العراق: 2003/4/9 – يوم العار الوطني
وميض نظمي
تمر علينا ذكرى تثقل القلب والضمير، وتشوه صورة التاريخ والمصير، ذكرى سقوط بغداد تحت الدبابات والحراب الأمريكية، وسقوط المغزى الحقيقي لكلمات الاستقلال والسيادة. بغداد عاصمة المنصور والرشيد وجعفر الصادق وأبى حنيفة النعمان والشافعي، بغداد عاصمة الحضارة والخلافة الإسلامية العربية لسبعة قرون، بغداد 1920 و 1941 و 1948 و 1952 و1956 و 1958.
ولم تكتف قوات الاحتلال بإزالة رموز النظام السابق، بل وانسجاما مع المخطط الصهيوني، قامت بحل جميع مؤسسات الدولة العراقية من القوات المسلحة، مرورا بشرطة الجمارك والحدود والنجدة والمرور، ودوائر مكافحة الإجرام، ثم نهب المتاحف والمكتبات والبنوك والمستشفيات والجامعات تحت بصر قوات الاحتلال. وركز الاحتلال على تصفية دوائر الدولة عبر قانون بريمر (اجتثاث البعث) الذي يمارس حملة وحشية من الطرد والفصل بدون أدنى تمييز بين الأخضر واليابس، أدت مع مظاهر العنف الأخرى إلى هجرة ۲۲ ألف طبيب عراقي على حد تصريح السيد محمود عثمان (أحد أقطاب البرلمان والنظام الحالي) حتى بداية ۲۰۰۷، وتم شن حملات من الاغتيالات والتهجير القسري وجرائم التعذيب من أبوغريب وبوکا ودیالی وغيرها، تمارسها طغم يحركها الثأر والانتقام، وهي صفات أبعد ما تكون عن بناء الدولة الحديثة، و تغييب القانون.
وفي تصريح مشهور لمتحدث رسمي عن سماحة السيد علي السيستاني بأن عدد علماء العراق الذين تمت تصفيتهم قد بلغ 5500 عالم، ونعترف بأن إحصائياتنا لم تصل إلى مستوى هذا الرقم المرعب، ولكننا نثق بصحة معلومات السيد السيستاني.
كل هذا وقوات الاحتلال لم تقدم أحداً للتحقيق عن مئات جرائم الاغتيال، وحكومتنا الوطنية “حكومة الوحدة الوطنية، ورائدة المصالحة، ودولة القانون، و شفافية الديمقراطية” (كذا) لم تكشف لنا عن واحد من قتلة الأطباء والمهندسين، وأساتذة الجامعات والصحافيين بمن فيهم نقيبهم، وصولا إلى الحلاقين والكناسين والخبازين، لانشغالها بمطاردة “التكفيريين والبعثيين” الذين ما زالوا قادرين على اختراق أجهزة الدولة على حد تصريحات كبار المسؤولين العراقيين.
ويقولون بأنهم أعادوا بناء الجيش والقوات المسلحة ضمن سلسلة من الأكاذيب التي ما زالوا يرددونها، ونسأل بكل بساطة: ما هو مصير دباباتنا ال8000 وطائراتنا ال650 من المقاتلات والقاصفات؟ وأين مئات السمتيات من طيران الجيش؟ أين أصبحت؟ وكيف تم تدميرها؟ أو بيعها بسعر التراب کسکراب؟ و أن ما يسمى بأدواتنا العسكرية الحالية لا علاقة لها بحماية حدودنا الوطنية، بل يراد لها أن تكون مجرد جندرمة لحماية أمن الاحتلال والحكومات المحلية، وهو أبعد ما يكون عن المهام الأساسية للجيوش الوطنية التي وظيفتها حماية الأمن الخارجي للدولة، لا أن تتحول إلى قوات شرطة داخلية.
وأكثر ما يحزن النفس هو انخراط عدد من القوى السياسية العراقية في تایید الاحتلال واعتباره (تمريرة) من الاستبداد، وكأن شعب العراق العظيم لا يملك سوى خيارين إما الاستبداد السياسي، وإما الاحتلال الأجنبي الذي يرتبط بالضرورة بأعلى أشكال الاستبداد الوحشي والفساد والتبعية.
وهل من الديمقراطية في شيء إثارة النعرات الطائفية والعرقية وتقسيم المجتمع وجعل أبنائه يقاتل بعضهم بعضا؟ وهل حدث في كل من التاريخ المعاصر و الحديث والقديم تهجير جماعي، واغتيالات مذهبية، ومذابح دينية، كالتي حدثت في عهد الاحتلال الأمريكي خلال السنوات المنصرمة.
ألم تكن هذه سياسات الاحتلال الأمريكي عبر تشکیل مجلس الحكم والدستور الحالي، والمحاصصة الطائفية التي ما زالت مفروضة حتى الآن؟ برغم أن الجميع، يدينونها شفاها على الأقل، ولكنهم لا يملكون إزاءها شيئا. وإذا افترضنا حسن النية لدى بعض من انخرطوا في العملية السياسية أملا في إصلاح الأمور، فهل تمكنوا من تغيير الممارسات في شيء ما؟ ومن تعديل التوازنات على أي مستوى؟ أم أنهم سقطوا في فخ حسن النوايا الذي يكشف عن غباء سياسي مفرط أفقدهم حتى مصداقيتهم ولم يجنوا إلا فتات الموائد.
ألا يسأل البعض أنفسهم عن سر تأييد الإدارة الأمريكية لحكم الطائفيين في العراق على الرغم من علاقاتهم الوثيقة مع طهران؟ في حين أن الإدارة ذاتها تؤيد حكم الطائفيين المضاد في لبنان وتعتبر كفاح حزب الله إرهاباً.
ألم يسمعوا تصريحات نتنياهو الداعية إلى تحالف “عربي – فلسطيني – إسرائيلي” ( كذا) ضد الخطر القادم من إيران؟ هكذا يراد لنا أن نستبدل الأعداء الحقيقيين للعرب بغيرهم.
إن المهمة الوطنية الجليلة لتحرير العراق، ووضع الأسس الثابتة لبنائه، بالديمقراطية والاستقرار يجب أن تكون من صنع أبناء العراق، كل أبناء العراق. إن التحالف الإمبريالي – الصهيوني – الرجعي لم يكن يوما جمعية خيرية تهب الناس الحرية والديمقراطية. ألم يتعظ بعض العراقيين بالانقلابات العسكرية الأمريكية الدموية التي أدت إلى إسقاط أنظمة برلمانية ديمقراطية، كما حدث في (غواتيمالا ( أربنز) وإيران (د. محمد مصدق) وتشیلی ((د. أليندي)؟
إن الخطيئة الفادحة لبعض القوى السياسية في العراق التي انخرطت في عملية الاحتلال هى تخليها عن أبسط واجباتها النضالية في الاعتماد على الذات وعلى شعب العراق، وفي ارتهانها لقوى الأجنبي وقبولها باحتلاله كأداة للتغيير بدل الثورة الشعبية، أو العصيان المدني، أو حتى انقلاب داخلي عسكري. وما زالوا حتى هذه اللحظة أسرى ارتهان قضايا العراق للأجنبي، إن من يرتهن نفسه لا سبيل أمامه إلا المزيد من الارتهان.
فلنناضل جميعا ضد الاحتلال ونفوذه وقواعده، ولنعتصم جميعا بالعروة الوثقی و الوحدة الوطنية، فهما السبيل الوحيد للخلاص والانعتاق والتحرر والبناء. دعهم يحتفلوا بما يناسبهم وبما يليق بوعيهم أو بالأحرى غياب وعيهم.
اعلاه مقتطفات من مقال حرره المفكر الوحدوي المرحوم وميض نظمي في 2009، و لا يزال مضمونه المؤلم سارياً، بل ازداد حكام ما بعد الاحتلال سوءاً و تبعيةً و خضوعاً و فساداً