بطاقة رمضان

مفتي المملكة: الصيام ثلاثة أقسام

قال سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة إن الصيام أقسام، أولها، صوم العموم، وهو صوم الإنسان عن الأكل والشرب والشهوات.

 

وأكد في تصريح الثلاثاء، أنه لابد أن يقترن بصوم الجوارح، فقد قال النبي محمد صل الله عليه وسلم: “أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، و لا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسانته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار”.

 

وأشار للقسم الثاني من الصيام، ألا وهو صيام الخصوص، الذي يمسك به المرء جوارحه عن اكتساب المعاصي وقول الزور والكذب والرياء والنفاق، متسائلا: ما نفع الصوم عن الأكل، بينما الجوارح لم تصم؟ فصومها، يعد بدرجة أعلى من صوم العموم.

 

أما القسم الثالث من الصيام فهو “خصوص الخصوص”، ويعني الصيام عن الطعام والشراب والشهوات، وصيام الجوارح، إذ يؤدي المسلم خلاله الطاعات، ويصوم بقلبه عن الأمراض القلبية، كالحقد والغل والحسد والبغي، وهذا هو إيمان الأنبياء والأولياء الصالحين، وفقا لسماحته.

 

وعرج على أهمية صيام الجوارح، خاصة في هذا الزمن الصعب، الذي يشهد ثورة المعلومات وتبادلها عبر المنصات المختلفة، مشددا على إيصال الرسائل المختلفة مع الحفاظ على الأخلاق الحميدة والأدب الجم، ونبذ الإشاعة والنميمة، وعدم الخوض مع الخائضين، لأن تلك الآثام تدخل أصحابها النار.

 

وواصل “في هذه الأيام المباركة علينا الالتزام بالعبادات وتلاوة القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صل الله عليه وسلم، حتى ننجو أمام الله، ويقبل عملنا وصيامنا وصدقاتنا، وأن ندخل كما وعدنا الله سبحانه وتعالى إلى الجنة من باب يقال له باب الريان”.

ويتابع: “وهذا الباب لا يدخل منه إلا الصائمون، فإذا دخلوا، أغلق”، مؤكدا أن أجر الصائم لا يكتمل إذا اقتصر فقط على الامتناع عن الطعام والشراب، دون صوم الجوارح.

ذكريات رمضانية

من منا لا يتذكر عندما كان صغيرا كيف كانت الأجواء ساعة إعلان رؤية هلال شهر رمضان في التلفاز، ومن منا لا يتذكر لمة العائلة أمام التلفاز لمشاهدة بيان قاضي القضاة للتحقق من ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المبارك والفرحة التي كانت تعم القلوب وقت سماع خبر حلول شهر رمضان الكريم، والتجهيزات التي كانت تعد من قبل الوالد والوالدة استعدادا لشهر رمضان، في تلك الأيام لم تكن الفرحة تقتصر كما هي هذه الأيام على تعليق زينة رمضان؛ بقدر الفرحة التي كانت تنبع من داخل القلوب.

بهجة رمضان في أن الجميع صائم وكل شيء ينطق بالبركة ويكتسي بالإيمان من صوت قراءة الوالد للقرآن الكريم بعد صلاة العصر، إلى رائحة الطعام التي تفوح من المطبخ وتنتشر في كل مكان من البيت والوالدة تعد افطار رمضان، ومكوثنا ونحن صغار نتابع برامج الاطفال في رمضان، ولكم كانت ممتعة ومشوقة ومفيدة ما زالت بصمتها راسخة في القلوب والعقول إلى الآن. ومن منا لا ينسى مائدة الإفطار والتي كانت رغم بساطتها تمتاز بالبركة والطعم الشهي وتزداد القا بلمة العائلة الجميلة، والهيبة التي كانت تسود البيت في انتظار مدفع الافطار، وتعاون الصغير والكبير في التحضير والتجهيز للإفطار وترتيب المكان بعد الانتهاء من الإفطار.

أما بعد الإفطار فتلتف الأسرة بكاملها حول التلفاز لمشاهدة المسلسلات والبرامج بعد الإفطار، حتى يحين موعد صلاة العشاء وصلاة التراويح واستعداد الوالد والأخوة للذهاب إلى المسجد وأداء العشاء والتراويح، ثم يأتي وقت السحور والذي يرتبط بذكريات مميزة وجميلة لا يمكن نسيانها.

وما يميز رمضان أيام الطفولة الأجواء التي كانت تتزين بها تلك الأيام من التآلف والود وصلة الأرحام وتقديم الصدقات والافطار الجماعي في رمضان والالتقاء بالاهل والجيران والأصدقاء، والبرامج الرمضانية بما تتضمنه من أعمال فنية راقية ذات قيمة ومغزى تغرس في الأجيال المبادئ والمثل العليا السامية. ثم يبدأ يوم جديد من ايام رمضان المبارك، فما أجمل أيام رمضان وما أعطر لياليه أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات.

رمضان بين الأمس واليوم

فاطمة عطفة
رمضان بين الماضي البعيد وأيامنا هذه ذكرني بأولئك الأطفال الذين يقفون على حافة الرعش، وهو (جدار ساحة الدار)، بانتظار صوت المؤذن عندما يرفع أذان المغرب فيندفع الجميع، كل إلى سفرة إفطاره الحافلة بتنوع شهي من أصناف الطعام، ليس كله من طبخ الأم فقط بل من الصحون التي يتم تبادلها مع الجيران والأقرباء، هذا التنوع الذي يدل على المحبة بين الناس والتآلف بينهم، إنه الزاد أو الملح، بمعنى تمالحنا وصرنا أهلا وأصدقاء. هكذا كان رمضان في بلادنا المنكبوبة هذه الأيام من خلال تراقص سعر الدولار الذي وأصبح سيرة الأغنياء وحتى الفقراء الذين لم يكونوا يسمعوا من قبل بهذا السعار النقدي المتحرك الذي رافق سنوات جائحة الحرب السورية من خلال نقله وتوزيعه بين العصابات العديدة التي شاركت في استهداف البلاد وإذلال الفقراء.
أما أذان المغرب فلم يكن يحتاج إلى ضرب المدفع الذي يتوزع الآن في أنحاء المدن ليعلن وقت الإفطار، كان صوت المؤذن “أبو داود” كافيا لأن يصل إلى كل بيت وكل زقاق ليعلن وقت الإفطار، ثم الإعلان عن وقت صلاة التراويح، والسهر مع تناول الشاي والقهوة والزوفا والزعتر البري مع حلويات رمضان من السيالات والقطايف، وصولا إلى السحور وأذان الفجر. وبين هذه الأوقات لا يمكن أن ننسى أبدا صوت المسحراتي الذي يجول في الأزقة وهو يترنم بألحانه العذبة: “يا نايم قوم.. وحد الدايم”، حتى في أيام الشتاء وهطول الأمطار لم تكن تمنع جولة المسحراتي الذي يترنم بألحانه في سكون الليل بين البيوت، وهو يكرر أناشيده إلى أن يتأكد من أن أهل البيت نهضوا إلى السحور، المؤلف من أطعمة بسيطة بين الزيتون والجبنة والمربيات إن كانت موجودة، وإلا كأس الشاي يكون البديل.
هكذا كانت متعة رمضان وبركته، تأتي بالمحبة والمشاركة.. وحتى الصحون التي يتبادلها الأهل والجيران كانت مملوءة بخيرات الرضى والتفاهم والمحبة قبل أنواع الطعام، وحتى لو لم يتوفر الطعام الساخن ممكن أن يكون اللبن الرائب، أو صحن مجدرة، أو فطيرة بالسلق أو الجبن، أو البرغل بالحمص واليخنة.. لا يهم، المهم فقط الهدف وهو توزيع البركة والمحبة بين الناس. ومما يزين الأزقة كان مرور بعض العابرين وهم يجمعون طعامهم من البيوت، هذه اللمسة الإنسانية التي كانت
 لم نعد نراها اليوم، أصبح الإنترنت هو الحامل للتبرعات وتوزيع المساعدات، كل شيء أصبح جهارا وفي العلن، بينما كان كل خير وإحسان يتم بسرية تامة دون أن يشكل حرجا للناس المحتاجين سواء من الأقارب أو الجيران…
أيها الزمن الجميل، أين أنت؟ لقد اشتقنا للمحبة، للألفة بين بعضنا بعضا، نحن البشر أصبحنا نحتاج إلى أن تجمعنا روح إنسانية واحدة، وليس فقط شعارات جوفاء عن الرحمة والصيام، مصحوبة بصور وبطاقات ملونة على شاشة الموبايل، وكل يعيش في صومعته مع المسلسلات التلفزيونية التي أصبحت موسم الجوائز يستعد لها النجوم من الفنانين وأصحاب الثروات لملء خزائنهم من الأجور المدفوعة.
أطفالنا اليوم بحاجة لكذبة بيضاء عن صيام “دريجات المادنة” التي كانت الأمهات يوهمن الأطفال بها ليكفوا عن الترديد بأنهم يريدون الصيام. كان ممكنا أن يقتنع الأطفال بهذه الكذبة المحببة وهم (ينطنطون) فرحا بأنهم صائمون، وصيامهم هذا يكفي. أما صوت المدفع الذي ينطلق في وقت الإفطار الآن، فهو يذكرني بالحرب وويلاتها ولا أرى أن له علاقة برمضان، شهر الرحمة والمودة والخير وزيارات اللهفة المتبادلة بين الأهل والأصدقاء وحكايات الحكواتي، تلك حالة إنسانية مختلفة تماما عما نشاهده ونسمعه اليوم من غرائب المسلسلات وما فيها من قصص عجيبة لا تناسب أيام رمضان، بل يكتفي المشاهد بأن يتأمل باستغراب فن نفخ الشفاه وشد العنق عند الممثلات واختزال المشاهد المتسلسلة في استعراض لا يليق بمسرح بدائي للتهريج.
كاتبة سورية