التطبيع الإماراتي مع إسرائيل يغضب القاهرة
ولكن الملف الذي بدا فيه تناقض المصالح بين مصر والإمارات فجاً هو ملف العلاقة مع إسرائيل وتحديداً المشاريع المشتركة بين أبوظبي وتل أبيب لمنافسة قناة السويس التي تعد مصدر دخل شديد الأهمية ولا بديل عنه للقاهرة، خاصة بعد الاستثمارات الباهظة والمثيرة للجدل التي صبها السيسي في مشروع قناة السويس الجديدة.
منذ خروج التطبيع الإماراتي مع إسرائيل للعلن، تقدم أبوظبي نفسها كحليف لتل أبيب، بل عراب للتطبيع بالعالم العربي وممثل لإسرائيل في هذه العملية.
وهو موقف لا تستطيع أن تنافسه مصر، بسبب ضعف إمكاناتها المادية ومكانتها التاريخية المعنوية التي تجعل دورها المفترض هو وسيط بين العرب وإسرائيل وليست نائبة عنها في المنطقة كما تفعل أبوظبي.
وجاءت تغطية الإعلام المصري "الرسمي" إزاء إعلان قرار التطبيع بين الإمارات وإسرائيل خافتة بشكل ملحوظ، ورأى البعض أن رد الفعل البارد تجاه القرار جاء بناء على توجيهات أمنية، فبدت القاهرة خائفة من أن تسحب الإمارات البساط من تحت أقدامها باتفاقها الأخير في علاقتها بإسرائيل، في وقت دأب فيه النظام المصري على تقديم نفسه كوسيط بين إسرائيل وبقية الدول العربية.
وظهر قلق النظام في تشهيره بلقاء المطرب والممثل الشعبي المصري محمد رمضان مع فنان إسرائيل في دبي.
وبالفعل رصد بعض المحللين الإسرائيليين القلق المصري من أن تفوز أبوظبي بمكانة متقدمة لدى تل أبيب أكثر من التي يحتلها نظام السيسي حالياً، وعبروا عن ذلك في أكثر من مناسبة.
"إلا قناة السويس"
ولكن يبدو التهديد الإماراتي في ملف العلاقة مع إسرائيل ثانوياً، بالمقارنة بالتهديد الذي تمثله محاولات الإمارات المساس بواحد من أهم الموارد المالية للدولة المصرية في الأعوام المئة الماضية، وهو الحديث الجاري عن مشروعات إماراتية للنقل عبر الموانئ وخطوط أنابيب إسرائيلية منافسة لقناة السويس.
وفي الربع الأخير من عام 2020، وقعت شركة "خطوط أوروبا- آسيا" الإسرائيلية، وشركة "إم إي دي- ريد لاند بريدج ليمتد" الإماراتية، مذكرة تفاهم للتعاون بمجال نقل النفط الخام بين دول الخليج، إضافة إلى مشروعات واتفاقات عدة بين الجانبين في الاتجاه ذاته.
وفقاً لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، العام الماضي، فإن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17% مع تشغيل خط "إيلات-عسقلان" بموجب اتفاق إماراتي إسرائيلي.
ولذا بلغ قلق القاهرة منتهاه من تناقض المصالح بين مصر والإمارات واضحاً، في هذا الملف.
وجاء نفي مصر، مؤخراً، "وجود أية تأثيرات سلبية قد تواجهها قناة السويس"، بسبب خطوط ملاحة إسرائيلية إماراتية مقترحة ستمتد بين البحر الأحمر والبحر المتوسط الواقعين جنوب الأراضي المحتلة وغربها، ليبرز هذا القلق.
اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في البيت الأبيض/رويترز
وأعقب ذلك زيارة وزير البترول المصري طارق الملا لإسرائيل، وهي أول زيارة لوزير مصري منذ فترة، والتقى خلالها مسؤولين إسرائيليين يتصدرهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس رؤوفين ريفلين.
وفي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، أعرب رئيس هيئة قناة السويس المصرية، أسامة ربيع، عن "قلق بلاده بشأن مشروع خط أنابيب إيلات-عسقلان بين الإمارات وإسرائيل"، كاشفاً أن "هيئة الأوراق المالية والسلع تجري حالياً دراسات لبحث سبل مواجهة المشروع الإسرائيلي الإماراتي الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%".
وكان تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي قد نقل عن الخبير الاقتصادي والعضو السابق في لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان المصري، بسنت فهمي، أن "أي تهديد لقناة السويس خطير للغاية على المصريين، وللأسف فإن الحكومة تعتمد فقط على ثلاثة مصادر لتأمين العملة الصعبة، وهي قناة السويس والتحويلات والسياحة".
وأضاف فهمي: "بعد أزمة فيروس كورونا وعودة عدد كبير من المصريين الذين عملوا في الخارج -فضلاً عن تراجع السياحة- أصبحت قناة السويس تقريباً المصدر الوحيد للدخل الأجنبي. وبالتالي، فإن الحديث عن أي منافسة إقليمية قد تؤثر عليها، سيثير بطبيعة الحال مخاوف وقلق بين المصريين".