ماذا وراء اتصالات بايدن والسيسي الأخيرة بعد تجاهل لـ5 أشهر؟
جاء الاتصال الثاني الذي وُصف بالمطول بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي، بعد تجاهل مثير من الأول وإدارته الجديدة للثاني لنحو خمسة أشهر، ليثير التساؤلات والتكهنات حول دلالات اتصال بايدن بالسيسي مرتين خلال أربعة أيام.
موقع الرئاسية المصرية، أعلن مساء الاثنين، أن بايدن هاتف السيسي، وبحثا تطورات القضية الفلسطينية، ودعم تثبيت التهدئة بين الاحتلال والمقاومة وإعادة إعمار غزة، وملف حقوق الإنسان بمصر.
البيان المصري، أكد أن بايدن، عازم على بذل الجهود لضمان الأمن المائي لمصر، وحل أزمة السد الإثيوبي، مشيرا إلى إشادة بايدن بدور مصر الإقليمي والدولي، في دعم أمن واستقرار المنطقة وتسوية أزماتها.
ومنذ قدوم الإدارة الأمريكية الديمقراطية في كانون الثاني/ يناير 2021، تم تجاهل السيسي، تماما؛ فلا تواصل معه، ولا زيارة لمسؤول أمريكي للقاهرة، ولا دعوة له لواشنطن التي وجهت انتقادات عديدة لملفه الحقوقي وهددت مرارا بتقليص المعونات لنظامه، وقال بايدن نصا: “لا شيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل”.
التطورات الفلسطينية الأخيرة والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة لمدة 11 يوما وقصف المقاومة الفلسطينية لإسرائيل كانت سببا في استعادة التواصل المقطوع، بل وإشادة الإدارة الأمريكية بدور السيسي بالتهدئة، ليتم الاتصال الأول بينهما يوم 20 أيار/ مايو 2021.
ويأتي الاتصال الثاني من بايدن مع السيسي بعد 4 أيام من الأول، وقبل يوم من أول زيارة لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن للشرق الأوسط منذ توليه مهامه، والتي تشمل القدس المحتلة، ورام الله، والقاهرة، وعمّان.
وتتلخص السياسة الأمريكية التي عبر عنها بيان بايدن، الاثنين، حول زيارة بلينكن للمنطقة، في “تحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس”، وتأكيد التزام واشنطن “الصارم بأمن إسرائيل”، و”بناء العلاقات مع الشعب والقادة الفلسطينيين”، و”المساعدة الفورية لغزة وليس حماس”.
تغير الموقف الأمريكي
وحول دلالات الاتصال الثاني بين بايدن والسيسي خلال 4 أيام وبعد تجاهل 5 أشهر، يقول المؤرخ والأكاديمي المصري الدكتور عاصم الدسوقي، إنها “تتصل بدور السيسي في تهدئة حماس بغزة، وليس فرض شروط على إسرائيل”.
وفي تقديره لأسباب تغير وجهة نظر الإدارة الأمريكية حول السيسي، أكد لـ”عربي21″، أن “كل هذا التغير وغيره من مواقف يأتي في إطار عملية (الاستسلام) التي بدأها أنور السادات في كامب ديفيد 1978”.
ويعتقد أن حديث بايدن للسيسي بعد تجاهل 5 أشهر قد يكون إيذانا بتكليف أمريكي جديد له في المنطقة، يعيدها ثانية لما وصفها بـ”الحظيرة” الأمريكية، بعد خروج بعض الشيء منها إلى دول أخرى، وشدد على أنه لا فكاك عن أمريكا، إلا ببناء القوة الذاتية، والتحرر من السوق الرأسمالية باتجاه الاقتصاد الوطني.
ويرى الدسوقي أن غياب الإمارات والسعودية عن المشهد الفلسطيني وانفراد مصر به، واستعانة بايدن بالسيسي فقط دون حكام الخليج، قد يقلق الإمارات وربما يؤثر على علاقات القاهرة مع أبو ظبي والرياض، مستدركا: “لن تستطيع الرياض وأبو ظبي الاستمرار في موقفهما، لأنهما في إطار التبعية وبدرجات متفاوتة”.
من جانبه، قال الكاتب والسياسي حسن حسين، إن “الاتصالات بين مصر وأمريكا بشأن القضية الفلسطينية خلال الـ50 سنة الأخيرة كانت دائما لخدمة الكيان الصهيوني”، مؤكدا أن “السيسي لم يدخر وسعا في تقديم نفسه بوصفه خادما مطيعا في المحراب الأمريكي/الصهيوني”.
ويعتقد أن “الاتصال الثاني بين بايدن والسيسي يعبر عن المأزق الصهيوني الذي حدث في المواجهة العسكرية مع المقاومة الفلسطينية، والإسراع في التهدئة خوفا من دخول أطراف أخرى لمساندة المقاومة، وتحديدا حزب الله وإيران، الذي قد يأخذ الحرب إلى أبعاد أخرى تماما تهدد الوجود الصهيوني”.
أما لماذا تم اختيار مصر وليس الإمارات أو السعودية لهذا الدور، فيرى حسين، أن “ذلك بحكم الخبرة المصرية في الصراع العربي الصهيوني من ناحية؛ وعدم ثقة الفلسطينيين في الإمارات والسعودية من ناحية أخرى”.
توزيع الأدوار
الباحث في العلوم السياسية بالمركز الديمقراطي العربي، محمد ثابت حسنين، قال إنه “وفقا لنظرية الدور، فإن كل دولة تلعب دورا بالعلاقات الدولية، يتحدد وفقا لمعطياتها، وثقلها بالملفات الدولية والإقليمية، بل إن تشابك العلاقات بلحظة أو حدث في العلاقات بين الدول، قد يخلق دورا ويعزز موقف دولة ما”.
المحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أضاف أن “هذا ما حدث بعلاقة السيسي وبايدن، أنه عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية أطلق بايدن عبارات هجومية اعتبرها البعض عداء للسيسي، أو تجاهلا له ووقفا للمساندة والدعم”.
وتابع: “لكن نشوب الحرب على غزة وتحقيق المقاومة انتصارات ظاهرة ومختلفة وقصف صواريخها تل أبيب؛ جعل واشنطن تفزع وتسرع لمساندة الدولة الصهيونية، وبالتالي فإنه مرحبا بأي خطوة تعزز وتصب لصالح الكيان”، مشيرا إلى محاولة واشنطن “البحث عن وسيط مؤثر يقنع المقاومة بوقف إطلاق النار نظير عدة مكاسب، منها إعادة إعمار غزة، ووقف التقدم نحو حي الشيخ جراح”.
ولفت الباحث المصري إلى أن “العلاقة بين مصر والمقاومة-وإن شابها مشاحنات- هي تاريخية بين أشقاء وشركاء بالعديد من الملفات، وكانت مصر ولا زالت داعمة وبقوة لفلسطين، ربما تراجع هذا الدور تحت قيادة السيسي، ولكن مع صعود بايدن وعداوته للسيسي، سرعان ما وعيت القاهرة أهمية دورها بمساندة المقاومة؛ حيث ثبت أنه يعزز مكانتها الدولية والإقليمية”.
وأشار إلى أن “السيسي، تدخل بالأحداث وكسب المقاومة بإرسال المساعدات والإسعافات وفتح المعبر وعلاج المصابين، لتتوطد علاقات مصر بالمقاومة، كما خلق السيسي لنفسه مكانة أجبرت بايدن على التراجع عن قراره والاتصال به للتوسط ووقف إطلاق النار”.
وخلص حسنين، إلى التأكيد على أن “دور مصر ومكانتها الإقليمية؛ أجبرا بايدن على التراجع عن موقفه”، لافتا إلى “تغير نسبي بالسياسة المصرية، مؤخرا، وعادت لما ينبغي أن تكون عليه، ربما بنسب طفيفة ولكن بسبيلها لتزايد مضطرد”.
وحول النتائج المتوقعة للتواصل بين السيسي وبايدن، يرى أن “علاقة بايدن والسيسي ستكون مرحلية من جانب الأول قائمة على الضرورة التي فرضت عليه، بمجرد انتهاء الغرض منها تنتهي وتعود لما كانت عليه”.
وتابع: “أما من جانب السيسي فقد تفرض سياساته ببعض الملفات ما يمثل الأمر الواقع، وسيصبح الرجل الذي لا يمكن الاستغناء عنه”.
وعبر صفحته بـ”فيسبوك”، اعتبر السفير المصري السابق محمد مرسي، اتصال بايدن بالسيسي بمثابة تطور جيد بمسيرة علاقة مصر بإدارة بايدن، وبداية طيبة وزخم إيجابي، مطالبا باستغلاله وتطويره لمعالجة الملفات الحساسة بين البلدين.
الكاتب الصحفي عبدالعظيم حماد، قال إن اتصال بايدن بالسيسي مرتين متقاربتين ليس مكرمة شخصية ولا منحة أمريكية للدولة المصرية؛ وإنما هو بالمصطلح القانوني اعتراف مقرِر بدور مصر الإقليمي ووزنها وخبراتها المتراكمة وتشابك أمنها ومصالح أخرى لها مع القضية الفلسطينية -الإسرائيلية.
الصحفي محمد السطوحي، أكد أن عودة التواصل مع البيت الأبيض “تنبيه للمشككين بأن دور مصر ومكانتها لا تكون بعزلتها عن محيطها الإقليمي، وأن اهتمامها بقضايا المنطقة ليس عبئا تتحمله بل تأكيدا لدورها ودفاعا عن مصالحها”.