دفتر ألقادة الفلسطينيين.. من عرفات مرورا بحبش وعباس وجبريل
على أثر النكبة ، سعى الفلسطينييون الى أن يكون لهم كيان سياسي يمثّلهم وينطق بإسمهم ، لضمان بقاء قضيتهم حية في الوجدان المحلي والعربي والدولي . فكان أن أوصى مؤتمر القمة العربية المنعقد في القاهرة في كانون الثاني عام 1964، بضرورة تحقيق مثل هذا الهدف . فتأسست منظمة التحرير الفلسطينية أثناء إنعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الاول في مدينة القدس ، في أيار عام 1964 . وصادق على ذلك ، قمة الاسكندرية الاستثنائية (كانون الاول 1964) . وكان في ألأثناء ، أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري لتكون الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني . واعتمدت المنظمة ألعلم الفلسطيني الذي ظهر بألوانه ألمعهودة لأول مرّة عام 1917 ، والذي كان أُعتمد في مؤتمر غزة 1948 ، حيث صادقت جامعة الدول العربية عليه باعتباره رمزاً للشعب الفلسطيني ودولته . وقد غالى البعض في تفسير ألوان العلم ، فإعتبر اللون الاسود إشارة الى الراية السوداء التي كانت تُرفع في عهد الرسول محمد . وعزا اللون الاخضر الى الدثار الذي تغطّى به ألإمام علي بن أبي طالب لدى نومه في فراش الرسول ليلة عزم مشركي قريش على قتله . أما أللون الابيض فكان تذكيراً لنصر المسلمين في موقعة بدر ، في حين عزا اللون الاحمر الى الراية التي حملها فاتحو شمال أفريقيا والاندلس . في حين ، من ألممكن تفسير ألوان ألعلم حيث اللون الاسود يشير الى النكبات ، وألأحمر الى الشهداء ، وألابيض الى السلام ، وألأخضر الى ألخصوبة .
كان اول زعيم للفلسطينيين في الشتات ، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السيد احمد اسعد الشقيري المولود عام 1908 في قرية تبنين /جنوب لبنان ، لنفي السلطنة العثمانية لوالده الذي كان مناوئاً لها . ثم انتقل للعيش مع امه في طولكرم ، فعكا ، فالقدس حيث درس المحاماة ، ورافع عن العديد من المعتقلين الفلسطينيين امام المحاكم البريطانية . وخلال حياته المهنية ، تبوّأ عدة وظائف سياسية ، وترك بعض المؤلفات . وكان صاحب صوت هادر ، وبارعاً في الخطابة حيث قُدّر لنا في فترة المراهقة سماعه أثناء مهرجان وطني أُقيم في الملعب البلدي في صيدا . وفي أخر عام 1967 استقال من منصبه ، وتوفي عام 1980 عن 72 عاماً .
كان الهدف الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي انضوى تحت رايتها معظم فصائل الثورة ، تحرير فلسطين بواسطة الكفاح المسلح . فشددّت على الوحدة الوطنية والتعبئة القومية لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي ، واستعادة كامل التراب الفلسطيني . لكن المنظمة لمتغيرات كثيرة ، ابرزها اختلال ميزان القوى لصالح العدوّ ، والانحراف النضالي لبعض الفصائل كفتح والجبهة الديمقراطية ، تخلّت ، بل قل صودر هدفها الاستراتيجي بصورة مدويّة لا يمكن وصفها إلّا بالخيانة العظمى للشعب عندما ارتضت بحل الدولتين حيث جرى ابتزاز الفلسطينيين بواسطة اتفاقيات أوسلو عام 1993 التي مقابل الاعتراف باسرائيل رسمياً ، لم تأتِ بالدولة المزعومة ، بل بسلطة وطنية هزيلة ، لا تملك من أمرها شيئاً .
بداية العام 1965 ، عرفنا ان ثورة فلسطين انطلقت . وعرفنا أن حركة فتح كان لها الفضل في ذلك . ومنذ ذلك الحين ، رحنا نتسقّط أخبارالثورة التي كانت تردنا من سوريا والاردن ، ومن ثم لبنان . وعرفنا أن للثورة قادة ، شاؤوا أولاً ، لأسباب أمنية ، أن يطلقوا على أنفسهم أسماء حركية عُرفت بالأبوات ، لتصبح أخيراً كنوع من الوجاهة ، نظراً لما يتمتع به الأب من سطوة واحترام في المجتمعات الشرقية . وبصفتها التنظيم الاكبر ، كان لحركة فتح النصيب الاوفر من الأبوات . فالى ابو عمّار ، برز ابو اياد وابو جهاد وابو أللطف وابو مازن وابو داوود وابو الزعيم وابو حسن سلامة . وكأن الاسماء نفدت من الاسواق ، عندما أطلق أحدهم على نفسه إسم ابو الهول . ومن البداية ، فرحنا بأبواتنا كثيراً ، وهمنا بهم أكثر من هيامنا بأبائنا الحقيقيين . فرُب أب لك ، لم تتزوجه أمّك . وتطبيقاً لذلك ، رغب بعضنا وبسذاجة مفرطة ، أن يكون أبواتنا أزواج أمهاتنا الشرعيين ، لندرك لاحقاً أن معظم أبواتنا كانوا في الواقع ، رجال عصابات بزي ثوري . ومع هذا ، نال لقب ألأبوات من عناصرنا ايضاً التي تسمّت بأسماء مرعبة مثل : ابو الليل وابو الغضب وابو ظلام وابو الموت وابو الجماجم . كما أن قادة بعض الفصائل جاروا حركة فتح في ذلك . فكان هنالك ، ابو جهاد (احمد جبريل) ، وابو النوف (نايف حواتمة ) ، وابو ماهر (احمد اليماني) ، وابو موسى من فتح الانتفاضة ، وابو العباس من جبهة التحرير الفلسطينية . وحده تقريباً ، جورج حبش ، سلم من لقب ألأب ، واكتفى بلقب الحكيم .
كان على رأس قادتنا ، ابو عمّار ، وهو من مواليد عام 1929 في حي السكاكيني/القاهرة ، لأب غزاوي وأم مصرية . وربما يكون أهله كون أمه كانت مصرية ، أقاموا له تقليد السبوع (ألإسبوع) ألمصري حيث ألمولود عند مرور إسبوع على ولادته ، يُوضع في غربال ، ثم على ألأرض ، وتقوم جدّته بدق ألهون ، بينما تخطو أمه فوقه سبع خطوات ، والمحتفلون به يحملون شموعاً مشتعلة ، ويطوفون حوله وهم يهزجون :
حلاأتك برجالاتك حلأة دهب فوق داناتك
يا رب ، يا ربنا يكبر ويبقى زيّنا
وكان أبو عمّار منذ صغره ، مشاكساً جداً ، يشارك في معظم التظاهرات ضد ألإحتلال ألإنجليزي لمصر . وكانت شقيقته ألكبرى إنعام تشرف على تربيته ، بعد وفاة أمه بسبب قصور كلوي ، وكان ما يزال في سن الرابعة . وكانت غالباً ما تتنشله من التظاهرات مهددة إياه بقطع مصروف ألجيب عنه . ولم تكن علاقته جيدة مع إبيه ألذي كان يعيب عليه تردده على أليهود ألمصريين حيث كان والده يتذرّع بأنه يحاول التعرّف على نفسيتهم ومقدار عدائهم للعرب والفلسطينيين . ومن سخرية ألقدر ، أن “أبو عمّار” لم يجد حرجاً في مفاوضة إسرائيل وألإعتراف بها .
تخرّج ابو عمار من كلية ألهندسة من جامعة ألملك فؤاد ألأول التي أصبحت جامعة ألقاهرة بعد ثورة يوليو عام 1952 . وواصل ألعمل السياسي حيث اعتمر في مؤتمر براغ ، ألكوفية الفلسطينية ذات اللونين ألأبيض وألأسود ، وبقي مواظباً على إرتدائها حتى باتت رمزاً لفلسطين . ثم سافر الى ألكويت ، وهنالك ، تعرّف على زملائه في الثورة : (أبو إياد ، أبو جهاد ، أبو مازن ، أبو أللطف ) وأفلحوا في تأسيس حركة فتح . وبإنطفاء شمعة ألعام 1964 ، بثت إذاعة صوت الثورة ألبيان العسكري الاول لحركة فتح .