ما سيناريوهات معركة مأرب بين الجيش اليمني والحوثيين؟
تبرز محافظة مأرب الغنية بالنفط، شمال شرق اليمن، ساحة معركة مفصلية بين قوات الجيش التابعة للحكومة المعترف بها، وبين جماعة الحوثي المسلحة، وستشكل نتائجها تغييرا حاسما في موازين القوى وشكل المعادلة السياسية الحالية في البلاد.
ومنذ بداية العام الجاري، كثف الحوثيون من عملياتهم الهجومية نحو مدينة مأرب، من أجل السيطرة على هذه المحافظة التي تعد ذات أهمية استراتيجية وقيمة عالية بالنسبة للجماعة، وللحكومة اليمنية المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية.
ويبدو أن التقدم السريع للحوثيين في المنطقة الجنوبية من مدينة مأرب، بعدما تمكنوا من السيطرة على مديريات “حريب” و”العبدية” و”جبل مراد” وأجزاء واسعة من مديرية “الجوبة”، منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، منح الجماعة من فرض قوس على المركز الإداري للمدينة من الجنوب، حيث المديريات السابقة، وربطه بمناطق سيطرة مسلحيها من الغرب، عبر مديرية صرواح، وصولا إلى مديريتي مدغل ورغوان، في الشمال.
وركزت جماعة الحوثي المسلحة، كافة قدراتها العسكرية، بهدف السيطرة على المحافظة الاستراتيجية، وإذا ما نجح مقاتلوها في ذلك، فسيكونون قد هزموا الحكومة اليمنية والتحالف المدعوم من السعودية.
“الصمود أو الانهيار”
ويرى الخبير الاستراتيجي اليمني في الشؤون الأمنية والعسكرية، علي الذهب أن البعض ينظر إلى وضع مأرب الحالي على أنه خطر، وقد يبدو ذلك، لكن ما زال هناك جيش يدافع عنها خلافا لعشية اجتياح العاصمة صنعاء من قبل الحوثيين خريف العام 2014.
وقال الذهب في حديث لـ”عربي21″: “قوات الجيش في مأرب، لا تزال قادرة على الدفاع عن المحافظة، رغم ما تعانيه من قلة الإمكانات، إلى جانب الموقف السياسي المحلي، والموقف الإقليمي والدولي”.
ورأى الخبير اليمني الاستراتيجي أن الوضع في مأرب، يأتي من أجل ممارسة ضغوط شديدة على القيادة الحالية للجيش ومحاولة دفعها لفك ارتباطها بالقوى الثورية، وهي قوى ثورة 11 فبراير ـ التي اندلعت في 2011 ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ـ وحزب التجمع اليمني للإصلاح (الإسلامي).
وأشار الخبير اليمني إلى أن هناك سيناريوهات عدة لمآلات المعركة في مأرب بين القوات الحكومية وبين الحوثيين، يبرز أولها في “صمود قوات الجيش”.
وتابع: “هذا يتطلب التحول المفاجئ في موقف القوات الحكومية الأخرى التي قد تدخل كعنصر مساعد في كسر هذا الحصار، وذلك بفتح جبهات في محيط مأرب أو الجوف (شمالا) أو في شبوة (جنوبا)”.
علاوة على ذلك، فإنه يتم من خلال “تعزيز قدرة الجيش في الدفاع عن المحافظة، وتحويل المعركة من دفاعية إلى هجومية”، بحسب ما ذكره الخبير الذهب.
أما السيناريو الثاني، وفقا للخبير الاستراتيجي في الشؤون العسكرية، فيكمن في “تمكن الحوثيين من السيطرة على مأرب”، لكنه استبعد حدوث ذلك سريعا، وقال: “قد يطول بخلاف ما يمكنه أن يتصور البعض أنه بات قاب قوسين”.
وأكمل: “لأنه لاتزال هناك إمكانية للدفاع عن مأرب من قبل القوات الحكومية، فهناك جبهات مشتعلة بالجوف المحاذية لها من الشمال، وأيضا هناك المعارك في جبهات جنوب المحافظة”.
وأوضح الخبير العسكري اليمني أن “هناك متسعا من الوقت، لدى قوات الجيش الحكومي، في محاولة تأخير تقدم الحوثيين بأي وسائل كانت نحو مدينة مأرب، إذا لم تحدث أي تحولات تخدم الموقف العسكري لها”.
وبحسب الذهب، فإن هذا السيناريو قد يتعرض للانهيار إذا ما هاجم المجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم إماراتيا)، مناطق في محافظتي شبوة وأبين، واستطاع إحراز تقدم فيها، يمكنه من قطع الإمدادات، وصولا إلى حدوث انهيار داخل مدينة عتق، العاصمة الإدارية لشبوة.
ولفت إلى أنه في حال تمكن الانتقالي من ذلك، فإن ذلك سيجعل مصادر الإمداد للقوات الحكومية منحصرة فقط على القوات الأخرى المرابطة شمال محافظة حضرموت، شرقا، وامتدادها حتى مأرب”.
وأضاف: “ولأن هذه المناطق صحراوية رملية، فإنه سيكون من الصعب أن تصل قوات عسكرية تخوض هجوما من الحركة، لأنها ستنطلق من مسافات بعيدة تؤثر على معنوياته وقدرات الآليات والإمكانيات المتعلقة بالتأمين الفني والطبي والغذائي، مستدركا بأن “هذا السيناريو قد يطول”.
“وجودية ومصيرية”
من جهته، قال رئيس تحرير صحيفة “أخبار اليوم” (محلية)، سيف الحاضري إن المعركة في مأرب “وجودية ومصيرية بالنسبة للجيش اليمني وللحكومة الشرعية، وستكون أعنف مما يتوقعه الكثيرون”.
وأضاف الحاضري المتواجد في مأرب لـ”عربي21″، أن الدفاع عن مأرب سيكون شديدا، حتى في ظل الإمكانات المتواضعة للجيش، إلا أن العزيمة والإصرار لديه وهو المسنود بقوة من أبناء المحافظة، ستمكنه من الصمود وصد الهجوم الحوثي الذي تقف إيران خلفه بكل ثقلها سعيا منها للسيطرة على هذه المحافظة التي ترى فيها أمرا استراتيجيا في إطار حربها ضد السعودية.
وحمل رئيس تحرير صحيفة “أخبار اليوم” اليمنية، السعودية وحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي الانتكاسات الميدانية التي حدثت في الأسابيع الماضية، مؤكدا أن ذلك، جاء بعدما تخلت الرياض عن دعم الجيش اليمني وتوفير الذخائر والسلاح والدعم اللوجستي المطلوب للمعركة، واكتفت ببعض الطلعات الجوية.
في الوقت ذاته، تكتفي الحكومة الشرعية ببعض التصريحات والوعود والوعيد لهذا الجيش الذي يخوض المعارك بإمكانات متواضعة مقارنة بما يمتلكه الحوثيون من قوة عسكرية كبيرة، سخرتها إيران لدعم الجماعة لاحتلال اليمن بكامله.
لكنه، استبعد أن تتمكن “الحوثي”، من السيطرة على مدينة مأرب، وتجاوز الخطوط الدفاعية التي وضعتها قوات الجيش في أطراف المدينة.
وأردف قائلا: الوضع سيكون صعب جدا أمام الحوثي، ومهما استخدمت من عتاد حربي تدميري من صواريخ باليستية أو صواريخ الكاتيوشا أو المدفعية، فإنها ستجد نفسها أمام جدار صلب لا يمكن تجاوزه، أو يسمح لها بإسقاط المدينة التي تؤوي ملايين اليمنيين والنازحين من مناطق سيطرتها.
وأوضح الصحفي الحاضري أن “ما حققته إيران من إنجازات لها في اليمن يعتبر هزيمة للسعودية التي تصدرت مشهد الدفاع عن اليمن وعن الجزيرة العربية بشكل خاص، إلا أنها أفشلت نفسها ولم تفشل، وهزمت نفسها ولم تهزم، نتيجة حساباتها الثانوية وانحرافها عن أهداف التحالف العربي -الذي تقوده منذ 7 سنوات- المعلنة، وهي استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي وإعادة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى إنهاء المشروع الإيراني وقطعها ذراعه”.
وقال: “يبدو أنها ستدفع ثمن ذلك في أمنها واستقرارها، ما سينتج عن أفعال المليشيات التي باتت اليوم تحاصر المملكة من الجنوب، عبر اليمن، إلى جانب مليشيات الحشد الشعبي، على حدودها الشمالية المحاذية للعراق”.
“تغيير موازين القوى”
وفي السياق ذاته، نشر مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، الخميس، مقالا، للباحثين كيسي كومبس وصلاح علي صلاح، حول القتال في محافظة مأرب، وكيف سيعيد نتائجه تشكيل المحافظة؟
وأوضح الكاتبان أن القوى المتصارعة تضغط بكل قوتها لتحقيق انتصارات عسكرية في مأرب، علمًا بأن نتيجة معركة المحافظة تنطوي على إمكانية تغيير ميزان القوى الوطني بشكل حاسم.
وأشار المركز اليمني: “ستغير نتائج معركة مأرب العديد من معايير المعادلة السياسية الحالية، سواء في حالة استيلاء الحوثيين بالقوة على المحافظة، أو إذا أوقفت القوات الحكومية تقدم الحوثيين مؤخرًا – أو حتى إذا تم التوصل إلى تسوية”.
وأوضح أنه “باعتبارها آخر معقل للحكومة المعترف بها دوليًا في شمال اليمن ومصدرًا لاحتياطيات النفط والغاز الوفيرة، فإن مأرب تعد محافظة استراتيجية وذات قيمة عالية في الحرب بين الحوثيين والحكومة”.
وأضاف: “تتميز مأرب أيضًا بأنها فريدة من نوعها من حيث أن التجمعات المتنوعة للقوات المناهضة للحوثيين هناك لم تنقلب على بعضها البعض، كما شوهد في المدن الكبرى الأخرى في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مثل عدن وتعز، جنوب البلاد.
يرجع هذا، وفقا للتقرير، إلى حد كبير إلى حقيقة أنهم وضعوا الخلافات جانبًا للتركيز على الحاجة الملحة لمحاربة العدو الحوثي المشترك.
ولفت إلى عامل آخر وهو الازدهار الاقتصادي النسبي لمأرب في السنوات الأخيرة، والذي ساعد في تقليص مصدر رئيسي للشكاوى في المحافظات الأخرى التي تسيطر عليها اسمياً الحكومة المعترف بها دولياً.
ومع ذلك، فإن القوة المتنامية لحزب الإصلاح أدت إلى توتر هذه العلاقات”.
وشدد على أن التقدم العسكري السريع للحوثيين في مناطق العبدية وحريب والجوبة وجبل مراد بجنوب مأرب منذ أواخر أيلول/ سبتمبر قد خلق الآن فرصة محتملة لهم لمهاجمة مدينة مأرب من الجنوب.
وأوضح مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أنه “سيؤدي انتصار الحوثيين في مأرب إلى تغييرات قبلية ودينية وثقافية عميقة، كما حدث في المحافظات الأخرى التي يسيطر عليها الحوثيون، فإن الجماعة ستعين الموالين كمشرفين وفي غير ذلك من المناصب الرئيسية في السلطة”.
والخميس، سيطر الحوثيون على معسكر “أم ريش” الاستراتيجي المطل على الطريق بين مديريتي حريب والجوبة، جنوبي مدينة مأرب.
وفي الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أصدرت أحزاب “المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي والتنظيم الوحدوي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحزب الرشاد” في محافظة مأرب، بيانا شديد اللهجة، هاجمت فيه التحالف الذي تقوده السعودية، واتهمته بالإدارة السيئة للمعركة ضد الحوثيين.
واتهم البيان الحكومة الشرعية بالفشل على كافة المستويات، وخذلان مأرب التي تخوض معركة مصيرية ضد مسلحي الحوثي منذ مطلع العام الجاري.