محاولة تطويق وإحتواء إنجازات المقاومة الفلسطينية..
ومحاولة بائسة ومفضوحة لإعادة
السلطة الفلسطينية الى الواجهة
الدكتور بهيج سكاكيني
التناغم بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والسلطة الفلسطينية
ومصر على وجه التحديد والاجراءات المتخذة من هذه الاطراف هدفها واحد وموحد الا وهو
محاولة تطويق وإحتواء تداعيات ما أفرزته المقاومة بشقيها الشعبي والعسكري على صعيد
كل أراضي فلسطين التاريخية المحتلة سواء على النطاق المحلي أو الاقليمي أو الدولي والتي
بمجملها شكلت رافعة جديدية ومتقدمة للصراع مع العدو الصهيوني التي باتت إجراءاته
التعسفية والقمعية المتوغلة في التوحش والهمجية توصف من قبل شخصيات سياسية
وصحفية وأكاديمية ومنظمات إنسانية معنية بحقوق الانسان أنها ترقى الى جرائم حرب
وجرائم ضد الانسانية التي يجب أن تخضع للمساءلة والعقاب ومحاكمة المسؤولين عن هذا
في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
هؤلاء يسعون الان للعودة الى حال ما كنا عليه سابقا تحت شعار التهدئة أو وقف إطلاق النار
طويل الامد بمعنى لا يوجد طرف من هذه الاطراف يسعى لحل القضية الفلسطينية فجل
محاولاتهم وتصريحاتهم الان تسعى للمحافظة على الوضع القائم.
فالكيان الصهيوني لم يلتزم “بالتعهدات والضمانات” التي قدمت للفصائل الفلسطينية في غزة
والتي من أجلها بدأت الحرب في غزة وشن عدوان همجي بكل المقاييس العالمية على سكانها
الامنيين. ها هي الشرطة والجيش الاسرائيلي يفرضون وجودهم في باحات المسجد الاقصى
بالاضافة الى حماية مجموعة من المستوطنيين اللذين دخلوا الى باحاته. ورأيناهم وهم
يعتقلون شباب في باب العمود وكذلك في الشيخ جراح حيث اقاموا سواتر ترابية وإسمنتية
لمنع دخول أي من الشباب والشابات الفلسطينيين وغيرهم من المتضامنين مع العائلات
المهددة بإخلاء مساكنهم لصالح المستوطنين. وهنالك أخبار مفادها ان شرطة وحرس الحدود
يخططون لاقتحام المدن والقرى الفسطينية داخل 48 لاعتقال المئات من الناشطيين الذين
تظاهروا في داخل 48 لنصرة إخوانهم في القدس وغزة.
الشيء الوحيد الذي ممكن ان تفعله الولايات المتحدة وحلفائها من الاوروبيين هو الضغط على
الكيان الصهيوني لتقديم بعض التنازلات للفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة هو التخفيف من
الحصار المفروض عليه بفتح المعبر لادخال المواد الغذائية والمساعدات الطبية والادوية
الازمة الى جانب المواد الضرورية لإعادة الإعمار الى جانب السماح للصياديين بالصيد في
المياه الاقليمية لغزة. بمعنى الاجراءات التي تخفف من الاحتقان في قطاع غزة على غرار بما
كان يحدث بعد الاعتداءات الصهيونية السابقة على أهالي قطاع غزة والتي سرعان ما يتراجع
عنها الكيان الصهيوني.
الاطراف تسعى لإدامة التهدئة وحماية الكيان الصهيوني من اية ضغوطات او إنتقادات دولية
تسعى للالتفاف على تداعيات الانتصار الذي حققته اللحمة بين المقاومة الشعبية والمقاومة
المسلحة على الشارع الفلسطيني والاقليمي على وجه الخصوص. هذه الاطراف تدرك جيدا ان
السلطة الفلسطينية اصبحت خارج المعادلة كما اثبتت الاحداث وأن نبض الشارع أصبح
منحازا في غالبيته العظمى الى خيار المقاومة الفلسطينية معتبرا إياها البديل عن المفاوضات
العبثية للتحرر من الاحتلال بكل اشكاله. وبالتالي فهي ستبذل قصارى جهدها لتعيد السلطة
التي كانت غائبة كلية عن الاحداث الى الواجهة. فالسلطة ليس فقط انها لم تكن طرفا في
التوصل الى “وقف إطلاق النار” بل انها سمعت عن ذلك من الاخبار في الصحف والجرائد.
والاطراف التي تسعى الان الى إعادة السلطة الى الواجهة الفلسطينية تعمل على عدة محاور.
المحور الاول وهو المحور السياسي بإعتبارها انها الطرف الذي يجب على الدول الغربية
والعربية الرجوع اليها. ويدخل ضمن هذا التوجه زيارة وزير الخارجية الامريكي الى الكيان
الصهيوني والضفة الغربية لمقابلة عباس لبحث سبل الحفاظ على وقف إطلاق النار. وكما
ذكرنا ان السلطة أولا لم تكن طرفا في ذلك على الاطلاق وثانيا أن السلطة لا سلطة لها على
قطاع غزة وذلك منذ 2007 عندما أخذت حماس إدارة القطاع لاسباب لا داعي للخوض بها
هنا. والذي يسعى اليه وزير الخارجية بزيارته هو إعطاء “شرعية” لسلطة فاقدت الشرعية
أصلا. من المؤكد ان الطرف الامريكي يريد من السلطة وأجهزة امنها التحرك في إجراء حملة
إعتقالات واسعة في الضفة الغربية لنشطاء في المقاومة الشعبية التي شملت جميع مدن
وقرى الضفة الغربية اسوة وتزامنا مع ما تقوم به قوات الاحتلال الصهيوني في داخل الخط
الاخضر حيث تم إعتقال ما يقرب من 1500 من فلسطيني 48 يتهمة التحريض وإثارة الشغب.
أما المحور الثاني فهو الجانب الاقتصادي. لإعطاء السلطة نوع من السلطة وإعادة الاعتبار
لها في إدارة الامور في المرحلة القادمة فإن الكيان الصهيوني والادارة الامريكية أصروا على
ان أية أموال مقدمة لتوفير المساعدات الانسانية والطبية وغيرها الى جانب تلك المقدمة
لاعادة إعمار غزة يجب ان تتاتى عن طريق السلطة والتحكم في تصريفها لهذا الغرض. وأن
يكون هنالك تنسيقا بين السلطة والكيان الصهيوني بهذا الخصوص والاغلب ان هذا سيكون
عن طريق المكتب الرئاسي لزيادة الفساد والنهب والسير بالخطى التي تريدها الولايات
المتحدة. وزير الخارجية الامريكي صرح بان الولايات المتحدة ستبذل جهودا دولية لإعادة
إعمار غزة بمعنى انها ستنفرد في هذا المجال ولتضع شروطها وشروط الكيان الصهيوني
وتستخدم هذه الجهود التي قد تؤدي الى إجتماع “للدول المانحة” لتأليب الراي العام الدولي
على المقاومة الفلسطينية في محاولة لتفكيك الانجازات التي تحققت على المستوى الدولي
لصالح القضية الفلسطينية ومقاومته للاحتلال البغيض. والطرف الاوروبي كان حاضرا ايضا
من خلال زيارة وزير الخارجية الالماني الذي قام بزيارة المقاطعة وقبلها كان ان صرح بأن “
اسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها”على نفس خطى وزير الخارجية الامريكي.
أما الطرف المصري وبعد ان نجح في مساعيه بعد ان أعطيت له الأوامر من البيت الابيض
للتحرك لايجاد صيغة “لوقف إطلاق النار” والعمل لاحقا على إيجاد تهدئة طويلة الامد
ولإطلاق الوعود التي طالما رددها نيابة عن الكيان الصهيوني, فكما يفهم من تحركاته الان
بات يسعى الى جمع الفصائل الفسطينية في القاهرة وذلك في محاولة لمناقشة تشكيل حكومة
وحدة وطنية وهو ما كان قد صرح به عباس بعد ان قام بالغاء الانتخابات لحجج بات الجميع
يعلمها ولا داعي لتكرارها هنا. مصر تريد من هذا المدخل ايضا اضفاء بعض الشرعية للسلطة
الفلسطينية ودخولها على خط التهدئة الى جانب العمل في إتجاه السلام الاقتصادي وتوريط
الفصائل الفلسطينية في هذا المسار التي عليها ان تنسى الانتخابات التي كان من الممكن ان
تفرز واقعا سياسيا مغايرا لما نحن عليه. بمعنى ان مصر تسعى لإطالة عمر السلطة
الفلسطينية بعد ان فقدت آخر ورقة توت ومصداقية امام الشعب الفلسطيني