دراسة حول (الجلوة) العشائرية وأثرها على حقوق الإنسان والسلم الأهلي في فلسطين
بحث مقدم إلى المؤسسة الفلسطينية للتمكين والتنمية المحليةالدكتور عمر رحال2019الفهرسالفصل الأول: المقدمة والإطار النظريمقدمة أهمية البحث.أهداف البحث. منهج البحثمشكلة البحث. فرضية البحث.أسئلة البحث. إطار البحث. مصطلحات البحث. الفصل الثاني: التطور التاريخي للقضاء العشائري في فلسطين. الجلوة ما بين العرف والقانون: تعريفها أنواعها وشروطها ومراحلها ومدتها وشخوصها أنواع (الجلوة) لماذا يتم اللجوء (للجلوة) مراحل (الجلوة) العشائريةأي سند قانوني (للجلوة)؟ هل من ضرورة (للجلوة) ؟ 21 (الجلوة) ما بين القانون والشريعةعلى ماذا يؤشر استمرار العمل في (الجلوة)الفصل الثالث: الآثار المترتبة على (الجلوة) والانتهاكات الناتجة عنها وانعكاساتها على السلم الأهلي.أولاً: أثر (الجلوة) على السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي. ثانياً: أثر (الجلوة) وأبعادها على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ثالثاً: أثر (الجلوة) على الحق في التعليمرابعاً: أثر (الجلوة) على الحق في السكن.خامساً: أثر (الجلوة) على الحق في العمل. سادساً: أثر (الجلوة) على الحق في المشاركة في الانتخابات. سابعاً: أثر (الجلوة) على البنية الاجتماعية والسكانية ما هو المطلوب: تجديد الفكر العشائري. النتائج.التوصيات. الخاتمة المراجع. (الجلوة) العشائرية وأثرها على حقوق الإنسان والسلم الأهلي في فلسطينالفصل الأول: المقدمة والإطار النظري مقدمة لعب الموروث الثقافي ولا يزال في فلسطين دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية ، وذلك لعدة أسباب أولها أن الثقافة الفلسطينية هي انعكاس للثقافة العربية، وأما السبب الثاني فيكمن في أن المجتمع الفلسطيني مجتمعاً عشائرياً تلعب به العشيرة والعائلة دوراً مهماً في حياة الفرد، وبسبب الاحتلالات المتعاقبة على فلسطين وعدم وجود قضاء نظامي رسمي وطني يفصل في المنازعات بين الفلسطينيين، أصبح للقضاء العشائري الدور البارز في الحياة الاجتماعية، فقد اعتمد الفلسطينيون على مر العقود الماضية وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي على رجال الإصلاح وعلى القضاء العشائري في حل خلافاتهم الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وكأن الفلسطينيين قرروا مقاطعة محاكم الاحتلال وشرطته. اعتمدت الحركة الوطنية الفلسطينية وتحديداً في الانتفاضة الأولى بشكل كبير على رجال الإصلاح والقضاء العشائري لحل الإشكاليات التي كانت تحدث داخل المجتمع الفلسطيني، وكان لكل تنظيم بعض الأشخاص إما المحسوبين عليه أو من المقربين إليه يقومون بدور القاضي، وكانت القوى الوطنية تقوم بتنفيذ القرارات التي كانت تصدر عن رجال الإصلاح .عقب تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية في شهر 5/1994، أنشئت دائرة في وزارة الداخلية تحت أسم الإدارة العامة لشؤون العشائر والإصلاح، وقد قامت الوزارة باعتماد أشخاص من مختلف المحافظات وقامت بإصدار بطاقات لهم، كما قامت مختلف المحافظات بتأسيس دائرة العشائر والإصلاح وأصدرت بطاقات لهم، كما قامت حركة حماس بتأسيس رابطة علماء فلسطين وحركة فتح بتأسيس لجنة عشائر فلسطين في التعبئة والتنظيم، كما أن هناك رجال إصلاح مستقلون وهناك رجال إصلاح شكلوا روابط ومجموعات خاصة بهم.بالرغم من إلغاء القانون العشائري في الأردن عام 1976 والذي كان سارياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن التقاضي العشائري لا يزال يُطبّق في فلسطين، بما في ذلك بنوده المتعلقة(بالجلوة) العشائرية، التي تعني إبعاد أهل الجاني في قضايا القتل المتعمد وهتك العرض وتقطيع الوجه من منطقة سكنيه إلى منطقة أخرى في المحافظة نفسها، وأحياناً إلى خارج المحافظة، و(الجلوة) هي عُرف بدوي في الأساس. وغالباً ما يتمّ إجلاء أقارب الجاني وفق التفاهمات العشائرية، وبعلم وبإشراف المؤسسة الأمنية في بعض الحالات . الاستمرار في العمل بالعرف العشائري (الجلوة) العشائرية حتى اللحظة له أسبابه المختلفة أولى هذه الأسباب عدم سيادة القانون، وانعدم ثقة المواطنين بالنظام السياسي، هذا إلى جانب طول إجراءات التقاضي في المحاكم وبقاء القضايا في المحاكم لسنوات طويلة، مما يؤدي بأهل الضحية للبحث عن طرق أخرى تعيد لهم (الحق) بشكل أسرع، ومن وجهة نظرهم فإن (الجلوة) هي واحدة من الخيارات الممكنة، التي تدفع الناس للالتجاء إليها، وهنا تكون (الجلوة) هي الخيار (الأنسب) بالنسبة لهم.أهمية البحث تنبع أهمية البحث كونه أصيل ، وهو الأول من نوعه في فلسطين في حدود معلومات الباحث المتواضعة، وعلى الرغم من وجود بعض أوراق العمل التي تتناول موضوع (الجلوة) العشائرية بشكل جزئي، إلا أنه لا يوجد هناك بحث متكامل حول الموضوع ، كما تنبع أهمية البحث باعتبار (الجلوة) واحدة من مهددات السلم الأهلي في المجتمع الفلسطيني، الذي بات يؤرق المجتمع الفلسطيني ومؤسساته الرسمية والأهلية، حيث لها تأثيراتها المباشرة على السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي، كما أن أهمية البحث تتجلى في تسليط الضوء على (الجلوة) العشائرية التي يعتبر البحث بها من (المحرمات) عند رجال الإصلاح والقضاء العشائري، باعتبارها من مقدسات الفكر العشائري .أهداف البحث يهدف البحث إلى:1. تناول (الجلوة) العشائرية في الفكر العشائري.2. (الجلوة) العشائرية ومدى قانونيتها.3. (الجلوة) وتأثيراتها الاقتصادية .4. أثر (الجلوة) العشائرية على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.5. التأثيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية (للجلوة) العشائرية، وأيضاً على التركيبة الاجتماعية.6. الخروج بمجموعة من النتائج والتوصيات التي من شأنها أن تساعد الجانب الرسمي والأهلي في الحد من تأثيرات (الجلوة) العشائرية. منهج البحث المنهج الوصفي التحليلي والتاريخي والقانوني هو المنهج المناسب للدراسة باعتبارها دراسة أولية استكشافية وصفية كما قد يرتبط بدراسة ظواهر حاضرة من خلال الرجوع إلى نشأة هذه الظواهر والتطورات التي مرت عليها والعوامل التي أدت إلى تكوينها الحالي. فهذا المنهاج يساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل، ومع ذلك لا بد من استخدام المناهج أعلاه لتحليل موضوع(الجلوة) العشائرية، ثم المنهج القانوني في محاولة لمعرفة مدى قانونية (الجلوة) العشائرية. في محاولة لإغناء الدراسة والإجابة على أسئلتها وتحقيق أهدافها. هذا البحث سيعتمد على الأدبيات المختلفة ومن مصادر مختلفة كالكتب والدوريات والانترنت. والصحف، بالإضافة إلى المصادر الأولية مثل القوانين والمقابلات الشخصية مع ذوي الاختصاص.مشكلة البحث تعتبر (الجلوة) العشائرية شكل من أشكال الترحيل القصري ، وهي شكل من أشكال العقوبات الجماعية ، كما أن لها آثار مباشرة على جملة من الحقوق السياسية والاجتماعية والمدنية والاقتصادية للمواطنين، كونها تشكل انتهاكاً لتلك الحقوق، حيث أنها تستند إلى العادات والتقاليد والأعراف القديمة، والتي لا تتوافق مع روح العصر، إلى جانب (مزاجية) بعض العائلات والعشائر، كما أن (الجلوة) العشائرية ترتبط وتتأثر بقوة عائلة الجاني أو المجني عليه على حدٍ سواء.هناك أصوات بدأت تعلو اليوم سواء من قبل مؤسسات المجتمع المدني أو الحقوقيين والحقوقيات بضرورة إجراء مراجعة (للجلوة) العشائرية خاصة بعد التأثيرات السلبية والكبيرة لها على حقوق المواطنين، هذا إلى جانب تأثيراتها المباشرة على السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي، وتأثيراتها السلبية على حقوق النساء والأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.أما الإشكالية الأخرى تتمحور في ممارسة (الجلوة) العشائرية اليوم في ظل وجود السلطة الوطنية الفلسطينية، أي في ظل وجود سلطة قضائية، كما أن السلطة التنفيذية تشارك في بعض الأحيان في عملية (إجلاء) المواطنين أو أنها تؤمن عملية (الإجلاء) التي يشرف عليها وجهاء العشائر.(الجلوة) العشائرية وإن كانت بدوية الجذور، فإنها كانت (مقبولة) في ذلك الحين أما اليوم فإن الأمر مختلف تماماً عما كان في السابق، إذ كانت البيوت تبنى وتشاد من الشعر، وبالتالي كان من السهولة أن يُرحل الشخص أو عائلته دون تأثير كبير، أما اليوم فإن الأمر تماماً مختلف لجهة تأثيراتها على جميع مناحي الحياة لا سيما الاجتماعية والاقتصادية . فاليوم هناك ارتباط في العمل والمدارس ومكان السكن .كما أنه من المعروف أن الجلوة تكون محددة بفترة زمنية معينة يتم الاتفاق عليها بين أهل الجاني وأهل الضحية، وذلك من خلال (الجاهة)، كما يتم الاتفاق على المنطقة التي سيتم (ترحيل) أهل الجاني إليها هذا بالإضافة إلى الاتفاق على الآلية التي ستستخدم لعملية (الترحيل) ووقتها ومن المشمول في (الجلوة) لأنه في بعض الأحيان تكون هناك بعض الاستثناءات، بالإضافة إلى كيفية المحافظة على أملاك أهل الجاني وكيفية إدارتها واستغلالها خصوصاً العقارات، ولكن المشكلة تكمن في مسألتين أساسيتين الأولى استغلال وإدارة العقارات سواء المباني أو الأراضي إما بالرفض المطلق للاستفادة منها، أو التراجع عن الاتفاق في كيفية الاستفادة منها، أما الإشكالية الثانية وهي تنصل وتراجع أهل الجاني في التزامهم في مدة (الجلوة) ، ففي كثير من الأحيان يكون هناك اتفاق على أن يتم (جلوة) أهل الجاني لفترة زمنية محددة، ولكن ولأسباب كثيرة يرفض أهل المجني علية عودة أهل الجاني إلى أماكن سكناهم، مما يؤدي إما إلى تجديد المشكلة أو لتحمل أهل الجاني أعباء اقتصادية واجتماعية ونفسية أخرى .فرضية البحث ينطلق البحث من فرضية مفادها أن ((الجلوة) العشائرية وما يترتب عليها من نتائج هي انتهاك لحقوق المواطن المكفولة في القانون الأساسي الفلسطيني، وفي القوانين الأخرى ، وأيضاً في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها فلسطين، وهي مهدد للسلم الأهلي والتماسك الاجتماعي ) ، وبالتالي فإن الفرضية إما أن تتحقق أو تنفى أو أن يعاد التأكيد عليها . وللبرهنة والتحقق من صحة الفرضية أو نفيها أو التأكيد عليها لا بد من طرح العديد من الأسئلة.أسئلة الدراسة 1. لماذا يتم اللجوء إلى (الجلوة) العشائرية .2. لماذا يتم إجلاء الأقارب حتى الجد الخامس في بعض الحالات ؟ ما الهدف والمغزى لذلك؟.3. أليست (الجلوة) آلية من آليات الحفاظ على السلم الأهلي؟.4. في ظل عدم سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، أليست (الجلوة) آلية وطريقة لحقن الدماء واستتباب الأمن؟ .5. ما هي تأثيرات (الجلوة) على (المُرحليين)؟.6. بما إن (الجلوة) لم ترد في القوانين والتشريعات لماذا إذن يتم ممارستها من قبل رجال العشائر وعلى مرأى ومسمع المؤسسة الأمنية والقضائية ؟ .7. ما هي تأثيرات (الجلوة) على الحقوق ، وما هي آثارها الاجتماعية والاقتصادية ؟ .8. ما المطلوب وما العمل لتعزيز الحد من (الجلوة)؟ .9. ما مدى انسجام (الجلوة) مع القوانين والاتفاقيات الدولية؟ .10. وهل يمكن اعتبار الجلوة شكل من أشكال العقاب الجماعي؟.11. هل من تعارض بين القضاء العشائري والدولة المدنية؟.إطار البحث أ الزمانية: سيكون التركيز بالدرجة الأولى على الفترة الممتدة من العام 1993 وحتى العام 2018. مع العودة إلى ما قبل هذا التاريخ.ب المكانية: ينصب البحث على الأراضي الفلسطينية.مصطلحات البحث· 1. رجل الإصلاح العشائري : كل شخص أفرزته مجموعة العلاقات المحلية والوطنية ولديه الرغبة والقدرة والتمتع بالسمعة المجتمعية ولديه موثوقية مجتمعية مكنته من ممارسة دوره في حل المشاكل المجتمعية،والقدرة على تهدئة الخواطر،وتقبل أطراف المشكلة لما يقترحه من حلول .2. الجاهة: هم مجموعة من الرجال يرأسهم أحد الوجهاء، تسعى الجاهة لعقد هدنة بين أهل الجاني وأهل المجني عليه تحـدد زمنياً، وذلك على طريق إنهاء الإشكالية وعقد صلح بينهما.3. فورة الدم : وهي التصرفات الانفعالية التي تصـدر عن أشخاص من عائلة / عشيرة المجني عليه ، بغية الانتقام أو للثأر.4. الجلوة: تحدث عندما ينشأ خلاف أو اعتداء بين عائلتين يؤدي للقتل، أو عندما يحصل اعتداء على العرض فإن عائلة/ عشيرة أخـرى ستقوم فوراً بترحيل أفراد عائلة/عشيرة المجني إلى منطقة أخـرى بعيدة، تحت حماية عائلة/ عشيرة ثالثة ، فالرحـيل من منطقة إلى منطقة أخرى هو الذي يسمى بـ" الجلوة".5. السلم الأهلي: هو مفهوم الترابط المجتمعي الوطني والقائم على قبول التنوع ونبذ العنف والإكراه والتعامل الحضاري والسلمي مع جميع الأشخاص المشتركين في المواطنة بغض النظر عن اختلافاتهم . صياغة هذا النوع من الترابط المجتمعي تتطلب جهوداً حثيثة باتجاه خلق واقع وطني بعيدٍ عن كل أشكال التهميش والعنف والعصبية في مختلف ميادين الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية.6. العطوة الأمنية: وتعطى من قبل ذوي المجني عليه بواسطة لجنة الصلح أو الطرف الذي تمت الاستجارة به من غير ذوي المجني عليه ويكتب صكها بوجود مندوبين عن السلطة الرسمية ، من الأمن وزارة الداخلية على إثر وقوع الجريمة وهذه العطوة من أقصر أنواع العطوات من حيث الفترة الزمنية حيث تكون مدتها ثلاثة أيام وثلث اليوم وتعتبر تهيئة لعطوة الاعتراف. وتأتي هذه العطوة في المرحلة الأولى لوقوع الجريمة وتسمى بدعوة الإمهال لأنها تعني إعطاء مدة زمنية قصيرة لتسوية الأمور المستعجلة.7. صـك العطوة: هو الوثيقة التي يدون فيها رئيس الجاهة وعدد من أعضاء الجاهة البنود التي تم الاتفاق عليها بين أهل الجاني وأهل المجني عليه بواسطة الجاهة. وعادة ما يوقع أهل الجاني وأهل المجني عليه وكفلاء من كلا الطرفين. والصك ملزم لكلا الطرفين.8. الصـُلح:هو الإجراءات التي تعمل الجاهة على تنفيذها، لإحلال الوئام بدل الخصام بين العائلتين المتخاصمتين، وعادة ما يلجأ عميد الجاهلة مع الجاهة للتنسيق بين الطرفين لإتمام مراسيم الصلح، وعادة ما يدعى مسؤولون في الدولة وكبار العائلات من المنطقة نفسها أو المحافظة للمشاركة في عملية الصلح، وعادة ما تلقى الكلمات التي تتحدث عن التسامح والإخاء والمحبة.9. مبدأ سيادة القانون: "مبدأ المشروعية"، ضرورة احترام القواعد القانونية القائمة، بأن تكون جميع تصرفات السلطات العامة في الدولة متفقة وأحكام القانون بمدلوله العام، سواء أكانت هذه السلطات تشريعية أو قضائية أو تنفيذية، فالخضوع للقانون لا يعني القانون بمعناه الضيق، أي الصادر من السلطة التشريعية وحدها، بل يقصد به القانون في معناه الواسع الذي يشمل كل القواعد القانونية القائمة بدءً من الدستور ونزولاً حتى اللائحة أو القرار الذي يصدر في إطارها.10. كفيل الدفا: وهو الشخص الذي تسند إليه مهمة حماية العشيرة التي كانت قد اعتدت على العشيرة الأخرى، وهذا الشخص عندما يتبرع بقبـول هذه المهمة فإنه يعلن ذلك علنا ً باسمه ونيابة عن عشيرته وبذلك تكون مسؤولية الحماية ملزمة له ولأفراد عشيرته. 11. كفيل الوفا: وهو الشخص الذي تسند إليه مهمة الوفاء بمتطلبات الصلح من تبعات ٍ مادية وماليـة، اشترطها المـُعتدَى عليه. فيبدي أحد وجهاء الجاهة استعداده والتزامه بالوفـاء بكل هذه المتطلبات باسمه ونيابة ً عن عشيرته.12. المسحوق: وهي عدم مطالبة ذوي الجاني أي شكل من أشكال التعويض من ذوي المجني عليه ‘ وذلك نتيجة عن الأفعال التي صدرت عن ذوي المجني عليه أثناء (فورة الدم)، حيث يعتبر كل ما يحصل أثناء (فورة الدم) وهي مدة زمنية محدد لا تتجاوز ثلاثة أيام وثلث اليوم، يكون بها (مباح) لذوي المجني عليه أن يثأروا وأن يحرقوا، وأن يخربوا... الخ. بمعنى أن كل ما قاموا به خلال تلك المدة من ردود أفعال هي بمثابة (مسحوق) أي أن ما قاموا به غير مطالبين بتعويضه. باعتبار أن (فورة الدم) هي عبارة عن ردة (فعل) طبيعية لا تستوجب الدية أو التعويض أو ما شابه ذلك.13. العطوة العشائرية:العطوة هي الهدنة التي يعطيها المعتدى عليه أو ذويه إلى المعتدي أو ذويه وتكون عبارة عن مهلة زمنية ليتسنى لهم ترتيب أوضاعهم والابتعاد عن منطقة ارتكاب الجريمة، وتعتبر العطوة من العادات والأعراف المجتمعية المستحدثة فقد كانت (الدخالة) تقوم مقامها ويلجأ إليها في القضايا الجزائية عند حدوث جرائم ضرب أو اعتداء أو قتل أو مساس بالعرض، ويتوسط بين الطرفين للحصول على العطوة مجموعة من ذوي الشأن من الوجهاء من ذوي المكانة المرموقة في المجتمع ويتم التوصل إليها من خلال ذهاب مجموعة منهملذوي المعتدى عليه وتسمى (الجاهة) ويتم التفاوض معهم للحصول على هذه الهدنة من خلال جهود أشخاص آخرون غير طرفي النزاع، بالإضافة إلى ذلك خبرة وتجربة ودراية في إجراءات الصلح تطيباً لخواطر ذوي المجني عليه، وكف أيدي أهل المجني عليه عن الاعتداء على الجاني أو ذويه وينظم بذلك صك خاص يسمى صك العطوة العشائرية) يوقع عليه وينتدب لهذه الغاية كفيلان يعرفان بكفيل الدفا وكفيل الوفا. وللعطوة دورا بارزا تمهيدياً لإنهاء النزاع وحل سبب الخصام وحماية الأرواح والممتلكات والحد من توسع آثار الجريمة إلى أفراد آخرين ليس لهم ذنب أو علاقة بما أرتكب وخاصة (ذوي الجاني) وتساهم العطوة في هذا المجالبما تقدمه من المساهمات العديدة في مختلف مراحل الجريمة من خلال وجود نوع خاص لكل مرحلة من مراحل الجريمة.14. تقطيع الوجه: عندما تقوم الجاهة بأخذ عطوة من المعتدى عليـه لصالح المعتدي، فإن الاتفاق بين الجاهة وهذه العشيرة بعدم الاعتداء على عشيرة المعتدي أو أحد أفرادها يعتبر ملزما ً، إلى أن يقوم القضاء العشائري بالنظر في الأمر، و يقال عادة " الجماعة بوجه فلان " أي بحماية ورعاية فلان. أما في حالة أن قام أحد أفراد العشيرة المعتدى عليها سابقاً بخرق هذا الاتفاق واعتدى بأي طريقـة على فرد من عشيرة المعتدي سابقاً فإن هذا الخرق يسمى ب " تقطـيع الوجه " أي أنه لم يحترم وجه الشخص الذي يرأس الجاهة التي تسعى للإصلاح، وبالتالي فهو لم يحترم العشيرة التي تنتمي لها الجاهة. وهنا تبدأ مشكلة جديدة ، إذ ستطالب عشيرة الجاهة بحقهـا المعنوي أمام أحد القضاة العشائريين من ذلك الشخص الذي خرق الاتفاقية ومن عشيرته التي ينتمي إليها، وهي من أصعب وأخطر ما يعرض على القضاء لأن إجراءات القاضي في هذا المجال ستكون قاسية على الشخص وعشيرته ماديا ً ومعنويا ً واجتماعياً، حتى لا يجرؤ أحد على خرق أي اتفاقية مستقبلا ً وعدم السماح لأي كان ب " تقطيع الوجه.الفصل الثاني: التطور التاريخي للقضاء العشائري في فلسطين[1] يمتد القضاء العشائري (غير الرسمي) في فلسطين إلى مئات السنين، وخلال وجود الأتراك في فلسطين، كان للقضاء العشائري في فلسطين لا سيما في مناطق النقب وبئر السبع وغزة والخليل وبيت لحم حضور قوي ولافت، واستمر هذا الحضور في زمن الاستعمار البريطاني وزمن الإدارة الأردنية في الضفة الغربية، وأيضاً وفي زمن الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بسبب (رفض) الفلسطينيين لحد ما التوجه إلى المحاكم الإسرائيلية. حيث كان للقضاء العشائري ولرجال الإصلاح دور مباشر وفعّال في الحياة الاجتماعية للفلسطينيين، حيث اعتمد الفلسطينيون على رجال الإصلاح والقضاء العشائري في حل خلافاتهم الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية.فترة الحكم العثمانيتركز القضاء العشائري في هذه الفترة في منطقة بئر السبع بشكل خاص، نتيجة لوجود العشائر البدوية في هذه المنطقة؛ واعتمد القضاة في حل المنازعات المعروضة عليهم على الأعراف والتقاليد المتوارثة. ولم تصدر الدولة العثمانية أي تشريعات لتنظيمه؛ ولكن كان هناك مجلس إدارة متخصص في النظر في النزاعات الواقعة ضمن منطقة بئر السبع، يتولى إدارته شيوخ عشائر بئر السبع. فترة الاستعمار البريطانيأصبح للقضاء العشائري في فترة الانتداب البريطاني أساسًا قانونيًا متينًا؛ حيث صدرت في هذه الفترة مجموعة كبيرة من القوانين التي تنظم القضاء العشائري، وعلى رأسها مرسوم دستور فلسطين لسنة (1922)، وخصوصًا المادة (45) منه، حيث نصت هذه المادة على أن: "للمندوب السامي أن يشكل بمرسوم محاكم منفصلة لقضاء بئر السبع ولما يستنسبه من المناطق الأخرى؛ ويسوغ لهذه المحاكم أن تطبق العرف المألوف لدى العشائر إلى المدى الذي لا يتنافى فيه مع العدل الطبيعي أو الآداب" غير أن مرسوم دستور فلسطين لم يكن أولى التشريعات التي نظمت القضاء العشائري؛ إذ كان قانون أصول المحاكمات العشائرية الذي تم نشره في الجريدة الرسمية سنة(1918) في العدد (9) قد نظم أصول المحاكمات أمام المحاكم العشائرية.ومن القوانين التي لها علاقة بالقضاء العشائري والتي تم إصدارها في الحقبة البريطانية "مرسوم تشكيل المحاكم لسنة (1939) وقانون المحاكم رقم (31) لسنة (1940)، و"قانون أصول محاكم العشائر لسنة (1937) ناهيك عن "قانون منع الجرائم بين العشائر والحمائل رقم (47) لسنة 1935"، وقانون المخالفات المدنية رقم(36) لسنة 1944. وقد نشر هذا القانون في العدد (1380) من الجريدة الرسمية لسنة (1944) .فترة الحكم الأردني والمصريلم يبق القضاء العشائري على حاله خلال الفترة التي خضعت فيها الضفة الغريبة للحكم الأردني، وقطاع غزة للإدارة المصرية؛ فقد تضاربت الأقوال حول وضعه في فترة الحكم الأردني للضفة الغريبة؛ إذ يرى البعض أن القوانين العشائرية لم تكن مطبقة في تلك الفترة؛ باستثناء العشائر البدوية التي بقيت خاضعة لقانون خاص بها، وهو "قانون الإشراف على البدو لسنة(1936) أما البعض الآخر فيرى أن القضاء العشائري كان حاضراً بقوة ومحمياً من الحكومة، إلا أن القضاة في تلك الفترة لم يكن يتم تعيينهم كما في فترة الانتداب البريطاني، ولم يتقاضوا رواتب من الحكومة الأردنية، بالإضافة إلى أن عدد القضاة والامتيازات الممنوحة لهم كانت قليلة جدًا، مقارنة مع وضعهم في فترة الانتداب البريطاني.أما في قطاع غزة فلم تقم الإدارة المصرية بتغيير النظام القانوني الذي كان سائدًا؛ وأبقت على كل القوانين التي كانت سارية زمن الانتداب البريطاني، بما فيها القوانين الخاصة بالقضاء العشائري.
فترة الاحتلال الإسرائيلي
في فترة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عاد القضاء العشائري وانتشر مرة أخرى؛ خصوصاً بعد أن قاطع الفلسطينيون المحاكم النظامية التي يديرها الاحتلال اعتقادًا منهم أن الجهاز القضائي ليس سوى أداة لتكريس الاحتلال؛ حيث كان يطبق قوانين فرضها المحتل.
وفي العام 1979، صدر قرار عن المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في عمان بتاريخ 22/1/1979 يحمل رقم 924/م/912، بموجبه قرر المجلس لوطني الفلسطيني تأسيس "الإدارة العامة لشؤون العشائر والإصلاح".
فترة السلطة الوطنية الفلسطينية
وجدت السلطة الوطنية الفلسطينية أنه لا مجال للاستغناء عن القضاء العشائري، وأنه والقضاء الرسمي يسيران في طريق واحد، لدعم سيادة القانون والوصول للعدالة وإحلال السلم الاجتماعي [2]. ومع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وتحديداً بتاريخ 14/9/1994 ، أعيد تشكيل "إدارة شؤون العشائر" بمرسوم رئاسي (4557)، ونشر في مجلة الوقائع الفلسطينية الرسمية، حيث صدر بتاريخ 9/11/1994 قراراً من الرئيس ياسر عرفات، يقضى بإنشاء إدارة شؤون العشائر، وفي تاريخ 16/2/1997 تم تعيين الحاج محمد فهد الأعرج من السواحرة مستشاراً لشؤون العشائر تحت اسم الإدارة العامة لشؤون العشائر والإصلاح. بحيث تكون تابعة لمكتب الرئيس[3]. فيما بعد ألحقت دائرة العشائر برئاسة الوزراء. وبتاريخ 15/3/2005، تم إلحاق "دائرة شؤون العشائر والإصلاح" بوزارة الداخلية.
يضاف لذلك وجود دائرة العشائر والسلم الأهلي في مختلف المحافظات. وعلى المستوى التنظيمي قامت حركة "فتح" بتأسيس لجنة عشائر فلسطين في التعبئة والتنظيم، كما قامت حركة (حماس) بتأسيس رابطة علماء فلسطين، كما أن هناك رجال إصلاح مستقلون.
لعب رجال الإصلاح والقضاء العشائري دوراً مهماً بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 في إرساء السلم الأهلي والحفاظ على النسيج المجتمعي، حيث أصبح للإصلاح أهمية كبيرة في حياة الناس، وهذا عائد لرفض الكثيرين من الفلسطينيين اللجوء لمحاكم الاحتلال وشرطته، حيث كان المواطنون يحلون خلافاتهم باللجوء إلى رجال الإصلاح والقضاة العرفيين، كما نشط رجال الإصلاح والقضاء العشائري في جميع مدن وقرى ومخيمات الوطن خلال الانتفاضة الأولى العام 1987.
يختص القضاء العشائري بنواحي القتل وهتك العرض وتقطيع الوجه، كما أنه ليس منافساً أو بديلاً عن القضاء النظامي . وإنما مكملاً ومساعداً له وليس موازياً أو بديلاً عنه من شأنه التخفيف على مكونات القضاء النظامي والشرعي[4]، والدليل على ذلك أن المحاكم الفلسطينية درجت على الإفراج عن المتهمين بكفالة في حالات كثيرة، وتخفيف العقوبة إلى النصف أو إلى الحد الأدنى المنصوص عليه قانوناً، كنتيجة لإجراءات الصلح العشائري[5]. ولعل مغزى ذلك يعود إلى اعتبار الصلح العشائري بمثابة تنازل عن الحق الشخصي أمام الـمحاكم النظامية، من خلال إسقاط دعوى التعويض المدنية المصاحبة للدعوى الجزائية أمام القضاء النظامي، إضافة إلى اعتقاد القضاة بأن تهديد الأمن والنظام العام لم يعد قائماً بعد توقيع صكوك الصلح. كما أن اللجوء إليه لا يضعف من حق المشتكي من اللجوء إلى القضاء النظامي المدني حتى بعد وجود صك تحكيم كما أن الحق العام لا يسقطه أبداً أي صلح عشائري[6].
وبالرغم من عدم وجود قيمة قانونية للقرارات العشائرية في القضايا التي تتعامل معها المحاكم، فحتى لو نصت العطوة على إعدام الجاني، فهذا القرار ليس ملزماً للقاضي النظامي ، ومن الممكن أن يصدر حكماً مختلفاً وفقاً للأدلة والبراهين التي يتعامل معها ، فعدم وجود قيمة قانونية لا يعني عدم وجود تأثير للعرف أو الأحكام العشائرية. فمثلاً إسقاط الحق الشخصي غالباً ما يتم بعد اتفاقات عشائرية، وبإسقاط هذا الحق غالباً تخفض العقوبة إلى النصف . إن قوة القانون العشائري تنبع بالدرجة الأولى من المنظومة الاجتماعية التي تعطي أهمية كبرى لدور العشيرة ، على الرغم من عدم وجود أثر للأحكام العشائرية على قانون العقوبات ، نرى أثرها واضحة في قوانين أخرى مثل قانون منع الجرائم، وعلى الرغم من إلغاء القانون العشائري إلا أنه ما يزال حاضراً [7].
وعلى الرغم من عدم وجود هذه القيمة القانونية، إلا أن بعض المختصين بشأن العشائري يروا أن القضاء العشائري يتبع أسلوب أو طريقة أو نهج يلجأ إليه في فض المنازعات وحل الخلافات معتمداً على مجموعة من الأسس أو النظم أو القواعد المتوارثة جيلاً بعد جيل، ومن خصائصه السرعة في حل المشاكل والإصلاح، وغلبة الطابع الجنائي عليه والقوة الإلزامية دون وجود سلطة تنفيذية، باعتباره دستور اجتماعي يتجلى تطبيقه في المجتمعات ذات الطابع البدوي أكثر [8].
الجلوة ما بين العرف والقانون: تعريفها أنواعها وشروطها ومراحلها ومدتها وشخوصها
تعريف (الجلوة): (الجلوة) في اللغة مشتقة من الجلاء، والجلاء يعني الرحيل أو ترك المكان أو الابتعاد عنه إلى موقع آخر. أي أن الجلوة العشائرية تعني ترك الموقع والرحيل عنه إلى موقع آخر. وهي مأخوذة من الجذر اللغوي جلى يجلو أي الإبعاد، وبعض الدول العربية مثل العراق تسميها "تغريب" من غربه، وهي عُرف بدوي الجذور يصنفه علماء "الاجتماع البدوي" أداة من أدوات الضبط الاجتماعي عند الجماعات البسيطة اقتصادياً وتنظيمياً حيث كانت سائدة وملزمة وضرورية عندما لم يكن هناك دولة بالمعنى الحديث. و)الجلوة) العشائرية متلازمة في العادات والأعراف والتقاليد مع جرائم القتل العمد أو جرائم العرض، أو تقطيع الوجه، لان هذه الجرائم من وجهة نظر العشائريين تعتبر من أكبر وأهم وأخطر القضايا التي تهز المجتمع وتؤثر فيه لاسيما في مجتمعات العشائرية المحافظة[9]. كما تعرف (الجلوة) اصطلاحاً على أنها عبارة عن إجبار ذوي الجاني وأقاربه على مغادرة مناطق سكناهم (قصراً) إلى منطقة بعيدة غالباً ما تكون داخل المحافظة أو إلى محافظة أخرى يتم الاتفاق عليها ما بين عائلة الجاني والمجني عليه برعاية ووساطة رجال الإصلاح والقضاء العشائري[10].