الديانة الإبراهيمية الجديدة في المنطقة الشرق أوسطية برعاية أمريكية
بعد فشل كل مشاريع أمريكا في المنطقة منذ الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني منذ سنة 1945م، في جعل هذا الكيان بمثابة أمر واقع وإجبار كل الدول العربية على القبول به، وعمدت من أجل ذلك إلى تغيير المناهج الدراسية لهذه الدول بعدما أصبح معظم قادتها وزعمائها و حكامها مجرد دمى في يد العم سام يحركها كما يشاء، فاتفاقيات التطبيع الجديدة التي تم تمريرها تحت يافطة المشاريع الإبراهيمية للسّلام، ومحاولة تصوير المطبعين الخونة على أنهم ينتمون بمختلف دياناتهم السّماوية الثلاث الكبرى إلى نسل إبراهيم عليه السّلام، وبالتالي فإنّ أيديولوجياتهم السّياسية يجب أن تلتقي عند نقطة مشتركة واحدة، وإيهام شعوب المنطقة بأن التطبيع شيء إيجابي مع هذا الكيان اللقيط، ولا ضير فيه ولا ضرار مادام أنه يخدم إستراتيجية تحقيق السّلام الدائم والشامل، وبدل أن تتحارب الدول المطبعة مع إسرائيل يجب عليها أن تتكاتف وتتعاون لتحقيق المصالح المشتركة فيما بينها والتصدي لأعداء المنطقة الذين يريدون احتلالها ونهب ثرواتها، وجعلها مناطق نفوذ جيو استراتيجي دائم لهم مثل إيران وتركيا.
واشنطن سعت منذ التسعينيات من القرن الماضي وبالتحديد بعد خطاب الرئيس جورج بوش الأب أمام الكونغرس الأمريكي سنة 1991م والذي أعلن بموجبه قيام نظام دولي جديد أحادي القطبية وعلى غرار وثيقة هنري كامبل سنة 1907م، والتي أرست القواعد الأولى لبناء الكيان الصهيوني وتأسيسه على أرض فلسطين المحتلة إذ قال
قد بدأ يلوح في الأفق عالم تحقق فيه الأمم المتحدة الأهداف التاريخية التي وضعها مؤسسها بعد أن تحررت من قيود الحرب الباردة، عالم تعمّ فيه الحرية واحترام حقوق الإنسان في كل الدول، وإن حرب الخليج قد وضعت العالم الجديد أمام اختباره الأول مثلما جاء في مقال نشر بعنوان “النظام العالمي الجديد نشر في المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية”.
إلى محاولة إحداث تغييرات تكتيكية في خططها في منطقة الشرق الأوسط و كل الإدارات الأمريكية منذ ذلك الوقت عملت على اتباع نفس الأجندات المنبثقة عن النظام الدولي الجديد، والتي كانت الذريعة التي اتخذتها واشنطن حتى تعطي لنفسها الحق في الوصاية على المنطقة التي تعاني حسب مزاعمها من الاضطهاد الديني للأقليات وحرمانهم من حق ممارسة العبادة بحرية وغياب التّام لأيّ نوع من الديمقراطية وحقوق الإنسان. وعليه فإن أمريكا وفي إطار استراتيجية الشرق الأوسط الجديد التي تبنتها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الابن في الفترة ما بين 26 يناير 2005 إلى غاية 20 يناير 2009م عملت على تثبيت هذا النظام، من خلال الادعاء بأن هذه الأوضاع المأساوية برأيهم وإنهاء حالات الاضطهاد والعنف الديني والتصفيات العرقية والمذهبية، وحالة الاقتتال الدائم في المنطقة منذ أكثر من 70 عام بين دول الطوق وإسرائيل، لن يتأتى لها النّجاح إلاّ من خلال العمل على إلغاء كل الأديان السماوية القديمة والتي لها جذور ضاربة في عمق تاريخ وذاكرة شعوب المنطقة واستبدالها بديانة واحدة تقوم على الركائز المشتركة بين كل الأديان الإبراهيمية (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وإلغاء كل الفوارق الدينية والمذهبية فيما بينها ومن أجل ذلك أوعزت للإمارات العربية المتحدة إقامة أول معبد للديانة الإبراهيمية الجديدة الذي تريد إدارة جوزيف بايدن الصهيوني أن تكون قبلة لأتباع الديانات الثلاثة العالمية بدل كل من مكة وكنيسة القيامة وحائط البراق” المبكى”.
وبهذه الطريقة تعتقد إدارة الحزب الديمقراطي المسيطرة على البيت الأبيض حالياً أن بإمكانها التسويق لإسرائيل وتلميعها في الاعلام الدولي والعربي كحمامة سلام يريد الجميع الفتك بها وإزالتها من الوجود، والمؤتمر الذي عقد مؤخراً بين وزراء خارجية كل من الإمارات وأمريكا وإسرائيل، والذي كان برعاية أمريكية أكدت فيه واشنطن على دعمها اللامحدود لإسرائيل وشركائها في عملية السلام الإبراهيمية الجديدة، والتي ستساهم حسب زعم وزير الخارجية الأمريكي بلنكن في إرساء الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي لجميع المنحازين لخيار السلام بدل خيار الحرب والدمار، ونسي كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين وغيرهم باسم الدين.
فبعد أن فشلت الاستراتيجية الأمريكية في تشويه صورة الإسلام الذي يعتبر أكبر ديانة من حيث الاعتناق في الشرق الأوسط حيث عملت وسائل الاعلام الأمريكية كشبكة فوكس نيوز الإخبارية وجرائد مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز ونيوز ويك وغيرها على تصوير المسلمين على أنهم إرهابيون يعشقون قتل الأبرياء، وبعدما عملت استخباراتها على خلق المنظمات الإرهابية وباعتراف مسؤولين أمريكيين كثر كان من بينهم وزيرة الخارجية السّابقة في إدارة باراك أوباما هيلاري كلينتون كتنظيم داعش والقاعدة وجبهة النصرة التي أصبحت أدوات لتخريب دول المنطقة وابتزازها وخاصة بعد ثورات الخراب العربي سنة 2011م.
وقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إعادة تعريف العقيدة الإبراهيمية على الطريقة الغربية ومحاولة تصويرها على أنها دعوة منسجمة من القناعات الدينية السائدة، والتي هي حسب تفسير العقيدة الكاثوليكية المسيحية استكمال لمسار توسيع دائرة المشمولين بالرحمة الإلهية، وقد شكل هذا الأمر المجمع الفاتيكاني الثاني في الستينيات من القرن الماضي نقطة التحول فيه، إذ بدّلت الكنيسة الكاثوليكية من موقعها التاريخي المسقط لليهود، والقائل بأن الدين اليهودي قد نسخ، وأن العهد الجديد حلّ محل العهد القديم، وأن الكنيسة هي إسرائيل الجديدة وأن بقاء اليهود هو شاهد وحسب على العصمة الإلهية لمعصيتهم ولقتلهم الرب المسيح حسب اعتقادهم. كما نشر موقع الحرة بتاريخ 21يوليو2021م، في مقال بعنوان” هل “الإبراهيمية “ديانة الجديدة أو مؤامرة سياسية”.
وعلى خطى الكنيسة الكاثوليكية تحاول واشنطن عن طريق عملائها في المنطقة من رجال دين ومشايخ إعادة تفسير آيات القرآن الكريم التي تدعو إلى الجهاد لتحرير الأراضي والمقدسات المغتصبة وكذلك إعادة صياغة آياته بما يتوافق مع نفي ما جاء عن بنو إسرائيل من رذائل ارتكبوها بحق الأنبياء عليهم السّلام.
فالديانة الإبراهيمية الجديدة بالتالي ليست إلاّ خارطة طريق جديدة يريد بها لورانس العرب الجديد، وعراب هاته الديانة التي ما أنزل الله بها من سلطان، جيرالد كوشنر اليهودي ضمان أن تقبل شعوب المنطقة المختلفة بالتعاون مع إسرائيل وإيجاد مكان لها فيما بينهم، بالرغم من أن تركيبة المجتمع الصهيوني تختلف كثيراً من الناحية الاجتماعية والثقافية والقيمية والفكرية والدينية عن شعوب الشرق الأوسط التي لها تقريباً ثقافة ولغة وتاريخ وديانات مشتركة تجمعها.
ولكن ستفشل هذه الخطة الصهيونية لتصفية القضايا العادلة في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية حتى ولو كثر المطبّلون والمهللون لهذه الأفكار الدخيلة على عادات وتقاليد وحضارة المنطقة ككل كما فشلت الكثير من المشاريع الأخرى التي سبقتها في هذا الإطار