يتجاوز عدد اليهود (50) ألفا آنذاك. ومما هو جدير بالذكر أن بلفور نفسه حاول أن يتنصل فيما بعد من هذا التناقض المخزي فاعترف بأنه كان يجهل، عندما قام بإصدار تصريحه، أن فلسطين مأهولة بالعرب. بل كان يعتقد أنه متى انسحب الأتراك منها خلت، وأصبحت دون أهل ولا حق لشعب معين فيها، فيكون حينئذ من السهل إنشاء 'الوطن القومي اليهودي' دون أن يؤدي ذلك إلى هضم حقوق شعب آخر. 4- يقضي القانون الدولي بأنه إذا وقع تضارب بين إتفاقيتين دوليتين متتابعتين فليس للإتفاق الجديد أية قيمة حقوقية ويعتبر لاغيا ويعمل بمضمون الإتفاق الأقدم تاريخيا. وعد بلفور جاء بعد سبعة عشر شهرا من إعلان الشريف حسين إطلاق ثورته العربية الكبرى التي قامت على أساس اعتراف بريطانيا باستقلال ووحدة الدول العربية وفي القلب منها فلسطين. فالوعد بذلك يتضارب مع المعاهدة الإنجليزية- العربية التي تمثلت في مراسلات ألحسين- مكماهون والتي سبقت الوعد بعام ونصف. ولهذا فإن الحقوق الدولية تؤيد المعاهدة العربية الإنجليزية وتعتبر وعد بلفور لاغيا. 5-إن عبارة 'الوطن القومي' غامضة ولا تفيد معنا محددا في القانون الدولي، وإنما هو اصطلاح اخترعه الصهيونيون وثبتته بريطانيا... وقد رأينا سابقا أن اليهود لا يملكون خصائص الأمة ذات القومية المتميزة، باستثناء الدين الذين يشتركون فيه... وشتان ما بين الدين والقومية. 6- لم يراع وعد بلفور مبدأ حق تقرير المصير الذي ادعى الحلفاء أنهم كانوا يحاربون من أجله، والذي أقرته عصبة الأمم المتحدة وجعلته مبدأ من مبادئها الأساسية.' تخلد اسم 'الأستاذ' على صفحات هذا الوطن , احب فلسطين واحب الأمة العربيه , وكان نموذجا للخلق والشهامة والاصاله. أثناء تواجده في بيت حنينا، وصل خبر إلى ذوقان من قبل مختار إحدى القرى، مفاده أن الدولة تنوي اعتقاله على خلفية الأحداث السياسية التي كان الأردن يمر بها، وهي ما عرفت بأحداث 'الضباط الأحرار' في نهاية الخمسينيات. اجتمع أهل القرية الذين علموا بالأمر وأخبروه به، فوضعوا كل إمكاناتهم لتجنب عملية الاعتقال. عرض الأهالي على ذوقان الهروب إلى سوريا، مؤكدين تأمين الطريق له، وقد كان اللجوء إلى سوريا في تلك الحقبة شائعا، لكن ذوقان رفض ذلك العرض. بعد ذلك طلب الأهالي من ذوقان أن يصطحبوه إلى مخبأ آمن لا يعلم مكانه أحد. وافق ذوقان على ذلك فأنزلوه في القبيبة لا يتردد عليه سوى شخص واحد وسيط ، فمكث فيها ثلاثة أيام. بعد ذلك ذهب الهنداوي إلى عمان وقام بتسليم نفسه، فأدخل سجن المخابرات في العبدلي والذي قضى فيه ثلاثة وتسعين يوما. كانت أيام السجن عصيبة عليه في بادئها، إذ وضع في زنزانة منفردة ضيقة استمر فيها مدة شهر كامل تحت ظروف منهكة للأعصاب منها : بقاء الكهرباء مضاءة طوال الليل واستدعاء السجناء للتحقيق معهم بعد منتصف الليل وليس خلال ساعات النهار.لكن نتيجة التحقيق فيما بعد أثبتت عدم صحة التهم الموجهة إليه، فتم نقله بعدها إلى زنزانة أكبر من سابقتها فيها عدد من أصدقائه ليتفاجأ فيما بعد بوجود شقيقه الأكبر من بين المعتقلين . وجهت لذوقان تهم ثبت عدم صحتها فيما بعد وأبرزها أنَّه كان عضوا ناشطاً في جماعة 'الضباط الأحرار' وأنه كان ضابط الارتباط بينهم بحكم موقع دار المعلمين الريفية التي كان يرأسها,،كما طلب منه أن يذكر أسماء رفاقه في قيادة حزب البعث المشاركين في تلك الأحداث وفي كافة المستويات التنظيمية وخاصة الدنيا منها, لكنه أعلمهم أنه كان من فئة القيادة العليا لحزب البعث وهم عبدالله الريماوي وعبدالله نعواس ومنيف الرزاز وأمين شقير وسليمان الحديدي حيث كان يعلم أنهم معروفون مسبقا لدى الجهات الأمنية وأنهم جميعا آمنين خارج الأردن لاجئين في سوريا... بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال، أُفرج عنه. في عام ألف وتسعمئة واثنين وستين, عين الهنداوي مديرا لدائرة الشؤون الاجتماعية في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين, مما ساهم في توطيد وتجذير علاقته مع الأهل في فلسطين وتشبعه بقضيتهم العادلة, فسنوات الدراسة وسنوات العمل في فلسطين كلها فضلا عن الخلفية العائلية القومية ساهمت في صقل شخصية ذوقان وتكوين منظومته من المباديء والأخلاقيات.بعدها وفي عام ألف وتسعمئة وأربعة وستين عين الهنداوي ملحقاً ثقافياً في القاهرة، ليعود بعدها إلى عمان ويشغل موقع وكيل وزارة الإعلام في العام نفسه. في عام ألف وتسعمائة وخمسة وستين استدعاه رئيس الوزراء المكلف وصفي التل وقال له :' أنا لا أعرفك شخصيا يا أستاذ ذوقان ولكني أعرف عنك الشيء الكثير... وعندما كلفني جلالة الملك بتشكيل الحكومة قمت بوضع مجموعة من الأسس والمعايير التي أريد اختيار وزرائي على أساسها وهي: النزاهة والاستقامة، وحب الوطن والولاء والإنتماء له، وحب الناس وخدمتهم، والجرأة والشجاعة، والكفاءة والاقتدار... ومما أسمعه وأعرفه عنك فإني أراها جميعا مجتمعة فيك'... اختار وصفي التل ذوقان الهنداوي ليشغل معه منصب وزير الإعلام، وكان الهنداوي في الثامنة والثلاثين من العمر فقط؛ ليكون بذلك أصغر وزير في تاريخ الحكومات الأردنية آنذاك، إذ لم يكن معلوما أو مألوفا حينها بأن يأتي وزير في هذا العمر حيث كان باقي أعضاء الحكومة في العقد الخامس أو السادس من العمر. ارتبط التل والهنداوي بعدها بعلاقة صداقة وثيقة ومتينة... بعد توليه وزارة الإعلام بأشهر قليلة، تعرض الهنداوي لحادث سير مروع في منطقة ثغرة عصفور أثناء عودته من إربد إلى عمان، فأدخل المستشفى في رحلة علاج استمرت ستة أشهر، كانت الثلاثة أشهر الأولى منها صعبة للغاية، حيث كان ممدا خلالها على ظهره ولا يقوى على الحراك, كان التل يعوده يوميا في المستشفى، وأمر بإحضار أمهر الأطباء من ألمانيا لعلاجه... وأثناء تواجد الهنداوي في المستشفى أجرى التل تعديلاً وزارياً على حكومته , وعين ذوقان وزيراً للتربية والتعليم وهو ما زال على سرير الشفاء لا يقوى على الحراك. تولى الهنداوي حقيبة التربية والتعليم أربع عشرة مرة في الفترة الممتدة بين عامي ألف وتسعمئة وخمسة وستين وحتى العام ألف وتسعمئة وثلاثة تسعين، فكان الهم الشاغل له طوال تلك الفترة هو وجوب الإرتقاء و تطوير قطاع التربية والتعليم الذي كان في بداية نشوئه وتكوينه، تطويرا شموليا جذريا، فكانت له عدة استراتيجيات وسياسات جوهرية و مبادرات وانجازات كثيرة ساهمت في تطوير مسيرة التعليم في الأردن وبالتالي المساهمة في النهضة الإجتماعية والإقتصادية الشمولية في المملكة. اتخذ الهنداوي قراراً في منتصف الستينات، عندما كان عدد المدارس في المملكة محدودا جدا، بوجوب فتح صف أو مدرسة لكل تجمع سكاني مكون من عشرة طلاب أو أكثر، فكانت النتيجة أن أصبح في كل حي من أحياء المدن وفي كل قرية و كل مضرب من مضارب البادية والريف مدرسة أساسية واحدة أو أكثر فأصبح التعليم متاحاً للجميع على مختلف طبقاتهم. وفي بداية السبعينات اتخذ الهنداوي قراراً بوجوب تطوير نوعية التعليم، بحيث أصبح التعليم لا يقتصر على التعليم الأكاديمي فحسب بل تشعبت مناهجه وبرامجه لتشمل جميع أنواع المهارات والمعرفة المهنية المختلفة. كان الامتحان العام في نهاية المرحلة الإعدادية ليس ذي قيمة مضافة تذكر وكان يشكل عائقاً رئيسياً في وجه انتقال الطلاب إلى المراحل الدراسية الثانوية بتفرعاتها المختلفة العلمية والأدبية والمهنية، فاتخذ الهنداوي قراراً بإلغاء ذلك الامتحان مما فتح المجال للطلاب على مختلف مستوياتهم في التقدم في دراساتهم وتنوعها. أثناء توليه منصب وزير التربية والتعليم ركز على المعلم، فعمل على إقناع مجلس الوزراء بسن نظام خاص على غرار نظام علاوات الأطباء والمهندسين, لأن رواتب المعلمين لم يكن ينالها التحسن المرضي, وبعد سن هذا النظام تعددت فئات المعلمين الذين يمنحون علاوات خاصة, بحيث شملت جميع المعلمين. كانت تلك العلاوات شمولية، فقد شملت علاوات المكان النائي ومعلم الصف الواحد والإدارة والتخصص الواسع، وذلك من أجل أن تشمل معظم المعلمين ولا تقتصر على فئةٍ ضيقةٍ منهم. نالت هذه العلاوات الشمولية تقدير كافة المعلمين في المملكة وساهمت بتحقيق رضاهم وبالتالي تحفيزهم والإرتقاء بأدائهم اتجاه طلابهم. كانت المباني المدرسية في ذلك الوقت مبانٍ متواضعة فقيرة، لا تستحق أن تسمى مدارس في مجملها. إستطاع الهنداوي أن يحصل على منح ضخمة و قروض ميسرة من دول مانحة و تجمعات بنكية وعلى مر عقود لبناء المدارس والمرافق الحديثة في مختلف أنحاء المملكة وبخاصة في قراها وأريافها وباديتها، بحيث أصبح لكل تجمع سكاني فيه أكثر من عشرة طلاب مدرسة خاصة بهم. ألنهضة التعليمية الهائلة التي تمكنت المؤسسة التربوية والتعليمية بكافة العاملين فيها من تحقيقها وعبر ثلاثة عقود من الزمن منذ أواسط الستينات وحتى أواسط التسعينيات ساهمت وبشكل كبير في الإرتقاء بأداء هذا القطاع ليصبح الأردن من الدول الطليعة بين دول العالم في عدد المتعلمين نسبة لعدد السكان والأول عليها في العديد من المؤشرات التربوية والتعليمية فيما يتعلق بمستوى التعليم ونوعيته في التخصصات المختلفة. هذه القفزة التعليمية في بلد محدود الموارد ساهمت بشكل كبير بدفع عجلة التنمية الإقتصادية والإجتماعية في المملكة، بالأضافة لذلك، فإن الأعداد الكبيرة من التربويين والمعلمين الذين تم ابتعاثهم للعديد من الدول العربية الشقيقة خلال تلك الفترة، وعلى الأخص إلى دول الخليج العربي، ساهموا مساهمة مباشرة وفاعلة في إحداث نهضة تعليمية في تلك الدول ساهمت بنهضة وتنمية تلك الدول لتصل إلى ما وصلت إليه من حضارة وازدهار . ويشهد العالم بأسره لكفاءة واقتدار العاملين الأردنيين الذين يعملون في شتى أصقاع المعمورة، وكل ذلك بفضل الجهود الدؤوبة والمضنية والمتواصلة التي بذلها الهنداوي ورفاقه في القطاع التربوي على مر عقود. خدم الهنداوي سفيرا فوق العادة في دول عربية هامة وفي مراحل حرجة من تاريخ الوطن والأمة، حيث خدم في الكويت عام 1971 بعد أحداث أيلول المؤسفة وهي البلد ذات الجالية الأردنية الأكبر من أصول فلسطينية حيث استقبلته الجالية هناك بالترحاب لما عرف عن قوميته وعشقه للقضية الفلسطينية. كما خدم سفيرا فوق العادة في جمهورية مصر العربية عام 1977 قبيل توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، حيث أشارت مخاطباته للقيادة الأردنية آنذاك عن اتصالاته مع المسؤولين المصريين، وشعوره بوجود توجه لدى القيادة المصرية بهذا الشأن. ومن جمله الشهيرة التي قالها في مطار عمان الدولي بعد عودته إثر قطع العلاقات الأردنية المصرية بعد توقيع معاهدة السلام: 'إنه لمن المؤسف أن تودع أم العروبة سفراء أخوتها لتستقبل سفير أعدائها' أما الحكومات التي شغل فيها ذوقان الهنداوي الوزارة على مدى ثلاثة عقود فكانت: حكومة الرئيس وصفي التل , إذ شغل فيها وزارتي الإعلام والتربية والتعليم , حكومة الشريف حسين بن ناصر الثانية فقد شغل فيها منصب وزير التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية وحكومة الرئيس سعد جمعة الأولى والثانية فقد شغل فيها وزارة التربية والتعليم ,كما شغل المنصب نفسه في حكومة السيد عبد المنعم الرفاعي وحكومة بهجت التلهوني الخامسة والسادسة وحكومة عبد المنعم الرفاعي الثانية وحكومة زيد الرفاعي الثانية والثالثة وحكومة السيد مضر بدران الأولى والرابعة وحكومة زيد الرفاعي الخامسة وحكومة الشريف زيد بن شاكر الثانية وحكومة الدكتورعبد السلام المجالي الثانية . كما شغل منصب وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء ووزارة المالية في حكومة السيد زيد الرفاعي الأولى ونائبا لرئيس الوزراء في حكومة الشريف زيد بن شاكر الثانية , ونائبا لرئيس الوزراء في حكومة الدكتور عبد السلام المجالي الثانية. مثل الهنداوي الأردن في كثير من المحافل الدولية ومنها مشاركته الفاعلة في فعاليات منظمة اليونسكو انطلاقا من مكانته التربوية الرفيعة، ورغم إشادته بما حققته منظمة اليونسكو في ذلك الوقت من إنجاز، إلا أنه قدم الكثير من الملاحظات حول أدائها وخططها, مشيراً إلى ضرورة تحمل المنظمة الدولية مسؤوليتها في المحافظة على الأماكن المقدسة والتراث الإسلامي والمسيحي الإنساني في القدس المحتلة ضد حملة الإستيطان والتهويد التي تقوم بها سلطات الإحتلال الإسرائيلي. كما كان يطالب بالتركيز على الجانب الإبداعي في العملية التربوية، والتركيز أيضاً على الجوانب الإجتماعية. هذا بالإضافة لعضوية الهنداوي في مجمع اللغة العربية والهيئة الإدارية للموسوعة الفلسطينية. في عام 1986 اندلعت أحداث، كانت هي الأولى من نوعها في المملكة، إنتفاضة مجموعة كبيرة من طلبة جامعة اليرموك تلاها دخول لقوات الأمن الحرم الجامعي ووفاة ثلاثة من الطلبة. كان الحادث غريبا على المجتمع الأردني وكان له أثر سلبي كبير داخل المملكة وخارجها، وقوبلت بامتعاض واستنكار وانتقاد شعبي ودولي واسع. كان لا بد من إجراء تحقيق واسع ذي مصداقية ، يوضح الحقائق كما هي دون تجميل، وفي نفس الوقت يحظى بثقة الشعب، وبالتالي يساهم في تهدئة الحنق الشعبي عما جرى، فاختير الهنداوي لرئاسة لجنة التحقيق بأحداث جامعة اليرموك لما عرف عنه من مصداقية وموضوعية ونيله لثقة الشعب. حققت اللجنة بالأحداث بكافة تفصيلاتها وقابلت كافة من كان له علاقة في الموضوع سواء من إدارة الجامعة أو الطلبة المتظاهرين أو قوات الأمن، وخرجت بتقرير شجاع ومتوازن حمل المسؤولية لكل طرف ساهم في الحدث. حملها لإدارة الجامعة لعدم قدرتها على إدارة طلبتها، وإغلاق الأبواب أمامهم وعدم الاستماع لهم والاستجابة لطلباتهم المشروعة قبل انتفاضتهم، كما حملها لقوات الأمن لدخولها للحرم الجامعي، واستخدامها للقوة المفرطة، ووضعها أيضا على مجموعة من الطلبة الذين قاموا بتجيش باقي الطلبة وتشجيعهم على الشغب، وتخريب ممتلكات الجامعة، والعنف اتجاه قوات الأمن. وقد لاقى تقرير اللجنة برئاسة الهنداوي استحسانا شعبيا واسعا لموضوعيته وتوازنه. وبناء على توصيات اللجنة، قامت الحكومة باتخاذ إجراءات فورية وحازمة بحق كافة المقصرين والمساهمين في الأحداث بشكل مباشر وغير مباشر، مما ساهم في إنهاء حالة الاحتقان الشعبي. في عام 1989 اندلعت ما عرفت ب'هبة نيسان'، ثورة شعبية ابتدأت في معان في جنوب المملكة وامتدت لعدة مدن أخرى. سببها الرئيس كانت السياسات الاقتصادية ورفع أسعار المحروقات. كان جلالة المغفور له الحسين بن طلال طيب الله ثراه ورئيس الحكومة آنذاك زيد الرفاعي خارج المملكة في زيارة رسمية، فقاد الهنداوي الذي كان يشغل رئيس الوزراء يالوكالة إدارة الأزمة، فذهب إلى الجنوب واستقر فيه طوال فترة الأزمة. قابل شيوخ العشائر والوجهاء والناشطين فيها ، ونجح في تهدئة الوضع لما له من احترام وتقدير من قبلهم، فهدأت الأمور وعادت المياه إلى مجاريها. قدر المغفور له الحسين طيب الله ثراه ما فعله الهنداوي في المحافظة على أمن الوطن واستقراره. وفور عودته أقال حكومة الرفاعي وبأسلوب عنيف وغير مألوف، وعين الهنداوي رئيسا للديوان الملكي الهاشمي العامر تقديرا لإنجازاته الكثيرة في بناء الوطن على مر عقود بوجه عام، وإدارته الناجعة لأزمة الجنوب على وجه الخصوص بالإضافة للثقة الشعبية به و لما عرف عنه من قدرته على مساعدة الناس وإيصال همومهم وشكاويهم. كان العنوان الرئيس للمرحلة التي ترأس فيها الهنداوي رئاسة الديوان الملكي الهاشمي العامر هو إعادة إحياء الحياة النيابية وإجراء الانتخابات، بعد توقف دام أكثر من عشرين عاما على إثر نكبة 1967. أجرى المغفور له الحسين اجتماعا ضم رئيس الوزراء الأمير زيد بن شاكر ورئيس الديوان الملكي الهنداوي ووزير الداخلية سالم مساعدة ورئيس المخابرات العامة. وكان موضوع الاجتماع مناقشة قانون الانتخاب. كان هناك توجه من بعض الحضور بتفعيل المادة 18 من القانون والتي تحظر على أي منتسب للأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات. طلب المغفور له الاستماع لرأي الهنداوي والذي عارض بشدة هذا التوجة. وأوضح أن المرحلة مفصلية وحساسة في تاريخ الوطن، ويجب أن تدار وتنفذ بالشكل الصحيح ووفق الأسس والمعايير التي تضمن القبول والمشاركة الشعبية في العملية، وإلا فقدت العملية برمتها مصداقيتها وفشلت في تحقيق الأهداف المرجوة منها، وأضاف بأن الأحزاب السياسية من أقصى الطيف السياسي لأقصاها ومنتسبيها إنما هم جزء من النسيج الوطني ويحق لهم المشاركة كغيرهم من أبناء الوطن. تبنى الحسين رأي الهنداوي وأصدر إرادته بتجميد العمل بالمادة 18 وأن يسمح لأي أردني بغض النظر عن توجهاته أو انتماءاته السياسية أو الحزبية المشاركة فيها. فأجريت الانتخابات، ولاقت قبولا وطنيا ودوليا واسعا، وكانت عنوانا في النزاهة يستشهد فيها ليومنا هذا. علاقة المغفور له الحسين مع الهنداوي كانت عميقة وتعود للوراء لعقود مضت عندما كان الاثنان في مقتبل العمر، ولكنها توطدت وتجذرت خلال فترة عمل الهنداوي كرئيس للديوان الملكي العامر بحكم قربهما و تواصلهما والتقاءهما اليومي لمناقشة أمور الوطن، ومرافقة الهنداوي للمغفور له في كافة جولاته واجتماعاته الدولية الخارجية آنذاك ومنها مشاركته في الوفد الأردني الذي ترأسه جلالة المغفور له الحسين في قمة التعاون العربي التي ضمت مصر والعراق واليمن إضافة للأردن. قناعة الهنداوي بأهمية المرحلة وحساسيتها دفع الهنداوي لرفع استقالته لجلالة الملك ليترك رئاسة الديوان الملكي حتى يخوض الانتخابات النيابية العامة، ويمثل الوطن والشعب في المجلس النيابي الحادي عشر خير تمثيل. قبل جلالة الملك الحسين بن طلال استقالة الهنداوي، ووجه له رسالة مثمنا خصائله الحميدة من الصدق والاستقامة والنزاهة، وعمله المخلص والدؤوب وإنجازاته الوطنية على مر عقود. خاض الهنداوي غمار الانتخابات النيابية عام 1989 , وهي الانتخابات التي عرفت بنزاهتها وشفافيتها، واستطاعت العديد من التيارات السياسية الوصول إلى قبة البرلمان, كان النجاح حليف ذوقان الهنداوي , فأصبح عضوا في المجلس النيابي الحادي عشر ، والذي جاء بعد انقطاع نيابي دام لأكثر من عشرين عاما. كان أداء الهنداوي في المجلس متميزا ومثل وطنه وشعبه خير تمثيل. كان يحظى بالاحترام والتقدير الأكبر والرأي الأرجح. كان ينظر له كشيخ النواب وعميدهم، مسلحا بعلم ومعرفة وخبرة لا يوازيها مثيل داخل المجلس أو الحكومة على حد سواء. كان الشعب وبقية النواب والحكومة تنتظر كلماته و مواقفه. عندما كان يتحدث، كان الجميع ينصت وينتظر ما سيقول وما سيكون موقفه من القضايا المختلفة المطروحة. ويسجل له التاريخ العديد من المواقف الوطنية المشهودة ومنها حجبه المعلن للثقة عن حكومة السيد مضر بدران والذي لاقى استحسانا وتقديرا لدى قطاعات واسعة من الشعب. انتقد الهنداوي، في كلمته الشهيرة التي ألقتها تحت القبة، الحكومة على عدم إفصاحها على أرقام المديونية الخارجية في البيان الوزاري، حتى يتسنى لزملائه وللشعب الأردني الاطلاع على الواقع الإقتصادي الهش للدولة. أراد الهنداوي في كلمته أن يكشف خطأ السياسة الحكومية، التي تعتمد على القروض ورفع الأسعار بشكل أساسي لحل المشاكل الإقتصادية، منتقداً برنامج الجكومة بسبب توسعه في الاستدانة لحل كل ذلك. ولقناعات الهنداوي بعدم قدرة الحكومة على النهوض بمسؤوليتها في حل كل المشاكل التي يعاني منها الوطن، حجب الهنداوي ثقته عن تلك الحكومة. جمع الهنداوي أثناء تواجده في هذا المجلس بين النيابة والوزارة , فكان نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للتربية والتعليم في حكومة الأمير زيد بن شاكر. في أواسط التسعينيات كلف المغفور له الحسين الوزير السابق و رئيس الوفد الأردني المفاوض مع إسرائيل ، الدكتور عبد السلام المجالي ، بتشكيل الحكومة الأردنية، وكان جليا بأن الأمور تسير باتجاه توقيع معاهدة سلام أردنية إسرائيلية. احتاجت الحكومة لحد مقبول من الثقة الشعبية لتمكينها من القيام بذلك، فعرض المجالي على الهنداوي، والذي كانت تربطهما علاقة زمالة قوية تعود لأواخر الستينيات، الدخول في الحكومة كنائب للرئيس وألح في طلبه، لكن الهنداوي اعتذر لرؤيته إلى ما ستؤول إله الأمور، وعدم قناعته بجدوى و صحة النهج والطريق. فمضى المجالي بتشكيل حكومته. واجهت الحكومة المشاكل لشهور، فأراد المجالي تعديلها فأعاد العرض على الهنداوي والإلحاح فيه، وأعاد الهنداوي الاعتذار والتشدد فيه. في حزيران عام 1994 ونتيجة لتدخل مباشر من جلالة المغفور له الحسين، امتثل الهنداوي للرغبة الملكية السامية وشارك في الحكومة كنائب للرئيس وعلى الرغم من عدم قناعته وشعوره بالضيق الكبير من المشاركة بهذه الحكومة والتي نظر لها البعض بأنها أصبحت برأسين، إحداهما للخارج والآخر للداخل. بعد أربعة شهور من دخوله الوزارة، وقعت الحكومة الأردنية مع إسرائيل وبشكل مفاجيء معاهدة سلام والمعروفة باسم اتفاقية وادي عربة، وكان ذلك في شهر أكتوبر بعد حوالي أسبوع من توقيع السلطة الفلسطينية لاتفاق أوسلو. وهو ما وجده الهنداوي غير مقبول و مخالفا لقناعاته المبدئية حول الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة في ضوء عدم إعادة الحق الفلسطيني كاملا لأهله في الأرض والسيادة واللاجئين والقدس، وعلى الرغم من توقيع السلطة الفلسطينية لاتفاق أوسلو والتي شكلت من منظور الهنداوي بداية لطريق طويل شائك، وليس نهاية له بما يبرر اتفاقية السلام الأردنية. وأثناء مناقشة دارت في مجلس الوزراء حول معاهدة وادي عربة وتحديدا في الثالث من كانون الأول عام أربعة وتسعين , اختلف الوزراء في نقاشهم حولها، مؤكدا الهنداوي بضرورة إطلاع المجلس، وكافة الوزراء على كل الحقائق قبل توقيع المعاهدة، وعدم تقبل الظروف الضبابية الملتبسة التي تخللت توقيع المعاهدة ,وتكتم قيادة الحكومة على بعض تفاصيلها. وأضاف الهنداوي أن الحكومة وعدت الشعب بالسمن والعسل، فأين هو هذا السمن وهذا العسل، وخاصة في ضوء النتائج المخيبة للآمال لزيارة الوفد الاقتصادي برئاسة الأمير الحسن للاتحاد الأوروبي. فكأنما أعطى الأردن كل شيء مقابل القليل القليل. وعلى ضوء تلك المناقشات وجد الهنداوي نفسه غير قادرٍ على الاستمرار بالمشاركة في الحكم، فقدم استقالته شديدة اللهجة بعد انتهاء الجلسة، والتي عزاها إلى 'ضبابية النهج' و'عبثية الحكم' وأرسلها للرئيس عن طريق الفاكس . كان دوي استقالة الهنداوي عاليا وشكلت حرجا كبيرا للحكومة,،لأسباب عدة أبرزها أنها جاءت في وقت كان الغضب الشعبي في أوجه بسبب توقيع اتفافية وادي عربة، وبسبب موقع الهنداوي الهام فيها والتخوف من تقديم استقالات أخرى من قبل بعض وزرائها. تناولت الصحافة خبر استقالة الهنداوي بشكل واسع, معتبرة تلك الخطوة إيذاناً لرحيل الحكومة. استمر الهنداوي في عمله عضوا في مجلس الأعيان ونائبا لرئيس المجلس ومقررا للجنة الشؤون الخارجية حتى عام 2001 وكان مرجعا معرفيا وقانونيا يعتد به ويؤخذ برأيه ومشورته ونصحه عند مناقشة مشاريع القوانين وعلى الأخص الحساس والخلافي منها على المستوى الوطني والخارجي على حد سواء. تقلد الهنداوي الكثير من الأوسمة الرفيعة تقديراً لجهوده التي بذلها في خدمة وطنه وأمته , منها: وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى , ووسام التربية الممتاز , ووسام الإستقلال الأردني, ووسام الحسين بن علي , ووشاح الملك عبدالعزيز آل سعود/ من المملكة العريبة السعودية , ووسام الجمهورية من الدرجة الأولى/ من جمهورية مصر العربية , ووسام الإستحقاق السوري من الدرجة الممتازة / من الجمهورية العربية السورية , ووسام الجمهورية التونسية من الصنف الأول / من جمهورية تونس , وأوسمة أخرى رفيعة المستوى من كل من المانيا وفرنسا واليونان والباكستان والفاتيكان. كان الهندواي بشوشا دائما لا تفارق الابتسامة محيَّاه مهما كانت الظروف، ومهما كانت الصعاب، إلا أن هذه الابتسامة خبت ولم يستطع أن يحتبس دمعه الحزن في المآقي عند وفاة قائده ورفيق دربه الحسين العظيم عام 1999. أمَّ الديوان الملكي الآلاف من الملوك والرؤساء والأمراء والوفود الرسمية والشعبية للمشاركة في مراسم تشييع جثمان الراحل الكبير وعلى رأسهم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم وسمو الأمير محمد وسمو الأمير الحسن. وقفوا جميعا ليلقوا نظرة الوداع الأخيرة للراحل العظيم ... فكانت لقطة هي أبلغ من ألف كلمة... وعلى الرغم من كثرة الألقاب التي حملها في حياته المعطاءة بعد تبوئه العديد من المناصب الرفيعة، إلا أن لقب 'الأستاذ' كان الأقرب إلى نفسه والأحب إليها. وكانت إنسانيته وتواضعه وحبه الجم والصادق للناس وخدمته لهم هي أبرز ما يميزه من خصال. للكثيرين كان الأستاذ ذوقان الهنداوي ربيعا لليتامى وعصمة للاردنيات والقصص والشواهد على ذلك كثيرة وكثيرة وعلى مر عقود من الزمن. واحدة منها هي شهادة حية أدلت بها الحاجة تمام الزيود' أم محمد ' من سكان بطيمة في محافظة المفرق إذ تقول فيها: 'في عام 1969 نجح ابني أحمد عواد الزيود في الثانوية العامة الفرع العلمي، وأبى أن يدرس داخل البلاد، وأصرَّ على الدراسة خارج البلاد، وكانت ظروفنا المادية مثل باقي الأردنيين الفقراء، لا تسمح بالدراسة لا داخل البلاد ولا خارجها ، وأنا أرملة ، حيث توفي أبو الأولاد وتركني وأطفالي لله، ـ ويا نعم بالله ـ نعاني شظف الحياة، ورزقنا يوم بيوم ، نعتاش من بضعة شياة عجاف، وشمرتُ عن ساعد الجد لتربية أطفالي ، وأدخلتهم المدارس جميعهم ولقبوني أهل أم بطيمة ب ' الحوتة '، وهذا المهندس ابني أحمد الذي أسرد قصته لكم. فقد حاولت مرات ومرات أن أقنعه بالدراسة داخل البلاد وأشرح له ظروفنا المادية الصعبة ولم يستجب ، حتى كاد الوقت أن يمضي،، فضاقت الدنيا في عيني ، واحتار دليلي ، فقصدت بعض الوجهاء والشيوخ ، ولم أجد عندهم أية مساعدة واعتذروا لي بشتى الأعذار، واستمر أحمد في عناده ، ولم استطع ثنيه عن رغبته بالدراسة في الخارج ، فأشار عليَّ بعض أهل الصلاح أن أذهب إلى الأستاذ ذوقان الهنداوي (أبو محمد)، وحزمت أمري بالذهاب من قريتي أم بطيمة الواقعة بين المفرق وجرش إلى العاصمة عمان إلى بيت أبي محمد، ووصلته مبكرا قبل أن يغادره إلى الوزارة، حيث كان وزيرا للتربية والتعليم آنذاك ، وكان برفقتي ولدي الصغير جهاد وهو الآن معلم كيمياء في مدارس وزارة التربية والتعليم. استُقبلنا استقبالا طيبا للغاية ، وانتظرت قليلا في مضافة المنزل، و لحظات وإذا بمعالي أبو محمد يخرج علينا بهيبته المعروفة ، هيبة الشيوخ ، رجل كريم أبيُّ وضيء الوجه، طيب القسمات بشوشا ، فرحَّب بنا أجمل ترحيب، وقال لي أنت أختي بالله وهذا أحمد مثل أولادي، ولن أقصر معه إن شاء الله في شيء أستطيعه على الرغم من استنفاد البعثات الدراسية الخارجية ؛ لأن الوقت متأخر وقد بدأت الدراسة في الجامعات . فقام معالي أبو محمد بكتابة رسالة إلى مسؤول البعثات الخارجية في الوزارة، وطلب من السائق أن يوصلني للوزارة ؛لأنه سيذهب هو إلى مكان آخر ، ووصلت الوزارة في بداية الدوام ، ودخلت على الشخص المعني ، فقرأ الرسالة ، وقال لي : أهلا بالحامل والمحمول، وقال انتظري الخبر بعيد الظهر، فعسى الله أن ياتي بالفرج القريب، فذهب كما علمت لزيارة سفارات بعض الدول الصديقة التي لها علاقات ثقافية مع الأردن طالبا مزيد من البعثات الدراسية بأمر من الوزير بالرغم من تأخر الوقت وبدء الدراسة الفعلية في الجامعات. قبيل الظهر عاد إلى المكتب وقابلني وقال أبشري بالخير، وكلَّم بعد ذلك معالي الأستاذ ذوقان ، وأخبره بتحصيله بعثة دراسية لأحمد في الهندسة إلى رومانيا، وكانت البعثات قليلة آنذاك ، وطلب مني تجهيز أحمد للسفر بعد ثلاثة أيام ، ثم حظر السائق وأصر عليَّ أن أعود إلى بيت الأستاذ ذوقان بطلب منه لتناول طعام الغداء، وعدّت ،ووجدت العزيزة أم محمد بانتظاري، وتناولنا طعام الغداء، وكانت أم محمد تداعب ابني الصغير جهاد وتقول لي: ما رأيك أن يبقى جهاد عندي في عمان ويقرأ في مدارسها ، وكان اليوم قد اعصر، ثم أحضر لنا سيارة تقلنا إلى جرش ، وودعنا من قبل الجميع بأجمل ما يكون الكرم والضيافة ، وكنت في الطريق ألاحظ ابني جهاد وهو يحاول أن يحك ظهره، فقلت ربما من الملابس الخشنة التي كان يرتديها، فلم أكترث كثيرا من الفرحة التي كنت بها، وعندما وصلت البيت حاولت أن أعرف السبب، فنزعت ملابس الطفل، وإذ بي أجد مبلغا كبيرا من المال يبلغ مائتي دينار، وهذا مبلغ عظيم آنذاك (في عام 69) كانت قد خبأته أم محمد في ملابس الطفل حتى لاتحرجني ، فقضيت الليل أبكي وأدعو لهذا البيت الكبير وأهله ـ بيت الكرم والأخلاق ـ بالخير ودوام العز وطول البقاء... رحمهما الله' في 2 تموز عام 2005 اختار الله عزَّ وجل ذوقان الهنداوي إلى جواره، فأغمض 'الأستاذ' عينيه وانتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها بعد ثمانية وسبعين عاما أمضاها في بناء الوطن وخدمته الصادقة لقيادته وشعبه بكل استقامة وأمانة وإخلاص. وتكريما له ولجهوده وانجازاته اللا محدودة في بناء الوطن، فقد أمر جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين المعظم بأن يدفن فقيد الأردن الكبير ذوقان الهنداوي في المقابر الملكية قريبا من قائده ورفيق دربه الحسين العظيم... كما كرمت محافظات المملكة الراحل الكبير الهنداوي بأن أطلقت اسمه الطاهر على العديد من المدارس والميادين الكبرى في المملكة. رحم الله فقيد الوطن والأمة الأستاذ ذوقان الهنداوي.... وجزاه عن وطننا وعنا كل خير.... ستبقى سيرته العطرة وصفاته وخصاله الحميدة من نظافة اليد والاستقامة والإخلاص والتفاني في العمل، والتواضع والبشاشة وحب الناس وخدمتهم وحسن التعامل معهم نبراسا يضيء الطريق لأجيال قادمة... وستبقى ذكراه حية بين الأردنيين الذين سيبقون يتذكرون رجالات عظيمة قدمت للوطن الكثير في وقت لم تنتظر أن يقدم الوطن لها أي شيء... رجالٌ إذا الدنيا دجتْ أشرقت بهم وإن أجدبتْ يوماً، بهم نزل القـــــــــطرُ أقاموا بظهر الأرض فاخضرَّ عودُها وحلّوا ببطن الأرض فاستوحش الظهرُ |
| | | | معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |