.... تابع
” الأمن القومي الإسرائيلي نظريات ومستوياته ”
الفصل الخامس
الثابت والمتغير في نظريات الأمن القومي الإسرائيلي
أولاً: الثابت
إن القاعدة الأساسية لمجموع نظريات الأمن القومي الإسرائيلي تستند على المبادئ التالية:-
جعل الخيارات العسكرية والسياسية القائمة أمام إسرائيل في ازدياد.
تحديث القدرة العسكرية والاحتفاظ بحالة التفوق تسليحاً وتنظيماً.
الحفاظ على القوة الذاتية، وخاصة التعبوية إلى أقصى حد.
استغلال الموارد بفاعلية.
القوات الأكثر قابلية للحركة تكون قادرة على حشد اكبر في نقطة الحسم.
تحسين إصابة الهدف، بهدف تحقيق اكبر عدد من الإصابات بالعدد نفسه من القذائف لحل إشكالية “النوعية مقابل الكمية”.
ولتحقيق أقصى قدر ممكن في القدرات النوعية بما يخدم الفكر الاستراتيجي في المدلول العملياتي، يمتد ذلك التحقيق في المجالات التالية الثابتة:-
القدرة على تعبئة الطاقة البشرية تسليحاً وتنظيماً.
القدرة على تعبئة الموارد المالية.
المستوى التكنولوجي.
الخبرة المهنية.
الفعالية التنظيمية.
المرونة العملياتية في ميدان القتال.
ويشدد الإستراتيجيون الإسرائيليون على بناء الجيش الإسرائيلي، وإعداده المستمر لخوض حرب قادمة، ولهذا تبقى الثوابت الأساسية التالية في إطار نظريات الأمن القومي لإسرائيل -الاعتماد على الدعم الأمريكي وزيادته لدعم الأمن الإسرائيلي وقد وصلت تلك المساعدات إلى ذروتها عندما قفزت من 1.7% مليار دولار إلى 1.8 مليار عام 85/86. إضافة إلى 1.2 مليار هبة، ثم جاءت القفزة الرهيبة في تلك المساعدات عام 1999 إلى 2.1 مليار مساعدات عسكرية و 1.4 مليار كهبة، بالإضافة إلى ما يسمى المساعدات العاجلة مثل منح 40 طائرة أباتشي قتالية لإسرائيل عام 2001 ليتم استخدامها ضد الانتفاضة الفلسطينية.
إضافةً إلى ذلك طور الخبراء الإستراتيجيون الإسرائيليون علاقاتهم الأمنية مع الولايات المتحدة وبناءً على نظرية أمنية محددة، بلغت حد توقيع ما يسمى “التفاهم الاستراتيجي” حول القضايا المرتبطة بالشرق الأوسط، حيث أصبحت إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة ذخراً استراتيجياً، وهذا برز في مدى التطوير العسكري النوعي.لإسرائيل.
– التمسك بجميع النظريات الأمنية – التي ورد ذكرها – والعسكرية (وهذا برز في حرب إسرائيل ضد انتفاضة الأقصى من خلال نظرية الضربة الاستباقية التي أخذت مسمى جديد “الدفاع النشيط” ، بما يتناسب مع الظرف الإقليمي والدولي من جهة وساحة المعركة ونوعيتها، من جهة أخرى.
ثانياً: المتغير:
لقد لعبت العديد من المتغيرات والأحداث الداخلية والخارجية الإسرائيلية دوراً مهما في بعض المتغيرات الأمنية والعسكرية في نظريات الأمن القومي الإسرائيلي، بهدف استغلالها كفرص استراتيجية زمنية لرفع وتيرة القوة العسكرية الإسرائيلية، وبما يتناسب مع المبادئ والمفاهيم العسكرية والأمنية لكل نظرية من نظريات الأمن الإسرائيلي، وفي الإطار الغير مسموح بالخروج عنه لهذه النظريات.
العوامل التي أثرت كمتغيرات:
رفع المستوى العسكري للجيوش العربية كماً ونوعاً مما دفع إسرائيل ان تستمر في تطبيق نظرية “الحرب الوقائية” كنظرية ثابتة، وظهر هذا المستوى في ازدياد تعداد الفرق خلال المرحلة السابقة،حيث ازداد الفرق السورية بنسبة 50% والمصرية 20% والفرق العربية بنسبة30%.
المنافسة في مجال الأسلحة التقليدية.
تقلص “العمق الإستراتيجي” بعدما أصبحت الأطراف العربية تمتلك صواريخ “ارض ارض” يمكنها أن تصل إلى المراكز الحيوية في إسرائيل.
المسيرة السلمية مع مصر، أثرت كمتغير في نظريات الأمن القومي الإسرائيلي التي تتعلق “بالحدود الأمنية والمجال الحيوي” حيث جاءت اتفاقية السلام عام 1979، كعامل حاسم في التأكيد على انه تم التوصل إلى سلام مع اكبر دولة عربية، حيث تفتقد الجبهة العربية ضد إسرائيل، جزء هام وصعب.
ورغم هذه المسيرة السلمية إلا أنها لم تلعب دورها كاملاً على صعيدين:
أ) إن المسيرة السلمية لم يليها توقيع اتفاقيات سياسية مع دول أخرى باستثناء الأردن.
ب) شهدت المسيرة فترة ازدهار قصيرة، وبدأ الجمود فيها اثر تطبيق القانون الإسرائيلي على هضبة الجولان عام 1981، الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982
مما زاد الأمر تعقيداً في هذه المسيرة هي “انتفاضة الأقصى” حيث انعكس على المستوى الشعبي المصري من جهة أخرى، وبدأت إسرائيل تنظر إلى مصر “كمهدد استراتيجي جديد – قديم”.
– الحرب العراقية – الإيرانية، غيرت من ميزان الصراع وتوازن القوى في الشرق الأوسط.
– التدخل السوري في لبنان وتورط سوريا استنزف مواردها وطاقاتها حيث أعطى السوريين أهمية أولى لصراعات لبنان الداخلية خلال الفترة الواقعة بين عام 1976 و 1985، حيث احتفظ السوريون بثلث إلى نصف جيشهم تقريباً في لبنان، مما أدى إلى مهلة زمنية مهمة من التحول الاستراتيجي في الأبعاد العسكرية والأمنية لإسرائيل.
– عامل انهيار التحالف بين العراق وسوريا الذي نشأ بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية.
– تفكك الجبهة العربية، وبروز المصالح المتناقضة للدول العربية، واصبح التعاون بين بعضها شبه مستحيل وخاصة على صعيد الائتلاف أو التكتل ضد إسرائيل.
– حرب الخليج الثانية ( بعد اجتياح العراق للكويت ) وخوض الصراع المسلح بين الدول العربية.
– العوامل الاقتصادية، حيث لعبت التحولات الاقتصادية دوراً في المقدرة العسكرية. وهذه المقدرة التي تعتبر عنصراً هاماً من عناصر الاستقرار و إمكانيات شراء الأسلحة للدول العربية بسبب ارتباطها بالنفط مما لها اثر بالغ في مجال شراء الأسلحة وتعزيز القدرات العربية.
ما هو تأثير الانتقال من نظام الأسلحة الشرقية إلى نظام الأسلحة الغربية الذي يجري في الجيوش العربية، على ميزان القوى بينها وبين الجيش الإسرائيلي، كعامل متغير؟
إن “لانير” يرى بان هذا التأثير يرتكز على فرضيتين ينبغي عدم القبول بهما على علاتهما من دون طرح علامات استفهام حولهما..” تتعلق علامة الاستفهام الأولى بالفرضية القائلة، انه كلما تزود الجيش بأسلحة اكثر إحكاماً وتقدماً ازدادت قوته .
ويرى “لانير” إن الزعم بتفوق الأسلحة الغربية على الأسلحة الشرقية “صحيح جزئياً” ، كما إن التكهن بوجود توافق واضح بين التحسين في تطوير أنظمة الأسلحة المحكمة، وبين التحسين في القوة، يعتبر أيضاً تكهناً غير صحيح في جميع المجالات” فالجيوش العربية سوف تواجه في هذا المجال مشكلات خطيرة في صيانة الأسلحة المتطورة الغربية لان صيانتها تعتمد على أسلوب المجمعات أي ينبغي استبدال المجمع كله لدى تعيين العطل في أحد مكوناته
ويرى “لانير” من الخطأ تفحص القوة التي يوفرها نظام سلاح جديد لدى وضعة في الخدمة، فالمهم ما مدى قوة هذا السلاح بعد مضي وقت، في هذا الموضوع يرتسم منحنى ملفت للانتباه، حيث يحدث انخفاض كبير في مصداقية السلاح، ومستوى جاهزيته بعد فترة قصيرة من التعلم على تشغيله، ويكون هذا الانخفاض اكثر حدة كلما كان السلاح اكثر تعقيداً وتطوراً، وفي هذا المجال تتميز إسرائيل بميزة مهمة، وهي إدخال تحسينات وتعديلات على الأنظمة التي تشتريها لتلائم حاجاتها، ولتحسين أداء هذه الانظمة، وفي بعض الأحيان يتم ذلك بواسطة تبديل قطع اكثر تطوراً، لكنها تعاني من مشكلات مصداقية خطرة بقطعة أخرى، اقل تطوراً لكنها اكثر مصداقية.
ويرفض تسفي لاينر” الافتراض القائل، بأنه كلما كانت أنظمة الأسلحة اكثر تطوراً تقلصت متطلباتها من الجندي لاكتشاف الخبرة المحلية والمهنية والشجاعة والتشبث بالأهداف، وبالتالي فان من شان هذه الأسلحة أن يقلص إلى حد بعيد الأهمية النسبية للتفوق على صعيد نوعية الطاقة البشرية، أن نوعية الطاقة البشرية ستزداد أهميتها، كما إن عدد المهمات والتحديات التي سيضطر المقاتل للتصدي لها في ميدان القتال قد ازداد كلما ازداد عدد التهديدات وفعالياتهاـ وازداد عدد الأنظمة المسلحة الموضوعة تحت تصرف الوحدة المقاتلة، وكل هذا مفروض أن يحدث في ميدان قتال يكون فيه “غلاف القتال” اكبر حجماً وحيث يتحرك ويتغير كل شيء فيه بسرعة اكبر، ومعنى هذا ان عدد الساعات التي يحتاج إليها المقاتل ليصبح في حالة تأهب قتالي اخذ في الازدياد، مع كل ما يترتب على ذلك من توتر، كما إن ثورة أجهزة الرقابة والسيطرة والإشارة والاستخبارات تلقى عبئاً على عاتق الضباط في مستوى الرتب المتوسطة والدنيا، لأنه يترتب عليهم أن يغذوا طوال وقت القتال تلك الأجهزة بالمعلومات” ..
إن إيجاد التوازن الصحيح، بين الحاجة إلى أداء عمل وفق برنامج مدروس سلفاً، وانضباط الأجهزة توازن يستحيل من دونه تشغيل أنظمة الأسلحة الحديثة بفاعلية من جهة، وبين المرونة والمبادرة و الارتجال التي من دونها يستحيل الأداء في ميدان القتال، والرد بصورة مدروسة على الإنتروبيا الحتمية ليس مشكلة نظرية، وانما معضلة مستمرة وحتمية سيضطر الضابط إلى التصدي لها خلال المعركة، وستلقى على المقاتل والضباط في ميدان القتال المستقبلي عبئاً لم تشهد له مثيل في الحروب السابقة.
الفصل السادس
حدود وعناصر ميزان القوة العسكرية الإستراتيجية
أولاً: حدود القوة:-
ما مدى القوة العسكرية اللازمة لإسرائيل ؟
ما هي حدود قدرتها على بناء هذه القوة والاحتفاظ بها ؟
هل تستطيع تعبئة الموارد الأزمة للحفاظ على أمنها ؟
يقول العميد / يوسف معيان “أصبحنا على وشك أن نتخطى حدود قدرة الاقتصاد على الاحتفاظ بالقوة العسكرية في حجمها وأساليب عملها الحالية، ولا تترك نفقات الاحتفاظ بهذه القوة سوى القليل من أجل زيادة القوة، فاليقظة تتغلب على الاستعداد، والمشكلة هي أين نجد وسائل وحلول تتيح في الوقت نفسه الحفاظ على اقتصاد مستقر وكذلك على حاجاتنا الأمنية “ “.
ثانياً الضغوط والقيود على بناء القوة:
حسب رأي معيان “إن ما يفرض قيود على متطلبات الأمن هو الضغوط والضروريات الخارجية في حين أن ما يفرض الوسائل المخصصة لهذه المتطلبات هو الضغوط والضروريات الداخلية“ “
الضروريات الخارجية:
تتكون الضروريات الخارجية من:”التهديد العسكري الذي تشكله الدول العربية في مواجهة إسرائيل” “،
في خروج مصر من دائرة المواجهة تحسن لمصلحة إسرائيل في ميزان القوى مع دول المواجهة.
الضرورة الداخلية:
تشمل هذه الضرورات على قيدين:-
1-القيد الديموغرافي: الكمية القصوى من المقاتلين التي يتم إخراجها من السكان في إسرائيل إلى جانب، الكمية القصوى من القادة والطيارين، ويورد معيان مثلاً في مجال سلاح الجو:”فعدد الطيارين المقاتلين (من القوات النظامية والاحتياط) يمليه حجم الدفعات السنوية التي يتم تجنيدها في الجيش الإسرائيلي، وان نسبة صغيرة من المجندين هي من ذوي القدرات القتالية الأولية، والقليل من الذين في الخدمة قد يستطيعون إنهاء دورة الطيران والحصول على تأهيل كطيارين مقاتلين “ “.
”أن التآكل سواء القتالي أو _ الطبي _ يقيد مدة الخدمة الفعلية للطيار، ويؤدي إجمال هذه العوامل إلى أن عدد الطيارين، الذين تستطيع إسرائيل توفيرهم، يقيد حجم السلاح الجوي” “.
2-القيد الجغرافي: تفرض بنية إسرائيل الجغرافية _ الطبوغرافية، حجم القوة، كما أن الأبعاد الصغيرة للدولة، وحدودها البرية والبحرية الطويلة و”الخاصرة”الضيقة، تشكل كلها عائقاً بالنسبة إلى كمية القوة. ويعطي معيان مثال بأنه “لا يمكن أن يقام على أرض إسرائيل أكثر من عدد محدود من المطارات الحربية، لأن المطار الحربي له بيئة خاصة وتتراوح مساحته بين 3x 3 و 5x 5 كم، ويجب أن يكون بعيدا عن أي مطار آخر، لكي يكون المجال الجوي كاف، مع إبعاده عن مجال مرمى مدفعية العدو، مع إضافة معطي آخر هو سعة المطار الحربي من ناحية الطائرات، وضرورة عدم حشد كمية كبيرة من الطائرات في مطار واحد”هذا مثال للقيد الديموغرافي والقيد الجغرافي معاً “ “.ويمكن تطبيق ذلك على فروع وأسلحة أخرى في الجيش الإسرائيلي.
3-قيد الميزانية: تمثل ميزانية الدفاع، بصورة كمية الموارد التي تنفقها إسرائيل على الأمن، تنفق الميزانية كلها تقريباً، على بناء القوة العسكرية والاحتفاظ بها ،وعلى تهيؤ الجيش، والأمن الجاري،وعلى الحرب أيضاً. وحجم الميزانية هو، حل وسط بين متطلبات وحاجات الأمن المتأثرة بحجم “التهديد”، وبين القيود الاقتصادية والديموغرافية والجغرافية التي يتأثر بها بناء القوة وتقسم إسرائيل ميزانية الدفاع إلى قسمين رئيسيين:
”ميزانية البقاء”: وهي الميزانية المخصصة للحفاظ على ما هو قائم، وتمويل النشاط الجاري لاستعداد الجيش وما شابه.
”ميزانية التعاظم”هي ميزانية بناء القوة، وتبلغ نسبتها 20%، بينما “ميزانية البقاء”80%.
وفي إسرائيل توجد عملية مستمرة لتقليل نصيب شريحة “بناء القوة”في مقابل شريحة “جودة القوة”في ميزانية الدفاع. يقول بنحاس فروسمان”إذا كانت ميزانية الاحتفاظ بالقوة تشكل 80% فإن الأمر يتطلب من عام مالي إلى العام الذي يليه، ميزانية أكبر للاحتفاظ بالقوة، ذلك بأن الجيش يزداد نتيجة استيعاب القوة التي تم بناءها في الأعوام الماضية،وعندها تبقى موارد أقل لتطوير القوة “ “.
ثالثاً الدفاع والاقتصاد.
هنالك ثلاث معطيات أساسية تميز حالياً الاقتصاد الإسرائيلي:
-نفقات الدفاع تشكل ربع الإنتاج القومي الخام.
-نفقات الحكومة تتساوى، بل تتخطى الإنتاج القومي الخام.
-الدين العام يتزايد.
-تخصيص إسرائيل 25% من إنتاجها القومي الخام لمتطلبات الدفاع، بينما في الولايات المتحدة 6% ودول الأطلسي 3,5%.إن هذا الإنفاق الضخم والمستمر على الجيش الإسرائيلي يشكل عبئاً متواصلاً على اقتصاد إسرائيل، وله تأثيرات في مجالات أخرى _ اجتماعية وسياسية. ومن المهم التأكيد على أن، نفقات الدفاع معظمها يغطي بالمنحة التي تقدمها الولايات المتحدة.
التشخيص:
تقود السمات الاقتصادية إلى التشخيص التالي:
نقص في الموارد القومية.
الموارد المالية.
القوى البشرية.
الزعماء القادة.
ب_ دين متراكم متسارع.
ج_ اضمحلال تزايد قوة الجيش الإسرائيلي من مصادر إسرائيل الخاصة.
السيناريوهات:
إن الاقتصاد الإسرائيلي سيتميز بتفاقم في المجالات الرئيسية الثلاثة التالية (المتعلقة بموضوع الدفاع):
أ – أزمات ثقة متتالية في موضوع ميزانية الدفاع:
حين تتعدى إسرائيل حدود القدرة على تخصيص موارد للدفاع، فإنها تصارع على ما هو قائم، ويخلق هذا أزمات ثقة، وصراعات شخصية، ووضعاً من صراعات القوة ،ويكون هناك صعود وهبوط في الموارد المخصصة للدفاع، وهذا “سيؤثر على الوضع الأمني”.
ب-وقف التعاظم (زيادة القوة): ستنخفض من عام لآخر إمكانية إسرائيل في إيجاد مصادر ذاتية وتوجيهها إلى متطلبات تزايد القوة، وستتمثل هذه الحقيقة بأزمات في الصناعة العسكرية، وبضغوط ضخمة لزيادة الصادرات العسكرية.
ج- إدمان المعونة الخارجية: هذا الإدمان نتيجة حتمية لانعدام القدرة على توجيه موارد مالية من مصادر ذاتية للدفاع.
وفي الموضوع الإستراتيجي، للخروج من أزمات الميزانية الدفاعية الإسرائيلية، قد تعود إسرائيل إلى مفهوم نظرية “إستراتيجية الهجوم الوقائي”التي تشدد على مبدأ تركيز القوة عن طريق بناء قدرة هجومية واستخدامها من أجل الحسم.. مع تحديد أهداف الحرب، وتبني القوة العسكرية بما يتلائم مع القدرة، ومن خلال التخلي عن إعداد القوة لكل الاحتمالات.
وقد تضطر إسرائيل في الشق الثاني من الموضوع الإستراتيجي لميزانية وزارة الدفاع في تغيير تنظيم جهاز الدفاع، وتوزيع النشاطات على هيئة الأركان العامة.
كتب بن غوريون يقول: [“من خلال رؤية الأوضاع الخاصة للأمن في البلد ،ومن أجل الحفاظ على المبدأين المركزيين اللذين يجب أن نسترشد بهما _ وهما النجاعة والتوفير _ توصلت إلى استنتاج أنه ينبغي لنا ألا نلقى على رئيس الأركان عبء الاهتمام والمسؤولية عن الجانب الاقتصادي والمالي، وذلك لثلاثة أسباب:
-جيشنا فتي ويعيش في أحوال صعبة.
-أن ينال التوفير أهمية أكثر مما ينال في أمريكا وترى العقلية العسكرية الشؤون كلها من الناحية العسكرية
-شؤون الجيش وشئون الاقتصاد غير متطابقة”” “.
رابعاً بناء القوة ومضاعفاتها:
حددت النظريات الأمنية الإسرائيلية في منطلق بناء القوة من الأسس التالية:
اعتبار الحروب الحديثة حروباً شاملة.
المهمة الأساسية لوزارة الدفاع بناء القوة العسكرية الملائمة.
أن المشكلة الرئيسية تكمن في الهوة الواسعة على صعيد الموارد بين إسرائيل والدول العربية.
التهديد الشامل هو العامل الأساسي عن نطاق القوات التي تحتاجها إسرائيل.
التأكيد على أن إسرائيل لا تستطيع التوقف عن مواصلة سباق التسلح وبأشكال مختلفة عن السابق
ومصطلح “مضاعفة القوة”الذي تعتمد عليه إسرائيل في تطبيق سياستها الأمنية تعني”أن يبقى تعداد القوات والمعدات القتالية الرئيسية كالطائرات والمدافع والدبابات على ما هو عليه، مع العمل على تغيير تلك المعدات، بمعدات نوعية أقدر، وذات قدرات تنفيذية به أعلى بشكل يمكنها من تحقيق الإنجاز بشكل مضاعف “ “.
خامساً: عناصر القوة
العنصر الأول تعبئة الاحتياط: فنظام تعبئة الاحتياط في إسرائيل قلص إلى حد كبير من تأثير الفجوة في عدد السكان على ميزان القوى العسكرية بينها وبين الدول العربية، كذلك فان الحرص على تحقيق التفوق التكنولوجي على صعيد الوسائل القتالية المستخدمة في الجو والبر والبحر كان احد النماذج للجهد الإسرائيلي لسد الفجوة على صعيد ميزان القوة الكمي.
العنصر الثاني المهارات المهنية: ويصب في هذا المجال نفسه كيفية استخدام هذه المعدات المتفوقة تقنياً، ولهذا يجرى الاهتمام بتنمية المهارات تلك يهدف إلى تحقيق الأداء الأمثل لهذه الوسائل. ويرى “تسفي لانير” بأنه يمكن عرض “ميزان القوة” بين الفرقاء المتنازعين في معادلة يتم التعبير فيها عن نسبة القوة من الناحية الكمية، والناحية النوعية والتكنولوجية لأنظمة الاسلحة، وناحية الطاقة البشرية ويرى بان معظم الباحثين في مجال “ميزان القوة” نادراً ما يبحثون في مكونات النوعية التكنولوجية لأنظمة الأسلحة المتوفرة لدى الفرقاء بقدر ما يبحثون في الكمية.
العنصر الثالث الطاقة البشرية: فلا يكاد يحظى بأية معالجة والسبب الأساسي في ذلك الميل نحو تعليق أهمية فائقة على عنصر الكمية، وإهمال هذه العقبة التي تعترض البحث في سياق القوة تقود إلى الميل نحو تعليق أهمية فائقة على عنصر الكمية، وإهمال العناصر غير القابلة للقياس كمياً، واحد الانعكاسات الخطيرة لهذا الميل، هو انه يقود إلى استنتاج أن السبيل الوحيد أو الأساسي المتاح أمام الدولة التي تريد المحافظة على مكانتها النسبية في سباق القوة هو عدم التخلف في سباق الكمية.
وفي هذا السياق يدحض “لانير” معادلات “لانشستر” التي تعتمد النموذج الحسابي الذي يعبر عن أهمية الكمية وميزتها على النوعية في ميدان القتال وتحاول هذه النظرية التنبؤ بنتائج الصدام العسكري بين قوتين وفق التقدير الحسابي، وتطرح هذه المعادلات نموذجاً مفاده، انه في حين ان عنصر النوعية يؤثر في النتيجة بنسبة رباعية، لأن وحدة عسكرية قد دمرت لا تطلق النار ولا تستقطب النار أيضاً وبالتالي، فإن الخصم الذي ينجح في حشد قوة اكبر في ميدان القتال هو الذي ينتصر، حتى لو كانت قوته متدنية من الناحية النوعية، فعلى سبيل المثال إذا كان الخصم (أ) يتمتع بقوة كمية تبلغ ضعف قوة الخصم (ب) فإن الخصم (ب) يستطيع ان يحقق التكافؤ بتفوقه النوعي، شرط ان تكون كل وحدة قوة يمتلكها اكثر فاعلية بثمانية أضعاف من فاعلية الخصم (أ) .
يرى “لانير” بأن معادلات “لانشستر” تشتمل على عدة فرضيات غير ثابتة في الواقع. والفرضية الأساسية في هذه المعادلات تقول “بأن هدف القوة المتحاربة هو حتماً تدمير بعضها البعض نجده غير ثابت في المعارك البرية، فهذه الفرضية تشدد على عنصر “النيران” حتى انه من الضروري في بعض الأحيان “تفنين” “عنصر النيران” من اجل إفساح المجال أمام “المناورة” كما ان هناك فرضية أخرى لمعدلات “لانشستر” لا تلائم الواقع في ميدان القتال، وهي انه عندما تفتح القوتان النار على بعضهما،”فان احتمال الإصابة هو عامل وظيفي لعدد الوحدات النارية ونوعيتها، ولعدد الأهداف التي تطلق عليها النار ويرى “لانير” ان هذه الفرضية تنطوي على تجاهل إحدى اكثر المشكلات تعقيداً في مجال المعارك الجوية: مشكلة “ضباب المعركة” ، كما ان فرضية معادلات “لانشستر” تفترض، “انه عندما يتم تدمير أحد الأهداف فان سائر القوات التي تطلق النار، ترتكز نيرانها على الأهداف” الأخرى متجاهلة عدم اليقين الذي يسود ميدان القتال البري إزاء وضع الأهداف لذا تهدر قوى نارية وكميات كبيرة من الذخيرة على أهداف قد تم تدميرها، كما إن نقل النيران إلى أهداف أخرى ليس عملية سهلة فهناك مرحلة “المناوشة” إلى أن تنتقل القوة المطلقة للنيران إلى هدف جديد وتبدأ بإشعاله ويرى “لانير” في حين يرى إن هذه النظرية القائلة باحتمال الإصابة عامل وظيفي لعدد الوحدات النارية ونوعيتها ولعدد الأهداف الموجودة في ميدان القتال “من شانها” ان تتحقق عملياً في أعقاب الثورة التكنولوجية وذلك باستخدام (ذخيرة محكمة التوجيه) في المعركة البرية المستقبلية، والأجهزة المتطورة للقيادة والرقابة والاتصال والاستخبارات، والذي يجب استخلاصه من ذلك هو ان فرضية “لانشستر” آخذة في التحقق بصورة معكوسة وسيكون العنصران الأساسيان لتكتيك التدمير، اللذان سيحددان إلى حد بعيد الحسم في المعركة البرية المستقبلية، هما الإغلاق على الهدف من مسافات بعيدة، وتوزيع مثال للأهداف بين الوحدات المختلفة أما من يحسم المعركة فهو الفريق الذي يتمكن من تحديد مواقع الخصم بسرعة اكبر، وكيف يخصص بسرعة الأهداف التي حدد موقعها لوحداته المختلفة.
ولكن ما هي دلالات جميع هذه الأمور في الساحة الشرق الأوسطية؟
لنفترض إن الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي أيضاً سوف يتزودون بأكثر الأجهزة المتوفرة تطوراً، وبأن كمية الأجهزة التي ستتوفر للجيوش العربية ستكون اكبر بكثير من تلك التي ستتوفر للجيش الإسرائيلي، وبأنها ستتمكن في معارك الحسم في إبراز تفوقها الكمي.فإن تأثير هذا التفوق على نتائج المعركة اقل وربما سلبية بالنسبة إلى الفريق صاحب التفوق الكمي، إذا لم يلازمه تفوق على صعيد القدرة على تحديد مواقع الأهداف وتوزيعها بالصور المثلى وعلى هذا الأساس قد يصبح للجيش الإسرائيلي بعض المزايا الأساسية غير قابلة للإلغاء بواسطة قدرة الدول العربية على السماح لنفسها بامتلاك كميات كبيرة من أجهزة القياس والرقابة والإشارة والاستخبارات والميزة الأولى “التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي هي أن إسرائيل تنتج بنفسها قسماً من أنظمة الذخائر الذكية المتطورة تكنولوجياً فضلاً عن ذلك فهي تتمتع بالقدرة على أن تصبح في عداد الدول المتقدمة في العالم، ولها القدرة الذاتية على إنتاج الأجهزة وملاءمتها لأغراض القيادة وطبيعتها. أما الميزة الأخرى ففي مجال القيادة العملياتية والتكتيكية والقيادة التي تجمع بين القدرة على المبادرة والارتجال من جهة، وبين القدرة التنظيمية على استغلال فعال لأنظمة الأسلحة على جميع المستويات من جهة أخرى، وهذه أحد الأرصدة التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي.
.... يتبع
.