زيارة بن زايد لسوريا: رؤية إماراتية وقلق أمريكي وقراءة إسرائيلية.. وقمة عربية في 2022
“نتفحص تقارير زيارة وزير الخارجية إلى سوريا، ونقلق من الرسالة التي يحملها. لن تظهر هذه الإدارة أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد، الديكتاتور المتوحش”، هكذا لخص المتحدث بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، موقف واشنطن من الأسد على خلفية خطوات التطبيع التي ترعاها بعض الدول العربية مع سوريا.
مع ذلك، يبدو أن الزيارة الرسمية التي قام بها عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، وشقيقه ولي العهد والحاكم الفعلي للدولة، محمد بن زايد، لم تفاجئ واشنطن. وحسب مصادر دبلوماسية غربية، أطلع بن زايد الإدارة الأمريكية، حتى قبل لقائه الأسد في دمشق، على المستجدات.
بن زايد ليس الزعيم الوحيد الذي يوطد علاقاته مع الأسد بعد عشر سنوات من إدانته بشدة للرئيس السوري والانضمام للتحالف الدولي الذي طالب بإزاحته عن الحكم. فالجارة البحرين أعادت هي أيضاً فتح سفارتها في دمشق. ووزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، الذي ستستضيف بلاده قمة الجامعة العربية في آذار 2022، أعلن في هذا الأسبوع بأنه يبذل جهوداً لإقناع الجامعة بإعادة سوريا إلى صفوفها بعد طردها منها سنة 2011.
عبد الله، ملك الأردن، تلقى الشهر الماضي مكالمة هاتفية مباشرة من الأسد، تباحثا خلالها في التعاون الاقتصادي المحتمل بين الدولتين. وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي زار واشنطن هذا الأسبوع في إطار الحوار الاستراتيجي الذي تجريه مصر مع أمريكا، قال في خطاب ألقاه في معهد ولسون، بأن سوريا تستطيع العودة والقيام بدورها التقليدي في العالم العربي والعودة إلى حضن الجامعة العربية “إذا أظهرت استعدادها لتأييد الأمن القومي العربي وأثبتت بأنه يمكنها أن تعالج نتائج النزاع الذي استمر لعشر سنوات، بما في ذلك معالجة الجوانب الإنسانية ومشكلة اللاجئين السوريين”.
هذه الشروط الضبابية التي لا توضح الدليل المطلوب من سوريا تقديمه، تشير إلى أن عليها أن تكون جزءاً من العالم العربي، أي ابتعادها عن إيران، وتوضح بشكل جيد الروح الجديدة التي تميز الدول العربية.
الولايات المتحدة قلقة، لكنها ستجد صعوبة في الوقوف أمام هذا الاندفاع، خاصة بعد أن سمحت لمصر والأردن بالتوقيع على اتفاق لتزويد الغاز والكهرباء للبنان عبر سوريا، وهي خطوة استهدفت إنقاذ لبنان، وفي الوقت نفسه، تحييد التأثير الاقتصادي لإيران في هذه الدولة. للوهلة الأولى، هذا اتفاق يعارض قانون العقوبات الذي تم فرضه على سوريا ويحظر عقد صفقات من أي نوع مع نظام الأسد، بالأحرى عندما تحصل سوريا في المقابل على نسبة من كمية الغاز والكهرباء التي ستمر في أراضيها في طريقها إلى لبنان.
لكن للولايات المتحدة مشكلة أكثر صعوبة من اتفاق الغاز والكهرباء هذا. فهي تفتقد إلى سياسة واضحة إزاء سوريا، وهي غير مشاركة في نقاشات صياغة الدستور السوري التي تقودها روسيا، في الواقع بدون نجاح حتى الآن، لكن لا يوجد لمبادرة روسيا أي بديل أمريكي أو أوروبي. يقتصر نجاح واشنطن في هذه الأثناء بصد نوايا تركيا في السيطرة على المزيد من الأراضي في شمال سوريا كي تقصي منها قوات المتمردين الأكراد الذين يحظون بالدعم الأمريكي. ولكنه دعم محدود ولا يطرح أي حل للأكراد أو لسوريا.
الكابح الروسي ضد تركيا
إن النجاح الرئيسي لبايدن حتى الآن سجل عندما أقنع الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، بإبقاء معبر حدودي واحد مفتوح مقابل ستة معابر كانت تعمل في السابق، الذي يمكن للأكراد عبره تلقي المساعدة. ولكن يبدو أن هذا الكابح المهم جداً ضد تركيا هو بوتين، الذي أوضح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في اللقاء بينهما في سوتشي بأنه لن يسمح له بتوسيع سيطرته في سوريا. وثمة رسالة مشابهة نقلها بايدن لأردوغان في اللقاء بينهما على هامش قمة “جي 20” في روما.
في مقابلة مع مجلة “مونيتور”، قال قائد القوات الكردية في سوريا، مظلوم كوباني، بأن الولايات المتحدة نقلت للأكراد تعهداً بعدم السماح لتركيا بالسيطرة على أراض أخرى، وأن تعهداً مشابهاً أعطي لهم من روسيا. جملة الافتتاحية في هذه المقابلة، التي أوضح فيها كوباني بأن “لا يهمنا بقاء الأسد أو رحيله، المهم هو حل لإقليمنا ولسوريا بشكل عام… إذا تم تحقيق هذا الحل بواسطة الأسد فليكن. نحن على استعداد للجلوس مع كل من يمكنه تقديم حل”.
بلغة دبلوماسية غير لطيفة، أوضح كوباني بأنه “ليس للولايات المتحدة خطة عمل شاملة فيما يتعلق بسوريا. ثمة سياسة ارتجالية، تتلخص في هذه الأثناء بالحرب ضد داعش”. حتى رعايا واشنطن في سوريا أصبحوا لا يثقون بقوة المظلة الأمريكية التي وعدوا بها.
تعكس أقوال كوباني افتراض الدول العربية. عشر سنوات من الحرب وأكثر من نصف مليون قتيل ومليوني لاجئ، لم تنجح في ضعضعة نظام الأسد. وفي المقابل، اتسعت دائرة النفوذ الإيرانية.
إذا كانت إيران قبل الحرب في سوريا مجرد دولة لها علاقات سليمة مع سوريا، تعتمد على الخدمات اللوجستية وخدمات المواصلات، حتى تغذي “حزب الله”، فقد تحولت عقب الحرب إلى الشريك الاستراتيجي لسوريا التي استبدلت التحالف مع الدول العربية. ترسخت روسيا كعامل حاكم في الدولة، التي عرفت في فترة حكم حافظ الأسد وفي سنوات الولاية الأولى لابنه بشار، كيف تناور بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً، وبعد ذلك أمام روسيا.
في كل سنوات الحرب الأهلية في سوريا كانت الولايات المتحدة هي الحاضر – الغائب. فقد امتنعت عن مهاجمة سوريا عندما استخدمت سوريا السلاح الكيميائي ضد مواطنيها، ولم تحرك ساكناً لإبعاد الأسد عن الحكم، ولم تنجح في منع تركيا من احتلال أراض في سوريا، وكرست جهودها للحرب ضد داعش. خوف الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، من الوقوف ضد الأسد نبع في الواقع من رغبته في التوصل إلى التوقيع على اتفاق نووي مع إيران، ولكن وبعد التوقيع على الاتفاق، امتنع أوباما عن اتخاذ أي خطوات هجومية أو سياسية ضد الأسد وأبقى الساحة لروسيا وتركيا.
أول من شخص
أورث أوباما هذه السياسة لدونالد ترامب، وترامب لبايدن. بعد ذلك، جاء الانسحاب الأمريكي المشوش والفوضوي من أفغانستان، واتفاق سحب القوات الأمريكية من العراق والضغط على السعودية للتوصل إلى إنهاء الحرب في اليمن، كل ذلك أجبر الدول العربية الرائدة على إعادة فحص سياستها في المنطقة، وبالأساس أمام الولايات المتحدة.
من قرأ الخطوط العريضة للخارطة السياسية الجديدة هو حاكم الإمارات بن زايد، الذي سبق لصحيفة “نيويورك تايمز” أن اعتبرته “الرجل الأقوى في الشرق الأوسط”. كان بن زايد أول من فهم أن الحرب في اليمن عبثية وقد تعرض مكانته ومكانة دولته في الولايات المتحدة وفي كل العالم للخطر. وقرر حتى في 2019 الانسحاب من الحرب وإبقاء صديقه ونظيره محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي والحاكم الرسمي فعلياً، وحده في الجبهة. في الوقت نفسه، وقع مع إيران على اتفاقات للتعاون الأمني استهدفت ضمان، ليس فقط الملاحة في الخليج الفارسي، بل بالأساس منع هجمات صواريخ الحوثيين على بلاده. مرت سنتان إلى أن فهمت السعودية أيضاً بأن النجوم لا تنتظم لصالحها، وقررت البدء بحوار مع إيران بوساطة العراق.
هز بن زايد مجلس التعاون الخليجي، الذي اعتبر خطأ ككتلة متماسكة والذي ينسق السياسة الخارجية والاقتصادية لدول الخليج، ليس فقط عندما انسحب من الساحة اليمنية، فقد كان هو الأول من بين زعماء دول الخليج الذي وقع على اتفاق سلام مع إسرائيل. والآن هو يطور علاقات لدولته مع تركيا. في آب أجرى بن سلمان مكالمة هاتفية طويلة مع الرئيس التركي أردوغان، ناقشت إمكانية استثمارات واسعة النطاق في تركيا. بعد مكالمة هاتفية، أرسل بن زايد شقيقه الشيخ طحنون بن زايد، الذي يشغل منصب مستشار الأمن القومي ورئيس مجلس إدارة شركة “صندوق الإمارات الوطني” من أجل الالتقاء مع أردوغان. كل ذلك في وقت كانت حليفتا الإمارات، مصر والسعودية، تنظران إلى تركيا كدولة معادية، أو على الأقل مشبوهة. وعندما تركيا نفسها، خلافاً لبن زايد، كانت تعتبر الأسد شيطاناً يجب إبادته.
على هذه الخلفية، نفهم خطوة بن زايد إزاء سوريا التي اعتبرها “فرصة تجارية”، التي من شأنها أن تضعه باعتباره رجل الدولة الأكثر أهمية والأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط. هذه الخطوة تقلق واشنطن لأنها تمنح روسيا نقاط استحقاق لجهودها في إعادة الأسد إلى الحضن العربي، وبدرجة أقل بسبب الجرائم التي ارتكبها الأسد. يبدو أن الإدارة الأمريكية أيضاً لا توافق على تبرير بن زايد، الذي يحاول أن يعرض منظومة أواني مستطرقة بين العناق العربي للأسد وبين انفصاله عن طهران. بن زايد أو زعماء عرب آخرين لا يطلبون من الأسد الانفصال عن إيران كشرط لدخوله إلى النادي العربي، وليس للأسد مصلحة في الانفصال عن إيران؛ لأنه مع المساعدة الاقتصادية والعسكرية التي يحصل عليها من إيران فإنه يستطيع استخدام التحالف معها كوسيلة ضغط حيوية، سواء في الشرق الأوسط أو أمام الغرب، حتى عندما يحصل على شرعيته من جديد.
ترى إسرائيل أن العلاقة الجديدة بين الإمارات والأسد لن تغير استعدادها أمام سوريا. فحرية نشاطها العسكري في سوريا تستند إلى موافقة روسية ترى بنفس المنظار مع إسرائيل الهجمات التكتيكية المنسوبة لها ضد أهداف إيرانية أو ضربها لقوافل السلاح الذاهبة ليد “حزب الله”. سوريا منذ فترة طويلة ليست المعقل الاستراتيجي الذي هدد أمنها أو احتاج إلى تجند سياسي ومفاوضات وإعطاء أراض من أجل إنهاء هذا التهديد. بالنسبة لإسرائيل، فإن استمرار حكم الأسد والشرعية العربية التي سيحصل عليها يشكلان مصادقة لها على الصعيد التكتيكي، ولروسيا على الصعيد الاستراتيجي، لمواصلة سياستهما.