جنرال وباحث إسرائيلي بارز ينسف الأساطير الصهيونية العشر
أقدم باحث وضابط إسرائيلي رفيع في جيش الاحتياط على نسف أساطير صهيونية أساسية ويؤكد في كتاب جديد أنها تحول دون تسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني مشددا على أنه فحص الموضوع عشرات المرات ووجد أن تسوية الدولتين ما زالت ممكنة عمليا. في كتابه الجديد”( هل هكذا حدث بالضبط ” ؟) يستعرض خبير الخرائط الأول في إسرائيل شاؤول أرئيلي الأساطير التي اعتمدتها الحركة الصهيونية وورثتها إسرائيل في سبيل بناء شعب ودولة ويقول إنها تقوم على نواة من الحقيقة فوقها طبقات من الكذب.
” فحصت عشرات المرات ووجدت أن تسوية الدولتين ممكنة عمليا”
وينسف مقولة الصهيونية التقليدية بأن فلسطين كانت خالية من السكان بقوله إنه في التعداد الذي أجراه البريطانيون عند بداية الانتداب في العام 1922 تم في البلاد احصاء حوالي 700 ألف عربي ويؤكد أن البلاد لم تكن فارغة فقط، بل كان فيها اكتظاظ يصل الى 27 نسمة لكل كيلومتر مربع وقد كانت من البلاد المكتظة من بين الدول العربية وكانت الثانية بعد لبنان. كما يوضح أن زعماء الصهيونية عرفوا الواقع كما هو ويشير أن إسرائيل زينغفيل كتب في 1905: “أرض إسرائيل نفسها هي مأهولة” فيما كتب دافيد بن غوريون في 1918: “أرض اسرائيل ليست أرض خالية من السكان… في غرب الأردن فقط يعيش تقريبا ثلاثة ارباع مليون” أما يوسف حاييم برنر كتب في 1919: “يجب على شبابنا في ارجاء العالم أن يعرفوا الآن الحقيقة عن أرض اسرائيل فهي مسكونة بالعرب “.
10 أساطير
ويشير أرئيلي لعدة أساطير جعلت الإسرائيليين عالقين مع الصراع كـ ” شعب عاد لبلاد بلا شعب ” أو ” لا يوجد شعب فلسطيني ” أو ” الأردن هي فلسطين ” و ” لا يوجد شريك فلسطيني للمفاوضات ” أو ” الاستيطان اليهودي هو من يرسم حدود إسرائيل” أو ” رغب اليهود بالهجرة للبلاد وحال البريطانيون دونهم ” أو ” لم يبرح الفلسطينيون بعد نظرية المرحلية وهم يريدون تدمير إسرائيل” أو ” دعوة المفتي والدول العربية الفلسطينيين للهرب من بلادهم ” أو ” القدس عاصمة للأبد”. ويتساءل ماذا كان سيحدث لو أدرك الإسرائيليون أن ما يعرفونه عن الصراع هو سلسلة أساطير مغلوطة تمت رعايتها وتنميتها وهي تورطّهم في مستنقع الخلاف والمواجهة. أرئيلي هو أحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في مجال الصراع اليهودي- العربي ويؤمن أن تسوية الدولتين ما زالت عملية وممكنة بخلاف كثيرين، وسبق وشارك في مفاوضات السلام في كامب ديفد وطابا. ويقول إنه بما يتعلق بـ الأساطير هناك علامات مميزة لدى كل الشعوب ولكن لدى الإسرائيليين فهي مربوطة بالنظام السياسي الذي يقوده معسكر اليمين منذ سنوات كثيرة. ويتابع ” حسب أجندة اليمين ” حرب الاستقلال ” لم تنته ولم تستكمل بعد على الأقل من ناحية تحديد حدودها ولذلك ومن أجل ضمان وجود جماعة مجندة لاستكمال هذه العملية هناك حاجة لـ دفعة قوية للأمام بواسطة أساطير حول الصراع تميّز بين الحق والباطل،بين المّحق وغير المحّق،بين الحكيم وغير الحكيم وهذا بالنسبة لهم أمر سهل لأنهم أسرى مخاوف عميقة. يعانون الأميركيون على سبيل المثال من أساطير كثيرة مزورّة ومن نظريات مؤامرة ولكن دون هذه المخاوف “.
شريك فلسطيني
وردا على سؤال حول مقولة ” أعطى إيهود باراك كل شيء وهم يرفضون يوضح أرئيلي في كتابه إنه عندما يوجه السؤال هل هناك شريك فإن هذا نصف سؤال لأن السؤال الكامل هو شريك لأي خطة ؟ ويتابع ” بحال سألت السؤال كاملا تستطيع أن تفهم الموقف الفلسطيني في مسيرة أوسلو. طيلة 71 عاما،منذ تصريح بلفور وحتى 1988 أدار الفلسطينيون حوار تحت عنوان ” حقوقنا المبدئية بـ قولهم ” تم سلب حقنا بتقرير المصير”. ولذلك أداروا خطابا عنيفا من أجل استعادة هذه الحقوق. لكنهم وبعدما قد ذلك للنكبة وللجوء قرروا عام 1988 تغيير توجهاتهم من خطاب الحقوق المبدئية لـ خطاب يقوم على الشرعية الدولية فقبلوا القرار 242 الداعي لانسحاب إسرائيل لحدود 1967 ومن ناحيتهم هذا يعني قيام فلسطين على 22% فقط من البلاد وهذا أكبر تنازلاتهم. ولذا فإن دخولهم مسيرة أوسلو كانت من منطلق الفهم أن الدولة الفلسطينية تقوم على 22% من فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس. كل من تحدث معهم يدرك أن هذا موقف الحد الأدنى ولذا لن نجد فلسطينيا مستعد لقبول أقل من ذلك. وقد قال قادة الاستخبارات العسكرية وقتذاك الجنرال عاموس مالكا وعاموس غلعاد والجنرال افرايم ليفي لـ براك ذلك عدة مرات وشددوا على أن الأرض هي القضية الأهم بالنسبة للفلسطينيين وأن موضوع اللاجئين هو مجرد ورقة مساومة لكن براك كان يظن أنه بالإمكان إنهاء المفاوضات معهم بـ أقل من هذا “.
جهل براع لـ لبّ الصراع
ويؤكد أرئيلي أن باراك لم يفهم لب الموضوع مثلما أن أولمرت فهمه في مرحلة متأخرة فقط ولذا عرض الأول في قمة كامب ديفد مقترحا بائسا بـ ضم 11% من الضفة الغربية لـ إسرائيل دون مبادلة أرض والاحتفاظ بريع غور الأردن بيدها ويضيف ” أراد براك أن يعود ياسر عرفات من كامب ديفد بـ 80-82% فقط من الـ 22% وبناء دولة على هذه المساحة وفي المفاوضات طالب بأن يبقى الحرم القدسي والبلدة القديمة من القدس تحت السيادة الإسرائيلية وهذا أمر غير ممكن”. ويؤكد أن براك جاء لـ كامب ديفد من أجل تسوية الصراع لكنه ارتكب تقريبا كل الأخطاء الممكنة إذ لم يعد طواقم المفاوضين بشكل حقيقي ومهني حيث أدار ملف التفاوض حول اللاجئين الياكيم روبنشتاين الذي لم يكن واعيا للموضوع ويتابع ” قام أحد مساعديني خلال الطيران للولايات المتحدة بتقديم شروحات له ظانا أنه ذاهب لتسوية قضية القدس لوحده دون طاقم مفاوضات. وهناك ومع بدء المفاوضات اكتشفت البعثة الإسرائيلية أنه لا يوجد من يدير ملف المفاوضات ول القدس ولذا اضطرت لاستدعاء رؤوفين مرحاف من معهد القدس في سفرة جوية خاصة. هذا عمل غير جدي “.
مؤتمر كامب ديفيد
ويكشف أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قد أكدا للجانب الإسرائيلي أن الأوضاع غير مواتية لعقد مؤتمر قمة في كامب ديفد غير أن الإسرائيليين خضعوا لـ ضغوط إيهود براك ويتابع ” وكان بعض مسؤولي طاقم المفاوضات الإسرائيلي قد جمع براك بـ محمود عباس وقتها الذي أكد له أن الوضع غير مناسب للقمة ولذلك فإن مزاعم براك لاحقا بأنه قام في كامب ديفد بتمزيق القناع عن وجه ياسر عرفات لا أساس لها وهذه مجرد هراء فالمواقف الفلسطينية معروفة لنا. لقد ظنّ براك أنه بمساعدة بيل كلينتون ومن خلال أجواء القمة سينجح في إخضاع ياسر عرفات غير أن التسوية المقترحة من قبل براك كانت بعيدة عن أن تكون مقبولة. في مؤتمر طابا لاحقا تم تقليص الفجوات بين المواقف لكن براك كان ما زال غير مستعد لقبول معادلة 22% من فلسطين التاريخية. كذلك عدّل براك موقفه حيال القدس والأغوار لكنه بقي بعيدا ومتأخرا”. ويتهم أرئيلي براك بالتأثير سلبا على مسار التاريخ وبالفشل في إدارة المفاوضات مع الفلسطينيين وبشأن رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت الذي تذكره جهات إسرائيلية وكأنه عرض كل شيء على الفلسطينيين يقول أرئيلي إنه أدرك عدم إمكانية سيطرة إسرائيل على كل البلاد وإنه كاد يتفق مع الرئيس عباس على تسوية الصراع بعد نقاش حول نسبة تبادل الأراضي مقابل المستوطنات غير أن حكومته سقطت بسبب تهم فساد وليس لأن السلطة الفلسطينية رفضت إبداء مواقف مرنة.
أسطورة البناء الاستيطاني الأول
ويشير لـ وجود أسطورة أخرى مفادها أن المستوطنين يكملون عمليا ما قام به حزب ” العمل ” من ناحية الاستيطان وأنه حيثما أقيمت مستوطنة جديدة تكون هذه حدود إسرائيل. موضحا أن حدود ” أرض إسرائيل الانتدابية ” تم ترسيمها وفق اعتبارات أخرى وليس بفعل الاستيطان عدا مستوطنة ” المطلة ” في أعالي الجليل معتبرا أن ” حروب إسرائيل ” خاصة حرب 1948 هي التي رسمت هذه الحدود. ويتساءل بالقول : كانت هناك مستوطنات في سيناء فهل بقيت عندما وقعتّ إسرائيل اتفاق سلام مع مصر؟ كذلك في غزة أيضا أخلينا المستوطنات وفي شمال الضفة الغربية كما فعلنا عند انسحابنا من سيناء ويتابع ” عند توقيع اتفاق دائم حقا مع الفلسطينيين ستتأثر الحدود الثابتة بـ المستوطنات ولكن ليس من كلها. لا من المستوطنات العشوائية والبعيدة بل من تلك القائمة قريبا من الخط الأخضر. ولكن حتى عندما تحدد هذه المستوطنات الكبرى الحدود فإنها لا تضيف دونما واحدا لأن كل اتفاق ملزم بتبادل أراضي دونم مقابل دونم تماما كما فعلنا مع الأردن. الوحيد الذي اشترى هذه الخدعة هو دونالد ترامب الذي اقترح ضم 30% من أراضي الفلسطينيين مقابل 14% ونحن نعلم ما حصل في النهاية”.
حل الدولتين
ويوضح أن الصهيونية لا تستطيع إقامة دولة ديمقراطية مع أغلبية يهودية في كل ” أرض إسرائيل ” مؤكدا بخلاف مراقبين كثر أن حل الدولتين ما زال ممكنا بحال تم التوافق على تبادل 4% من الأراضي التي تضم عمليا 80% من المستوطنين ويضيف ” هذا لا يشمل مدينة أرئيل القائمة في عمق الضفة الغربية ولذا فإن مشروع الاستيطان فشل في تحقيق هدفه السياسي المعلن المتمثل ببناء دولة فلسطينية من خلال مساس بالميزان الديموغرافي أو بالسيطرة على الحيز الفلسطيني ولا ننسى أن الفجوة تتقلص لصالح الفلسطينيين فالزيادة الطبيعية لدى اليهود في تراجع خلال العقود الثلاثة الأخيرة وهناك تراجع كبير في عدد الإسرائيليين الذين ينتقلون لداخل المستوطنات. ويكاد ميزان الهجرة أن يكون سلبيا اليوم فقبل عقدين ثلاثة كان يصل للبلاد 6000-8000 مهاجر جديد أما اليوم فالعدد 400 فقط كل سنة. وبخلاف مراقبين إسرائيليين كثر يكشف أن هناك نسبة كبيرة من سكان مدينة أرئيل الاستيطانية(20 ألف نسمة) مستعدون للانسحاب منها وإخلاء بيوتهم مقابل تعويض مالي ملائم ويتابع ” لكنني اتفق مع معظم المراقبين أنه لا توجد جاهزية سياسية لتسوية الدولتين من جهة إسرائيل وكذلك لا توجد جاهزية جماهيرية ووعيوية لأن الإسرائيليين متأثرون بـ الأساطير التي نحن بصددها في الكتاب. في إسرائيل ترعى المنظومة السياسية ” خطاب الصراع ” بواسطة أساطير وتظهر الاستطلاعات أنه كلما انخفض معدل عمر الإسرائيليين تنخفض جاهزيتهم لتسوية الدولتين . ولدى هؤلاء وفي وعيهم السياسي لا تجد مصطلحات كـ ” الوجود المشترك ” و ” اتفاقات سلام ” فهم بخلاف الجيل السابق الذي شهد توقيع اتفاق سلام مع مصر ومع الأردن. سبق وتطرق الباحثان الإسرائيليان دانئيل بارطال وعران هالبرين إلى المعيقات النفسية وقلة الإنسانية المنسوبة للخصم وقلة الشرعية المنسوبة لمطالبه وكل هذه أنتجت هنا وعيا جماهيريا لا يسمح اليوم بـ تغيير. موضحا أن الدراسات تدلل أن الأخبار الكاذبة تنتشر بسرعة تبلغ ستة أضعاف انتشار الأخبار الصحيحة ولكن يمكن مواجهة ذلك بحال نجحنا بطرح قيم مهمة مقابل الكذب أمام الإسرائيليين كـ الديموقراطية أو الثقافة مقابل الجهل بعدما تحولنا من مجتمع مثقف محب للاستطلاع لمجتمع يقدّس ويشجّع الجهل. هذه مسيرة ممكنة وتحتاج للوقت”.
أنصاف حقائق
شاؤول أرئيلي الذي شغل عدة مناصب عسكرية مهمة منها السكرتير العسكري لرئيس الحكومة تحول لـ داعية سلام يقول إنه وصل لقناعة بضرورة التغيير وتوقيع اتفاق سلام حقيقي مع الفلسطينيين وأن 90% من رجال الأمن سابقا وصلوا هم أيضا لهذا الاستنتاج بأن تسوية الدولتين ممكن وهي لا تهّدد إسرائيل وعلى ما يبدو يعي هؤلاء محدودية القوة وأثمان استمرار الصراع الذي ينبغي تسويته. ويضيف ” الجيل القادم من الضباط كثيرون منه متدينون ولكن الأغلبية ما زالت من العلمانيين. ويؤكد أرئيلي أنه حان الوقت لأن يتحرر الإسرائيليون من عملية التأريخ المجنّدة الخاصة بالجيل الصهيوني المؤسّس وللكشف أمام الجيل الشاب اليوم الحقيقة بكل ما فيها من أعطال وأنصاف حقائق منوها أن هذه الغاية من كتابه الجديد وعن ذلك يشدد بأنه لا يريد زعزعة الرواية الصهيونية ويتابع ” أنا أقل تفاؤلا اليوم في ظل التوجهات السائدة التي توقفنا عندها. خبو الحقيقة،تسييس عدة مجالات، المساس بالديموقراطية،قلة الفضول الفكري. أخشى أن نسددّ ثمنا باهظا على ذلك وآمل أن لا نبقى نكتب تاريخ ما يحدث بدلا من التأثير عليه فلدينا عائلات وأولاد وأحفاد نريد لهم أن يترعرعوا هنا”