العلاقات الإيرانية الصينية
العلاقات الإيرانية الفارسية، هي العلاقات الاقتصادية، السياسية والاجتماعية بين جمهورية الصين الشعبية (دولة شيوعية) والجمهورية الإيرانية الإسلامية (دولة إسلامية) منذ الثورة الإيرانية 1979 حتى الحاضر.
بالرغم من أن العلاقات بين الحكومتين تعتبر جديدة نسبياً، إلا أن العلاقات التجارية والدبلوماسية بين الشعبين والثقافتين قائمة منذ عام 200 ق.م. على أقل تقدير. طورت إيران والصين شراكة اقتصادية واستراتيجية ودية فيما بينهما.
تعود العلاقات المتينة بين الصين وإيران إلى حقبة إمبراطورية الهان والإمبراطورية البارثية، حين كانت الحضارتان شريكتان تجاريتان على طريق الحرير القديم. ومع الفتح العربي للإمبراطورية الفارسية الساسانية في القرن السابع الميلادي، طلب بيروز الثالث، نجل الملك الساساني الراحل يزدجرد الثالث، اللجوء إلى الصين، التي كانت حينئذٍ تحت حكم أسرة تانگ بزعامة الإمبراطور گازونگ، وقد منحه هذا الأخير الإقامة في البلاد. وفي العصر الحديث، بالرغم من الاختلافات الإيديولوجية الكبيرة بينهما، ترك كل من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية روح الله الخميني وزعيم الحزب الشيوعي الصيني ماوتسي تونگ لبلديهما إرثاً ثورياً مناهضاً للهيمنة الإمبريالية والاستغلال الأجنبي، الأمر الذي وضعهما في الخندق نفسه في مواجهة الوضع الراهن الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومع مرور الوقت، أصبحت الصين أقل حلفاء إيران من القوى الكبرى الغير جديرة بالثقة - ناهيك عن القول أكثرها جدارة بالثقة - وشكلت محوراً أساسياً لحفظ التوازن أمام الولايات المتحدة. وخلال حرب إيران المنهكة مع العراق التي دامت ثماني سنوات، كانت الصين هي القوة الكبرى الوحيدة التي زودت إيران بالأسلحة (على الرغم من أنها فعلت الشيء نفسه مع بغداد). وفي عام 1985، وقعت حكومتا البلدين اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني آنذاك علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. وازداد التعاون بين البلدين بشكل متواصل حتى عام 1997، عندما أدت الضغوط الأمريكية حول أزمة مضيق تايوان في العام الذي سبق إلى دفع الصين إلى تعليق مساعداتها في المجالين النووي و[تطوير] الصواريخ إلى طهران. ومع هذا، فبحلول ذلك الوقت، كانت السنوات المتتالية من الدعم التقني من الصين وكوريا الشمالية قد ساعدت إيران على إنشاء صناعة محلية لإنتاج الصواريخ، تشكل اليوم ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية.
أما في الميدان الاقتصادي، فقد خفضت الصين وارداتها النفطية من إيران في السنوات الأخيرة بهدف الحفاظ على موقعها بين الدول المعفاة من العقوبات الأمريكية المفروضة على الصادرات النفطية الإيرانية. ومع ذلك، فتبعاً للتخفيضات التي سببتها العقوبات على الجمهورية الإسلامية، استمرت الصين في شراء نصف صادرات النفط الخام الإيراني. هذا، وبالإضافة إلى الأسعار المنخفضة التي تعرضها طهران بسبب العقوبات، تشكل الإمدادات الإيرانية جزءاً هاماً جداً بالنسبة إلى بكين، لأن منتجي الطاقة الرئيسيين الآخرين في الخليج هم شركاء للولايات المتحدة.
العلاقات الاقتصادية
النفط والغاز
يعتبر النفط والغاز واحداً من الركائز الأساسية في العلاقة بين إيران والصين. تحولت الصين إلى النفط بصفة أساسية للحصول على إمداداتها من الطاقة عوضاً عن الفحم. كان هناك تزايداً سريعاً في استيراد الفحم منذ عام 1974 حتى التسعينيات.[1] عام 2011، كان 10% من واردات النفط الصينية من إيران.[2] حوالي 80% من إجمالي واردات الصين من إيران عبارة عن فحم والبقية منتجات معدنية وكيميائية. بسبب هذا الاعتماد على النفط والغاز الإيراني، تستثمر الصين حالياً في تحديث قطاع النفط والغاز الإيراني لتأمين الوصول إلى الموارد.[3] منحت المؤسسة الوطنية الصينية للنفط عقد بقيمة 85 مليون دولار لحفر 19 بئر في حقول غاز طبيعي بجنوب إيران ووقعت عقداً آخر بقيمة 13 مليون دولار.[1] مرة أخرى في 2004، تم التوصل لاتفاقية تستورد الصين بموجبها 270 مليون طن غاز طبيعي على مدار 30 عاماً من حقول جنوب فارس الغنية التي تعتبر من أغنى حقول الغاز الطبيعي في العالم مقابل 70 مليون دولار. شركة صينية أخرى، مجموعة صينوپك، حصلت على نصف حصة في حقول يارداروارن للنفط بقيمة 100 بليون دولار من أجل أعمال التنقيب.[4] لاحقاً في 2007، وقعت المؤسسة الوطنية الصينية للنفط صفقة قيمتها 3.5 بليون دولار لتطوير حقول الغاز البحرية في إيران ثم وقعت عقداً آخر قيمته 2 بليون دولار لتطوير حقل نفط في شمال إيران بالقرب من الأحواز. <[3] لم تكتفي الصين فقط بالمساعدة في تطوير قطاع النفط والغاز، لكنها دعمت الطموحات الإيرانية في جلب نفط بحر قزوين إلى الموانئ الإيرانية الجنوبية عن طريق خطوط أنابيب ليتم تصديره إلى أوروپا وآسيا.[1] تعتمد إيران على مبيعاتها إلى الصين لتأمين استقرارها المالي.[3] تبيع الصين الگازولين إلى إيران بالرغم من الضغوط الدولية التي تقوض إمكانية إيران من الحصول على الگازولين من موردين آخرين.[5]
وجدت الصين في إيران شريكاً دائماً من أجل صادرتها ومورداً للطلب الصيني المتزايد على الطاقة. في مارس 2004، مؤسسة ژوهاي ژنرونگ، شركة حكومية صينية، وقعت عقد لمدة 25 عام لاستيراد 110 مليون طن مكعب من الغاز المسال من إيران. أعقب هذا عقداً آخر بين صينوپك وإيران للغاز المسال، تم التوقيع عليه في أكتوبر من العام نفسه. الاتفاقية، التي تصل قيمتها إلى 100 بليون دولار، أضافت 250 مليون طن من الغاز المسال إلى إمدادات الطاقة الصينية، ليتم إستخراجها من حقل يداوران لمدة 25 عام. في يناير 2009، وقعت إيران والصين عقد قيمته 1.76 بليون دولار من أجل التطوير الأولي لحقل أزادگان للنفط في غرب إيران. في مارس توصل البلدان لاتفاقية قيمتها 3.39 بليون دولار لإنتاج الغاز المسال في حقل جنوب فارس للغاز. بسبب إمكانيات التكرير المحدودة لديها، تستورد إيران ثلث منتجاتها المكررة مثل النفط من الصين.[6][7]
في 2011، أفادت مجموعة الصادرات الخضراء الإيرانية أن بكين وطهران وقعتها اتفاقية موسعة تمنح الصين حقوقاً حصريةً في عدة حقول نفط وغاز طبعي إيرانية خلال عام 2024. بموجب هذه الاتفاقية، ستمنح إيران شركات النفط الصينية حقوق حصرية في ثلاث مناطق ضخمة من الأراضي الإيرانية فضلاً عن حقوق بناء جميع المنشآت المطلوبة في هذه المناطق، والتي تقع جميعها على قمة حقول النفط والغاز الطبيعي الكبرى. في المقابل، وعدت الصين بالتعامل مع أي هجوم أجنبي على هذه المناطق واعتباره هجوماً على أراضيها السيادية، والدفاع عنها أيضاً. لن تحتاج الصين لتصريح مسبق من الحكومة الإيرانية للحفاظ على وجودها العسكري وزيادته في إيران، وسوف تتحكم في حركة الإيرانيين داخل وخارج هذه الأراضي.[8] يتوقع خبراء الصادرات الخضراء الإيرانية بأن هذه الاتفاقية كانت الأساس الملموس لبيان الميجور جنرال تشانگ تشاو تشونگ بأن "الصين لن تتردد في حماية إيران حتى مع نشوب حرب عالمية ثالثة".[9]
في 1 مايو 2019 نشرت تقارير عن أن هناك ناقلة تحمل عشرون مليون برميل نفط إيراني في ناقلة عالقة أمام ميناء داليان الصيني منذ ستة أشهر، وأن الصين ترفض تمريرها خوفاً من العقوبات الأمريكية.[10]
التأكيد على المعاقل الأوراسية
تسعى الصين إلى الالتفات نحو الغرب في إطار مشروع حزام طريق الحرير الاقتصادي ("سيشوزيلو جينگجداي") الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جنپنگ في سبتمبر 2013. وقد سبق أن دفع وانغ جي سي - أحد ألمع الأدمغة الاستراتيجية في الصين - بفكرة "الالتفات نحو الغرب" في عام 2011، بهدف ملاقاة استدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما نحو الشرق ومواجهتها. وتحت إدارة شي جنپنگ، يبدو أن أولويات بكين المباشرة فيما يخص طريق الحرير هي ثلاثية الأبعاد:
1. تأمين التدفق البري للطاقة من آسيا الوسطى المجاورة (وروسيا)، بهدف مواجهة خطر الاعتراض البحري، وخصوصاً عبر ممرين مائيين حساسين، هما مضيق ملقة (الذي يعبر من خلاله 80 في المائة من النفط الصيني) ومضيق هرمز (الذي يمر من خلاله نحو خمس واردات الصين من النفط).
2. استغلال المشاريع التنموية بهدف تهدئة مقاطعة سنجان الغربية المضطربة والغنية بموارد الطاقة، حيث حمل الانفصاليون الأويغور، الذين يسعون إلى تأسيس دولة تركستان الشرقية، السلاح مراراً ضد الصينيين الذين ينحدرون من قومية الهان.
3. تحفيز قدر أكبر من الاستقرار والتكامل الإقليميين عبر تطويق جيران الصين الغربيين في منطقة مزدهرة تمتد حتى أوروبا، وتكون بكين مركزها الاقتصادي والسياسي.
تُعد الصين المستورد الصافي الأكبر للنفط في العالم. ونظراً إلى مخاطر الاعتراض البحري، أصبحت الحاجة إلى قنوات طاقة برية بالغة الأهمية. ووفقاً لذلك، تم بناء أنبوبين جديدين لنقل النفط والغاز وتشغيلهما في عام 2006 وأواخر عام 2009. ويضخ أولهما النفط من منطقة أتيراو الكازاخستانية الشمالية المشرفة على بحر قزوين بشكل أساسي، ويمر عبر مقاطعة شينجيانغ الصينية ونحو الساحل، ليشكل حوالي 4 في المائة من استيرادات الصين من النفط، التي بلغت 6.2 مليون برميل يومياً في عام 2014. والأنبوب الثاني يضخ الغاز الطبيعي بشكل أساسي من حقل سامان ديبي في تركمانستان، التي كانت أكبر مورد للصين من الغاز الطبيعي منذ عام 2012. ووفقاً لأرقام عام 2013، شكلت واردات الغاز التركمانستاني حوالي نصف واردات الصين السنوية من الغاز الطبيعي، التي تبلغ 53 مليار متر مكعب وحوالي السدس من استهلاكها الشامل من الغاز. وتنوي حكومة عشق آباد زيادة هذه الصادرات إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2020.
وتطبيقاً للمقولة الصينية «إذا أردت أن تزدهر فإبنِ الطرقات أولاً» ("ياو شيانگ فو، زيان شيوى لو")، تسعى الصين كذلك إلى تحديث شبكة الطرقات والسكك الحديدية الواسعة الممتدة عبر آسيا الوسطى، وتموّل تلك الجهود عبر بنك الاستثمار للبنية التحتية الآسيوية وصندوق طريق الحرير. وفي عام 2012، أنجزت الصين بناء سكة حديد تمتد من قورغاس الصينية إلى زيتيجين في كازاخستان، ومنها إلى غرب روسيا وأوروبا، في موازاة السكة الحديدية التي تمتد من أورومتشي، عاصمة مقاطعة شينجيانغ، وتمر عبر بوابة جونغاريا الصينية (ألاشانكو) وإلى ألماتي، أكبر مدينة في كازاخستان. وقد يشق هذا الممر طريقه بين الشرق والغرب عبر إيران ليصل إلى الخليج في النهاية. ووفقاً للمفكر الاستراتيجي غاو باي، سعت الصين إلى إيجاد ثقل مضاد للتفوق البحري الأمريكي عبر بناء خط سكة حديد فائق السرعة قادراً على بسط السلطة من ساحل الصين الشرقي إلى قلب أوراسيا - ويشكل ذلك نوعاً من جدار قاري في حال وقوع اضطرابات بحرية. وعلى الرغم من التحديات التي قد يمثلها نظام أوراسي - الخاضع لسيطرة الصين - بالنسبة إلى روسيا، أفادت التقارير أن الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتن أعطى الرئيس الصيني شي جنپنگ مباركته في أكتوبر 2014 بعد أن وافق الأخير على أن تُشمل سكة الحديد العابرة لسيبيريا وسكة بايكال آمور ماجيسترال في مشروع حزام طريق الحرير الاقتصادي.
العلاقات التجارية
كان هناك علاقات تجارية غير رسمية بين إيران والصين أثناء الحرب الباردة وتزايدت تدريجياً. وصلت قيمة التجارة في الثمانينيات إلى 1.627 بليون دولار وفي 2007 بلغت 15 بليون دولار. عام 2011، كان حجم التجارة بين إيران والصين 3.3 بليون دولار،[11] وفي 2005، كان حجم التجارة الإيرانية الصينية 9.2 بليون دولار.[12] يتوقع نائب وزير التجارة الإيراني مهدي غازانفاري أن التبادل التجاري بين إيران والصين تعدى 25 بليون دولار في 2008.[13] عام 2005، مثلت نسبة الصادرات الصينية 8.3% من إجمالي سوق الواردات الإيراني، مما يعطي الصين ثاني أكبر حصة في السوق بعد ألمانيا. شهدت الصادرات الصينية إلى إيران نمواً سريعاً في الخمسة سنوات الماضية، حيث حلت الصين محل اليابان كثاني أكبر مصدر في العالم إلى إيران. الواردات الإيرانية من الصين ارتفعت بنسبة 360% ما بين 2000 و2005.[14] الصين حالياً مسئولة عن حوالي 9.5% من جميع الواردات الإيرانية. عام 1988، افتتح السوق الإيراني للصناعة الصينية عندما بدأت الصين في اعادة بناء اقتصادها.[1]