الصراع الحضاري الدولي بين الإسلام والقيم الليبرالية ومركزية المملكة العربية السعودية
د. جمال الهاشمي
أدرك الرئيس الأمريكي جو بايدن أن نهاية التاريخ ليست بداية أمريكا وإنما هي نهاية القطبية والديمقراطية الأمريكية الأحادية، فما كتب عنه الفيلسوف فوكوياما الياباني البروتستاني إنما هي كتابة أصولية بروتستانتية على أصولية الثقافة اليابانية العرقية؛ فالمسيحية البروتستانتية تلتقي مع الشنتوية في كثير من الكوامن الخفية لمفهوم الطبيعة المساعدة، ونظرا لعمق التأثير الثقافي الياباني على الكاتب الديني والذي كان له مكانة ضمن تنظيرات الجنس الأوربي الأرقى خلافا للجنس الصيني الأصفر ذو الذيل الطويل.
إذ كانت التكنولوجيا اليابانية المتقدمة وليس التاريخ أو الثقافة هي التي جعلت من الجنس الياباني جنسا مقاربا للرقي الأوربي أو وسيط عنه في نظر أكثر الساسة العرقيين الأكثر تشددا.
وسواء كان اليابانيون مساو للجنس الأوربي أو تابعا له، فإن الصراع على رقي العرق والجنس والإثنية خلال الحربين العالميتين تمركز بين خمس ثقافات عرقية إثنية(بريطانيا، فرنسا، أمريكا، ألمانيا، إيطاليا) كل جنس منه يرى رقيه الأعلى الآخر وبالغت الفاشاشستية والنازية ولكل قومية من هذه القوميات مصادره التاريخية أما أمريكا وبريطانيا فإن تاريخهم ارتبط بالمقدس العرقي للقبيلة الإسرائيلة المفقودة، وخلطت فرنسا بين عرقية التاريخ وشرعية المقدس.
هذه الموجة تتصاعد في ظواهر مجتمعية وتتشكل في تجمعات لم تعد ترتبط بمفهوم الأنسنة والأخلاق ، وإن أظهرت السلطات السياسية ذلك، فالواقع المجتمعي كقوة فاعلة في العالم الغربي يتجه نحو القومية بمعناه العرقي والمقدس، والمتغيرات تشير إلى ذلك لأسباب تتعلق بالتهميش وأسباب تتعلق بالهجرة، والمتعمق المستكشف للظواهر يدرك حجم الجهويات العرقية الجديدة داخل المجتمعات الغربية، وما يحجمها عن الظهور وتحويلها إلى حركة أوظاهرة متحركة تلك المؤسسات القانونية والعدلية والحقوقية ومحاكم التمييز التي حلت بديلا عن محاكم التفتيش.
وتعتبر الهجرة من أهم أسباب الأزمات المجتمعية، وليست الهجرة الداخلية داخل العالم الأوربي بل الهجرة المتعلقة بالأخضر الإسلامي الذي بدأ أكثر تهديدا للهوية الأوربية وأكثر انفصالا عن هويته الإسلامية، وهذه التشكيلة الجديدة هي أوجدت تهديدا مزودج للحضارتين معا، لأن قوى الإكراه الناعم، وقوى التمسك التقليدي يخلق تصرفات تتناقض بين قيم الأخلاق والدين والقيم الإنسانية، فالقيم المادية تنسجم مع الأخلاق والثقافات وربما القيم التي تسعى لتنميتها.
ولا نشك أن الزكوات والصدقات وفريضة المؤلفة قلوبهم من أهم أسباب تحقيق الأمن وتوسيع رقعة القيم الدينية، وإن كانت قد مارستها بعض الأحزاب في سياقات تنظيماتها لتوسيع شعبيتها الجغرافية، إلا أن الغرب أكثر قدرة تنظيمية في ذلك.
فهو يمنح الدنيا للمخالف وفق عقلانيته التنظيمية ويمنحه الحرية في التعبير والنقد بمحدد القاعدة “لا ضرر ولا ضرار ولا يدخل الضرر في حرية نقد الدين لأن مسألة الدين في نظر العلمانية الإنسانية مسألة تاريخية وعقدة استبداد في الفكر الفرنسي-الروسي بينما هو عقدة صراع مع الآخر في التاريخ الأمريكي – البريطاني.
ولكل ثقافة خصوصيتها وتختلف الاستراتتيجيات بناء على الخلفية التاريخية لهذا نجد السياسة بين فرنسا وبقية دول أوروبا براجماتية لأن السياسة العقلانية من أهم أدوات الفعل السياسي القومي للدول الأوربية واستعمال القوة خارج نطاق القانون منبوذة لدى المؤسسات القيادية، وإن كانت الثقافة المجتمعية تؤمن باسطورة المحاربين، لكنها تبقى من الظواهر الكامنة التي تبحث عن قيادة، وهذه القيادة يعبر عنها اليمين المتطرف، وله هندسته الناعمة لاعتقاده أن القوة المجتمعية لا تكفي وإنما يحتاج إلى قوتين أساسيتين أولاهما القوة السياسية التي تمنحه النفوذ والمكانة وتغذيه بالاتباع المخلصين، والقوة الاقتصادية التي تمنحه القدرة على الانفاق لتنمية مشاريعه القومية، والقوة العسكرية التي تحافظ على هذه المنجزات وتدافع عنها.
فالفكرة الناعمة في إطار الديمقراطية تركز خطاب اليمين على قضايا الوحدة الوطنية وحماية الخصوصية والثقافة القومية ومحاربة التأثيرات الخارجية التي تنساب مع تدفقات الهجرة، ومما يميز هذه الاستراتيجية في أنها لا تسعى إلى تمزيق الدولة جهويا وإنما توحيد هذه الجهويات الجغرافية لمواجهة عدوا مشتركا.
على العكس من ذلك نجد الخطاب العقائدي والقومي في الدول العربية يتجه نحو تفكيك المجتمع عبر خلق مفاهيم تعمق الفجوة المجتمعية وعدم الثقة كالطابور الخامس والعملاء والسلطة العميلة وأعداء الداخل والخونة والمعتقدات الضالة والزنادقة والكفرة والمبتدعة.
هذه المفاهيم ليست موجودة داخل المجتمعات الغربية بل ويعد التفوه بها جريمة وليس من خصوصية المجتمع أو أي شخصية مؤسسية أو اجتماعية الحديث عنها، لأن ذلك كله من خصوصية المؤسسات العدلية.
لهذا من السهل جدا تدمير المجتمعات العربية ذاتيا لأن الخلفية التربوية والتنظيمية والمعتقدية قائمة على الثقافة الصراعية.
استطاع ما يزال الغرب يلعب على وتيرة الخلاف – الثقافي الأسيوي- الافريقي بين تايوان والصين واليابان، رغم علاقة القربى التاريخية والعرقية ووتيرة الصراع الجغرافي بين المغرب والجزائر، والقحطانية والعدانية، واليمن الجنوبي ويمن الشمال في جزيرة العرب رغم علاقة القربى الدينية والعرقية والتاريخية، ووتيرة الصراع العراق العقائدي – المذهبي بين الصوفية والشيعة والسنة والأشعرية، والصراع القومي داخل الإسلام بين الفرس والترك والعرب.
هذه التناقضات ليست أزمة بذاتها وإنما هي أزمة سياسية ومؤسسية وقانونية، أزمة خلقتها النظم السياسية نظريا لتغييبها المعايير المؤسسية العادلة وغياب القوانين المحددة للوظيفة السياسية.
لأن غياب هذه المعايير العدلية داخل المجتمع تخلق الصراع والخيانة والعمالة وثقافة العنف والانتحار، وما التجمعات العقائدية أو الحزبية إلا لدفع الظلم أو الاستفادة في إطار جماعة لا يمكن للفرد وحده مطلقا أن يحقق ذاته إلا بهذه التحيزات.
بينما في العالم الغربي يستطيع الفرد تحقيق مكانته الفردية خارج هذه التحيزات لأن القوانين هي التي تحافظ على نجاحه وتمنحه فرصة تحقيق الذات.
الصراع داخل الذات هو تفكيك للحضارة والقيم والوحدة الوطنية. أما الصراع مع الآخرف فإنه يوحد الجبهة الداخلية ضد عدو حقيقي أو عدو متخيل.
وهنا تأتي دور الحضارة في مقابل الحضارة أمام استلاب الفعل العربي لتشكيل الحضارة.
كان صموئيل هنتجتون أقرب إلى الواقعية في حديثه عن صراع الحضارات إنطلاقا من مرجعيته اليهودية وهي مرجعية عرقية، وإن تحول اليهود إلى المسيحية كما فعل ذلك دزرئيلي اليهودي مهندس النظريات الاستعمارية ومهندس بناء الدولة اليهودية في إسرائيل.
ويعزو ذلك إلى اختلاف المرجعيات الثقافية لكليهما، فالمنظر الياباني متأثر بالثقافة اليابانية والشنتوية كثقافة عرقية رغم تحوله إلى المسيحية.
أما الثاني فكان أمريكيا يهوديا وأقرب الى التاريخية الماضوية، وتاريخية تجديد الماضي بإحياء الحدود الدموية مع العالم الإسلامي لحماية إسرائيل المنبوذة عرقيا وثقافيا ودنيا في منطقة الكراهية المقدسة. المنظر الذي كرس وقته لدراسة العلاقة بين المدنية والعسكر، ونهاية الدول القطرية كلاعب أساسي عالمي لصالح صعود الحضارات، ويعد هو الوحيد الذي اعتبر المجتمع محددا للنظام السياسي في عالم متغير.
كان المهدي المنجرة هو المفكر العربي الذي صك مفهوم صراع الحضارات واستلقفه صاحب كتاب صدام الحضارات كإشكالية تاريخية متجددة في الحاضر والمستقبل.
لم يمتنع هذه المفكر الأمريكي العميق في فهم الدور الحضاري من أن يعترف بأسبقية العالم الحضاري المغربي مهدي المنجرة بصك مفهوم صراع الحضارات، وكان من الطبيعي أن أصك مصطلح التحولات الحضارية في كتابي إشكالية التحولات الحضارية التي قصدت بها إشكالية صراعية، لأن الصراع هو الذي يصنع المستقبل هو الذي يحدد ملامحه.
والفرق بين المفكرين أن الأول يعمل فردا خارج المأسسة البحثية أو السياسية وربما لا يكاد يعرفه الساسة وأبرز المفكرين العسكريين والسلطويين، ذلك المنجرة الذي لا يكاد يعرف إلا بكتاباته أشبه بالإمام الشاطبي الذي ألف كتابه المقاصد وظل مهجورا إلى أن بدأ الآخر في قراءته ، ذلك أن الأمة التي تفكك حضاراتها بالصراع لا ترى ذاتها وتراثها ولا تحترم عقولها إلا برؤية الآخر.
هذه طبيعة جينية بشرية فأبو سفيان رضي الله عنه لم يعرف نبي الهدى محمد صل الله عليه وسلم إلا من خلال الروم وعمرو بن العاص (رض) لم يعرفه إلا من خلال ملك الحبشة، ولم تعرفه قريش إلا بظهوره وغلبته وانتصاراته، بينما عرفه الضعفاء برحمته وتواضعه وأخلاقه.
قيم النبوة كانت قيما حضارية والحرب الذي كان عليها من العرب أعظم من حروب الفرس والروم والعالم الآخر، بل حروب الإسلام المعاصر على القيم الحضارية من داخله أعظم من الحروب التي تنزل عليه من أمريكا والعالم الغربي. لأن أزمة التفكيك الحضاري المحلي يجعل للآخر عليه سبيلا.
فتفكيك العراق واليمن وليبيا وسوريا وأفغانستان والصومال بدأ من الداخل وليس من الخارج، وضعف الدول العربية بصراع بعضها على بعض وتأمر بعضها على بعض.
كما أن مفهوم الإرهاب صكه الرئيس الراحل حسني مبارك، واستلقفته المؤسسات البحثية والعسكرية والسياسية الغربية وجعلته محددا لسياساتها الدولية ومحددا للسياسات الدولية العالمية خلال الثلاثين عاما الماضية.
والإشكالية في العالم العربي ليس في صك المفاهيم وتأصيلها وإنما في كيفية تكفيكها وتفعيلها، فالأمة التي تقرأ لا تهزم أبدا ما دامت كذلك حتى تنحسر عنها القراءة تلقائيا فينحسر معها انتاجها تباعا، فإذا قلنا أن أغلب كتبة العالم
يكتبون بالانجليزية لأن المجتمعات الإنجليزية رغم قلة سكانها أمة قارئة وبقرائتها اكتسبت الوعي، ونظمها نظما سياسية واعية لأنها تدرك أن المجتمع القارئ مجتمعا حضاريا منتجيا، ولهذا ما تزال حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى الإنجليزية من أهم استراتيجية العقل البريطاني- الأمريكي.
بينما حركة الترجمة العربية تلغي القدرة الكتابية للمكتب العربي وتلغي ثقافة العقل الحضاري المنتج، لهذا نجد المثقف العربي يتقمص الكتابة الغربية لأنها تأتي من مجتمعات حضارية قائدة لعصرها، أو تجده يكتب كتابات توليفية لا ترتقي إلى مستوى الوعي بالذات الحضارية.
الأزمة في العالم العربي- الإسلامي ليست أزمة جينية وإنما هي أزمة إدارية وأزمة قراءة وأزمة احترام العقق وأزمة علم جدلي صراعي اخباري تلفيقي إضافة إلى أزمة ثقة بالذات وأزمة أخلاقية تتغيب فيها الأمانة العلمية.
فالمثقف الأكاديمي هو ابن بئته السياسية والمجتمعية والسياسي أيضا وبقدر وعي المجتمعات يكون وعي النخبة والنظام لأن العلاقة بينهما علاقة تغذية عكسية. والتغيير يكون بتادل إدوار الجنس الحضاري داخل البيئة الحضارية، وهذا لن يتأتي إلإ بإرادة السلطة عبر استبدال البطانة القائمة لأن القاعدة الحضارية في الإسلام تؤكد على احترام ولي الأمر وطاعته ولكنه تؤكد على ضرورة استبدال البطانة وتغييرها.
وهنا جاءت الثورات العربية مخالفة للأصل الحضاري لأنها عملت على النقيض فسعت إلى تغيير الرأس الذي تنتظم به الحضارة والأمن والدولة، من هنا جاءت أزمة الوعي الحضاري، لأن الشعوب الثورية لم تنادي باسقاط معوقي النظام ومفسدي النظام وإنما كان شعارها الأبرز “الشعب يريد يسقط النظام” وتحقق لهم ذلك فلو كان شعارهم “الشعب يريد العدالة” لتحققت العدالة لأنه يمكن التفاوض عليه. أما اسقاط النظام فهو يمنع التفاوض ويعمق التناقض.
ومن الغريب أن فقهاء الثورة كانوا مع اسقاط النظام، وقد سقط النظام بالفعل، والآن يطالبون بعودة النظام، وعودته ليس كاسقاطه، وهنا إشكالية الوعي بأصول الوعي أقصد أن أصولية الوعي تقوم على المفاهيم، فالنبي (ص) ووعي بمفهوم الحضارة دعا إلى وحدة الفكر بدلا من التعدد وكانت الوحدة التي دعا إليها ترتبط بالأسمى بدلا من التعدد، فبدلا من عبادة ثلاثمائة صنم واعتبارهم قنوات الوصول إلى الله كان الاتصال المباشر به يعالج أزمة المداخل وتشتتها بين مناة واللات والعزى .. وغيرها وهو الذي كان من أهم أسباب الصراع الديني بين قريش وثقيف وغيرها من قبائل العرب.
العقائد الدينية هي بمثابة مداخل رمزية شبيه بالمداخل الصنمية فبدلا من التوجه المباشر إلى الله تعالى من خلال القرآن والسنة الصحيحة صنعت أصناما معنوية ورموزا شخصية فرقت الأمة الواحدة وجعلتها أمما شتى، وبدلا من عبادة الله في المسجد ” وإن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا” أصبح المسجد مغلقا ومنظما متمذهبا أو متشخصنا يفرق الأمة ويهدم أخلاقها، ولو كان المسجد مقدسا لبنيانه ما هدم المسلمون بالوحي مسجد الضرار.
إذا قلنا أن مساجد الضرار في أمتنا المعاصرة أشبه بكنائس الغرب الوسيطة التي لم تخرج من الضلام إلا بتحرير كنائسها الوسيطة بحرية الدعوة البروتستانتية والكاليفانية. إن مسارات تصحيح الفكر يبدأ من السلطة وبدلا من اغلاق المساجد والجامعات تنزيهها وبدلا من هدمها تنظيمها.
إن الأزمة الحضارية ليس أزمة العدو المتربص وإنما هي اأزمة العقل المتلصص.
بدأ الفكر الأمريكي يتحول من الوعي بالتنظير إلى التنظير بالوعي لا سيما بعد زوال الفكر المسيحي الذي اندرس برحيل الآباء المؤسسين، ووقوع المؤسسات الاقتصادية والعسكرية في مصيدة الفكر اليهوصهيوني، الذي تحول عن ثقافة الإتقان في الفكر البروتستانتي إلى ثقافة السوق في عصر استثمار مخرجات الحضارة مع صعود الصناعة الصينية الاستهلاكية كاستراتيجية ربحية تسعى من خلالها لاستمرار الإنتاج واكتناز الثروة وفقا للمعتقدات الربوية المنصوص في بعض الكتب المقدسة.
لهذا بدأت ثقافة الصناعة الصينية أو التايوانية تسيطر على ثقافة الاتقان البروتستانتي، وشكلت ثقافة العولمة مجتمعات مستهلكة تغير هيئاتها الشكلية أكثر مما تسعى للتغيير الحضاري، تغيير الجوهر الإنساني لإبراز دوره الحضاري.
كان السياسي البريطاني اليهودي المتحول زعيم حزب المحافظين ورئيس الحكومة الملكية بينجامين دزرئيلي من يهود السفارديم ذو أصول إسرائيلية عكس يهود الاشكناز من جنس الترك المتهودة، وهو الذي اشترى على مسؤوليته القردية أسهم قناة السويس لازاحة فرنسا عن الشرق الأوسط وفي المقابل كان إلى جانب العثمانية كاستراتيجية استفاد منها في عرقلة المشروع الروسي في المنطقة والتي كان من أهم أسباب وقوفه إلى جانب الدولة العثمانية تعاطفها مع اليهود.وتمكن من تعديل معاهدة سان ستيفانو بمؤتمر برلين الذي انتهى بتحقيق السلام ومنع روسيا من التوسع الإمبريالي.
إذ يبدأ صراع الحضارات إلى رواية “الصليبية الجديدة” لدزرئيلي عبر نظريات الاستشراق اليهودي للمؤرخ اليهودي البريطاني “برنارد لويس، صاحب النظريات الاجتماعية واستراتيجية تفكيك العالم العربي الذي يشهد اليوم تشظيا وتفككا ذاتيا، وقد اننتقلت نظرياته إلى الدبلوماسي اليهودي الأمريكي هنري كسينجر.
وهنا يأتي موضوع آخر في أن السياسة الأمريكية والأوربية في الشرق الأوسط تتحدد بالتراث اليهودي وبالدور اليهودي الاستخباري والدراسات اليهودية التي تفسر مستقبل الشرق الأوسط تلك القراءات السياسية والعسكرية التي تحددها التوراة والمذهبيات البروتستانية والانجلكانية.
لكن الموضوع الأشد تعقيدا كيف يمكن تفسير صراع الحضارات أو (صراع الأديان) ولماذا كل هولاء اليهود المتحولة والساسة والمؤرخين يجعلون الصراع الأخطر مع الأخضر الإسلامي، بينما الصراع مع روسيا والصين صراعات براجماتية.
لم يأتي اللون الأخضر اسقاطا نفسيا إنما لها اسقاطات مقدسة، وذلك يرجع إلى أن علم المملكة العربية السعودية باللون الأخضر كما يوجد هذا اللون في علم باكستان وموريتانيا والجزائر وبنجلادش وأفغانستان وأذربيجان، لبنان والسودان وفلسطين وليبيا وسوريا والإمارات والأردن والصومال وإيران، ، وتبقى السعودية مصدرا لهذا اللون الذي كان علما للدولة الفاطمية تمييزا عن السواد العمول به في دولة بني العباس والذي صار بعدها علما للتشيع الحسيني تمييزا عن التشيع الحسني، وتمييزا عن اللون البيض الصوفي الذي كان علما للدولة الأموية، ويرجع ذلك عند إلقاء الاقتران إلى النصوص الدالة عليه في القرآن الكريم والذي كان من ألوان السلطنة العثمانية وقباب مساجدها.
إذ يبق اللون الأخضر مميزا للمسلمين ، بينما يشترك مع المسلمين في اللون الأبيض والأسود اليهود والرهبان.
ونيابة عن السلطنة العثمانية وفتوحاتها فإن دور السعودية في أفغانستان والكونغو ضد الشيوعية يعد دورا محوريا ورئيسيا مقارنة بغيرها من الدول الإسلامية.
ومن ثم فإن السعودية وتركيا وإيران يشكلون تهديدا للحضارة الامريكية في النظريات الحضارية والسعودية أكثر تهديدا لكونها تتربع في منطقة العمق الجغرافي للقيم الحضارية بالإضافة إلى الأماكن المقدسة، بهذه الرؤية الحضارية الغربية لمفكريها اليهود برزت السعودية عدوة تقليدية في الفكر الصليبي المعاصر.
وأن تفكيكها لن يكون إلا بادخالها في صراعات إقليمية وصراعات محلية ولن يكون ذلك إلا بإلغاء مفهوم الدولة في كل من اليمن والعراق وسوريا وإدخالها في خلافات دول مجلس التعاون الخليجي وتضخيم الصراع بينها وبين الدول الإقليمية الكبرى، وتشكيل ثقافة الكراهية العالمية لوجودها واستثمار ذلك في سلسلة من الحوادث الناعمة كقضية خاشقجي والحادي عشر من سبتمبر ومن ثم استثمار اليمن كاستثمار قضية الكرد في العراق ضد نظام صدام، واستثمار قضايا التشيع داخل المملكة وحقوق العمالة والأقليات والمبوذين وكذلك لن تكون بمنأى عن ذلك في ايران مع الأحواز وتركيا مع الأكراد . فتفكيك قيم الحضارة الواحدة لا بد له من مداخل داعية للتدخل الشرعي العالمي المجمع عليه دوليا.
وبدلا من تصدر طالبان وأفغانستان لمفهوم الإرهاب التي تبرأت منه وجعلته إرهابا عرقيا مرتبط بجنس العرب وارهابا عقائديا ارتبط بالسلفية فإن ردم النبع الجغرافي للمعتقدات وطمس رموزها القدامى أدعى لذلك، لا سيما وأن الدور السعودي في أفغانستان كان جزء من السياسة الأمريكية ومتحدد بتوجهاتها، ولم يكن للتدخل أي قدرة على ممارسة الدور بعد ذلك، ودورها في العراق كان مرتبط بدور أمريكا في قيادة التحالف، لهذا لم تكن السعودية تملك استراتيجية مستقلة، وهذا أثر على مصداقيتها، وهو ما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة منذ البداية وهو عزل السعودية إقليميا ودوليا وتفكيك مجلس التعاون من داخله.
التاريخ يصنعه العقل وتضمين العقل بالتاريخ أزمة أخرى في الوعي والفعل.
فالسعودية ما تزال تمتلك قدرة اقتصادية طبيعية وما تزال دولة منغلقة على العالم على الرغم من سياسة الانفتاح التي شرعت بها لارضاء العالم، ليس لأن المجتمعات السعودية منغلقة، فالحداثة تشهد على أن منطقة الحجاز والمنطقة الشمالية من أكثر دول العالم اندماجا واختلاطا بالأجناس العالمية، كما أن الجواز السعودي من أفضل الجوازات الاقتصادية المرحب بها دوليا.
ومن هنا كان ترميز العالم الإسلامي باللون الأخضر ليس استهدفا للسعودية كنظام وإنما للمنطقة كمصدر من مصادر الإسلام وقد رد على ذلك نائب وزير الخارجية المصري جمال بيومي على طلب إيطاليا من مصر غرائب تتناقض مع الحضارة الإسلامية بتشريع المثلية وإلغاء التعدد وعقوبة الإعدام.
كانت اجابته وعيا حضاريا ذلك أن الحقوق لا تختلط بالقيم فما كان مرتبط المقدس فوق قدرة الدولة على تغييره بل إن ذلك يسهم في تفكيك المجتمع ويساهم في تمرد المجتمعات وتغذية المجتمعات الإرهابية.
أما ممارسة الضغط على السعودية وفرض قيم جديدة وحداثية تتوافق مع العالم الغربي فيرجع إلى كونها الدولة التي تتحدث باسم الإسلام وفيها مقرات علماء العالم الإسلامي والجغرافية الإسلامية المقدسة، فهي ذات أولوية، والهدف منه تحويل مكة إلى مجمع أشبه بمجمع الفاتيكان، وفصله عن المدينة المنورة وجغرافية الدولة الأخرى وتدويله إسلاميا يكون فيه لكل طائفة دينية ممثلا رئيسا فيها؛ بمعنى إعادة ترميز المعقتدات وتصنيمها وتجديد مؤتمرات البوذية والمسيحية التاريخية.
ومن ثم تسعى الولايات المتحدة والقطبيات الصاعدة إلى توسيع دائرة الصراع: من الصراع على الجغرافيا والثروة إلى الصراع الشمولي الممنهج وفقا لاستراتيجية الصراع الحضاري وقضيته الأساسية تتمثل في توسيع دائرة وجغرافية الصراع على القيم والذي بدأت معالمه تحت تنظيمات حوار الحضارات، وقد كتب عنه محمد خاتمي وكثير من مفكري الأسلمة المعاصريين.
ما دامت القيم تتمركز في ذهنية الفرد وتتحكم بأليات التفكير فإنها الأكثر تهديدا للحضارة خصوصا مع إمكانية صعودها في ظل الصراعات الحضارية بين الحضارة الزرقاء و اللون الأصفر .
رئيس مركز الإصباح للتعليم والدراسات الحضارية والاستراتيجية