مفهوم الاتفاقية الدولية
الاتفاقية الدولية international convention أو المعاهدة treaty (والمصطلحان أصبحا مترادفين) هي اتفاق مكتوب بين شخصين أو أكثر من الأشخاص الدولية من شأنه أن ينشئ حقوقاً والتزامات متبادلة في ظل القانون الدولي العام.
خصائصها
يتضح من هذا التعريف ما يلي:
1ـ أن الاتفاقية أو المعاهدة هي اتفاق agreement = accord يعبر عن التقاء إرادات موقعيها على أمرٍ ما، فهي ذات صفة تعاقدية الغرض منها إنشاء علاقة قانونية بين الأطراف المتعاقدة.
2ـ الاتفاقية أو المعاهدة هي اتفاق مكتوب written agreement ولذا لاتعد الاتفاقات الشفوية ولاسيما ما يعرف باتفاقيات الجنتلمان gentlemen agreements أو ما يسميه بعضهم «اتفاقيات الشرفاء» معاهدات بالمعنى الدقيق للمصطلح .
3ـ والاتفاقية الدولية بين شخصين دوليين أو أكثر، وهذا يعني أنها قد تكون بين دول، وقد تكون بين دولة ومنظمة دولية، وقد تكون بين منظمات دولية. وبالتالي لاتعد معاهدة دولية يحكمها القانون الدولي العام الاتفاقات التي تعقد مع القبائل أو فيما بينها، ولا عقود الزواج الملكية، ولا الاتفاقات المعقودة بين الدولة شخص طبيعي أو اعتباري أجنبي، كاتفاق التنقيب عن النفط في بعض الدول , لأن أحد أطراف الاتفاق هنا شركة وليس شخصاً دولياً.
4ـ والمعاهدة هي الاتفاق الذي من شأنه أن ينشئ حقوقاً والتزامات متبادلة بين الأطراف المرتبطة، يحكمها القانون الدولي العام.
تصنيف الاتفاقيات الدولية
تصنف الاتفاقيات الدولية أو المعاهدات بحسب شكلها وموضوعها وأطرافها. فالمعاهدة من حيث الشكل إما رسمية formal تتبع فيها إجراءات التفاوض والتوقيع والتصديق والإيداع، وإما بسيطة يتم في عقدها مع تجاوز بعض الإجراءات، كأن يكتفى بعد التفاوض بالتوقيع وتبادل وثائق هذا التوقيع. وهي من حيث الموضوع إما عَقْدية contract treaties ، وإما شارعة Law making treaties أي تنظم أموراً موضوعية تهمّ أكثر من دولتين .
انعقاد الاتفاقيات ونفاذها
يشترط لكي تعد المعاهدة منعقدة بوجه صحيح أن تتم برضا موقعيها، وألا يتجاوز ممثلو الدولة الحدود المرسومة لهم، وألا تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، وأن يتم اعتمادها اعتماداً سليماً من قبل الدول الأطراف.
1ـ يجب انعقاد المعاهدة برضا موقعيها. وهذا يقتضي أن يكون أطراف المعاهدة ذوي أهلية للتعاقد وأن يكون رضاها سليماً خالياً من أيّ من عيوب الرضا ,
وهذا يعني:
لكي يكون أطراف المعاهدة أهلاً للتعاقد يجب أن يكونوا إما دولاً مستقلة ذات سيادة كاملة، أو منظمات دولية معترفاً لها بالشخصية الحقوقية الدولية.
وأما الولايات الداخلة في اتحاد فدرالي فالأصل أن لا شخصية قانونية دولية لها، بل إن شخصيتها هذه ذابت في شخصية الدولة الاتحادية ذاتها. و يجب ألا يكون إبرام المعاهدة مشوباً بأحد عيوب الرضا وهي الغلط error والغش والتدليس fraud وإفساد corruption ممثل الدولة أو إكراه coeresion ممثل الدولة والأهم من ذلك كله إكراه الدولة ذاتها.
2ـ ويجب أن تعقد المعاهدة ضمن الحدود المرسومة للممثلين المفوضين عن الطرف الذي يمثلونه، وأي تجاوز للسلطة يرتكبه هؤلاء الممثلون يمكن أن يؤدي إلى بطلان المعاهدة، إلا إذا أقرت السلطة المسؤولة في الطرف المعني هذا التجاوز وفق المبدأ المعروف «الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة». وتزود الدولة أو المنظمة الدولية ممثليها المفاوضين بوثيقة تسمى «وثيقة التفويض الكامل» full powers. ولايجوز قبول من لايحمل مثل هذه الوثيقة ممثلين يعبرون عن رضا دولتهم أو منظمتهم، ويستثنى من حمل وثيقة التفويض في تمثيل الدول فئات خاصة من الناس مثل رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية في جميع الإجراءات الخاصة بعقد المعاهدات، كما يستثنى ممثلو الدولة المعتمدون لدى دولة أو مؤتمر أو منظمة فيما يخص الموافقة على صحة نص معاهدة أو إقرارها في بلد الاعتماد أو المؤتمر أو المنظمة بحسب الحال. وليس لدولة أن تتمسك بأن التعبير عن قبولها بالتزام معاهدة قد تم خلافاً لنص في قوانينها الداخلية يتعلق بالاختصاص بإبرام المعاهدات وأن تتخذه حجة لإبطال رضاها. ويستثنى من ذلك حالة الإخلال الواضح بأحكام قاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي وعلى الأخص دستور الدولة.
3ـ ويشترط كذلك ألا تكون المعاهدة متعارضة مع قاعدة آمرة peremptory norm من قواعد القانون الدولي وهي القواعد العامة التطبيق التي لايجوز الخروج عليها ولايمكن تغييرها إلا بقاعدة لاحقة من قواعد هذا القانون لها الصفة ذاتها، وهذا هو النظام العام الدولي. وعليه فلاتصح معاهدة تجيز القرصنة أو تستهدف العدوان أو تستهدف إبادة الجنس البشري أو امتهان حقوق الإنسان أو المساس بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
ويتم التعبير عن الرضا إما بالتصديق ratification أو بالقبول acceptance أو بالموافقة approval أو بالانضمام accession ، إذا كان الأمر يتعلق بمعاهدات مفتوحة، أو بتبادل وثائق التصديق exchange of notification،
ومع أنه لافرق في الحقوق والواجبات بين دولة التزمت المعاهدة بعملية تصديق وأخرى التزمتها بعملية انضمام، فإن الفقه القانوني يفرق بين الطريقتين، ففي التصديق، يلي الرضا بالمعاهدة التوقيع عليها، في حين إن الانضمام يصدر عن دولة لم توقع على النص في أثناء المفاوضات، ويدل أيضاً على موافقتها على النص وعلى رغبتها في التقيد بأحكام المعاهدة.
وفي التعامل الغالب اليوم تكتمل عملية انعقاد المعاهدة ومن ثم نفاذها بتبادل وثائق التصديق أو إيداع وثائق الانضمام، وتبدأ المعاهدة بالنفاذ من تلك اللحظة و في التاريخ الذي يحدده نص المعاهدة، فتكون لها آثار دولية بين الأطراف المتعاقدة .
أما تسجيل المعاهدات فالقصد منه جعلها علنية أي معروفة للجميع.
آثار الاتفاقية الدولية
ينحصر أثر المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية، من حيث المبدأ، بين الأطراف المعنية بها وقد يكون لها آثار تتناول غير أطرافها، وهناك معاهدات ترتب آثاراً على الأفراد.
أثر المعاهدات في الدول الأطراف:
القاعدة العامة في هذا المجال هي أن العقد شريعة المتعاقدين، فعلى الأطراف المشتركة في معاهدة دخلت حيز النفاذ أن تلتزمها وأن تنفذها بحسن نيّة. وهكذا تصبح المعاهدة كالقانون الداخلي ملزمة لسلطات الدولة ويجب نشرها ليقوم القضاة بتطبيقها من تلقاء أنفسهم وترجيحها على القوانين الداخلية السابقة المعارضة لها. وكذلك إذا تعارضت القوانين اللاحقة ومعاهدة سابقة فيجب إعمال المعاهدة وإعطاؤها الأولوية على التشريع الداخلي تحت طائلة المسؤولية للدولة المخالفة.
..وبصدد أثر المعاهدة في أطرافها يثار موضوع التحفظات reservations والتحفظ كما عرفته معاهدة المعاهدات، هو إعلان من جانب واحد، أياً كانت صيغته أو تسميته، تعلنه الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو انضمامها إلى معاهدة أو عند موافقتها عليها، وترغب من ورائه في استبعاد، أو تعديل، الأثر القانوني لنصوص معينة في المعاهدة فيما يختص بتطبيقها على هذه الدولة...والأصل أن التحفظ على نص أو أثر من نصوص معاهدة جماعية جائز، إلا في حالات ثلاث هي:
أ-إذا كان التحفظ محظوراً بنص في المعاهدة مثال ذلك ماورد في اتفاقية جامايكا لقانون البحار
لعام 1982 من عدم جواز التحفظ على أي من بنودها.
ب ـ إذا أباحت المعاهدة أنواعاً معينة من التحفظات ليس منها التحفظ المرغوب فيه.
ج ـ إذا كان التحفظ مخالفاً لموضوع المعاهدة والغرض منها، وهذه الحالة الأخيرة استقرت في الفقه والاجتهاد الدوليين قبل أن تدرجها المادة 19 من معاهدة المعاهدات.
أثر المعاهدة في الغير: القاعدة العامة المستقرة والتي تبنتها «معاهدة المعاهدات» أن المعاهدات لاتنشئ للغير حقوقاً والتزامات من دون رضاه. لكن لهذا المبدأ استثناءات:
ـ يمكن للمعاهدة أن ترتب حقوقاً للدولة الغير إذا رضيت هذه الدولة الغير الحقوق المرتّبة، ويعد سكوتها قبولاً. وحين يحصل هذا القبول لايجوز إلغاء الحق المرتب للدولة الغير إلا برضاها. ـ كذلك يمكن للمعاهدة أن ترتب التزاماً على الدولة الغير شريطة أن تكون هذه قد قبلت الالتزام صراحة وكتابة.
ـ كما أنه ليس هناك ما يحول دون أن تكون قاعدة واردة في معاهدة دولية ملزمة لدولة ليست طرفاً في هذه المعاهدة إذ كانت هذه القاعدة قاعدة عرفية معترفاً لها بهذه الصفة.
ـ وأخيراً يمكن للدولة الغير أن تكتسب حقاً من معاهدة ليست طرفاً فيها إعمالاً لشرط الأمة الأكثر رعاية The most favored nation's clause، ومقتضاه أن تتعهد الدول المتعاقدة بأن تسمح كل منها للأخرى بالإفادة من أي امتياز تمنحه مستقبلاً لدولة أو دول غيرها فيما يتصل بأمر من الأمور التي تم التعاقد عليها.
أثر المعاهدات في الأفراد: هناك طائفة من المعاهدات ترتب حقوقاً أو التزامات على الأفراد مباشرة، كالمعاهدة التي تحرّم القرصنة أو تحرّم أفعالاً معينة تتعلق بسلوك الأفراد في الحرب، أو المعاهدة التي تعطي الفرد حق الالتجاء إلى محكمة دولية. وقد أثار هذا النوع من المعاهدات خلافاً في الفقه الدولي حول إذا ما كانت آثاره تتولد مباشرة للأفراد أو بمواجهتهم أم يكون تطبيقها عن طريق دولهم الأطراف في المعاهدة، فيكون أثر المعاهدة في الأمثلة السابقة هو التزام الدولة تحريم القرصنة وتحريم جرائم الحرب.
انقضاء الاتفاقية الدولية
تنتهي المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية لأسباب شتى أهمها ما يلي:
1- تنفيذها : كما لو قضت المعاهدة بتبادل تجاري محدد وتم هذا التبادل.
2- انقضاء أجلها : كما لو نص في المعاهدة على سريانها مدة محددة ولم يجددها أطرافها.
3 - اتفاق الأطراف على إلغائها : وفي هذا إقرار جديد بأن المعاهدة اتفاق يحمل رضا الطرف فمن له حق إنشاء الشيء له حق إلغائه.
4 - الفسخ : ويكون نتيجة للإخلال الجوهري بأحكام المعاهدة، مما يخول أطرافها الآخرين التمسك بهذا الإخلال أساساً لإنهاء المعاهدة أو لإيقاف العمل بها كلياً أو جزئياً. ويكون الإخلال جوهرياً بموجب معاهدة المعاهدات فيما لايبيحه قانون المعاهدات، أو أخلّ بنص ضروري لتحقيق موضوع المعاهدة أو الغرض منها .
5- استحالة تنفيذ المعاهدة : كما لو كان للمعاهدة محل اختفى أو هلك أو تعطل، فإذا كانت الاستحالة مؤقتة توقف سريان المعاهدة في أثناء الاستحالة .
6- التغير الجوهري في الظروف : فالمعاهدات تعقد تحت شرط ضمني مفاده بقاء الأمور على حالها. فإذا حصل تغير جوهري في الأحوال كان للدولة المعنية أن تطالب مطالبة مشروعة بإبطال المعاهدة أو تعديلها. ويشترط لاستناد الدولة على هذا البند شرطان متلازمان هما: أن يكون وجود الظروف ، التي طرأت عليها تغيرات جوهرية، من العوامل الأساسية لارتضاء الأطراف التزام المعاهدة في الأصل. وأن يترتب على التغير تبديل جذري في نطاق الالتزامات التي لم تنفذ بعد طبقاً للمعاهدة. على أنه لايجوز الاستناد إلى شرط التغير الجوهري للظروف، وفق ما جاءت به «معاهدة المعاهدات»، في حالة المعاهدات المنشئة للحدود، أو إذا كان التغير الجوهري في الظروف ناتجاً عن إخلال الطرف المتمسك به.
7- ظهور قاعدة آمرة جديدة عامة التطبيق في القانون الدولي : إذ تعد المعاهدة باطلة ومنتهية إذا تعارضت مع قاعدة آمرة جديدة عامة التطبيق في القانون الدولي استقرت بعد نفاذها.