الجيش الإسرائيلي بين التنازع الإثني والاندماج الاجتماعي
د. وليد عبد الحي
ورقة علمية: الجيش الإسرائيلي بين التنازع الإثني والاندماج الاجتماعي
إعداد: أ. د. وليد عبد الحي [*] / خاص بمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات - بيروت
مقدمة
يشكل التعدد الإثني Ethnicity أحد السمات المشتركة بين أغلب المجتمعات الاستيطانية، وتكاد "إسرائيل" والولايات المتحدة تمثلان النموذج الأكثر وضوحاً في هذا الجانب، فالمجتمع الإسرائيلي مكون من إثنيات تنتمي في أصولها التاريخية إلى أكثر من مئة دولة، ناهيك عن التناقض الاستراتيجي مع المجتمع الأصلي؛ وهو المجتمع الفلسطيني في حالتنا هذه.
وتشكل الإثنية أحد معضلات بناء الدولة وتحديد هويتها من ناحية، وبناء التماسك أو التضامن المجتمعي من ناحية أخرى، فتحديد الهوية الثقافية للدولة، طبقاً لتعريف الموسوعة البريطانية، يواجه في حالة الدولة الاستيطانية مشكلة التنازع بين "الهوية المشتركة" والهوية الخصوصية (لكل تنوع إثني). أما في حالة المجتمع الاستيطاني، فتبدو المشكلة في كيفية التوفيق بين منظومات متباينة دينياً أو عرقياً أو لغوياً أو متباينة في منظوماتها القيمية والفنية وأنماط حياتها.[1]
وتشكل نظرية إميل دوركهايم Emile Durkheim الخاصة بتقسيم العمل،[2] النظرية التي نرى أنها الأكثر تعبيراً عن مشكلة بناء الدولة وبناء المجتمع، حيث يقسم دوركهايم التضامن أو الولاء الاجتماعي إلى نمطين: التضامن الآلي Mechanical؛ القائم على الروابط التقليدية، مثل اللغة والعرق والدِّين والثقافة واللون ونمط الحياة…إلخ، وهناك التضامن العضوي Organic؛ وهو التضامن الناتج عن الترابط الوظيفي Functional والمصلحي. ويرى دوركهايم في استنتاجاته النهائية أنه كلما تطور المجتمع وظيفياً كلما تراجع التضامن الآلي، وعليه تصبح مهمة الدولة هي تطوير التضامن العضوي على حساب الآلي، وهنا يثور التساؤل: ما هي أدوات تطوير التضامن العضوي؟
وللإجابة عن هذا التساؤل، تستخدم الدول عدداً من الأدوات لإيجاد التجانس والتضامن، ومن بين هذه الأدوات؛ المؤسسات العسكرية، ولعل "إسرائيل" هي الدولة الأبرز في هذا المجال، وهذا ما سنحاول الإضاءة عليه.
أولاً: المنظور الإسرائيلي لوظيفة الجيش في التكامل الاجتماعي:
يقوم المنظور الإسرائيلي في هذا الجانب على أساس:[3]
1. تعزيز فكرة المخاطر الأمنية على الدولة والمجتمع لتعزيز التضامن بين أفراد المجتمع، ولكنه يعمق بالمقابل مشاعر الكراهية تجاه الأقلية العربية، بالإضافة إلى أن جزءاً مهماً من النخبة الفكرية الإسرائيلية تميل إلى أن حدة الشعور بالخطر الخارجي من قبل الإسرائيليين تراجعت منذ سنة 2009، وهو ما يضعف هذه الآلية.
2. ارتفاع معدل الإنفاق العسكري إلى إجمالي الناتج المحلي في "إسرائيل"، ينعكس على مستويات الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الأخرى التي هي مصدر شكوى الأقليات الفقيرة، وهو ما يوجِد شعوراً بعدم التضامن من قبل هذه الأقليات مع المؤسسة العسكرية.
3. ثمة نقاش في الدوائر الأكاديمية الإسرائيلية حول دور المؤسسة العسكرية والالتحاق بالجيش في تعزيز أو إضعاف النزعة القومية. فهناك من يرى أن الخدمة العسكرية تعزز الشعور القومي وبالتالي توجِد نزعة الحساسية تجاه الأقليات في المجتمع، وهناك من يرى أن الالتحاق بالجيش يقود إلى تطوير قيم مشتركة، وبالتالي يعزز "الاحترام المتبادل" بين الثقافات الفرعية في المجتمع وإيجاد نموذج "الوطنية البناءة Constructive Patriotism".