“العملاء” عين إسرائيل الثالثة التي تشعر الفلسطينيين بالضعف والخوف
لا تحضر أحاديث البطولة وتمجيد المقاومين الفلسطينيين إلا ويحضر معها أحاديث الجواسيس والعملاء الذين يعتبرون ويشكلون “عينا ثالثة” لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومع تكشف المزيد من المعلومات حول حادثة اعتقال آخر أسيرين من مجموعة عملية “نفق جلبوع” تتزايد حالة الغضب والحنق على ظاهرة العملاء أو الجواسيس الذين يعتبرون عينا ثالثة للاحتلال الإسرائيلي في المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية التي تمنح الاحتلال ما يعرف بـ”المعلومة الذهبية” التي تمكن قوات الاحتلال من القضاء على الخصوم أو اعتقال المقاومين، وهو ما حدث عند اعتقال الأسيرين المحررين المعاد اعتقالهما مناضل انفيعات وأيهم كممجي.
صحيح أن الضفة الغربية تعتبر من أكثر المناطق المغطاة استخباراتيا، أدوات هذه التغطية كثيرة من ضمنها شبكة الاتصالات الأرضية والخليوية، وشبكة الإنترنت، وشبكة واسعة من كاميرات المراقبة مختلفة الأنواع وأماكن التوزيع الجغرافي وكلها تسيطر عليها سلطات الاحتلال وتتحكم بها، لكن ما يتمم هذه التغطية القائمة على التكنولوجيا الحديثة هو شبكة غير معروفة العدد من العملاء الفلسطينيين النشيطين الذين يقدمون معلومات ميدانية للشاباك الإسرائيلي.
ويشكل العملاء مصدر خوف للفلسطينيين، فالعملاء ينخرطون في الحياة مع الفلسطينيين الذين يعجزون عمليا عن التمييز بينهم وبين الإنسان الوطني.
وكانت مخاوف الفلسطينيين في مدينة جنين قد تصاعدت مع تنامي الافتراضات لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن الأسيرين مناضل انفعيات وأيهم كممجي نجحا في الوصول إلى الضفة وتحديدا في مدينة جنين.
وهو ما جعل نشطاء وفلسطينيين كثرا ينبهون لخطورة ملف العملاء الذي لم يحسم فلسطينيا وبقي جرحا غائرا ولا سيما وأن اتفاقات أوسلو الموقعة عام 1993 منحتهم ما يشبه العفو وكبلت يد السلطة الفلسطينية في التعامل معهم.
أشرب من دمه
وخلال مسيرات دعم عائلات الأسرى الذين انتزعوا حريتهم طالب الأسير المحرر خضر عدنان الجماهير الغفيرة التي احتشدت في ساحة ميدان عائلة محمود العارضة (الذي كان أبرز الهاربين والعقل المدبر لعملية النفق) إلى الحذر من العملاء الذين يراقبون منازل وأصدقاء وعائلات وأقارب الأسرى الستة.
وطالب في كلمات حماسية في أكثر من وقفة جماهيرية بالحذر من هؤلاء العملاء الذين يقدمون خدمات كبيرة جدا للاحتلال.
أما والدة الأسير محمد العارضة فقالت في مقابلة صحافية إنها شعرت باليأس منذ أول يوم جاء ضابط المخابرات الإسرائيلي فيها على منزلها وتحديدا عندما رأت “العميل الفلسطيني” على باب منزلها.
وتابعت بحسرة: “منظر العميل مغطى الوجه جعلني أفقد الإيمان بكل واحد عربي، ابني هارب من السجن ومطارد في السهول والجبال، وبقية أولادي معتقلون لدى الجيش الإسرائيلي، والعميل يمشي مع الجنود في ساحة منزلي بأمان يرشدهم على المكان”.
وأضافت بحسرة وحقد شديدين: “والله لو أتمكن من معرفته إلا أشرب من دمه”.
شعور ورغبة والدة الأسير محمد عارضة تشبه تماما حال أمهات الأسرى جميعهم، وهو شعور امتد لبقية المجتمع الفلسطيني الذي ذاق الأمرين من ظاهرة العملاء الذين يلعبون أدوارا أمنية كبيرة في خدمة الاحتلال وبالتالي في تحطيم الروح المعنوية الفلسطينية والحالة النضالية أيضا.
عاجزين مرتبكين
وكان المسؤول السابق في الشاباك ليؤر اكرمان قال في تصريحات صحافية إن “البحث انتقل إلى مرحلة جمع المعلومات، وهي مرحلة تعتمد على معلومات تجمعها المصادر التابعة للشاباك على الأرض (أي من العملاء)”.
في دراسة للباحث أحمد خضير حول ظاهرة العملاء أشارت الدراسة إلى أن الاحتلال نجح بما يملكه من خبرات طويلة ومتراكمة، اكتسبها طول عمره الاحتلالي، في إسقاط عدد من الفلسطينيين وجعلهم عملاء وجواسيس يعملون لحسابه، بعد معرفة نقاط ضعفهم، ومستغلا احتكاكهم الحتمي واليومي به.
وأشارت دراسة خضر أن “الفلسطينيين وقفوا مرتبكين وعاجزين عن مقاومة هذه الظاهرة، إلا في حالات نادرة وموسمية، لم تكن في إطار خطة متكاملة ورؤية محددة، وهو ما أدى إلى تفاقمها”.
خضر الذي نال عليها درجة الماجستير في التنمية السياسية من جامعة النجاح الوطنية قال إن العملاء إلى جانب أنهم مزقوا نسيج الفلسطينيين السياسي فقد أعاقوا استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه التاريخية.
وعن أعداد الجواسيس قالت الدراسة إنه ليس من السهولة تحديد ذلك، معتبرا أن “أعدادهم تزداد كل يوم حيث لم تتوقف مخابرات الاحتلال عن الإيقاع بأبناء الشعب الفلسطيني وإسقاطهم”.
وكانت صحيفة أسترالية قد ذكرت قبل أعوام عبر تصريحات مصادر أمنية إسرائيلية أن لدى الجيش الإسرائيلي نحو (20) ألف جاسوس فلسطيني مدفوع الأجر، يعملون كمخبرين لصالح إسرائيل في الضفة الغربية وحدها وهو ما لا يمكن التأكد من صحته لكنه طرح مسألة انتشار هؤلاء وماذا يمكن أن يوفروا من معلومات أمنية للجهات الإسرائيلية.
عين ثالثة
بدوره كان مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت قد أصدر عام 2016 كتابا حمل عنوان “العملاء والجواسيس الفلسطينيون: عين إسرائيل الثالثة”، وهو يتناول محاولات الاحتلال الإسرائيلي لاختراق المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال زرع العملاء وتجنيدهم.
اعتبر الكتاب الذي ألفه الباحث محمد البيتاوي ويقع في 200 صفحة أن العملاء يعتبرون بمثابة أكثر أدوات الاحتلال فاعلية في الوصول للقيادات والكوادر السياسية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية، سواء بالاغتيال أم الاعتقال، وفي جمع المعلومات التي يعتمد عليها في حربه ضدّ الفلسطينيين، كانتزاع الاعترافات من الأسرى أو كشف عمليات المقاومة، أو حتى الحصول على التفاصيل الميدانية التي يحتاجها خلال أي عدوان أو عملية عسكرية.
ويؤكد الكتاب على أن ضعف الوعي الأمني لدى الفلسطينيين بصورة عامة، وهشاشة البناء التنظيمي للفصائل، أسباب إيجاد ثغرة تُتيح للاحتلال النفاذ عبرها، مشيراً إلى وجود عدد من المظاهر والسلوكيات السلبية التي تمارسها نسبة كبيرة من الأفراد نتيجة لضعف الوعي الأمني؛ أبرزها الثرثرة، والفضول، والتدخل في أمور الغير، والميل للتفاخر، وحبّ الظهور، والاستعراض، والمباهاة، والثقة المفرطة بالآخرين.
انكشاف التنظيمات
ويعتبر الكتاب أن انكشاف التنظيمات والكوادر العاملة من خلال المهرجانات المختلفة، والانتخابات الداخلية العلنية، وسهولة الانضمام إليها دون انتقاء أو اختبار لخلفية المنتسبين الجدد، وهلامية الخلايا العسكرية وتشعبها، وكثرة أعداد عناصرها ومعرفة بعضهم البعض أسباب عمقت أثرهم مجتمعيا وسياسيا وأمنيا.
طريقة العمل الفردية
وبحسب ما نشر على موقع “المجد الأمني” المتخصص بالحماية الأمنية الفلسطينية من الشاباك الإسرائيلي فإن الاحتلال الصهيوني خلال أكثر من 60 عاماً استطاع تجنيد العديد من العملاء في إطار الصراع الفلسطيني الصهيوني، واختلفت أعداد العملاء ومهماتهم باختلاف الزمان والمكان والهدف من تجنيدهم والمهام التي سيكلفون بها.
وحاولت نشرة الموقع الرد على سؤال: “كيف تتواصل المخابرات الصهيونية مع العملاء، وهل هم عبارة عن شبكات؟ أم تتواصل مع كل عميل بشكل منفرد؟”.
وأشار الموقع إلى أنه منذ سنوات والمخابرات الصهيونية تعتمد على النظام الفردي مع العميل، بمعنى أن ضابط المخابرات الصهيوني يتواصل مع العميل بشكل مباشر، وليس عن طريق عميل آخر، النظام الفردي يعني أن العملاء لا يعرفون بعضهم، بمعنى أن العميل لا يعرف باقي العملاء بتاتاً، والمخابرات الصهيونية تحرص على ذلك.
وأكد الموقع في نشرته أن المخابرات الصهيونية تقسم المحافظات الفلسطينية إلى عدة أقسام، وكل قسم منها له ضباط ومساعدون، بحيث يتواصل كل ضابط مع عملاء المنطقة المخصصة له، بمعنى أن كل ضابط يتعامل مع عدد من العملاء يتواصل معهم بشكل مباشر دون وسيط أو عميل آخر.
معركة متناقضة
بالنسبة لقوات الاحتلال وعقله الأمني، بحسب عاموس هارئيل، محلل هآرتس العسكري فإن الشاباك الإسرائيلي يبحث عن طرف خيط، يمنحه المعلومة التي تقوده لصيده الذهبي.
وهو ما تحقق قبل يومين في مدينة جنين، فبحسب تصريحات المفتش يعقوب شبتاي في قاعدة وحدة اليمام خلال لقائه مع الجنود الذين شاركوا في العملية العسكرية في جنين، فقد كانوا منذ عدة أيام يعرفون أن الأسيرين في منطقة جنين، حيث وصلتهم المعلومة مساء الأحد من جهاز الأمن العام التي يطلقون عليها “المعلومة الذهبية” وهي التي أدت إلى مخبأ الأسيرين.
أما المعركة والنصر بالنسبة للفلسطيني فهي مختلفة تماما، فالانتصار يكون باحتضان المجتمع لمن انتزع حريته، وعدم الغدر به من خلال منظومة العملاء غير المرئية للفلسطينيين، وهو ما لم يتحقق هذه المرة أسوة بمرات لا تعد ولا تحصى، فأمام مشهد البطولة الفردية التي قدمها الأسرى الستة وهو مشهد يفيض بالمجد والعظمة أصبح السؤال الملح هو: كيف يحافظ الفلسطيني على إنجازه الذي منحه العزة والكبرياء؟ فالأمر لا يتوقف على الدعاء والرغبات والأمنيات.
وقال مواطن من مخيم جنين متحدثا لـ”القدس العربي”: “الأولى تطهير ذاتنا من جوا قبل مقاومة إسرائيل، أما الأسرى فنقول لهم الكم الله، غير الله ما في” وهي جملة تدلل على مقدار تراجع الثقة في المجتمع الفلسطيني وتنامي مشاعر الخوف الداخلي