منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:31 pm

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، الذي قال له ربه: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾[1] وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداهم إلى يوم الدين، وبعد:
1 - فإنه امتداداً لسلسلة مقالاتنا الاجتهادية المتعلقة بالفقه الطبي، والأسس التشريعية والأخلاقية لمهنة الطب، وكذا التصدي لبعض الأعمال المستجدة في علوم الطب والجراحة والبيولوجيا في ضوء النصوص الشرعية واجتهادات فقهاء الإسلام والنظم الطبية المعاصرة[2]، فإن مقالنا الحالي يندرج في نفس السياق؛ وهو البحث في الأحكام الشرعية والطبية للميت في الفقه الإسلامي، مع التركيز على المشاكل الشرعية التي تثيرها عمليات المساس بالجثة لضرورة علاجية أو للأغراض العلمية. ولاسيما بعد تطور التقنيات الطبية الحديثة، وتقدم البحوث والتجارب الطبية على الإنسان، والاكتشافات العلمية المعاصرة في وحدات العناية المركزة والإحياء الصناعي، التي ساعدت في نجاح عمليات نقل الأعضاء من جثث الموتى، ولكنها أظهرت مشاكل جديدة من الناحية الشرعية والإنسانية والأخلاقية والقضائية: كمشاكل تحديد لحظة الوفاة، ومشكلة الميت الحي (أو المتوفى دماغياً)، وحدود الإنعاش الصناعي، وموت الرحمة، وكيفية المساس بالجثة، ومدى حق الشخص على جثته بعد وفاته، واستنساخ الميت، وغيرها..، وكلها مسائل فقهية وليست طبية، فالرأي الأخير في هذه المسائل هو للفقهاء؛ لأن ذلك من اختصاصهم، وما رأي الأطباء فيها إلا للتوضيح والإستئناس فقط.
 
إن حماية حق الإنسان في تكامل جثته ومعصوميتها وحرمتها، وتشجيعاً للأطباء والعلماء على الابتكار والتقدم العلمي الذي يساعد على إنقاذ العديد من المرضى من الموت المحقق، هي دلالات تقتضي وضع هذه العمليات في إطارها الشرعي والنظامي.

2 - والجدير بالذكر هنا، أن الشريعة الإسلامية تعد أول تشريع في العالم ينظم أحكام الجثة والحقوق المتعلقة بها، وهذا منذ خمسة عشر قرناً وبدون منازع[3]. فأحاطتها بالحماية الشرعية، وبسياج من الضوابط يضمن لها البقاء والحفظ والحرمة والكرامة وعدم الاعتداء وتحريم إهانتها شرعاً. فقد روي عن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسره حياً))[4] فإنه لا فرق في الحرمة بين الجملة والأجزاء، بدليل أن الحديث النبوي الشريف جاء عاماً، وورد في رواية ابن ماجة من حديث أم سلمة زيادةً في الإثم[5].



3 - ونبحث موضوع قضايا الميت الفقهية والطبية في الفقه الإسلامي من خلال فصلين مهمين وهما:
الفصل الأول: المعيار الشرعي للموت في الفقه الإسلامي.
الفصل الثاني: الحماية الشرعية للجثة في الفقه الإسلامي.













الفصل الأول: المعيار الشرعي للموت في الفقه الإسلامي
4 - نتناول مسألة المعيار الشرعي للموت في الفقه الإسلامي من خلال المباحث الأساسية التالية: -
المبحث الأول: التعريف بالموت.
المبحث الثاني: حقيقة الموت عند فقهاء الإسلام.
المبحث الثالث: مقدمات الموت وشدته.
المبحث الرابع: علامات الموت عند الفقهاء.
المبحث الخامس: علامات الموت عند الأطباء.
المبحث السادس: مشكلة الميت الحي.
المبحث السابع: الحدود الشرعية والإنسانية والأخلاقية للإنعاش الصناعي.
المبحث الثامن: حكم من يتعدى على من كان في النزع.
المبحث التاسع: تحديد وقت الموت وأهميته الشرعية والنظامية.
المبحث العاشر: حكم موت الرحمة في الشريعة الإسلامية.









المبحث الأول: التعريف بالموت
5 - الموت هو اللحظة الحاسمة القاسية التي يغادر فيها الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة لقوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [6] وتقديم لفظ الموت على الحياة في الآية الكريمة هو لأنه أهيب في النفوس وأفزع[7]، وكذا لذكره والاستعداد له وللإشعار بأن الموت هو بدء الحياة الحقة العليا لا الحياة الدنيا[8]. فالموت ليس نهاية المطاف، بل هو مقدمة إلى حياة أبقى وأفضل[9]، وهذا لقوله سبحانه: ﴿ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [10]، وقوله عز وجل: ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ [11]، أي قضينا وحكّمنا عليكم الموت وساوينا بينكم فيه، سواء فيه الشريف والوضيع والأمير والصعلوك وما نحن بعاجزين[12].



6 - والموت لغة هو السكون، وكل ما سكن فقد مات[13]، وهو أيضاً ما لا روح فيه[14]. والموت والحياة نقيضان، لا يجتمعان في آن واحد، لأن الموت صفة وجودية خلقت ضد الحياة[15]، يزول به قوة الإحساس والنماء والتعقل[16]، فهو مفارقة الروح البدن لعدم صلاحية البدن لاحتوائها[17]. فالموت شرعاً هو خروج الروح من الجسد، أو مفارقة الحياة للإنسان مفارقة تامة، بحيث تتوقف كل الأعضاء بعدها توقفاً تاماً عن أداء وظائفها، والذي يحدد ذلك هم الأطباء[18]. والكل يموت لا فرق بين نفس ونفس في تذوق جرعة مفارقة الحياة عن طريق مفارقة الروح للجسد[19]، لقوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [20]. إنما الفارق في شيء آخر وفي قيمة أخرى، في المصير المحتوم الذي يستحق أن يحسب له ألف حساب، لقوله عز وجل: ﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [21].
 
7 - والموت في القرآن الكريم له عدة معان: فمن الموت ما هو إزالة القوة النامية الحية الموجودة في الإنسان والحيوان والنبات، ومنه قوله تعالى: ﴿ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ﴾ [22]، وقوله سبحانه: ﴿ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [23]. وموت هو زوال القوة الحسية، ومنه قوله سبحانه: ﴿ وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴾ [24]، وقوله عز وجل: ﴿ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ﴾ [25]. والموت هو زوال القوة العاقلة، ومنه قوله جل وعلا: ﴿ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ [26]. والموت هو النوم نومة أبدية، وفي هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾ [27]، وقوله سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [28]، ومنه جاء قوله عليه الصلاة والسلام: ((النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون)) [29] وعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه)، أن النبي صل الله عليه وسلم كان يقول عند النوم: ((باسمك اللهم أموت))، فإذا استيقظ قال صل الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور))[30].

 
وجاء الموت في القرآن الكريم أيضاً بمعنى الكفر أو الموت الفكري، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ ﴾ [31]، قال الحسن البصري رحمه الله: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، لقوله عز وجل ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [32]، فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن، فالموت والحياة مستعاران[33]. والموت هو اليقين الذي لا مفر منه ولا هروب، لقوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [34]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [35]. وموت هو كل مصيبة كبرى، أو أمر جليل ينغص نعم الحياة الدنيا، لقوله جل وعلا: ﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [36]، وقوله سبحانه:﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ [37]، وفي هذا المعنى جاء قوله عليه الصلاة والسلام: ((كفى بالموت مفرقاً))[38].



8 - فالموت هو الأجل المحتوم والميقات المعلوم، في ساعة محددة ووقت محدد، لا تقديم فيه ولا تأخير عنه، لقوله تعالى: ﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [39]. وقوله عز وجل:﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ﴾ [40]. وقوله سبحانه: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [41]، وقوله تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [42]، وقوله أيضاً: ﴿ قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لاَ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [43]. والموت هو الحقيقة الحتمية الفجائية التي تواجه كل حي، فلا يملك لها رداً ولا دفعاً، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [44] وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ [45]، وقوله عز وجل: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [46]. وقوله جل وعلا: ﴿ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [47]. وقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [48].





فالله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم، لقوله عز وجل: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [49]. وقوله جل وعلا: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ﴾ [50] . وهو عالم الغيب والشهادة، وهو الذي اختص نفسه بمعرفة ساعة وفاة كل امرئ ومكانها، لقوله سبحانه: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ [51]. وقوله عز وجل: ﴿ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ﴾ [52]. وقوله جل وعلا: ﴿ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [53]. قال سيد قطب رحمه الله في تفسيره: الله يستوفي الآجال للأنفس التي تموت، وهو يتوفاها كذلك في منامها، وإن لم تمت بعد، ولكنها في النوم متوفاة إلى حين، فالتي حان أجلها يمسكها فلا تستيقظ، والتي لم يحن أجلها بعد يرسلها فتصحو إلى أن يحل أجلها المسمى[54].

9 - والموت هو الرزية العظمى، مفرق الجماعات، ومنغص النعم، وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات))[55]. أي نغصوا بذكره والتفكير فيه اللذات الفانية حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله عز وجل[56] وسئل رسول الله صل الله عليه وسلم: أي المؤمنين أكيس؟ قال: ((أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً، أولئك هم الأكياس))[57]. وصدق عليه الصلاة والسلام إذ يقول: ((الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت))[58]. وقوله صل الله عليه وسلم: ((أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت))[59]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((تحفة المؤمن الموت))[60]. وقوله أيضاً: ((الموت كفارة لكل مسلم))[61].
 


وخرج عليه الصلاة والسلام إلى المسجد، فإذا قوم يتحدثون ويضحكون، فقال: ((اذكروا الموت أما والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))[62]. وفي هذا، جاء قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سميناً))[63]. ومن ثم، وجب على الإنسان ذكر الموت، وحسن الاستعداد له، وذكر الوقوف بين يدي الله عز وجل، لقوله سبحانه: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ﴾ [64]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الكرام فقه الحياة، وصرف الهمة لما بعد الموت، لأنها الحياة الحقيقية التي من أجلها خلق الإنسان. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال عليه الصلاة والسلام: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))[65]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صل الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاءً (أي فراشاً ليناً ناعماً)؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها))[66]. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: ((يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه))[67].

 




10 - فالموت حق، والمؤمن الحقيقي هو الذي يدرك تمام الإدراك أن الدنيا ما هي إلا استراحة قصيرة، ليتزود منها للآخرة، بذكر الموت والتعلق بالله عز وجل، فيهون عليه ما يفوته من زخرف الدنيا وحطامها الزائل[68]. وفي هذا المعنى، قال الإمام علي رضي الله عنه: القبر صندوق العمل، والناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا[69]، وقال الإمام المشهور في الزهديات الحسن البصري رحمه الله تعالى: فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فرحاً، وما ألزم عبد قلبه ذكر الموت إلا صغرت الدنيا عنده، وهان عليه جميع ما فيها[70]. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول دائماً: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك[71]. وقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما، لقوله تعالى:﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [72]. وقوله سبحانه: ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا ﴾ [73].


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:35 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:32 pm







المبحث الثاني: حقيقة الموت عند فقهاء الإسلام
 
11 - الموت في الحقيقة، كما قال بعض العلماء الذين بصرهم الله جل وعلا بعيوب الدنيا، ليس بعدم محض أو فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقة وحيلولة بينهما. فهو ليس فناءً أو انقطاعاً بالكلية عن الحياة، وإنما هو تبدل حال فقط، وانتقال من دار إلى دار[74]، أي انتقال الإنسان من دار التكليف والعمل إلى دار البرزخ والسؤال[75]. فقد ورد عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله أنه قال: إنما خلقتم للأبد والبقاء، ولكنكم تنقلون من دار الفناء إلى دار البقاء[76].
 
فإذا مات الإنسان، انتهت حياته الدنيوية بصفة تامة ونهائية، ودخل في حياة أخرى لا يعلم الناس حقيقتها ولا كنهها[77]. فالموت الذي يحل بالإنسان، ويعد ميتاً شرعاً بانقطاع الحياة في جسده هو موت نسبي فقط. فهو موت بالنسبة لعلم البشر في حدود تفكيرهم وتكليفهم، وهو موت بالنسبة لدار الدنيا لا دار البرزخ التي هي أوسع وأعظم[78]. فمن مات، فقد دخل البرزخ، والبرزخ في الأصل هو الحاجز بين الشيئين، ومعناه هنا: ما بين الموت والبعث[79].
 
فالله عز وجل على كل شيء قدير، جعل الدنيا دار تكليف وعمل، كما جعل الآخرة دار قرار وجزاء (الجنة أو النار)، وأن الموت في الحقيقة هو بدء الحياة البرزخية، ثم من بعدها الحياة الأبدية الدائمة (وهي حياة الجزاء والخلود). وعلى هذا النحو جاء قوله تعالى: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [80]، وقوله سبحانه:﴿ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [81].


12 - وعلى هذا الأساس، فإن الموت هو تبدل حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إما منعمة وإما معذبة حسب أعمال صاحبها[82]. ذلك والله أعلم، دليل أن الجنازة إذا كانت صالحة قالت: قدموني، قدموني، وإن كانت غير ذلك قالت: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الثقلين، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إلا الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق))[83]. فالميت يجلس في قبره، وتعاد روحه في جسده، ويسأل ويجيب، مما يدل على أن الميت بعد موته يكون حياً حياة تختلف عن حياته في الدنيا[84]. ولهذا ثبت في الصحيح أن الميت يسمع ويرى ويحس وهو في قبره، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن أحدكم إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وأنه ليسمع قرع نعالهم))[85]. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صل الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه الصلاة والسلام فقال: ((استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت إنه الآن يسأل))[86]. وعن البراء بن عازب، أن الرسول صل الله عليه وسلم قال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر))، ثم قال: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر))[87].


 
 
13 - ونلاحظ هاهنا، بأن القرآن الكريم قرر بأن الروح خالدة غير فانية، وأنها باقية بعد مفارقة الجسد. وما يؤكد ذلك بقاء حياة الشهداء وعدم موتهم في نعيم ورزق مع أن أجسادهم دفنت في القبور؛ لقوله تعالى:
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [88] وقوله سبحانه: ﴿ وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ [89].
 
فالجسد يفنى والروح تبقى، ليعيش في حياة البرزخ، وهذا لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن الرسول صل الله عليه وسلم قال: ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة))[90].
 




ومن المعروف شرعاً، أن الميت يشعر بزيارة الحي ويفرح بها، وحينما يسلم الزائر عليه فإنه يرد السلام، وهذا لما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى: ((ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا إستأنس ورد عليه حتى يقوم)) [91]. وعلى هذا شرع النبي صلى السلام على أهل القبور، ففي صحيح مسلم أن الإنسان إذا دخل القبور يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين[92].




14 - وحقيقة الموت هي مسائل اختص الله تبارك وتعالى وحده بعلمها وبمعرفتها، فالله عز وجل عنده علم الساعة، فهو وحده يعلم الساعة المحددة لأجل كل امرئ. ومنه قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ﴾ [93].
 


فالموت من مفاتيح الغيب الخمس التي استأثر المولى سبحانه بعلمها وحده دون غيره إلى أن تقوم الساعة، لقوله جل وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [94]. وروى البخاري في صحيحه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى: ((مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله: لا يعلم أحد ما يكون في الغد، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر))[95].
 




فالموت أمر عظيم، بيد الخالق الباري وحده دون غيره، لقوله سبحانه:﴿ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [96]. فهو عز وجل يرسل أسباب النهايات عندما يحين الأجل المحتوم الذي لا رجعة فيه، لقوله جل وعلا: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً ﴾ [97]. وقوله سبحانه: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [98].


المبحث الثالث: مقدمات الموت وشدته
15 - المقصود بمقدمات الموت هي سكراته وشدة الألم الناتج منها - والسكرات جمع سكرة، وهي مأخوذة من السكر، والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله. والسكرة تطلق على الغشى الناشئ عن الألم، وهي أكثر شيء في الموت إفزاعاً وتفزيعاً، وألماً وإيلاماً[99]، وقد وصف الله سبحانه وتعالى سكرات الموت وشدته في أكثر من آية: فأسماها سكرة في قوله عز وجل: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [100]. كما أسماها بالغمرات في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [101]. كما شبه القرآن الكريم الخائف خوفاً شديداً بمن هو في سكرة الموت، ومنه قوله جل وعلا: ﴿ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ [102]. وذلك لذهاب عقولهم من شدة الخوف والفزع حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة محددة[103]. وفي هذا المعنى، جاء قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ [104]، أي كمن يشخص بصره عند الموت، وذلك لشدة خوفهم وفزعهم[105].


16 - إن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها في الحقيقة إلا من ذاقها فعلاً، ومن لم يذقها فإنما لا يعرفها إلا بالقياس إلى الآلام التي أدركها، وإما بالاستدلال بالمشاهدة أو بالسماع بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه.




وذكر العلماء والشراح بأن سكرة الموت ((التي وردت في الآية 19 من سورة ق))، وهي قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ تعني غمرة الموت وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله بالأمر الحق من أهوال الآخرة حتى يراها المنكر لها عياناً ذلك ما كنت منه تحيد أي ذلك ما كنت تفر منه وتميل عنه وتهرب منه وتفزع[106]. والمقصود هنا، هي ساعة الاحتضار والمعاناة لنزع الروح من البدن[107]، وهي لحظة رهيبة وعصيبة، حتى إنه لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشرة في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم. وفي هذا جاء قوله تعالى: ﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ﴾ [108]. وقوله سبحانه: ﴿ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ [109]. وقوله عز وجل في ساعة الغرغرة حيث لا تقبل التوبة: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ﴾ [110]. وفي هذا قال عليه الصلاة والسلام: ((تقبل توبة العبد مالم يغرغر))[111].




قال الزمخشري في تفسيره لقوله جل وعلا: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ [112]. أي قبضت روحه، والتوفي استيفاء النفس وهي الروح، وهو أن يقبضها كلها لا يترك منها شيئاً، من قولك توفيت حقي من فلان أي استوفيته وافياً كاملاً من غير نقصان[113].




وقال العلامة الغزالي صاحب كتاب ((إحياء علوم الدين))، إن الموت لا ألم فيه، وإن وجد فيه، فإنه يرجع في الحقيقة إلى التحسر على فراق الدنيا[114]. وهو ما ذهب إليه الأطباء، أن دخول المريض في سكرات الموت وحالة الاحتضار، لا يصحبه شيء من مسببات الهلع والخوف والفزع، وهذا من فضل الله عز وجل مناسب لرحمته ورأفته بعباده [115]. وسكرات الموت في الطب، هي عبارة عن توقف الأعمال الحيوية في جسم الإنسان، نتيجة لتوقف أجهزة البدن الأساسية، وهي الجهاز الدوراني والجهاز التنفسي، والجهاز العصبي، وبهذا التوقف التام الذي لا رجعة فيه يكون الشخص غير قابل للإنعاش الصناعي، بحيث تحدث تغييرات بالجسم تمنعه من العودة إلى الحياة [116].




والجدير بالذكر، أن ما يسبق الموت من سكرات يسمى موتاً مجازاً لأنه الطريق الذي ينتهي بالموت، أي بمفارقة الروح مفارقة تامة للجسد[117]. وفي هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ﴾  [118]. أي سكرات الموت أو مقدماته. ومنه قوله سبحانه: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ [119]. وعليه فإن كل ما يرافق الأمراض من آلام وشدائد لا يسمى شرعاً سكرات الموت مالم تنته بخروج الروح، فخروج الروح هو الحد الفاصل بين الحي والميت، ولا يسمى الميت ميتاً إلا عند المفارقة التامة لروحه[120].




17 - وعملية الموت في سكراته أو مقدماته، أو في غمراته وآهاته، تستغرق من الزمن حوالي عشر دقائق، ولكنها شديدة وعصيبة بمقياس الألم[121]. وهو الألم الذي استعمله الإمام علي رضي الله عنه في الحض على القتال، وهو يقول رضي الله عنه: إن لم تقتلوا تموتوا، والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش [122].




وفي هذا الوقت الشديد، يأتي إبليس اللعين، فيتمثل أمام هذا الإنسان المحتضر، ومعه شيطان آخر بصورة والديه، أحدهما يكون عن يمينه والآخر عن شماله. ولهذه الفتن وغيرها، شرع تلقين المحتضر، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله))[123]. وفي رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ((فإنها تهدم ما قبلها من خطايا)) . وفي رواية أخرى لمعاذ بن جبل أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة))[124].




وروي عن النبي صل الله عليه وسلم أنه كان عنده ركوة (أو قدح) فيها ماء عند موته، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه، وهو يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا إله إلا الله إن للموت سكرات، اللهم هون علي سكرات الموت))، ثم نصب يديه فجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده))[125]، وهذه الآلام الشديدة الطويلة هي التي جعلت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صل الله عليه وسلم [126].




وقد كان الرسول صل الله عليه وسلم، يطلب من الله تعالى ويستعين به من شدة سكرات الموت. وروى ابن أبي الدنيا في باب الموت، عن الضحاك بن سمرة مرسلاً: أدنى جبذات الموت بمنزلة مائة ضربة بالسيف[127]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صل الله عليه وسلم: ((أن الملائكة تكتنف العبد وتحبسه ولولا ذلك لكان يعدو في الصحارى والبراري من شدة سكرات الموت))[128].


18 - ونلاحظ أخيراً، أن المحتضر في سكرات الموت، يشاهد الملائكة ويراهم، وقد يسلمون عليه، وهو يرد عليهم تارة باللفظ وتارة بالإشارة وتارة بالقلب، وذلك عند عدم التمكن من النطق والإشارة. ثم يجلسون عنده يتحدثون، وأهل الميت وغيرهم لا يبصرون شيئاً من ذلك، لقوله تعالى: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [129]. وقوله سبحانه: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴾ [130]. أي احتضر وحان أجله، وتوفته رسولنا أي ملائكة موكلون بذلك[131]، لقوله عز وجل ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ ﴾ [132]، وقوله سبحانه ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [133]، وقوله تعالى ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [134]، وقوله جل وعلا ﴿ قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ﴾ [135]. قال ابن عباس رحمه الله تعالى: لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم[136].




وفي هذا المعنى، روي عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ((إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون))[137]. فيكون الدعاء عند حضور هؤلاء الملائكة مقبولاً، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا حضر الموت أتت ملائكة الرحمة))[138]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لن يخرج أحدكم من الدنيا حتى يعلم أين مصيره وحتى يرى مقعده من الجنة أو النار))[139] ، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه))فقالوا: كلنا نكره الموت يا رسول الله !, فقال: ((ليس ذاك بذاك، إن المؤمن إذا فرج له عما هو قادم عليه أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه))[140]. ومنه قوله تعالى ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [141]، وقوله سبحانه ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [142].


المبحث الرابع: علامات الموت عند الفقهاء
19- لم يتعرض الفقهاء القدامى لتعريف الموت من الناحية الطبية، وإن كان بعضهم قد حاول تعريفه من الناحية التصويرية، فقيل إنه زوال الحياة من جسم الإنسان، يحدث بخروج الروح من البدن[143]. وهذا انطلاقاً من بعض الآيات القرآنية التي أفادت بأن الموت هو خروج الروح من الجسد، ومفارقة الحياة للإنسان مفارقة تامة[144]. وقد جاءت بعض علامات الموت في القرآن الكريم، ومنها الخمود وسكون الحركة، لقوله تعالى ﴿ إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ [145]. والخمود هنا يعني السكون، فما كانت إلا صيحة واحدة أخمدت أنفاسهم[146]، وقوله سبحانه ﴿ فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [147]، وقوله عز وجل ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ﴾ [148]. أي جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتاً على رأسه، فينشرح رأسه، وتبقى جثته هامدة وكأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان[149]. ومن علامات الموت أيضاً، عدم الكلام، لقوله جل وعلا ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴾ [150]. ومعنى ركزاً في الآية أي صوتاً، والركز لغة هو الصوت الخافي[151].




وتوضيح هذه الحالة إذا سكت النبض، وتوقف القلب توقفاً تاماً، وشخص البصر، واقشعر الجلد، وحشرج الصدر، وتشنجت الأطراف [152]. وقد روى ابن ماجة في سننه، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: دخل رسول الله صل الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر))[153]، ففي هذا الحديث النبوي الشريف، علامة على خروج الروح، فهي إذا خرجت تبعها البصر، وذلك بعد توقف القلب والتنفس، أما إذا كانا يعملان، فقد يكون الأمر مرضاً عصبياً، كما في نوبة الصرع أو رضوض الدماغ مثلاً.




قال النووي رحمه الله، في شرحه لهذا الحديث: إنه إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر، وأن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن، وتذهب الحياة من الجسد بذهابها[154]، وهذا ما يحدث تماماً في حالة موت الدماغ بإجماع الأطباء، حيث تكون العينان شاخصتين لا تتحركان أبداً ولا حتى بتسليط ضوء عليهما، بينما في حالات الإغماء (الغيبوبة) الأخرى كلها يمكن للعينين أن تتحركا بتسليط الضوء عليهما [155]، فللروح نهاية تخرج معها من جسم الإنسان، وعلامة خروجها شخوص البصر، وهذا لقوله عز وجل {﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾ [156].




20- وقد ذكر بعض الفقهاء بأن للموت علامات وأمارات يعرف بها حصوله منها. وهذه العلامات هي التغييرات الثابتة بمشاهدتها، والمستنبطة من خبرة البشر في مثل هذه الأمور. ومن هذه العلامات المذكورة في بطون كتب الفقه: توقف القلب، انقطاع التنفس، استرخاء الأعصاب والأطراف، سكون الحركة في البدن، تغير اللون، شخوص البصر، عدم انقباض العين، انخساف الصدغ، اعوجاج الأنف، انفراج الشفتين، امتداد جلدة الوجه، انفصال الكفين عن الذراعين، تقلص الخصيتين، عدم نبض العرق بين الكعب والعرقوب وعرق الدبر، وغيبوبة سواد العينين في البالغين، وكذا برودة البدن [157].




وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله بأن المحتضر من قرب الموت، وعلامته: أن تسترخي قدماه فلا تنتصبان، وينعوج أنفه، وينخسف صدغاه، وتمتد جلدة الخصية، لأن الخصية تتعلق بالموت وتتدلى جلدتها[158]. وذكر الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: وعلامات الموت أربع: انقطاع نفسه، وإحداد بصره، وانفراج شفتيه فلا تنطبقان، وسقوط قدميه فلا تنتصبان [159]. وقال النووي الشافعي في روضة الطالبين: إن الروح إذا فارقت البدن لم يكن بعد حياة، كاسترخاء القدمين مع عدم انتصابهما، وانخساف الصدغ، وميل الأنف، وامتداد جلدة الوجه، فإن شك بأن يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت علامات فزع أو غيره أو أخر (حكم الموت) إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره[160]. وذكر العلامة ابن قدامة الحنبلي في كتابه ((المغني)) أنه من العلامات الظاهرة للموت: استرخاء رجليه، وانفصال كفيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخساف صدغيه[161]. وقال الإمام الغزالي في كتابه ((إحياء علوم الدين)) بأنه يجب أن تترك الروح كل أعضاء الجسد، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفات الحياة، فالموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها[162]. وخلاصة القول: أن الشخص يعد حياً حتى يحصل يقين بزوال حياته من خلال ظهور علامات وأمارات لا تحصل إلا في شخص ميت، وأما من قربت نفسه من الزهوق فلم يحصل يقين بزوال حياته، فإنه يعد حياً عند الفقهاء[163]. كما أن سكرات الموت لا تعرف إلا بعد حلول الموت، فهي في ذلك كمرض الموت، فإن لم تنته الآلام والشدائد والكرب بالموت سميت نُذُر الموت لا سكراته[164]، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((للموت نُذُر قبله، لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة، لقد أعذر الله إليه، لقد أعذر الله تعالى إليه)) [165].




21 - وقد تعرض رجال الفقه المعاصر لتعريف الموت من ناحية علاماته أو أماراته. فقال سيد قطب رحمه الله هو مفارقة الروح للبدن [166]. وقال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بأن الموت هو سكون النبض ووقوف حركة القلب وقوفاً تاماً[167]. وذكر فضيلة الشيخ جاد الحق رحمه الله، بأن من علامات الموت: إشخاص البصر، وأن تسترخي القدمان، ويعوج الأنف، وينخسف الصدغان، وتمتد جلدة الوجه فتخلو من الانكماش[168]. كما أن دار الإفتاء المصرية في الفتوى المشهورة المؤرخة في 5/ 12/ 1979م قررت صراحة على ((أنه عند فقدان الجهاز العصبي لخواصه الوظيفية الأساسية، فإن الإنسان يعد ميتاً شرعاً، وتترتب آثار الوفاة من تحقق موته كلية، فلا تبقى فيه حياة ما، لأن الموت هو زوال الحياة))[169]. وهو ما أكده رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف من أنه ((لا يجوز التشريح ونقل الأعضاء إلا بموافقة أهل الميت، على أن يكون ذلك بعد تحقق وفاة الميت بتوقف مخه (أي دماغه) عن أداء وظيفته، لا بتوقف قلبه، لأن القلب قد يتوقف والمخ ما زال قائماً بوظيفته فلا تتحقق الوفاة))[170].
 


22 - ونلاحظ بأنه يجب التأكد من توافر العلامات السابقة الذكر فيمن يموت، حتى لا يدفن بعض الناس وهم أحياء، نتيجة أنهم راحوا في غيبوبة طويلة (أو سبات عميق) تلتبس في بعض الأحيان مع غيبوبة الموت الحقيقي[171]. وفي هذا يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله، وهو يتحدث عن تجهيز الميت، بعد أن ذكر علامات الموت، ((وإن مات فجأة كالمصعوق، أو خائفاً من حرب أو سبع، أو تردى من جبل، انتظر به هذه العلامات حتى يتيقن موته))[172]. وذكر الإمام الملهم الحسن البصري رحمه الله تعالى: في المصعوق (ومن في حكمه) ((ينتظر به ثلاثاً))[173] وقال النووي في ((المجموع))، فإن مات فجأة، لم يبادر بتجهيزه لئلا تكون به سكتة ولم يمت، بل يترك حتى يتحقق موته، فأما إن مات مصعوقاً، أو غريقاً، أو حريقاً، أو خاف من حرب أو سبع، أو تردى من جبل، أو في بئر فمات، فإنه لا يبادر به حتى يتحقق موته، فيترك اليوم واليومين والثلاثة حتى يخشى فساده، لئلا يكون مغمى عليه أو انطبق حلقه أو غلب المرار عليه [174].
وفي هذا، قال العلامة ابن رشد المالكي: فإذا قضى الميت غمض عينيه، ويستحب تعجيل دفنه لورود الآثار بذلك إلا الغريق، فإنه يستحب في المذهب تأخير دفنه مخافة أن يكون الماء قد غمره فلم تتبين حياته. وإذا قيل هذا في الغريق، فهو أولى في كثير من المرضى، مثل الذين يصيبهم انطباق العروق، وغير ذلك مما هو معروف عند الأطباء، حتى لقد قال الأطباء: إن المسكوتين لا ينبغي أن يدفنوا إلا بعد ثلاث [175].
 




23 - وقد أفادت دراسات علمية حديثة دقيقة: أنه في أمريكا يدفن خطأ شخص واحد في كل أربع وعشرين ساعة، وفي بريطانيا خلال 22 سنة دفن 2175 شخصاً أحياء (أي أن موتهم كان ظاهرياً فقط). وفي أمستردام بهولندا، أنقذت جمعية خيرية حياة 990 شخصاً في 25 سنة، كما أن جمعية مماثلة في همبورج بألمانيا أنقذت 107 أشخاص في أقل من خمس سنوات [176].




وقد ذكرت الكتب المتعلقة بالموت وأسراره، الكثير من نوادر الموتى: كالشخص الذي سمع صوت أخيه المدفون حياً من داخل القبر[177]؛ والميت المصعوق الضاحك وهو في السبات العميق[178]: والعجوز الإيطالي في 67 من عمره الذي لقي مصرعه في حادث تصادم، وبعد خمسة أيام من وضع جثته في المشرحة (في درجة حرارة 7 تحت الصفر) انتظاراً لحضور أحد أقاربه، عاد فجأة إلى الحياة، وأخرجوه من المشرحة ليعيش بعدها سنوات طويلة[179]، والفتاة المصرية التي انتحرت حرقاً عام 1931م، والتي وضعت جثتها على طاولة تشريح الموتى، وفي انتظار الطبيب الشرعي ليقوم بتشريحها، بدأت فجأة تتحرك ثم صرخت ((أنا عطشانه))، وسرعان ما نقلت إلى المستشفى لإنقاذها[180].


وعلى هذا الأساس، اتفق الفقهاء على أنه لا يوجد ما يمنع شرعاً الرجوع حسب قواعد الشرع إلى أهل الذكر (أي أهل العلم والاختصاص) وهم الأطباء، لتعرُّف هذه العلامات الظاهرة بالوسائل الطبية الحديثة، والمتاحة في الوقت الحاضر، وذلك بغرض تشخيص الموت، والتيقن منه فعلاً.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:37 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:33 pm

المبحث الخامس: علامات الموت عند الأطباء
24 - استقر الطب الحديث على أن الموت الكامل لخلايا المخ (أي الدماغ) الذي يؤدي إلى توقف المراكز العصبية عن العمل، هو المعيار الشرعي، والقانوني لموت الإنسان موتاً حقيقياً لا رجعة فيه[181]. والمقصود بموت المخ كلية الغيبوبة النهائية التامة، حيث تتوقف مراكز الاتصال والتكفير والذاكرة والسلوك وغيرها عن العمل. فتخرج بذلك حالة موت جزء من خلايا المخ فقط، وهي الغيبوبة المؤقتة، إذ إن موت المخ لا خلاف بين الأطباء في أنه ليس موتاً[182].

 
إن الدماغ (أو جذع المخ) هو المكان المعين في المخ الذي ترد عليه جميع الأحاسيس، وهو المركز الرئيسي للتنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية، وربما هو وعاء الروح، فهو المسئول عن وعي الإنسان ونومه ويقظته وحياته، فموت هذا الجزء من الدماغ يؤدي إلى إثبات الوفاة طبياً[183]. إن موت جذع الدماغ بشكل دائم مرة واحدة يؤدي حتماً إلى خروج الروح من البدن، حتى وإن كان القلب سليماً، وذلك لأنه لا يمكن طبياً تبديل لا القشرة الدماغية الميتة ولا الدماغ لميت[184]. ولكي يشخص الطبيب موت جذع الدماغ، لابد من علامات طبية وهي: الإغماء الكامل، عدم الاستجابة لأي مؤثرات لتنبيه المصاب مهما كانت وسائل التنبيه قوية ومؤلمة، عدم التنفس لمدة ثلاث أو أربع دقائق بعد إبعاد المنفسة ( Ventilator)، عدم وجود أي انفعالات منعكسة من جذع الدماغ[185]، وعدم وجود حركة الدمية عند تحريك الرأس، وكذا عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ[186].
 


هذا ولا يعد رسم الدماغ أساسياً في تشخيص موت الدماغ، غير أنه إذا توافر كان دليلاً إضافياً مفيداً من الناحية الشرعية والقانونية[187]. ولا تكفي هذه الشروط لإعلان موت الإنسان، بل لابد أن يكون توقف وظائف جذع الدماغ مصحوباً بعلامات طبية (باثولوجية وتشريحية)، وما يتبع ذلك من ظهور تغيرات: كحدوث تغييرات بالعين، وبهاتة لون الجسم، وبرودة الجسم وفقد حرارته الحيوية، والزرقة الرمية، وغيرها من علامات ظهور الجسم بمظاهر الجثة تنتهي بتحليل الجسم تحللاً كاملاً [188].


 
25 - والجدير بالذكر، أنه لم يتقرر ذلك إلا حديثاً[189] وبالتحديد في سنة 1952م، عندما قبلت إحدى المحاكم الأمريكية (في ولاية كنتاكي) النظر في الدعوى الخاصة بشخص كان قلبه لا يزال يدق لأنه كان يدفع بالدم من الأنف، فطبقت معيار موت جذع الدماغ كلية معياراً قانونياً للموت، وعدلت عن معيار توقف التنفس والنبض (أي القلب والدورة الدموية) الذي كان سائداً إلى وقت ما[190]. وهو ما أقره تقرير المؤتمر الثاني للأخلاق الطبية لجمعية الأطباء بفرنسا الذي انعقد بباريس سنة 1966م، والذي أكد بأن معيار الموت هو الموت الكامل لخلايا المخ (الدماغ)، وأن الموت ليس نتيجة حتمية لوقف حركة القلب في الجسم[191]. وكان أول من وضع المواصفات العلمية والطبية الخاصة بتحديد موت الدماغ هي لجنة ((آدهوك)) (AD HOC) في جامعة هارفرد (HARVARD) الأمريكية عام 1968م[192].
 

ولولا تطبيق هذا المعيار الحديث، لما استطاع البروفيسور الفرنسي المشهور ((كريستيان برنارد)) (CHRISTIAN BERANARD) أن يقوم بالعملية الأولى لزرع قلب كامل بمستشفى جوهانسبرج في جنوب إفريقيا سنة 1967م[193]. وذلك أنه حسب التعريف القديم، فإن الأشخاص الذين تجرى لهم عمليات القلب المفتوح، يعتبرون أمواتاً أثناء العملية الجراحية، حيث إنه في أثناء العملية فإن القلب والتنفس يتوقفان تماماً عن العمل؛ ولكن الواقع أن هؤلاء الأشخاص أحياء، ويعودون إلى وعيهم وحياتهم بعد العملية، لأن جزء المخ كفلت له وسائل الحياة بواسطة القلب الصناعي الذي قام بدفع الدم إلى المخ وباقي الجسم وساعدهم على انتظام استمرار التنفس[194].

 
إن موت القلب يتبعه لا محالة موت الدماغ، إذا انقطع عنه الدم (لمدة تتراوح من دقيقتين إلى أربع دقائق)، وبالتالي يعد مثل ذلك الشخص في عداد الموتى[195]. ومن ثم، فإن الموت من الناحية الطبية هو توقف جهاز التنفس والدورة الدموية والجهاز العصبي توقفاً تاماً لبضع دقائق، وما يتبع ذلك من ظهور علامات وتغيرات، ومنها ظهور الجسم بمظاهر الجثة، ويتم ذلك بعد حوالي ساعتين وهو ما يعبر عنه بموت الأنسجة. ولهذا يفرق الأطباء بين موت الشخص وموت الأنسجة، فالأخير يبقى لمدة ما قد تصل إلى ساعتين أو أكثر في بعض الأحشاء أو الأنسجة بعد موت الشخص؛ فمثلاً قد تتفاعل العضلات للغيار الكهربائي إلى ما بعد الموت بنحو ثلث أو نصف ساعة، وقد يظل الكبد يحول المواد النشوية إلى سكرية لحوالي ساعة أو ساعتين بعد الوفاة، وكذلك قد تظل الحيوانات المنوية حية في الخصية[196].
 

ومن علامات الموت عند الأطباء؛ توقف الدورة الدموية والتنفس توقفاً تاماً، عتامة قرنية العين، نقص الضغط داخل العين، ارتخاء الأطراف، برودة الجسم، الزرقة الرمية، التيبس الرمي، التعفن الرمي، التصبن الرمي، وأخيراً التحول إلى مومياء[197].

26 - ومن المؤكد لدى الأطباء، أنه ليس هناك لحظة محددة للموت، فهناك تدرج من الموت الإكلينيكي، إلى الموت البيولوجي، ثم الموت الخلوي النهائي[198]. فالموت الإكلينيكي هو المرحلة الأولى، حيث يتوقف جهازاً التنفس والقلب عن أداء وظائفهما. وفي مرحلة ثانية، يتوقف الدماغ (بموت خلايا المخ) بعد بضع دقائق من توقف دخول الدم المحمل بالأكسجين للمخ (ما لم تستعمل وبسرعة أجهزة الإنعاش الصناعي)[199]. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة للموت، تموت خلايا أعضاء وأنسجة الجسم شيئاً فشيئاً وتدريجياً، فيحدث ما يسمى ((بالموت الخلوي))، وهو الموت التام والكامل للإنسان[200]. ومن ثم، فإن حالات الغيبوبة المؤقتة مهما طالت، والاغماء الطويل أو السبات العميق (أي غياب الوعي مهما طال الزمن)، والموت الإكلينيكي، وتعطل عمل القشرة المخية، والموت الجزئي للجسد أو لبعض أعضائه، لا تعد موتاً بالمفهوم الشرعي والطبي، مالم يتم إثبات تشخيص موت جذع الدماغ الذي هو موت حقيقي لا رجعة بعده للحياة[201].

 
27 - ونلاحظ مما سبق، بأنه يجب التفرقة بين موت جذع الدماغ وموت المخ. أما الأول فهو موت محقق لا رجعة للحياة بعده؛ وأما الثاني فهو غيبوبة ربما يتغلب عليها بالمعالجة الطبية بعد تشخيص أسبابها، ومن ثم فإن موت المخ لا خلاف في أنه ليس موتاً[202].

 
فمن المعروف طبياً أن موت المخ (وهي الحالات التي تحدث عندما تتلف قشرة المخ بشكل دائم، فتتلف مع ذلك مراكز الإرادة والوعي، ولكن جذع الدماغ يكون سليماً فتبقى أعضاء الجسم الأخرى عاملة) لا يمكن اعتباره موتاً بالمفهوم الطبي الشرعي، إذ أنه من الثابت لدى الأطباء أن حالات موت المخ يكون أصحابها أحياء تظهر فيهم مظاهر الحياة المختلفة: كنبضان القلب نبضاً عادياً، والتنفس، والحرارة الطبيعية، واستمرار إفرازات معظم أجهزة الجسم، والأفعال الانعكاسية الإرادية، كما أنه يستمر شعرهم وأظافرهم في النمو، وأن الحمل في حالة السيدات الحوامل يستمر طبيعياً طوال فترة الغيبوبة حتى تتم الولادة في موعدها الطبيعي[203].

وعلى هذا الأساس، فإن تدخل الطبيب بإنهاء حياة المريض الذي هو في حالة موت المخ، إنما هو قتل لنفس حرم الله قتلها، وهو قتل يستوجب القصاص شرعاً. وذلك لاستمرار الحياة الطبيعية والحيوية في جسده التي تبقى عاملة وسليمة. خاصة وأن الطب الحديث، يسعى حالياً إلى تطوير تقنيات جديدة لإصلاح قشرة المخ بزرع الخلايا الدماغية بدل تلك التالفة[204]. وإن كان الرأي الراجح عند الأطباء أنه لا يمكن تبديل القشرة الدماغية الميتة ولا الدماغ الميت[205].


 
 
 
28 - هذا ومن الممكن أن يتوقف قلب إنسان عن العمل، ولكن خلاياه (أي خلايا القلب) تظل حية، فإن موت هذا الإنسان ليس إلا موتاً ظاهرياً لعدم موت الجهاز العصبي. فالقلب يمكن أن يتوقف عدة مرات (السكتة القلبية)، ولكن يمكن إسعافه مادام الدماغ حياً[206]. فلا يوجد ما يمنع شرعاً من إسعاف القلب وإعادته إلى عمله الطبيعي، عن طريق استخدام التقنيات الطبية الحديثة، وهي أدوات الرعاية المركزة وأجهزة الإنعاش الصناعي للتحقق من الجهاز العصبي. فإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبي لخواصه الوظيفية الأساسية، فإن الإنسان يعد ميتاً شرعاً وقانوناً[207]، وجاز حينئذ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي[208]. وهو ما قررته دار الإفتاء المصرية[209]، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية[210]، وما أفتى به مجمع الفقه الإسلامي بمقتضى القرار رقم 5 والصادر بتاريخ 3/ 7/ 1986م في دورته الثالثة المنعقدة بعمان (الأردن) من 11 - 16 أكتوبر 1986م، حيث عد موت الدماغ موازياً لموت القلب وتوقف الدورة الدموية، وهو الموت الشرعي الذي يجيز وقف أجهزة الإنعاش الصناعي[211].

وهو ما قررته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، من أن المعتمد عليه في تشخيص موت الإنسان هو خمود منطقة المخ المنوط بها الوظائف الحياتية الأساسية، وهو ما يعبر عنه بموت جذع المخ، وعليه فإنه إذا تحقق موت جذع المخ، بتقرير لجنة طبية مختصة، جاز حينئذ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي[212].



فالموت هو مفارقة الإنسان للحياة، بعد التحقق من الموت الكامل لجذع الدماغ، ومعيار ذلك بيد الأطباء[213]. فيكفي للتأكد من موت المتوفى التحقق من موت جميع خلايا مخه، ومن التوقف التلقائي للوظائف الأساسية للحياة في الجسم[214].
 

29 - ومما يجدر الإشارة إليه، أن القوانين الطبية العربية حرصت على عدم تعريف المقصود بالموت في القانون، وهذا على أساس أن تعريف الموت مسألة طبية بالدرجة الأولى، ومن ثم فلا يجوز للمنظم أن يتدخل في تحديدها بقواعد تنظيمية. وهو الاتجاه الذي سلكه القانون الطبي الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976م المتعلق بنقل وزرع الأعضاء البشرية الذي سكت عن تعريف الموت، وفضل أن يتم ذلك بأداة تنظيمية أكثر مرونة، بحيث يمكن تعديلها تبعاً للتطورات الطبية. ولهذا جاء في المادة 4/ 4 من القانون الطبي الفرنسي ((أن اللائحة التي ستصدر يجب أن تتضمن إجراءات طرق التأكد من الوفاة))[215].


المبحث السادس
 : مشكلة ((الميت الحي)) (الوفاة الدماغية)

30 - مشكلة ((الميت الحي))، إن جاز هذا الاصطلاح، يأتي حين يصاب الدماغ إصابة بالغة نتيجة الحوادث (كحوادث السيارات، والارتطام، والتردي، والسقوط من مكان شاهق، وإطلاق النار..)، أو نتيجة نزف في الدماغ، أو ورم الدماغ، أو توقف القلب لفترة قبل الإنعاش... ففي مثل الحالات عندما توضع أجهزة الإنعاش الصناعي، لا يكون الطبيب متيقناً أن جذع الدماغ قد مات[216]. فتحتاج إلى سرعة كبيرة، وعناية مركزة لمحاولة الإنقاذ فيبقى المصاب تحت المنفسة الاصطناعية (MECHANICAL VENTILATOR)[217]. ومن ثم، فإنه لا يمكن تشخيص موت جذع الدماغ، في مثل هذه الحالات من الناحية الشرعية، إلا بعد التأكد التام من التوقف الكامل الذي لا رجعة فيه لوظائف جذع الدماغ مع وجود إصابة مرضية باثولوجية وتشريحية[218].



وتشخيص الوفاة الدماغية (أو موت الدماغ) يجريه طبيبان على الأقل، من الأطباء المختصين الثقات[219]، أحدهما مختص في جراحة الأعصاب (أو طب الأمراض العصبية)[220]. ومن علامات الوفاة الدماغية: الغيبوبة الكاملة، انتهاء الحركة وانقطاع التنفس التلقائي، غياب الأفعال المنعكسة الدالة على نشاط الجهاز العصبي، عدم استجابة حدقتي العينين للضوء، عدم الاستجابة للمؤثرات المؤلمة، عدم استجابة عضلات الحنجرة لتحريك أنبوب بالقصبة الهوائية، وكذا عدم استجابة العينين لحقن الأذنين بماء بارد[221].

31 - هذا ويفرق الأطباء بين الوفاة الدماغية، وهي توقف جميع وظائف الدماغ مما يؤدي حتماً إلى توقف القلب والتنفس، عند عدم وجود أجهزة الإنعاش الصناعي وبسرعة؛ وبين السكتة الدماغية وهي خلل مفاجئ في تدفق الدم في جزء من الدماغ (بفعل انسداد أوعية دموية في الدماغ، أو جلطة دموية تصل إلى الدماغ، أو ضعف في جدران الأوعية الدموية نتيجة تسارع أو ارتفاع في ضغط الدم أو غيرها..) مما يساهم بدوره في موت خلايا الدماغ في المساحة المصابة من الدماغ، وبالتالي إحداث خلل أو إعاقة في مهام الجسد التي يقوم بها ذلك الجزء من الدماغ (مثل الحركة أو البلع أو الإدراك الحسي أو الذهني أو أي إحساس آخر..) وقد استطاع الطب الحديث علاج العديد من المصابين بالسكتة الدماغية وتأهيلهم[222].


32 - وعند ثبوت تشخيص موت جذغ الدماغ، يحرر الأطباء المختصون شهادة شرعية بوفاة ذلك الشخص شرعاً وقانوناً[223]. أما عن أجهزة الإنعاش الصناعي، فإنها توقف شرعاً[224]، إلا إذا كان المصاب أو ذووه، قد وافق أو وافقوا على التبرع بأعضائه أو أنسجته[225]. وفي هذه الحالة، يمكن شرعاً استخدام أجهزة الإنعاش الصناعي، بأن تستمر في عملها بعد إعلان الوفاة الشرعية، من أجل الحصول على أعضاء صالحة في حالة جيدة، لنقلها وزرعها بنجاح في جسم المستفيد الحي [226].


إن الاحتفاظ بأعضاء ((الميت الدماغي)) وأنسجته حية بواسطة أجهزة الإحياء الصناعي لبضع ساعات، للمحافظة على حياة بعض خلايا جسمه في الأعضاء المهمة: كالقلب أو الكلية أو الكبد أو الرئتين أو البنكرياس أو العيون أو الجلد أو غيرها، ريثما يوافق ذووه على التبرع بأعضائه، لا يغير من حقيقة الوفاة الشرعية شيئاً [227]. فلا يعد استقطاع القلب منه قتلاً، إذا كان مستوفياً للشروط الشرعية[228]، وذلك لأن التروية بأجهزة الإنعاش الصناعي، ليست إلا إحدى الوسائل الطبية الحديثة التي تستخدم لحفظ الأعضاء في حالة أنها تصلح للاستخدام والمعالجة الطبية[229]. وشأنه في ذلك كمن يضع الأعضاء في ثلاجة ريثما يتم زراعتها، وإن كان المريض المصاب ميتاً بالفعل، أو في ((حكم الميت)) فهو لا يعي ولا يحس ولا يشعر، وذلك لتلف مصدر ذلك كله وهو جذع الدماغ[230].


33 - وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة بعمان عام 1986م بجعل موت الدماغ موتاً، إذا تعطلت جميع وظائف الدماغ تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ الدماغ في التحلل. وفي هذه الحالة يجوز رفع أجهزة الإنعاش الصناعي المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة[231]. وهذا قرار صائب يقوم على إجماع طبي، وفقاً لما أقره الفقهاء من فتاوى وآراء فقهية اجتهادية في هذا الخصوص.



وقد وافقت على هذا، توصيات ندوة ((الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها))، المنعقدة في الكويت في يوم 24/ 1/ 1985م، والتي قررت بأنه تسري على ((الميت الدماغي)) بعض أحكام الموت، قياساً على ما ورد في الفقه من أحكام، كتلك الخاصة بالمصاب الذي وصل إلى ((حركة المذبوح))[232].
 

الموتى، ولكن يجب التأكد من موته بعد نزع الأجهزة بتوقف قلبه وتنفسه قبل إعلان الموت




كما وافق عليه كل من الدكتور أحمد شرف الدين[233]، والدكتور محمد علي البار[234]، والدكتور محمد أيمن صافي[235]، والدكتور أحمد شوقي أبو خطوة[236]، والدكتور بكر أبو زيد[237]، والدكتور فيصل شاهين[238]، والدكتور عبدالله باسلامة[239]، ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر[240] والشيخ محمد المختار السلامي ( مفتي الجمهورية التونسية )[241]، والباحثة ندى الدقر[242]، وكذا الدكتور يوسف الدقر[243]. غير أن المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي لم يجعل موت الدماغ كافياً لتشخيص الوفاة الشرعية؛ بل لابد من توقف قلب الشخص ودورته الدموية لتسري عليه أحكام الموت[244]. وهو ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية التي أفتت بأنه لا مانع شرعاً من رفع أجهزة الإنعاش عن المريض المحتضر الذي مات دماغه، إذا قرر طبيبان فأكثر أنه في حكم [245].
 

 



وقد خالف بعض الفقهاء ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي، ومنه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي[246]، والدكتور توفيق الواعي[247]، والدكتور عقيل العقيلي[248]، والدكتور عبدالله الحديثي[249]، على أساس أن موت الدماغ هو نذير موت محقق بالمقاييس الطبية لا بالمقاييس الشرعية؛ لأن الموت شرعاً هو خروج الروح من الجسد ومفارقة الإنسان للحياة مفارقة تامة، ومن علاماته سكون النبض وتوقف حركة القلب وقوفاً تاماً. إن موت الدماغ، لا يعدو أن يكون أحد مظاهر الموت، ولكن ليس هو الموت يقيناً، فحياة الإنسان يقين، واليقين لا يزول بالظن، بل يزول بيقين مثله وفقاً لقاعدة استصحاب الأصل[250].


 




 
 
والحقيقة أن ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي هو المعتمد، وذلك انطلاقاً من أن العلامات الجسدية المؤكدة للموت التي ذكرها فقهاء الإسلام متوافرة في موت الدماغ إلا توقف القلب والنبضان، وهو شرط لم يتناوله أحد من الفقهاء القدامى[251]. مع العلم أن الوفاة الدماغية هي التلف الكامل والنهائي للدماغ والذي لا رجعة فيه[252]، مما يؤدي حتماً إلى موت الأعضاء الأخرى التي تموت بالتدريج، كتوقف القلب وموت خلايا الكبد والكلى والرئتين والبنكرياس، ثم تتبعها العضلات والعظام والجلد التي تبقى فيها حياة لعدة ساعات [253]. وهذا كما يحدث تماماً بالموت عند توقف القلب والتنفس، غير أنه في حالة موت الدماغ يبقى القلب في العمل آلياً (أي أوتوماتيكياً) بفعل أجهزة التنفس الصناعي خلال ساعات إلى أيام قليلة[254].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:39 pm





المبحث السابع: الحدود الشرعية والإنسانية والأخلاقية للإنعاش الصناعي






35 - المقصود بالإنعاش هو المعالجة الطبية المركزة، أو العناية المكثفة التي يقوم بها الفريق الطبي المختص، للمريض الذي فقد وعيه، أو تعطلت عنده بعض الأعضاء الحيوية، كالقلب والرئة إلى أن تعود إلى وظيفتها الطبيعية. ومن أجهزة الإنعاش الصناعي (RSUSCITATION) نذكر ما يلي: جهاز المنغاس الذي يعوض عمل الرئة، وجهاز منظم ضربات القلب الذي ينظم الضربات القلبية بشكل منتظم، وجهاز مزيل رجفان القلب الذي يعيد القلب للعمل من جديد في حال التوقف، وأجهزة الكلية الصناعية التي تعوض عن وظيفة الكلى، إضافة إلى معالجة دوائية مختلفة لا يمكن إعطاؤها إلا تحت مراقبة فائقة[257].






 


إن الفترة الزمنية التي تستعمل خلالها أجهزة أو أدوات العناية الطبية المركزة (INTENSIVE CARE)، يكون المريض المصاب فيها بين الموت والحياة. فهي تساعد المرضى الذين تعدت حالتهم موت الدماغ، والذين كانت تنطبق عليهم علامات الموت المتعارف عليها، باستمرار التنفس وعمل القلب آلياً أو اصطناعياً، عن طريق وسائل ((الإحياء الصناعي))[258]. فالصحيح من الناحية الطبية والعملية، أن الإنسان الخاضع لأجهزة الإنعاش قد مات بفقدان جهازه العصبي لخواصه الوظيفية، وأن الذي يبقى على قيد الحياة لا يعدو أن يكون مجموعة من الأعضاء أو الأنسجة بفعل استمرار الدورة الدموية اصطناعياً[259].






 


وذكر بعض الأطباء أنه من بداية الموت الإكلينيكي (أي توقف القلب والرئتين)، وقبل موت خلايا المخ، وهي فترة لا تستغرق أكثر من بضع دقائق؛ فإن المريض المحتضر في هذه المدة القصيرة يعد من الأحياء[260]. ومن ثم فإنه يتعين شرعاً إنقاذه وبسرعة حتى لا تموت خلايا مخه موتاً تاماً وكاملاً[261]. ولذلك فإن الغرض من استخدام أجهزة التنفس الصناعي الأوتوماتيكية، في هذه الحالة، هو إطالة حياة مريض، ولا يعد ذلك من قبيل إعادة الحياة إليه لأنه ما زال حياً في حكم الشرع والقانون، حتى ولو كانت بعض مقومات حياته قد توقفت عن العمل التلقائي[262].


 




وقد أخبر الله جل وعلا، بأن المجرم والأشقى في الحياة الآخرة، لا هو ميت فيستريح من العذاب، ولا هو حي حياة هنيئة[263]. وهذا لقوله سبحانه ﴿ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ [264]. وقوله عز وجل ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ [265].




 






 


36 - وسنحاول البحث في الحدود الشرعية والإنسانية والأخلاقية للإنعاش الصناعي من خلال التعرض للمسائل المهمة التالية: -




أ - الإنعاش الصناعي بين الحظر والإباحة.




ب - حكم الإنعاش الصناعي.




جـ - الإنعاش الصناعي وجرائم الامتناع.




د - حكم إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي.










أ - الإنعاش الصناعي بين الخطر والإباحة:




37 - إن الإنعاش الصناعي، هو نموذج حي للأعمال الطبية المستحدثة، ولاسيما بعد تقدم العلوم البيولوجية وتطور التقنيات الطبية الحديثة، التي يمكن أن يتأرجح حكمها بين الإباحة والتحريم؛ وذلك حسب ما إذا كان الهدف منها حفظ حياة قائمة، أو إطالة موت ثابت عن طريق وضع الشخص الذي يحتضر في حالة ((إحياء صناعي)) بوسائل صناعية أوتوماتيكية[266].






 


كما أن مشكلة استمرار الحياة أو إنهائها، للمرضى الميؤوس من شفائهم، أو موتى الدماغ وهم في غيبوبة مستمرة (أو حياة عضوية صناعية بفضل استخدام أجهزة الإنعاش)، وكذا إطالة حياة عضوية صناعية والحفاظ عليها بوسائل صناعية معقدة لفترة قد تستمر إلى أسابيع إذا لزم الأمر، هي مسائل شرعية، متفرعة عن موضوع أوسع، هو ضرورة حماية حقوق الإنسان أمام تطور علوم الطب والبيولوجية، وخاصة فيما يتعلق بهذه الوسائل الفنية الجديدة في مجال الجراحة والتجارب الطبية على الإنسان[267].






38 - إن الإنعاش الصناعي، وإن كان نوع من أنواع التداوي، الذي يقلب حكم التحريم إلى الوجوب حفاظاً على الحياة بوسائل صناعية، وهي ثاني المقاصد الضرورية الخمسة[268]. فإن الفقه الإسلامي يحمي المريض الخاضع لأجهزة الإنعاش الصناعي، أو وسائل العناية المركزة، بسياج من الحقوق والضمانات الشرعية، مما ينجم عن ذلك من إيقافها دون التأكد من موته موتاً حقيقياً، وكذا من تسرع بعض الأطباء والجراحين إلى الإعلان عن وفاته لاستعمال جثته أو أعضائه أو التجريب عليه، بما يتعارض مع أخلاقيات المهنة الطبية في الإسلام[269].












ب - حكم الإنعاش الصناعي:




39 - اتفق الفقهاء على أنه إذا كان الغرض من الإنعاش الصناعي، هو إنقاذ الأرواح التي يتعرض أصحابها لأزمات وقتية، بإعادتهم إلى وعيهم بصفة كاملة، حتى لا تموت خلايا المخ، عن طريق تزويدها بالدم والأكسجين اللذين تتوقف عليهما حياتها، أي بمعنى ضمان استمرارها في أداء وظائفها الأساسية والحيوية، فإن هذا جائز شرعاً[270]. وذلك لأن استمرار حياة المريض في هذه الحالة، أي المرحلة بين الموت الإكلينيكي وموت خلايا المخ، والتي لا تستغرق سوى بضع دقائق طبية فقط، لا يعد من قبيل إعادة الحياة له، لأنه ما زال حياً في حكم الشرع[271]. فإن أجهزة الإنعاش تعيد للقلب والجهاز التنفسي نشاطهما، بحيث يؤدي ذلك، في بعض الأحيان، إلى استرداد المريض وعيه كاملاً وإعادة وظائفه الأساسية، فيصبح من الممكن للمريض أن يعود إلى التنفس الطبيعي ويخرج من المستشفى سليماً[272].






 


وعلى هذا الأساس، فإنه لا يجوز شرعاً للطبيب أن يفصل هذه الأجهزة قبل حدوث موت جذع الدماغ، وإلا تسبب في موت المريض موتاً حقيقياً لا رجعة فيه[273]. ويسأل الطبيب عن فعلته هذه مسئولية مدنية وجنائية، كما أنه يُسأل إذا امتنع عن تقديم المساعدة لهذا المريض الذي يعد حياً من الناحية الشرعية والطبية[274].


 




وفي هذا النطاق، يجوز أن يعد الإنسان ميتاً متى زالت مظاهر الحياة منه، وبدت هذه العلامات الجسدية واضحة[275]. غير أنه لا يوجد ما يمنع شرعاً من استعمال أدوات طبية للتحقق من موت الدماغ، كاستعمال رسم الدماغ لتشخيص موت الدماغ[276]. إن استمرار التنفس وعمل القلب والنبض، وكل أولئك دليل شرعي على الحياة في جسم الإنسان وإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبي لخواصه الوظيفية [277].






 


إن المريض الخاضع لأجهزة الإنعاش، هو مريض تعطلت عنده بعض الوظائف الأساسية الحيوية تعطلاً مؤقتاً، والإنعاش هو علاج مكثف أو رعاية طبية مركزة لإنقاذ حياته، وبالتالي فهو يأخذ حكم الوجوب بالنسبة للمريض [278]. فالإنعاش أشبه ما يكون بإنقاذ غريق، أو من وقع تحت الهدم، فهو واجب كفائي، إن قام به بعضهم سقط عن الباقي، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع[279]. قال الإمام البغوي الشافعي: إذا علم الشفاء بالمداواة وجبت[280]. وقال الشيخ محمد المختار السلامي (مفتي الجمهورية التونسية): أما الإنعاش فيبدو لي أنه واجب، ذلك أنه لا تختلف حالة الإنعاش عن أي حالة من حالات الاضطرار التي تقلب حكم التحريم إلى الوجوب حفاظاً على الحياة[281].






 


40 - غير أن الإنعاش الصناعي بهدف إطالة الموت، واحتكار الميت الموجود في مرحلة تعدت موت خلايا المخ، لا لسبب إلا لتأجيل إعلان الموت، أو التجريب على حياة عضوية صناعية بفعل استخدام أجهزة الإنعاش، أو أنه لا أمل إطلاقاً في عودة المريض إلى الحياة الطبيعية، أو للمحافظة على القيمة الشرعية للعضو المراد استقطاعه، والمرضى في حاجة ماسة إلى الجهاز لإنقاذ حياتهم ولا تجده، هي أمور لا يقرها الشرع مطلقاً. وذلك لأن مراكز الرعاية الطبية المركزة بالمستشفيات هي لإنقاذ الأرواح، وليس لدفع الموت أو تأجيله[282].






 


وفيما يتعلق باستعمال أدوات العناية المركزة وأجهزة الإنعاش الصناعي، فإنه لابد من اتباع سياسة عادلة وواضحة داخل المستشفيات، بما يتفق مع مبدأ المساواة بين حقوق الناس في الحياة، وفقاً لأحكام الشرع الإسلامي. فإذا توافرت هذه الوسائل الطبية في مستشفى، فإنه يجب أن تكون مفتوحة لكل مريض بغض النظر عن سنه ونوع مرضه. كما أنه يجب أن يُعطى كل مريض الحق في الإنعاش متى سكت قلبه، حتى ولو كان مرضه ميئوساً منه دون تفرقة بين مريض ومريض[283]. فمثلاً يحتجز شيخ جهاز الإنعاش لمدة أسابيع، وفي المستشفى لا يوجد غيره، فاحتاجه شاب، فلا يجوز شرعاً أخذه من الشيخ قبل موت خلايا مخه وإعطاؤه للشاب، هذا قتل عمد في الشريعة الإسلامية يستوجب القصاص[284]. ومن ثم، فإنه إذا تعدد المرضى الذين يحتاجون إلى تركيب أجهزة الإنعاش الصناعي عليهم، في حين أنه لا يوجد منه عدد كاف، فإنه يوكل اختيار المريض الذي ينقذ حياته إلى لجنة من الأطباء المختصين الثقات[285].






 


41 - [286]وقد ذكر فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (شيخ الأزهر السابق رحمه الله تعالى) في الفتوى المشهورة التي أصدرها بتاريخ 5/ 12/ 1979م، بأنه يمنع شرعاً تعذيب المريض المحتضر باستعمال أية أدوات أو أدوية، متى بان للطبيب المختص أن هذا كله لا جدوى منه إطلاقاً، وأن الحياة في البدن ذاهبة لا محالة إلى الموت الكلي النهائي.


 




وهو ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، من أنه إذا وصل المريض المحتضر إلى المستشفى وهو متوفى، فإنه لا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش الصناعي[287]. كما أنه إذا كانت حالة المريض غير صالحة تماماً للإنعاش الصناعي (كأن يكون في حالة خمول ذهني متقدم، أو مرض مستعص غير قابل للعلاج إطلاقاً وأن الموت محقق، أو مرض مزمن في مرحلة متقدمة أو تلف في الدماغ غير قابل للعلاج، أو تكرار توقف القلب والرئتين، أو أن الإنعاش غير مجد وغير ملائم للمريض في وضع معين... )، فإنه لا حاجة شرعاً في مثل هذه الحالات لاستعمال جهاز الإنعاش إذا قرر ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات ذلك، ولا يُلتفت إلى رأي أولياء المريض في وضع أجهزة الإنعاش أو رفعها لكون ذلك ليس من اختصاصهم[288]. وهذا الاجتهاد صائب، لأنه إذا كان هذا النوع من العلاج غير مُجد، أو فيه تعذيب للمحتضر بإطالة الموت، أو أنه أصبح كفاحاً وعناداً علاجياً ضد قدرة الله عز وجل (الموت) الذي هو حق فرضه الله تعالى على كل حي، فلا حاجة لاستعمال أجهزة الإنعاش الصناعي لعدم الجدوى.






42 - فإذا مات الإنسان موتاً حقيقياً، بموت جذغ دماغه، وتوقف المراكز العصبية عن القيام بوظائفها الأساسية والحيوية، فإن محاولة إعادة الحياة إليه عن طريق الإنعاش الصناعي، بكل إصرار وعناد وتعنت علاجي، هو أمر يخالف الحقائق العلمية الطبية التي تقرر عدم إمكانية إعادة خلايا المخ بعد موتها[289]. إن الدماغ إذا تلف كله، فإنه لا يمكن تعويضه أو تشغيله مرة أخرى ولا يمكن استبداله، وهذا التلف الكامل والنهائي للدماغ والذي لا رجعة فيه، هو الذي يسميه الأطباء ((بالوفاة الدماغية))[290]. كما يخالف أيضاً الحقيقة الشرعية التي تقضي بأن الإحياء والإماتة، إنما هي من الأفعال الغيبية التي اختص الله تعالى بها وحده، لا يشارك أحد فيها الله عز وجل[291]. وقد أحصى علماء التفسير ما يزيد عن أثنتي عشر آية في القرآن الكريم تفيد أن الحياة والموت بيد الله وحده[292]. فإذا قضى الله جل وعلا بموت إنسان، فليس في مقدور أحد من الأطباء (مهما كانت خبرته) أن يؤخر قضاءه[293]. وهذا لقوله تعالى ﴿ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [294]. وقوله سبحانه ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [295]، وقوله عز وجل ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ ﴾ [296]. وقوله جل وعلا﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [297]. وقوله تعالى ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴾ [298]. وقوله سبحانه ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [299]. وقوله عز وجل﴿ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [300]. وقوله جل وعلا ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [301]. وقوله تعالى ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [302]. وقول سبحانه﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ﴾ [303]. وقوله عز وجل ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [304]. وقوله تعالى ﴿ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [305]. وقوله عز وجل ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [306]. أي الذي أوجد في الدنيا الحياة والموت، فأحيا من شاء وأمات من شاء، إنه على كل شيء قدير[307]. وقوله جل وعلا ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [308]. قال القرطبي في تفسيره: أي يقبضها عند فناء آجالها[309]. وقال الشوكاني في فتح القدير: أي يقبضها عند حضور آجالها ويخرجها من الأبدان[310].








 


43 - وعلى هذا فإنه يمنع شرعاً تعذيب المريض المحتضر، باستعمال أجهزة الإنعاش وأدوات الإحياء الصناعي، متى تيقن الطبيب المختص القائم بالعلاج أن حالة المحتضر ذاهبة لا محالة به إلى الموت. وذلك لأن الشرع لا يضع التزاماً على عاتق الطبيب بإطالة حياة عضوية صناعية لإنسان ثبت موته من الناحية الطبية (بموت خلايا مخه). إن الاستمرار في المحافظة على حياة عضوية بفعل استخدام أجهزة الإنعاش، مليئة بالعوارض، مجردة من كل فائدة ذاهبة لا محالة إلى الموت الخلوي، بوسائل صناعية ((أوتوماتيكية)) معقدة، هي فكرة لا تتفق مع الشرع والنظام والأخلاق، ولا تنسجم مع أخلاقيات وآداب المهنة الطبية[311]. إن إيقاف عمل أجهزة الإنعاش الصناعي في مثل هذه الحالة لاستغلالها في إنقاذ مرضى أحياء هو أمر يقره الشرع الذي يعطي الأولوية لمصالح الأحياء[312].






 






ونلاحظ بأنه في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث العلاج باهظ التكاليف وعلى نفقة المريض، يؤخذ رأي المريض أو ذويه قبل اتخاذ القرار بوضعه تحت أجهزة العناية المركزة أو الإنعاش الصناعي، وقد بلغ حرص الناس المادي إلى درجة أن بعض الأمريكيين يوصون بألا يمنحوا العناية المركزة والإنعاش، إذا ما دعت الضرورة إذا كان ذلك لمجرد تعذيبهم، أو عناد علاجي لا فائدة فيه، أو لمجرد إطالة مدة بقائهم أحياء على حساب مواردهم المالية المحدودة[313].










جـ - الإنعاش الصناعي وجرائم الامتناع:




44 - من المعروف طبياً أنه لا يجوز لأي طبيب أن يمتنع عن علاج مريض، ما لم تكن حالته خارجة عن اختصاصه، أو قامت لديه أسباب واعتبارات تبرر هذا الإمتناع، ولكن يجب عليه أن يسعفه في الحالات الطارئة احتراماً للحياة الإنسانية في جميع الظروف[314].






 


والمشكلة التي تثور هنا، عندما يموت المريض موتاً دماغياً، بموت خلايا مخه، رغم تمتعه بحياة عضوية اصطناعية بفضل استخدام أجهزة الإنعاش الصناعي، فهل يجوز شرعاً وقانوناً الامتناع عن تقديم المساعدة لهذا المريض، وإيقاف هذه الأجهزة رأفةً بالمريض الميؤوس من شفائه؟[315].


 


45 - إن أجهزة الإنعاش الصناعي تمثل وسيلة طبية علاجية من نوع خاص، فهي تهدف لاطالة حياة مريض ميؤوس من شفائه، لفترة قد تطول أو تقصر. ويفرق رجال القانون هنا، بين حالتين أساسيتين: حالة الامتناع، وحالة الإيقاف رأفةً.


 


أما الحالة الأولى، فهي أن يمتنع الطبيب عن استخدام أجهزة الإنعاش الصناعي لمريض معرض لخطر الموت، وهنا يكون قد ارتكب جريمة الامتناع عن مساعدة شخص في خطر المعاقب عليها قانوناً. فإذا كان المريض هو الذي طلب ذلك، وامتنع الطبيب عن استخدام هذه الوسائل الطبية، نكون بصدد قتل بدافع الشفقة بطريق الامتناع السلبي[316]. وأما الحالة الثانية، أن يوقف الطبيب أو غيره أجهزة الإنعاش الصناعي رأفةً بالمريض مما يؤدي إلى وفاته، وذلك عن طريق نزعها بفعل إيجابي. فهنا ندخل في حالة القتل بدافع الرأفة الإيجابي[317]. وإيقاف عمل هذه الأجهزة بعد توقف القلب والجهاز التنفسي، مع استمرار خلايا المخ يعد إنهاء لحياة إنسان ما زال على قيد الحياة ما دامت خلايا مخه ما تزال حية[318]. أما إيقاف عمل هذه الأجهزة بعد موت خلايا المخ فلا يعد إنهاء لحياة إنسان، وذلك لأن الشخص بموت خلايا مخه يكون قد فارق الحياة فعلاً[319].






 


46 - وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المريض المشرف على الهلاك، يكون إنقاذه أمراً واجباً من الناحية الشرعية، فهو كالجائع في البيداء يتضور جوعاً، وأمامه شخص معه فضل زاد، فإن الأخير يعد آثماً إذا تركه حتى مات جوعاً[320]. لقوله صل الله عليه وسلم((أيما أهل عرصة أصبح فيه امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله))[321].




وقوله عليه الصلاة والسلام ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماماً لا يبايعه منها إلا الدنيا، فإن أعطاه منها وفّى، وإن لم يعطه منها لم يف))[322].


 


 






وقال بعض الفقهاء أن الامتناع السلبي، والذي فيه يتوقف الطبيب عند إعطاء العلاج للمريض، لا يدخل في مسمى ((قتل الرحمة)) لعدم وجود فعل إيجابي من قبل الطبيب إنما هو ترك لأمر ليس بواجب ولا مندوب، فهو جائز ومشروع إن لم يكن مطلوباً، وللطبيب أن يمارسه طلباً لراحة المريض وراحة أهله[323]. خاصة، وأن بعض الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون، بل فيهم من اختار المرض والصبر، كأبيّ بن كعب، وأبي ذر، رضي الله عنهما، ومع هذا فلم ينكر عليهم التداوي[324]. وهذا لحديث ابن عباس في الصحيح عن الجارية التي كانت تصرع (أي يصيبها الصرع)، وسألت النبي صل الله عليه وسلم أن يدعو لها، فقال: ((إن أحببت أن تصبري ولك الجنة، وإن أحببت دعوت الله أن يُشفيك))، فقالت: بل أصبر، ولكن أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها ألا تتكشف[325].








د - حكم إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي:




47 - إن حماية المصالح الشرعية المترتبة على إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي، يجب أن لا ينسينا وجود حياة إنسانية أخرى، يجب أن تحظى هي الأخرى، بالرعاية الصحية والاهتمام لحين إثبات وفاتها بصفة شرعية وقانونية[326]. وعليه فإنه عند تزاحم المرضى على أجهزة العناية المركزة، بأن تكون الأجهزة لا تكفي لإنقاذ الجميع، فإنه على الطبيب المختص، بحكم التجربة والممارسة وقواعد المهنة الطبية إيثار بعضهم بذلك، إذا غلب على ظنه انتفاع ذلك المريض به، وإلا تجري القرعة بينهم في ذلك[327].






 


وقد عد الفقهاء القرعة أصلاً تبنى عليه الأحكام الشرعية لإزاحة تهمة الميل، وتطييب القلوب، وأقرها جمهور الفقهاء في الجملة، وأنكرها بعض الحنفية والمالكية[328]. ومن ثم أقر الفقهاء القرعة بين النساء عند السفر لدفع شبهة الميل[329]. وكذا جواز إلقاء أحد الركاب من سفينة في البحر خشي عليها العطب بقرعة لينجو الباقون دفعاً لهلاك الجميع[330]. والقرعة جائزة شرعاً، لقوله تعالى ﴿ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ﴾ [331]. وقوله سبحانه﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾ [332]. وهي من أمر النبوة، فقد أقرها النبي صل الله عليه وسلم في خمس سنن أو في خمسة مواضع[333].


 






وبالإضافة إلى هذا، فإن المريض المحتضر الذي فقد بعض مقومات حياته الأساسية والحيوية، وتأكد الأطباء من حقيقة موت خلايا مخه، وأصبح مجرد حياة عضوية صناعية آلية وأوتوماتيكية، ما كان ليريد أن يكون طريقه إلى الموت مضطرباً ومليئاً بالعقبات والشدائد. ولذا فمن حق أسرته، من وجهة النظر الإنسانية والشرعية والأخلاقية أن تطلب إلى الطبيب المختص إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي[334]. ويكون إيقاف هذه الأجهزة بقرار جماعي، يتخذه الفريق الطبي المختص (طبيبان فأكثر)، بعد التأكد التام من موت جذع المخ حسب المقاييس العلمية الطبية، والتيقن من عدم امكان عودة الشخص إلى الحالة الطبيعية[335]. ولكن يجب أن ينتظر الأطباء بعد نزع الأجهزة مدة مناسبة للتأكد من توقف قلبه وجهازه التنفسي قبل إعلان الموت[336].








 


48 - إن إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي يُعد قتلاً عمداً في الشريعة الإسلامية، إذا تم قبل موت الجهاز العصبي للمريض موتاً كاملاً ونهائياً؛ وإنه على العكس لا يُعد قتلاً شرعاً إذا كان تركيب الأجهزة قد تم بعد موت خلايا مخه، فحياته هنا كانت غير متحققة[337]. وذلك لأن جذع الدماغ هو المتحكم في جهازي القلب والتنفس، فإن توقف جذع الدماغ، يؤدي لا محالة إلى توقف الدورة الدموية والتنفس ولو بعد حين[338].






 


وعلى هذا الأساس، قرر مجمع الفقه الإسلامي، بأنه يجوز رفع أجهزة الإنعاش الصناعي المركبة على الشخص إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل وإن كان بعض الأعضاء لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة[339]. وجاء في توصيات ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها، التي انعقدت في الكويت في شهر ربيع الآخر 1405هـ (يناير 1985م)، على أنه إذا تحقق موت جذع الدماغ بتقرير لجنة طبية مختصة جاز حينئذ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي[340]. كما أجاز المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة سنة 1408هـ، رفع أجهزة الإنعاش عند تشخيص موت الدماغ، إلا أنه لابد من توقف قلب الشخص ودورته الدموية لتسري عليه أحكام الميت[341].


 






وهو ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، والتي قررت أنه لا مانع يمنع شرعاً من نزع أجهزة الإنعاش الصناعي عن المريض المحتضر الذي مات دماغه، إذا قرر طبيبان فأكثر أنه في حكم الموتى، ولكنه يجب أن ينتظر بعد نزع الأجهزة مدة مناسبة حتى تتحقق وفاته[342]. وذلك لأن حركة القلب والتنفس، إنما هي تشتغل بالأجهزة ((أوتوماتيكياً)) (أي بمعنى آلياً واصطناعياً)، وأنه لا حياة للشخص الموجود في غيبوبة مستمرة، فإنه يجوز إيقاف هذه الأجهزة، ولكن يجب التأكد من موته بعد رفع الأجهزة بتوقف قلبه وتنفسه قبل إعلان الموت[343].






49 - وعليه فإنه يجوز شرعاً إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي، التي تبقي المريض المحتضر في حياة ظاهرية فقط، أي في حياة عضوية صناعية، إذا قرر ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات تلف جذع دماغه تلفاً حقيقياً لا رجعة فيه. وذلك لأن هذا المريض هو ميت فعلاً، أو في حكم الميت لتلف جذع الدماغ، الذي به يحيا الإنسان ويعي ويحس ويشعر. إن بقاء المريض المحتضر على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل، ويحجز أجهزة طبية معقدة يحتاج إليها غيره ممن يجدي معه العلاج، وهو وإن كان لا يحس فإن أهله وذويه يظلون في قلق وألم ما دام على هذه الحالة التي قد تطول إلى عشر سنوات أو أكثر[344].




ومن هذا المنطلق، صرح الداعية فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي بتاريخ 28/ 11/ 1991م، أمام حوالي 800 طبيب عربي وأجنبي اجتمعوا بالدوحة بقطر، أنه يجوز رفع أجهزة الإنعاش الصناعي من المريض في غيبوبة مستمرة، شريطة أن يكون في حالة متقدمة وأن الموت محقق، بعد معرفة التشخيص الطبي والتأكد من توقف دماغه من كل نشاط[345].




50 - إن حماية حق الإنسان في الحياة، وفي الوقت نفسه رعاية حقوق الآخرين بمن فيهم أسرة المريض والمجتمع، وأيضاً درء المسئولية عن الطبيب (وما يمليه عليه واجبه الإنساني في إنقاذ المرضى وإسعافهم)، وكذا أخلاقيات الشرع والمهنة الطبية التي ترفض بقاء هذه الأجهزة لمجرد إطالة الموت (أو لتأجيل إعلان الموت) وتعذيب المحتضر في وضع معين غير قابل للعلاج، هي أمور تقتضي وضع ضوابط شرعية للرعاية المركزة بالمستشفيات، لتغليب مصلحة الأحياء، ودون إهدار لحقوق المريض الخاضع لأجهزة الإنعاش الصناعي. فلا يجب ترك القول الفصل فيها للأطباء وحدهم، لأنها مسائل فقهية وليست طبية، كما أن هناك حدود شرعية يجب ألا تتعداها الاكتشافات الحديثة في العلوم الطبية والبيولوجية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:42 pm

المبحث الثامن : حكم من يتعدى على من كان في النزع
51 - لا يجوز شرعاً التعدي على المريض المحتضر الذي ظهرت عليه علامات الموت المتعارف عليها، وهو المريض الذي لا ترجى حياته، بأن كان في حالة الاحتضار أو النزع الأخير.
 


 


والنزع هو مؤلم نزل بنفس الروح، فاستغرق جميع أجزائه، حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشرة في أعماق البدن إلا قد حل به الألم[346]. وهو ما يسمى بسكرات الموت (ق13)، أو غمرات الموت (الأنعام/ 93)، أو غشوة الموت (الأحزاب/ 19، ومحمد/ 20)، أو التراقي (القيامة/ 26 - 30).
 


 


وقال الفقهاء بأنه من تعدى عليه، فأنهى حياته، وجب عليه القصاص لأنه أنهى حياة مستقرة بإزهاق روحه[347]. وذلك لأن المريض المحتضر الذي يعاني من سكرات الموت، لا يُعد شرعاً في صنف الأموات مهما اشتدت عليه، بل هو حي في حكم الشرع والنظام، ويعامل معاملة الأحياء، حتى لو لم يبق بينه وبين خروج الروح إلا نفس واحدة[348]. فمن اعتدى على شخص في مثل هذه الحالة، فإنه يكون قد اعتدى على حي، له من الحرمة ما للأحياء، حتى ولو كانت بعض مقومات حياته قد توقفت عن العمل الطبيعي التلقائي[349]. فإذا كان التعدي على عضو من أعضائه (كالقلب أو الكبد أو الكلية أو الرئة أو العين أو غيرها...) ففيه القصاص إذا كان ذلك على سبيل العمد، أو الدية إذا كان لا يمكن القصاص، والدية والكفارة الضمان إذا كان ذلك على سبيل الخطأ[350].

52 - فلا يجوز شرعاً للطبيب المختص أن يوقف أجهزة الإنعاش الصناعي قبل موت الجهاز العصبي للمريض المحتضر، أي قبل موت جذع دماغه[351]. وإلا تسبب في موت المريض موتاً حقيقياً لا رجعة فيه[352]. ولا يشفع للطبيب في فعلته هذه وجود أناس آخرين، في حالة المريض نفسها، في حاجة إلى أجهزة الإنعاش، لأن مبدأ التساوي بين الناس معصومي الدم، يمنع التضحية بحياة إنسان لإنقاذ حياة أخرى[353].
 




وقال ابن حزم الظاهري، في كتابه ((المحلى)): فمن قربت نفسه من الزهوق، وكان بينه وبين الموت نَفَس واحد فمات له ميت يرثه، وقاتله قاتل نفس[354]. وذكر الشربيني الخطيب الشافعي، في كتابه ((مغني المحتاج)): قال الإمام: ولو انتهى المريض إلى سكرات الموت، وبدت مخايله، فلا يحكم له بالموت[355]. وذكر العلامة ابن عابدين الحنفي، في كتابه ((رد المحتار)): ولو قتله وهو في النزع قتل به إن كان يعلم القاتل أنه لا يعيش بهذا النزع، لأن النزع غير محقق وفاة صاحبه، فإن المريض قد يصل إلى حالة شبه النزع، بل إنه قد يظن أنه مات، ويفعل به كالموتى، ثم يعيش به طويلاً[356].

 


 


 


53- ومن ثم، فإنه من قربت نفسه من ((الزهوق)) (أو النزع الأخير)، له من الحرمة ما للأحياء من الناحية الشرعية والقانونية: ومن تسبب في إزهاق روحه عمداً وجب عليه القصاص عند المالكية والشافعية والحنابلة، سواء كان القتل بالمباشرة أو بالتسبب[357]. وعليه فإن استقطاع الأعضاء من المريض في حالة موت الدماغ، قبل التأكد من موت خلايا مخه، هو قتل يستوجب القصاص[358]. كما أن الفصاد إذا فصد إنساناً وتركه ينزف حتى مات، وجب عليه القصاص إن قصد الموت[359].

 


إن الشريعة الإسلامية تحمي المريض المحتضر، مهما اشتدت عليه الكرب والشدائد، من كل تعذيب، وكل تقصير أو تعد في حقه، وبأي حال من الأحوال. فلا يجوز للأطباء التسرع في اقتطاع أحد أعضائه بهدف علمي أو علاجي، إلا بعد الإثبات الطبي والشرعي للوفاة الشرعية، وأن يُعبر في أثناء حياته عن قبوله ذلك صراحة ودون تردد، أو موافقة أسرته بعد وفاته. هذه هي الضوابط والضمانات الشرعية التي وضعها الفقه الإسلامي[360].



المبحث التاسع: تحديد وقت الموت وأهميته الشرعية والنظامية
 


54 - إن لحظة تحديد الوفاة تعني شرعاً ونظاماً ميلاد جثة هذا المتوفى، وهي مسألة متروك تقديرها لذوي الاختصاص وهم الأطباء[361]. والمقصود بالجثة هاهنا، جثة شخص ميت، ثبت بناء على الخبرة الطبية توقف جميع مظاهر الحياة في جسمه، وتختص بالتحقق من ذلك لجنة طبية مختصة لا يكون بين أعضائها الطبيب أو الأطباء الذي يعهد إليهم إرجاء عملية النقل[362].
 


 


وقد ذكرنا سابقاً، بأنه عند ثبوت تشخيص موت جذع الدماغ، يحرر الأطباء المختصون شهادة شرعية بوفاة ذلك الشخص، أي موته موتاً حقيقياً لا رجعة فيه. وأحكام الشرع الإسلامي توجب تكريم جثة المتوفى، وعدم التعريض بها أو إهانتها، وحق الأولياء في حمايتها والدفاع عنها[363].

وقد اتفق الفقهاء على أن الإنسان الذي يصل إلى مرحلة مستيقنة، هي ((موت جذع الدماغ))، يكون قد استدبر الحياة، وأصبح صالحاً لأن تجري عليه بعض أحكام الموت قياساً (مع فارق معروف) على ما ورد في الفقه خاصة بالمصاب الذي وصل إلى حركة ((المذبوح)). أما تطبيق بقية أحكام الموت عليه، فقد اتجه الفقهاء إلى تأجيله حتى تتوقف الأجهزة الرئيسية الأخرى كالقلب والتنفس[364].
 




كما أن المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، لم يجعل حدوث موت الدماغ كافياً لتشخيص الوفاة الشرعية، بل لابد من توقف قلب الشخص ودورته الدموية لتسري عليه أحكام الميت[365].



55 - ومن المؤكد من الناحية الشرعية والنظامية، أن تحديد وقت الموت له أهمية بالغة لكثير من المسائل: كالعقود، والمسئولية، وحقوق الملكية، وقوانين الضرائب، وتنفيذ التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت، وغيرها.

ومن أهم الآثار الشرعية للموت في مجال الحقوق والديون: سقوط العبادات[366]. (كالصلاة والصيام والزكاة والإحرام بالحج والعمرة...)، وزوال أهلية الوجوب وانتهاء الشخصية القانونية والشرعية[367]. وزوال التكاليف الشرعية[368]. (كسقوط النفقات التي تجب عليه حال حياته، ونهاية الوكالة، وانفساخ بعض العقود التي أبرمها الميت كالوكالة والقراض ونحوهما، ونهاية سريان الأحكام الصادرة عليه قبل موته...)، وسقوط المسؤولية الجنائية بالموت[369]، وسقوط الحدود الشرعية بموت المعتدى عليه كالمقذوف[370]. ولا تفسخ بالموت عقود المعاوضات والمنافع المرتبطة بأجل (كالإجارات ونحوها)[371].
وبالموت يتم ارتفاع النكاح وبدء العدة على الزوجة من لحظة وفاة زوجها حقيقة أو حكماً، وهي عدة الوفاة، أي أربعة أشهر وعشرة أيام (سورة البقرة، الآية 233)[372]، وعدم الوجوب حد الزنا بوطء الميتة[373]. وإباحة خروج المعتكف لاتباع الجنازة[374]، فإذا كان موته بسبب جناية وجب شرعاً القصاص أو الدية حسب نوعية الجناية، وتحديد القاتل عند اشتراك الجناة على التتابع[375].
كما أنه بالوفاة تنتقل ملكية أموال وحقوق الميت إلى ورثته الشرعيين، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من ترك مالاً فهو لورثته))[376]. إن موت المورث هو شرط شرعي لتوزيع أمواله، وتنفيذ وصاياه الصحيحة والنافذة إذ إنه في هذا الوقت يتحدد عدد الورثة وصفاتهم وصلاتهم بالميت[377]. وبالوفاة أيضاً، تصبح جميع الديون، مطلقة كانت أم مؤجلة، مستحقة الأداء من التركة، لأنه لا تركة إلا بعد سداد الديون ورد الأمانات إلى أهلها[378]. لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[379]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه))[380]. وقوله أيضاً: ((من حمل من أمتي ديناً، ثم جَهَدَ في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليه))[381].

56 - وترجع أهمية معرفة مكان موت المتوفى، في تحديد المحكمة الشرعية المختصة إقليمياً في الفصل في المنازعات والخصومات المتعلقة بتصفية التركة، وجميع مشاكل القسمة الشرعية؛ كما أن تركة الميت وأمواله تخضع للنظام والقواعد الساري بها العمل لحظة الوفاة.
ومن أهم الآثار الشرعية المترتبة على لحظة الوفاة فوراً، هي الأحكام المتعلقة بذات الميت بعد موته: هي حرمة التعدي عليه، ومشروعية توجيهه إلى القبلة، وعدم تركه وحده قبل دفنه. وكرامة الميت إذا تيقن موته تعجيله، بمعنى المسارعة في تجهيزه بغسله وتكفينه والصلاة عليه استعداداً لدفنه، لأنه أصوب له وأحفظ من أن يتغير وتصعب معالجته. ويستحب على الحاضرين تلقين المحتضر وأمره بالشهادة؛ فإذا مات يستحب غمض عينيه، والدعاء له وتغطيته، والتعجيل بتجهيزه ودفنه، وسؤال التثبيت له بعد دفنه، وتعزية أهل الميت، كما أنه يستحب لأوليائه المبادرة لقضاء دينه من التركة[382].
هذا، وبعد غسل الميت وتكفينه[383]. تجب الصلاة عليه وجوباً كفائياً، سواء أكان تقياً حتى الشهيد، أم شقياً حتى المنتحر، ذكراً كان أم أنثى، عاقلاً أم مجنوناً، كبيراً أم صغيراً، وهي عبادة لا تصح بدون نية القربة[384].
57 - والجدير بالذكر هنا، أنه يترتب شرعاً على موت الحيوان نجاسته بالموت، بما في ذلك شعره وصوفه وعظامه، ويُستثنى من ذلك مالا دم له سائلة فإنه لا ينجس بالموت. لقوله صل الله عليه وسلم: ((أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال))[385]. وما نجس من الحيوان بالموت، فقد حرم الشرع بيعه وحرم أكله، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه))[386]. ولا يحل أكل الميتة شرعاً إلا للمضطر، لقوله عز وجل {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[387].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:46 pm

المبحث العاشر
حكم ما يسمى موت الرحمة في الشريعة الإسلامية
58 - المقصود بموت الرحمة (EUTHANASIE)، هو الموت السهل أو الرحيم، أو الموت الهادئ بدون ألم[388]. أو بمعنى آخر هو تيسير موت الشخص الميئوس من شفائه، وهو في انتظار موته المحقق لا يتحمل الألم، فيلح على الطبيب المعالج إنهاء حياته بطريقة خالية من الألم[389].
ويعرف موت الرحمة من الناحية القانونية، تحت اصطلاح ((قتل الرحمة))، وهو فعل أو ممارسة ما يسهل موت الأشخاص الذين يعانون من أمراض مستعصية من شفائها[390].. فهو ((القتل بدافع الشفقة أو الرحمة))، لتخليص مريض لا يرجى شفاؤه من آلامه المبرحة التي لا تطاق[391].


59 - وسنتكلم عن موت الرحمة بشيء من التفصيل على النحو الآتي:
أ - لمحة تاريخية عن فكرة ((قتل الرحمة)).
ب - موت الرحمة في القوانين الوضعية المقارنة.
جـ - موت الرحمة من منظور إسلامي.
د - البلاء وما للإنسان فيه في الفقه الإسلامي.


أ - لمحة تاريخية عن فكرة ((قتل الرحمة)):
60 - من الثابت تاريخياً، أن فكرة قتل الرحمة أو القتل بدافع الشفقة، تعود إلى فلاسفة اليونان القدماء كأفلاطون وسقراط وغيرهم، ونقله عنهم الإنجليز والألمان والفرنسيون ثم الأمريكيون[392]. وهو ما ذهب إليه سقراط وأتباعه الذين سموه ((بالتدبير الذاتي للموت بشرف))، وقد لجأ سقراط إلى تناول السم ومات في أثناء محاكمته، ولم يوافق على تهريبه من السجن الذي رتبه تلاميذه. غير أنه في العصور الوسطى، أدى تطور القانون الكنسي (اليهودي المسيحي) إلى عد الانتحار انتهاكاً للقانون الطبيعي[393].
وينسب اصطلاح القتل بدافع الشفقة إلى الفيلسوف الإنجليزي ((روجيه باكون)) (ROGERBACON  )، وهو قس امتدت حياته ما بين عامي 1214 - 1294م في القرن الثالث عشر، وكان يرى أنه ((على الأطباء أن يعملوا على إعادة الصحة إلى المرضى وتخفيف آلامهم، ولكن إذا وجدوا أن شفاءهم لا أمل فيه، يجب عليهم أن يهيئوا موتاً هادئاً وسهلاً))[394]. وذكر أفلاطون قبله، في كتابه ((الجمهورية)) أنه يجب تقديم كل عناية للمواطنين الأصحاء جسماً وعقلاً، أما الذين تنقصهم سلامة الأجسام فيجب أن يتركوا للموت[395].
وكان المفكر الإنجليزي ((توماس مور)) (THOMAS MOORE) في كتابه ((الوهم)) (UTOPIE) يرى أنه يجب على رجال الدين والقضاة حث التعساء على الموت[396]. وفي أوائل هذا القرن، قامت في ألمانيا على وجه الخصوص حركة تنادي بإباحة قتل الرحمة. وهو ما أقره الأمر الصادر من هتلر عام 1939م، الذي أباح قتل المرضى العقليين، والأشخاص المعتوهين، وكذا الشيوخ الذين أصيبوا بالخرف[397].


61 - وأول قضية في قتل الرحمة عرضت على القضاء الأمريكي، كانت سنة 1823م، وكان الجاني أباً أغرق أطفاله الثلاثة ليذهبوا حسب اعتقاده إلى الجنة مباشرة. وفي عام 1912م قتل أحد وكلاء النيابة العامة في فرنسا زوجته المصابة بشلل نصفي، ناشئ عن إصابة في الرأس، لتخليصها من آلامها المبرحة التي لا تطاق وفي سنة 1917م برئ طبيب أمريكي، من تهمة فشله في إنقاذ حياة طفل مشوه. وفي سنة 1920م قام زوج أمريكي بقتل زوجته بالسم بناء على طلبها، وكانت مريضة بمرض مستعص غير قابل للشفاء. وفي سنة 1925م، قتلت فتاة فرنسية خطيبها، الذي كان مصاباً بالسرطان، فقامت بحقنه بكمية كبيرة من المورفين ثم قتلته بمسدسها[398].
وقد أباح بعض الأساقفة في أمريكا، قتل الرحمة في حدود معقوله ومقبولة، وعلى سبيل المثال رئيس أساقفة ((كنتربر))، في أثناء مناقشة جرت عام 1936م، حيث صرح: "لا يعقل أن يعاقب طبيب في هذه الحال، كقاتل، بل لا يجوز اتهامه أصلاً"[399]..
وفي سنة 1973م نشر طبيبان أمريكيان مقالاً، ذكرا فيه أن 43 طفلاً ماتوا في مؤسسة متخصصة بالعناية بالأطفال المولودين حديثاً، بموجب قرار اتخذه الجهاز الطبي المعالج، والآباء بعدم بذل أي عناية لهؤلاء الأطفال[400].
وحديثاً برأ القضاء الأمريكي أطباء مارسوا قتل الرحمة، بدافع الشفقة لتخليص مرضاهم من آلامهم المبرحة الناتجة من أمراض مستعصية مزمنة لا يرجى شفاؤهم، كممارسة نهائية للتعنت العلاجي الذي لا جدوى منه: ففي سنة 1950م، برئ طبيب أمريكي كان قد حقن مريضاً بالسرطان على شفا الموت بكمية من الهواء قضت عليه. وفي عام 1974م، في جنوب إفريقيا، برئ طبيب كان قد حقن مريضاً لا يرجى شفاؤه بحقنة مميتة[401].


62 - وفي سنة 1966م، وضعت إحدى المحاكم الأمريكية مبدأ قانونياً فاصلاً، مفاده أن طبيباً حسن النية، يمكن أن يكون مسئولاً جنائياً، بوصفه قاتلاً عند ممارسته لقتل الرحمة، وذلك لأن التعجيل بموت المريض تخليصاً له من آلامه يُعد فعلاً معاقباً عليه قانوناً. غير أن القوانين الأمريكية، ما زالت إلى الآن لا تحرم الانتحار، فقد أعطى القانون الأمريكي في ولاية كاليفورنيا عام 1977م، الحق لكل شخص أن يحدد موعد موته بأن يكون سهلاً وبلا معاناة[402]. كما أنه في سنة 1969م، أجري استبيان بواسطة نقاية الأطباء الأمريكيين، ظهر منه أن 80 في المائة يمارسون قتل الرحمة لوضع حد لحياة مريض لا يرجى شفاؤه لتخليصه من آلامه المبرحة[403].
وفي بريطانيا هي الأخرى، نشر جراح عصبي إنجليزي مقالاً، ذكر فيه أنه كلف بمعالجة 37 طفلاً، مصابين بورم خلقي، ولكنه قرر عدم معالجة 25 منهم، فماتوا قبل الشهر التاسع من أعمارهم[404]. كما أنه أصبح المنتحر في بريطانيا، منذ عام 1961م، معفياً من أي إجراء عقابي، وبرزت في سنة 1970م حركة تنادي بالسماح بقتل الرحمة، وتأسست في سنة 1982م جمعية بريطانية لتيسير الموت وتسهيله (EXIT)، وتقديم المساعدات المادية والنفسية لمن يريد تيسير الموت[405].
وأخيراً في فرنسا، أوضح استبيان للرأي العام الفرنسي في شهر نوفمبر 1987م أن 85% من الفرنسيين يؤيدون القتل بدافع الشفقة، على أن يصبح طلب المريض في إنهاء حياته هو حق شرعي وفقاً لمبدأ الحرية في الموت. كما قرر 76% من الفرنسيين رغبتهم في تعديل القانون الجنائي الفرنسي لإباحة قتل الرحمة[406].


ب - موت الرحمة في القوانين الوضعية المقارنة:
63 - نص القانون الهولندي الصادر يوم 2/ 12/ 1993م على الإجراءات الشرعية لإعلان إنهاء حياة المريض طبياً، بناء على طلبه، والتي يطلق عليها القتل بدافع الشفقة (EUTHANASIE)[407]. وكان القانون الأمريكي، قد سبق ونص صراحة في المادة الأولى من قانون ولاية كاليفورنيا المؤرخ في 30/ 9/ 1976م على أنه: من حق المريض الامتناع عن العلاج، وحقه في رفض استخدام أي وسيلة طبية أو جراحية من شأنها إطالة حياته اصطناعياً[408].
كما اتخذت التشريعات الجنائية الغربية (كالروسي والسويسري والبرازيلي...)، موقفاً وسطاً، لتقرير المسئولية المخففة، بجعل باعث ((الشفقة)) مؤدياً إلى تخفيف العقوبة[409].
ويناقش رجال القانون في أمريكا، فكرة قتل الرحمة، أو القتل بدافع الشفقة، في إطار حق المريض في رفض العلاج، وحقه في الاحتفاظ بأسراره الخاصة، بل حقه في الموت الرحيم الهادئ، على أساس وجود حق دستوري في الموت. وفي ظل أحكام المحاكم الأمريكية المتضاربة، وسكوت القوانين وعدم كفايتها لإزالة الغموض والإبهام، قررت المحكمة العليا الأمريكية، بأنه ((لا وجود قانوناً لحق دستوري في الموت)). ورغم هذا، فإن الموضوع لا يزال محل نقاش وخلاف في المجتمعات الغربية، وخاصة المجتمع الأمريكي[410]. والحقيقة أن طبيعة شعوب الغرب، من حيث ضعف الوازع الديني، والنظرة إلى الحياة نظرة مادية، والإسراف في الحريات، هي التي تجعلها تؤيد وتمارس الحرية في الموت، أو الحق في الموت السهل الهادئ[411].
والجدير بالذكر هنا، أن موقف القضاء الفرنسي، مستقر منذ حكم محكمة النقض الفرنسية في سنة 1816م، بوصف قتل الرحمة (أو القتل إشفاقاً) جريمة قتل عمد تتوافر فيه جميع أركان الجريمة، ومن ثم عد التفرقة بين قتل الرحمة والقتل العادي[412]. وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية، في حكمها المشهور الصادر عام 1950م، في قضية طفل ولد لستة أشهر من الحمل، وقالت أمه إنها لا تريده، فتركه الطبيب يموت. فقررت محكمة النقض: ((أن هذا الطبيب مسئول جزائياً، لأنه لم يمد يد العون لطفل في حالة خطر، له حظ معقول في الحياة))[413].


64 - إن القوانين الجنائية في البلاد العربية، وإن كانت لا تضع التزاماً على عاتق الطبيب بإطالة الحياة الصناعية لإنسان ثبت موته بطريق شرعي، فهي لا تفرق بين قتل الرحمة والقتل العادي[414]. ومن ثم، فإن قتل الرحمة هو قتل عمد، بصرف النظر عن الدوافع أو البواعث (نبيلة كانت أو دنيئة)[415]. كما أن إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي إشفاقاً، وقبل موت خلايا المخ، فإنه قتل عمد معاقب عليه في القوانين الطبية العربية[416]. وإن كانت بعض القوانين الجنائية العربية تنص على الظروف المخففة، التي يطبقها القاضي في بعض حالات قتل الرحمة، فتخفف العقوبة إلى ما هو أقل من العقوبة المقررة للقتل العمد. وقد أخذت قوانين العقوبات في سوريا (م538)، ولبنان (م552)، ومصر (م17)، والسودان (م249) بفكرة تخفيف العقوبة في حالة القتل بناء على رضا المجني عليه.
ونلاحظ أن بعض القوانين الطبية العربية، نصت صراحة بأنه لا يُسمح بما يُسمى موت الرحمة أو الموت الطيب (EUTHANASIE) أو الموت بقصد إنهاء معاناة المريض الذي يستحيل شفاؤه (LA BONNE MORT). ومن ذلك، قضت المادة 21 من نظام مزاولة المهنة الطبية في المملكة العربية السعودية، بأنه ((لا يجوز بأي حال من الأحوال إنهاء حالة مريض ميئوس من شفائه طبياً، ولو كان بناء على طلبه أو طلب ذويه))[417].
كما أن المادة 239 من القانون الطبي الجزائري[418]. تنص صراحة على ((المتابعة الجزائية لأي طبيب أو جراح، على كل تقصير أو تهاون أو خطأ مهني يرتكبه خلال ممارسته مهامه أو بمناسبة القيام بها، ويلحق ضرراً بالسلامة البدنية لأحد المرضى أو يحدث له عجزاً مستديماً أو يعرض حياته للخطر أو يتسبب في وفاته)) وهو ما يؤكده التشريع الجزائري، في المادتين 288 و289 من قاون العقوبات الجزائري.
ولا يجوز في القانون الطبي الجزائري، إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي، إلا بعد التثبت الطبي والشرعي للوفاة، حسب المقاييس الطبية العلمية، على أن يكون ذلك بقرار جماعي يتخذه الفريق الطبي المختص[419].


65 - هذا، ويقسم رجال القانون، قتل الرحمة إلى نوعين: قتل الرحمة الإيجابي، وفيه يقوم الطبيب المعالج للمريض الميئوس من شفائه بناء على طلبه، بإنهاء حياته بواسطة حقنة مميتة، تحتوي على جرعة كبيرة من مادة مخدرة تؤدي إلى وفاة فورية للمريض. وهذا الفعل يعد جريمة قتل عمد، تتوافر فيه جميع أركان الجريمة، من فعل مادي من شأنه إزهاق روح إنسان حي، وقصد جنائي يتوافر باتجاه إرادة الجاني إلى الاعتداء على حياة إنسان حي وإزهاق روحه مع علمه بذلك، بصرف النظر عن البواعث الإنسانية والاجتماعية إلى ارتكابها[420]. وقتل الرحمة السلبي، وفيه يتوقف الطبيب عن إعطاء العلاج، هو عملية تسهيل وفاة المريض الميئوس من شفائه، ليلاقي حتفه بسبب أمراض ومضاعفات أخرى يمكن معالجتها والتصدي لها مؤقتاً. وهنا يعد قاتلاً عمداً بالامتناع أو الترك، وهي جريمة الامتناع عن تقديم العون والمساعدة لشخص في خطر[421]. مع العلم بأن أخلاقيات المهنة الطبية تفرض على الطبيب المعالج احترام الحياة الشخصية والإنسانية للمريض في جميع الظروف، وهو ما يشكل واجباً أساسياً للطبيب[422].


جـ - موت الرحمة من منظور إسلامي:
66 - ومشكلة قتل الرحمة، من أساسها لا وجود لها في الشريعة الإسلامية، ذلك أن ما يسميه فقهاء الغرب بالحق في الموت الهادئ، لا يعدو أن يكون صورة من صور الانتحار وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. فالحق في الحياة يجتمع فيه شرعاً حق الله تعالى وحق العبد، كما أن آلام المريض لا تبرر الاعتداء على حق الله عز وجل، خاصة وأن اليأس من رحمة الله غير مقبول. فلا يمكن الجزم بعدم اكتشاف علاج للمريض بالمستقبل؛ فإذا كان الدواء مجهولاً اليوم، فقد يكتشف غداً بإذن الله تبارك وتعالى.


67 - وقد نهى القرآن الكريم عن القتل بصفة عامة، ومنه قوله تعالى {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}[423]، وقوله سبحانه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}[424]، وقوله عز وجل {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[425]. وقوله جل وعلا {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[426]. وقوله تعالى {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[427]. وقوله سبحانه {وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[428]. وقوله أيضاً {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[429]. وقوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}[430]. وقوله {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}[431]. وقوله {لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ}[432]. وقوله {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}[433]. وقوله {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}[434]. وقوله {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[435].


68 - وأما السنة النبوية، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل المسلم وقتل الذمي كذلك من أهل الكتاب، لقوله صل الله عليه وسلم: ((قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا))[436]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة))[437]. وقوله عليه السلام: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق))[438]. وقوله أيضاً: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة))[439]. وقوله عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: ((فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا...))[440].
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الانتحار، أشد النهي، بقوله صل الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه فهو في نار جهنم))[441]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو مترد في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً))[442].
كما عد الرسول صل الله عليه وآله وسلم القنوط من رحمة الله تعالى من الكبائر، في روايات عديدة لحديث واحد يقول: إن رجلاً قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((الإشراك بالله، واليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله))وفي روايات أخرى جاء ذكر قتل النفس[443].
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلمفي هذا الخصوص، أن يتمنى المسلم الموت إذا مسه مكروه، فراراً من تكاثر المحن في حياته بما يضره ويؤذيه في نفسه أو ماله أو جاهه، بل يصبر على ما أصابه، فإن ذلك من عزم الأمور، فيستحق أجر الصابرين وينال درجة المقربين. وروى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبيصلى الله عليه وسلمقال: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي))[444]. وفي رواية النسائي عن قيس بن أبي حازم، قال: ((دخلت على خباب وقد اكتوى في بطنه سبعاً، وقال: لولا أن رسول الله صل الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به))[445]. أما الاستسلام للوساوس والجزع عند المكاره والضرر والكرب، وتمني الخلاص بالموت، فذلك ضعف ونقص في الإيمان والثقة بالله جل وعلا ونسأله تعالى التثبت واليقين وهو ولي الصابرين، لقوله سبحانه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[446]. وأما قول الله عز وجل على لسان يوسف عليه السلام {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[447]. فإنه ليس استعجال الموت المنهي عنه، بل هو دعاء بطلب الخير المحبوب، بألا يتوفاه الله تعالى إذا توفاه إلا مسلماً.


69 - وعليه فإن ما يسمونه ((موت الرحمة))، يعد في النصوص الشرعية، قتلاً عمداً يوجب القصاص، كما أن التعجيل بموت المريض تخليصاً من آلامه يُعد فعلاً إجرامياً معاقباً عليه شرعاً[448]. فهو يأس من رحمة الله تعالى، وهو القائل عز وجل {وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ...}[449]. واليأس من شفاء المريض، أياً كان نوعه ودرجته، هو يأس من رحمة الله تعالى، وشك في قدرته جل وعلا، لقوله سبحانه {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[450]. وقوله تعالى {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[451]. {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[452].
وقد أصيب بعض الصحابة الكرام، في بعض الغزوات، بإصابات قاتلة، وظلوا أياماً وأسابيع يعانون من الآلام المبرحة قبل أن يتوفاهم الله تعالى. ولكن لم يتبادر إلى ذهن أحد من الصحابة، أو من غيرهم، أن يضعوا حداً لهذه الآلام التي لا تطاق عن طريق قتلهم[453].
وعلى الأساس حرم الفقهاء في الإسلام قتل الرحمة، لأنه خارج على ما نص عليه الشرع؛ فالتخلص من الحياة أو التخلص منها، بدعوى الألم الشديد في الأمراض الميئوس من شفائها دعوة لا تجد سنداً إلا في المنطق الإلحادي الذي يرى: (({إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}))[454]. ويفوته أن الدنيا مرحلة تتلوها أخرى[455]. فكلا القاتل والمقتول يأثمان: القاتل لتنفيذه الجريمة، والمقتول لطلبه تنفيذها. والإنسان في الإسلام ليس حراً في نفسه وماله، كما يدعي الغربيون، بل هو وماله ملك لله تعالى، وعليه أن ينفذ ما أمر الله به. فالله عز وجل هو واهب الحياة، وهو وحده الذي ينزعها، فإن اعتدى شخص على آخر فقتله، ولو بدافع الشفقة، أوجب الله تعالى عليه القصاص، لقوله سبحانه {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الأَلْبَابِ}[456]. وهذا ما قال به الشيخ محمد أحمد الشاطري، والشيخ عمر حامد الجيلاني، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عبدالحميد كشك، والدكتور محمد عبدالجواد محمد، والدكتور محمد علي البار، والدكتور عبدالرزاق الكيلاني، والدكتور أحمد طه، وغيرهم[457].


70 - وقد عرضت مسألة قتل الرحمة، وقتل المريض بفقد المناعة (الإيدز) على لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، فقررت صراحة بأن المريض أياً كان مرضه، وكيف كانت حالة مرضه، لا يجوز قتله لليأس من شفائه إشفاقاً أو لمنع انتقال مرضه إلى غيره. ففي حالة اليأس من شفائه، مع أن الآجال بيد الله، وهو سبحانه قادر على شفائه، يحرم على المريض أن يقتل نفسه، ويحرم على غيره قتله حتى لو أذن له في قتله. فالأول انتحار، والثاني عدوان على الغير بالقتل، وإذنه لا يحلل الحرام، فهو لا يملك روحه حتى يأذن لغيره أن يقضي عليها[458].
كما أكد فضيلة شيخ الأزهر السابق، المرحوم جاد الحق علي جاد الحق، أن قتل الرحمة ليس من الحق، بل من المحرم قطعاً وفقاً للنصوص الشرعية، كقتل المريض بمرض استعصى طبه على الأطباء ويعاني من مرضه آلاماً قاسية، حيث لا يباح قتله لإراحته من هذه الآلام[459].
وأفتى مفتي جمهورية مصر، أنه يحرم شرعاً قتل المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم، ويتألمون من مرضهم، وهو ما يطلق عليه الأطباء القتل بدافع الشفقة، فهذا حرام شرعاً، إن مهمة الطبيب هي تقديم العلاج والنتائج بعد ذلك على الله عز وجل[460].
وقد قرر المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السابعة المنعقدة بجدة من 9 - 14 مايو 1992م، بمقتضى القرار 67/ 5/ 17، رفضه بشدة لما يسمى ((قتل الرحمة))، بأي حال من الأحوال، وأن العلاج في الحالات الميئوس منها يخضع للتداوي والعلاج، والأخذ بالأسباب التي أودعه الله عز وجل في الكون. ولا يجوز شرعاً اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته، بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله. وعلى الأطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض ورعايته وتخفيف آلامه من النفسية والبدنية بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه[461].


د - البلاء وما للإنسان فيه في الفقه الإسلامي:
71 - إن الأمراض المزمنة أو المستعصية أو الميئوس من شفائها، رغم ما فيها من الآلام المبرحة، يجب أن يعاملها المريض معاملة الأمراض العادية بالصبر على البلاء، والالتجاء إلى الله تعالى عز وجل قادر على شفاء جميع أنواع الأمراض. فإنه يجب على المريض أن يرضى بقضاء الله تعالى، ويصبر على قدره، ويحسن الظن بربه، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى))[462]. ومهما اشتد به المرض والألم، فلا يجوز للمريض شرعاً، كما ذكرنا سابقاً، أن يتمنى الموت. وهذا لحديث أم الفضل رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهم، وعباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكي، فتمنى عباس الموت، فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم: ((ياعم لا تتمن الموت، فإنك إن كنت محسناً فإن توخر تزداد إحساناً إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئاً فإن تؤخر فتستعتب من إساءتك خير لك، فلا تتمن الموت))[463].
كما أنه لا يجوز للمريض أن يفقد الأمل والتفاؤل، وأن يسعى في العلاج وطلب الدواء، إمتثالاً لأمر الله تعالى الذي وضع لكل داء دواء[464]. إن العلاج أو التداوي مباح شرعاً، بل واجب عند بعض علماء الإسلام، وهو ما ذهب إليه بعض الشافعية والحنابلة، وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[465]. والعلامة المجدد ابن القيم الجوزية رحمه الله[466]. وهو ما ذهب إليه فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي[467].


72 - إن التداوي هو من أسباب الشفاء إذا أراده الله تعالى، فعلى المريض أن يسعى، وليس عليه إدراك المقاصد، وأن تعطيل الأسباب فيه تعطيل لسنة الكون. والتداوي قد أمر الإسلام به، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا))[468]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله))[469]. وروى أبو داود في سننه وصححه الترمذي عن أسامة ابن شريك، قال: جاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم))[470]. روى أبو داود في سننه أيضاً، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صل الله عليه وسلم قال: ((إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام))[471].
فهذه الأحاديث النبوية الشريفة، تمثل قاعدة أساسية صلبة من قواعد الطب الإسلامي، أرساها النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمسة عشر قرناً، مفادها ضرورة العلاج وطلب الدواء، وممارسة البحث العلمي والتجارب الطبية، وعدم اليأس من رحمة الله تعالى. وقوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه: ((تداووا)) وهو أمر يظهر منه الوجوب لطلب العلاج والدواء، وترك التمائم والتعاويذ والشعوذة والخرافات، وهم الذين كانوا ينسبون الأمراض إلى الشياطين والأرواح الشريرة، ورفض التداوي بحجة التوكل على الغيب، ولذلك سألوه عليه الصلاة والسلام في الحديث: أنتداوى؟ إن الأمر بالتداوي لا ينافي التوكل، بل لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله عز وجل. فالتداوي مأمور به شرعاً، وعلى المريض الأخذ بالأسباب حتى اللحظة الأخيرة، لأن الشفاء يحتاج إلى سبب هو العلاج[472]. والإنسان مأمور بالأخذ به، والتداوي بأحسن الأدوية والعلاجات والسير على طريقة الرسول صل الله عليه وسلم[473]. فالمرض والشفاء والدواء كلها من الله تعالى، فهو الطبيب الشافي، لقوله سبحانه {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[474]، وقوله عز وجل {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[475]، وقوله جل وعلا {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[476]. وفي هذا، جاء قوله عليه الصلاة والسلام ((لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله تعالى يطعمهم ويسقيهم))[477].


73 - ولا مانع شرعاً من الاستفادة من خبرات الطب الحديثة، وتجارب الغرب في معالجة الأمراض المستعصية والميئوس منها، وهذا واضح في قصة سعد بن أبي وقاص حين مرض، ووضع الرسول صل الله عليه وسلم يده على صدره وقال له: ((إنك رجل مفؤود، ائت الحارث بن كلدة، فإنه رجل يعرف الطب)). على الرغم من أن الحارث بن كلدة كان وثنياً إلا أنه كان صاحب خبرات واسعة في الطب[478].
وقال العز بن عبدالسلام رحمه الله تعالى: "الطب كالشرع، وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام"[479].
ومن ثم، فإن ما يعانيه المريض من الآلام، لا تبرر شرعاً الانتحار أو القتل؛ وموقف الطبيب أمام الحالات الميئوس منها هو أنه أداة الرحمة الإلهية، والوسيلة التي يخفف الله تعالى بها الآلام. فعندما قال أبو رمثة التميمي (كان طبيباً بارعاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مزاولاً لأعمال الطب والجراحة) لرسول الله صل الله عليه وسلم: دعني أعالج ما بظهرك فإني طبيب، قال عليه الصلاة والسلام: ((أنت رفيق والله الطبيب))[480]. وهذا معناه أن الطبيب المسلم دائم الصلة بالله عز وجل، يسأله التوفيق في عمله لتخفيف الآلام، وانتشال المريض من براثن المرض والهلاك[481].


74 - إن الطبيب لم يخلق لقتل الناس أو لتيسير موتهم، كما أن وصية المريض مرض الموت بأن لا يعالجه الطبيب، هي وصية غير شرعية، لا تتفق مع المعنى الاصطلاحي للوصية، ولا تنسجم مع الأحكام الشرعية للمهنة الطبية وأخلاقياتها. وذلك لأن مهمة الطبيب شرعاً، هي معالجة المريض وتخفيف آلامه، وضرورة إسعافه حتى آخر لحظة[482].
فالواجب على الطبيب المسلم أن يبعث الطمأنينة والأمل في نفس المريض، فإن ذلك يساعده على سرعة البرء من مرضه بإذن الله تعالى، بأن يفرج عن المريض بالصبر وعدم الشكوى، ويشجعه على التغلب على مرضه بعون الله عز وجل. وهذا لقوله صل الله عليه وسلم: ((إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يضر شيئاً))[483]. وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: ((إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل - أي صبر لا شكوى فيه - استحيت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً أو انشر له ديواناً))[484].
وروى مسلم في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب، فقال: ((مالك يا أم السائب تزفزفين؟))قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد))[485]. وروى أبو داود في سننه عن أم العلاء (وهي عمة حكيم بن حزام)، قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال صل الله عليه وسلم: ((ابشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب به الله خطاياه، كما تذهب النار خبث الذهب والفضة))[486].
فالمعالجة النفسية هي كالمعالجة الدوائية أو أكثر منها، مهمة جداً للمريض الميئوس منه، وعلى الطبيب المسلم ممارستها لتقوية ثقة المريض بنفسه بالأمل والرجاء، فتنضم قواه النفسية إلى قواه البدنية، فالطمأنينة والسكينة والحكمة والرحمة تقوى عزيمة المريض وترفع من روحه المعنوية وتدعم وسائل المناعة في جسمه، فيتغلب بمشيئة الله تعالى على مرضه، فيكون شفاؤه أسرع والله أعلم وهو المستعان[487]. ففي حديث أنس بن مالك، أن النبي صل الله عليه وسلم دخل على شاب وهو بالموت، فقال: كيف تجدك؟، فقال الشاب المحتضر: والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف))[488].


75 - وهذه الأحاديث النبوية الشريفة، تمثل هي الأخرى، قاعدة جوهرية من قواعد الطب النفسي ((السيكولوجي))، أرساها النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمسة عشر قرناً، وقبل علماء الطب النفسي في الغرب؛ ذلك أن الصبر وعدم الشكوى، والأمل والطمأنينة، والثقة بالله تعالى والرضا بالقضاء، هي من أهم الأسباب التي تساعد على الشفاء[489]. وفي هذا، روى مسلم عن عائشة: كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه، ثم قال: ((أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً))[490].
فالله سبحانه وتعالى يبلو عبده بالخير والشر، والشدة والرخاء، ليمتحن صبره وثباته وشكره، لقوله عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[491]. وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[492]. أي الذي خلق الموت والحياة ليختبركم ويمتحنكم أيها الناس حتى يرى المحسن منكم من المسيء ويميز الخبيث من الطيب والصالح من الطالح[493]. وجاء في تفسير الصاوي على الجلالين: ((أي يعاملكم معاملة المبتلى المختبر))[494].
فالبلاء ليس وسيلة تعذيب، ولكنه نعمة من الله تعالى لردع النفوس وتهذيبها لتمييز المؤمن الصادق الإيمان القوي العقيدة، من المؤمن ضعيف الإيمان مذبذب العقيدة[495]. إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه ليمكن له في ساحة الإيمان، وليكون أسوة لغيره في الصبر عندما يبتلى بسلب النعمة، لقوله تعالى {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[496]. وقوله سبحانه {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[497]. وقوله عز وجل {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[498]. وقوله جل وعلا {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[499]. وقوله تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[500]. وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ((إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فيه السخط))[501].


76 - ونلاحظ أخيراً، بأن حضور الطبيب المسلم في ساعة الموت، في الحالات الميئوس منها، ولاسيما إن كان المحتضر في المستشفى، هو مهم جداً، بما يساعده على القيام بواجبه الديني والإنساني بتلقينه كلمة الشهادة: ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)). وإن حضره قبل الاحتضار، وكان عنده وقت، فليتكلم مع المريض المحتضر بلطف ورفق ورحمة، وليضع يده على المريض ويدعو له[502]. وليقص عليه قصصاً مسرة تذكره بالآخرة، ويشجعه في ألمه، ويشعره بطريقة غير مباشرة بقرب الأجل الذي لا مفر منه فلعله يوصي بشيء[503].
وهو أمر يجهله غالبية أطباء المسلمين اليوم، لأن مناهج الطب في كليات الطب العربية أصبحت علمانية. وقد ذكر الدكتور الطبيب أحمد طه في كتابه القيم: ((الطب الإسلامي))، أنه ((رأى طبيباً ينسب إلى الإسلام يهزأ أمام جمع فيهم المسلم وغير المسلم أن شاهد مرافقاً لمريض يحتضر يلقنه الشهادة!))[504].
إنه من المؤسف حقاً أن نرى مثل هذا السلوك وهذه الممارسات في مستشفيات البلاد العربية، والتي تتعارض مع أخلاقيات المهنة الطبية وآدابها، ولا تنسجم مطلقاً مع مهمة الطبية الروحية والإنسانية في تخفيف آلام المريض وإسعافه وتشجيعه على التغلب على محنه حتى آخر لحظة[505].


77 - نكتفي بهذا القدر فيما يتعلق بالفصل الأول، ونتعرض فيما يلي للفصل الثاني الخاص بالحماية الشرعية للجثة في الفقه الإسلامي، والذي نتناول فيه القضايا والمشاكل الشرعية التي تثيرها عمليات المساس بالجثة لضرورة علاجية أو لأغراض علمية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:48 pm


الفصل الثاني
الحماية الشرعية للجثة في الفقه الإسلامي
78 - إن عمليات المساس بالجثة، بما فيها عمليات التشريح، ونقل الأعضاء من جثث الموتى، لضرورة علاجية أو لأغراض علمية من أبحاث وتجارب، وكذا استنساخ الميت، والانتفاع بالجنين الميت، كلها قضايا شرعية تثير العديد من المشاكل التي يجب التصدي لها وهي تقوم أساساً على ضرورة توضيح مدى حق الإنسان في التصرف في جثته أو أجزاء منها وحق أسرته من بعده.
ونبحث موضوع الحماية الشرعية للجثة في الفقه الإسلامي من خلال المباحث المهمة الآتية:
المبحث الأول: حرمة الجثة في الفقه الإسلامي.
المبحث الثاني: حكم تشريح جثة الميت.
المبحث الثالث: حكم الانتفاع بالجنين الميت.
المبحث الرابع: حكم شق بطن الأم الميتة لإخراج ولدها الحي.
المبحث الخامس: حكم شق بطن الميت لإخراج مال ثمين.
المبحث السادس: حكم إخراج الجثة من ماء عميق أو غار أو كهف.
المبحث السابع: حكم الوصية بالعضو الآدمي.
المبحث الثامن: حكم انتقال الحق لورثة الميت.
المبحث التاسع: حكم التداوي بأجزاء الميت.
المبحث العاشر: حكم أخذ أعضاء الميت لإنشاء بنوك الأعضاء.
المبحث الحادي عشر: حكم استنساخ الميت.

المبحث الأول
حرمة الجثة في الفقه الإسلامي
79 - قررت الشريعة الإسلامية الغراء مبدأ حرمة المساس بجثة المتوفى، ووجوب تكريمها وعدم إهانتها، والتعامل معها باحترام وأدب، على أساس احترام القيم الدينية والأخلاقية والمعنوية، وهذا قبل القوانين الوضعية الحديثة بعدة قرون، فإذا كان جسم الإنسان له حرمة حال حياته، فإن له أيضاً حرمة بعد مماته، لأن الآدمي محترم حياً وميتاً في الفقه الإسلامي[506].
فالأصل شرعاً، أن للميت حرمة كحرمته حياً، مما يقتضي عدم المساس بحرمة جثته أو التمثيل بها، مراعاة للأحكام الشرعية التي تحرم هذا المساس ولمشاعر الأحياء من أقاربه وذويه. فلا يتعدى عليه بشق أو كسر أو غير ذلك، ويلزم من ينتهك حرمة الميت بضمان حق أسرته في حرمته[507]. وقال بعض الفقهاء بوجوب القصاص على من جرح ميتاً أو كسر عظمه، أو قام باستئصال عضو من جثته دون مسوغ شرعي، وذلك لعدم تعلق أحكام القصاص بالحي فقط[508].
وقد ورد في هذا الشأن، الحديث النبوي الشريف: إن كسر عظم الميت ككسره حياً[509]. فهو يدل دلالة واضحة على تحريم كسر عظام الميت، وعلى حظر إتلافه أو إحراقه، وضرورة تكريمه وعدم إهانته[510]. الأمر الذي اقتضى شرعاً حرمة نبش القبور، والتمثيل بالجثث، وهشم عظام الموتى إلا لضرورة شرعية أو لمصلحة راجحة، لما روي عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا[511]. ولما روى البيهقي عن الشعبي: النباش سارق[512]. ولما روى أيضاً عن الإمام مالك رحمه الله أن رسول الله صل الله عليه وسلم لعن المختفي (يعني نباش القبور)[513]. وهو ما يستفاد منه أن حرمة المؤمن باقية كما كانت في حياته، ولذلك كان بعض السلف يتحرج من أن يحفر له في مقبرة يكثر الدفن فيها[514].

80 - وجاء في الفتوى المشهورة رقم 639 الصادرة عن دار الإفتاء المصرية بتاريخ 31/ 10/ 1937 بأنه: عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفار عظماً ساقاً أو عضداً فذهب ليكسرها، فقال النبي صل الله عليه وسلم: لا تكسرها فكسرك إياه ميتاً ككسرك إياه حياً ولكن دسه في جانب القبر[515]. وهو ما نصت عليه أيضاً كل من الفتوى رقم 1069[516]. والفتوى رقم 1087[517]. وكذا الفتوى رقم 47 الصادرة عن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية[518]. في وجوب تكريم جثة المتوفى وعدم اهانتها أو الاعتداء عليها.
ومن مظاهر تكريم الإنسان ميتاً في الإسلام: ما شرع من التغسيل والتكفين والدفن، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}[519]. وعدم سب الأموات وشتمهم، ولو كانوا كفاراً، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء))[520]. وكذلك حق الأولياء في الدفاع عن جثة الميت، فلهم دفع من أراد الاعتداء على جثتهم بالقطع أو الإتلاف[521]. ولهذا الحق أيضاً. منع الشرع من الجلوس على القبور للتغوط والبول. لأن في ذلك انتهاكاً لحرمة القبور وإهانة تؤذي أحياء الأموات[522].

81 - وعلى هذا الأساس حرم الإسلام التعدي على الميت في قبره بالوطء والإهانة، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ القبور، فعن عمر بن حزام قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على قبر فقال عليه الصلاة والسلام: لا تؤذ صاحب القبر أو لا تؤذوه[523]. وكذا يحرم شرعاً الجلوس على القبور، لما روى مسلم من الحديث، عنه صلى الله عليه وسلم: لا تجلسوا على القبور فلأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر[524] وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أن النبي صل الله عليه وسلم قال: الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته[525].
فإذا كان يحرم أن يتعدى على تراب القبر، وأن ذلك يؤذي صاحب القبر، فإن تحريم بدنه من باب أولى، لما أخرجه الشيخان عن ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مرفوعاً، قوله عليه الصلاة والسلام: أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته[526]. فلا يجوز التعدي على الميت أو على عضو من أعضائه، لقوله صل الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))[527].
ومن أجل هذا التكريم، أمر الرسول صل الله عليه وسلم أن يوارى كل ميت حتى قتلى الكفار، ونهى عن المثلة، أي عن التمثيل بجثة أي ميت أو قتيل، ولو قتل قصاصاً أو قتل في صفوف الكفار، فلا يجوز شرعاً الاعتداء على جثة المتوفى، أو انتهاك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها. ومن أجل هذا التكريم أيضاً، نص معظم الفقهاء على طهارة الإنسان حياً كان أم ميتاً، مؤمناً كان أم غير مؤمن، ولم يدخلوا لحمه في مفهوم الأطعمة وتقسيمها إلى حلال وحرام، أياً كانت سلالته ولونه ودينه وبيئته. كما اتفقوا على عدم جواز بيع الأعضاء الآدمية، لأنها مكرمة محترمة شرعاً، لا يجوز أن تكون محلاً للحقوق المالية[528]. ومن ثم، فإن جثة المتوفى، بوصفها قيمة معنوية، فإنها تخرج شرعاً عن دائرة المعاملات المالية[529].

82 - هذا، ولا اعتبار في الإسلام للعمر في حرمة الجثة، ولا مكان للوظيفة الاجتماعية فيها، لأن الإسلام يكرم جثة الشاب اليافع، وجثة الشيخ الطاعن في السن، بل إنه يكرم حتى جثة الجنين الذي لم تنفخ فيه الروح بكونه أصل الآدمي ومادته[530]. وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي حكم الوليد المصاب بفقد المخ (غير قابل لاستمرار الحياة)، في دورته السادسة التي انعقدت في جدة عام 1990م، وأفتى بأنه لا يجوز استقطاع أي عضو من أعضائه إلا بعد وفاته (دماغياً أو بتوقف قلبه) وبالشروط الشرعية، والتي منها ضرورة موافقة أهله على ذلك[531].

المبحث الثاني
حكم تشريح جثة الميت
83 - التشريح لغة الكشف، ومنه تشريح اللحم والقطعة منه شريحة[532]. وفي المعجم الوسيط: شرح اللحم شرحاً، قطعه قطعاً طوالاً رقاقاً، وتشريح الجثة فصل بعضها عن بعض للفحص العلمي[533]. أما في الاصطلاح الشرعي، فإن المقصود بالتشريح الطبي هو العلم الذي يبحث في تركيب الأجسام العضوية وتقطيعها علمياً وتشقيقها للفحص الطبي العلمي[534].
وتشريح جثث الموتى عرفته البشرية منذ أقدم العصور: فقد عرفه الفراعنة في مصر القديمة الذين قاموا بتشريح موتاهم وإخراج الأمعاء من الجثة لوضع المواد الحافظة[535]. وعرف اليونان التشريح، وكان أبو قراط وجالينوس يمارسان التشريح لمعرفة الجسم وتشخيص الأمراض. كما عرف الصينيون القدامى التشريح، حيث قامت امرأة تدعى ((تشانغ سي)) بتشريح جثة رجل، وتمكنت من معرفة سبب الوفاة، وقد حدث هذا منذ حوالي 1400 عام[536].
وقد عرف الأطباء المسلمون الفطاحل والأفذاذ: كالرازي، وابن سينا، وابن النفيس، والزهراني. وغيرهم علم التشريح وقاموا بتشريح الجثث لمعرفة الأعضاء والعظام والأسقام وتفصيلهم في ذلك تفصيلاً دقيقاً. كما أن العالم المسلم ابن الهيثم (الذي هو رائد علم الضوء في تاريخ العلوم) هو أول من وصف تشريح العين وأجزاءها، ووظيفة كل جزء وصفاً دقيقاً كالذي نعرفه اليوم[537]. وقال الإمام ابن رشد الأندلسي المالكي: إن من يقوم بالتشريح يتقرب أكثر من الله تعالى، ومن اشتغل بالتشريح ازداد إيماناً بالله عز وجل[538]. وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان[539]. وقال أيضاً: لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أفضل من الطب[540].

84 - هذا ويشتمل حكم تشريح جثة الميت على دراسة الأمور التالية:
أ - أقسام التشريح وأغراضه.
ب - حكم التشريح في الفقه الإسلامي.
ج - الشروط الشرعية لإباحة التشريح.
د - حكم تشريح جثث النساء.

أ - أقسام التشريح وأغراضه:
85 - التشريح من حيث الغرض منه نوعان: التشريح الطبي للوصول إلى نتائج علمية للاستفادة بذلك في دراسة علم الطب وتطوير العلوم الطبية، والتشريح الجنائي لمعرفة الجناية وملابساتها وسبب الوفاة في البحث الجنائي وقضايا الإجرام.
فبالنسبة للتشريح الأول، فإن المراد منه التعلم والتدريب، والبحث الطبي العلمي في كليات الطب ومعاهده. فهو ضروري لتعليم الطب، بمعرفة جثة الإنسان وأعضاء الجسم الظاهرة والباطنة، بغرض تعليمي أكاديمي وتربوي لشخص مختلف الأمراض، وكذا الوقوف على الداء وموضع العلة في الجسم، للبحث في العلاج النافع بالقدر المستطاع[541]. ومنه أيضاً، التشريح المرضي الذي يقوم به الطبيب المختص ليعرف المرض الوبائي الذي كان يعالجه ولم ينجح العلاج، وبدون هذا التشريح الطبي المرضي لا يمكن أن يتقدم الطب[542].
وأما بالنسبة للتشريح الجنائي، فهو أيضاً ضروري لتمكين العدالة أن تأخذ وضعها الحق في الأحكام الجنائية. فإنه عن طريق الخبرة الجنائية، ولأغراض البحث والتحقيق في الجريمة، تفتح الجثة ويتم تشريحها لمعرفة الأسباب الحقيقية للوفاة، سواء كانت الوفاة بعنف أو بغير عنف، وخاصة إذا كان سبب الوفاة مجهولاً ومشتبهاً فيه. ويكون هذا تحقيقاً لمصلحة الجاني من نفي الجناية عنه، ولمصلحة المجني عليه بمعرفة قاتله، ولمصلحة المجتمع في الوصول إلى الحقيقة ومتابعة الخارجين عن النظام[543].

86 - إن دراسة علم الطب، هو عمل ضروري لمصلحة الفرد والجماعة والإنسانية، ولاشك أن تعلم الطب يقتضي علم التشريح لمعرفة الداء والدواء، لقوله صل الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ((أي دواء)) ))[544]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((تداووا فإن الذي خلق الداء خلق الدواء))[545]. وقوله أيضاً: ((إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام))[546]. وعليه فإن دراسة الطب تستوجب علم التشريح، لمعرفة أعضاء الجسم ووظائفها حال الصحة والمرض، ولتطوير البحث الطبي علمياً وعملياً للوصول إلى العلاج النافع[547].
كما أنه وفيما يتعلق بالتشريح الجنائي في البحث عن الجريمة، فإنه يهدف إلى إقامة ميزان العدل في ساحة العدالة، لمعرفة سبب الوفاة الذي يتوصل به إلى إدانة المجرم أو إبراء البريء، وكلها مصالح مشروعة يقرها الشرع الإسلامي، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}[548]. وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[549]. وقوله عز وجل: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[550]. وقوله جل وعلا: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}[551].

ب - حكم التشريح في الفقه الإسلامي:
87 - لم يرد نص قطعي في القرآن الكريم أو السنة النبوية، يفيد تحريم التشريح أو إباحته. ولكن إذا رجعنا إلى كتب الفقه الإسلامي القديمة والحديثة، فإننا نجد تطبيقات لأعمال طبية جراحية تجرى على الجثة، وضع الفقهاء حكمها الشرعي الذي يمكن الأخذ به في خصوص تشريح جثث الموتى[552]. ومن أبرز هذه التطبيقات الفقهية: مسألة شق بطن الأم الميتة لإخراج ولدها الحي الذي يضطرب في أحشائها[553]. وكذا مسألة شق بطن الميت لإخراج المال الثمين الذي ابتلعه قبل الموت بارتكاب أخف الضررين[554]. وأيضاً مسألة إخراج الجثة من ماء عميق (أو بئر) ولو بالكلاليب ونحوها، ولو أدى ذلك إلى تقطيعه والتمثيل به، لصيانة حاجة الناس إلى البئر وغسل الميت ودفنه[555].
إن مشروعية التشريح في الفقه الإسلامي، تقوم على أساس قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، وفي أنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما. وقواعد الشرع مبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يترتب على تفويتها ضرراً أشد[556]. كما أن الشرع أوجب على الأمة تعلم فريق منها الطب، وهو فرض كفاية، وذلك لا يتم إلا بدراسة التشريح ومزاولته عملاً للأغراض المشروعة السابقة الذكر. فالتشريح وإن لم يرتفع إلى درجة الواجب فهو على الأقل مباح شرعاً[557].

88 - إن مصالح التشريح تعود على الأحياء بحفظ أنفسهم وأموالهم، ومصالح الأحياء مقدمة شرعاً على حرمة الموتى لأنها أعم وأشمل منها. كما أن التشريح مشروع بالأدلة التي شرعت ضرورة العلاج وطلب الدواء، امتثالاً لأمر الله عز وجل الذي وضع لكل داء دواء. فالتشريح واجب بالأدلة التي أوجبت تعلم الطب وعلومه ومباشرته بالعمل التطبيقي، لتقوم طائفة من الأمة به[558]. والشارع إذا أوجب أمراً نص على إيجاب ما يتوقف عليه ذلك الأمر، فإذا أوجب الصلاة وجب الوضوء، وإذا أوجب على البعض تعلم الطب وجب علم التشريح ومزاولته علماً وعملاً[559].
ولا يكفي هاهنا، تشريح الحيوان لتعلم الطب الإنساني، وذلك لأن الاعتماد على الحيوانات الثديية لا يعطي فكرة صادقة عن تفاصيل جسم الإنسان، وقد يزرع في ذهن الأطباء عامة صورة غير صادقة عن تركيب الجسم البشري تكون سبباً في ارتكاب الأطباء للأخطاء الفنية[560]. ولولا التشريح الطبي لجثث الموتى، لمعرفة الأمراض والعلل وتشخيصها، لما تقدم الطب ولما أمكن إنقاذ آلاف أو مئات الآلاف من المرضى[561]. إذ إنه بدون التشريح قد يقدم الطبيب وخاصة الجراح على عمل فيه تهلكة للمريض، وقد استدل الطبيب والجراح المسلم الزهراوي (وهو مؤسس علم الجراحة)[562]. على وجوب التشريح، بمثال الجراح الجاهل بالتشريح الذي قام بإزالة ورم من عنق امرأة فأصاب خطأ شرايينها فماتت[563].

89 - إن التداوي جائز شرعاً بغير المحرم، بل إنه قد يكون واجباً إذا ترتب عليه حفظ النفس والمال. ومن ثم. فإن التشريح مباح ومطلوب للمصالح المشروعة التي تترتب عليه، غير أنه يجب أن يقتصر في التشريح على قدر الضرورة. وهو ما ذهب إليه عدد من العلماء أمثال: الشيخ يوسف الدجوي[564]، والشيخ محمد بخيت[565]، والشيخ عبدالمجيد سليم[566]، والشيخ جاد الحق علي جاد الحق[567] والشيخ محمد خاطر[568]، والشيخ حسن مأمون[569]، والشيخ متولي الشعراوي[570]، والشيخ عبدالرحمن السعدي[571]، والشيخ حسنين مخلوف[572]، والشيخ أحمد الشرباصي[573]، والشيخ إبراهيم اليعقوبي[574]، والشيخ أحمد عطا[575]، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي[576]، والشيخ محمد الغزالي[577]، والشيخ أبو الأعلى المودودي[578].
وهو ما ذهب إليه أيضاً الدكتور أحمد شرف الدين[579]، والدكتور محمد الحبيب بن الخوجة[580]، والدكتور محمد عبدالمجيد محمد[581]، والدكتور محمد علي البار[582]، وغيرهم[583]، الذين قالوا بجواز تشريح جثة الميت، إذا كان فيه مصلحة شرعية، فهو جائز مادام فيه نفع للمسلمين، ولكن بشرط المحافظة على حرمة الجثة وكرامتها، وعدم إهانتها أو العبث بها أو إلقائها بعد ذلك باستهانة، على أنه يجب في جميع الأحوال والأغراض دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة.

90 - وهو أيضاً ما أفتت به دار الإفتاء المصرية بتاريخ 31/ 10/ 1937م[584]، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 20/ 8/ 1396هـ[585]، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 21/ 7/ 1396هـ[586]، والمجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة عام 1987م[587]، ولجنة الإفتاء التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر بتاريخ 20/ 4/ 1972م[588]، وكذا لجنة الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 18/ 5/ 1977م[589]، والتي أجازت كلها تشريح جثة الميت إذا كان فيه مصلحة يقرها الشرع، على أساس أن قواعد الدين الإسلامي مبنية على المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر.
إن القاعدة العامة الشرعية هي عصمة جثة المسلم ومن في حكمه، ووجوب رعاية حرمته وكرامته من كل امتهان أو تمثيل، لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجة عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صل الله عليه وسلم قال: ((كسر عظم الميت ككسره حياً))[590]، غير أن الفقه الإسلامي المعاصر استثني التشريح للحاجة إليه، وللمصالح المعتبرة الخاصة والعامة المترتبة عليه، والظاهرة في الأغراض الشرعية المشار إليها.
وقد سئل الشيخ حسنين مخلوف عن حكم تشريح جثث الموتى؟ فقال: إن تطبيب الأجسام وعلاج الأمراض أمر مشروع، حفظاً للنوع الإنساني حتى يبقى الأمد المقدر له، وقد تداوى الرسول صل الله عليه وسلم، وأمر به ومن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ودرج بعده أصحابه على التداوي والعلاج[591].
كما أن الداعية الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى، صرح في الملتقى الدولي لزرع الأعضاء الآدمية الذي نظمه الاتحاد الطبي الجزائري بالجزائر العاصمة يومي 16 و17 نوفمبر 1985م. بأنه يجوز التشريح لضرورة خدمة الإنسان، ولكن مع احترام حرمة الجثة وكرامتها وعدم إهانتها لأنه لابد من احترام الإنسان حياً أو ميتاً. غير أنه تقدم شرعاً كرامة الحي على كرامة الميت لمصلحة الحي ونفعه، والإسلام جاء لخدمة المصالح الراجحة الخاصة والعامة[592]، وقال الإمام المجدد ابن قيم الجوزية حيث وجدت المصلحة فثم شرع الله تعالى[593].

ج - الشروط الشرعية لإباحة التشريح:
91 - إن الإنسان في الإسلام له كرامته حياً أو ميتاً، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[594]. وقوله عليه الصلاة والسلام: إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً[595]. فإذا كان ولابد من التشريح لمثل هذه المقاصد الشرعية، المرتبطة بحياة الناس تحقيقاً لمصلحة الفرد والجماعة (وهي الطب الشرعي، والتشريح المرضي، وكذا التشريح العلمي من أجل تعلم الطب)، فإنه يكون مباحاً، بل هو مطلوب شرعاً، بشرط أن يتم باحترام وأدب وفقاً لقواعد الاستخدامات الطبية لجسم الإنسان وجثته وأخلاقياتها، وفي حدود الضوابط الشرعية[596]. وذلك بأن لا يكون القصد التمثيل بالجثة، وأن يعود كل شيء إلى أصوله، بعد أن يتم الهدف من تشريح الميت، فيدفن الدفن الطبيعي، ويحافظ على حرمته وكرامته، أما إهانة الجثة أو التمثيل بها، بعد الحصول على الغرض منها، فهو أمر لا يقره الشرع، لأن لها حرمة وكرامة شرعاً[597].
ومن ثم فإنه يشترط لإباحة التشريح: ضرورة التحقق من موت صاحب الجثة الموت الشرعي القانوني، وموافقة الميت قبل موته وإجازة ذوي الشأن في ذلك، فيما عدا التشريح الجنائي فلا حاجة لرضا الميت وأهله. وأن لا يتم التشريح إلا وفقاً للحاجة والأغراض المباحة المبينة في ذكر أنواع التشريح، وأن لا يتجاوز العمل في التشريح حدود الحاجة الشرعية اللازمة، وأن يتم وفقاً لأخلاقيات المهنة الطبية بمراعاة آداب الميت وعدم إهانة جثته وعدم الاعتداء عليها، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[598]. ولقوله صل الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[599].

92 - إن إهانة جثة الميت في عملية التشريح، هو أمر يتنافى مع ما جاء في الحديث النبوي الشريف، من قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً))[600]. وهو ما يستفاد أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: ((أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته))[601]. فإن الظاهر من النصوص الشرعية أن حرمة الميت كحرمة الحي، وأن الآدمي محرم حياً وميتاً، ولهذا فلا يجوز المساس بسلامة جسده بعد الوفاة، كما هو الحال في حال حياته. فلا يتعدى عليه بكسر عظم أو شق أو اقتطاع أو غير ذلك لغير مصلحة راجحة أو حاجة ماسة[602]. فلا يجوز شرعاً التمثيل بالجثة أو إهانتها، ولا ينبغي تشريح جثة معصوم الدم إلا عند الضرورة، وأن يقتصر في التشريح على قدر الضرورة، كي لا يعبث بجثث الموتى، ويجب في جميع الأحوال دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة[603].

93 - والجدير بالذكر، أنه في حالة تبرع شخص بجثته للتشريح لأغراض التعليم الطبي بعد موته (أي لتعليم طلاب العلم أو للبحث الطبي العلمي العام)، يكون الموقف واضحاً بالنسبة لجواز هذا التبرع بالجثة من الناحية الشرعية والقانونية.
ويجوز أيضاً الحصول على جثث بعض المتوفين ممن لا أهل لهم، أو الذين لا يعرف لهم أهل، للإفادة العلمية من تشريحهم لتعليم طلبة الطب أو للبحث العلمي، مراعاة للمصلحة العامة، فالمصلحة الشرعية هنا أعم وأفيد[604]. على أن تقتصر في ذلك، ما تقضى به الضرورة القصوى، بالاكتفاء بتشريح جثث أموات غير معصومة، وعدم التعرض لجثث أموات معصومين إلا بمسوغ شرعي[605]. مع المحافظة على حرمة الجثة وكرامتها وعدم إهانتها، بحيث تجمع أجزاؤها وتدفن في المقابر كما تدفن الجثث قبل التشريح[606].
وقد أجازت الفتوى المشهورة رقم 1069 من دار الإفتاء المصرية سلخ جلد الميت لعلاج حروق الأحياء، وألا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل، أما الأموات الذين لهم أهل، فإن أمر أخذ الطبقات السطحية من جلدهم يكون بيدهم وبإذنهم وحدهم، فإذا أذنوا جاز ذلك وإلا فلا يجوز بدون إذنهم وموافقتهم[607].
كما أجازت الفتوى رقم 1087، الصادرة عن نفس الهيئة، نقل عيون الموتى إلى الأحياء، لما في ذلك من المصلحة، وذلك لأن أخذ عين الميت لترقيع قرنية عين المكفوف الحي فيه مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت، ويجوز ذلك شرعاً[608]. وعلى ضوء هذه الفتوى، صدر في مصر القانون المشهور الذي ينظم بنك العيون وتلقي القرنيات من الموتى لنقلها إلى الأحياء[609].
وهو ما قررته أيضاً، هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، بمقتضى القرار التاريخي رقم 62 المؤرخ في 25/ 10/ 1398هـ: بجواز نقل قرنية عين من إنسان بعد التأكد من موته، وزرعها في عين إنسان مسلم مضطر إليها، وغلب على الظن نجاح عملية زرعها، مالم يمنع أولياؤه ذلك، بناء على قاعدة تحقيق أعلى المصلحتين وارتكاب أخف الضررين، وإيثار مصلحة الحي على مصلحة الميت. فإنه يرجى للحي الإبصار بعد عدمه، والانتفاع بذلك في نفسه ونفع الأمة به، ولا يفوت على الميت الذي أخذت قرنية عينه شيء، فإن عينه إلى الدمار والتحول إلى رفات، وليس في أخذ قرنية عينه مثلة ظاهرة، فإن عينه قد أغمضت وطبق جفناها أعلاهما على الأسفل[610].

94 - واضح من هذه الفتاوى الشرعية أنها إعمال لقاعدة ترجيح المصلحة إذا كانت أعظم من المفسدة التي تقابلها، وهي القاعدة الشرعية التي تحكم تشريح جثة الميت أو استئصال أعضاء منها بوصفها أعمالاً جراحية، كما أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف. فإذا كانت الضرورات هي التي تبيح التشريح، فإن الضرورات تقدر بقدرها شرعاً، فلا يجوز أن يتجاوز التشريح الشيء المرخص به، ولا يجوز اقتحام الجثة أو المساس فيها إلا بعد التأكد من موافقة الميت قبل وفاته أو موافقة أسرته بعد وفاته أو موافقة ولي الأمر بالنسبة للأموات الذين ليس لهم أهل[611]. كما أنه يجب أن تعامل الجثة في أثناء التشريح بأدب واحترام، مهما كانت أغراضه، حتى لا تتخذ الجثة للعبث والإهانة، فإنه يجب شرعاً احترام القواعد الشرعية والأخلاقيات الطبية التي تحكم البحوث والتجارب الطبية على الإنسان وضرورة مراعاة القواعد التي تحكم أيضاً الممارسات الطبية في أثناء القيام بعمليات التشريح[612].
وعلى هذا الأساس، فإنه لا يجوز الاحتفاظ بجثث الموتى بقصد التمثيل بها، أو بيع أجزاء منها، أو التعامل فيها بأية صورة من صور التعامل. كما أن تشريح الجثث بقصد التعليم الطبي، أو بهدف التحقق من دعوى جنائية أو غيرها، وأخذ الأعضاء منها كالدماغ والمعدة والكبد والرئة مثلاً، لتحليلها ودراستها وكشف نوع السموم التي وصلت إليها وأدت إلى الوفاة، يستوجب شرعاً ونظاماً أن تعاد هذه الأحشاء إلى الجثة بعد ذلك. وهذا لأن الحقوق الشرعية الثابتة للجثة ليست خالصة للعبد وحده، وإنما فيها حق الله تعالى، فليس للعبد إسقاطها أو التنازل عنها[613]. قال القرافي المالكي في الفروق: إن حق الله تعالى لا يتمكن العباد من إسقاطه والإبراء منه بل إن ذلك يرجع إلى صاحب الشرع[614]. هذا، ومتى تحققت المصلحة الراجحة المقصودة من التشريح، وجب شرعاً غسل الجثة وتكفينها والصلاة عليها ودفنها على ملة الإسلام، كما تدفن الجثث قبل التشريح، فلا يجب شرعاً إهمال الجثة في المشارح، أو التمثيل بها وتعطيل دفنها، بل يجب دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة، فهذا أمر لازم، وواجب على الناس لا يجب تركه عند الإمكان، وهذا لقوله عليه الصلاة والسلام: ((للمسلم على المسلم ستة حقوق ومنها اتباع جنازته))[615].

95 - ونلاحظ أخيراً، بأنه يجوز عند وجود الموافقة الشرعية، الاستمرار في تشغيل أجهزة العناية المركزة أو الإنعاش الصناعي للمحافظة على القيمة التشريحية للجثة المراد الاستفادة منها في أغراض البحث العلمي والتعليمي لطلبة الطب[616]. ولكن لا يكون ذلك إلا بعد التثبت من الوفاة وفقاً للمعايير الطبية والشرعية، ويعد موت الشخص شرعاً إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه[617]. ويكون إيقاف هذه الأجهزة بقرار جماعي يتخذه فريق موثوق في دينه وعلمه وخبرته الطبية[618].

د - حكم تشريح جثث النساء:
96 - وأما بالنسبة لتشريح جثث النساء، في جناية أو تعليم أو مرض وبائي، فإنه يجب شرعاً أن يخول القيام به إلى طبيبات مختصات وخبيرات من النساء، وذلك لأن في تشريح جثثهن أكثر من محظور شرعي.
فإذا لم يكن بد من قيام الرجال بتشريح النساء، فإنه لابد من حضور زوج الميتة المراد تشريح جثتها أو أحد محارمها، وأن يقتصر نظر الطبيب ومسه للجسد في أثناء التشريح على مواضع الضرورة (وليكن المس بقفاز دون مباشرة اليد لدرء الشبهات)، وكذا ضرورة التأكد من عدم الاختلاط بين الرجال والنساء في دروس تشريح الجثث في كليات ومعاهد الطب[619]. فلا يجوز شرعاً للرجل أن يشرف على فصل الطالبات في عمليات التشريح[620]. لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم))[621].
وقد أوصى المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة المنعقدة بمكة المكرمة بتاريخ 6/ 5/ 1405هـ، بعدم تشريح جثث النساء من قبل الأطباء مستقلاً. كما أنه قرر في دورته العاشرة (في الفترة من 17/ 10/ 1987م إلى 20/ 10/ 1987م) بمكة المكرمة، بأن جثث النساء لا يجوز أن يتولى تشريحها غير الطبيبات المختصات إلا إذا لم يوجدن.
وهذا اجتهاد صائب، لأن الأطباء المختصين في الطب الشرعي الجنائي أو الطب القضائي قليلون في العالم العربي الإسلامي، وأغلبيتهم الساحقة من الذكور، فإذا كان الطبيب الشرعي رجلاً، فهل نتوقف عن تشريح جثث النساء حتى نأتي بطبيبة شرعية؟[622].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:50 pm


المبحث الثالث
حكم الانتفاع بالجنين الميت
97 - المقصود بالجنين الميت هو الجنين الذي لم تنفخ فيه الروح، إذا كان ميتاً حقيقة أو حكماً، أي بمعنى صيرورة خلايا جسده عاجزة عن النمو والتطور والانقسام. ومن علامات وفاة الجنين في بطن أمه توقف حركته تماماً، أي عدم شعور الأم بالحركة، داخل بطنها مطلقاً، ويمكن الاستعانة بالأجهزة الطبية للتأكد من ذلك[623]. مع العلم أن قول البعض إن الجنين قبل أربعة أشهر هو بدون روح وإنه إذاً ميت، فهذا غير صحيح من الناحية الشرعية والعلمية، لأن الروح غير الحياة، والجنين فيه الحياة من أول دقيقة من عمره، ونحن لا نعلم عن الروح شيئاً فهي من أمر الله عز وجل لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[624]. ولعل قول النبي صل الله عليه وسلم بأنه ينفخ فيه الروح، يعني حركته في البطن، أي أنه بعد أربعة أشهر تشعر المرأة بحركته في بطنها[625].
فالأصل أن الجنين الميت لا يمكن أن يستفاد منه في زراعة الأعضاء، لأن زراعة الأعضاء والأنسجة تستلزم من الناحية الطبية أن تكون خلايا الجنين حية[626]. غير أنه إذا احتيج إلى مثل هذا الجنين في التجارب العلمية والأبحاث الطبية، فإنه لا يوجد شرعاً ما يمنع الاستفادة منه، ولا يشترط الفقهاء لذلك إلا أن يرجى النفع من البحث العلمي في خلاياه وأعضائه وأنسجته، وأن لا يكون عبثاً، وأن يحترم هذا الجنين بوصفه أصل الآدمي ومادته[627].

98 - وحكم استخدام الجنين الميت الذي لم تنفخ الروح فيه في الأبحاث والتجارب العلمية، وخاصة الجنين الذي تكون خلاياه حية، كما في اللقائح التي تزيد عن الحاجة في مشاريع أطفال الأنابيب[628]. وكذا الجنين الذي سقط من رحم أمه (وعجز الطب عن إعادته إليه بالرغم من بقاء الحياة في خلايا جسده)[629]. أو حتى الأجنة المجهضة لأسباب علاجية (كالأجنة المريضة وراثياً أو المشوهة خلقياً)[630].، فإن شروط الانتفاع بها شرعاً في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية ترتكز أساساً على ضرورة الموازنة الشرعية بين المفاسد والمصالح، بأن يكون استخدام هذه الأجنة في إطار المباح، وأن تكون هذه البحوث العلمية والتجارب الطبية جادة وهادفة وأن تقف عند الحد الشرعي[631].
إن استخدام هذه الأجنة في التجارب العلمية، أو الأبحاث العلمية، أو بوصفها مصدراً مهماً لزراعة الأعضاء (خاصة في زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي)، يستوجب شرعاً احترام الضوابط الشرعية التي قررها الفقهاء، ووافق عليها المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة المنعقدة في جدة من 14 إلى 20 مارس 1990م[632]. وهي أن يكون استخدام الجنين بإذن أبويه ورضاهما كليهما، وأن لا توجد طريقة أخرى لتحقيق المصالح المبتغاة إلا باستخدام الجنين الآدمي، وأن يتيقن أهل الاختصاص (وهم الأطباء المختصون) بتحقيق مصالح معتبرة للآدمي الذي ينتقل إليه جزء من الجنين وأن يتم الاحتياط للأنساب من الاختلاط والمفاسد، وأن لا يكون الغرض من استعمال أعضاء الجنين هو العبث أو التجارة أو التلاعب بالأجنة بما يتنافى مع مقاصد الشرع وكرامة الآدمي بإهانة أصله ومادته[633].

99 - وبناء على هذه الضوابط الشرعية، فإنه لا يجوز أخذ خصية الجنين أو مبيضه لزراعته في شخص آخر، لأن الحيوانات المنوية ستكون من خلايا تلك الخصية المنقولة، فتكون نسبتها إلى الجنين صاحب الخصية، وكذلك الحال في المبيض[634]. وقد حرم الشرع الإسلامي اختلاط الأنساب، كأن تستعمل اللقائح الزائدة في مشاريع أطفال الأنابيب استعمالاً يؤدي إلى المفاسد[635]. أو كأن تزرع في رحم امرأة أجنبية[636]. وقد تباع لأجل هذا الغرض إذا تم التعامل مع تجار النطف والأبضاع وباعة اللقائح[637]. ومن ثم، فإن مثل هذه التجارب العلمية والأبحاث الطبية، يجب أن تحاط بجملة من القيود التنفيذية، فلا يسمح بذلك إلا لمراكز محددة موثوقة ومأمونة تحت إشراف مؤسسة مختصة رسمياً للتحقق من توافق الشروط المتقدمة وأن تكون مراقبة بأجهزة فعالة، بحيث لا يدخل في هذه المراكز شيء من الأجنة ولا يخرج منها إلا أن يكون تحت نظر المراقبين[638].
ونلاحظ أن هناك تجارة مغرية قائمة في الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية للاتجار بالأجنة (التي تجهض طبيعياً أو التي يتم إجهاضها عمداً)، حيث تباع هذه الأجنة لإجراء التجارب عليها، واستخدامها في زرع الأعضاء، أو استخراج بعض العقاقير والأدوية منها[639].

100 - وعلى هذا الأساس، فإنه لا يجوز شرعاً إحداث الإجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر، فلا يجوز الاستفادة منه إلا بعد التأكد من موته بالشروط الشرعية التي ذكرناها سابقاً[640]. كما أنه لا يجوز شرعاً استثماره أو استخدامه لزراعة الأعضاء إلا إذا كان غير قابل لاستمرار الحياة، وألا تخضع عمليات استخدام الأجنة لزراعة الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق[641].
والجدير بالذكر هاهنا، أنه إذا ثبت موت جذع دماغ الجنين (وهو المولود غير الدماغي)، فإن الأخذ من أعضائه وأنسجته وخلاياه، يجب أن تراعى فيه شرعاً الأحكام والضوابط والشروط المعتبرة في نقل الأعضاء من جثث الموتى، من الأذن المعتبر من وليه الشرعي، وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة الشرعية[642]. فلا يجوز نقل خلايا الجنين العصبية، وغرسها في جهاز عصبي أو دماغ لإنسان محتاج إلا وفقاً للشروط الشرعية التي أقرها الفقهاء في هذا الخصوص[643].
هذا، ولا يجوز شرعاً استنساخ الجنين الميت، سواء بواسطة استئصال نواة من خلية حية مجمدة محتفظ بها قبل وفاة الجنين، أو بواسطة استئصال نواة من إحدى خلايا الجنين بعد وفاته[644]. بوصفه عبثاً وتلاعباً وتغييراً في خلق الله عز وجل ومنافياً للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، زيادة على شبهات المفاسد واختلاط الأنساب[645].

101 - والحقيقة أن العودة الصحيحة إلى الطب الإسلامي، بكل إبداعاته وإنجازاته النيرة وبما يليق بمكانته الرفيعة، تتطلب شمولية في المنهجية والعمل والتخطيط، بضرورة تكوين وحدات البحث العلمي وإنشاء مخابر التجارب العلمية الطبية والبيولوجية. غير أنه يجب أن تباشر هذه التجارب العلمية لجنة طبية موثوقة في دينها وعلمها وخبرتها، وفقاً للأخلاقيات العلمية والطبية التي تحكم الممارسات الطبية في أثناء القيام بالتجارب على الإنسان في إطار البحث العلمي والتجريبي. ويجب أن تخضع هذه التجارب العلمية للمراقبة، بأن تقف هذه التجارب والأبحاث عند الحد الشرعي المباح، وأن تحافظ على حق الإنسان في تكامل جسده وحرمته، وحرمة جثته بعد مماته، فالآدمي (ولو كان نطفة) محترم شرعاً حياً وميتاً في الفقه الطبي الإسلامي.
إن الطبيب الباحث، هو الخبير الفني المختص في إجراء هذه التجارب العلمية والأبحاث الطبية المعمقة أياً كانت صورتها، فإن كان عمله في صورة غير مشروعة، كان آثماً وكسبه حرام.
إن الطبيب هو المسئول شرعاً عن بعض الممارسات الطبية غير الشرعية السرية في بعض المستشفيات الخاصة، كبنوك الأجنة المحرمة، وتسليم الأجنة قبل ولادتها، وتأجير الأرحام، والتلاعب بالبويضات الملقحة، وكذا إعدام الأجنة الفائضة[646].

المبحث الرابع
حكم شق بطن الأم الميتة لإخراج ولدها الحي
102 - ذهب الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة والظاهرية والإمام الشوكاني إلى أنه إن رجي حياة الجنين في بطن الأم الميتة، وجب شرعاً شق جوفها لإخراجه. فإذا علم أن الجنين حي بتحركه واضطرابه، وجب إخراجه بشق بطن الميتة لوجوب إحياء النفس، وحفظ الحياة الإنسانية، وفي عدم إخراجه هو هلاك له وقتل للنفس وهو محرم لا يجوز شرعاً. كما أنه وعملاً بالقواعد الشرعية المقررة بارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين: إما شق بطن الميتة وانتهاك حرمتها، وإما هلاك الولد الحي، فوجب شرعاً شق بطن الأم الميتة لإخراج ولدها الحي الذي هو أهون من إهلاك ولدها الحي، كما أن انتهاك حرمتها هو أخف من جريمة قتل للنفس البريئة[647]. ولأنه يشق بطن الأم الميتة (بالعمليات الجراحية) إذا خرج بعض الجنين حياً ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق، فجاز الشق بالوسائل الطبية الحديثة (فإنه يشق بطنها طولاً)، فجاز ذلك لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء الحي وهو أولى بالجواز شرعاً[648].

103 - قال الإمام النووي في المجموع إنه إذا ماتت امرأة وفي جوفها جنين حي يشق جوفها لأن استبقاءه بإتلاف جزء من الميت فأشبه ما إذا اضطر إلى أكل جزء من الميت[649].
وذكر ابن قدامة في المغني بأنه يحتمل أن يشق بطن الأم (الميتة) إن غلب على الظن أن الجنين حياً[650]. وقال ابن حزم الظاهري في المحلى أنه لو ماتت امرأة حامل والجنين قد جاوز ستة أشهر وكان يتحرك في بطنها تشق ويخرج منها الطفل[651]. وجاء في كتاب مغني المحتاج للعلامة الخطيب الشربيني (وهو شرح منهاج الطالبين للنووي) "أنه لو دفنت امرأة وفي بطنها جنينها حي ترجى حياته بأن يكون له ستة أشهر فأكثر نبش قبرها وشق جوفها وأخرج تداركاً للواجب لأنه يجب شق بطنها قبل الدفن، وإن لم ترج حياته لم ينبش[652]. وجاء في حاشية ابن عابدين الحنفي بأنه إذا ماتت حامل وولدها حي يضطرب يشق بطنها من الأيسر ويخرج ولدها، ولو مات الولد في بطنها وهي حية وخيف على الأم قطع الولد وأخرج[653].
وعلى هذا الأساس أباح الفقهاء في الإسلام، منذ عدة قرون، شق بطن الحامل الميتة لإخراج جنينها الذي له ستة أشهر فما فوق إذا ترجح حياة الولد في بطنها. فإذا كان الجنين حياً يتحرك، فإنه يشق بطنها دون انتظار ويخرج الولد. لأن مصلحة إنقاذ الحي أعظم من مفسدة هتك حرمة الميت، لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[654]. كما أن القواعد الكلية الشرعية تقضي أن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، فإنها تسمح شرعاً بشق بطن الحامل الميتة لإخراج جنينها الحي[655].

104 - وقد انتهى الفقه المعاصر إلى إجازة شق بطن الأم الميتة، التي ماتت حاملاً، والجنين حي يتحرك في أحشائها وترجى حياته بعد إخراجه، وذلك لأن هذا الشق يطابق وظيفة الأم الطبيعية ولا يكون فيه تشويه أو تمثيل لجثتها، كما أنه إعمالاً للقواعد الشرعية: الضرورات تبيح المحظورات، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف التي يسندها الكتاب والسنة والإجماع[656].
فسبحان الله رب العالمين، بيده ملكوت كل شيء، وهو على كل شيء قدير، يخرج الميت من الحي ويخرج الحي من الميت، لقوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[657]. وقوله سبحانه: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[658]. وقوله جل وعلا: {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}[659].

المبحث الخامس
حكم شق بطن الميت لإخراج المال الثمين
105 - إذا أدخل شخص في جوفه أو في جسده (بابتلاع ونحوه) مالاً ثميناً من لؤلؤة أو جوهرة أو قطعة ذهب أو فضة ونحوها، مما يبقى ولا يستهلك عينه، ثم مات فهل يجوز شرعاً شق بطن الميت لإخراج هذا المال؟
ذهب الحنفية وبعض المالكية إلى أنه لا يشق مطلقاً (سواء كان المال له أو لغيره)، وذلك لأن الأصل في الشق أنه حرام، وحرمة النفس أعظم من حرمة المال، كما أن حرمة الميت (وهو حق الله تعالى) أعظم من حرمة المال (وهو حق العباد فقط)، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((كسر عظم الميت ككسره حياً))[660]. فيغرم بمثلها إن كان من ذوات الأمثال، وبقيمته إن كان من ذوات القيم[661]. قال الإمام النير ابن نجيم صاحب "الأشباه والنظائر" أنه لا يجوز شق بطن الآدمي من أجل المال، لأن حرمة الآدمي أعظم من حرمة المال[662].
في حين، ذكر الإمام ابن حزم الظاهري، والإمام الشوكاني، وهو رأي بعض الأحناف، أنه يشق بطن الميت مطلقاً، سواء كان المال له أو لغيره، قليلاً كان أو كثيراً، وذلك بالنظر إلى حق العباد وتحريم إضاعة المال. ولأنه لا ضرر في الشق على الميت، وفيه صيانة المال المنهي شرعاً عن إضاعته، وأداء الحق إلى ذويه، ويخاط ما شقوه من جثته بعد إخراج المال لئلا يكون منظره قبيحاً[663].
قال الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه القيم "المحلى" بأنه يجوز شق بطن الميت لاستخراج جوهرة ابتلعها لأنه لا ضرر في ذلك على الميت، ويلحق الضرر بصاحب الجوهرة، لصحة ما نهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ولا يجوز أن يجبر صاحب المال على أخذ غير ماله مادام عين ماله ممكناً لأن كل ذي حق أولى بحقه[664].

106 - وذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية، إلى أن جثة الميت اجتمع فيها حق الله تعالى (وهو حرمة الميت) وحق العباد (وهم الورثة)، فلابد من مراعاة الحقين ما أمكن[665]. لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[666].
وذهب أبو عبدالله العبدري من المالكية إلى أنه إذا كان المال كثيراً يشق بطن الميت مطلقاً، سواء كان المال له أو لغيره، لأن في ذلك نفعاً للورثة ودفعاً للضرر عن المالك برد ماله إليه[667]. وقال الحنابلة والشافعية إلى أن المناط هو كون المال الثمين ملكاً له أو لغيره، فإذا كان المال له فإنه لا يشق لأن ذلك استهلاك منه لماله في حياته، وإن كان المال لغيره فإنه إذا طلبه صاحبه يشق الجوف ويرد المال إلى مالكه لإبراء ذمة الميت[668]. ذكر الإمام النووي في المجموع أنه إذا بلع الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها يشق جوفه وترد الجوهرة[669]. وجاء في كتاب مغني المحتاج للإمام الخطيب الشربيني أنه لو بلع الميت مالاً لغيره وطالبه صاحبه ولم يضمن مثله أو قيمته أحد من الورثة أو غيرهم نبش وشق جوفه وأخرج منه المال ورد لصاحبه[670].

107 - والراي الراجح في الفقه المعاصر هو جواز شق بطن الميت لإخراج مال ثمين ابتلعه قبل وفاته، إذا كان هذا المال لشخص يطالب بحقه، وليس من الورثة أحد يلتزم بدفع قيمة المال أو مثله، على أساس مصلحة عدم إضاعة المال والحفاظ على حقوق الغير التي هي شرعاً أعظم من مفسدة هتك حرمة الميت[671]. فإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما، كضياع مال أحد المسلمين هي مفسدة أعظم من مفسدة هتك حرمة الميت[672]. وخاصة مع تطور الوسائل الطبية الحديثة التي يمكن بواسطتها شق بطن الميت دون مثلة أو إهانة[673]. غير أنه إذا كان لابد من شق بطن الميت لهذا الغرض. فإنه يستوجب عدم إهانة الجثة وعدم التعريض بها. والتعامل معها بأدب واحترام[674]. لقوله عليه الصلاة والسلام: ((كسر عظم الميت ككسره حياً))[675]. وفي رواية أخرى: إن كسر عظم المؤمن ميتاً، مثل كسره حياً[676]. وهو يدل دلالة واضحة على خطر المساس بالجثة وتحريم إهانتها، فلا يتعدى عليها بشق أو كسر لغير مصلحة راجحة أو حاجة ماسة[677]. وقال المفسرون والشراح بأن المقصود من قوله عليه السلام: ككسره حياً يعني في الإثم. كما جاء في رواية ابن ماجة عن أم سلمة رضي الله عنها، إشارة إلى أن للميت حرمة كحرمة الحي تماماً وأن كسر عظامه في حال موته يحرم كما يحرم كسرها حال حياته[678].
إن الميت يتألم بما يتألم به الحي، لقوله عليه الصلاة والسلام: أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته[679]. ولهذا فإنه يحرم شق بطن الميت أو قطع شيء من أطرافه لغير مصلحة راجحة يقرها الشرع، وضرورة الموازنة بين الحقوق الشرعية وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر وأن تعامل الجثة باحترام مصداقاً لتكريم الشرع للإنسان حياً أو ميتاً في قوله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[680].

المبحث السادس
حكم إخراج الجثة من ماء عميق أو غار أو كهف
108 - إذا مات شخص في بئر، فإن أمكن إخراجه بلا تقطيع أو تمثيل به، وجب ذلك لتكريمه بتأدية فرض غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه[681]. وإن لم يمكن إخراجه بالكلية، أو لم يمكن إلا متقطعاً، فإن لم يكن ثمة حاجة إلى البئر طمت عليه ليصير قبراً له، وذلك لأن الميت المسلم يدفن حيث مات، لا يجوز نقله إذا كان نقله يترتب عليه التمثيل به، لأن المسلم محترم حياً وميتاً[682]. أما إذا كانت ثمة حاجة إلى البئر لأهل القرية أو المارة عليها، فإنه يخرج مطلقاً رغم صعوبة الإخراج، ولو بالكلاليب ونحوها، ولو أدى ذلك إلى التمثيل به وتقطيعه، لأن فيه جمعاً بين حقوق كثيرة: أهل القرية، ونفع المارة، وغسل الميت وتكفينه ودفنه، وربما كانت المثلة في بقائه ودفنه أعظم حيث يصيبه التلف بأن يتحلل وينتن[683].

109 - وكذلك الشخص الذي سقط في غار أو كهف ثم مات. فإن أمكن إخراجه بلا تقطيع أو تمثيل به وجب القيام بذلك شرعاً، وإن لم يمكن إخراجه بالكلية أو لم يمكن إلا متقطعاً، دفن في الغار وردم عليه حتى يصان عن السباع والضباع والكلاب وغيرها[684]. عملاً بقوله جل وعلا: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[685]. ومن هنا نستطيع القول بكل حزم، بأن الشريعة الإسلامية تحمي الإنسان قبل المهد وهو جنين في بطن أمه كما تحميه إلى ما بعد اللحد وهو في القبر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:51 pm


المبحث السابع
حكم الوصية بالعضو الآدمي
110 - إذا أوصى المتوفى بجثته لكليات الطب، وبجزء منها لإنقاذ مريض من الموت المحقق، فإن هذه الوصية جائزة شرعاً[686]. وذلك لأن أخذ العضو من الميت بناء على وصيته ليس فيه إسقاط أو تنازل للحقوق الشرعية الثابتة على الجثة، لأن صاحب الحق قام بالتصرف فيه إبان حياته، وأن هذا لا يعد مثلة أو إهانة بالجثة[687].
فالمثلة ليست مجرد أخذ العضو من الميت بقصد تحصيل حق أو حماية حق، وإنما المثلة شرعاً هي أخذ العضو من الجثة بغرض التشنيع والتشويه والعبث والتعدي على حرمة الميت[688]. فإذا مات المتوفى، وهو الموصي بالعضو مصراً على وصيته، تمت الوصية ولزمت شرعاً، إذ إنه ليس هناك نص خاص يمنع شرعاً التداوي بأجزاء الميت[689]. وقد ذهب الفقهاء القدماء في الفقه الإسلامي إلى أنه لا يجوز شرعاً التصرف في أجزاء الجثة، لكون جثة الإنسان ليست مالاً، فلا تجوز محلاً للوصية التي يشترط في محلها أن يكون مالاً أو حقاً مالياً مملوكاً لشخص يمكن أن ينتقل إلى ورثته[690]. إن جسم الإنسان ليس تركة، فلا يدخل في دائرة الأموال أو المنافع أو الحقوق، فهو لا يُعد مالاً متقوماً من حيث الأصل. ومن ثم فإنه لا يجوز الإيصاء به ولا ببعض أجزائه، وذلك لأنه لا يعد من الحقوق المالية، فلا يصح محلاً للمعاملات المالية، ولا التصرف بأي جزء منه[691]. لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[692].

111 - وقال الفقه المعاصر بأن الوصية بالمنافع جائزة شرعاً، ومنها الوصية بالانتفاع بجثة الميت أو بعضو من أعضائه للحاجة التي يبيحها الشرع[693]. فإن تنازل الميت عن جثته لكليات الطب لأغراض علمية وطبية، وكذا تنازله عن عضو من أعضائه لمريض محتاج لأغراض علاجية، هي تصرفات إنسانية وأخلاقية ذات قيمة اجتماعية مؤكدة لا تتعارض مع أحكام الشرع[694]. وهي أيضاً لا تتعارض مع النظام العام أو الأخلاق العامة[695].
فالشخص متى كان بالغاً عاقلاً، يكون من حقه التصرف في جسده، فالبلوغ يضع حداً للسلطة على الشخص[696]. ومن ثم، يمكنه أن يوصي قبل وفاته، بجثته، أو بأجزاء منها لضرورة علاجية أو لأغراض علمية أو طبية[697]. ويشترط شرعاً في الميت الموصي أهلية الإيصاء، بأن يكون أهلاً للتبرع، أي بالغاً عاقلاً، أما إذا كان قاصراً أو ناقص الأهلية كالمجنون أو المعتوه أو السفيه فيلزم شرعاً الحصول على موافقة الولي على النفس. ويشترط أيضاً أن يكون الموصي راضياً مختاراً، بأن يصدر منه رضاء حر وصريح بإقرار كتابي، فإذا كان مكرهاً أو خاطئاً أو هازلاً أو فاقداً للوعي والإدراك فلا تصح الوصية[698].

112 - وعلى هذا الأساس، اتفق جمهور الفقهاء أنه لا يجوز شرعاً نقل الأعضاء أو الأنسجة أو استئصالها من جثة الميت لزرعها في جسم إنسان حي مضطر إليها، إلا إذا أوصى بذلك قبل وفاته، بأن تكون هناك موافقة خطية (أي كتابية) من المتبرع (وهو المعطي) في حياته على قبول ذلك صراحة[699]. وهذا هو الإذن بالاستئصال[700].
ومن ثم، فإنه يمنع منعاً باتاً في الشرع والقانون، استئصال الأعضاء من الجثة بهدف الزرع إذا عبر الشخص قبل وفاته كتابياً عن عدم موافقته على ذلك[701]. وذلك لأن إرادة الإنسان بالنسبة لشخصه مقيدة شرعاً بعدم إهلاك نفسه، لقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[702]. غير أنه يجوز استحساناً قطع العضو أو جزء من الميت إذا أوصى بذلك قبل وفاته دون ضغط أو إكراه أياً كان نوعه، وتوفي مصراً على وصيته، جاز ذلك إذا دعت إليه الضرورة لأن المصلحة فيها أعظم من الضرر الذي يصيب الميت[703].
ويشترط القانون المصري رقم 103 لسنة 1962م في مادته الثالثة، ضرورة الحصول على إقرار كتابي من الموصي وهو كامل الأهلية. كما أن القانون الطبي الجزائري رقم 85/ 5 المؤرخ في 16/ 2/ 1985م المعدل بالقانون رقم 90/ 17 المؤرخ في 31/ 7/ 1990م نص في المادة 165 بكل وضوح بأنه يمنع منعاً باتاً القيام باستقطاع أعضاء أو أنسجة بهدف الزرع إذا عبر الشخص قبل وفاته كتابياً عن عدم موافقته على ذلك[704].

113 - وقد سئل الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي عن حكم الوصية بالعضو الآدمي؟ فقال: لا يوجد مانع شرعي أن يوصي الميت قبل وفاته بعضو من أعضائه لشخص معين، أو لمؤسسة مثل بنك الأعضاء لاستخدامها عند الحاجة، لأن في ذلك منفعة خالصة للغير، دون احتمال أي ضرر عليه. فإن هذه الأعضاء تتحلل بعد أيام ويأكلها التراب، فإذا أوصى ببذلها للغير قربى إلى الله تعالى، فهو مثاب ومأجور على نيته وعمله، ولا دليل من الشرع على تحريم ذلك، والأصل الإباحة، إلا ما منع منه دليل صريح ولم يوجد[705].

114 - هذا، وما دامت الحاجة أو الضرورة هي مبرر الحكم بجواز الوصية بالعضو الآدمي، فإنه لابد أن يكون ذلك وفقاً للضوابط الشرعية التالية:
1 - أن يكون الموصي أهلاً للتبرع، بأن يكون بالغاً عاقلاً، قادراً على أن يعطي رضاء جاداً وكاملاً. فإذا كان قاصراً أو غير كامل الأهلية أو محجوراً عليه، فإنه يجب في هذه الحالة علاوة على رضاء المعطي رضاء الممثلين الشرعيين للقاصر[706]. وقد أوصت ندوة "الأساليب الطبية القانون الجنائي" التي نظمتها كلية الحقوق بجامعة القاهرة في شهر نوفمبر 1993م: بأنه لا يجوز نقل عضو من جثة ميت إلا بناء على وصية صحيحة صدرت عنه قبل وفاته، أو بناء على رضاء صحيح من زوجه وجميع أبنائه بعد وفاته. ويجوز أن تثبت الوصية أو الرضاء بوجه رسمي على النحو الذي يحدده القانون. ويجوز أن يحمل الشخص بطاقة يقرر فيها رضاءه بنقل عضو من أعضائه بعد وفاته، أو أن يسجل اسمه في سجل رسمي بعد ذلك، ضماناً لنقل العضو من جثته فور حصول الوفاة[707].
2 - أن يكون الغرض من الوصية هو استئصال جزء من أجزاء الجثة لضرورة علاجية لإنقاذ مريض من الموت المحقق وتخليصه من آلام المرض، أو لأغراض علمية كالتجارب العلمية والدراسات في كليات الطب[708]. ومن ثم، فإنه لا يجوز اقتحام الجثة أو المساس بها إلا لمصلحة علاجية لجسم حي آخر، أو لمصلحة علمية لأغراض البحث العلمي العام أو التعليم الطبي في معاهد وكليات الطب[709]. وذلك لأن العلاج أو العلم يكونان عندئذ مصلحة شرعية مؤكدة أولى بالرعاية من الجثة التي سرعان ما تتحلل في التراب[710].
3 - أن لا تكون الغاية من الوصية الربح والتجارة والتداول، أو الحصول على ميزة معينة مقابل تنازل الميت عن أحد أعضائه بعد موته، كالوعد بمبلغ من النقود، أو مكافأة مجزية، كأنما المال هو الدافع للتنازل وليس الإنسانية والأخلاق. فإنه يحرم شرعاً اقتضاء مقابل مالي للإيصاء بالعضو أو جزئه، لأن بيع الآدمي لجسمه أو جثته أو عضوه هو باطل شرعاً[711]. ومن ثم فإن التنازل عن العضو الإنساني لا يكون إلا بالتبرع من الناحية الشرعية[712]. ولكن لو بذل المنتفع بالتبرع للشخص المعطي (أو أقاربه بعد وفاته)، مبلغاً من المال غير مشروط ولا مسمى، على سبيل الهبة والهدية والمساعدة، فهو جائز شرعاً، بل هو محمود ومن مكارم الأخلاق[713]. فهذا يشابه إعطاء المقرض عند رد القرض أزيد من قرضه دون اشتراط سابق، فهو مشروع وجائز، وقد فعله النبي صل الله عليه وسلم حيث رد أفضل مما أخذه، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن خياركم أحسنكم قضاء))[714].
4 - أن لا يكون العضو الموصى به من طرف الميت، متعارضاً مع نص شرعي خاص أو مع المقاصد الشرعية، أو مع مبدأ الكرامة الآدمية، كالشعر لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة))[715].، أو كالمني أو الخصية أو البويضة لتعارض ذلك مع مقاصد الشرع في حفظ الأنساب من الاختلاط وهو حرام شرعاً[716]. أو كالمخ لما يترتب عليه من خلط وفساد كبير[717]. وأن لا تكون هنالك أية بدائل صناعية للعضو الآدمي تقوم مقامه وتغني عنه[718].
5 - أن يغلب على الظن نجاح عملية زرعها، بناء على قاعدة تحقيق أعلى المصلحتين، وارتكاب أخف الضررين، بأن يدفع الميت بتنازله عن عضوه مفسدة أعظم من مفسدة فقد العضو نفسه بعد وفاته، بإيثار مصلحة الحي على مصلحة الميت الذي مصيره التحول إلى رفات[719].
ومن ثم، فإن ارتفاع نسبة النجاح في مثل هذه العمليات الجراحية هو المصلحة الشرعية التي تدور معها الفتوى بالإباحة أو بالحظر[720]. وعلى هذا الأساس، فإنه يشترط في العضو الموصى، به، والمراد استئصاله لزرعه في الحي، أن يكون صالحاً وخالياً من الأمراض، بأن يتأكد الطبيب الجراح من ذلك قبل إجراء العملية وأن يقارن بين المزايا والمخاطر المترتبة على استقطاع الأعضاء من الجثة لزرعها وفقاً لأصول الصنعة الطبية[721].
6 - أن لا تنفذ الوصية بالعضو الآدمي إلا بعد وفاة الميت (وهو الموصي) مصراً على وصيته (إذ إنه يستطيع الرجوع في رضائه في أي وقت قبل وفاته)، ما لم يمنع أولياؤه ذلك (لأن أمر المساس بالجثة ينتقل إليهم شرعاً بعد الوفاة). وذلك لأن الوصية شرعاً، هي من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت، فلابد من التأكد من وفاة الموصي، الوفاة الشرعية بموت دماغه، بصفة مؤكدة ونهائية[722]. ولا تسري عليه أحكام الموت إلا بعد توقف قلبه ودورته الدموية[723].

115 - وفي مثل هذه الوصية بالعضو: كالقلب والكبد والكلى والبنكرياس والرئة والأمعاء والأحشاء الباطنية والعظام والغضاريف وقرنية العين والجلد، بالإضافة إلى بقية أعضاء الجسم الأخرى، فإنه يمكن استئصاله مباشرة وبسرعة بعد موت الدماغ، وقبل موت خلايا العضو المراد زرعه[724]. فالقلب والكلى والقرنية مثلاً، تظل خلاياها حية لفترات قصيرة، وبذلك يمكن استعمالها في عمليات زرع الأعضاء بنجاح تام. وذلك لأن نجاح عمليات زرع العضو الموصى به، يتوقف من الناحية الطبية على عدم فساد خلاياه وصلاحيته في جسم المستفيد. إذ لا فائدة من نقل عضو فسد وتحلل، وبالذات القلب والكبد والرئتين والأمعاء والكلى[725]. وقد ذكرنا سابقاً، بأن مفهوم الموت من الناحية الشرعية هو تعطل وظائف دماغ الإنسان تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه، مع أن الجسد لا يزال حياً لفترات تختلف من عضو لآخر، وهذا مهم جداً لنقل الأعضاء وزرعها بنجاح تام في جسم المستفيد[726]. وخاصة مع تطور التقنيات الطبية الحديثة، عن طريق وضع الشخص الذي يحتضر في حالة تنفس صناعي، بغرض المحافظة على صلاحية العضو المراد استقطاعه وعدم فساد خلاياه بوصول الدم إليه بفعل أجهزة الإنعاش والإحياء الصناعي المركبة[727]. ومن ثم، يكون من المستطاع من الناحية الطبية استئصال العضو الموصى به لزرعه أو (غرسه) في جسم المستفيد الحي[728].

116 - ومعنى هذا القول بمشروعية الوصية بالأعضاء الآدمية، وأخذها من الميت لا قيمة له من الناحية الواقعية أو العملية، إذا اشترط الموصي توقف القلب (أي بمعنى الدورة الدموية) للحكم بحدوث الوفاة، لأن هذا يعني القول بمشروعية الوصية بما لا نفع فيه في الواقع العملي، اللهم إلا بالنسبة لبعض الأعضاء التي تأتي في المرتبة الدنيا من حيث أهميتها في إنقاذ المرضى المحتاجين[729]. فإن القلب والكبد مثلاً لا يمكن أخذهما إلا من متوفين دماغياً، لأن الإنسان لا يملك إلا قلباً واحداً وكبداً واحداً. فإذا انتظرنا حتى يتوقف القلب توقفاً نهائياً رغم الإنعاش الصناعي، فإن ذلك يفسد الأعضاء فساداً لا يمكن معه الاستفادة منها في نقلها إلى حي[730].

117 - وقد فتح مجمع الفقه الإسلامي بمقتضى قراره المشهور رقم [5] د 3/ 7/ 86 في دورته المنعقدة بعمان (الأردن) في شهر أكتوبر 1986م. الباب واسعاً لنقل الأعضاء من المتوفين دماغياً، للحصول على الأعضاء المهمة كالقلب، والكبد، والرئة، والبنكرياس، والكلى، والأمعاء الدقيقة، بعد أخذ موافقتهم في أثناء حياتهم على ذلك، أو بعد موافقة أوليائهم. إن هذه الأعضاء لا تبقى إلا دقائق معدودة بعد توقف القلب والدورة الدموية فإنه لا يمكن الاستفادة منها بعد توقف القلب[731]. حيث ينبغي طبياً أن يكون العضو المستقطع الموصى به، متمتعاً بالتروية الدموية إلى آخر لحظة، وذلك ما يوفره تشخيص موت الدماغ، بأن يستمر الأطباء في التنفس الصناعي وإعطاء العقاقير لضمان استمرار الدورة الدموية لحين استئصال الأعضاء المطلوبة من المتوفى[732]. أما الأعضاء الأخرى: كالعظام، والجلد، والقرنية، والغضاريف، فإنها يمكن أن تبقى سليمة وحية بعد توقف القلب والدورة الدموية لمدة تتراوح من 12 إلى 24 ساعة. وبالتالي يمكن أن تؤخذ من شخص توقف قلبه ودورته الدموية، وهذا إذا كانت الغرفة التي فيها الميت باردة[733].
إن هذا القرار التاريخي هو قرار صائب، واكب المجمع من خلاله الإجماع الطبي الحديث الذي خلص إلى أن مخ ميت هو شخص ميت لا محالة. فإنه لابد أولاً أن يتم تشخيص موت الدماغ من قبل فريق طبي مختص لا علاقة له بفريق زرع الأعضاء وينبغي ثانياً لنجاح عملية الزرع أن يبقى الميت الدماغي تحت أجهزة الإنعاش الصناعي لحين استقطاع الأعضاء المراد زرعها[734].

118 - كما أن هذا القرار الاجتهادي هو نموذج حي لتطور الفقه الإسلامي دائماً إلى الأمام، وذلك عن طريق الاجتهاد بالرأي عند سكوت النص الشرعي، لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلة الشرع ومقاصده وقواعده الكلية، أو عن طريق إلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص للاشتراك في علة الحكم. وقد سار مجمع الفقه الإسلامي على هذا المنهج الاجتهادي لمسايرة جميع التطورات الحديثة المستجدة في علوم الطب والجراحة والبيولوجية والهندسة الوراثية، وقام بتخريجها تخريجاً شرعياً على قواعد الفقه وفقاً لأصوله وأحكامه العامة والخاصة[735].
إن إغفال أو إهمال الفقه الإسلامي المعاصر البحث في هذه الإنجازات الطبية الحديثة، هو مضر بالمصالح الخاصة والعامة للأمة، مما يجعلها لا محالة تتعدى الحدود الشرعية، وبالتالي تصطدم بأدلة الشرع وأوامره ونواهيه، كما أن الفراغ التشريعي في هذه المسائل المهمة يجعل الفقه تابعاً في هذه الأحكام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:52 pm

المبحث الثامن
حكم انتقال الحق لورثة الميت
119 - إذا لم يكن المتوفى قد أوصى بجثته أو بجزء منها، فإن أمر المساس بالجثة ينتقل شرعاً إلى أقارب الميت وذوي الشأن. فلا يجوز اقتحام الجثة، أو المساس بها، أو استئصال أي عضو منها، بأي حال من الأحوال، إلا إذا قبل الأولياء وذوي الشأن. فإن الحصول على موافقة الأسرة يعد شرطاً أساسياً لمشروعية عمليات استقطاع الأعضاء من جثة الميت[736]. إذ إن الأهل هم النواب الشرعيون للمتوفى. وهم الأقدر على تحديد موقف الميت لو طلب منه رأيه، قبل موته في تشريح جثته لأغراض علمية أو استئصال عضو منها بهدف علاجي لمريض في حاجة ماسة لهذا العضو بغية إنقاذه من الموت المحقق[737]. والأصل في الشريعة الإسلامية أن حق الأسرة في التصرف في الجثة لا ينشأ إلا بعد التأكد من الوفاة الشرعية، فمنذ لحظة الوفاة يكون للأسرة الحق في الموافقة أو الاعتراض على استئصال عضو من جثة المتوفى[738].

120 - فالأمر بعد الوفاة، يكون بيد أهل الميت وحدهم، فإذا أذنوا جاز ذلك، وإلا فلا يجوز شرعاً بدون إذنهم[739]. وحق الأولياء في الدفاع عن حرمة الميت وعن كرامة جثته هو حق شرعي، وحق معنوي ثابت للأسرة على جثة الميت، يقوم على أساس صلة القرابة والدم التي تربط أفراد الأسرة الواحدة. ومن ثم فإن التغاضي عن موافقة الأسرة، ينطوي على اعتداء صارخ لحقوقهم المعنوية وللاحترام الأدبي الواجب نحو الأموات[740].
وقد جعل الشارع للأولياء الحق في القصاص أو العفو في حالة القتل العمد، لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}[741]. كما أن لهم حق القصاص عنه إن شاءوا أو المصالحة على الدية أو العفو كلياً أو جزئياً لوجه الله تعالى، لقوله سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}[742].
وبناء على هذا الحق الشرعي الثابت للأولياء في أمواتهم، فإنه يجوز لهؤلاء دفع من أراد إهانة جثتهم، أو التعريض بها، أو الاعتداء عليها بالقطع أو الإتلاف أو الإحراق أو غيرها[743]. ومن ثم فإنه إذا اختلف الورثة، بأن أجاز بعضهم المساس بجثة مورثهم الموصى بها، دون البعض الآخر، فالراجح عند الفقهاء أن الموصى له يستحق تعويضات من الوارث الذي منعه لتعديه المنع[744].

121 - فإذا لم يوص الميت قبل وفاته، فإنه لا يجوز التشريح ونقل الأعضاء إلا بموافقة أهله، على أن يكون ذلك بعد تحقق وفاة الميت، بتوقف دماغه عن أداء وظيفته، لا بتوقف قلبه لأن القلب قد يتوقف والمخ لا زال قائماً بوظيفته فلا تتحقق الوفاة الشرعية[745]. فلا مانع شرعاً من تبرع الورثة ببعض أعضاء الميت مما يحتاج إليه بعض المرضى لعلاجهم، بنية الصدقة بذلك عن الميت، وهي صدقة يستمر ثوابها ما دام المريض المتبرع له منتفعاً بها[746]. وقد أجازت الفتوى المشهورة رقم 62 الصادرة عن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، نقل قرنية عين إنسان بعد التأكد من موته، وزرعها في عين إنسان مسلم مضطر إليها، وغلب على الظن نجاح عملية زرعها، ما لم يمنع أولياؤه ذلك...[747].
وعليه فإنه إذا لم يعبر المتوفى في أثناء حياته. فإنه لا يجوز شرعاً نقل الأعضاء من الميت إلى الحي، إلا بعد موافقة أهل الميت، إن كان له أهل، حتى لا يوجد خلاف من جانبهم[748]. فربما يكون الخلاف بين ورثة الميت سبباً في فتنة بين الناس[749]. والله تبارك وتعالى يأمر باجتناب الفتنة كلها، بقوله عز وجل: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً}[750]. والنبي صل الله عليه وسلم يقول: ((الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها))[751]. ومن ثم، فإن اشتراط الفقهاء إجازة الورثة، بأن يستأذن أهل الميت، في شأن اقتطاع الأعضاء من جثة المتوفى، هو أمر مقبول شرعاً لأن فيه رعاية لحرمة الميت وكرامته. كما أن المساس بجثته يؤثر فيهم ويضرهم ضرراً معنوياً، والقاعدة الشرعية تقضي ((لا ضرر ولا ضرار))[752].

122 - وفي هذا يقول الشيخ الدكتور بكر أبو زيد[753]. في كتابه "فقه النوازل" وشرط إذنه (أي إذن الميت في أثناء حياته) وإذن ورثته، لأن رعاية كرامته حق مقرر له في الشرع، لا ينتهك إلا بإذنه، فهو حق موروث كالحق في المطالبة من الوارث في حد قاذفه. ولذا فإن الإذن هو إيثار منه، أو من مالكه الوارث (أي مالك الحق) لرعاية حرمة الحي على رعاية حرمته بعد موته في حدود ما أذن، ولذا صح ولزم شرط الإذن منه قبل موته أو من ورثته جميعاً[754].
ولذلك فإن سلطة التصرف في جثة الميت تنتقل إلى أسرته بعد الوفاة، بشرط ألا يتعارض هذا التصرف مع إرادة المتوفى في أثناء حياته. كما أن حق التصرف في الجثة لا يكون بالضرورة للورثة، وإنما يكون أيضاً للأقارب الذين تربطهم صلة الدم والقرابة[755]. ذلك لأن الجثة كما ذكرنا سابقاً، وإن كانت شيئاً إلا أنها ليست من الأشياء التي تدخل في دائرة التعامل، فهي ليست عنصراً من عناصر التركة[756]. فحق الأسرة على جثة أحد أفرادها ليس حق ملكية، وإنما هو حق معنوي يجد أساسه في صلة الدم التي تربط جميع أفراد الأسرة.
هذا، ويعامل المحكوم عليه بالقتل، من حيث الحصول على جثته لأغراض علمية، أو من حيث نقل عضو من أعضاء جسمه لأغراض علاجية، معاملة أي شخص آخر. فمن حق الأقارب التمسك بعدم جواز المساس بالجثة إلا بموافقتهم، احتراماً لمشاعرهم وحفاظاً على ذكرى المتوفى[757].
أما القانون المصري رقم 103 لسنة 1962 والمتعلق بتنظيم بنك العيون، فلا يشترط موافقة أحد للحصول على عيون من ينفذ عليهم حكم القتل[758]. فكأن هذا القانون يعد جثة المحكوم عليه بالقتل ملكاً للدولة تتصرف فيها في إطار المصلحة العامة، تلك المصلحة التي ترجح مصلحة الأسرة وحقوقها المعنوية على الجثة[759]. وهو ما أكده المنظم المصري في القانون رقم 119 لسنة 1974 والخاص بتنظيم السجون بأنه إذا لم يتقدم أحد من أهل المحكوم عليه بالقتل لتسلم الجثة خلال سبعة أيام من تاريخ إيداعها في مكان حفظ الجثث سلمت إلى الجهات الجامعية[760].
والحقيقة أنه من الناحية الشرعية والنظامية لابد من الحصول على موافقة الأهل لاستئصال أي عضو من أعضاء من ينفذ عليهم حكم القتل[761]. فلا يجوز شرعاً إجبار المحكوم عليه بالقتل بالتنازل عن عضو من أعضاء جسده بعد الوفاة، ذلك أن المجتمع قد استوفى حقوقه بتنفيذ حكم القتل، ومن ثم فليس له أي حق على الجثة، كما أن استئصال الأعضاء من جثث المحكوم عليهم لا يعد اجراء مكملاً لعقوبة القتل[762].

123 - ومن المشاكل المطروحة من الناحية الطبية، هي بصدد مدى حق أطباء المستشفيات في استقطاع أعضاء من جثة المتوفى، خدمة للبحث العلمي أو لإنقاذ مريض من الموت، دون انتظار المهلة القانونية، وكذا مسألة قبول الأولياء هذا المساس بالجثة بسرعة ودون تأخير. وبالتالي قبولهم بوضع الميت المحتضر، تحت أجهزة الإحياء الصناعي للمحافظة على القيمة التشريحية للجثة وصلاحية العضو المراد استقطاعه. ومن هنا، ذهبت بعض القوانين الوضعية في فرنسا[763]. ولوكسومبورج[764]. وتشيكوسلوفاكية[765]. وبعض دول أوروبا إلى عدم الالتفات إلى إذن المتوفى أو إذن أهله. إذا مات هذا الشخص في مستشفى حكومي، ولم يكن قد أوصى في حياته بعدم أخذ أعضائه عند وفاته. فإنه يحق لولي الأمر في هذه القوانين أن يأمر باستقطاع الأعضاء من شخص توفي نتيجة موت الدماغ[766]. وهو ما ذهبت إليه فتوى وزارة الأوقاف الكويتية رقم 132/ 79 لسنة 1980م. والتي رفضها مجلس الأمة الكويتي[767]. وهو أيضاً، ما أشارت إليه المادة 164 من القانون الطبي الجزائري رقم 85/ 5 المؤرخ في 16/ 2/ 1985م (المعدلة بالقانون رقم 90/ 17 المؤرخ في 31/ 7/ 1990م)، والتي نصت صراحة على أنه يجوز اقتطاع القرنية والكلية بدون موافقة أحد أعضاء الأسرة، إذا تعذر الاتصال في الوقت المناسب بأسرة المتوفى أو ممثليه الشرعيين، أو كان التأخير في أجل الاستقطاع يؤدي إلى عدم صلاحية العضو موضوع الاستقطاع. ولا تتم هذه العملية إلا تحت إشراف اللجنة الطبية الخاصة. داخل الهيكل الاستشفائي التي تقرر ضرورة الاستقطاع أو الزرع وتأذن بإجراء العملية[768].

124 - وهنا لابد أن نوضح أن الشرع الإسلامي يحمي الميت المحتضر بسياج من الضمانات الشرعية، وكذا المريض الخاضع للعناية المركزة أو أجهزة الإنعاش الصناعي، من تسرع بعض الأطباء إلى الإعلان عن موته الدماغي لاستعمال جثته أو لاستقطاع بعض أعضائه.
كما أن الشرع واضح تمام الوضوح بأنه يمنع شرعاً اقتطاع أي عضو من أعضاء الميت أو أنسجته بهدف الزرع، وبأي حال من الأحوال، إذا عبر المتوفى في أثناء حياته عن عدم قبوله صراحة لذلك، غير أنه إذا لم يعبر المتوفى في أثناء حياته، فإنه لا يجوز الاقتطاع أيضاً، إلا بموافقة أسرته أو ممثليه الشرعيين[769]. فلا يجوز شرعاً إجراء عملية الاستئصال إذا عارض الزوج أو أحد الوالدين، أو أحد أقارب المتوفى (حسب ترتيبهم في استحقاق التركة حتى الدرجة الثانية) عمليات نقل الأعضاء من جثة الميت[770]. وهو ما قررته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في دورتها المنعقدة بالكويت بتاريخ 23 أكتوبر 1989م بأنه يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهولاً أو لا ورثة له[771].

125 - والجدير بالذكر هاهنا، أنه في المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وألمانيا، وهولندا، وبلجيكا، فإنه لا يجوز إجراء عملية الاستئصال من جثة الميت إلا بموافقة أهل المتوفى بالإضافة إلى إذن المتوفى حال حياته. أما إذا فات هذا الشرط، ولم يتحقق إذن الميت أو إذن جميع الورثة بأن أذن بعضهم دون بعض، فلا يجوز استقطاع أي عضو منه.
وهو ما ذهب إليه الفقه الإسلامي المعاصر، على أن يكون ذلك في حدود الضرورة، أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، على أن يستوثق من عدم وجود أولياء للميت، فإذا كان له أولياء وجب استئذانهم، وألا يوجد ما يدل على أن الميت قد أوصى بمنع ذلك ورفضه[772]. ومن المعلوم أنه في الجزائر زرعت حتى عام 1985م، 60 كلية وكانت نسبة النجاح من 80 إلى 90% لأن نسبة النجاح العلمي الطبي هي المصلحة الحقيقية، وهي تؤثر في الفتوى الشرعية[773]. كما أنه في مصر حتى عام 1986م، أجريت حوالي 260 عملية نقل الكلية وزرعها بنجاح تام[774].
كما أن المملكة العربية السعودية تعد رائدة في هذا المجال، حيث تم زرع فيها حتى نهاية عام 1997م: 902 كلية من متوفين دماغياً (بسبب حوادث المرور خاصة) و74 قلباً كاملاً من متوفين بموت الدماغ، واستفيد من 134 قلباً بوصفها مصدراً للصمامات الإنسانية. كما تم أيضاً زرع 148 كبداً، و254 قرنية، وخمس حالات زرع الرئة وأربع حالات زرع بنكرياس. وكانت هذه العمليات بالتفاهم مع الأهل الذين أذنوا بإجراء عملية الاستئصال بغرض إنقاذ مرضى من الموت المحقق[775].

126 - ونلاحظ أخيراً، بأنه إن لم يكن للميت أقارب، ولم يوص صاحب الشأن، فإن الفقه المعاصر يتجه الآن نحو إباحة تشريح جثث الموتى الذين لا يعرف لهم أهل، بعد موافقة ولي الأمر وهم السلطات العامة[776].
فإذا جهلت شخصية المتوفى، أو عرفت وجهل أهله، فإنه يجوز شرعاً أخذ عضو أو جزء من عضو نقلاً لإنسان حي آخر لضرورة علاجية لإنقاذه من الموت، أو ترك جثته لتعليم طلاب كليات الطب، لأن في ذلك مصلحة راجحة تعلو شرعاً على الحفاظ على حرمة الميت[777]. غير أنه لابد من موافقة ولي الأمر، أو من يقوم مقامه، فالسلطان ولي من لا ولي له[778]. فيجوز للدولة أن تصدر قانوناً يرخص في أخذ بعض أعضاء الموتى في الحوادث الذين لا تعرف هويتهم أو لا يعرف لهم ورثة وأولياء[779].
وقد أجازت الفتوى المشهورة رقم 1069 الصادرة عن دار الإفتاء المصرية سلخ جلد الميت لعلاج حروق الأحياء، وألا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل[780].

127 - وقد برر الفقهاء جواز المساس بجثة من لا يعرف لهم أهل، للأغراض العلمية والعلاجية بنظرية الضرورة التي تبيح إلحاق الضرر اليسير لدفع الضرر الجسيم، تحقيقاً لامتداد المجتمع وبقائه، ولخدمة منفعة الناس والصالح العام[781]. ولا يعد هذا إهانة للميت، ولا مساساً بحرمة جثته، ولا إنتهاكاً لكرامته الآدمية، لأن المقصود هو مصلحة راجحة أو حاجة ماسة هي منفعة الحي. فمصلحة إنقاذ الحي أولى بالرعاية من مفسدة انتهاك حرمة الميت[782]. فالحي أفضل من الميت لأنه لا يزال في مجال الانتفاع به في المجتمع، وأن الميت مصيره إلى الدمار والتحول إلى رفات[783].
وهذا دون نسيان القاعدة الشرعية التي تقضي أن الضرورات تبيح المحظورات، لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[784]. وقوله سبحانه: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[785]. وقوله عز وجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[786]. فإن رعاية مصلحة معينة يقرها الشرع، وتقديمها على مفسدة تقابلها، مشروط بكون تلك المصلحة راجحة وأعظم من هذه المفسدة. كما أن حرمة المساس بالجثة إنما تتقيد شرعاً بعدم إهانة الجثة بأن تعامل باحترام وأدب وتكريم، وكذلك تتقيد بإرادة صاحب الشأن وإرادة أهله بعد وفاته[787].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 5:53 pm


المبحث التاسع
حكم التداوي بأجزاء الميت
128 - ذكر بعض العلماء من الشافعية والحنابلة والمالكية، أنه يجوز للمضطر أن يأكل لحم الآدمي الميت، بمقدار ما يسد رمقه، إذا لم يجد غيره، وخاف على نفسه الهلاك إن لم يأكل[788]. وذلك لأن العلة في تحريمه لشرفه، لا تمنع شرعاً من سريان حكم الضرورة، لأن الضرورات تبيح المحظورات[789].
ويجيز الشافعية للمضطر بأجزاء الآدمي أن يستعمل جسم إنسان مهدور الدم كالحربي والزاني المحصن، أما بالنسبة للمعصوم، فإن كان ميتاً فيجوز للمضطر أن ينتفع بجثته كغذاء إن لم يجد غيره، وذلك لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ولأن المفسدة في أكل ميتة الآدمي أقل من المفسدة في فوات حياة إنسان[790]. وعلى هذا، أجاز متأخرو الشافعية استخدام عظام الموتى، في جبر عظم الحي المنكسر إذا لم يكن جبره بغيره، على أساس أن الحديث النبوي الشريف الذي يفيد تحريم كسر عظم الميت يتعلق بغير حالات الاضطرار[791].
وقال العز بن عبدالسلام بصحة أكله منه، وهو الأصح عند الشافعية، إلا أن يكون الميت نبياً فلا يجوز الأكل منه جزماً لشرفه على غيره بالنبوة، ولا يجوز للمضطر الكافر الأكل من ميتة المسلم لشرفه عليه بالإسلام، واختار هذا المذهب أبو الخطاب الحنبلي، وقال العلامة ابن قدامة أنه أولى[792].

129 - وقد أجمع الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية[793]. على إباحة المحرمات عند الاضطرار إلى أكلها بقدر سد الرمق، وإن اختلفوا بعد ذلك في حكم التداوي بالمحرمات[794]. فإنه ليس هناك نص خاص يمنع شرعاً التداوي بأجزاء الميت عند الضرورة، أو نص يقرر أن الموتى لا تتغير أحكامهم الشرعية حتى في حالات الاضطرار. وهذا هو حكم الضرورة التي تبيح المحظورات شرعاً، وهو حكم عام ومطلق، لا يجوز تخصيصه أو تقييده بدون نص شرعي مخصص أو مقيد[795].
ومتى كان هذا في نطاق الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزل الضرورة. فإن مصلحة المحافظة على الحي الذي هو ما يزال في مجال الانتفاع به في المجتمع ونفع الأمة به، هي أعظم من المفسدة المترتبة على المساس بحرمة الجثة، وترك الجزء المنتفع به يبلى في التراب ويتحول إلى رفات[796]. فإذا تعين استقطاع جزء من الجثة علاجاً وحيداً للمريض المحتاج لإنقاذه من الموت المحقق، جاز هذا العمل متى تقيد بالضوابط الشرعية والشروط اللازمة حتى تصبح المنفعة الناجمة مؤكدة وحقيقية، والمصلحة المترتبة على ذلك مصلحة إنسانية واجتماعية جديرة بالاهتمام والرعاية الشرعية[797].

130 - والحقيقة أن قول النبي صل الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسره حياً))[798]. يرمي منه عليه الصلاة والسلام إلى النهي عن إيذاء الميت لمجرد الإيذاء والتعدي، أو بدافع الحقد والكراهية، أو استخفافاً به لكونه لم يعد يشعر ولا يتألم[799]. فأراد عليه الصلاة والسلام أن يبين لنا أن حرمة الميت كحرمة الحي تماماً، وأن إيذاءه هو إثم يستوجب العقاب شرعاً[800]. أما إذا كان الكسر فيه مصلحة راجحة. فلا مانع في ذلك شرعاً، حتى لو كان عظم حي. فهذا عروة بن الزبير رضي الله عنهما، أحد فقهاء المدينة المنورة السبعة أصيب بأكلة في رجله، وقرر الأطباء بترها، فوافق على ذلك، ولم يقل لهم إن كسر العظم لا يجوز[801].
وعلى هذا الأساس، فإن العمليات الجراحية بما فيها شق أو كسر أو بتر ونشر واستئصال واستقطاع وتشريح الجثث مباحة شرعاً، وإن كان فيها هتك لحرمة الميت، إذا كان فيها مصلحة راجحة كإنقاذ حياة انسان مشرف على الهلاك. لقوله سبحانه: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[802]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه))[803].
إن جسم الإنسان ملك لله تعالى، فينتقل العضو من ملك الله تعالى (وهو الميت الذي لم يعد بحاجة إلى هذا العضو الذي مصيره الدمار والتحول إلى تراب)، إلى ملك الله تعالى (وهو الحي المشرف على الموت والهلاك وتيقن شفاؤه بانتقال هذا العضو إليه وغلب على الظن نجاح عملية زرعه)[804]. وهذا الإنسان الحي لن يخلد في الأرض، بل سيموت وسيعود إلى التراب هو والعضو الذي نقل إليه، لقوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[805]. فيكون الأمر هو مجرد تأخير عودة هذا العضو المنقول إلى الحي فترة من الزمن، أسبغ فيها الشفاء والقوة على إنسان كان مشرفاً على الهلاك[806]. فكم من مريض زرع له عضو يمشي بيننا يحمد الله ويدعو للمتبرعين في صلاته ونجحت زراعة العضو لديه لسنوات عديدة، يشكر الله في كل يوم مائة مرة أنه قد مد في عمره[807]. وهذا كله قياساً على نقل الدم من إنسان إلى إنسان آخر[808]. وقياساً أيضاً على تشريح الجثث بغرض علمي أو بقصد معرفة الجاني في القضايا الجنائية[809].

131 - وعليه فإنه يجوز شرعاً نقل قلب الميت أو كليته أو ذراعه أو عينه أو كبده أو أحشائه الباطنية أو جلده أو أي جزء من جثته لزرعه في جسم إنسان حي اضطر إلى ذلك، إذا أوصى بذلك قبل وفاته أو بموافقة أسرته، وغلب على الظن نجاح عملية الزرع فيمن سيزرع فيه[810]. ولا يعد هذا من الناحية الشرعية إهانة للميت، ولا مساساً بحرمة جثته، ولا انتهاكاً لكرامته الآدمية، لأن ذلك مقصود لمصلحة الحي المشرف على الهلاك، والحي أفضل من الميت، للانتفاع بذلك في نفسه ونفع الأمة به[811].
إن أخذ عضو من جثة الميت لا يتنافى مع ما هو مقرر لحرمة جثته، فإن أجزاء الآدمي طاهرة ولو كان ميتاً خلافاً لبقية الميتات[812]. لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تنجسوا أمواتكم فإن المؤمن لا ينجس حيّاً أو ميتاً))[813]. كما أن حرمة الجثة مصونة غير منتهكة، والعملية الجراحية تجرى للميت كما تجرى للحي، بكل عناية واحترام دون عبث أو مساس بحرمة الجثة.
فانتفاع المجتمع بجزء من الميت أولى من ترك هذا الجزء يبلى في التراب، لقوله صل الله عليه وسلم: ((الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب))[814]. فأخذ الجزء من الميت لينتفع به الحي أيسر عملاً، وأهم شأناً من التضحية بالنفس في باب المنفعة العامة[815]. وهو ما ارتكزت عليه هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، في قرارها التاريخي المشهور رقم 62 المؤرخ في 25/ 10/ 1398هـ، والمتعلق بجواز نقل قرنية عين الميت، بعد التأكد من موته، وزرعها في عين إنسان مضطر إليها، ما لم يمنع أولياؤه ذلك، بناء على قاعدة تحقيق أعلى المصلحتين، وارتكاب أخف الضررين، وإيثار مصلحة الحي على مصلحة الميت، فإنه يرجى للحي الإبصار بعد عدمه، والانتفاع بذلك في نفسه ونفع الأمة به، ولا يفوت على الميت الذي أخذت قرنية عينه شيء، فإن عينه إلى الدمار والتحول إلى رفات، وليس في أخذ قرنية عينه مثلة ظاهرة[816].

132 - إن الأدلة الشرعية القائمة على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، تقرر شرعاً قواعد الضرورة الشرعية والمصالح الراجحة والاستحسان وسد الذرائع، كما أنها تدعو إلى التضحية والإحسان والإيثار والتعاون والتبرع والهبة وهي من مكارم الأخلاق[817]. وهذا لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[818]. وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[819]. وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[820]. وقوله جل وعلا: {وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[821]. وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[822]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((تهادوا تحابوا))[823].
إن القيم الإنسانية لا تقدر بمال أبداً، لأنها طاهرة مكرمة، ولكن الأكثر علواً لهذه القيم النبيلة هو الحب والإيثار، بأن يقدم الإنسان مصلحة أخيه على مصلحة نفسه، بما هو حق له، تحملاً للمشقة في عون أخيه ومرضاة لله تبارك وتعالى، لقوله سبحانه: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[824]. وفي حديث نبوي شريف رواه أبو هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً))[825]. وفي حديث آخر رواه ابن عمر، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ((ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه))[826]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[827]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً))[828].
إن الإنسان بالحب والإحسان والتضامن والتكافل والبر يمكن أن يوصي بأغلى ما عنده دون مقابل، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى}[829]..
وعلى هذا الأساس جاءت فتوى الأزهر الشريف[830]. ودار الإفتاء المصرية[831]. وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية[832]. والمجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر[833]. ولجنة الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية[834]. ولجنة الإفتاء بوزارة الأوقاف الكويتية[835]. ولجنة الإفتاء بالباكستان[836]. والمؤتمر الإسلامي الدولي[837]. والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي[838]. وكذا مجمع الفقه الإسلامي الذي يمثل الدول الإسلامية كافة[839]. والتي أجمعت كلها على إباحة استخدام أعضاء الموتى لمداواة الأحياء وإنقاذ حياتهم وأن نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء هو جائز شرعاً، وهو من جملة الدواء المشروع، إذا رضي المنقول منه أو وافقت أسرته بعد وفاته. وهو نوع من الإيثار، والإيثار من الصفات المحمودة شرعاً، ومحل ذلك كله إذا تبين طبيّاً أن عملية زرع العضو ناجحة، وثبت فائدة نقل العضو على سبيل القطع، وإن لم يثبت ذلك فلا يجوز عمله شرعاً[840].

133 - وإعمالاً لهذه الفتاوى الشرعية، في نقل الأعضاء والأنسجة بعد الوفاة، فإن الفقهاء يشترطون لإباحة النقل من الميت: ضرورة موافقة هذا الأخير في أثناء حياته بأنه تبرع بعضو أو أعضاء من جسمه بعد وفاته، وموافقة أهل الميت لأنهم يتوارثون شرعاً جثته، فلابد من إذنهم لاجتناب الفتن. وموافقة ولي الأمر (أو من يقوم مقامه) إذا توفي شخص مجهول الهوية، وأن يكون ذلك التبرع بدون مقابل مالي للمتبرع قبل وفاته أو لورثته بعد موته. وأخيراً أن يكون زرع الأعضاء ضرورة أو حاجة ماسة، لأن الضرورات تبيح المحظورات والضرر يزال، والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، وإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما.

134 - ومن الناحية الطبية، فإنه لا يجوز نقل الأعضاء من الموتى إلا بعد الإثبات الشرعي للوفاة حسب المقاييس الطبية والشرعية[841]. ولا تتم العملية إلا بعد أن يقرر الطبيب المعالج فائدتها للمستفيد على سبيل القطع، ولم يترتب عليها ضرر للشخص المستفيد[842].
ومن ثم، فإن الأطباء يشترطون لنجاح عملية استقطاع الأعضاء لزرعها، أن يكون العضو المراد استقطاعه خالياً من الأمراض، وأن يكون المتوفى أيضاً خالياً من الأمراض المعدية (كالإيدز أو السل أو الزهري أو التهاب الكبد الفيروسي...) وأن لا يكون هناك ورم خبيث في جسم الميت، وأن لا يكون المتوفى مصاباً بضغط الدم وضيق الشرايين، أو مصاباً بالبول السكري الشديد، وأن تكون فصيلة دم المتوفى مطابقة لفصيلة دم الشخص الذي سينقل إليه العضو، وأن لا يكون هناك تضاد بين أنسجة المعطي وأنسجة المتلقي، وهو ما يسمى طبياً فحص مطابقة الأنسجة المتصالب[843].
كما يشترط الأطباء لنقل الأعضاء من جثث الموتى، أن لا يكون المتوفى قد جاوز الخمسين عاماً بالنسبة لزرع القلب، وأن لا يكون قد جاوز الستين بالنسبة لزرع الكلى، وكذلك بالنسبة للأعضاء الأخرى كالرئة والكبد والبنكرياس.. إلخ[844].
هذا ويجب شرعاً على الطبيب القيام بالفحوص اللازمة قبل عملية الزرع، والمقارنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على العملية، بأن يغلب على ظنه نجاح عملية الزرع وفقاً لأصول الصنعة الطبية والجراحية، ونلاحظ هنا أن نتيجة المقارنة بين المزايا والمخاطر المترتبة على عمليات استقطاع الأعضاء لزرعها، تتوقف على مدى تقدم الطب المعاصر في مسألة السيطرة على ظاهرة رفض جسم المريض للأعضاء الأجنبية عنه[845].
ولقد ساعد في نجاح عمليات نقل الأعضاء البشرية وزرعها ما توصل إليه العلماء عام 1980م من اكتشاف عقار جديد يسمى (سيكلوسبورين أ) (cyclosporine "A") الذي يساعد العضو الغريب المزروع على البقاء في جسم المريض، ويقوي الجهاز المناعي لجسمه. وبفضل استخدام هذا العقار الجديد ارتفعت نسبة نجاح عمليات زرع الأعضاء إلى حوالي 80% وحقق بذلك آمال آلاف المرضى في إنقاذ حياتهم من الموت المحقق وتخليصهم من الآلام عن طريق عمليات زرع أعضاء لهم[846].

135 - هذا، ولا تتم عمليات استقطاع الأعضاء أو الأنسجة من الميت وزرعها في الحي، إلا بضرورة احترام الميت وكرامته وعدم إهانته، والسهر على السلامة البدنية للمريض الذي سينقل إليه العضو المستقطع، وكذا احترام المبادئ الشرعية والعلمية والأخلاقية التي تحكم الممارسات الطبية في أثناء القيام بهذه العمليات الجراحية لتعلقها بالتجريب على الإنسان[847].
فلا يمكن شرعاً وقانوناً للطبيب الذي عاين وشخص وأثبت موت جذع الدماغ أو موت القلب ووفاة الميت المتبرع بالعضو، أن يكون من بين المجموعة الطبية التي تقوم بعملية الزرع[848]. وهذا وفقاً لأخلاقيات المهنة الطبية وآدابها، حتى تكون عملية إستئصال عضو الميت وكذا عملية زرع هذا العضو في جسم المريض المستفيد خالصة للبحث العلمي الطبي في إطار التجربة على الإنسان والتقدم العلمي[849].
إن أخلاقيات المهنة الطبية لا تسمح بأن يشخص حالة الوفاة الدماغية أي من الأطباء الذين يعملون مباشرة في جراحة زراعة الأعضاء لدفع الشبهات وسد الذرائع في أنه لم يكن هنالك أي تهاون أو تقصير في التشخيص من أجل الإسراع في الحصول على الأعضاء[850].

136 - إن دفع الضرر وجلب المنفعة، هي من المقاصد الأساسية للشرع الإسلامي، وإذا تعلق هذا الدفع وذلك الجلب بالنفس البشرية وإبقاء حياتها، كان ذلك أدخل في باب الجواز والإباحة[851]. فإذا تحقق لنا أن نقل عضو من إنسان ميت يفيد إنساناً حيًّا، فلا مانع شرعاً من نقل هذا العضو من الميت إلى الحي، بشرط موافقة الميت حال حياته على ذلك النقل، وموافقة أهل الميت بعد وفاته[852]. فإن ذلك يكون داخلاً بالمفهوم العام في باب التداوي والعلاج متى نصح بذلك الطبيب الشرعي المختص، الذي يقرر بمساعدة فريق طبي موثوق به ضرورة النقل ويأذن بإجراء العملية[853].
فنقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء، هو من قبيل التداوي المشروع، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله أنزل الداء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام))[854]. كما أن حرمة الحي وحفظ نفسه أولى من حفظ الميت عن المثلة لقوله تعالى: {وَمَا يسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ}[855].
ففي ميدان زرع الأعضاء، ورد في حديث قتادة بن النعمان رضي الله عنه، أنه أصيبت عينه يوم بدر (وفي رواية أخرى يوم أحد) فأخذها في راحته إلى النبي صل الله عليه وسلم، فأخذها عليه الصلاة والسلام وأعادها إلى موضعها، فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً[856]. وهذا من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وهو أول زرع للعين بكاملها في تاريخ زرع الأعضاء، لا يعرف ذلك حتى في العصر الحديث[857].
وفي مجال استبدال جزء من الإنسان بقطعة معدنية (كالذهب والفضة مثلاً) لعلاج حالة مرضية، كما هو الشأن في الأسنان أو العظام أو المفاصل أو صمام القلب أو غيرها ورد حديث عرفجة بن أسد رضي الله عنه الذي أصيب أنفه يوم الكلاب (وهو يوم معروف من أيام الجاهلية) فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن، فأمره رسول الله صل الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب[858]. وهو دليل آخر على إجازة التداوي والعلاج، بما في ذلك التداوي بأجزاء الآدمي، بأخذ العضو من إنسان ميت لإنسان آخر مضطر إليه لزرعه أو الترقيع به في جسم الحي، أو بأخذ العضو من حيوان مأكول ومزكى مطلقاً، أو وضع قطعة صناعية من معادن أو مواد أخرى في جسم الإنسان لعلاج حالة مرضية[859].
فالتداوي مشروع بنص الحديث النبوي الشريف، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء))[860]. وقد أخذ جمهور الفقهاء بهذا الحديث في باب الحظر والإباحة، على أساس أن الوقف عند الداء وموضع العلة في الجسم، للبحث عن العلاج النافع (أو البديل النافع)، وبالقدر المستطاع هو من متطلبات الشرع[861]. وقد أباح الفقهاء القدامى استخدام الأسنان وكذا العظام من الموتى لمعالجة الأحياء[862].

137 - وعليه، فإنه يجوز شرعاً نقل العضو من الميت وزرعه في الحي المضطر، لأن ميتة الآدمي طاهرة مكرمة، بشرط ألا يحدث النقل تشويهاً في جثة الميت وألا يتم التبرع من المتوفى (حال حياته)، أو لورثته بعد وفاته، مقابل مال أو بدل مادي أو بقصد الربح أو الكسب[863]. بل يكون ابتغاء الأجر والثواب، وتعبيراً عن التكافل والإحسان والبر والإيثار بين بني البشر، وإنقاذاً لمريض من الهلاك[864].
ولا يقطع شرعاً أي عضو من أعضاء الميت، إلا إذا تحققت وفاته حسب المقاييس الشرعية والنظامية والطبية المعمول بها، وهي موت دماغ الإنسان بصفة مؤكدة ونهائية وتوقف القلب والتنفس في جسم المتوفى[865] بتقرير لجنة طبية مختصة مكونة من ثلاثة أطباء مختصين لكون ذلك من اختصاصهم[866]. لأن في ذلك مصلحة راجحة تعلو على الحفاظ على حرمة الميت[867]. ومع ذلك فإنه نظراً لأن الضرورة تقدر بقدرها، يجب ألا يترتب على الاستقطاع من الجثة التمثيل بها، أو إهانتها فيما لا ضرورة له[868]. وهذا معناه ضرورة ترقيع الجثة بعد استقطاع العضو أو الأعضاء، والاقتصار على قدر الضرورة، وعدم العبث بجثة المتوفى[869].

138 - هذا وفي مجال الانتفاع بأعضاء الميت في علاج الأحياء، صدر العديد من الفتاوى من علماء متخصصين، ومن جهات رسمية، تجيز استقطاع عضو محدد من الجثة أو جزء منها: كاستقطاع القلب[870]. أو الكلية[871]. أو قرنية العين[872]. أو قطعة من العظام[873] أو الجلد في علاج الأحياء من الحروق[874]. أو نقل الأعضاء من الأجنة ومن فاقد المخ[875]. أو أي عضو أو جزء عضو لإنقاذ إنسان حي مضطر إليه[876]. أو التشريح الطبي للموتى[877]. وكذا تحريم بيع الأعضاء الآدمية أو الاتجار بها[878].
وقد أصبحت معظم الأعضاء تزرع في جسم الإنسان إلى درجة تفكير بعض الأطباء بزرع الدماغ البشري[879] والكبد[880] والأمعاء الدقيقة والأحشاء الباطنية المتعددة[881].
ولا يجوز شرعاً نقل الأعضاء التناسلية للمتوفى دماغيّاً، والخاصة بالوراثة والجينات والحيوانات المنوية، أو البويضة كالخصيتين أو المبيضين، لما ينجم عنه من خلط واضح للأنساب. والشرع الإسلامي يحرم خلط الأنساب بكل الوسائل، بدليل تحريم الزنا، والتبني. والتلقيح الصناعي بمني غير مني الزوج، وتجارة الأجنة وتأجير الرحم[882]. إن نقل الخصية من الميت إلى الحي لا يجوز شرعاً، لأنه يعد لوناً من اختلاط الأنساب، وذلك لأن الخصية هي المخزن الذي ينقل الخصائص الوراثية للرجل ولأسرته وفصيلته إلى ذريته[883]. كما أنه لا يجوز نقل مخ إنسان إلى آخر، فمثل هذا لا يجوز شرعاً لو أمكن، لما يترتب عليه من خلط وفساد كبير[884].
أما الأعضاء غير التناسلية (أي غير الوراثية) كنقل الرحم، أو قناة "فالوب" (أي الأبواق)، أو حبل منوي أو بروستاتة.. إلخ من شخص مانح متبرع إلى محتاج أو محتاجة، بما يحقق مصلحة راجحة وارتكاب أخف الضررين، فإن الوضع هنا يختلف عن نقل الخصية أو المبيض. فالرأي الراجح عند الفقهاء أنه ليس في ذلك خلط للأنساب، وأنها كالأعضاء الأخرى تماماً، أي كالقلب والكبد والكلى والقرنية وغيرها التي أفتى فيها الفقهاء بجواز نقلها[885].

139 - هذا، ولا يوجد مانع شرعي من انتفاع المسلم بعضو من جثة غير مسلم، لأن أعضاء الإنسان لا توصف بإسلام ولا كفر، كما أن كفر الشخص أو إسلامه لا يؤثر في أعضاء جسده أو جثته بعد وفاته. فإذا انتقل العضو من غير مسلم إلى مسلم، فقد أصبح جزءاً من كيانه، وأداة له في القيام برسالته كما أمر الله تعالى، فهذا كما لو أخذ المسلم سلاح الكافر وقاتل به في سبيل الله عز وجل[886].
وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[887]. فإنه لا يراد به النجاسة الحسية المادية التي تتصل بالأبدان، بل النجاسة المعنوية الروحية التي تتعلق بالقلوب والعقول[888]. وهذا لقوله سبحانه: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا}[889]. وقوله جل وعلا: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}[890].

140 - وقد أجازت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، في قرارها التاريخي رقم 62 في 25/ 10/ 1398هـ[891]. وكذا دار الإفتاء المصرية في فتوى مشهورة رقم 1087 في 14 إبريل 1959م أخذ عين الميت لترقيع قرنية عين المكفوف الحي، لأن في ذلك مصلحة راجحة وهي مصلحة المحافظة على الحي والتي ترجح مصلحة المحافظة على الميت، ويجوز ذلك شرعاً، بشرط ألا يتعدى الأموات الذين لا أهل لهم، أما من له أهل فيكون ذلك مشروطاً بإذنهم[892].
كما أجازت الفتوى التاريخية رقم 1069 في 2/ 2/ 1972م. من دار الإفتاء المصرية، سلخ الميت لعلاج حروق الأحياء، وألا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل.
أما الأموات الذين لهم أهل، فإن أمر أخذ الطبقات السطحية من جلدهم يكون بيدهم وبإذنهم وحدهم، فإذا أذنوا جاز ذلك، وإلا فلا يجوز بدون إذنهم.
إن أخذ الطبقات السطحية من جلد المتوفين، بعد تحقق وفاتهم لعلاج الحروق الجسمية العميقة للأحياء جائز شرعاً، إذا دعت إليه الضرورة، وكان يحقق مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت، وليس في هذا اعتداء على حرمة الميت أو مساس بكرامته، لأن الضرورة دعت إليه، والضرورات تبيح المحظورات مادام هناك إذن من ولي الميت، أو وصية منه، بالموافقة على استخدام جلده في علاج الأحياء من الحروق[893].

141 - وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الموقر العديد من القرارات لوضع الأحكام الشرعية التي تنظم زرع الأعضاء. وقام بتخريجها تخريجاً فقهيّاً يتفق مع كليات الشرع وأصوله ومقاصده. فقام بتحديد الإطار الشرعي لأجهزة الإنعاش الصناعي[894]. وأباح نقل الأعضاء من الموتى بشروطه، ومنع بيع الأعضاء الآدمية، بأي شكل من الأشكال[895]. كما أباح استخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء وزراعة خلايا المخ والجهاز العصبي من المولود غير الدماغي بعد أن يتحقق موته بموت جذع دماغه[896]. كما أنه حدد الضوابط الشرعية للبيضات الملقحة الزائدة عن الحاجة، ومنع استخدام البيضة الملقحة الزائدة في امرأة أخرى في حمل غير مشروع[897]. كما أباح استخدام الأجنة المجهضة بصفة طبيعية غير متعمدة أو للعذر الشرعي، في عمليات زرع الأعضاء للأغراض العلاجية تحت إشراف هيئة متخصصة موثوقة[898]. كما أباح زراعة الأعضاء التناسلية التي لا تنقل الصفات الوراثية، أما الخصية والمبيض فإن زرعهما محرم شرعاً[899]. وأباح أيضاً زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص[900]. كما أنه أباح زرع الأعضاء بفروعه، وبطريق الأولوية أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً، أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه[901].
وهذا دون نسيان قرارات مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي وفتاواه، وخاصة قراره بشأن زرع الأعضاء بما فيها زرع الأعضاء من الموتى[902]. وكذا قراره بجواز تشريح جثث الموتى[903]. وقراره المشهور بشأن موضوع تقرير حصول الوفاة الشرعية ورفع أجهزة الإنعاش من جسم الإنسان[904].
ومما سبق، يتضح لنا أن الفقهاء قد اجتهدوا في هذا المجال، وبذلوا غاية الوسع في رسم الحدود الشرعية للاكتشافات الحديثة في ميدان الطب والجراحة والبيولوجيا، وفقاً لأصول الفقه الإسلامي وقواعده العامة مع احترام الأخلاق الشرعية للمهنة الطبية في ضمان حرمة النفس والجسم والجثة. وقد أحسن الفقهاء صُنعاً عندما واكبوا هذه التطورات الطبية الحديثة.
إن الفقه الإسلامي لا يعرف الجمود والوقوف، فهو لا تخيفه النوازل والمستجدات مهما تطورت وتعددت وذلك لأنه فقه مرن حي قابل للتطور دائماً إلى الأمام، بما يشتمل عليه من قواعد فقهية كلية، ومبادئ القياس المنطقي، وكذا الأحكام الموضوعية عن طريق أصول الاجتهاد والاستنباط من المصادر الشرعية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 6:06 pm


المبحث العاشر
حكم أخذ أعضاء الميت لإنشاء بنوك الأعضاء
142 - من المعروف طبيّاً أن أعضاء الميت بعد اقتطاعها من الجثة تحفظ في سائل معين، وفي درجة برودة معينة، ويمكن أن تبقى حية محفوظة في بنوك الأعضاء لفترة من الزمن[905].
وقد أجاز جماعة من العلماء المحدثين اقتطاع أعضاء الميت، كالعيون والكليتين مثلاً، ووضعها في بنوك الأعضاء لمداواة الأحياء بها إذا دعت إليه الضرورة، وصدرت في هذا الخصوص الفتوى المشهورة رقم 73/ 1966 من دار الإفتاء المصرية التي قررت بأن الاستيلاء على عين الميت لتحقيق مصلحة راجحة للحي الذي حرم نعمة البصر عقب وفاته، وحفظها في بنك يسمى "بنك العيون" لاستعمالها في ترقيع قرنية المكفوفين الأحياء الذين حرموا نعمة البصر، ليس فيه اعتداء على حرمة الميت، وهو جائز شرعاً، لأن الضرورة دعت إليه، فإذا كان أخذ عين الميت لترقيع قرنية عين المكفوف الحي مصلحة ترجح المحافظة على الميت جاز ذلك شرعاً. لأن الضرر الذي يلحق بالحي المضطر لهذا العلاج أشد من الضرر الذي يلحق الميت الذي تؤخذ منه عينه بعد وفاته[906].
غير أنه، ونظراً لأن الضرورة شرعاً تقدر بمقدارها فإنه يجب الاقتصار في هذا الاستيلاء على أخذ عين الميت، الذي لا أهل له قبل دفنه لاستخدامها في هذا الغرض العلاجي، أما الأموات الذين لهم أهل، فإن أمر الاستيلاء على عيون موتاهم يكون بيدهم، فإن أذنوا جاز ذلك، وإلا فلا يجوز بدون إذنهم[907].

143 - إن هذه البنوك يجب أن تكون تحت إشراف هيئة رسمية متخصصة موثوقة في دينها وعلمها وخبرتها، وأن تحاط بجملة من الاحتياجات اللازمة، وأن تكون مراقبة بأجهزة فعالة، بحيث لا يدخل شيء من الأعضاء أو الأنسجة، أو أجزاء الأعضاء ولا يخرج منها إلا أن يكون تحت نظر المراقبين، وذلك لضمان ألاّ تستعمل أعضاء الآدمي في أغراض التجارة بما يتنافى مع حرمة وكرامة الإنسان.
ولاشك أن هناك سوقاً مغرية لتجارة الأعضاء، وأن هناك عصابات مجرمة عالمية تتاجر في أعضاء الإنسان[908]. تقوم بتهريبها من دول العالم الثالث الفقيرة إلى أمريكا الشمالية وأوروبا، والتي للأسف يتعاون معها بعض المستشفيات الخاصة، ومن يعمل بها من الأطباء[909]. ومن الجرائم البشعة المرعبة ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط في 3/ 12/ 1989م، أن طفلة عمرها 4 سنوات من أهل بيروت اختفت فجأة، وبعد خمسة أيام عثر عليها أهلها ومعها مبلغ 45 ألف ليرة لبنانية (107 دولار أمريكي)، ولدى الكشف الطبي على الصغيرة تبين أنها أخضعت لعملية جراحية تم خلالها استئصال كليتها اليمنى[910].

144 - وأما فيما يتعلق ببنوك الأجنة المجمدة، في مراكز الأبحاث الخاصة بالتلقيح الصناعي على مستوى المراكز الاستشفائية المعتمدة، فإن استخدام بنوك الأجنة في إجراء التجارب والبحوث، هو أمر لا يقره أغلب الفقهاء المعاصرين[911]. خاصة وأن المالكية والطاهرية، والإمام الغزالي من الشافعية (في الإحياء) وابن رجب الحنبلي من الحنابلة وغيرهم، يرون حرمة الإجهاض منذ لحظة التلقيح، رغم أن الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد[912]. فإن الاعتداء على هذا الجنين القابل لاستمرار الحياة، وهو أضعف مخلوقات الله على الأرض، هو اعتداء صارخ على كائن حي في طريقه لأن يكون إنساناً، ولو كان مكوناً من بضع خلايا فقط[913].
إن استخدام بنوك الأجنة المجمدة دون رقابة شرعية من طرف هيئة متخصصة موثوقة، سيؤدي لا محالة إلى عبث وتلاعب بالأجنة للحصول على أجنة ظاهرة لمن يعانون من العقم بالوسائل غير الشرعية[914]. وكذا استخدام هذه الأجنة وشراؤها ثم وضع الجنين في رحم مستأجرة[915]. واستثمارها لزراعة الأعضاء للأغراض التجارية[916]. ومن ثم الفوضى العارمة في الأنساب، وتلقيح المحارم، والتحكم في جنس الجنين، وفي صفاته وزيادة احتمال ظهور الأمراض الوراثية وكذا زيادة احتمال ظهور الأمراض التي ينقلها المني[917].
وقد أجمع الفقهاء أن تلقيح بويضة امرأة بمني رجل ليس زوجها، واستبدال مني الإنسان بغيره أو خلطه، والتعامل مع تجار النطف والأبضاع وباعة اللقائح، وإنشاء مستودع تستحلب فيه نطف رجال لهم صفات معينة لتلقيح نساء لهن صفات معينة، وكذا إنشاء بنوك المني وبنوك الأجنة المجمدة، هو عبث يؤدي إلى الإخلال بنظام الأسرة كما أرادها الله عز وجل[918]. وذلك لأن هذه البنوك قد تستخدم للتناسل في صورة غير شرعية لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب، وضياع الأمومة، وانتهاء نظام الأسرة الإسلامي[919].

145 - وقد أوضحت دراسة جديدة متعلقة ببنوك المني والأجنة المجمدة، قامت بها صحيفة "نيوزويك" الأمريكية بتاريخ 18/ 3/ 1985م، وجود ربع مليون طفل أمريكي لا يعرف لهم أب أصلاً ولا أم من ناحية النسب. وإنما الذي حملته امرأة استخدمت رحماً مؤجراً أو رحم ظئر أو أمّاً مستعارة، حملت الجنين عن طريق ما يسمى بالرحم المستأجر ولو بعد وفاة الأبوين.
وعلى هذا الأساس، أوصى العلماء بألا يسلم الزوجان نفسيهما إلا للجنة طبية مأمونة وموثوقة، وألا تتم عمليات التلقيح الصناعي إلا بالقيود الشرعية التي أجمع جمهور الفقهاء عليها في هذا الخصوص، وأن لا تتم العملية إلا في حالة الضرورة القصوى، وبمنتهى الاحتياط والحذر اللازمين من اختلاط النطف أو اللقائح، ولاسيما إذا كثرت ممارسات التلقيح الاصطناعي وشاعت مع وجود بنوك الأجنة، وأن أي شك أو إهمال أو ريبة يمنع من جوازها شرعاً[920]. وهو ما أقره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة[921]. والمجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي[922]. ولجنة الفتوى للأزهر الشريف[923]. ودار الإفتاء المصرية[924].

146 - وانطلاقاً من هذه المحاذير الشرعية، والمفاسد العظيمة التي تؤدي حتماً إلى اختلاط اللقائح في أوعية الاختبار، ولاسيما مع وجود بنك المني وبنوك الأجنة المجمدة التي أصبح بها فائض من البيضات الملقحة الزائدة على العدد المطلوب للزرع في كل مرة، رجح الفقهاء في حالة الشك وعدم اليقين الاجتناب والبعد عن الشبهات[925]. وخاصة في ما يتعلق بالأبضاع، لأن الأصل في الأبضاع التحريم[926]. لقوله عليه الصلاة والسلام: ((دع ما يريبك إلى مالا يريبك))[927]. وقوله عليه السلام أيضاً: ((من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه))[928].

المبحث الحادي عشر
حكم استنساخ الميت
147 - أجمع الفقهاء المعاصرون على تحريم الاستنساخ البشري بصفة عامة[929]، وارتكزوا على الدفع بسد الذرائع ودرء المفاسد، وذلك لأن الاستنساخ وإن كان ليس من شأنه أن يجعل الإنسان إلى جانب الله خالقاً، إلا أنه يعد عبثاً وتغييراً في خلق الله، منافياً للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، كما أن به شبهة اختلاط الأنساب التي منعها الشرع بكل الوسائل[930].
فالاستنساخ ليس خلقاً جديداً، لأن الله عز وجل هو المتفرد وحده بالخلق، لقوله تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ}[931]. وقوله سبحانه: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}[932]. وقوله عز وجل: {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[933]. وقوله جل وعلا: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[934]. وقوله تبارك وتعالى: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}[935]. وإنما هو إعادة للخلق، وذلك بالاعتماد على ما خلق الله بأخذ خلية من كائن حي ووضعها في رحم، وتسليط بعض المؤثرات العلمية من كيميائية وفيزيائية على الخلية وفقاً للهندسة الوراثية فيحدث الاستنساخ[936].
إن الاستنساخ عبث يؤدي لا محالة إلى الفوضى في العلاقات الاجتماعية، والإخلال في الروابط الأسرية، وهي قضايا جوهرية تمس مصلحة الإنسان، وذلك لأن أي جهالة في الأنساب تؤدي حتماً إلى الفوضى في النظام الاجتماعي الذي أقره الشرع الإسلامي، ورتب عليه حقوقاً في الولاية والحضانة والإرث والنفقات. وعلى هذا الأساس اتجه مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بجدة عام 1418هـ، وكذا في دورته الخامسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة عام 1419هـ، نحو الحظر والتحريم والمنع إذا كان هذا الشيء يمس الإنسان، أما في غير الإنسان فإن كان ذلك نافعاً فلا مانع منه[937].

148 - ومن المعروف طبيّاً، أنه لا يمكن كأصل عام استنساخ كائن حي بعد وفاته، وذلك لأن الاستنساخ الجيني يستلزم طبيّاً استخلاص نواة من إحدى الخلايا الجسدية الحية للكائن المراد استنساخه، وبموت هذا الكائن تموت هذه الخلايا[938].
غير أنه إذا تم استئصال نواة من خلية حية قبل وفاة الشخص وتم وضعها في بنك الخلايا المجمدة، فإنه يمكن علميّاً استنساخ الميت بواسطة نواة من خلية حية مجمدة محتفظ بها قبل وفاة الميت بواسطة علم الهندسة الوراثية. بحيث يتم وضع هذه النواة في بويضة، ثم سحبها من رحم أنثى وتفريغها من محتواها، لتنقل بعدها وتزرع في رحم أنثى لتستكمل مدة الحمل الطبيعية، وتنجب طفلاً هو نسخة للشخص الميت، فيكون الطفل في هذه الفرضية هو ولد الموت[939].
ومن أجل هذا، فإنه لا يجوز في الفقه الإسلامي استنساخ الميت بواسطة استئصال نواة من خلية حية مجمدة محتفظ بها قبل وفاة الميت، كما أنه لا يجوز استنساخ الميت بواسطة استئصال نواة من إحدى خلايا الشخص بعد وفاته، وذلك لحرمة جثة الميت المراد استنساخه، فالآدمي محترم حيّاً وميتاً في الشريعة الإسلامية[940].
والله عز وجل هو العليم بكل شيء، وهو الهادي سبحانه إلى الحق والصواب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي   الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي Emptyالثلاثاء 13 أبريل 2021, 6:07 pm


مراجع هذا البحث
1 - ابن تيمية. طب القلوب، دار الدعوة، الكويت، 1992م.
2 - ابن قيم الجوزية. الروح، دار القلم، بيروت، بدون تاريخ.
3 - ابن قيم الجوزية. إعلام الموقعين، دار الكتب الحديثة، القاهرة، بدون تاريخ.
4 - ابن حجر العسقلاني. فتح الباري شرح صحيح البخاري، المطبعة المصرية، القاهرة، 1380هـ.
5 - ابن حزم. المحلى، طبع منير الدمشقي، 1347هـ.
6 - ابن رشد. بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار المعرفة، بيروت، 1988م.
7 - ابن قدامة. المغني، دار الكتاب العربي، بيروت، 1983م.
8 - ابن نجيم. الأشباه والنظائر، دار المعارف، القاهرة، 1390هـ.
9 - ابن الأثير الجزري. جامع الأصول في أحاديث الرسول صل الله عليه وسلم، دار إحياء التراث العربي.
10 - ابن جزي. القوانين الفقهية، مطبعة النهضة، فاس، المغرب الأقصى.
11 - ابن عابدين. رد المحتار، دار الطباعة المصرية، القاهرة، 1272هـ.
12 - ابن الهمام. فتح القدير، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، بدون تاريخ.
13 - ابن فرحون. تبصرة الحكام، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1958م.
14 - ابن ماجة. سنن ابن ماجة، تحقيق محمد القزويني، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة.
15 - أبو بكر جابر الجزائري. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، دار راسم، 1990م.
16 - أبو علي ابن سينا. القاموس في الطب. دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.
17 - أبو زهرة (محمد). مسئولية الأطباء في الإسلام، مجلة لواء الإسلام، العدد 12.
18 - الألباني (محمد ناصر الدين). أحكام الجنائز، المكتب الإسلامي، بيروت، 1986م.
19 - الألباني (محمد ناصر الدين). إرواء الغليل، المكتب الإسلامي، بيروت، 1985م.
20 - الألباني (محمد ناصر الدين). غاية المرام، مطبعة النهضة، الجزائر.
21 - أبو عبدالله الذهبي. الطب النبوي، دار إحياء العلوم، بيروت، 1995م.
22 - أبو عودة هشام. زرع الأعضاء، المجلة العربية، العدد 10، يناير 1988م، ص39.
23 - د. الأبراشي (حسن). مسئولية الأطباء والجراحين، القاهرة، 1951م.
24 - د. أبو جميل (وفاء)، الخطأ الطبي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1991م.
25 - د. الأهواني (حسام الدين). المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء البشرية، مجلة العلوم القانونية والإقتصادية، 1975م، العدد 1، ص1.
26 - د. الأهواني (حسام الدين). تعليق على القانون الفرنسي رقم 181 لسنة 1976 المتعلق بزرع الأعضاء البشرية، مجلة الحقوق، الكويت، 1978، العدد 2، ص253.
27 - د. أحمد عروة الجابري. الجديد في الفتاوى الشرعية للأمراض النسائية والعقم، عمان، 1994م.
28 - د. أورفلي (سمير). مسئولية الطبيب في الإنعاش الصناعي، مجلة المحامون، 1986، العدد 5، ص558.
29 - د. أحمد الجوهري. الإنعاش الصناعي من الناحية الطبية والإنسانية، مجلة الحقوق، 1981، العدد 2، ص121.
30 - د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، الكويت، 1983م.
31 - د. أحمد شرف الدين. زراعة الأعضاء والقانون، مجلة الحقوق، 1977، العدد 2، ص163.
32 - د. أحمد شرف الدين. الإجراءات الطبية الحديثة، نشرة الطب الإسلامي، 1981، ص569.
33 - د. أحمد شرف الدين. الحدود الشرعية والقانونية والإنسانية للإنعاش الصناعي، مجلة الحقوق، 1981، العدد 2، ص103.
34 - د. أحمد شرف الدين. الضوابط القانونية لمشروعية نقل وزراعة الأعضاء، المجلة الجنائية القومية، 1978، العدد 1، 2 ص115.
35 - د. أحمد محمود سعد. زرع الأعضاء بين الحظر والإباحة، دار النهضة، القاهرة، 1986م.
36 - د. أسامة قايد. المسئولية الجنائية للأطباء، دار النهضة، القاهرة، 1989م.
37 - أبو فرج ابن الجوزي. الثبات عند الممات، دار الفكر، بيروت، 1992م.
38 - أبو بكر ميقا. أحكام المريض في الفقه الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1981م.
39 - د. أبو زيد بكر. فقه النوازل، مكتبة الصديق، الطائف، 1988م.
40 - د. أبو زيد بكر. انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي، 1987م.
41 - د. أحمد إبراهيم. مسئولية الأطباء في الإسلام، مجلة الأزهر، المجلد 20، ص744.
42 - د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، دار النهضة، القاهرة، 1995م.
43 - د. أحمد شوقي أبو خطوة. الإنعاش الصناعي بين الحظر والإباحة، بحث مقدم للمؤتمر الأول للجمعية المصرية للقانون الجنائي، القاهرة، 1987م.
44 - د. أحمد الشطي. تاريخ الطب وآدابه وأعلامه، دمشق، 1982م.
45 - د. أمين البطوش. الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 53، محرم 1419هـ، ص317.
46 - د. إبراهيم بن مراد. تاريخ الطب عند العرب، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1991م.
47 - إبراهيم الجمل. الحياة بعد الموت، دار الكتاب العربي، بيروت، 1985م.
48 - د. أحمد طه. الطب الإسلامي، دار الاعتصام، القاهرة، 1986م.
49 - د. أحمد الفنجري. الطب الوقائي في الإسلام، القاهرة، 1991م.
50 - د. أبو شادي الروبي. تاريخ الطب العربي، دار المريخ، الرياض، 1988م.
51 - الشيخ أحمد عساف. الحلال والحرام في الإسلام، بيروت، 1989م.
52 - د. أحمد الكردي. القواعد الكلية في الفقه الإسلامي، دمشق، 1980م.
53 - الأتاسي خالد. شرح مجلة الأحكام العدلية، مطبعة حمص، سوريا، 1930م.
54 - إبراهيم محمد رمضان. مختصر الفقه على المذاهب الأربعة، دار القلم، بيروت، بدون تاريخ.
55 - أعمال وأبحاث وقرارات مجمع الفقه الإسلامي في دوراته المختلفة.
56 - أبحاث وقرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دوراته المختلفة.
57 - أبحاث المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي، الكويت، 1981م.
58 - أعمال وأبحاث ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام، الكويت، مايو 1983م.
59 - أعمال وأبحاث ندوة المشاكل الطبية المعاصرة والإسلام، الكويت، يناير 1985م.
60 - أعمال وأبحاث ندوة بداية الحياة ونهايتها، الكويت، 1985م.
61 - أبحاث مؤتمر الطب والقانون، جامعة الإسكندرية، مارس 1974م.
62 - أبحاث المؤتمر الطبي الإسلامي عن الإعجاز الطبي في القرآن الكريم، القاهرة، 1985م.
63 - أبحاث المؤتمر الدولي عن المسئولية الطبية، جامعة بنغازي، ليبيا، أكتوبر 1978م.
64 - أبحاث وتوصيات المؤتمر الدولي لزرع الأعضاء، الجزائر العاصمة، نوفمبر 1985م.
65 - أعمال وأبحاث المؤتمر الطبي للتخدير والعناية المركزة، دمشق، 1993م.
66 - أبحاث الندوة الطبية الخامسة، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، الكويت، أكتوبر 1989م.
67 - أعمال وأبحاث ندوة الطب والقانون، جامعة سيدي بلعباس، الجزائر، أبريل 1992م.
68 - أعمال وأبحاث ندوة الطب والقانون، جامعة الإمارات، مايو 1998م.
69 - الباجي. شرح الباجي على موطأ الإمام مالك، مطبعة السعادة، القاهرة، 1332هـ.
70 - البهوتي. كشاف القناع، تعليق الشيخ هلال، مكتبة النصر، الرياض، بدون تاريخ.
71 - البيجرمي. تحفة الحبيب على شرح الخطيب، دار الفكر، بيروت، 1981م.
72 - البيهقي. السنن الكبرى، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
73 - بدر المتولي. نهاية الحياة الإنسانية في نظر الإسلام، مجمع الفقه الإسلامي، 1986م.
74 - د. بلحاج العربي. المدخل لدراسة التشريع الإسلامي، الجزائر، 1992م.
75 - د. بلحاج العربي. الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، الجزائر، 1994م.
76 - د. بلحاج العربي. النظرية العامة للالتزامات، الجزائر، 1992م.
77 - د. بلحاج العربي. أبحاث ومذكرات في القانون والفقه الإسلامي، الجزائر، 1996م.
78 - د. بلحاج العربي. أحكام المواريث، الجزائر، 1996م.
79 - د. بلحاج العربي. بحوث في فقه المعاملات، جامعة وهران، 1991م.
80 - د. بلحاج العربي. الضمانات القانونية لزرع الأعضاء في القانون الطبي الجزائري، بحث مقدم للملتقى الدولي لزرع الأعضاء، الجزائر العاصمة، نوفمبر 1985م.
81 - د. بلحاج العربي. أخلاقيات المهنة الطبية وآدابها في الفقه الإسلامي، بحث مقدم للملتقى الوطني للطب والقانون، جامعة سيدي بلعباس، أبريل 1992م.
82 - د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، 1993م، العدد 18، ص53.
83 - د. بلحاج العربي. معالم نظرية الحق لدى فقهاء الشريعة الإسلامية، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، 1995م، العدد 25، ص74.
84 - د. بلحاج العربي. شروط انعقاد الوصية في الفقه الإسلامي، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية، 1990، العدد 2، ص392.
85 - د. توفيق الواعي وآخرون. المرشد الإسلامي في الفقه الطبي، دار الوفاء، المنصورة، 1988م.
86 - د. توفيق الواعي. حقيقة الموت في القرآن الكريم، ندوة الحياة الإنسانية، الكويت، 1985م، ص461.
87 - الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، القاهرة، 1989م.
88 - الشيخ جاد الحق. بحوث وفتاوى في قضايا معاصرة، الأزهر، 1993م.
89 - الشيخ جاد الحق. تعريف الوفاة، مجلة الأزهر، 1992م، السنة 65.
90 - جلال الدين السيوطي. الأشباه والنظائر، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1938م.
91 - جلال الدين السيوطي. شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور، بيروت، 1989م.
92 - جعفر العاملي. الآداب الطبية في الإسلام، دار البلاغة، 1991م.
93 - جفال داود. المسائل الطبية المعاصرة وموقف الفقه الإسلامي منها، دار البشير، عمان، 1990م.
94 - الجصاص أبو بكر. أحكام القرآن، دار المصحف، مصر، بدون تاريخ.
95 - الحطاب. مواهب الجليل شرح مختصر خليل، مطبعة السعادة، القاهرة 1328هـ.
96 - الحافظ المنذري. مختصر صحيح مسلم، الكويت، 1979م.
97 - د. حسن منصور. المسئولية الطبية، الإسكندرية، بدون تاريخ.
98 - د. حسان الباشا. قبسات من الطب النبوي، مكتبة السوادي، جدة، 1993م.
99 - د. حسان حامد. نظرية المصالح المرسلة في الفقه الإسلامي، دار النهضة، مصر.
100 - الشيخ حسنين مخلوف. الفتاوى الإسلامية، دار الاعتصام، القاهرة، 1985م.
101 - د. حنيفة الخطيب. الطب عند العرب، بيروت، 1988م.
102 - د. حمدي عبدالرحمن. معصومية الجسد، جامعة عين شمس، 1979م.
103 - د. حسان حتحوت. استخدام الأجنة في البحث والعلاج، الكويت، 1989م.
104 - د. حسان حتحوت. متى تنتهي الحياة؟ مجمع الفقه الإسلامي، 1986م.
105 - الحافظ بن رجب. أهوال القبور، مكتبة الصحابة، طنطا، 1406هـ.
106 - د. حنا منير رياض. المسئولية الجنائية للأطباء، الإسكندرية، 1989م.
107 - د. حامد أحمد حامد. رحلة الإيمان في جسم الإنسان، دار القلم، دمشق، 1996م.
108 - د. حسن الشاذلي. حكم نقل أعضاء الإنسان. مطبعة الجمهورية، القاهرة، 1989م.
109 - الخرشي. شرح الخرشي على مختصر خليل، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.
110 - الخطيب الشربيني. مغني المحتاج، دار إحياء التراث، بيروت، 1978م.
111 - خالد عبدالرحمن العك. موسوعة الفقه المالكي، دار الحكمة، دمشق، 1993م.
112 - د. خالص جلبي. الطب محراب الإيمان، دار الكتب العربية، دمشق، 1974م.
113 - خالد الشايع. الحياة بعد الموت، الرياض، 1417هـ.
114 - الدردير أحمد. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، مطبعة الحلبي، القاهرة.
115 - د. رضا رضوان. الاستنساخ الآدمي، مجلة الوعي الإسلامي، نوفمبر 1997م، العدد 383، ص48.
116 - الرملي. نهاية المحتاج، المكتبة الإسلامية، بيروت، بدون تاريخ.
117 - ربيع السعودي. هادم اللذات، مطابع ابن تيمية، القاهرة، 1416هـ.
118 - الزيلعي. نصب الراية، دار الحديث، القاهرة، بدون تاريخ.
119 - الزرقاني. شرح الزرقاني على موطأ مالك، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ.
120 - د. الزحيلي (وهبة). الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق، 1985م.
121 - د. الزحيلي (وهبة). نظرية الضرورة الشرعية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997م.
122 - د. الزحيلي (وهبة). الاستنساخ البشري، مجلة الشقائق، العدد 14، ص14.
123 - د. الزرقاء (مصطفى أحمد). المدخل الفقهي العام، دمشق، 1961م.
124 - د. زهير الزميلي. لماذا جعل الله الأمراض؟ دار الفرقان، عمان، 1988م.
125 - د. زهير السباعي. خلق الطبيب المسلم، دار ابن القيم، الدمام، 1990م.
126 - د. زهير السباعي. و د. محمد علي البار. الطبيب أدبه وفقهه، دار القلم، دمشق، 1993م.
127 - د. زكريا الباز. إعطاء الكلى لزرعها، المجلة الجنائية، 1987، العدد 1، ص137.
128 - د. زياد درويش. الطب الشرعي، دمشق، 1977م.
129 - زياد أحمد سلامة. أطفال الأنابيب، دار البيارق، بيروت، 1996م.
130 - الزبيدي (الحسني). اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، بيروت، بدون تاريخ.
131 - السرخسي (أبو بكر). المبسوط، مطبعة السعادة، القاهرة.
132 - سيد قطب. في ظلال القرآن، دار الشروق، 1979م.
133 - السيد سابق، فقه السنة، بيروت، 1989م.
134 - د. السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، دار الفكر، 1954م.
135 - د. سليمان محمد، الطب الشرعي، القاهرة، 1959م.
136 - سيف الدين السباعي. الإجهاض بين الفقه والطب، دار الكتب، بيروت، 1977م.
137 - سيد عبدالعاطي. سوق لبيع لحوم البشر، مجلة الجديدة، 21/ 5/ 1997م، ص4.
138 - د. سنيلك وآخرون. السكتة الدماغية، الدار العربية للعلوم، بيروت، 1995م.
139 - د. سيدني سميت و د. عبدالحميد عامر. الطب الشرعي، القاهرة، 1995م.
140 - د. سالم الزوي. المسئولية الطبية عن الإجهاض، بنغازي، ليبيا، 1991م.
141 - د. سُهير منتصر. المسئولية المدنية عن التجارب الطبية، دار النهضة، القاهرة، 1990م.
142 - د. سليمان قطاية. ابن النفيس الطبيب العربي، المؤسسة العربية للنشر. بيروت، 1984م.
143 - د. السيد الجميلي. إعجاز الطب النبوي، دار ابن زيدون، بيروت، الطبعة الثالثة.
144 - د. السيد الجميلي. سكرات الموت، مكتبة الهلال، بيروت، 1996م.
145 - د. السيد الجميلي. مواقف يوم القيامة، مكتبة الهلال، بيروت، 1994م.
146 - د. سليمان الأشقر. نهاية الحياة الإنسانية، مجمع الفقه الإسلامي، 1986م.
147 - د. سليمان عبدالوهاب. فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة، جدة، 1993م.
148 - د. سمير الحلو. الطب الإسلامي، دار النفائس، 1997م.
149 - د. سعد العسيلي. المسئولية المدنية عن النشاط الطبي، بنغازي، ليبيا، 1994م.
150 - الشاطبي. الموافقات في أصول الشريعة، المكتبة التجارية، القاهرة.
151 - الشوكاني. نيل الأوطار، المكتبة العلمية، بيروت، 1973م.
152 - الشيخ شلتوت. الفتاوى، القاهرة، 1980م.
153 - الشيخ الشرباصي. يسألونك في الدين والحياة، بيروت، 1980م.
154 - الشيخ الشعراوي. الفتاوى، الجزائر، 1998م.
155 - الشيخ الشعراوي. 100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي، الجزائر، 1983م.
156 - الشنقيطي محمد. أحكام الجراحة الطبية، مكتبة الصديق، الطائف، 1993م.
157 - د. شوقي الساهي. الفكر الإسلامي والقضايا الطبية المعاصرة، القاهرة، 1990م.
158 - د. شاهين فيصل و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، المركز السعودي لزراعة الأعضاء، الرياض، 1418هـ.
159 - الصنعاني. سبل السلام، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1978م.
160 - د. صالح عبدالقيوم. زراعة الأعضاء في ضوء الشريعة الإسلامية، الرياض، 1416هـ.
161 - د. صبري الدمرداش. الاستنساخ قنبلة العصر، مكتبة العبيكان، الرياض، 1997م.
162 - صلاح شهاب الدين. الاستنساخ البشري، مجلة منار الإسلام، نوفمبر 1998، ص54.
163 - د. صالح السدلان. حكم زرع الأعضاء، صحيفة الشرق الأوسط، العدد 5493، الأحد 12/ 12/ 1993م.
164 - عبدالقادر عودة. التشريع الجنائي الإسلامي، القاهرة، 1997م.
165 - العز بن عبدالسلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار الشرق، 1986م.
166 - الشيخ علي الخفيف. الضمان في الفقه الإسلامي، معهد البحوث، القاهرة.
167 - الشيخ عبدالقادر عطا. الحلال والحرام، بيروت، 1985م.
168 - د. عبدالحميد فراج. المنهج الحكيم في التحريم والتقويم، الإسكندرية، 1984م.
169 - د. عبدالرحمن النجار. مشروعية نقل الكلى، المجلة الجنائية، القاهرة، 1987، العدد 1.
170 - د. عبدالله الحديثي. الوفاة وعلاماتها، دار المسلم، الرياض، 1997م.
171 - عمر لطفي العالم. بعد عمليات زرع الدماغ ما موقف الفقه والقانون؟، مجلة منار الإسلام، عدد نوفمبر 1998، ص66.
172 - د. عبدالرحمن العوضي. التعريف الطبي للموت، م. إ. ع، ط، الكويت، 1996م.
173 - الشيخ عساف أحمد. الحلال والحرام في الإسلام، بيروت، 1989م.
174 - د. عمر الفحل. التلقيح الصناعي والقانون، مجلة المحامون، 1988م، ص245.
175 - د. عادل عبدالمجيد. حكم الرحم المؤجر. المؤتمر الطبي الإسلامي الدولي، الكويت، 1987م.
176 - د. علي قاسمي. مفهوم الموت في الثقافة العربية، مجلة المنهل، مارس 1998، ص80.
177 - علاء الدين مصطفى. البصمة الوراثية بين رأي الشرع والرأي الطبي، مجلة الفرقان، العدد 103، رجب 1419هـ، ص31.
178 - الشيخ عبدالعزيز بن باز. فتاوى، مؤسسة الدعوة الإسلامية، الرياض، 1415هـ.
179 - الشيخ عبدالعزيز بن باز. أحكام الجنائز، مطبعة النرجس، الرياض، 1418هـ.
180 - د. عبدالرزاق الكيلاني. الحقائق الطبية في الإسلام، دار القلم، دمشق، 1996م.
181 - د. عبدالحميد الشواربي. الخبرة الطبية في مسائل الطب الشرعي، الإسكندرية، 1993م.
182 - عصمت الله محمد. الانتفاع بأجزاء الآدمي في الفقه الإسلامي، لاهور، باكستان، 1993م.
183 - د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، جدة، 1417هـ.
184 - د. عبدالله باسلامة. الاستفادة من الأجنة الفائضة، م. إ. ع. ط، الكويت، 1989م.
185 - د. عبدالله باسلامة. الأجنة المشوهة خلقياً وحكم التخلص منها، مجمع الفقه الإسلامي، مكة المكرمة، 1986م.
186 - د. عبدالوهاب حومد. قتل الرحمة، مجلة عالم الفكر، 1973، العدد 3.
187 - د. عبدالوهاب حومد. المسئولية الجزائية للطبيب، مجلة الحقوق، 1981، العدد 2، ص133.
188 - د. عبدالرحمن النفيسه. مسئولية الأطباء، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، العدد 3، 1410هـ.
189 - د. العوضي أحلام. خروج الأحياء من الأموات والأموات من الأحياء، جدة، 1993م.
190 - د. عقيل العقيلي. حكم نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي، مكتبة الصحابة، جدة، 1992م.
191 - د. عبدالله السعيد. رواد الطب عند العرب، مكتبة الأقصى، عمان، 1994م.
192 - الشيخ عبدالحميد كشك. فتاوى الشيخ كشك، دار المختار الإسلامي، القاهرة.
193 - د. عبدالسلام السكري. نقل الأعضاء وزراعتها، الدار المصرية، القاهرة، 1989م.
194 - د. عبدالستار أبو غدة. بحوث في الفقه الطبي، دار الأقصى، القاهرة، 1991م.
195 - عبدالله الغامدي. مسئولية الطبيب المهنية، دار الأندلس، جدة، 1418هـ.
196 - د. علي حسن نجيدة. التزامات الطبيب، دار النهضة، القاهرة، 1992م.
197 - د. عز الدين فراج. الطب الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون تاريخ.
198 - د. عبدالحي الفرماوي. الموت في الفكر الإسلامي، دار الاعتصام، القاهرة، 1991م.
199 - د. عبدالفتاح إدريس. حكم التداوي بالمحرمات، القاهرة، 1993م.
200 - عبداللطيف عاشور. سكرات الموت، مكتبة القرآن، 1986م.
201 - عبداللطيف عاشور. حياتنا بعد الموت، مكتبة القرآن، 1988م.
202 - عياض (القاضي). الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1979م.
203 - عبدالله التليدي. مشاهد الموت، دار ابن حزم، بيروت، 1993م.
204 - د. عبدالعزيز إسماعيل. الإسلام والطب الحديث، مجلة الأزهر، المجلد 7، ص691.
205 - د. عدلي خليل. الموسوعة القانونية في المهن الطبية، دار النهضة، القاهرة، 1981م.
206 - د. عبدالفتاح شوقي. تطور آداب المهنة الطبية، المؤتمر الخامس للطب الإسلامي، القاهرة، 1988م.
207 - د. عبدالحميد المنشاوي. الطب الشرعي، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1993م.
208 - د. عبدالفتاح مصباح. الاستنساخ بين العلم والدين، القاهرة، 1997م.
209 - عطا الله عبدالفتاح. زرع الأعضاء بين الحاضر والمستقبل، الكويت، بدون تاريخ.
210 - الغزالي (أبو حامد). إحياء علوم الدين، مطبعة مصطفى الحلبي، 1939م.
211 - الفخر الرازي. التفسير الكبير، دار الكتب، الطبعة الثانية، طهران.
212 - د. فايز الكندري. مشروعية الاستنساخ الجيني البشري من الوجهة الثانونية، مجلة الحقوق، 1998م، العدد 22 ص783.
213 - فتاوى إسلامية. مجموعة من العلماء في المملكة العربية السعودية، دار القلم، بيروت، 1988م.
214 - الفتاوى الإسلامية. دار الإفتاء المصرية، وزارة الأوقاف، مصر.
215 - القرافي (شهاب الدين). الفروق، دار الفكر العربي، بيروت، 1973م.
216 - القرطبي. الجامع لأحكام القرآن الكريم، دار الكتب المصرية، القاهرة.
217 - القرطبي. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، المكتبة الأزهرية، مصر، 1980م.
218 - الشيخ القطان (مناع). التبرع بالكلى في ضوء قواعد الفقه الإسلامي، الرياض، 1416هـ.
219 - الشيخ القرضاوي (يوسف). فتاوى معاصرة، دار الوفاء، المنصورة، 1993م.
220 - الشيخ القرضاوي (يوسف). الحلال والحرام في الإسلام، بيروت، 1973م.
221 - الشيخ القرضاوي (يوسف). فتاوى شرعية، مجلة منار الإسلام، محرم، 1419هـ، ص44.
222 - د. قشقوش هدى. القتل بدافع الرحمة، دار النهضة، القاهرة، 1994م.
223 - قيس مبارك. التداوي والمسئولية الطبية في الإسلام. دمشق، 1991م.
224 - د. قنديل شبير. تشريح جسم الإنسان لأغراض التعليم الطبي. المؤتمر الدولي للمسئولية الطبية، بنغازي، أكتوبر 1978م.
225 - قيس الصقير. المسئولية المهنية الطبية في المملكة العربية السعودية، مطابع الابتكار، الخبر، 1416هـ.
226 - القصبي طلعت. نقل الأعضاء التناسلية في المرأة. الندوة الطبية الخامسة، الكويت، 1989م.
227 - قانون واجبات الطبيب وآدابه، نقابة الأطباء، جمهورية مصر العربية.
228 - القانون الطبي الجزائري رقم 90/ 17 الصادر في 31/ 7/ 1990م.
229 - القانون الكويتي رقم 7 لسنة 1983 المتعلق بعمليات زرع الكلى للمرضى.
230 - القانون الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976 المتعلق بنقل وزرع الأعضاء البشرية.
231 - الكاساني. بدائع الصنائع، دار الكتب، بيروت، 1982م.
232 - الموسوعة الفقهية. وزارة الأوقاف، الكويت، 1982م.
233 - الشيخ محمد حسنين مخلوف. فتاوى شرعية. القاهرة، 1965م.
234 - د. محمد نعيم ياسين. أبحاث في قضايا طبية معاصرة، دار النفائس، بيروت، 1996م.
235 - د. محمد نعيم ياسين. حكم بيع الأعضاء الآدمية، مجلة الحقوق، 1987م. العدد 1.
236 - د. محتسب بالله بسام. المسئولية الطبية المدنية والجزائية. بيروت، 1984م.
237 - د. محمد الشيرمي. البلاء من منظور إسلامي، مجلة الأزهر، عدد سبتمبر 1998م، ص728.
238 - د. موسى الخطيب. أسرار الموت، مكتبة دار الشعب، الرياض، بدون تاريخ.
239 - موسى شرف صالح. فتاوى النساء العصرية، بيروت، بدون تاريخ.
240 - معوض عبدالتواب. الطب الشرعي، الإسكندرية، 1987م.
241 - د. منذر الفضل. التصرف القانوني في الأعضاء البشرية، بغداد، 1990م.
242 - د. مأمون إبراهيم. البويضات الملقحة الزائدة، ندوة الرؤية الإسلامية، الكويت، 1987م.
243 - د. مأمون إبراهيم. الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجة في التجارب العلمية وزراعة الأعضاء، الندوة الطبية الخامسة، الكويت، أكتوبر 1989م.
244 - المركز السعودي لزراعة الأعضاء. التقرير السنوي 1417 - 1418هـ، الرياض، 1997م.
245 - المركز السعودي لزراعة الأعضاء. مجلة التواصل، رسالة شهرية، الرياض.
246 - د. محمد سعيد رمضان البوطي. قضايا فقهية معاصرة، مكتبة الفارابي، دمشق، 1992م.
247 - د. محمد سعيد رمضان البوطي. انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، مجمع الفقه الإسلامي، 1987م.
248 - د. مختار مقدم. زراعة خلايا المخ، الندوة الطبية الخامسة، الكويت، أكتوبر 1989م.
249 - د. محمد قلعة جي. موسوعة فقه الحسن البصري، دار النفائس، بيروت، 1989م.
250 - الشيخ محمد بن عثيمين. فتاوى، مؤسسة الدعوة الإسلامية، الرياض، 1415هـ.
251 - محمد إبراهيم سليم. فقه ذوي الأعذار والمرضى، مكتبة القرآن، القاهرة، 1987م.
252 - د. محمد الدقر. روائع الطب الإسلامي، دار المعاجم، دمشق، 1994م.
253 - د. مؤنس غانم. أسرار الموت بين العلم والدين، المجلة العربية، مارس 1984م.
254 - د. محمود النسيمي. الطب الإسلامي، طرابلس، لبنان، 1988م.
255 - د. مصطفى الذهبي. نقل الأعضاء بين الطب والدين، دار الحديث، القاهرة، 1993م.
256 - د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1991م.
257 - د. محمود علي السرطاوي. زرع الأعضاء في الشريعة الإسلامية، دراسات جامعة عمان، 1984، العدد 3.
258 - د. مديحة الخضري. الطب الشرعي والبحث الجنائي، الكتاب الجامعي، الإسكندرية، 1989م.
259 - د. محمد أحمد نجيب. الطب الإسلامي، القاهرة، 1982م.
260 - محمد عبدالعزيز إسماعيل. الاستنساخ، مطابع الكفاح، الاحساء، 1997م.
261 - د. محمد القاسم. المسئولية المدنية للطبيب، مجلة الحقوق، 1981، العدد 2، ص79.
262 - د. محمود نجيب حسني. الحق في سلامة الجسم، مجلة القانون والاقتصاد، السنة 29، ص565.
263 - د. محمود محمود مصطفى. رضا المجني عليه، مجلة القانون والاقتصاد، السنة 18، ص283.
264 - د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، الطبعة الأولى، 1987م.
265 - د. محمد أيمن صافي. زرع الأعضاء في جسم الإنسان، مجمع الفقه الإسلامي، جدة، 1987م.
266 - د. محمد علي البار. أحكام التداوي، دار المنارة، جدة، 1995م.
267 - د. محمد علي البار. التداوي بالمحرمات، دار المنارة، جدة، 1995م.
268 - د. محمد علي البار. أخلاقيات التلقيح الصناعي، الدار السعودية، جدة، 1987م.
269 - د. محمد علي البار. الجنين المشوه والأمراض الخلقية، دار القلم، دمشق، 1986م.
270 - د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، الدار السعودية، جدة، 1989م.
271 - د. محمد علي البار. المسئولية الطبية وأخلاقيات الطبيب، دار المنارة، جدة، 1995م.
272 - د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي؟، الدار السعودية، جدة، 1988م.
273 - د. محمد علي البار. سياسة تحديد النسل في الماضي والحاضر ووسائله. بيروت، 1991م.
274 - د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، دار القلم، دمشق، 1992م.
275 - د. محمد علي البار. زرع الجلد ومعالجة الحروق، دار القلم، دمشق، 1992م.
276 - د. محمد علي البار. طفل الأنبوب، دار العلم، جدة، 1407هـ.
277 - د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، الدار السعودية، جدة، 1986م.
278 - د. محمد علي البار. ما الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي؟، م. س. ز. أ، الرياض، 1418هـ.
279 - د. محمد علي البار. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، الدار السعودية، جدة، 1995م.
280 - د. محمد علي البار. القضايا الفقهية والأخلاقية في زرع الأعضاء، دار القلم، دمشق، 1994م.
281 - د. محمد علي البار. مشكلات طبية تبحث عن حلول، دار المنارة، جدة، 1994م.
282 - د. محمد علي البار. الوجيز في علم الأجنة القرآني، الدار السعودية، جدة، 1986م.
283 - د. محمد علي البار. حكم الإنعاش، المؤتمر الرابع للطب الإسلامي، كراتشي، 1986م.
284 - د. محمد علي البار. التجارب على الأجنة المجهضة، الندوة الطبية الخامسة، الكويت، 1989م.
285 - د. محمد علي البار. زرع الأعضاء التناسلية، الندوة الطبية الخامسة، الكويت، 1989م.
286 - د. محمد علي البار. إنتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، مجمع الفقه الإسلامي، الدورة 4، 1987م.
287 - ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، دار الفكر، دمشق، 1997م.
288 - د. نوري ضياء. الطب القضائي، بغداد، 1980م.
289 - النووي. صحيح مسلم بشرح النووي، دار إحياء التراث، بيروت، 1972م.
290 - النووي. روضة الطالبين، المكتب الإسلامي، بيروت، بدون تاريخ.
291 - نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، ولائحته التنفيذية، وزارة الصحة العمومية، المرسوم الملكي رقم م/ 3 بتاريخ 21/ 2/ 1409هـ، المملكة العربية السعودية.
292 - د. نجم عبدالواحد. إجهاض الأجنة المريضة وراثياً أو المشوهة خلقياً، مجلة المجتمع، العدد، 935، في 3/ 10/ 1989م.
293 - هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. أبحاث هيئة كبار العلماء، الرياض، 1412هـ.
294 - هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. حكم تشريح جثة المسلم، مجلة البحوث الإسلامية، المجلد 1، ص1407هـ.
295 - د. هشام الخطيب وآخرون. الطبيب المسلم وأخلاقيات المهنة، دار المناهج، عمان، 1989م.
296 - الشيخ يوسف الدجوي. تشريح الميت، مجلة الأزهر، العدد 7 و8، المجلد 9، ص31.
297 - د. يحيى شريف. مبادئ الطب الشرعي والسموم، جامعة عين شمس، 1969م.
298 - د. وجيه زين العابدين. الطبيب المسلم، مكتبة المنارة، جدة، 1987م.
299 - Adolophe (S). LA ResponsAbilitie medicale En matiERe Des GREFFES D OrganEs, These, Lyon, 1975.
300 - Baudouin (J). L incidence De Labiologie Et De La medicine Sur Le Droit civil. J. T, 1970, p. 217.
301 - Boyer Chammard (G). La ResponSabilite medicale, Paris, 1974.
302 - Charaf el - Dine (a). Droit dela transplantation De organes, These, Paris, 1975.
303 - Charaf el - Dine (a) commentaire Sur La Loi Du 22/ 12/ 1976 Relative Aux pre leve ments D organes, R.D.S.S, 1978, P. 217.
304 - Caro (g). La medicine En Question, Paris, 1969.
305 - Demarez (j). manual De medicine Legale. Bruxelles, 1967.
306 - DierKens (r). Les droits Sur le Cadavre De L Homme, Paris, 1966.
307 - Doll (j). La Discpline Des greffes D orgaNes, Paris, 1970.
308 - froge (e). A propos de La mort. Poitiiers, 1979, 1 p. 13.
309 - hunry (a). La mort Par pitie, Rev. Bel. DR. Pen, 1952, p. 928.
310 - penneau (j). La Responsabilite medical, Paris, 1977.
311 - Nerson (r). L influence De La biologie Et De La medecine Sur Le Droit civil, rev. t.d.c, 1970, P. 661.
312 - SaVatier (j). Les prelevements D organes Apres deces, i.s.crim, poitiers, 1979, 1, p. 19.
313 - Savatier (r). Les problemes juridiques des transplantation D Organes, l.c.p, 1969, P. 224.
314 - Viriced (B). les Droits Du malade, these, Lyon, 1975.
315 - Xavier (r). les Droits Et les obligations Des medecins, Paris, 1971.
ــــــــــــــــــــ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ثانيا : الأحكام الفقهية ( أبواب الفقه )
»  تقنين الأحكام الشرعية: تاريخه وحكمه (PDF)
» ولد الزنا في الفقه الإسلامي قراءة وتقويم
» الفقه الحضاري للمياه في العمران الإسلامي
» أصول حماية المستهلك في الفقه الإسلامي وآلياتها (PDF)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: