اقتصاديات الحج
لا يقتصر موسم الحج على الأمور التعبدية والنواحي الإيمانية فحسب، بل هو أيضا موسم يُحدث انتعاشا في جميع القطاعات الاقتصادية خاصة في مكة المكرمة، مصداقا للآية الكريمة "ليشهدوا منافع لهم"، ولذلك فإن الحج يشهد منافع متبادلة بين أهل وتجار مكة وحجاج بيت الله الحرام.
فقد كان الوافدون إلى مكة المكرمة لحج بيت الله الحرام أو أداء العمرة في العقود الماضية -وخاصة من آسيا الوسطى وتركيا وحتى أفريقيا– يحملون معهم تجارتهم من سجاد وعسل وغيرها لبيعها في مكة وحتى في الطريق إليها، وكانت لهم أسواق خاصة بهم للتبادل التجاري، لكن هذه التجارة تضاءلت بشكل كبير وكادت تختفي كليا.
ورغم غياب إحصاءات دقيقة لما ينفقه الحجاج سنويا، فإن الاقتصاديين يتفقون على أنه يعد بملايير الدولارات، ليشكل بذلك موسم الحج أعلى مدخول لتجار مكة يليه موسم رمضان.
وحسب دراسات نشرتها الصحافة السعودية عن موسم حج عام 1431هـ (الموافق 2010م)، فإن الإنفاق المالي للحجاج يقدر بنحو 700 مليون ريال (189.2 مليون دولار) يوميا في أسواق مكة المكرمة، خلال فترة 18 يوما هي إجمالي المدة التي يقضيها الحجاج في عموم البقاع المقدسة.
وفي المعدل المتوسط يزيد إنفاق الحاج الواحد -وفق تلك الدراسات- على خمسة آلاف ريال، ليتجاوز الإنفاق العام لجميع الحجاج 12 مليار ريال (نحو 3.24 مليارات دولار)، علما بأن متوسط إنفاق الحاج القادم من الخارج يفوق نظيره من الداخل.
ويتأثر حجم عوائد الحج والعمرة في كل موسم بعدة عوامل، من أهمها أعداد المعتمرين والحجاج من الداخل ومن الخارج، ومؤشر سعر الاستهلاك، والمستوى الاقتصادي للحاج والمعتمر، وجنس الحاج والمعتمر إذ إن هناك تباينا في الإنفاق بين الذكور والإناث.
وبعد انتهاء أعمال التوسعة للحرم المكي وزيادة الحجاج يُتوقع أن تقفز عوائد الحج إلى 22.6 مليار ريال، ثم تستمر في الزيادة بمعدل ثابت حتى تصل إلى أقصاها بنحو 24.2 مليار ريال.
وتضع هذه الدراسات قطاع الإسكان في مقدمة القطاعات الاقتصادية المستفيدة في موسم الحج بمعدل 40 %، تليه قطاعات الهدايا والتذكارات بنسبة 14%، والمواد الغذائية بنسبة 10%، ثم تأتي بعد ذلك قطاعات المواصلات والخدمات الصحية بنسب متفاوتة، كما تشهد محلات صاغة الذهب إقبالا كبيرا.
وتقدر إحصائيات نشرتها صحيفة "اليوم" السعودية في سبتمبر/أيلول 2014 أن متوسط التكلفة التي ينفقها الحاج في بلده قبل وصوله للمملكة تبلغ 36% من تكلفة الحج الكلية، بينما يبلغ ما ينفقه داخل المملكة في المتوسط نحو 63%، وهذا مؤشر على انتشار الأثر الاقتصادي للحج على البلدان التي يقدم منها الحجاج والمعتمرون وليس فقط على الاقتصاد السعودي.
ونقلت الصحيفة عن خبراء في اقتصاديات الحج والعمرة توقعهم ارتفاع معدلات حجم عوائد الحج والعمرة بحلول 2020 إلى أكثر من 47 مليار ريال سعودي (12.9 مليار دولار)، وبعد اكتمال منظومة المشروعات التوسعية في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وذلك بعد اكتمال منظومة المشروعات التوسعية في الحرمين الشريفين ومنطقة المشاعر المقدسة.
ويُنعش موسم الحج حركة تداول الريال السعودي ويرفع الطلب عليه وبالتالي تزيد أرباح شركات الصرافة بالسوق المحلية خاصة في الحرمين الشريفين. كما يساهم الحج في تقليل البطالة وخلق فرص عمل مؤقتة داخل السعودية تدوم ما بين 45 يوما وشهرين، ويتم أحيانا استقدام عمالة مؤقتة من الخارج في حال عدم اكتفاء السوق المحلي خاصة في عمال ذبح الهدي والحلاقين.
ويقدم الحجاج في العادة نوعين من الشكاوى التجارية: الأول يتعلق بالأسعار والجودة، والبتّ فيه من اختصاص وزارة التجارة السعودية التي تحدد أسعار الأغذية كالمياه والمياه الغازية والفواكه وغيرها؛ والآخر مرتبط بخدمات الحج من نقل وطوافة وهذا تتولى مسؤولية النظر فيه وزارة الحج.
يشار إلى أن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية قالت إن عدد الحجاج الإجمالي في موسم حج سنة 1432هـ (2011م) بلغ مليونين و927 ألفا و717 حاجا، بينهم مليون و828 ألفا
و195 حاجا من خارج المملكة، والباقي من داخلها وأغلبيتهم العظمى من المقيمين غير السعوديين.
وتشمل هذه الإحصاءات القادمين إلى المملكة بتأشيرات "حج" أو الحاصلين على "تصريح حج" من داخل المملكة، لكنها لا تشمل الحجاج "غير النظاميين"، سواء من المملكة أو من خارجها، أو الحجاج الحاصلين على تأشيرات ليست للحج.
كما أن الإحصاءات لا تشمل أعداد القادمين من خارج المملكة أو من داخلها لخدمة الحجيج، والذين غالبا ما يستغلون الفرصة لأداء هذه الشعيرة.
ويتوقع خبراء أن ترتفع أعداد الحجاج والمعتمرين بحلول عام 2020 إلى ما بين 5-6 ملايين حاج بعد الانتهاء من توسعة الحرم المكي، بينما ستزيد أعاد المعتمرين لتتجاوز 20 مليونا طوال العام.
قطار المشاعر
ومن أوجه النشاط الاقتصادي لموسم الحج؛ المشروع الخدمي الكبير المعروف بقطار المشاعر والذي انطلق العمل به في موسم حج سنة 1432هـ (2011م)، ويبلغ سعر "التذكرة الخضراء" فيه 250 ريالا للحاج، أما "التذكرة البرتقالية" المخصصة للخدمات فلا تزيد على 50 ريالا، مع العلم بأن شراءها لا يتم إلا عن طريق الحملات المخولة وبالتنسيق مع وزارة الحج.
ومشروع "قطار المشاعر" -الذي بلغت كلفته نحو 6.5 مليارات ريال سعودي (1.8 مليار دولار تقريبا)- يتألف من 20 قطارا يضم كل منها 12 عربة، تصل قدرته الاستيعابية إلى ثمانين ألف راكب، وهو ما يمكنه من نقل نصف مليون حاج من عرفات إلى منى في أقل من ست ساعات "وهي طاقة لا يوجد لها نظير في العالم"، حسب القائمين على المشروع.
ويبلغ طول القطار الواحد 300 متر، وتستوعب العربة الواحدة منه 350 راكبا يصعدون من منصة مخصصة لهم على شكل أفواج، يستقل منهم فوجان قطارين تتسع لهما المحطة في وقت واحد، ليغني عن دخول 30 ألف حافلة إلى عرفات ومنى، وهو ما يعني -حسب السلطات السعودية- وقف نصف الحافلات التي كانت تضايق المارة.
ويتحكم في سير القطار فريق من العمال يتمركز في غرفة إلكترونية، يسيرونه ويراقبون حركته أثناء الطريق وعند المحطات، ويشاهدون على الشاشات كل ما يحدث داخله. وليس لهذا القطار سائق، وإنما يجلس في مقدمه مراقب يتصرف في حالات الطوارئ بأوامر غرفة التحكم، التي تراقب الركاب خشية سقوطهم أو فقد أمتعتهم.
وقد بدد قطار المشاعر هاجس النقل الذي ظل يقلق مضاجع حجاج بيت الله الحرام، خاصة يوم النفرة من عرفات عندما يتجه ملايين الحجاج في وقت واحد إلى مزدلفة، يستحثهم خوف التأخر عن المبيت هناك. لا سيما أن الحافلات والسيارات تعجز عادة عن حل مشكل نقل الحجاج في وقت وجيز من منى إلى عرفات ومنها إلى مزدلفة ثم إلى منى مرة أخرى.
وتستغرق الرحلة من عرفات إلى مزدلفة في هذا القطار نحو سبع دقائق فقط، ومن مزدلفة إلى منى نحو ذلك، أي أن الرحلة الكاملة من منى إلى عرفات فجر يوم عرفة لن تأخذ أكثر من ربع ساعة