القائد الذي لا ينحني لسلطان
كان يخاطب السلطان باسمه ولا ينحني له ولا يقبل يده بل يصافحه مصافحة، وأنه كان لا
يأتي إلى السلطان إلا إذا أرسل إليه وكان يقول له مطعمك حرام وملبسك حرام فعليك بالاحتياط
#سيرة_قائد || المعلم الأول : المُلا كوراني ..
من المفارقات العجيبة أن بطلنا محمد الثاني خلال فترة تنشئته كان مشاكسًا يرفض الأنصياع
لأوامر معلميه، وقد عهد السلطان مراد الثاني إلى كوكبة من المربين والعلماء الأفاضل بتربية
الأمير الصغير على القيم الإسلامية والمعاني الجهادية، وعندما لاحظ أبوه أن محمداً به ميل
للترف واللهو وأنه لا يستجيب لمعلميه، سأل عن معلم ومربٍ حازم يستطيع أن يسيطر على
الفتي محمد، فأشاروا عليه بالشيخ الجليل كردي الأصل "أحمد بن إسماعيل الكوراني".
وقد تأثَّرالسلطان محمد
#الفاتح بأفكاره كثيرًا ، واشتهر عن كوراني أنه كان يقرع السلطان في
صغره لتهذيبه، فختم الصغير القرآن في مدة يسيرة على يده ثم علمه العلوم الإسلامية وقرأ
عليه كتب التاريخ. وكان الگوراني يُشدد على تلميذه مُحمَّد في صغره بلزوم وضرورة فتح
عاصمة الروم وأنه لشرف كبير أن يكون هو الأمير المقصود في البشارة النبوية. ولما تولى
السلطان محمد خان العرش أكرمه غاية الإكرام وقلده منصب الفتوى ثم قضاء العسكر وغيره.
وكان الكوراني يحيي الليل كله بقراءة القرآن وأنشأ بإسطنبول جامعاً ما زال باقيا ومدرسة
سماها دار الحديث وعمرّ الدور وانتشر علمه فأخذ عليه الأكابر.
عرض عليه السلطان محمد الفاتح الوزارة فلم يقبلها، ومن مناقبه أنه أتاه مرة مرسوم من
السلطان فيه مخالفة للوجه الشرعي فمزقه، كما كان يخاطب السلطان باسمه ولا ينحني له
ولا يقبل يده بل يصافحه مصافحة، وأنه كان لا يأتي إلى السلطان إلا إذا أرسل إليه وكان يقول
له مطعمك حرام وملبسك حرام فعليك بالاحتياط، وله أعمال ومصنفات منها غاية الأماني في
تفسير الكلام الرباني وهو كتاب في تفسير القرآن الكريم، والكوثر الجاري في رياض البخاري
وأجاد فيه شرح أحاديث البخاري في عدة مجلدات، والدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع، و
شرح الكافية لابن الحاجب في النحو، والشافية في علم العروض والقافية وهو كتاب أشعار
يتضمن ستمائة بيت، ولوامع الغرر شرح فرائد الدرر.
توفي رحمه الله وجزاه عن أمة المسلمين خير الجزاء عام 892هـ / 1488م في عصر السلطان
بايزيد الثاني.