لماذا تخشى إسرائيل غزة؟.. تخوفات إسرائيلية من مفاجآت المقاومة المُعطل الرئيسي لإطلاق الضوء الأخضر للحرب الجديدة.. انقسامات وخلافات داخل دولة الاحتلال حول العملية العسكرية ومن سيدفع ثمنها.. كيف نجحت غزة في تغيير قواعد اللعبة العسكرية؟ وهل قرار الحرب بيد بينيت أم السنوار؟
يومًا بعد يوم ترتفع أسهم اندلاع حرب جديدة على قطاع غزة، خاصة في ظل الأجواء المشحونة والمتوترة التي شهدتها الساعات الماضية، وما رافقها من تهديد ووعيد إسرائيلي بأن “ساعة الصفر” لإطلاق عملية عسكرية كبيرة على القطاع لـ”القضاء على المقاومة” قد اقترب كثيرًا.
هذه الأجواء تتشابه تمامًا مع الأجواء التي سبقت الحروب الماضية الدامية التي شُنت على قطاع غزة من قبل إسرائيل وجيشها، ولكن ما يمنع الاحتلال هذه المرة من تنفيذ التهديدات التي وصل لحلق كل الإسرائيليين في الدعوات لـ “قلب وحرق غزة” بأكملها هو المقاومة الفلسطينية وما تملكه من أوراق سرية.
فإسرائيل وأجهزتها الأمنية والإستخباراتية المختلفة تعلم تمامًا وفقًا للمعلومات الأمنية التي تصلها من كل مكان، بأن غزة 2022 مختلفة تمامًا عن غزة في السنوات الماضية، فباتت لقمة المقاومة بأجنحتها العسكرية المختلفة كتائب القسام وسرايا القدس ولجان المقاومة وكتائب شهداء الأقصى وغيرها، صعبت الهضم، والمفاجآت هي العنوان لأي جولة تصعيد قادمة.
ورغم أن الأوضاع الساخنة على حدود القطاع، وما شهدته من إطلاق نار وقصف بالصواريخ، إلا أن الجميع بات يتساءل هل قرار الحرب بيد رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في غزة يحيى السنوار؟، أم أن الضغوطات الداخلية المتصاعدة ستُجبر رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت على أصعب قرار يتخذه وسيكون هو أول الخاسرين إذا نُفذ وهو “ضرب غزة”.
إسرائيل تعترف بفشلها
تقارير عبرية خلصت إلى أن النهج الاقتصادي لا يشكل بالضرورة كابحا في وجه الأيديولوجيا التي تتبعها حركة “حماس” التي تدير قطاع غزة المحاصر منذ 16 عاما، محذرا من مفاجآت حماس “المؤلمة”.
وأوضحت “يديعوت أحرنوت” في مقال مشترك لكل من جنرال احتياط عاموس جلعاد، وميخائيل ميلشتاين، أن “الجهود المتزايدة لحماس لتشجيع المواجهات في الضفة الغربية، وحادثة إطلاق النار على السياج مع القطاع وإطلاق الصاروخين أمس، يفترض أن تشعل أضواء حمراء أمام مقرري السياسة في إسرائيل بشأن الفجوات في التسوية المتشكلة في غزة، والتحذير من التباهي الزائد بالهدوء النسبي هناك”.
ونوهت إلى أن “حماس تتباهى بإعادة البناء المتسارع لقوتها العسكرية استعدادا لمعركة مستقبلية، وتهدد باستئناف التصعيد إذا لم تلب مطالبها على المستوى المدني، أو في ضوء التوتر في القدس والضفة وفي أوساط الأسرى”.
ولفتت إلى أن “أصحاب القرار في إسرائيل مطالبون بتغيير في الوعي والعمل بالنسبة للقطاع؛ ومطلوب أولا، الاعتراف بقيود التفكير الغربي الذي يفترض بأن اقتصادا جيدا يشكل كابحا أمام الأيديولوجيات، لأن هذا النموذج فشل مرات عديدة في العقود الأخيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك في أثناء العدوان الأخير على غزة، حيث بدأت حماس الحملة (أطلقت عليها سيف القدس) بمبادرتها لأول مرة في تاريخها بدوافع أيديولوجية ودينية”.
وثانيا، “ثمة حاجة ماسة لصب مضمون عملي في الشعار الذي رفع في أثناء العدوان الإسرائيلي بأن ما كان لن يكون، فالعمل على مبادرات مدنية تجاه القطاع دون أن تكون حماس مطالبة بثمن ما في موضوع جنودنا الأسرى، وتعاظم القوى العسكرية وتواصل تشجيع العمليات في الضفة والقدس، من شأنه أن يصبح تحديا استراتيجيا في المدى البعيد، كما أن السياسة الحالية تنطوي على اعتراف بحماس كحقيقة قائمة، تعزز مكانتها في الساحة الفلسطينية وتقلص إمكانية الاحتجاج الجماهيري ضدها واحتمال عودة السلطة للقطاع”.
ورأت “يديعوت” أن “إسرائيل في غزة تقف أمام معضلة ومشكلة متعاظمة ليس لها حل سحري، فاتخاذ نهج متصلب وجباية ثمن من حماس، ستجر احتكاكات أمنية في القطاع، وهي كفيلة بأن تشوش مساعي تعاظم القوة لديها”.
وطالبت بالعمل على “تحسين قدرة التحليل الإسرائيلية لمنطق حماس؛ فالحديث يدور عن جهة تحركها قوة السعي إلى العمل والاشتباك لغرض تحقيق أهدافها الأيديولوجية بعيدة المدى، وحماس تسمح بين الحين والآخر بفترات هدوء، مثل الآن، بدوافع مصلحية، ومن الصعب على إسرائيل أحيانا أن تفهم الآخر الذي يحركه عالم مفعم بالحماسة الأيديولوجية”.
ونبهت الصحيفة، إلى أنه “مع نموذج التسوية المترسخ في غزة، ليس بمنزلة ضمانة ألا تخرج حماس مرة لأخرى إلى المعركة، حين تكون هذه المرة قوة الإصابة لإسرائيل والمفاجأة من شأنها أن تكون مؤلمة أكثر من الماضي”.
للمقاومة الكلمة الأقوى
وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس واصل تهديداته بشن هجوم واسع على قطاع غزة، فيما أجرت قيادة الأركان بالجيش الإسرائيلي، تقييما للوضع في فرقة غزة العسكرية مع غانتس وكوخافي ورئيس الوزراء نفتالي بينيت.
وصرح بينيت بأن “قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة العسكرية جاهزون لأي سيناريو”، فيما نقلت مصادر مقربة منه قوله إنه على “استعداد للذهاب لخيار الحرب على غزة، حتى لو كلفه الثمن كرسي رئاسة الوزراء وخسارة دعم نواب القائمة الموحدة للائتلاف الحكومي”.
وأمام هذه المتغيرات المتسارعة واعتراف الاحتلال بتعاظم قوة المقاومة في غزة، يقول القيادي في حركة “حماس”، النائب مشير المصري، إن المقاومة يدها على الزناد، وهي جاهزة للدفاع عن شعبنا الفلسطيني ، مؤكداً أن المعادلة الآن هي لكل فعل رد فعل.
ويضيف المصري: “لا شك أن المقاومة من خلال المعارك التي خاضتها فرضت معادلات جديدة في إدارة الصراع، ورسمت قواعد اشتباك رسختها بالدم، وقدرتها على الإدارة الحكيمة والمواجهة مع المحتل”، مشيرًا أنه تم إرسال رسالة للوسطاء مصحوبة بتحذير للاحتلال من مغبة الإقدام على أي عدوان صهيوني على قطاع غزة.
وبين القيادي في “حماس”، أنه لم تعد سطوة العدو وعنفوانه هي التي تحدد معالم المرحلة وإدارة المعركة، وبات معلوما للجميع أن بيت الاحتلال أوهن من بيت العنكبوت.
وأكد المصري أن المقاومة لن تقف صامتة أمام تشديد الحصار على قطاع غزة و التلاعب بملف إعادة الإعمار والتنكيل بالأسرى، مشددا على أن جنود الاحتلال لن يروا النور قبل أن يرى أسرانا شمس الحرية.
وبعد أشهر مرّت على اتفاق وقف إطلاق النارِ في غزة، أو ما عُرِف يومها بمعركة “سيف القدس”، لم يُعلن إلّا القليل من التفاصيل، لكنّ الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم لم يرفع يدهُ عن المسجد الأقصى في القدس المحتلة، كما تعهد في الاتفاق الذي أدارته مصر، ولا عن حي الشيخ جراح القريب.
كما أن رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر لا يزالان يخضعان للمزاج والاستنسابية الإسرائيليين، فضلاً عن عدم السماح لموادّ البناء بالدخول إلى القطاع، كما أن الحصار البحري ما زال سارياً، فلم يلتزم الاحتلال بتوسيع نطاق إبحار الصيّادين الغَزّاويين، بل واصل التضييق عليهم.
أما القضيّة الأهم فهي موضوع الأسرى الفلسطينيين الذين قضى تفاهم القاهرة بالمُضي به، لكن الجانب الإسرائيلي نكث بتعهده، ورفض إطلاق الأسرى الذين انتهت محكوميّاتهم، لا بل مضى إلى مزيدٍ من الاعتقالات.