الحرب العالمية الأولى ـ
انضمت الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى (1914
-1918) ، إلى ألمانيا والنمسا والمجر في مواجهة الحلفاء. وكانت تحكم فلسطين حكومة
عسكرية عثمانية. كانت الحرب قاسية على كل من السكان اليهود والعرب نظرا لتفشي
الكوليرا والحمى التيفية؛ إلا أنها كانت أكثر صعوبة بالنسبة لليهود. ولبعض الوقت، أمر
الحاكم العسكري التركي باعتقال وترحيل جميع الرعايا الأجانب. كان في فلسطين عدد كبير
من المواطنين اليهود الروس الذين تمكنوا من دخول فلسطين بصفتهم هذه بسبب الامتيازات
التي منحتها تركيا للروس. وقد استخدم اليهود هذه الطريقة للتغلب على القيود المفروضة
على الهجرة، وحافظوا أيضاً على الجنسية الروسية لتجنب تجنيدهم في الجيش التركي.
وهكذا، فإن عدداً كبيراً من اليهود أجبروا على الفرار من فلسطين أثناء الحرب. أسست
مجموعة صغيرة هي(NILI )(هذ اختصار للعبارة العبرية נצח ישראל לא ישקר التي تلفظ
بالانكليزية: Netzakh Yisrael Lo Yishaker وتعني: لن تسقط إسرائيل حتى الأزل.
المصدر: ويكيبيديا ) تعمل في الخفاء وتقدم معلومات استخباراتية إلى البريطانيين من أجل
تحرير الأرض من الحكم التركي. تمكن الأتراك في نهاية المطاف من القبض على بعض
أعضاء هذه الجماعة، ولكن يقال إن المعلومات التي قدموها ساعدت في نجاح الغزو
البريطاني.
خططت بريطانيا وفرنسا لاقتسام الممتلكات العثمانية في الشرق الأوسط فيما بينهما بعد
الحرب. ودعا اتفاق سايكس بيكو عام 1916 إلى إخضاع جزء من فلسطين للحكم البريطاني
وإخضاع جزء آخر منها للحلفاء، على أن تكون سورية ولبنان لفرنسا. غير أن بريطانيا
عرضت بعد الحرب دعم المطالب العربية في الاستقلال عن العثمانيين، وذلك مقابل الدعم
العربي للحلفاء. ويبدو أنها قد وعدت العرب بالأقاليم نفسها. في عام 1916 ثار العرب ضد
العثمانيين بقيادة ت. ي. لورانس وبدعم من الشريف حسين معتقدين أن بريطانيا ستساعد
على ترسيخ استقلال الدول العربية في الشرق الأوسط. لقد بالغ لورانس في أهمية الأعمال
البطولية التي قام بها في الحرب ضد تركيا كما بالغ في ذلك الخبير المقدام لويل توماس.
ضغطت الولايات المتحدة وغيرها من البلدان من أجل حق العرب في تقرير مصيرهم. ظن
العرب، ومثلهم كثيرون في الحكومة البريطانية بمن فيهم لورنس، أن ثمة تغييراً قد يطرأ على
الوعد البريطاني لفرنسا بالحصول على سورية، وكذلك فيما يتعلق بالوعد بفلسطين كوطن
لليهود. ادّعى العرب أن فلسطين تقع ضمن المنطقة التي وُعدوا بها، ولكن بريطانيا نفت ذلك.
الانتداب البريطاني على فلسطين
وعد بلفور ـ في تشرين الثاني / نوفمبر 1917 ، قدمت بريطانيا وعد بلفور، قبل أن تحتل
القدس والمنطقة المعروفة باسم فلسطين. كان هذا الوعد رسالة موجهة إلى اللورد روتشيلد
بناء على طلب من المنظمة الصهيونية في بريطانيا العظمى. أكد الإعلان على دعم بريطانيا
إنشاء "وطن" لليهود في فلسطين، دون انتهاك الحقوق المدنية والدينية القائمة لغير اليهود
الموجودين فيها. جاء الإعلان نتيجة ضغط من جانب حركة صهيونية بريطانية صغيرة،
وخاصة من جانب الدكتور حاييم وايزمن الذي هاجر من روسيا إلى بريطانيا؛ ولكن الدافع
إليها كان الاعتبارات الإستراتيجية البريطانية. ولعلها مفارقة أن يكون الدافع الأساسي
للإعلان هو اعتقاد مستوحى من معاداة السامية مفاده أن يهود العالم من شأنهم أن يهبوا
لمساعدة البريطانيين إذا ما أعلنوا عن وعد بإقامة وطن لليهود. وقد خشي البريطانيون أن
يسبقهم الألمان إلى إصدار هذا الوعد.
في مؤتمر باريس عام 1919، دافع ممثلو الصهاينة والعرب، كل عن قضيته، واجتمعوا معاً.
قدم الصهاينة خريطة المنطقة التي يطالبون بها من أجل الوطن القومي اليهودي. وتجدر
الإشارة إلى أن د. وايزمان والأمير فيصل توصلا إلى اتفاق بشأن دعم العرب إقامة وطن قومي
يهودي، ووقعا على هذا الاتفاق. كما أكد فيصل لممثل الصهاينة الأمريكيين، القاضي
فرانكفورتر، تأييده للقضية الصهيونية (انظر: مراسلات فيصل ـ فرانكفورتر). لكن فيصل
اشترط لهذا التأييد تلبية التطلعات العربية في سورية.
جرى توزيع الشطر الأكبر من الدولة العثمانية في مؤتمر باريس من خلال عصبة الأمم، وذلك
إلى مناطق انتداب توزعت على المنتصرين في الحرب. رأى البريطانيون والفرنسيون في
الانتداب وسيلة لتحقيق طموحات استعمارية. أكد الرئيس الأميركي ويلسون أن الانتداب يجب
أن يعزز الاستقلال في نهاية المطاف. كان البريطانيون حريصين على إبقاء فلسطين بعيدة عن
الفرنسيين؛ وقرروا أن يطالبوا بإقامة انتدابهم على الولاية التي من شأنها أن تقيم الوطن
القومي لليهود الذي نص عليه وعد بلفور، وهو المشروع الذي يمكن أن يحظى بدعم
أميركي. عارض العرب فكرة إنشاء "وطن" لليهود، بالنظر إلى أن المناطق التي تسمى الآن
فلسطين هي أرضهم. شعر العرب بأنهم مهددون بخطر الطرد من قبل الصهاينة، وبأنهم لا
يرغبون في العيش تحت حكم اليهود.
ضغط العرب على لجنة كينغ كرين الأمريكية لجهة ضم فلسطين إلى ولاية سورية، وشكلوا
بعد ذلك حركة وطنية لمقاومة شروط الانتداب. وبمبادرة من الرئيس الأميركي ويلسون تم
إرسال لجنة كنغ كرين للاستماع إلى آراء السكان. وقد أعرب عارف باشا الدجاني أمام لجنة
الاستماع عن أفكاره بشأن اليهود فقال: "يثبت ماضيهم وتاريخهم أن التعايش معهم مستحيل.
فهم غير مرغوبين في جميع البلدان التي يتواجدون فيها في الوقت الحاضر ،... لأنهم دائمًا
يأتون لامتصاص دماء الجميع.."
في ذلك الحين، كان الصهاينة قد أدركوا حتمية الصراع مع الفلسطينيين والعرب الآخرين. كان
ديفيد بن غوريون زعيم المجتمع اليهودي في فلسطين (الييشوب) (بالعبرية ישוב وتعني
المستوطنة) كلمة عبرية تستعمل للإشارة إلى السكان اليهود في فلسطين قبل تأسيس دولة
إسرائيل الحديثة). استخدمت الكلمة في ثمانينيات القرن التاسع عشر عندما كان عدد اليهود
في فلسطين خمسة وعشرين ألفًا تقريبًا، واستمر استخدامها حتى 1948 حيث بلغ عددهم
سبعمائة ألف، وتستعمل اليوم للإشارة إلى اليهود الذين سكنوا فلسطين قبل تأسيس دولة
إسرائيل في 1948 )، واستمر في ذلك حتى أصبح أول رئيس وزراء لإسرائيل. وقد ذكر أمام
اجتماع لمجلس إدارة ييشوب في عام 1919م: "لا يرى الجميع أنه لا يوجد حل لهذه
المسألة... نحن كأمة ، نريد لهذا البلد أن يكون لنا ، والعرب كأمة ، يريدون لهذا البلد أن يكون
لهم".
عرض الصهاينة وغيرهم قضيتهم على مؤتمر باريس للسلام. وفي نهاية المطاف، تم اعتماد
الخطة البريطانية. وكانت القضايا الرئيسية التي تم أخذها في الاعتبار هي تقسيم الحقوق
بين بريطانيا وفرنسا لا الاهتمام بوجهات نظر السكان.
https://www8.0zz0.com/2021/08/03/19/203899943.jpg" border="0" alt=""/>
في عام 1920 كان لبريطانيا انتداب مؤقت على فلسطين شمل غرب وشرق نهر الأردن. إن
منطقة الانتداب البريطاني (انظر الخارطة) التي أقرها مؤتمر سان ريمو أكبر بكثير من
فلسطين التاريخية التي يتصورها الصهاينة الذين أرادوا أن تكون حدودها الشرقية إلى الغرب
من عمان. تم الانتداب رسمياً، على أساس وعد بلفور، في عام1922 م. كان على البريطانيين
مساعدة اليهود في بناء وطن قومي وتشجيع إنشاء مؤسسات الحكم الذاتي. وقد ساعد
الانتداب على إنشاء وكالة، عرفت فيما بعد باسم "الوكالة اليهودية لفلسطين"، تمثل المصالح
اليهودية في فلسطين أمام بريطانيا وتشجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين. تأخر إنشاء الوكالة
اليهودية حتى عام 1929 بسبب الرغبة في إنشاء هيئة يتمثل فيها كل من الصهاينة واليهود
غير الصهاينة. وأصبحت الوكالة اليهودية في فلسطين هي الحكومة الفعلية للمجتمع اليهودي
من العديد من الجوانب.
كانت المنطقة الممنوحة للانتداب أكبر بكثير من المنطقة التي طلبها الصهاينة. ومن الممكن ،
كما افترض تشرشل في عام 1922 ، أن البريطانيين لم تكن لديهم النية مطلقاً في أن تصبح
كل هذه المساحة وطناً لليهود. وفي المقابل ، ثمة من يرى أنه لم يكن لدى بريطانيا خطط
خاصة تتعلق بشرقي الأردن في البداية. ، كتب ممثل بريطانيا في عمان السير أليك كيركرايد
في مذكراته "ما من نية في هذه المرحلة [1920] في تشكيل إقليم إلى الشرق من نهر الأردن
وتحويله إلى دولة عربية مستقلة". (كيركرايد، الكسندر، "أجمة من الشوك"، لندن، 1956،
ص 19).
بيد أن عبد الله ، نجل ملك الحجاز حسين ، سار من الحجاز مع ألفي جندي إلى شرقي الأردن.
وأعلن عزمه على المضي إلى دمشق وإجلاء الفرنسيين وإعادة الحكم الملكي الهاشمي. وكان
لدى السير أليك كيركبرايد 50 شرطياً فطلب توجيهات المندوب السامي البريطاني هربرت
صموئيل. ردّ صموئيل في نهاية الأمر أنه من غير المستحب أن يدخل عبد الله المناطق
الخاضعة للسيطرة البريطانية. بعد ذلك بيومين سار عبد الله من الشمال. وبحلول آذار / مارس
1921 ، احتل البلاد كلها. لم يقم عبد الله بأية محاولة للسير إلى دمشق، ولعله ما كان ينوي
فعل ذلك.
https://www8.0zz0.com/2021/08/03/19/263914798.jpg" border="0" alt=""/>
في عام 1922 أعلنت بريطانيا أن حدود فلسطين ستقتصر على المنطقة الواقعة إلى الغرب من
النهر. وسميت المنطقة الشرقية من النهر، شرقي الأردن (الأردن حالياً). وكانت منطقة
انتداب بريطانية مستقلة ما لبثت أن منحت الاستقلال (انظر الخارطة). شعر جزء من الحركة
الصهيونية ، بالخيانة لفقدان مساحة واسعة مما أسموه "فلسطين التاريخية"، وهي الضفة
الشرقية لنهر الأردن. وانشقت مجموعة لتشكيل حركة "المراجعة" برئاسة بنيامين فلاديمير
(زئيف) جابوتنسكي.
أمل البريطانيون في إنشاء مؤسسات الحكم الذاتي في فلسطين وفقاً لما يقتضيه الانتداب. تم
تنبيه اليهود للآفاق التي يمكن أن تنشأ عن مثل هذه المؤسسات التي ستضم أغلبية عربية.
ومع ذلك ، فإن العرب لم يكونوا ليقبلوا مقترحات بإنشاء هذه المؤسسات إن كانت تضم أي
يهودي على الإطلاق، ولذلك لم تقم تلك المؤسسات. أراد العرب أقل تعامل ممكن مع اليهود
ومع الانتداب فلم يشاركوا في المجالس البلدية ولا حتى في الوكالة العربية التى أرادت
بريطانيا إقامتها. وخلص أورسي غور وزير المستعمرات البريطاني إلى أن "فلسطين
مسكونة بعدد غير معقول من السكان"
أعمال الشغب العربية والهجرة اليهودية ـ في ربيع عام 1920، ثم في ربيع 1921 وصيف
1929، واجه القوميون العرب وعد بلفور والانتداب والوطن القومي اليهودي، وحرضوا على
أعمال الشغب وعلى مذابح لليهود في القدس والخليل ويافا وحيفا. أدى هذا العنف إلى تكوين
منظمة الهاغانا اليهودية للدفاع عن النفس في عام 1920. تعكس أعمال الشغب التي وقعت
عام 1920 وعام 1921 معارضةً لوعد بلفور ومخاوف من أن السكان العرب في فلسطين
سيجردون من أراضيهم. ولعلها كانت محاولة لجعل البريطانيين يرون أنهم لا يستطيعون حكم
فلسطين إذا ما جرى اعتبارها وطناً لليهود. كان أهم المحرضين الحاج أمين الحسيني الذي
صار مفتي القدس في وقت لاحق، والذي تعاون مع النازيين في نهاية المطاف، وكذلك عارف
العارف، وهو صحفي فلسطيني بارز. وفي عام 1929 وقعت أعمال شغب على خلفية العداء
القومي بين اليهود والعرب. أوضح العرب أن الهجرة اليهودية وشراء الأراضي يشردان العرب
ويجردانهم من فلسطين. ومع ذلك، فإن المؤشرات الاقتصادية والسكانية وغيرها تشير
بموضوعية إلى أن السكان العرب في فلسطين قد استفادوا من الانتداب ومن الاستثمارات
الصهيونية. كان تحسن مستوى المعيشة في فلسطين أسرع مما هو عليه في غيرها من
المناطق. وازداد عدد السكان بشكل هائل أثناء فترة الانتداب. كما كانت الشائعات الكاذبة بأن
اليهود عقدوا النية على بناء كنيس في حائط المبكى أو على الاعتداء على سيطرة المسلمين
على جبل الهيكل، بما في ذلك المسجد الأقصى، تغذي أعمال الشغب. وقد أدت المذابح إلى
إجلاء غالبية أبناء الجالية اليهودية في الخليل.. وردّت بريطانيا بكتاب باسفيلد الأبيض الذي
كان محاولة لوقف الهجرة إلى فلسطين على أساس توصيات تقرير هوب سمبسون. ذكر
التقرير أنه في أفضل الأحوال، وحتى لو جرت تنمية اقتصادية شاملة، لا يمكن أن تستوعب
الأرض أكثر من 20000 أسرة مهاجرة أخرى. كما أن من شأن مزيد من الهجرة اليهودية أن
يمثل اعتداءً على وجود السكان العرب. بيد أن أعضاء البرلمان البريطاني والحركة
الصهيونية انتقدوا السياسة الجديدة بحدة، وأوضح رئيس الوزراء رامسي ماكدونالد أن
الهجرة اليهودية لن تتوقف.
تضخمت الهجرة اليهودية في ثلاثينيات القرن العشرين بسبب الاضطهاد في أوروبا الشرقية،
حتى قبل صعود النازية. بدأت أعداد كبيرة من اليهود تفد من بولندا بسبب القوانين التمييزية
والظروف الاقتصادية الصعبة. ثم رفد صعود هتلر في ألمانيا هذا المد من الهجرة. قامت
الوكالة اليهودية بتوقيع اتفاق هسدر الذي سمح لليهود بالهرب من ألمانيا إلى فلسطين مقابل
العملات الصعبة التي يحتاجها الرايخ. وهكذا أنقذ اتفاق هسدر عشرات الآلاف من الأرواح.