مخرجات لجنة “تحديث المنظومة السياسية”.. واقع الحال ومآلات المستقبل
د. رامي عياصره
في هكذا موضوع اساسي يلامس تطويرا مزمعا على نظامنا السياسي يتوجب على اصحاب الحس الوطني الحر أن يتحدثوا بصراحة وموضوعية دون تشاؤم محبط او تفاؤل مفرط يودي لاحقاً الى مزيد من الاحباط و اليأس وبالتالي الاستنكاف العام عن المشاركة السياسية ولكل ما يمت لها بصلة.
دعوني اتحدث اولاً وقبل كل شيء عن الاجواء العامة التي سبقت ورافقت تشكيل ” لجنة التحديث ” .
لقد جاءت على اعقاب انتخابات 2020 ” المزورة ” التي تدخلت فيها الاجهزة التنفيذية في العمق هندسةً وتفصيلاً وتقريباً للبعض واقصاءً وإبعاداً لآخرين، في حين كانت ازمة كورونا قد اوصلت الاردني الى حالة من اللامبالاة حين وصلت نسبة الاقتراع الى 29% فقط وهي الانتخابات الأدنى من بين اخواتها السابقة تلك التي زوّرت على شاكلة شقيقتها الشهيرة في 2007م.
العزوف وعدم القناعة بقدرة العملية السياسية على إحداث التغيير الملموس الذي يمكن أن ينعكس على الواقع المعيشي والاجتماعي يجعل كل محاولة تأتي الآن او لاحقاً خارج الاهتمام الشعبي بل ومحلاً للتهكم والتندر وعدم الاكتراث حتى لو شاركت كل القوى والتيارات السياسية في عملية انتخابية تشبه حالة البطة العرجاء .
ما فُقِد من ثقة شعبية بشكل تراكمي وعلى مدار سنوات لا يمكن أن يستعاد بكبسة زر ولا بمخرجات جيدة او محاولة واحدة حتى لو كانت جادة وصادقة و ” بريئة ” ، إذن فنحن أمام مزاج شعبي ” مكفهر ” فعلاً يحتاج الى عمل طويل وثمار يراها الجمهور حتى يقتنع أننا امام واقع وطني مختلف تختفي فيه مظاهر الطبقية والتعيينات العليا المحجوزة سلفا لابناء رؤساء الوزراء وانسبائهم ومَن يدور في فلكهم وغيرها من الممارسات الأخرى. هذه واحدة.
اما الثانية، فدعونا نتحدث في المشهد السياسي الداخلي بعيدا عن فرضية مدى تأثير العوامل الخارجية في صحوة الاصلاح السياسي التي نحن بصدد تحليل دوافعها وأبعادها والى أي مدى يمكن ان تُحدث التغيير المطلوب.
في المشهد السياسي الداخلي نرى أنّ الشارع الاردني يعاني من الركود شبه التام على المستوى الشعبي والجماهيري وحتى على مستوى النخبوي الحزبي والنقابي اللهم إلا اذا استثنينا بعض المواقف الجريئة للجنة المتابعة الوطنية او ما يصدر عن تنسيقية الحِراكات ، فنحن امام حالة سياسية تعاني الشلل شبه التام .
وإن أي حالة سياسية ما تقوم اساساً على ميزان قوى وتوازنات معينة سياسية واجتماعية ومكوناتية محددة تشكل بمجموعها طبيعة العلاقة وديناميكية التفاعل السياسي في النظام السياسي.
والسؤال المطروح هنا: بما أن الحالة السياسية الاردنية تعاني الشلل ، فما الذي طرأ لاعادة طرح خطوة عميقة من مثل الوصول الى برلمان حزبي بغالبيته العظمى خلال دورتين انتخابيتين متتاليتين وتشكيل حكومات برلمانية منتخبة؟
بمعنى آخر : هل قررت مراكز القوى التخلي طواعية عن ما تتمتع به من سلطة وادوات للحكم واتخاذ القرار؟
لماذا ؟ ولمن ؟ وعلى اي أساس؟
الاسئلة هنا ليست للتشكيك بقدر ماهي لمحاولة الفهم وتفكيك الصورة ومعرفة الى أين تتجه الامور في وطني.
لقد تعلمنا في العشر سنوات الماضية – على أقل تقدير – تلك التي تفجرت فيها ينابيع الغضب العربي في ذلك الربيع الذي لم يزهر بَعد وما اعقبه من هجوم سلطوي مضاد، و لقد علمتنا تلك التجربة أن امتلاك مظاهر الحكم المتمثلة بالوصول الى كرسي الألقاب والمناصب لا تعني اطلاقاً امتلاك الحكم ذاته والقدرة على امتلاك السيادة الوطنية الحرة ، تلك معركة طويلة ومضنية دونها النضال الوطني الصادق المخلص والمستمر، في صراع يقف على طرفه اركان الدولة العميقة من قوى الجيش و الأمن والمخابرات وقوى الثروة ورأس المال وقوى التأثير الاعلامي يتصدر مشهد هذه القوى طبقة سياسية فيما عُرف بتحالف السلطة ورأس المال، وتقف على طرفه الآخر الارادة الشعبية في حوار او قل صراع السلطة والحرية.
باعتقادي أن الشعوب العربية عجزت حتى اللحظة من تفكيك هذا التحالف او اختراقه لكن ربما اضعفته في بعض الدول ، لكنها لازالت عاجزة عن مجاراته او تحقيق التفوق عليه.
أعود للحديث عن النموذج الأردني الذي طالما شكل حالة ملفتة في الواقع السياسي العربي، اعتقد أننا ضمن مخرجات لجنة التحديث ذاهبون الى حالة وسط ليست عدمية بالكامل نحو إحداث نوع من التغيير، لكنها في ذات الوقت لا تؤسس لحالة من الملكية الدستورية بحكومة برلمانية تمتلك الولاية العامة والديمقراطية المنشودة وتغيير النهج بالكامل.
الحالة طور التشكّل تعمل على اساس خلق تيارات سياسية – وليست احزاب سياسية بالمناسبة – تلبس لبوس الحزب السياسي تتنافس لتشكيل ائتلافات تفرز حكومات ، هذه الحكومات المستقبلية منزوعة القدرة على امتلاك أدوات الحكم بشكل فعلي، وذلك على خطى النموذج المغربي حيث يتشكل ” المخزن ” الذي بيدة السلطة الفعلية من التحكم وذلك بنص الدستور الذي يقضي بتعيين قائد الجيش والأمن والمخابرات، وهو الذي له الحق في التحكم في السياسة والعلاقات الخارجية وكذلك الوزارات السيادية كالداخلية والمالية والتخطيط.
لقد وجدنا ان توصية لجنة التعديلات الدستورية لم تُعِد صلاحية تنسيب رئيس هيئة الأركان المشتركة ” قيادة الجيش ” ومدير الامن العام والمخابرات العامة لم تُعِد التنسيب بهذه المناصب الى صلاحيات مجلس الوزراء كما كان قبل تعديلات 2014 م بل بقيت تتبع مباشرة الى جلالة الملك .
واذا ما اضفنا اليها وزارة الخارجية والداخلية لخصوصيتهما وسياديتهما فاننا امام ملكية دستورية من نوع مختلف.
لقد تحدث مدير المخابرات احمد حاتوقاي قبل أيام في لقاء غير معهود مع نخبة من الكتّاب الصحفيين أن دائرة المخابرات العامة تدعم مخرجات ” لجنة التحديث” وانها لن تقف دون تطبيق تلك المخرجات لكنه ذكر – كما نُقل عن سطور كتابات مَن حضروا – ان الدائرة ستدعم الاحزاب ذات التوجه الوطني . معنى ذلك اننا امام استمرار لحالة دعم لفئة او تيار او اشخاص على وجه الخصوص دون أخرى، وهذا يشير الى أن فعل ” الدعم ” من دائرة المخابرات العامة هو أمر وقع فعلاً قبل ذلك وفي مواقف عديدة.
فيما يؤكد الجميع المحسوب على خط الموالاة وحتى خط الدائرة نفسها أو اولائك المعارضون انه بغير رفع القبضة الأمنية لا مستقبل يُرجى لعمل سياسي او حزبي او شبابي في الأردن، وهذا يجب ان يتم الاحتكام به الى نصوص القانون والدستور وضمن ما وجه به جلالة الملك في الرسالة الشهيرة الى دائرة المخابرات العامة قبل اشهر تطلب من الدائرة العودة الى مجال الاختصاص بعد ان زال السبب في التدخل وملئ الفراغ، لإفساح المجال أمام إعادة ملئ الفراغ من خلال احزاب قوية وتيارات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة.
اتجاه الحالة السياسية الاردنية مع دخول توصيات ” لجنة التحديث ” حيز العمل والتطبيق يشير بأننا امام الاقتراب من النموذج المغربي الى حدٍّ بعيد، باستثناء شئ واحد وهو تقبّل الاسلاميين في رئاسة الحكومة.
لا اقول هذا لانني ارفض ما نتج عن ” لجنة التحديث” من مخرجات بالمطلق، لكنني أقول ما اراه وما أنا مقتنع به ليكون الطريق الذي نسلكه مستقبلاً وفي قادم الأيام واضح، ليحيى من حيّ عن بينة ويهلك من هلك – ولو سياسياً – عن بينة.
أما ممارسة خداع النفس والتلبس في حالة التمني فهي ضارة وغير منتجة وستكون عواقبها وخيمة، دعونا نتمتع بالواقعية السياسية مع الاستمرار في حالة ترسيخ الديمقراطية و الحرية التي هي القاعدة والأساس .
تبقى المخرجات تلك افضل وبكثير من حالة التصحر السياسي التي نعانيها منذ سنوات ليست بالقليلة.
والاردن دائما يستحق الأفضل.
ملاحظه
الحزب الوحيد الذي يحصد آعلى الاصوات هو “جبهة العمل الاسلامي” وهو حزب وطني ذو اتجاه اسلامي لن توافق عليه المخابرات الاردنية ولا الديوان الملكي ولا دول الغرب وبخاصة امريكا واسرائيل ولا حتى السعودية وبقية دول الخليج… الخ.
آذن ما هي محصلة نتائج اللجنة الملكية وتوجهات القصر؟؟؟
للخروج من هذا المآزق يجرى – علنا وبكل حرفية – تزييف الانتخابات وادامة الحالة الراهنة.