انعكاسات العدوان الإسرائيلي في أيار/ مايو 2021 على قطاع غزة وملف إعادة الإعمار …
د. رائد حلس
وفيما يلي أبرز ملامح الرؤية التنموية لإعادة الإعمار:
1. تحديد وترتيب الأولويات:
يعد قطاع الإسكان من أكثر الأولويات الملحة لتنميته وإعادة اعماره، وهو يغطي الاحتياجات الإسكانية خصوصاً وأن قطاع غزة لديه عجز كبير في هذا الميدان، يقدر بنحو 70 ألف وحدة سكنية، مع الحاجة إلى ما بين 10-15 ألف وحدة سكنية سنوياً،[13] وذلك لتغطية متطلبات الراغبين في الزواج، وكذلك متطلبات النمو الطبيعي السنوي الناشئ عن النمو السكاني المرتفع، بجانب الحاجة للإحلال البديل عن الوحدات السكنية المتقادمة، ويرتبط بما سبق الحاجة لترميم وإعادة إعمار الآلاف من الوحدات السكنية التي تمّ استهدافها خلال العدوان الإسرائيلي في أيار/ مايو 2021.
ويحتل الأولوية نفسها وفي خطٍ موازٍ قطاع البنية التحتية، وقطاعَي الصحة والتعليم، وقطاع المياه، وقطاع الطاقة والكهرباء.
2. التدخل الإغاثي السريع:
من أجل تضميد جروح الضحايا وتمكين المتضررين من العودة إلى الحياة العادية بأسرع وقت ممكن، وخصوصاً المتضررين الذين هم بحاجة إلى تدخل إغاثي ولا يستطيعون الانتظار من خلال رصد موازنة طارئة (التدخل الإغاثي السريع) لمعالجة الآثار التي أصابتهم بفعل العدوان، على سبيل المثال: بدل إيجار، وملابس، ومواد غذائية، ورعاية صحية ونفسية، ومصروفات نثرية…إلخ.
3. إيجاد بيئة مواتية للاستثمار:
تعد عملية إعادة الإعمار فرصة لإيجاد بيئة مواتية للاستثمار وتنشيط الاقتصاد المحلي يجب استغلالها لتشجيع المستثمرين المحليين، وجذب مستثمرين من الخارج للإسهام في عملية إعادة الإعمار، خصوصاً وأن عملية الإعمار تتم من خلال الاعتماد على الموارد المحلية من مصانع وشركات وطواقم بشرية، بالإضافة إلى أن الكثير من المدخلات اللازمة في عملية إعادة الإعمار يمكن توفيرها من السوق المحلي.
4. تحديد آلية جديدة لعملية الإعمار:
لقد شكلت الآلية السابقة في عملية الإعمار غداة عدوان 2014 أبرز التحديات والمعيقات لعملية الإعمار، كونها نشأت لتقنين دخول مواد البناء المصنفة إسرائيلياً بأنها ذات الاستخدام المزدوج، الأمر الذي أدى إلى بطء في تنفيذ متطلبات إعادة الإعمار، وبالتالي لا بدّ من العمل وفق آلية جديدة لإعادة الإعمار تتضمن دخول مواد البناء اللازمة لعملية الإعمار دون قيود أو شروط.
5. حشد التمويل اللازم لعملية الإعمار:
تدل التجارب السابقة في عمليات الإعمار السابقة خلال الاعتداءات 2008، و2012، و2014، أن الدول التي تعهدت بالأموال اللازمة لعملية الإعمار لم تلتزم بكافة التعهدات، وبالتالي كان هناك نقص في التمويل المخصص لعمليات الإعمار، لذلك لا بدّ من حشد التمويل اللازم لعملية الإعمار وأخذ الضمانات الكافية من الجهات المانحة لتنفيذ التعهدات والالتزام بتقديم الأموال اللازمة وفق تواريخ محددة.
6. توفير إطار قانوني لعملية الإعمار:
يجب توفير إطار قانوني ينظم عمل الأطراف القائمة على عملية إعادة الإعمار، بحيث يتم تحديد المهام والمسؤوليات والأدوار بكل طرف من الأطراف القائمة على عملية إعادة الإعمار، وبحيث تقوم هذه الأطراف أيضاً بتطوير أدلة إجراءات مرجعية ومكتوبة حول إجراءات تقديم الخدمات للمتضررين.
7. تخصيص صندوق خاص بعملية الإعمار:
إن تخصيص صندوق خاص بأموال إعادة الإعمار يحقق المراقبة، ويُمكِّن من متابعة بنود الصرف وآلية الإنفاق، وكذلك يعزز الرقابة المجتمعية، ويشجع الدول المانحة على الإسهام في عملية الإعمار، ويضمن تحقيق النزاهة والشفافية ويحد من الفساد، وكذلك يحد من تلاعب بعض المؤسسات الأممية والدولية والمحلية بأموال المانحين، ويضمن عمل الجميع تحت مظلة واحدة، وبالتالي يصبح هذا الصندوق هو القناة الوحيدة لاستلام أموال المانحين، ويتم الصرف للمؤسسات العاملة في إعادة الإعمار من خلال تقديم مقترحات برامجية لهذا الصندوق.[14]
خاتمة:
لقد أثرت سياسة الحصار والعدوان التي انتهجتها “إسرائيل” على مدار 15 عاماً وما زالت على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدت بطبيعة الحال إلى انهيار كبير في القدرات الإنتاجية في قطاع غزة، وأثرت بشكل كبير على تنفيذ مجمل الخطط والبرامج التنموية الفلسطينية في قطاع غزة، التي حال تنفيذها في قطاع غزة بسبب الحصار والانقسام والاعتداءات المتكررة على القطاع، كما تسببت هذه السياسة في وقف عشرات المشاريع الدولية والمحلية والتابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees in the Near East (UNRWA)، خصوصاً ما يتعلق بمشاريع الإسكان ومشاريع البنية التحتية من كهرباء وصرف صحي ومياه وخدمات أخرى مما أصابها بالشلل التام.
كما ترك العدوان الإسرائيلي في أيار/ مايو 2021 دماراً واسع المدى أصاب كافة القطاعات الاقتصادية وتسبب بخسائر اقتصادية فادحة، الأمر الذي يتطلب وبشكل فوري من جميع الجهات الحكومية الرسمية والقطاع الخاص، ووكالة الأونروا، والمنظمات والهيئات الدولية، والدول المانحة، والعديد من الدول العربية الشقيقة، والعديد من دول العالم الصديقة، البدء الفوري لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال خلال العدوان الأخير، وتنمية وتأهيل قطاع غزة، وحشد التمويل اللازم لعملية الإعمار، والتركيز على بعدها التنموي لإيجاد فرص عمل، وتعزيز قدرة الاقتصاد.
[1] دكتوراه في فلسفة الاقتصاد، ومختص في الشأن الاقتصادي الفلسطيني، وله العديد من الكتب والدراسات والأبحاث العلمية والتقديرات المنشورة.
[2] لتفاصيل حجم الخسائر انظر: 479 مليون دولار إجمالي خسائر كافة القطاعات.. اللجنة الحكومية تعلن نتائج حصر أضرار العدوان على غزة، موقع وزارة الإعلام – المكتب الإعلامي الحكومي، 13/7/2021، انظر:
https://bit.ly/3iee6NB؛ و479 مليون دولار.. إجمالي خسائر العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وكالة الأناضول للأنباء، 12/7/2021، انظر:
https://bit.ly/3fbAlBO؛ وبالأرقام.. حصيلة أولية بضحايا وخسائر العدوان الإسرائيلي على غزة، موقع الجزيرة.نت، 21/5/2021، انظر:
https://bit.ly/3idDjaY[3] مازن العجلة، سنوات التنمية الضائعة في قطاع غزة (2007-2018) (رام الله: مركز الأبحاث الفلسطيني، 2020)، ص 123.
[4] ورقة حقائق حول: آثار الحصار الإسرائيلي المشدد على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة، 10 مايو – 14 يونيو 2021، مركز الميزان لحقوق الإنسان، غزة، 2021، ص 3، انظر:
http://www.mezan.org/uploads/files/1623741528120.pdf[5] هل يشكل معبر رفح بين غزة ومصر بديلاً عن المعبر التجاري مع إسرائيل؟، الجزيرة.نت، 7/6/2021، انظر:
https://bit.ly/3ffs7bM[6] يقدِّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة عدد المهجرين قسريًاً بنحو 8,500 شخص. ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع انظر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية – الأرض الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، الاستجابة لحالة التصعيد في الأرض الفلسطينية المحتلة، تقرير الحالة السادس (25 حزيران/ يونيو – 1 تموز/ يوليو 2021)، 2/7/2021، انظر:
https://bit.ly/3j07pxS[7] غزة: القطاعات الاقتصادية تواجه صعوبة في التعافي بسبب استمرار التضييق الإسرائيلي، صحيفة القدس العربي، لندن، 19/6/2021، انظر:
https://bit.ly/3yjPvg6[8] هل يشكل معبر رفح بين غزة ومصر بديلاً عن المعبر التجاري مع إسرائيل؟، الجزيرة.نت، 7/6/2021.
[9] ورقة حقائق حول: آثار الحصار الإسرائيلي المشدد على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة، 10 مايو – 14 يونيو 2021، مركز الميزان لحقوق الإنسان، غزة، 2021، ص 6.
[10] خطة إعادة إعمار غزة تهدف إلى تعزيز نفوذ مصر السياسي في المنطقة، موقع فرانس 24، 11/6/2021، انظر:
https://bit.ly/3xhBtu2[11] محمود صبرة، إعادة الإعمار وسياسة الاحتواء، موقع زوايا، 17/6/2021، انظر:
https://bit.ly/3zZx5Bo[12] عمر شعبان، يجب عدم تسييس ملف إعادة الاعمار، موقع مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، غزة، حزيران/ يونيو 2021، انظر:
https://bit.ly/37a0WLc[13] وزارة الأشغال العامة والإسكان، الإطار العام لإلية إعمار قطاع غزة (المباني العامة والخاصة والطرق الرئيسية)، غزة، 2015، ص 17.
[14] عمر شعبان، يجب عدم تسييس ملف إعادة الاعمار، موقع مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، غزة، حزيران/ يونيو 2021
للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
https://www.alzaytouna.net/arabic/data/attachments/AcademicArticles/PA_RaedHelles_IsraeliAggressionGaza2021_8-21.pdf