يحيى عياش
يحيى عبد اللطيف عياش ويلقب بالمهندس (1966-1996) قائد، ومهندس متفجرات، ومهندس كهربائي، ومجاهد ومناضل فلسطيني، ومن أبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حتى اغتياله، ولد ببلدة رافات في محافظة سلفيت بالضفة الغربية يوم الأحد الموافق 6 آذار (مارس) 1966، حاصل على شهادة البكالوريس في الهندسة الكهربائية من جامعة بيرزيت عام 1993، اتهمته إسرائيل بأنه خلف مقتل العشرات حيث كانت أول بصماته في منطقة "رامات أفعال" بتل أبيب بعد العثور على سيارة مفخخة فيما استمرت إسرائيل بمطاردته في الفترة ما بين أبريل 1993 حتى اغتياله في بيت لاهيا شمال قطاع غزة بتاريخ 5 يناير 1996 باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه أحياناً، وقد تركز نشاطه في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية، وطور لاحقاً أسلوب الهجمات الاستشهادية عقب مذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل في فبراير 1994 وقد شيع جثمانه نحو 100 ألف شخص في قطاع غزة.
حياته
يحيى عياش مع والديه، ويظهر شعار على قميصه مكتوب عليه (الإسلام هو الحل)
وهو شعار تتخذه الحركة الإسلامية في فلسطين والإخوان المسلمون
ولد يحيى عياش عام 1966 في بلدة رافات والتي تتوسط مدن نابلس ورام الله وقلقيلية وهو ينحدر من عائلة عرفت بتدينها وبساطة أفرادها وماضيها الجهادي. فآل عياش، شاركوا في الانتفاضات والثورات الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني على فلسطين منذ وعد بلفور وحتى الثورة العربية الكبرى عام 1936 ووالده عبد اللطيف ساطي عياش - والذي يعمل بمهنة الزراعة ونقش الحجر- له ابنين بالإضافة ليحيى، هما مرعي الذي ولد عام،1969 ويونس الذي ولد في عام 1975 ويوصف يحيى في طفولته أنه كان هادئاً ولا يحب الاختلاط كثيراً بغيره من أطفال الحي أما والدته فهي عائشة عياش (تُوفيت في 9 يونيو 2020 في قرية رافات في سلفيت).
أسرته
تزوج المهندس ابنة خالته، هيام عياش، بتاريخ 9 سبتمبر / أيلول من عام 1991م. ولكن، سرعان ما طرق زوار الفجر منزله، وأصبحت القوات الخاصة الإسرائيلية وأعتى رجال الأمن والمخابرات الصهاينة من رواد البيت. فمضى يحيى مطارداً مطلوباً تاركاً وراءه زوجةً وابناً أسماه (براء) تفتحت عيناه على الحياة في 1 يناير / كانون الثاني عام 1993. ولم يلئتم شملهم مرة أخرى، إلا بعد نحو عام ونصف حين نجح المهندس في تخطي جيش المخبرين وضباط الشاباك والوحدات الخاصة التي كانت تداهم المنزل باستمرار، وانتقلت هيام مع براء إلى قطاع غزة، وقد رزق المهندس قبل استشهاده بيومين فقط، بابنه الثاني الذي أسماه (عبد اللطيف) تيمناً بوالده، غير أن العائلة أعادت اسم يحيى إلى البيت حين أطلقت على الطفل عبد اللطيف اسم (يحيى).
تعليمه
ولقد كان يحيى متفوقا منذ الصف الأول وحتى إنهائه المرحلة الثانوية وحصوله على شهادة (التوجيهي)، فقد نال المرتبة الأولى دائماً خلال دراسته لاثنتي عشرة سنة في رافات والزاوية وبديا. وكان يحيى قد انتقل إلى مدرسة الزاوية الإعدادية بعد إنهائه الصف السادس الابتدائي في مدرسة رافات نظراً لكون مدرسة قريته لا تستوعب أكثر من هذه المرحلة. ودرس يحيى المرحلة الإعدادية والأول ثانوي في مدرسة الزاوية، ثم انتقل بعد ذلك إلى قرية بديا حيث درس الثاني والثالث ثانوي (الفرع العلمي) في مدرسة بديا الثانوية، وحصل على شهادة الدراسة الثانوية بمعدل 92.8 %
وقد أتم يحيى عياش حفظ القرآن كاملاً وحصل على شهادة تقدير من مديرية الأوقاف الإسلامية القدس لتفوقه في دراسة العلوم الشرعية وتجويد القرآن الكريم، وما تزال محفوظة في صالة منزل والديه
بعد أن حصل يحيى عياش على شهادة الدراسة الثانوية من مدرسة بديا الثانوية عام 1984، وكان معدله 92.8 % سافر يحيى في شهر أيلول (سبتمبر) من عام 1984 إلى مدينة رام الله للتسجيل في جامعة بيرزيت وقد تخرج يحيى عياش مهندساً كهربائياً من جامعة بيرزيت في شهر آذار (مارس) من عام 1993م، وهذا يعني أنه قضى ثمان سنوات على مقاعد الدراسة الجامعية. ويعود السبب في ذلك إلى الإضرابات والإغلاقات المستمرة للجامعة ففي شهري كانون أول (ديسمبر) من عام 1986 وكانون الثاني (يناير) من عام 1988 أصدر الحاكم العسكري لإسرائيل عدة قرارات بتعطيل الدراسة وإغلاق الجامعة.
وقد غاب يحيى عن حفل التخرج في الجامعة ولم يحضر مراسم تسليم الشهادات؛ فقد كان وقتها مطارداً ومطلوباً لجهاز الشاباك وتطارده قوات الاحتلال بسبب دوره في التخطيط لعملية "رامات افعال" بتل أبيب في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1992
وبعد تخرجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا ورفضت سلطات الاحتلال طلبه، وقد عقب على ذلك يعكوف بيرس رئيس المخابرات آنذاك بالقول: «لو كنا نعلم أن (المهندس) سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحاً، بالإضافة إلى مليون دولار»، وتزوج بعد تخرجه من ابنة عمه ورزقه الله ولده البكر (البراء) ثم رزق بولده (يحيى) بتاريخ 24/12/1995م.
المهندس وحماس وجناحها العسكري
نشاطه الطلابي
بدأت علاقة يحيى مع الكتلة الإسلامية -الإطار الطلابي لحماس- في جامعة بيرزيت في تشرين أول (أكتوبر) 1984. إذ جرت العادة عند الكتلة الإسلامية أن تقيم حفل استقبال يضم الطلبة من أبناء الكتلة وجميع الطلبة الجدد الذين يلبّون الدعوة ويُظهِرون موافقة مبدئية على الانضمام إلى صفوف الكتلة. وجرى خلال هذا اللقاء -الذي عقد في مسجد بيرزيت القريب من الحرم الجامعي القديم- التعارف بين الطلاب القدامى والجدد، وعرّف الشهيد وقتها بنفسه قائلاً:
«أخوكم في الله يحيى عياش من رافات - سنة أولى هندسة»
نشاطه الاجتماعي
وفي بداية العام الدراسي الثاني (1985-1986)، أصبح عضواً بإحدى (مجموعات) الإخوان المسلمين في مدينة رام الله. ووظف المهندس السيارة التي اشتراها والده في خدمة الحركة الإسلامية، حين دأب على السفر إلى رافات ونظراً للدور الريادي الذي قام به فقد اعتبرته الفصائل الفلسطينية (شيخ الإخوان في رافات)، رجعت إليه في كافة الأمور التي تتعلق بالفعاليات أو الإشكالات خلال الأعوام (1988 - 1992).
مع كتائب القسام
وكانت بدايات المهندس مع العمل العسكري ترجع إلى أيام الانتفاضة الأولى، وعلى وجه التحديد عامي 1990 و1991؛ حيث توصل إلى مخرج لمشكلة شح الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة، وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية. فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات افعال بتل أبيب، وبدأت أثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش ودولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية والعسكرية وبعد تحقيق شديد وقاس مع أعضاء في حركة حماس الذين اعتقلوا أثر العثور على السيارة المفخخة، طبع الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى. ولذلك، داهمت قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود يرافقها ضباط ومحققون من الشاباك بلدات سلفيت وقراوة بني حسان بحثاً عن زاهر جبارين، وعلي عاصي، اعتقاداً بأن أحدهما قد نجح في التوصل إلى المعادلات الكيميائية
وفي الربيع الأخير من عام 1992 استكمل الفريق الرباعي المكون من المهندس يحيى عياش بالإضافة إلى زاهر جبارين وعلي عثمان عاصي وعدنان مرعي مستلزمات الانتقال بالجهاد نحو مرحلة الدفع بقوة باتجاه تنفيذ العمليات العسكرية وتحديد الأهداف وذلك بعد أن وصل المهندس إلى مبتغاه الذي كان يبحث عنه في المعادلة الكيميائية وهو تحويل المواد الكيماوية والأولية إلى متفجرات.
يعد يوم الأحد الموافق 25 نيسان (إبريل) من عام 1993، بداية المطاردة الرسمية له. ففي ذلك التاريخ، غادر المهندس منزله، ملتحقاً برفاقه الذين كانوا يتخذون من كهوف ومغارات فلسطين قواعد انطلاق لهم ضد جنود ودوريات الاحتلال. وفي مساء ذلك اليوم، داهمت قوات كبيرة من الجيش والمخابرات المنزل وقامت بتفتيشه والعبث بالأثاث وتحطيم بعض الممتلكات الشخصية للمهندس. وبعد أن أخذ ضباط الشاباك صورة الشهيد جواد أبو سلمية التي كان المهندس يحتفظ بها، توجه أحدهم لوالده مهدداً: «يجب على يحيى أن يسلم نفسه، وإلا فإنه سوف يموت، وسوف نهدم المنزل على رؤوسكم»
وقد كانت بداية المهندس مع تفجير الحافلات بتركيب العبوات التي قدّر وزنها بأربعين كيلو غراماً من المواد المتفجرة ربطت بجهاز التفجير وأربع اسطوانات غاز لزيادة قوة التأثير. وحسب الخطة، وضع المهندس بمساعدة أبو إسلام، العبوات في حافلة صغيرة من طراز (فان- فولكسفاغن) تحمل لوحات معدنية صفراء-اللوحات الإسرائيلية- استولى عليها أحد أعضاء حركة حماس من مدينة تل أبيب مساء يوم الجمعة الموافق 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1992. وعليه، يعد هذا التاريخ بداية (قصة الحب التي يعيشها المهندس مع الحافلات الإسرائيلية)، كما يقول ألكس فيشمان في مقاله الطويل الذي نشره في صحيفة معاريف تحت عنوان (أعرف عدوك: المهندس هو المطلوب الأول) في تشرين أول (أكتوبر) من عام 1994 م.
عمليات متهم بتنفيذها
عملية تفجيرية (استشهادية) بسيارة مفخخة بالعفولة 6 نيسان 1994 والتي نفذها (رائد زكارنة) والذي أدّى إلى مقتل ثمانية إسرائيليين وجرح ما لا يقل عن 30 آخرين، وقد كانت هذه العملية أولى الردود على مذبحة المصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل. ففي نحو الساعة الثانية عشرة والنصف من بعد ظهر يوم الأربعاء ووفقاً للخطة التي أعدها المهندس، تقدم رائد زكارنة بسيارته المفخخة نحو محطة الحافلات المركزية في مدينة العفولة وتتبع الحافلة التي تعمل على خط رقم (348) وعند محطة انتظار الحافلات القريبة فتح السائق بابها الأمامي لصعود الركاب. وعندئذ، تجاوز رائد الحافلة وأوقف سيارته على مسافة مترين فقط من مقدمة الحافلة وخلال ثوان، دوى صوت انفجار قوي حوَّل السيارة إلى أشلاء تطايرت على بعد عدة أمتار. كما تحطمت جميع نوافذ الحافلة واحترق هيكلها الداخلي وأصيب جميع من فيه بدرجات متفاوتة. وعلى الأثر، هرعت فرق الإنقاذ وسيارات الإسعاف، وهبطت الطائرات المروحية لإخلاء المصابين بجروح خطيرة.
عملية مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر في 13 نيسان 1994 والتي نفذها الاستشهادي (عمار عمارنة) الذي فجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة مما أدّى إلى مقتل 7 إسرائيليين وجرح العشرات فقد أعد المهندس برنامجه وبدأت مرحلة الاستعداد واختيار الطاقم المساعد وقد تضمنت خطة العملية، تجهيز عبوتين ناسفتين بطريقتين مختلفتين. فالأولى، جرى تركيبها وتشكيلها بحيث يتم وضعها على الجسم، بينما ركب المهندس العبوة الثانية في حقيبة سفر صغيرة تشبه ما اعتاد جنود الجيش الإسرائيلي على استخدامها خلال تنقلاتهم من وإلى معسكراتهم. ووضع المهندس العبوتين وإرشادات الاستخدام وتفاصيل العملية والهدف في النقطة الميتة وهي مقبرة بلدة يعبد، ليستلمها سعيد في وقت لاحق. فبعد التجهيز وصل عمار عمارنه وقد ربط على جسده عبوة متفجرة فيما حمل الثانية داخل حقيبة سوداء إلى محطة الحافلات المركزية في مدينة الخضيرة، ووقف في مكان الانتظار الخاص بالحافلة رقم (820) والتي تعمل على خط (العفولة - الخضيرة - تل أبيب). وعند الساعة الثامنة وخمسين دقيقة من صباح يوم الأربعاء الموافق 13 نيسان (إبريل) ،1994 وفي غمرة انشغال الكيان بعيد الاستقلال وذكرى جنوده القتلى، توقفت الحافلة (820) في المحطة لإنزال ركاب ونقل آخرين. وعندئذ، صعد عمار إليها من الباب الخلفي بعد أن ترك الحقيبة المفخخة في الموقف بناء على تعليمات المهندس. وخلال ثوان قليلة، فجر العبوات التي تحزم بها ويقتل مالا يقل عن خمسة بينهم ثلاثة جنود ويصيب نحو اثنين وثلاثين آخرين بينهم ثمانية عشر جندياً وفق ما اعترف به الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية. وقد شملت الاعتقالات التي نفذتها الشاباك بتعزيز من المظليين والوحدات الخاصة في أعقاب العملية طالت نحو (500) مواطناً فلسطينياً جديداً، وضمت أئمة مساجد وطلاب وأطباء وأكاديميين ممن استثنوا في الحملات السابقة.
عقب تفجير الحافلة في شارع ديزنغوف بتل ابيب عام 1994
تفجير داخل حافلة ركاب في شارع ديزنغوف في مدينة تل أبيب نفذها الاستشهادي (صالح نزال) وهو مقاتل في كتائب الشهيد عز الدين القسام بتفجير نفسه في 19 تشرين أول 1994 : ؛ مما أدّى إلى مقتل 22 وجرح ما لا يقل عن 40 آخرين.
فبناء على ترتيبات مسبقة، قامت إحدى مجموعات الإسناد بتسهيل عملية انتقال صالح نزال إلى مدينة قلقيلية حيث بات ليلة الأربعاء في منزل عائلته وحين وصل إلى محطة الحافلات المركزية، ووقف ينتظر حافلة شركة (دان) رقم (90) التي تعمل على خط رقم (5) والذي يبدأ من بلدة حولون بجنوب تل أبيب وينتهي بمنطقة الفنادق في هيرتسليا مروراً بساحة ديزنغوف، ويقفز الدرجات صعوداً في حافلة الشهادة الأجمل في نحو الساعة الثامنة وخمس وخمسين دقيقة من صباح يوم الأربعاء الموافق 19 تشرين أول (أكتوبر) 1994. وسارت الحافلة في طريقها المعتاد، وقد أخذ الشهيد مقعده في الصف السادس خلف السائق، وخلال دقائق معدودة، وصل الموكب ساحة ديزنغوف، ولاحت الفرصة حين اقتربت حافلة أخرى، وأضحت في محاذاة الحافلة رقم (90). وعندئذ فجر عبواته الناسفة لتتحول الحافلة إلى كومة من الحطام بعد أن تطاير سقفها كلياً وتناثرت قطع من الحديد الملطخة بالدماء في دائرة قطرها يتجاوز الخمسين متراً. ولم تسلم المحلات والمخازن والمقاهي، فقد أحدث الانفجار أضراراً جسيمة وفادحة في المنطقة التي اهتزت وتصاعد عمود من الدخان إلى علو ستة أمتار بفعل الحريق الذي اندلع في الحافلة، ويبدو أن العملية بما انطوت عليه من خسائر بشرية (22 قتيلاً و47 جريحاً) ومادية (سبعة ملايين شيكل - مليونين وثلاثمائة ألف دولار أمريكي)،وقد أصيب الناس بالذهول وهرعوا في بعض المدن إلى الشوارع في تظاهرات صاخبة كانت تنادي بالموت للعرب والقضاء على حركة حماس، وتطالب باستقالة اسحق رابين ومحاسبة القيادات العسكرية والأمنية على التقصير
وقد سعى رابين الذي قطع زيارته لبريطانيا فور سماعه الخبر وعاد لتل أبيب ليعقد اجتماعاً طارئاً لقادة الأجهزة الأمنية ومن ثم اجتماع للحكومة لدراسة الخطوات والإجراءات المضادة لحركة حماس. وصرح «أقول للخاطفين ومفجري القنابل، إن قوات الأمن سيمسكون بكم عاجلاً أو آجلاً»
وفي رافات، مسقط رأس المهندس، دفعت سلطات العدو بقوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود ترافقها وحدات مستعربين وضباط من الشاباك إلى الجبال والمناطق المحيطة بالقرية. وأعادت تلك القوات نصب النقطة العسكرية الموجودة على مدخل القرية في اليوم التالي للعملية البطولية في تل أبيب. وتمكنت قوات الاحتلال من مراقبة الحركة داخل رافات عبر هذه النقطة وحين أشارت تقارير وحدات المستعربين السرية بأنها تشتبه بوجود المهندس في منزله، داهمت قوات كبيرة من المظليين المنزل يوم السبت الموافق 29 تشرين أول (أكتوبر) 1994 وأجرت فيه عملية تفتيش دقيقة وواسعة حطمت خلالها معظم محتويات المنزل وقد توالت الاعتقالات المنظمة لمن يشتبه بأنه قدم العون أو المساعدة أو الملجأ، وحتى من تصادف أن التقى دون ترتيب مسبق بالمهندس، وقد اعترفت الشاباك، بأن التقدم الذي أحرزته في مطاردتها للمهندس جاء بعد أن خولت اللجنة الوزارية لشؤون جهاز المخابرات التي يرأسها اسحق رابين شخصياً لمحققي الشاباك باستخدام أساليب الضغط والتعذيب الجسدي بشكل مكثف ومتزايد مع معتقلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذين تتوفر شبهات قوية تؤكد أن بحوزتهم معلومات حول المهندس.
واستناداً لما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد أسهم استخدام هذا الأسلوب من الضغط الجسدي المشدد في انتزاع اعترافات من بعض المعتقلين قادت لاعتقال آخرين، ومن بينهم (43) عضواً من مجموعات الرصد والاستطلاع والخدمات والتموين الذين عملوا بخدمة المهندس بشكل أو بآخر في منطقة شمال الضفة الغربية واعترفت سلطات الاحتلال العسكرية بأن حملتها الرامية لإلقاء القبض أو قتل يحيى عياش قد امتدت إلى المناطق المحتلة منذ عام،1948 بعد أن انتشرت الإشاعات داخل المجتمع الإسرائيلي بأن المهندس يختبئ هناك متقمصاً شخصية حاخام يهودي
تفجير حافلة تقلّ جنوداً في سلاح الجو في القدس يوم 15 كانون أول 1994 ومنفذها أسامة راضي وهو شرطي فلسطيني وعضو سري في مجموعات القسام.
مقاتلان فلسطينيان من حركة الجهاد الإسلامي يفجران نفسيهما في محطة للعسكريين في منطقة بيت ليد قرب نتانيا يوم 22 كانون ثاني1995 ؛ مما أدّى إلى مقتل 23 جندياً وجرح 40 آخرين في هجوم وُصف أنه الأقوى من نوعه، وقالت المصادر العسكرية إن التحقيقات تؤكد بشكل قاطع إلى وجود بصمات المهندس يحيى عياش في تركيب العبوات الناسفة
مقاتل يفجّر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة ركاب يوم 24 تموز 1995 في رامات غان بالقرب من تل أبيب ؛ مما أدّى إلى مصرع 6 وجرح 33 آخرين
هجوم انتحاري (استشهاديّ) استهدف حافلة للركاب في حيّ رامات أشكول في مدينة القدس في 21 آب 1995 ؛ مما أسفر عن مقتل 5، وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح
مرحلة المطاردة
بدأ نجم عياش يسطع في العام 1993 بعد أن اكتشفت أجهزة الأمن الإسرائيلية أن ذاك الشاب هو مهندس العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، فشرعت بحملة مراقبة حثيثة ومداهمات يومية لبلدته ومنازل أقاربه وأصدقائه في محاولة لاعتقاله. ولكن بعد اشتداد حملة المطاردة التي تعرض لها في الضفة الغربية، قرر الانتقال إلى قطاع غزة للتمويه ولتدريب نشطاء كتائب القسام على صناعة المتفجرات
وعبر الجنرال جدعون عيزرا، نائب رئيس الشاباك السابق عن إعجابه بيحيى عياش ففي مقابلة مع صحيفة معاريف، قال الجنرال عيزرا: «إن نجاح يحيى عياش بالفرار والبقاء حولته إلى هاجس يسيطر على قادة أجهزة الأمن ويتحداهم. فقد أصبح رجال المخابرات يطاردونه وكأنه تحد شخصي لكل منهم، وقد عقدت اجتماعات لا عدد لها من أجل التخطيط لكيفية تصفيته... لقد كرهته، ولكني قدرت قدرته وكفاءته»
وقد عانت المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية من ضغوط شديدة، بعد أن تلقت ضربة معنوية قاسية نظراً لعدم تمكنها من متابعة تحركات المهندس وتنقلاته خصوصا بعد انتقال المهندس إلى قطاع غزة ثم انضمام زوجته وابنه إليه وزيارة والدته السرية للقطاع ولقائها بولدها هناك، بعيداً عن أنظار القوات والأجهزة الإسرائيلية التي كانت تتابع تحركات العائلة باستمرار وتنصب الكمائن، وعلى الرغم من خضوع جميع أفراد عائلة عياش وأهالي القرية للمراقبة المستمرة
وقد بيّن القادة العسكريون الصعوبات التي تواجههم في متابعة البحث عن المهندس، ففي مناسبتين متباعدتين زمنياً، يقول الميجر جنرال أمنون شاحك -رئيس هيئة الأركان العامة- والميجر جنرال ايلان بيران الذي كان يشغل قيادة المنطقة الوسطى ومن بينها الضفة الغربية بعدم معرفتهما بمكان إقامة يحيى عياش. ومن أروقة الكنيست، يصرح الجنرال شاحك أثر لقائه مع لجنة الخارجية والأمن بقوله: «الشاب يحيى عياش الملقب بالمهندس، أنا لا أعرف بالضبط أين هو؟!. نحن نبحث عنه منذ مدة طويلة… نحن نواصل البحث عنه حتى نقبض عليه» ويضيف شاحك: «إن قوات الجيش الإسرائيلي تبحث عنه في كل مكان، وعندما تعرف مكان تواجده فإنها ستصل إليه» وأما الجنرال بيران في مقابلة صحفية: «لزاما علينا العثور على المهندس ولم نتمكن من ذلك حتى الآن. نريد الاستمرار بمجهوداتنا والوصول إليه. وفقا لاعتقادي لا يتواجد في المنطقة الوسطى، هذا ليس سهلاً. الصعوبات كبيرة لكن يجب الاستمرار بالمحاولة»
وقد حمّل بيران الأجهزة الأمنية مسؤولية الفشل معتبراً أن هذه الأجهزة «أصبحت عاجزة تماماً أمام الأعمال والخطط التي يضعها عياش»، وبناء على ذلك ينصح بيران بقوله: «الآن يتوجب على أجهزة الأمن حماية نفسها من هجمات عياش الانتحارية، وعليهم أن يتوقعوا المزيد من العمليات»