شهيداً أو نخيلاً
قد يظن البعض من خلال العنوان اننا ضد الحياة!! لقد بين الله تعالى لنا المنهج فقال: “ولا تنس نصيبك من الدنيا”، وبين الرسول صل الله عليه وسلم لنا الأمر فقال: “إن لبدنك عليك حقا” ولأهلك عليك حقاً ولجسدك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه”، فنحن لسنا ضد الحياة ولكننا استراتيجيو النظرة حيث تقف أمامنا حقيقة لا ينكرها حتى الملحد وهي “الموت”.
وهنا يأتي التوجيه الإسلامي بأن يرجح المسلم آخرته على دنياه الزائلة، فالموت حتم على كل نفس كما قال تعالى: “كل نفس ذائقة الموت”، و”كل” من ألفاظ العموم حيث يموت الأغنياء والفقراء، الرجال والنساء، الكبار والصغار، الأصحاء والمرضى، الحكام والمحكومون، المسلمون وغير المسلمين.
وما دام الأمر كذلك فلم لا يكون موتاً مشرفاً؟ الموت المشرف هو موت الشهداء حيث يُقبلون على الموت بشجاعة وإقدام، ولم لا وهم يعتقدون أن كل أحد له أجل محدد. وكما قال الشهيد سيد قطب “إن الناس جميعا” يموتون ولكنهم لا يستطيعوا أن يكونوا كلهم شهداء “لأن الشهيد يختاره الله كما قال تعالى: “ويتخذ منكم شهداء”، ولما كانت الشهادة اصطفاء إلاهياً فإن الشهيد يكون مع النبيين حيث أن الله اصطفى الشهداء كما اصطفى الأنبياء. وتكريماً لهذا الشهيد قال صل الله عليه وسلم: “للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفقة من دمه،ويتزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا ما فيها، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه، ويأمن من الفزع الأكبر، ويجار من فتنة القبر”، ولهذا يتسابق المؤمنون لنيل هذه المرتبة ويتمنونها، وهذا يعني الإقدام والشجاعة والبطولة.
ثمة موت آخر يعتبر موتاً مشرفاً وهو موت العزة والكرامة والرأس المرفوع وهو ما عبر عنه المرحوم الشاعر المهندس غازي الجمل في قصيدته الجميلة يوم دعانا لنكون فوق النخيل نخيلاً، ولنكون نحن المآذن إن هدموا المآذن فوقنا، حيث قال:
إن يحرقوا كل النخيل بساحنا
سنظل من فوق النخيل نخيلا
إن يهدموا كل المآذن فوقنا
نحن المآذن فاسمع التهليلا
نحن الذين اذا ولدنا بكرة
كنا على ظهر الخيول أصيلا
فالنخيل يموت واقفاً والمؤمن الشجاع هو الذي يموت واقفاً مرفوع الرأس فقد تعود أن يسجد ويركع لله، ولهذا لا يركع ولا يسجد لغير الله فهو كما قال محمد أحمد الراشد المُنظر الدعوي واصفاً المؤمن بأنه ( العبد الحر) عبد لله أي لا لغيره.
حضنا النبي صل الله عليه وسلم على تمني الشهادة: “من سأل اللهَ الشهادة من قلبه بلغه اللهُ منازل الشهداء ولو مات على فراشه”، فإن لم تكن شهادة فلتكن ميتة نخيل فهي ميتة عز وشموخ ولهذا أدعو الله بحسن الختام شهادة أو نخيلاً.