عقدة “فتح” في سياق الصراع مع العدو الصهيوني.
حين تفتح هذا الملف، يخرج عليك أبناء الحركة متحدثين عن التاريخ، البعيد منه (أول الرصاص وأول الحجارة)، والقريب نسبيا، أعني دورها في انتفاضة الأقصى.
لو لم تكن “فتح” ذات تاريخ، لما كانت هناك حاجة للحديث عنها، وإلا، فلماذا لا نتحدث عن”“الجبهة الديمقراطية”، رغم أن “أمينها العام” المزمن ما زال يوزع التنظيرات هنا وهناك، ومعه آخرون؟!
كما أن الحديث عن “فتح” لا يتعلق فقط بكونها حزب السلطة الفلسطينية، أو سلطة “أوسلو” إذا أردنا دقة التعبير.
نتحدث عنها لأنها الحركة الموازية لحركة “حماس” من حيث الشعبية، ويكفي أن نلقي نظرة على انتخابات الجامعات حتى ندرك حقيقة هذه الثنائية في الساحة الفلسطينية، فضلا عن الانتخابات البرلمانية، كما تجلّت في المرة اليتيمة التي تنافست فيها الحركتان (كان الفرق بينهما وفق نظام القائمة عام 2006، 3% تقريبا، فيما تفوّقت “حماس” في الدوائر).
نتحدث في الأمر أيضا، لأننا ندرك أن توحّد “فتح” مع “حماس” في ميدان المقاومة، يعني قلب الطاولة في وجه الاحتلال، لا سيما أن العقدة الكبرى تبقى في الضفة الغربية، وفي مناطق 48، حيث يوجد جنود الاحتلال ومستوطنوه، وليس في قطاع غزة الذي خرج منه المحتل ومستوطنوه، رغم أن مشاركته “الصاروخية” تبقى قوية وفاعلة في المواجهة، مع ما تيسّر من اختراقات.
نتذكّر هنا ما جرى في انتفاضة الأقصى، وكيف أدى توحّد الحركتين إلى حالة تهديد وجودي للكيان لم يعرفها من قبل. وإذا قيل إن تلك المرحلة لم تفضِ إلى نتيجة، كما يروّج عباس ومن يشايعونه، فإن الحقيقة أنها أدت إلى الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة، وإن كان ضمن برنامج صهيوني لم ينجح. أما الأهم، فيتمثل في وضع عربي ودولي أسوأ من الوضع الراهن، بخاصة ما يتعلق بالأحادية الأمريكية، في ذات الوقت الذي يتمثل في موافقة بعض قادة “فتح” على التواطؤ مع الخارج، ضد الانتفاضة وضد ياسر عرفات، رحمه الله.
اليوم، هناك مرحلة مختلفة على كل الأصعدة (ضعف تماسك الكيان ذاته، الوضع الإقليمي والوضع الدولي، بجانب قوة الشعب الفلسطيني)، ما يعني أن الفرصة كبيرة جدا لتحقيق إنجاز تاريخي (مرحلي)، بدحر الاحتلال دون قيد أو شرط عن الأراضي المحتلة عام 67، وتفكيك المستوطنات، ولا يحول دون ذلك سوى موقف محمود عباس، والأهم من ذلك الشرعية التي تمنحها “فتح” له وللمسار الذي يتبناه.
وإذا قال بعضهم إن القدر قد يتدخل قريبا لصالح إبعاد محمود عباس عن المشهد، ولنتابع ما سيحدث بعد ذلك، فإن الإجابة هي أن انتظار ذلك لن يكون مجديا، لأن النتيجة ستكون قيادة من ذات اللون، وبمرجعية “فتحاوية” أيضا. أما الأفضل، فيتمثل في حراك داخلي فتحاوي يفرض
التغيير، بوجود عباس أو بغيابه، ويحيل أي خلافة بعده إلى لون آخر يتبنى مطالب الشعب الفلسطيني، ولا يكون استمرارا لذات النهج البائس.
لقد شاهد كوادر “فتح” كيف انحاز الشارع الفلسطيني إلى “حماس” خلال المعركة الأخيرة، بل إن اللافت أن بعض عناصر “فتح” نفسها لم يترددوا في الهتاف لقادة “حماس”؛ في وضع لم يحدث أبدا خلال المراحل السابقة بسبب الحساسيات الحزبية.
ما نتمناه، ويتمناه كل فلسطيني شريف ينتمي لقضيته، هو أن يبدأ كوادر “فتح”، وبعض الشرفاء في قادتها حراكا داخليا يدعو إلى مراجعة جدية لمرحلة عباس البائسة، وتأكيد الانحياز للشعب الفلسطيني وقواه في مسار الانتفاضة الشاملة القادرة على تحقيق الإنجاز.
لا يحتاج الأمر إلى تحليل فيزيائي، فنتائج مرحلة عباس ظاهرة للعيان، ولا يمكن المضي فيها، سواء بقي حيّا، أم تدخل القدر وجاء آخر أو آخرون في مناصبه؛ لا يبدو أنهم سيغيّرون في المسار إذا لم يشعروا أن كوادر الحركة ترفضه، لأنه يهدد شعبيتها، بل يدفن تاريخها كله